المسؤولية الدولية عن الجــرائم البيئية وأثرها على الأمن الإنســـــاني
(مع توضيح جهود المملكة العربية السعودية في مكافحة هذه الجرائم)
International responsibility for environmental crimes and their impact on human security (With an explanation of the Kingdom of Saudi Arabia efforts to combat these crimes)
شوق بنت مناحي الدعجــاني (جامعة الطائف، المملكة العربية السعودية)
Shawq bint Manahi Al-Dajani (Taif University, Kingdom of Saudi Arabia)
مقال منشور في مجلة جيل حقوق الإنسان العدد 41 الصفحة 47.
المُلخص:
يحظى الأمن البيئي بأهمية بالغة في وقتنا الحالي خاصة مع تطور وزيادة النشاط البشري والتقدم الصناعي والتعسف في استغلال الموارد الطبيعية، ومدى أهمية تأثيرها القوي على التنمية المستدامة باعتبار أن الحماية البيئية هي حماية مزدوجة تقتضيه المصالح الدولية العامة، وعليه فإن كل ما يهدد أو يؤرق الأمن البيئي يؤثر سلباً بالتأكيد على العالم بأكمله؛ حيث أصبحت قضايا جرائم البيئة إحدى القضايا البارزة على مستوى دول العالم المتقدمة منها والنامية، والتي تتمثل صور البعض منها في الجرائم المتعلقة بتلوث البيئة والتغيرات المناخية وجرائم النفايات الخطرة واستنفاد طبقة الأوزون، وكان للملكة العربية السعودية جهود بالغة الأثر تصب في حماية البيئة وعنايتها، وجاء تأكيد ذلك في نص المادة الثانية والثلاثون من النظام الأساسي للحكم على أن “تعمل الدولة على المحافظة على البيئة وحمايتها وتطويرها ومنع التلوث عنها”.
كما أن قضايا الجرائم البيئية بالتحديد لها طابع خاص؛ كونها جرائم عابرة للحدود والتي تستلزم تدخل المجتمع الدولي لمساسها بحياة الإنسان ومصالحه بحسب ما يطرأ عليها من اضرار كما أنها لا تقتصر على حدود سياسية أو إدارية، بل تمتد الآثار المترتبة عن جرائم الاعتداء على البيئة لأقاليم مجاورة أو أكثر؛ لسعة انتشارها كالأوبئة والأمراض.
وانطلاقاً ممّا تقدم سوف تبحث هذه الورقة البحثية فـي؛ الأساس الذي تقوم عليه المسؤولية الدولية عن قضايا الجرائم المرتكبة ضد البيئة، ومعرفة البنيان القانوني لأركان الجريمة البيئية، ومدى خطورتها على أشخاص القانون الدولي وعلاقتها بالأمن والسلم الدوليين، وأيضاً أثرها على الأمن الإنساني.
الكلمات المُفتاحية: المسؤولية الدولية، الجرائم البيئية، الأضرار البيئية، الأمن البيئي، البيئة، الأمن الإنساني
Abstract:
Environmental security is great importance in our present time, especially with development and increase of human activity, industrial progress, and abuse in exploitation of natural resources, and the importance of its strong impact on sustainable development, considering the environmental protection is a dual protection required by public international interests, therefore, everything threatens or concerns environmental security negatively affects the entire world
Where the issues of environmental crimes became become one of prominent cases in the developed and developing countries, some of them are represented in crimes related to environmental pollution, climate, change, hazardous waste crimes and ozone layer depletion
The Kingdom of Saudi Arabia had great impact efforts in protecting and caring the environment. This was confirmed in the text of Article 32 of the Basic Law of the Governance, that “the state works to preserve, protect and develop the environment and prevent pollution ” from it. “
Cases of environmental crimes are special nature. as they are transnational crimes that require intervention of international community to prejudice human life and interests according to the damages that occur to them, as it is not limited to political or administrative borders, but rather the consequences of crimes against the environment extend to one or more neighboring regions. The scale of its spread such as epidemics and diseases
Based on the foregoing, this research paper will discuss: The basis for international responsibility for crimes against the environment, knowledge of the legal structure of the pillars of environmental crime, the extent of its danger to persons of international law and its relationship to international peace and security, as well as its impact on human security.
Key words: international responsibility, environmental crimes, environmental damage, environmental security, environment, human security.
مُقدمـــة
تتجلى عظمة صنع الله تعالى في خلق الأرض وما تحوي من عناصر طبيعية تضفي بدورها سُبل الحياة عليها وفق نظامٍ دقيق ومُحكم، إلا أن النهضة البشرية ومتطلباتها أثرت بطريقة مباشرة وغير مباشرة على أمن البيئة ممّا دعا إلى وجود أنظمة وقوانين ترمي إلى حمايتها.
يتمتع موضوع حماية البيئة بعناية كبيرة نظراً لحداثته على الساحة الدولية، حيث يعتبر محور اهتمام التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية بهدف الحفاظ على أمن البيئة وسلامتها؛ إزاء الاعتداءات التي تَطَالُها بسبب التدخلات البشرية، وإلى ما توصل إليه العالم من تقـدم صناعي وتكنولوجي، ممّا ينعكس سلباً على عناصر البيئة، ولا شك أن ظاهرة التلوث هي من الظواهر المُعاصرة والتي عانت منها كثير من دول العالم، وتنفرد الجريمة البيئية عن غيرها من الجرائم الاعتيادية؛ كونها لا تقف عند حد معين ممّا ينجم عنها أضـراراً لا حصر لها.
ومن خـلال الأزمات البيئية الدولية ومن ضمن إطار حماية البيئة، أصبح من اللازم وجود نظـام قانـوني، يكفل للبيئة الحماية المرجوة ويحد من التهديدات المؤدية إلى استنزاف البيئة وعناصرها، وبطبيعة الحـال فإن القانون الدولي للبيئة يعد مصدراً لها؛ وذلك من خلال الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بالبيئة، وأيضاً المؤتمرات المعنية بها بما فيها الإعلانات الصادرة عنها، “كما يمثل العرف الدولي مصدراً أساسياً ثانيـاً للقانون الدولي للبيئة، بالإضافة إلى أن هناك مبادئ عامة للقانون الدولي للبيئة تتبلور من خلال الأحكام القضائية الدولية والوطنية في الدول المختلفة والتي تتفق كلها على تأكيد الحماية الواجبة للبيئة من التلوث”[1].
كما يربط النظام بين حماية البيئة من المُلوثات وحقــوق الإنسان؛ لاقترانهما ببعض حيثُ أن البيئة هي ببساطة المكان الذي يتعايش فيه الإنسـان ويتكيف به ويخوّل له ممارسة نشاطاته وغيرها، وبناءً على ذلك فالتغير الذي يطرأ على البيئة يطرأ على الإنسان وغيره من الكائنات الحية.
وانطلاقاً ممّا تقدم، فإن المساءلة الجنائية البيئية هي من أهم أدوات حماية البيئة إزاء الاعتداءات التي تقع عليها، إذ يترتب على الجرم البيئي قيام المسؤولية وتحققها بما في ذلك الحق في السؤال عن التعويض؛ لجبر الضرر الذي أصاب المضرور سواء كان على الصعيد الدولي أو الداخلي، وعليه فإنه يساعد في رسم حدود واضحة في المعاملات داخل النطاق البيئي كما لا تتحقق الحماية البيئية بالتزام دولة أو دولتين فقط، بل تُحتم على كافة دول العالم بضرورة الالتزام بما جاء به القانون الدولي البيئي وما تضمنته التشريعات الوطنية.
الدراسـات السابقــة
هناك العديد من الدراسات السابقة التي تطرقت لموضوع البحث وتناولته من زوايا مختلفة وهي على النحـو الآتي:
- أ- بو غالــم يوسف، المساءلة عن الجرائم البيئية في القانون الدولي، 2015م.
يهدف الباحث من خلال هذه الدراسة إلى معرفة نظام المساءلة الدولية عن الجريمة البيئية وعن سبل تحقيقها وتطبيقها، وعن كيفية مساءلة المجرمين عنها، بالإضافة إلى الآليات التي تعمل في مجال هذه المساءلة، وقد توصل إلى جملة من التوصيات ولعل من أبرزها أهمية تقنين الجرائم البيئية ومعاقبة مرتكبيها، كذلك توصل إلى عدم تمكن المحكمة الجنائية الدولية من متابعة أي من مرتكبي الجريمة البيئية؛ وذلك بسبب النقائص الموجودة في نظامها الأساسي، كما تناول الباحث الجانب التطبيقي لنظام المساءلة الدولية عن الجريمة البيئة وعن مرتكبيها.
أما فيما يخص هذه الورقة البحثية فقد تم التركيز على الجانب النظري فيما يتعلق بالجرائم البيئية والاثار المترتبة عليها.
- ب- أيت عمـــــاره الياس، الجريمة البيئية، 2018م.
تهدف الباحثة من خلال هذه الدراسة إلى التعرف على ماهية الجريمة البيئية من خلال التطرق إلى الأحكام القانونية في القانون الجزائري والعقوبات المترتبة عليها. وقد توصلت إلى أن النصوص التشريعية البيئية جاءت مبعثرة مما يصعب حصرها، كما أنها تحتاج للتنسيق بينها وبين القوانين البيئية الأخرى؛ لسد فجوة الفراغات القانونية، كما عجز القضاء أمام الجرائم البيئية لتفعيل وتوقيع العقاب على مرتكبيها. وقد ركزت هذه الدراسة بشكلٍ مباشر على الصعيد الداخلي بالنسبة للقانون الجزائري، بينما تم التركيز في هذه الورقة البحثية على الصعيد الدولي بشكلٍ أساسي.
- ت- علواني امبـــارك، المسؤولية الدولية عن حماية البيئة “دراسة مقارنة” 2016م
يهدف الباحث من خلال هذه الدراسة إلى معرفة دور الأمم المتحدة من أجل حماية البيئة سواء كان من الجانب القانوني كالاتفاقيات، أو من الجانب التنظيمي كتنظيم المؤتمرات وغيرها أهمية التعاون الدولي في مجال مكافحة التلوث البيئي مطلب إلزامي على أشخاص المجتمع الدولي، والجرائم التي جاءت في قانون حماية البيئة قاصرة وغير كافية لحماية عناصر البيئة، كما اقتصرت الدراسة على دور الأمم المتحدة في توفير الحماية البيئية فقط، أما في هذه الورقة البحثية سوف يتم التطرق لجميع أشخاص المجتمع الدولي عن دورهم في تطويق الجرائم البيئية.
منهـجية الدراسـة
يكمن اختيار المنهج في طبيعة الموضوع وعليه فإن “المسؤولية الدولية عن الجرائم البيئية وأثرها على الأمن الإنساني”، يؤدي بنا إلى المنهج الوصفي والتحليلي لدراسة ماهية المسؤولية الدولية والجرائم البيئية وكل ما يدور في كنفهما، كذلك مفهوم الأمن الإنساني، والآثار المترتبة عليه نتيجة الإضرار بالبيئة، ومن ثم المنهج المقارن عن دور المعاهدات والاتفاقيات الدولية، والحكومات وغيرها من القطاعات نحو مكافحة هذه الجرائم مع توفير الحماية البيئية اللازمة.
هـــدف الدراســة:
تسعى هذه الدراسة إلى الوقوف على دور المجتمع الدولي والداخلي، ومدى فعاليته في التصدي للجريمة البيئية والحد من خطورتها المتزايدة من خلال التعرف على الأساس الذي تقوم عليه المسؤولية الدولية عن الجرائم البيئية، وإيضاح الآثار المترتبة نتيجة الأفعال الغير مشروعه ضد البيئة على الصعيد الدولي بشكلٍ عام والإنساني بشكل خاص.
إشكـالية الدراســة
تتمثل إشكالية الدراسة في سؤال رئيس يمثل الفكرة العامة للبحث وهو:
” كيف يمكن تحديد المسؤولية الدولية على أعضاء المجتمع الدولي جراء ارتكاب الجرائم البيئية؟”
وتتفرع عن هذه الإشكالية التساؤلات الفرعية الآتية:
- ماهي الأنظمة العقابية بحق مرتكبي جرائم البيئة ؟
- مدى ملاءمة هذه العقوبات للفعل الجرمي المرتكب؟
- ماهي الآثار المترتبة على هذه الجرائم على الصعيدين الداخلي والدولي بشكلٍ خاص؟
- كيف تؤثر الجريمة البيئية على الأفراد والحكومات؟ وما علاقتها بالأمن الإنســاني؟
حـــدود الدراسة:
يكمن نطاق البحث في استقراء المفاهيم الأساسية محل هذه الدراسة، بما فيها الأنظمة البيئية بمختلف التشريعات الوطنية والدولية، وينصب أهمية البحث حول كيفية الحد من القضايا البيئية وعن تبعات هذه الجرائم على البيئة وعلى الإنسان، وأخيراً يستعرض جهود المملكة العربية السعودية بقمع الجرائم البيئية.
مُخـطط الدراسـة
حتى نصل إلى أقصى درجات الوضوح في هذه الورقة البحثية، اعتمدنا خطة مكونه من مقدمة وخمسة مباحث وخاتمة متضمنةً لأهم النتائج والتوصيات وذلك وفق المخطط التالي:
المبحــث الأول: مفهوم المسؤولية الدولية في القانون الداخلي والقانون الدولي.
المطلب الأول: تعريف المسؤولية في القانون الدولي
المطلب الثــاني: تعريف المسؤولية في القانون الداخلي
المبحث الثــاني: مفهوم الجرائم البيئية أركـــانها وصورها وأنواعــها.
المطلب الأول: مــاهية الجرائم البيئية وأركـــانها
المطلب الثــاني: صــور الجرائم البيئية وأنواعــها
المبحث الثــالث: الآثار المترتبة عن الجرائم البيئية.
المبحث الـــرابع: الجهود الدولية والإقليمية نحو مكافحة الجرائم البيئية.
المبحث الخامس: أثر الجرائم البيئية على الأمـن الإنساني.
المبحث الأول
مفهوم المسؤولية في القانون الداخلي والقانون الدولي
تمتاز قواعد القانون الدولي بأنها القواعد المنظمة لعلاقات المجتمع الدولي فتبين لكل دولة ما لها وما عليها إزاء استقرار العالم وبناءً عليه فإن المسؤولية الدولية تُعد بمثابة حجر الأساس لها؛ كونها تعد مرجعاً بتوافر الضمانات، ولاستيفاء الحقوق وجبر الأضرار بين الدول بعضها البعض، وذلك سوف يوضح هذا المبحث تعريف المسؤولية في القانون الدولي كمطلب أول، ومن ثم تعريف المسؤولية في القانون الداخلي كمطلب ثـــــاني.
المطلب الأول
تعريف المسؤولية في القانون الدولي
تقوم فكرة المسؤولية الدولية بين أشخاص القانون الدولي ذات السيادة الكاملة (الدول – المنظمات الدولية) على إتيان ما يخل بالالتزامات الدولية مسببة معها أضرار للغير يستوجب معها التعويض، وعليه تتجلى فكرة المساءلة الدولية حيث تعتبر ردة فعل ضد من ارتكب فعلاً يخالف الالتزامات الدولية، كما يؤخذ به كجزاء على عدم الوفاء بهذه الالتزامات.
فقد جاء في إيضاح ماهية المسؤولية الدولية الكثير من التعريفات، حيث تداولها فقهاء القانون العربي والأجنبي وكذلك الاتفاقيات الدولية، وحتى أحكام القضاء الدولي.
فقد جاء تعريفها وفقاً للفقه العربي بأن “المسؤولية الدولية تعني الالتزام الذي يفرضه القانون الدولي على الدولة التي ينسب إليها تصرف أو امتناع يخالف التزاماتها الدولية بأن تقدم للدولة التي كانت ضحية هذا التصرف أو الامتناع ذاتها أو أحد رعاياها ما يجب من إصلاح”[2]، كما تُعرف أن ” المسؤولية الدولية تنشأ نتيجة إخلال أشخاص القانون الدولي لأحكام القانون الدولي أيا كان مصدر هذه الأحكام سواء كان مصدرها معاهدات دولية، عرفاً دولياً، مبادئ قانونية عامة معترف بها، أو حتى علاقة قانونية خاصة، أو قرار محكمة أو منظمه دولية ولا أهميه لمصدر الالتزام في قيام المسؤولية الدولية طالما أن هذا المصدر معترف به في القانون الدولي كوسيله لفرض الواجبات وإنشاء الحقوق”[3].
أما في الفقه الأجنبي فإن المسؤولية الدولية هي” المبدأ الذي يلزم الدولة التي انتهكت القانون الدولي بتعويض الضرر الناشئ عن هذا الانتهاك”[4]، وعرفها فقيه آخر بأن “تسأل الدولة عن الأعمال المخالفة لقواعد القانون الدولي من قبل الأفراد أو النقابات التي يعهد إليها في القيام بالوظائف العامة، إذا ثبت أن هذه الأعمال تدخل في النطاق العام للسلطة الدولية القضائية”[5].
وفي الاتفاقيات الدولية، جاءت المادة الثالثة من اتفاقية لاهاي والمتعلقة بقواعد الحرب البــريه بتعريف المسؤولية الدولية حيث نصت بأن ” الطرف المـحارب الذي يخل بأحكام هذه الاتفاقية يلتزم بالتعويض إن كان لذلك محل، ويكون مسؤولاً عن كل الأفعال التي تقع من أفراد قواته المسلحة”[6].
كما عرفتها جامعة هارفارد بأن “تسأل الدولة دولياً عن الاعمال أو الامتناع التي تنسب إليها وتسبب ضرراً للأجانب، ويقع واجباً عليها إصلاح الضرر الذي أصاب الأجنبي مباشرة أو لمن يخلفه أو قبل الدولة التي تطالب به”[7].
وبالنسبة للقضاء الدولي، فقد تم وضع تعريف بالمسؤولية الدولية من قبل هيئة التحكيم في قضية نير (Ner) والتي كان طرفيها المكسيك والولايات المتحدة الأمريكية بأن “تتحمل الدولة المسئولية الدولية إذا فشل أحد أعضاء هيئاتها في تنفيذ الالتزامات الدولية الملقاة على عاتق الدولة وسبب ضرراً لأشخاص وأموال الأجانب في اقليمها”[8].
ومن خلال ما تقدم، وبناءً على التعاريف السابقة يتضح لنا صعوبة تحديد مفهوم المسؤولية الدولية ضمن أُطر قانوني معين، ولكن بلا شك يكمن أساسها في الإخلال بالالتزامات الدولية، أو بعبارة أخرى في عدم مشروعية الفعل بالنسبة للقانون الدولي العام، والذي قد يتمثل بعدة صور؛ كخرق لمبدأٍ دولي أو نقض لاتفاقية دولية، أثارت سلباً على أفراد المجتمع الدولي.
فالدولة تكون مسؤولة عمّا يصدر منها من تصرفات سواء كانت ذات طابع تنظيمي أو قضائي أو تنفيذي، ما دام هذا التصرف غير مشروعاً على الصعيد الدولي محدثاً معه أضرار للدول الأخرى” … على الدول سواء الدولة المتسببة في الضرر أو الدولة المضرورة التزامات وحقوق:
أولاً: الالتزامات الواقعة على عاتق الدولة المتسببة في الضرر:
- الالتزام بالتعويض والترضية للدولة المضرورة.
- وقف العمل الغير مشروع دولياً.
ثانياً: الالتزامات الواقعة على الدولة المضرورة:
- الإعلان عن الأضرار وحجم الخسائر.
- المطالبة بالتعويض والترضية بشتى الوسائل.”[9].
وتفسيراً لذلك نلاحظ، بأن التعويض المالي هو الأكثر شيوعاً في القضايا البيئية، ويتحقق به جبر الضرر الناشئ عنها للطرف المتضرر. وحتى تنعقد المسؤولية دولياً لا بد من توافر الأركان الرئيسية لها وهي؛ الخطأ والضرر والعلاقة السببية:
يمكن وصف الخطأ بأنه جوهر المسؤولية الدولية ويُعرف الخطأ بأنه ” إخلال بواجب قانوني ويتحقق بالامتناع عن عمل ما كان يجب على الشخص ان يعمل، او بعمل ما كان يجب الا يعمل”[10]، وقد يكون خطأ عمدي أو غير عمدي وبغض النظر عن نوعه فإنه يترتب عليه مسائلة الشخص الدولي المخطئ وفي كل الأحوال.
أما الضرر فهو يعد نتاج للخطأ والمُتمثل بالإخلال بالتزام دولي معين، ويُعرف الضرر بأنه “المساس بحق أو مصلحة لأحد أشخاص القانون الدولي”[11]، كما أن الضرر قد يكون على أحد النوعين أولهما الضرر المادي؛ وهو الأفعال المباشرة والتي من شأنها المساس بحق من حقوق الدولة أو أفرادها مثل، التخلص من النفايات الخطرة والسامة بطرق غير مشروعة أو غير قانونية، وثانيهما الضرر المعنوي وهي الأفعال التي لا تكون محسوسة أو ماديه في ذاتها كالمساس باعتبار الدولة أو مواطنيها أو إلى أحد الرموز الخاصة فيها كالعلم على سبيل المثال.
كما أن استحقاق التعويض يكمن في وقوع الضرر أي أن يكون ضرراً مؤكداً وليس محتملاً؛ فلا يمكن المطالبة بالتعويض عن أضرار محتمله، أو من غير ذي مصلحه، ومن منظور منطقي لا شك فيه أن تتم المطالبة بالتعويض من شخص له مصلحه.
وفي حال كانت هناك أضرار ناتجة عن خطأ ما، لا بد من أن تكون هناك رابطة تجمع بينهما وهي العلاقة السببية حتى تتحقق المسؤولية الدولية ويقصد بها “الرابطة التي تربط السلوك الإجرامي بالنتيجة الإجرامية ارتباط السبب بالمسبب”[12].
وهناك شروط أساسية لا بد من توافرها حتى تتحقق المسؤولية الدولية وهي كالتالي:
- أن ينســـب الفعل للدولة:
أن يكون الفعل مسنداً للدولة في حال وقع من أحد ممثليها كأجهزة الدولة ما يخل بالتزام دولي معين، كما أكد تقرير لجنة القانون الدولي في المشروع الخاص بالمسؤولية الدولية في المادة الثانية عشر حيث “تخرق الدولة التزاماً دولياً متى كان الفعل الصادر عنها مطابق لما يتطلبه منها الالتزام، بغض النظر عن منشأ الالتزام وطابعه”[13]، ويقصد بالإسناد هنا؛ إلحاق الفعل الغير مشروع دولياّ إلى فاعله سواء كان صادراً من دولة أو ممثلاً لأحد أعضائها بحكم ما يشغله من عمل أو منصب، أو صادراً عن أحد سلطاتها ويقصد بسلطــات الدولة “كل فرد أو هيئة يمنحها القانون الداخلي اختصاصاً ينشأ المسؤولية الدولية نتيجة لتصرف يصدر من هؤلاء الأفراد أو هذه الهيئات سواء كان تصرفاً إيجابياً أو سلبياً طالما أنه قد صدر منهم بوصفهم سلطات الدولة”[14]، وحتى نكون بصدد المسؤولية الدولية يجب أن يتسم الفعل بالطابع الدولي، حيث يستحال قيام المسؤولية الدولية بين أفراد عاديين.
- أن يكـــون الفعل غير مشــروع:
ليس كل فعل يقع من دولة تجاه دولة أخرى يترتب عليه قيام للمسؤولية الدولية؛ بل لابد أن يكون هذا التصرف مخالفاً لما جاء في نصوص القانون الدولي وما يتضمنه من أحكـــام حيث أن “المسؤولية الدولية تنشأ نتيجة إخلال أشخاص القانون الدولي لأحكام القانون الدولي أياًّ كان مصدر هذه الأحكام سواء كان مصدرها معاهدات دولية ، عرفاً دولياً ، مبادئ قانونية عامة معترف بها، أو حتى علاقة قانونية خاصة ، أو قرار محكمة أو منظمة دولية ، ولا أهمية لمصدر الالتزام في قيام المسؤولية الدولية طالما أن هذا المصدر معترف به في القانون الدولي كوسيلة لفرض الواجبات وإنشاء الحقوق”[15]، ونستنتج من ذلك بأن مضمون المسؤولية الدولية يكمن في أصل الفعل بكونه مباحاً أو مخــالفاً بالنسبة للقانــون الدولي.
- أن يترتب على هذا الفعل ضرراً:
حتى تصبح المسائلة الدولية منتجة لآثارها لابد أن ينجم عن التصرف أو الاخلال بالالتزامات ضرراً محدقاً “يشترط لتوافر المسؤولية الدولية حدوث ضرر لشخص قانوني دولي ينجــم عن عمل أو امتناع عن عمل كأن يحدث مساس بحق له، أو بمصالحه المشروعة حسب القانون الدولي”[16]، لا شك أن الضرر هو عماد المسؤولية الدولية فلا يستوعب قيامها دون وجود ضرر مؤكد حتى يستلزم المساءلة الدولية ومن ثم التعويض، فلا يكفي أن يكون ضرر محتمل أو قد يتنبأ وقوعه، بل يجب أن يكون ضرراً قائماً “كما استقرت أحكام القضاء الدولي على اعتبار الضرر شرطاً رئيسياً من شروط المسؤولية الدولية ، ففي قضية التجارب الذرية في الهواء بين فرنسا من جانب واستراليا ونيوزيلندا من جانب آخر وصلت إلى نتيجة مؤداها أن التجارب الذرية محظورة في الهواء وفقاً للقانون الدولي ولكن على نيوزيلندا أن تقيم الدليل على الضرر الذي أصابها من جراء هذه التجارب ، فأوضحت فرنسا في مذكرتها أن هذه الدولة لم يصبها أي ضرر، على الرغم من أن الفعل غير المشروع قد وقع وهو انتهاك إجراء التجارب النووية في الهواء ، ولكن مع غياب الضرر فإن أي دولة ليس من حقها إثارة المسؤولية الدولية لفرنسا”[17].
ومحل موضوع هذه الدراسة، فإن المسؤولية الدولية بالنسبة للجرائم البيئية يكمن مفهومها في “تحمل العقوبة المقررة قانوناً لكل من يمس سلامة البيئة لذا يعد كل شخص طبيعي أو معنوي ساهم في تلويث البيئة مرتكباً لجرم المساس البيئي”[18]، وتبعاً لخطورة هذه الجرائم أدت الحاجة المُلحة عالمياً لوجود محكمة عالمية تفصل في الجرائم الدولية وتتسم بالحياد، نظراً لاستحالة مسائلة دولة لدولة أخرى، ولكثرة الصراعات الدولية والأفعال المنتهكة بحق أعضاء المجتمع الدولي، ومن المعلوم أن المحكمة الجنائية الدولية هي صاحبة الاختصاص بالفصل في النزاعات الدولية ومنها جرائم البيئة “وإجمالاً لجملة الجرائم التي تختص المحكمة الجنائية الدولية بالفصل فيها فإن الجرائم التي تستهدف الإضرار بالبيئة الطبيعية براً وبحراً وجواً تدخل في اختصاص المحكمة باعتبار أن فعل التلويث كجريمة دولية يشكل أضراراً بالغة بالمصالح الحيوية للمجتمع الدولي والذي يعد انتهاكها جريمة في منظور المجتمع الدولي”[19].
وعليه فإن المحكمة الجنائية الدولية هي الجهة المعنية بفرض العقوبات والتعويضات نتيجة الإخلال بأي التزام دولي، وعلاوة على ذلك نجد أن العقاب الوحيد في معظم قضايا البيئة يكمن في التعويض المادي؛ حيث لا توجد عقوبات أخرى بناءً على الأحكام الصادرة منها، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على ضعف النظام العقابي بالنسبة لمرتكبي الجرائم البيئية.
ومن السوابق القضائية التي جاءت مؤيـــدة لذلك؛ قضية (مسبـــك تريـــل) والتي تدور أحداثها بين الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، وذلك حول الأضرار التي طالت الولايات المتحدة من قبل المسبك الواقع بمدينة تريل الكندية، والتي لا تبعد عن الحدود الأمريكية سوى بضعة أميال حيث نتج عنه تصاعد للأبخرة الضــارة وانبعاثها إلى الأراضي الأمريكية، ممّا ألحق الضرر بالمزارعين حيث أُتـلفت مزارعهم وتسببت في الكثير من الخسائر؛ ممّا دفع مالك المصهر إلى جبر الضرر للرعايا الأمريكان بالتعويض المادي؛ وذلك أثر المطالبات التي تقدموا بها أمام المحاكم الأمريكية، وقد تم تشكيل لجنة دولية بناءً على اتفاق بين كلا الحكومتين الأمريكية والكندية حيث قررت بتعويض الحكومة الأمريكية بمبلغ وقدره (350) ألف دولار عن الخسائر الفادحة التي أصابت أقاليمها، كما دعت هذه اللجنة بضرورة الأخذ بالتدابير الوقائية التي تحد من تطاير هذه الأبخرة، كما مرت هذه القضية بالعديد من المراحل للفصل فيها وانتهت بحكم من محكمة التحكيم والصادر بتاريخ 1941م حيث نص بأنه “وفقاً لقواعد القانون الدولي وقوانين الولايات المتحدة لا يحق لأي دولة أن تستخدم إقليمها أو تسمح باستخدامه بطريقة تجلب الضرر بإقليم دولة أخرى أو بممتلكات الأشخاص القاطنين فيها بشرط أن يكون ذلك الضرر على جانب من الجسامة ويمكن إثباته بطريقة واضحة ومقنعة”[20]، ويتضح من خلال نص الحكم أعلاه أن الحكومة الأمريكية استحقت التعويض إزاء الأضرار التي تكبدها المسبك الكندي على أراضيها كما أشارت إلى ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة ممّا يمنع وقوع الضرر مستقبلاً [21].
المطلب الثاني
تعريف المسؤولية في القانون الداخلي
إن مفهوم المسؤولية في الأنظمة التشريعية يتبلور في صورة المسؤولية المدنية والتي تعد من أحد الركائز القانونية التي لا غنى لأنظمة الدول عنها؛ نتيجةً لما تقوم به من دور تنظيمي مهم ذو تأثير كبير على القوانين المحلية حيث أن أساسها يكمن في تنظيم حياة الأفراد والمجتمعات، كما تُسخّر قواعدها لضمان الحقوق ولحماية مصالحهم ورعايتها وعليه فإن هذا الارتباط المتين يعكس بشكل أو آخر صورة المجتمع المدني أو مظهره للمجتمعات المدنية الأخرى.
وقد جاء تعريف المسؤولية المدنية على لسان السنهوري بأن “المسؤولية هي تعويض الضرر الناشئ عن عمل غير مشروع وقد يكون هذا العمل غير المشروع، هو الإخلال بعقد أُبرم، وهذه هي المسؤولية التعاقدية وقد يكون إضرار بالغير عن عمد أو غير عمد وهذه هي المسؤولية التقصيرية”[22]، ومعنى المسؤولية العقدية أي؛ المسؤولية التي تنشأ نتيجة إخلال بالتزامات العقد المبرم بين طرفين أو أكثر، أما بالنسبة للمسؤولية التقصيرية فهي تنشأ نتيجة ضرر لحق بالغير وكلا هاتين المسؤوليتين يترتب عليهما التعويض، ويمكننا تعريف المسؤولية المدنية باختصار كونها (التزام من نُسب إليه فعل ألحق به ضرراً للغير؛ جبرهُ بالتعويض).
ولهذا سوف نسلط الضوء على المسؤولية التقصيرية؛ لارتباطها الوثيق بموضوع البحث ولتعلقها المباشر بالجرائم البيئية إذ تُعرف قانوناً بأنها “الالتـزام بإصلاح الخطأ الواقع على الغـير طبقاً للقانون”[23]، ولعل أبرز ما عرف به الفقهاء على أن مفهوم المسؤولية التقصيرية يكمن في “محاسبة الشخص عن فعله الذي يسبب ضرراً للغير ويفترض فيه أنه مخالف لقاعدة قانونـية أو خلقية”[24].
وهناك عدة فوارق كان لزاماً علينا أن نعرج عليها ولو بشكلٍ بسيط وهي في التمييز بين المسؤولية المدنية والمسؤولية الجزائية، فالمسؤولية المدنية كما أسلفنا بأنها تهدف بدورها إلى تعويض الشخص المتضرر من الشخص المضرور عمّا لحق به من أضرار، أما المسؤولية الجزائية فيقصد بها معاقبة من يقع منه فعل يخالف به الأنظمة والقوانين؛ وتتفق المسؤولية المدنية مع المسؤولية الجزائية في تعويض ما لحق بالشخص المتضرر نتيجة الجرم الذي وقع عليه.
وتقوم المسؤولية التقصيرية للجريمة البيئية إذا تحققت الأركان الرئيسية وهي؛ الخطأ، والضرر، والعلاقة السببية، فالخطأ بطبيعته فعل مخالف للقانون يؤدي بوقوعه إلى وجود الضرر وله شروط حتى يكون مُنتجاً وهي؛ أن يكون الضرر محققا ومباشراً، و أن يصيب مصلحه مشروعه أو على حق، أما العلاقة السببية فهي التي تجمع بين كلاً من الخطأ والضرر فنتيجة هذا وقع ذاك، وعليه تقوم المسؤولية التقصيرية حيث يستحيل قيامها دون أي من هذه العناصر، ونستنج من ذلك أنه تنتفي المسؤولية التقصيرية إذا انتفت أحد عناصرها.
انتهينا من خلال هذا المبحث؛ بأن مفهوم المسؤولية في كلا النطاقين الداخلي والدولي يتشابه في الأركان ذاتها وبالمضمون نفسه، إلا أن المسؤولية المدنية تنشأ نتيجة الإخلال بنظام داخلي وطني، بينما المسؤولية الدولية تنشأ نتيجة الإخلال بالتزام خارجي دولي، وبالنسبة للمسؤولية الدولية عن جرائم البيئة فإنه يتم مساءلة مرتكبيها ومحاسبتهم من خلال المحكمة الجنائية الدولية.
المبحث الثاني
الجرائم البيئية أركانهــــا وصورها وأنواعهـــا
تعد الجرائم البيئية من أشد الجرائم خطورة على العالم بأسره، كون البيئة ذات حيز مشاع لا يمكن فصله أو تجزئته فالانتهاك البيئي يشمل عدة انتهاكات في داخل الفعل نفسه، حيث أن الجريمة البيئية تتخللها عدة جرائم ممّا يزيد من حجم الخسائر والأضرار، ومن خلال هذا المبحث سوف نتطرق إلى مطلبين رئيسيين، ماهية الجرائم البيئية وأركانها أولاً، ثمّ في صور الجرائم البيئية وأنواعها ثانيـاً.
المطلب الأول
ماهية الجرائــــم البيئية وأركــــانها
تعددت التعاريف بالنسبة لمصطلح (الجرائم البيئية) فقد جاء معناها في الأنظمة المختلفة كما عرفها الفقهاء والجامعات وغيرهم، ولها أركان كأي جريمة أخرى ولكن بصورة مختلفة أو بصبغة مغايره عن أركان الجريمة العادية، يأتي تفصيلها فيما يلي:
أولاً: مفهوم الجريمة البيئية:
يتسم هذا النوع بطابع خاص إذ أن الضحية هي أحد عناصر البيئة الطبيعية بمعنى “العدوان الواقع على العناصر الأساسية المكونة للوسط البيئي (التربة، المياه، الهواء) الذي تعيش به الكائنات الحية (الإنسان- الحيوان – والنبات (Man- Fauna and Flora والتي تعتبر شروطاً ضرورية لبقاء تلك الكائنات واستمرارها”[25].
ومعنى البيئة في اللغة جاء من (بوأ) مثال: بوأ الشخص في منزل، أي: أسكنه فيه[26] ﴿وَبَوَّأَكُمْ فيِ الأَرْضِ﴾[27].
أمّا في الاصطلاح، هي الوسط الذي يعيش فيه الإنسان والكائنات الحية الأخرى ويمارس فيها أنشطته المختلفة، ويمكننا تعريف البيئة بأنها كل ما يحيط بالإنسان ويتأثر بعواملها.
وعن مفهوم البيئة في القانون السعودي جاء ذلك في نص المادة الأولى من النظام العام للبيئة على أنها “كل ما يحيط بالإنسان من ماء وهواء ويابسة وفضاء خارجي، وكل ما تحتويه هذه الأوساط من جماد ونبات وحيوان وأشكال مختلفة من طاقة ونظم وعمليات طبيعية وأنشطة بشرية”[28].
وقد عرف القانون المصري البيئة على أنها “المحيط الحيوي الذي يشمل الكائنات الحية وما يحتويه من موارد وما يحيط بها من هواء وماء وتربة وما قيمه الإنسان من منشآت”[29]، كما جاء تعريفها في القانون الكويتي بأن “المحيط الحيوي الذي يشمل الكائنات الحية من إنسان وحيوان ونبات وكل ما يحيط بها من هواء وماء وتربة، وما يحتويه هذا المحيط من مواد صلبة أو سائلة أو غازات أو إشعاعات، وكذلك المنشآت الثابتة والمتحركة التي يقيمها الإنسان”[30]، وفي القانون السوري فقد جاء تعريف البيئة في مادته الأولى حيث نص بأنها “المحيط الذي تعيش في الأحياء من إنسان وحيوان ونبات ويشمل الماء والهواء والأرض وما يؤثر على ذلك المحيط”[31].
وتتباين المفاهيم القانونية لمعنى البيئة فبعض التشريعات اقتصرتها على العناصر البيئية فقط، والبعض الآخر وسع في معناها بأن كل ما يحيط بالإنسان يندرج تحت مفهوم البيئة، كما تعرف أيضاً بأنها “الضرر الحال أو المستقبلي الذي ينال من أي عنصر من عناصر البيئة، والناجم عن نشاط الإنسان الطبيعي أو المعنوي، أو فعل الطبيعة والمتمثل في الإخلال بالتوازن البيئي، سواء كان صادر من داخل البيئة الملوثة أو ورد عليها”[32].
وانطلاقاً ممّا تقدم، فإنه يقصد بالجريمة البيئية بأنها كل فعل يهدف إلى تلويث البيئة من شأنه المساس بالعناصر البيئية سواء كان بالماء أو الهواء أو الأرض، ومن خلال ذلك يُثار التساؤل الآتي، على ماذا تترتب المسائلة الجنائية عن الجريمة البيئية أو بعبارة أخرى ماهي الأركان الأساسية لقيام المسؤولية الجنائية إثر ارتكاب جرائم البيئة؟
ثانيـاً: أركان الجريمة البيئية:
لا تختلف الجريمة البيئية عن الجريمة التقليدية في أساسيات قيامها، فالركن المادي هو الحالة التي تمثل التجسيد الفعلي لارتكاب الجريمة والذي من بعده يترتب عليه مسائلة وعقوبة جزائية، حيث لا يمكن المعاقبة فقط على مجرد التفكير أو الدوافع بل يلزم أن تكون الجريمة في صورة واقعية ذات معالم خارجية واضحة، ويستلزم لتوافر الركن المادي ثلاثة عناصر” السلوك الإجرامي، النتيجة الإجرامية، ورابطة السببية، وبذلك يتمثل الركن المادي للجريمة في سلوك إرادي تنتج عنه النتيجة الإجرامية تربطها بالسلوك الإجرامي رابطة السببية، وبذلك تكتمل الجريمة بإسناد النتيجة الإجرامية التي حدثت إلى من صدر عنه السلوك الإجرامي”[33]، فالركن المادي في الجرائم البيئية “إدخال الإنسان مباشرة أو بطريقة غير مباشرة لمواد أو لطاقة في البيئة واذي يستتبع نتائج ضارة على نحو يعرض الصحة الإنسانية للخطر ويضر بالمواد الحيوية وبالنظم البيئية وينال من قيم التمتع بالبيئة أو يعوق الاستخدامات الأخرى المشروعة …”[34] ويشمل كل فعل أدى إلى تلويث البيئة مهما كان نوعه سواء كان تلوث بالهواء أو تلوث بالماء أو تلوث بالتربة أو تلوث ناتج عن المخلفات الصلبة وغيرها وسوف يأتي تفصيلها لاحقاً.
أمّا بالنسبة للركن المعنوي فلا يعد ذو أهمية كبيرة في الجريمة البيئية كما هو الحال في الجريمة الجنائية الاعتيادية، حيث يكمن في القصد الجنائي والذي يتوافر في نية الجاني وإرادته نحو ارتكاب الفعل المجرم كما يقصد به بالنسبة للجريمة البيئية كونه “اتجاه إرادة الجاني نحو ارتكاب جريمة تلويث البيئة مع العلم بأركانها كما يتطلبها القانون؛ فيجب أن يعلم الجاني بأركان جريمة تلويث البيئة، كما يجب أن تتجه إرادته نحو ارتكاب الجريمة”[35]، وتلوث البيئة قد يقع بصوره عمدية بمعنى اتجاه الجاني صراحة لارتكابها كحرق الغابات أو غير عمدية والذي ينتج عن طريق الخطأ أو الإهمال.
ويتضح من خلال ما سبق، أن الركن المادي هو صلب جرائم البيئة كونها من الجرائم التي تتطلب وجود فعل أو أثر مادي محسوس حتى تتم محاسبة مرتكبيها، وحتى نتعمق أكثر حول الركن المادي للجرائم المُخلة بنظام البيئة؛ لابد من التعرف على أشكال الجريمة البيئية وأنواعها ويأتي إيضاحها في صور الجرائم البيئية وأنواعها.
المطلب الثاني
صور الجرائم البيئية وأنواعـــها
تعددت أشكال الجرائم البيئية ومظاهرها تحديداً عقب التطورات الصناعية في وقتنا الحالي، ممّا أدى إلى تزايد الاعتداءات بحق البيئة، وذلك وفقاً لمصادرها الرئيسية كتلوث الهواء وتلوث الماء وتلوث الأرض، وتأتي صورها على النحو التالي:
أولاً: صور الجرائم البيئية:
تأتي أشكال الجريمة البيئية وصورها وفقاً للعناصر الأساسية المكونة لها فالتلوث قد يكون تلوث هوائي أو تلوث مائي، أو تلوث أرضي ويأتي تفصيلها فيما يلي:
- تلوث الهـــواء:
يقصد بتلوث الهواء “انطلاق الغازات المختلفة، والمواد الصلبة الدقيقة، والسوائل المتناثرة إلى الغلاف الجوي بمعدلات عالية تتجاوز قدرة البيئة على تبديدها، أو تخفيفها أو امتصاصها، وقد تسبب تراكيز هذه المواد في الهواء العديد من المشاكل الصحية، والاقتصادية، وبعض المشاكل الجمالية غير المرغوب فيها.”[36]، ويعرف في القانون الفرنسي بأنه” إدخال عن طريق الانسان بطريقة مباشرة وغير مباشرة في الجو والفضاء المقفل المحصور مواد ذات عواقب ضارة من المحتمل أن تعرض للخطر صحة الإنسان وإلحاق الضرر بالمواد الحية والنظم الايكولوجية وإلحاق أضرار بالممتلكات أو التسبب بالإزعاج بالرائحة المفرطة مع الهواء…”[37].
وتأسيساً على ذلك فإن التلوث الهوائي هو أكثر أنواع التلوث انتشاراً وتمدداً وتتمثل صوره في ظاهرة التلوث؛ مثل الإشعاعات والتلوث الإشعاعي ويقصد به “زيادة في معدل النشاط الإشعاعية عن الحد المسموح به علميا مما يؤثر سلباً على العناصر البيئية ويضر بحياة الإنسان”[38].
وحرصاً على الحماية الدولية البيئية فيما يخص الاستخدام السلمي للأشعة النووية فقد جاءت معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية سنة 1968م مؤكدة على ذلك في مقدمتها وأهدافها المرتكزة على الحد من انتشارها وتنقلها من مكان إلى آخر، كذلك فيما يتعلق بنزع الأسلحة النووية والمتمثل في وقف سباق التسلح النووي أيضاً فيما يختص بوقف التجارب الخاصة بتفجيرات الأسلحة النووية مع أهمية وقف صنعها.
ومن أشكال المُلوثات الهوائية منها، المُلوثات السامة التي تكون في صورة مركبات كالرصاص والزئبق وغيرها ممّا تؤدي إلى أضرار كبيرة بصحة الإنسان لإتلافها لأنسجة الجسم.
والمُلوثات الخانقة والتي تكون نتيجة أبخرة المحركات والآلات والمركبات والتي تتصف بانتشارها الواسع والخطير؛ نظراً لاحتوائها على غاز أول أوكسيد الكربون والذي يعمل على منع استخلاص الأكسجين من الهواء، وأيضاً المُلوثات الحرارية نتيجة اندلاع الحرائق وتصاعد أدخنة المصانع وغيرها.
- تلوث المــاء:
يقصد به كل فعل يمكن أن يشوب ويلوث البيئة البحرية من بحار ومحيطات حول العالم فضلاً عن شربها، كما أكد القانون السويسري في مادته (37) من القانون الاتحادي لحماية المياه بأن “أي تشويه أو إفساد لنوعية الماء ولا يشترط أن يكون الماء معد للشرب أو أنه من الممكن أن يستخدمه الإنسان، بل أنه لم يشترط أن يكون من شأن الفعل تهديد صحة الإنسان أو تعريضه للخطأ فيكفي فقط أن يؤدي الفعل إلى تلويث المياه”[39]، وعرفه المشرع السعودي بأنه” إدخال أي مواد أو طاقة في البيئة المائية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ينتج عنه ضرر بالمواد الحية أو غير الحية أو يهدد صحة الإنسان أو يفسد الخواص الطبيعية للمياه أو يعيق الأنشطة المائية بما فيها الصيد والنشاط الترفيهي”[40].
ومن صور تلوث المياه، التلوث النفطي؛ حيث يأتي في المرتبة الأولى لانتشاره السريع فوق سطح الماء لسبب تكوينه حاجزاً يفصل بين كلاًّ من الأكسجين وسطح الماء؛ وبذلك يمنع تبادل الغاز بين الماء والهواء ممّا يؤدي إلى الإخلال بالتوازن البيئي وعليه تتأثر الحياة المائية والكائنات البحرية بشكل سلبي.
وهناك شكلاً آخر للتلوث البحري وهو التلوث الكيميائي وهو “استعمال بعض المواد الكيميائية المصنعة لأغراض خاصة، وكذلك إلقاء بعض المواد ضمن المخلفات الصناعية في المجاري المائية، كمركبات الزئبق والمبيدات الحشرية والأسمدة الكيماوية”[41]، ممّا يسمح بتفاعل هذه المواد سواء مع بعضها البعض أو مع المكونات البيئية وبذلك فإنها تؤثر عليها وتخل بتوازنها.
- تلوث الأرض:
هو التلوث الكامن في التربة ويسمى بالتلوث الخفي إذ إنه يصعب معرفة تلوثها أم لا بالعين المُجرّدة وهو ” القيام بأي نشاط أو إدخال أو إضافة أي مواد بطريق مباشر أو غير مباشر أو مركبات غريبة عنها إلى مكوناتها، تتسبب في تغير الخواص الفيزيائية أو البيولوجية أو الكيميائية لها والتي من بينها زيادة الأملاح في التربة عن الوضع الطبيعي” كما نصت المادة الأولى من اللائحة التنفيذية للنظام العام للبيئة السعودي في فقرتها (32) بأن ” تلوث الأراضي هو القيام بأي نشاط أو إدخال أي مواد بطريق مباشر أو غير مباشر في الأراضي والتربة بأنواعها المختلفة ينتج عنه ضرر بالخواص الفيزيائية أو الكيميائية أو البيولوجية أو بها جميعاً أو يهدد صحة الإنسان أو يعوق من الأنشطة الزراعية أو العمرانية”[42].
ومن أشكال مُلوثات الأرض، قطع وإزالة الأشجار وحرق الغابات، كذلك التصحر وتآكل التربة وغيرها ممّا يعود تأثيره السلبي على الكائنات الحية جميعها.
وبناءً عليه ونظراً لكثرة صور وأمثلة جرائم البيئة، نلاحظ بأن هذه الجريمة لا ترتكب ضمن سياق واحد، بل توازي صورها في أنواعها وهذا ما سوف نتطرق إليه في أنواع الجرائم البيئية.
ثانياً: أنـــواع الجرائـــم البيئية:
إن الجرم البيئي لا يتخذ شكل محُدد أو مناط معين لوقوعه بل قد يُرتكب بواسطة طرق عديدة ومن خلال وسائل كثيرة، فالجرائم المرتكبة ضد البيئة قد تقع بصورة الخطأ كما هو في الجريمة العادية أو بصورة العمد، وهو إرادة الجاني الواضحة في ارتكابها، أو تكون مصاحبة لجريمة أخرى كالجرائم المنظمة والتي عرفتها الأمم المتحدة من خلال الاتفاقية الخاصة بمكافحة الجريمة المنظمة بأنها” الجماعة الإجرامية المنظمة هي جماعة موجودة لفترة من الزمن وتعمل بصورة مستمرة بهدف ارتكاب واحدة أو أكثر من الجرائم الخطيرة أو الأفعال المحرمة وفقا لهذه الاتفاقية من اجل الحصول بشكل مباشر أو غير مباشر على منفعة مالية أو منفعة مادية أخرى”[43].
ومن خصائص الجريمة المنظمة كونها جريمة كاملة متكاملة؛ حيث تقوم على وجه الاحتراف بشكل كبير لكثرة تكراراها واستمراريتها لأن أساس الجريمة المنظمة لا يقوم على فرد بل على العمل ذاته “فالعصابة تستمد نشاطها من طبيعة عملها وليس من أعضائها …”[44]،ومثال ذلك ما يحدث في تجارة المخدرات فالعبرة إما بتصنيعها وترويجها وبيعها لا على من يقوم بذلك.
وتأكيداً على وجود علاقة وطيدة بين الجريمة المنظمة والجريمة البيئية فقد ذكر خبير البيئة في الأمم المتحدة المهندس خالد العنانزة بأنه “كثيراً ما تُرتكب مع الجرائم البيئية جرائم أخرى مثل تزوير جوازات السـفر، والفسـاد، غسـل الأموال، والقتل”[45] ممّا يؤكد على وجود صورة أخرى لارتكاب الجرائم البيئية.
وتجدر الإشارة لوجود وسائل أخرى لوقوعها بطريقة غير مباشرة كنتيجة النزاعات والحروب وما ينتج عنها كزرع الألغام على سبيل المثال وغيرها أثر الأعمال والنشاطات العسكرية، ممّا يساهم ذلك في تلويث البيئة.
واستخلاصاً لما سلف في هذا المبحث؛ فإن الجريمة البيئية ليس لها صورة محدده إطلاقاً كونها من أكثر الجرائم تنوعاً واختلافاً، كما يقع الجرم البيئي نتيجة خلل يصيب أحد مكوناته الطبيعية وبغض النظر عن الوسائل والطرق التي ساعدت في ارتكابها، ويترتب على ذلك كله عواقب وخيمة لا تصب في مصلحة المجتمع الدولي، وعليه ينبغي أن تكون مسألة الحماية البيئية ذات نطاق واسع ومتكامل على كلا المستويين المحلي والإقليمي، وبفرض أنظمة عقابية داخلية وخارجية ليتسنى لها قمع جرائم البيئة بكفاءة وفعالية عالية.
المبحث الثالث
الآثار المترتبة على الجرائم البيئيــــة
يتناول هذا المبحث آثـار النتيجة الإجرامية عن الأفعال المُلوثة بعناصر البيئة بما فيها المطالبة بالتعويض عن الأضرار الناشئة عنها فيما يلي:
بادئ ذي بدء لا بد من التنويه على أحد أهم خواص الجريمة البيئية كونها ذات طابع انتشاري فلا حصر لتعدد أخطارها وضحاياها؛ وذلك لسرعة انتقالها عبر الحدود والأقاليم في معظم المشكلات البيئية؛ وعليه فإنه يصعب تحديد أثرها على الصعيد البيئي؛ نظراً لامتداد الأضرار معها، فالدولة التي يرتكب فيها أي من هذه الأفعال المجرمة بحق البيئة يصعب عليها تحمل عواقبها بمفردها في كثيرٍ من الأوقات؛ ممّا يستدعي هذا الموقف وينادي إلى طلب مساعدة المجتمع الدولي نحو إيقافها أو الحد من توسعها للخروج بأقل الخسائر المُمكنة.
ومن المبادئ المسلمة أنه يحق لكل دولة استغلال ثرواتها الطبيعية ومواردها دون تعسفاً منها في ذلك؛ لضمان الحفاظ على التوازن البيئي وعدم الإخلال به تماشياً مع مبدأ سيادة الدولة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية الخاصة بها، إلا أن هناك استثناء في حال سببت أضراراً للغير “فالتلوث هنا لا يعبر حدود دولة أخرى ولكنه يصل إلى مناطق لا تخضع للسيادة الإقليمية لأية دولة طبقاً لقواعد القانون الدولي العام”[46]، كون الجريمة البيئية لا تقف عند حد جغرافي معين؛ بل تمتد إلى ما بعدها من الأقاليم، وهو ما يسمى بالتلوث العابر للحدود ويقصد فيه بأن “التلوث العابر للحدود ذو اتجاه واحد والذي يجد مصدره في دولة وينتج آثاره في دولة أو أكثر، أو التلوث ذو الاتجاهين والذي يجد مصدره في دوله وينتج آثاره في دولة أخرى، وتوجد في هذه الدولة الأخرى مصادر للتلوث تُنتج آثارها في الدولة الأخرى”[47].
وهذا ما أكد عليه مبدأ رقم (17) من إعلان ستكهولم سنة 1973م على أنه “طبقاً لميثاق الأمم المتحدة ولمبادئ القانون الدولي، للدول الحق في استغلال مواردهم الذاتية وفقاً لسياسة البيئة الخاصة بهم كما أن عليهم واجب ألا تسبب الأنشطة التي يتم ممارستها في حدود اختصاصهم أو تحت رقابتهم أي ضرر للبيئة في دول أخرى أو في مناطق لا تخضع لأي اختصاص وطني”[48].
ولعل من أشد الآثار الجسيمة نتيجة الأفعال الملوثة للبيئة تأثيرها سلبـاً على أبعاد التنمية العالمية ممّا يسبب ركوداً لكثير من القطاعات في الدول المختلفة وتـحد بذلك من تقدمها وتطورها، ويُعرف بالقانون الدولي للتنمية وهو “… عبارة عن مجموعة من القواعد والمبادئ القانونية التي أصبحت جزءاً من القانون الدولي الوضعي يستجيب لمتطلبات شعوب البلدان النامية في التضامن والسيادة والسلم والتنمية”[49].
كما تترك خلفها آثاراً تمس الدول المتضررة والتي من شأنها تدمير النظم البيئية بكافة جوانبها الطبيعية حيث الصحة البشرية، والمنتجات الغذائية، بما فيها البيئة الاجتماعية والاقتصادية، وهذا ما تشهده القارة الإفريقية بسبب التغيرات المناخية و تحديداً السودان حيث “… تمخض الجفاف عن فقدان آلاف القطعان من الثروة الحيوانية ودمار ملايين من الأفدنة من الأراضي الزراعية المنتجة مما أدى إلى انهيار الحياة بالريف واختلال بنياته الأساسية وتعدي الإنسان على الغطاء النباتي المتبقي لكي يسد رمقه وحاجة حيواناته مما قاد إلى بروز ظاهرة التصحر الأمر الذي دفع بالسكان إلى ممارسة النزوح الجماعي…”[50].
والجدير بالذكر أن الأضرار البيئية لا تتحـقق في صورة محدده بل تتحقق بعدة أشكال؛ كأن يقع الضرر في دفعة واحدة، أو على عدة دفعات ممّا يجعل آثارها غير محصورة.
خلاصة القول، نجد العديد من قرارات هيئة الأمم المتحدة والاتفاقيات والمعاهدات الدولية تصب في مصلحة المجتمع الدولي بداية بالأمن الوطني وحتى العالمي بما يتعلق باستقرار الوسط البيئي، كذلك تشديد الحرص على مدى أهمية المحافظة على هذا الكيان الجامع بين أقران المجتمع الدولي، لقوة تأثيره على التنمية المستدامة، إلا أننا نجد أن نتيجة الإخلال الحاصل بالالتزامات الواردة في حق البيئة هو نتيجة ضعف قوة العقوبات والروادع لمثل هذه الجرائم واقتصارها فقط على التعويض.
كما يرى رأي آخر أنه “من أسباب ضعف القوة الإلزامية لهذه الاتفاقيات الانقسام بين أعضاء المجتمع الدولي إلى دول ضعيفة ودول قوية، دول فقيرة ودول غنية، دول نامية ودول مصنعة وظهور جدال حول فكرة من يلوث البيئة بين الدول؟ إلى جانب ذلك تطور فكرة المصلحة.”[51].
المبحث الرابع
الجهود الدولية والإقليمية نحـــو مكافحة الجرائـــم البيئية
إن الجهود المبذُولة تجاه القطاع البيئي بهدف توفير الحماية اللازمة له كبيره جداً، حيث أنها محظ اهتمام الدول والمنظمات ذات العلاقة (الحكومية – وغير الحكومية) ممّا تشكل أولوية للوقوف على مشكلات البيئة ومعالجتها ومواجهة المخاطر التي تهدد توازنها، وفي هذا المبحث سوف نشير إلى الجهود الخارجية والداخلية في سبيل الحفاظ على البيئة وحمايتها.
تتضافر جميع الجهود وتتكاتف من قبل الدول والأقاليم نحو محاولة وضع آليات بهدف التصدي لجرائم البيئة وكوارثها وقد كانت حوادث البيئة وجرائمها الدافع الأول الذي توصل بالمجتمع الدولي إلى وضع القانون الدولي البيئي والإلزام به، وتجدر الإشارة إلى حادثة (توري كانيون) أحد أشهر الكوارث البيئية على مستوى العالم، التي أكدت على حاجة المجتمع الدولي بمدى أهمية وجود قواعد تحكمه، بهدف حماية البيئة وقد توصلت فعلياً إلى عقد عدة اتفاقيات دولية للحد من ظواهر التلوث البيئي. وتعرف توري كانيون بأنها سفينة بريطانية وهي ثالث أكبر ناقلة بترول في العالم في ذلك الوقت، كما تتلخص وقائعها فيما يلي:
في شهر مارس من سنة 1967م اتجهت توري كانيون من الخليج العربي نحو ميناء (ملفورد هافن) الإنجليزي حيث كانت تحمل في كنفها (55) ألفاً من برميل النفط، وقد ارتطمت بصخور بالقرب من جزيرة ممّا أدى هذا التصادم إلى تسرب عدد كبير من النفط ممّا نتج عنه ظهور يقعه كبيرة من الزيت ملئت المحيط وباءت كل المحاولات الجاهدة لتذويبها بالفشل، وقد كانت هناك خسائر كبيرة لامتداد التسرب للمياه الإقليمية البريطانية وكذلك الفرنسية ممّا دعا لتدخل الحكومة البريطانية لتفجير السفينة لوقف هذا التمدد.
وبذلك فإن هذه الكارثة البحرية قد أثارت المجتمع الدولي بأكمله؛ نظراً للخسائر الفادحة التي تكبدتها الحكومتين البريطانية والفرنسية “حيث تحملت الدولتين أضراراً بيئية بالغة نتيجة هذا الحادث، بالإضافة إلى التكاليف الباهظة التي تكبدتها الحكومتان لتطهير سواحلهما من البقع النفطية، بجانب دفع مبالغ التعويض لرعاياهما الذين لحقتهم أضرار كبيرة من جراء هذا الحادث”[52].
ومن أهم المؤتمرات العالمية التي عقدت تحت مظلة منظمة الأمم المتحدة، مؤتمر ريو دي جانيرو 1972م، أو ما يسمى بقمة الأرض وكان من أبرز مبادئه موضوع التنمية المستدامة، واتفاقية فينا الخاصة بحماية طبقة الاوزون 1985م، كذلك مؤتمر باريس بشأن التغير المناخي 2015م، والذي عقد بهدف الحد من مشكلة الاحترار العالمي وغيرها من المؤتمرات والاتفاقيات التي أمعنت في موضوع حماية البيئة وكانت محل حرصها وعنايتها.
وفي هذا المقام نود أن نلقي الضوء على الجهود السعودية المبذُولة في ضوء الحماية البيئية، حيث أن المملكة تعتبر من الدول السباقة في مجال حماية البيئة كما ترسخ كل ما يمكنها من جهود وأنظمة بهدف الحفاظ على بيئة آمنة خالية من التلوث.
ترتكز الحماية القانونية للبيئة في المملكة العربية السعودية على المرسوم الملكي رقم (م/165) الصادر بتاريخ 19/11/1441هـ، تحت مسمى نظــام البيئة وفيها (49) مادة قانونية تناولت عدة محاور تُساهم في الحفاظ على أمن الكيان البيئي، ويهدف نظام البيئة السعودي إلى حماية البيئة، والمحافظة عليها من أي مُلوثات أو أفعال شاذه تطرأ عليها؛ حيث جاء ذلك صراحة في المادة الثانية بأن “يهدف النظام إلى حماية البيئة وتنميتها واستدامتها، والالتزام بالمبادئ البيئية، وتنظيم قطاع البيئة والأنشطة والخدمات المتعلقة به”، ولم يقف النظام عند حماية البيئة فقط بل قام بمعالجة كل ما يتعلق بها، وذلك إعمالاً بما يسمى بالاعتبارات البيئية وهي ” كل ما يجب أخذه في الحسبان – عند تخطيط أي مشروع – من أنظمة وقرارات واستراتيجيات وبرامج بيئية.”[53]، وعليه فقد شغلت حماية البيئة حيزاً من العناية والاهتمام؛ نظراً لما يتمتع به موقع المملكة بوصفه ذو استراتيجية مهمة سواء كان ذلك جغرافياً أو سياسياً، ناهيك عن كونها تملك ثاني أعـلى احتياطي النفط على مستوى العالم؛ ممّا يزيد من حرص المملكة على حماية البيئة ومواردها، وتوظيف كافة السُبل للحد من الانتهاكات التي تُرتكب بحق البيئة والتي خلّفها التلوث وآثاره، ولم يغفل النظام السعودي بسن عقوبات مُغلظة ورادعة في إطار السعي لوقف الاعتداءات الماسة بالمنظومة البيئية والتي ورد ذكرها على سبيل الحصر في المادة رقم (35) والمدرجة ضمن سياق الفصل الثامن من نظام البيئة والمتعلق بضبط المخالفات وإيقاع العقوبات على أن “يعد من المخالفات لأحكام النظام القيام بأي من الأفعال الآتية: 1. إلقـاء مياه الصرف أو أي مكونات سائلة -غير معالجة- أو تصريفها، أو حقنها؛ في الآبار الجوفية، أو في أي وسط بيئي، أو في أي منطقة من مناطق المنكشفات الصخرية للطبقات المائية؛ لأي سبب كان.
- إلقاء أو تصريف وسائط النقل البحري لأي من الملوثات الناتجة من مياه التوازن، وبقايا الحمولة والنفايات، والمكونات السائلة، وانحلال المواد المانعة لالتصاق الشوائب.
- التخلص من النفايات الخطرة في الأوساط البيئية.
- الاتجار بالكائنات الفطرية المهددة بالانقراض ومشتقاتها ومنتجاتها، أو قتلها، أو صيدها.”
ومن هنا وبمقتضى المادة المُشار إليها سلفاً وما حَوَت في سطورها من نصوص تجريميه، دفعت المُشرع السعودي إلى وضع عقوبات مشددة كسلب الحرية وذلك بالسجن لمدة عشر سنوات، وغرامات مالية تصل قيمتها إلى مبلغ ثلاثين مليون ريال أو بالعقوبتين معاً وفقاً لما يقرره النظام، وإعمالاً بنص المادة (40) من نظام البيئة على أن ” … يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات وبغرامة لا تزيد على (30.000.000) ثلاثين مليون ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين؛ كل من:
- يرتكب أيَّا من الأفعال الواردة في المادة (الخامسة والثلاثين) من النظام.
- يرتكب للمرة الثانية وما بعدها -خلال مدة سنة من ارتكابها للمرة السابقة- أي من الأفعال الآتية بالمخالفة لأحكام النظام:
- قطع الأشجار، أو الشجيرات أو الأعشاب أو النباتات، أو اقتلاعها، أو نقلها، أو تجريدها من لحائها أو أوراقها أو أي جزء منها، أو نقل تربتها أو جرفهاـ أو الاتجار بها.
- قتل أي من الكائنات الفطرية الحيوانية الحية بالمخالفة لحكم المادة (السادسة والعشرين) من النظام.” وقد كانت المادة رقم (26)[54] من نظام البيئة تحظر الاعتداء على الكائنات الفطرية الحيوانية بالقتل أو بالإيذاء إلا إن هناك استثناء يسمح بقتلها في حالات محددة، وأوقات معينة وفقاً لما هو منصوص عليه في اللوائح.
ولم يقتصر موضوع حماية البيئة على نظام واحد فقط (نظام البيئة السعودي) بل شملته الأنظمة السعودية الأخرى؛ ويتجلى ذلك من خلال نصوصها القانونية، ممّا يبعث على أهمية البيئة وحمايتها؛ كونها الركيزة المشتركة بين المجتمعات وبطبيعة الحال فإن أمن البيئة من أمن الإنسان، والإخلال بأحد عناصرها هو إخلال بحياة الإنسان.
وفي هذ الإطار فقد أولت المادة الثالثة في فقرتها السابعة من نظام الهيئة السعودية للمدن الصناعية والمناطق التقنية على “اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية البيئة وسلامة المنشآت في المدن الصناعية ومناطق التقنية بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، بما في ذلك وضع اللوائح والضوابط اللازمة في هذا الشأن”[55]، وفي نفس الصدد جاءت المادة الأولى من تنظيم المجلس الاقتصادي الأعلى والمعنية بالغايات السياسية الاقتصادية بأن “تقوم السياسة الاقتصادية للمملكة على ثوابت الرعاية الاجتماعية الشاملة ومفهوم الاقتصاد الحر والأسواق المفتوحة للمال والسلع والخدمات والمنتجات من أجل تحقيق الغايات الآتية:
1_ أمن ورفاهية وازدهار المجتمع مع المحافظة على القيم الإسلامية والبيئة والثروات الطبيعية بشكل يوازن بين الحاضر والمستقبل”[56]، أيضاً في نظام آخر خاص بالمواد المستنزفة لطبقة الأوزون، وهو بما يسمى بالنظام الموحد بشأن المـواد المستنفدة لطبقة الأوزون لـدول مجلس التعـاون لدول الخليج العربية ]المعدل[، فقد نصت المادة السادسة منه على أن “يحظر تصنيع أو استخدام المواد الخاضعة للرقابة والأجهزة والمعدات والمنتجات الخاضعة للرقابة في الصناعات أو في المنشآت الجديدة أو في حالة توسعة الأنشطة والمنشآت القائمة. كما يحظر تجديد رخص المنشآت القائمة إلا بعد الحصول على الموافقة البيئية من الجهة المختصة”[57].
والجدير بالذكر أن سعي المملكة الحثيث وجهودها قد تخطى حدودها الإقليمية حيث كان للمملكة العربية السعودية مبادرات خارجية دولية مرتبطة بحماية البيئة ومنها:
- إنشاء صندوق خاص بأبحاث الطاقة والبيئة.
- تعد المملكة صاحبة أكبر مشروع إعمار بيئي في التاريخ، وهو متعلق بإصلاحات ما بعد حرب الخليج وقد بلغت تكلفته أكثر من 1,1 بليون دولار أمريكي.
- مركز الرعاية الصحراوية، والذي يعمل على تطوير الأنظمة المستدامة منخفضة المدخلات التي تستخدم المياه بكفاءة، بغرض إنتاج الأغذية والحبوب والتي تناسب مع البيئة الصحراوية الساحلية والمعتمدة في الزراعة على مياه البحر وأشعة الشمس.
- إطلاق مبادرة “السعودية الخضراء” و”الشرق الأوسط الأخضر” كونها أحد أهم الدول المصدرة للنفط وتحقيقاً لدورها في المنطقة وتجاه أزمة المناخ فإنها سوف تقود الشرق الأوسط نحو حقبة زمنية خضراء.
ولخصوصية الجريمة البيئية وبهدف الوصول إلى منظومة متكاملة تسعى لبيئة آمنه، فقد جاء على ضوء ذلك قراراً من قبل النائب العام[58] بإنشـاء دائرة تحقيق خاصة في جـرائم البيئة المنصوص عليها في أنظمة البيئة والزراعة وأيضاً تتولى الرقابة على الاستخدامات النووية والإشعاعية وغيرها بما يتعلق بحماية البيئة ومكوناتها الطبيعية، ممّا يؤكد على حرص المملكة في تعزيز الحمـاية البيئية من التهديدات التي قد تطرأ عليها ” وستتولى هذه الدائرة المستقلة الجديدة التحقيق في قضايا البيئة، الأمر الذي من شأنه تعزيز التدابير والإجراءات التي تحد من الممارسات المجرمة والمؤثرة سلباً على البيئة والمناخ، وسيكون من بين اختصاصاتها التحقيق في جميع الأنماط والسلوكيات الإجرامية التي تهدد الاستقرار المناخي والاستدامة البيئية في ظل منظومة جزائية واحدة”.[59]
ونستخلص ممّا سبق، مدى كثافة الجهود الدولية والإقليمية نحو مكافحة جرائم البيئة والحد منها وبشكل خاص القانون السعودي والذي وضع قانوناً شمُوليّاً يكفل حماية البيئة ضد أي عدوان يقع على عناصرها الطبيعية، وشرّع نصوص قوية وعقوبات مُغلظه ورادعه للحد من الانتهاكات البيئية.
المبحث الخــامس
أثر الجرائم البيئية على الأمن الانســــاني
لا شك لوجود التهديدات البشرية وتزايدها فهناك جرائم كثيرة وانتهاكات إنسانية لا حصر لها وقد شرع في تنظيمها القانون الدولي الإنساني للحد من الأفعال المرتكبة ضد الإنسانية ومحاسبة الجناة ومحاكمتهم، ومن المعلوم أن البيئة هي مكان لممارسات البشرية فإن أي فعل يلوثه يعود للإنسان بأضرار بغض النظر عن مدى جسامته أو نوعه، ومن خلال هذا المبحث سوف نلقي الضوء على الآثار المترتبة على حياة الإنسان وسلامته نتيجة الانتهاكات البيئية وما يقع عليها من مُلوثات، كما سوف نناقش أثر انتشار جائحة كورونا على دول العالم.
سعت الأنظمة والقوانين على مر العصور إلى وضع تشريعات تكفل حماية الإنسان وتضمن كرامته، وقد كان ديننا الحنيف هو النبراس الأول الذي شع لنا الحقوق والواجبات وكل ما يُدرء المفاسد في قوله تعالى ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾.[60]
لا يخفى على أحد بأن التغيرات البيئية وما يحدث في كنفها من إشكالات لا يقف تأثيرها على المستوى السياسي فقط، “فالأضرار الاقتصادية والاجتماعية التي يخلفها العدوان على عناصر البيئة المختلفة لا يقتصر أثره على فرد أو جماعة معينة على وجه التحديد، وانما يصيب المجتمع ككل ودون استثناء، حيث يقع على الوسط البيئي الذي يمثل في مضمونه عصب الحياة”[61]، ويتجلى هنا تأثير الجرائم البيئية على المستوى الإنساني بلا شك وهذا كون “البيئة لها قضاياها ومشكلاتها، فهي تمثل ركناً أساسياً من أركان الأمن الإنساني الذي لا غنى عنه، والمساس بالبيئة يعني مساساً بأمن الإنسان الذي أصبح شاملاً لكل مجالات الحياة”[62].
وعليه فإن الخطورة الكامنة للجريمة البيئة هي في حقيقة الأمر تهدد بقاء الإنسان والكائنات الحية الأخرى، ولا بد من الإشارة إلى أبرز المشكلات التي وردت على سبيل المثال لا الحصر، والتي تساعد في عملية إخلال التوازن البيئي وتدهوره، ومن بعد مدى تأثيرها على الأمن الإنساني وهي كالتالي:
” – استنزاف طبقة الأوزون وتغيرات المناخ العالمي بسبب انبعاث غازات الدفيئة تؤدي إلى ارتفاع مستوى البحار وتغيير توزيع الأمطار.
- تسرب المواد النووية من حاويات النفايات المشعة والغواصات النووية واختبارات الأسلحة النووية وحوادث وكوارث المصانع النووية.
- ندرة أو وفرة الموارد، والنمو السكاني المتزايد.
- التأثير البيئي للحرب الناتج عن القصف، أو استعمال الألغام الأرضية، أو الأسلحة الكيميائية أو البيولوجية، والتغيير البيئي أثناء الحرب بشكل عام.”[63].
لم يغفل المجتمع الدولي عن وضع المعاهدات والاتفاقيات التي تُلـزم الدول الأعضاء بعدم الإخلال بأي شكل من الأشكال بالبنود الواردة في مضمونها، والتي سلطت الضوء على الحماية البيئية إلا وقد تطرقت إلى حماية الإنسان سواء كان بشكل مباشر أو غير مباشر، ففي إعلان لاهاي على سبيل المثال والذي عقد في هولندا سنة 1989م، والذي كان بصدد أهمية التعاون بين كلاًّ من الدول الصناعية والدول النامية في المحافظة على الغلاف الجوي للبيئة، إلا أنه لم يقتصر على حدود هذا الموضوع بل درج حماية البيئة بحماية الإنسان ضمن إطار واحد حيث أنه” يربط الحماية البيئية بحق الإنسان في الحياة وينادي بزيادة السلطة المؤسساتية الجديدة والممنوحة لجمع المعلومات واتخاذ قرارات فعالة بشأن المحافظة على الغلاف الجوي”[64].
أيضاً بالنسبة للإعلان الخاص بالبيئة والتنمية المستدامة والذي انعقد تحت اسم إعلان ريو سنة 1992م، حيث تناول الحماية الإنسانية بشكلٍ صريح حيث ذكر في المبدأ الأول بأن “يدخل الجنس البشري في صميم الاهتمامات المتعلقة بالتنمية المستدامة ، تكون حماية البيئة جزءاً لا يتجزأ من عملية التنمية ولا يمكن النظر فيها معزلٍ عنها”[65].
ومن هذا المنطلق فإن آثار التهديدات البيئية فاقت كل الحدود إلى غاية وصولها لاستمرار بقاء الإنسان، والذي بطبيعة الحال لا يمكنه أن يعيش تحت تأثير أي تلوث لحق بركن من أركان البيئة، ولا يمكن تصور الإنسان بأن يتكيف مع البيئة المُلوثة ويتعايش معها دون وجود آثار جانبية تؤرق عليه حياته وتعكر صفوها ومنها؛ الآثار الصحية كانتشار الأوبئة والآفات المعدية، أو الآثار الاجتماعية حيث التغيرات الديموغرافية خاصة مع تزايد اعداد الهجرة السكانية وتنوع الاستيطان.
وحري بنا التطرق إلى جائحة كورونا (Covid-19) تلك التي اجتاحت آثارها دول العالم بأكملها، يعود السبب إلى تلوث السوق الخاص بالبحريات والحيوانات في مدينة ووهان الصينية، والذي تم اكتشافه في ديسمبر 2019م ومستمر إلى كتابة هذه السطور، وهو فايروس يصيب الرئة بالتهاب حاد.
وقد نتج عن انتشار فايروس كورونا آثار جسيمة أدت إلى انهيار أنظمة صحية وهذا ما حصل في الجمهورية الإيطالية، كذلك نتج عنها خسائر بشرية يفوق عددهم مليونين ونصف، كما أدت إلى شلل اقتصادات دولية كبيره ممّا نتج عنها خسارات لا حصر لها من أموال وأعمال أدت إلى تباطؤ التجارة الدولية والمحلية، لا سيما المشاريع الصغيرة والمتوسطة ممّا نتج عنها تراكم الديون وضعف السيولة أثر هذا الوباء.
وقد أرغمت جائحة كورونا المجتمع الدولي على عدة أمور تجنباً للإصابة بها والحد من تفشيها وكان من أبرزها الحجر المنزلي (الصحي) والذي سبب ركوداَ في حياة الإنسان حيث طال أساسياتها كالتعليم والعمل والصحة ممّا نتج عنه انخفاض في جودة الحياة لكثير من الحكومات والأفراد وبذلك “تدل الآثار الاجتماعية لجائحة كوفيد-19 التي مست جميع دول العالم بدون استثناء على أن فيروس كورونا يشكل خطراً يهدد البشرية جمعاء، وإن الجهود التي تبذلها بعض الدول فرادى لوضع حد لانتشاره غير كافية لأن سرعة انتشاره وعدد الإصابات التي تقدر بمئات الآلاف تتجاوز طاقة استيعاب أي نظام صحي لهذا العدد الهائل من المرضى، وإن وجود أي إصابات في أي دولة في العالم يجعل باقي الدول عرضة لانتقال الفيروس على أراضيها، لأن من مميزاته هو انتقاله السريع دون اكتراثه بالحدود”.[66]
ونستنتج ممّا سبق في هذا المبحث، بأن التأثيرات التي تطرأ على البيئة بما فيها التلوث الشامل والمُستمر على دول العالم، ما هي إلا بمثابة جرائم ترتكب ضد الطبيعة وتسعى من خلال ذلك؛ إلى زعزعة الأمن الإنساني واستقراره لمساسها بنطاق عيشه وغيره من المخلوقات الحية.
الخاتمـــة
إن جريمة انتهاك البيئة واستنزاف مواردها من أكثر الجرائم جسامة وأشدها ألماً على العالم كله وتحتم على كافة أعضاء الدول والمنظمات والأفراد جميعاً بحفظ المجتمع البيئي من الممارسات السلبية التي من شأنها المساس بها والإخلال بأحد مكوناتها الطبيعية، التي لا يمكن أن تستمر المنظومة الحياتية للبشرية دونها؛ وبالتالي فإنه لا بد من فرض قواعد حماية بيئية أكبر تضمن البقاء والاستمرار من شر هذه الأفعال، لا سيّما كونها أساساً للتنمية المستدامة كونها مطلع الدول وتقدمها.
تم التوصل من خلال هذا العنــوان إلى العديد من النتائج والتوصيات يأتي أبرزها فيما يلي:
أولاً: النتائج :
خلصت هذه الدّراسة إلى الآتـــي:
- تعتبر الجريمة البيئية من الجرائم الأشد خطورة على مستوى العالم وفقاً لطبيعتها المادية، كما أن الجهل بآثارها هو أكـبر عائق للحفاظ على حياة الأفراد والمجتمعات وبقائهم، ونتيجة ذلك؛ تتأثر شتى المجالات بتلوث البيئة كالصحة والتعليم والاقتصاد وغيرها، ممّا يؤثر أيضاً على المصالح البشرية كون البيئة هي كيان الإنسان الذي يعيش به ويحيا.
- تختلف المساءلة الدولية عن المدنية، فلكل نظام مدني قانون عقوبات خاص بحسب الفعل المجرم والمرتكب ضد البيئة، وهذا لا خلاف عليه كونه في نهاية المطاف يسعى إلى حماية البيئة، ولكن يكمن مضمون البحث في المسؤولية الدولية عن الجرائم البيئية والتي أظهرت من خلال ما استعرضناه عدم وجود أنظمة عقابية فعّالة ورادعه غير المقابل المالي ضد الانتهاكات التي تقع على البيئة، أو الدول التي تعسفت في استعمال حقها لدرجة تضر غيرها من الدول.
- كان المنظم السعودي خير نموذج لحماية البيئة فقد وضع جُــل اهتمامه وعنايته في المحافظة عليها ووقايتها من أي عدوان او استنزاف قد يمس بأمنها.
ثانيـاً: التوصيات :
وعليه، فالدّراسـة توصي بــ :
- رفع الغموض عن ماهية الجريمة البيئة بوضع قانون دولي واضح يهدف إلى مكافحة الجريمة البيئية، ويكون مرجعاً للأنظمة الداخلية.
- إدراج قانون صريح وواضح حول العقوبات الخاصة بالأفعال المجرمة ضد البيئة ضمن قوانين المحكمة الجنائية الدولية، كونها صاحبة الاختصاص.
- خـلق وعي وطني دولي عالـمي عن أهمية الحفاظ على البيئة وعناصرها بدءاً من الفرد ووصولاً إلى الدول.
- إنشـاء جهة متخصصة ذات معايير خاصة بالتنظيم البيئي، تعمل على ملاحقة مرتكبي الجرائم البيئية الدولية وتقديمهم للقضاء.
- فرض رقابة ذات معايير فنية بيئية على الساحة الدولية وعلى المناطق الغير خاضعة للسيادة للسعي حول تمكين الأمن البيئي.
- إرساء نصوص عقابية رادعة بخلاف التعويض المــادي، كإيقاف المنشأة على سبيل المثال، أو وقف العمل لفترة محددة، وفي حال كان التلوث ناتجاً عن سلوك فردي فمن الممكن معاقبته بسلب حريته و إيقاف هذا المُلوث عن العمل، أو مطالبته بتحمل أعباء إصلاح الوضع إلى ما كان عليه.
- المعجم المغني.
- المعجم الوسيط.
- أحمد بن إبراهيم مصطفى سليمان، الإرهاب والجريمة المنظمة، التجريم وسبل المواجهة، دار الفكر العربي، 2008م.
- إبراهيم العناني، القـــانون الدولي، ج 1، القاهرة، 1997م.
- بن عمارة محمد، مفهوم الجريمة المنظمة دولياً ووطنياً، جامعة ابن خلدون، تيارت، الجزائر.
- بخدة مهدي، المسؤولية الجنائية البيئية، مجلة البحوث العلمية في التشريعات البيئية، ع التجريبي، كلية الحقوق، جامعة ابن خلدون، تيارت، الجزائر، 2011م.
- خالد طعمة الشمري، القانون الجنائي الدولي، الكويت، 2005م.
- خالد محمد مصطفى، تغير المناخ وآثاره الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على السكان في العالم حالة السودان، معهد دراسات الكوارث واللاجئين، جامعة أفريقيا العالمية، السودان،2012م.
- سلمى أحمد عباس، الجريمة البيئية التعريف والتشريع والتكييف دراسة في القانون الإماراتي، مجلة الحقوق والعلوم السياسية جامعة عمار ثليجي، الجزائر، 2017م.
- سامح عبد القوي السيد، التدخل الدولي بين المنظور الإنساني والبيئي، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2012م.
- سليمان مرقص، الوافي في شرح القانون المدني، مطبعة السلام، القاهرة،1941م.
- طه عثمان المغربي، أركان جريمة تلوث البيئة وأحكام مسئولية الشخص المعنوي جنائياً عنها، مجلة العلوم الشرعية، جامعة القصيم، 2019م.
- علواني امبارك، المسؤولية الدولية عن حماية البيئة، دراسة مقارنة، جامعة محمد خيضر، الجزائر، 2017م.
- عبد الرزاق السنهوري، الموجز في النظرية العامة للالتزامات في القانون المدني المصري، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1946م.
- عبد الفتاح الصيفي، الأحكام العامة للنظام الجنائي في الشريعة الإسلامية والقانون، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 2018م.
- عبد العزيز مخيمر عبد الهادي، دور المنظمات الدولية في حماية البيئة، دار النهضة العربية، القاهرة،1986م.
- عبير حسن العبيدي، المسؤولية الدولية عن الهواء الملوث العابر للحدود، مجلة جيل الأبحاث القانونية المعمقة، لبنان، 2020م.
- عمر سعد الله، القانون الدولي للتنمية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر،1990م.
- فاطمة محمد سعيد، المسئولية الدولية عن الاخلال بالمعاهدات الدولية، رسالـة دكتوراه مقدمة لكلية الحقوق جامعة الزقازيق، 2006م.
- فرج صالح الهريش، جرائم تلويث البيئة في القانون الليبي – دراسة مقارنة، رسالة دكتوراه في الحقوق، جامعة القاهرة، 1997م.
- فيصل بن زحاف، د. ليلى عصماني، الحماية الاجتماعية الدولية من جائحة كوفيد-19، مجلة قانون العمل والتشغيل، الجزائر، 2020م.
- لعيدي عبد القادر، المسؤولية الدولية الناجمة عن أضرار التلوث النووي، جامعة أبو بكر بلقايد تلمسان، الجزائر، 2018م.
- لقمان بامون، المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي عن جريمة تلويث البيئة، جامعة قاصدي مرباح، الجزائر، 2012م.
- محمد طلعت الغنيمي، الاحكام العامة في قانون الأمم، قانون السلام، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1975م.
- محمد رضا شبانه، المسئولية الدولية عن الإضرار بالبيئة، مؤتمر بعنوان (القانون والبيئة)، كلية الحقوق، طنطا، 2018م.
- محمد حافظ غانم، المنظمات الدولية، دراسة لنظرية التنظيم الدولي ولأهم المنظمات الدولية، مطبعة النهضة الجديدة، القاهرة، 1967م.
- محمد حافظ غانم، المسئولية الدولية، معهد الدراسات العربية العالمية، مصر، 1962م.
- نصر الدين قليل، مسؤولية الدولة عن انتهاك القانون الدولي، أطروحة دكتوراه في القانون الدولي العام، الجزائر، 2017م.
- نبيل أحمد حلمي، الحماية القانونية الدولية للبيئة من التلوث، دار النهضة العربية، القاهرة، 1991م.
- نور الدين حمشة، الحماية الجنائية للبيئة، رسالة ماجستير، كلية العلوم الاجتماعية والعلوم الإسلامية، جامعة الحاج لخضر، الجزائر،2006م.
- تقرير لجنة القانون الدولي في دورتها (52)، 2000م.
- مقال بعنوان (مهندس بيئة في الأمم المتحدة للأمن والحياة)، خالد العنانزة، مجلة الأمن والحيـاة، العدد375، المستودع الرقمي المؤسسي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، 2013م.
- مقال منشور في جريدة عكاظ، عدنان الشبراوي، تاريخ زيارة الصفحة 30 مارس 2021م: https://www.okaz.com.sa/news/local/2063379
- اتفاقية لاهـــاي، 1907م.
- الإعلان العالمي للبيئة في ستوكهولم، الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة، السويد،1972م.
- إعلان (ريو دي جانيرو)، 1992م.
- القانون الكويتي رقم /62/ لسنة 1980م.
- القانون المصري رقم (4) لسنة 1994م بشأن البيئة.
- النظام الفرنسي، قانون رقم (96/1236)، 1996م.
- أنظمة التجارة والاقتصاد والاستثمار، تنظيم المجلس الاقتصادي الأعلى، الصادر بأمر ملكي رقم (أ/111)، بتاريخ 17/5/1420هـ.
- تنظيم الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية، الصادر بقرار من مجلس الوزراء رقم (235)، بتاريخ 27/8/1422هـ.
- قانون البيئة السوري رقم /50/ الصادر بتاريخ 13/7/2002م.
- النظام الموحد بشأن المواد المستنفدة لطبقة الأوزون لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية (المعدل)، 2014م.
- نظام البيئة، الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/165)، بتاريخ 19/11/1441ه.
- اللائحة التنفيذية للنظام العام للبيئة السعودي .
1- Trail smelter case, 16 April 1938. https://www.informea.org/en/court-decision/trail-smelter-case-united-states-v-canada
2- Y.I.L.C. 1965, Vol II.
3- Trail Smelter Arbitration Case, United Nations Reports of International Arbitration Awards, Vol.III,P.1965.
4- Torrey canyon case, 18 March 1967. https://www.itopf.org/in-action/case-studies/case-study/torrey-canyon-united-kingdom-1967/
5- Y.B.I.L.C, 1969, Vol. ii.
6- Klaus Tiede’ Mann, Théorie et réforme du droit penal de L’environnement, Rev. Se. Crim. 1986.
7- Rome Statute of the International Criminal Court, 1998.
8- Jerry A. Nathanson, Air pollution, www.britannica.com
[1] ينظر: عبدالله الأشعل، القانون الدولي المعاصر، ص91.
[2] ينظر: محمد طلعت الغنيمي، الاحكام العامة في قانون الأمم، قانون السلام، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1975م، ص 868.
[3] ينظر: فاطمة محمد سعيد، المسئولية الدولية عن الاخلال بالمعاهدات الدولية، رسالـة دكتوراه مقدمة لكلية الحقوق جامعة الزقازيق، 2006م، ص41.
[4] ينظر: نصر الدين قليل، مسؤولية الدولة عن انتهاك القانون الدولي، أطروحة دكتوراه في القانون الدولي العام، الجزائر، 2017م، ص 12.
[5] ينظر: Y.I.L.C. 1965, Vol II. P.151
[6] ينظر: لعيدي عبد القادر، المسؤولية الدولية الناجمة عن أضرار التلوث النووي، جامعة أبو بكر بلقايد تلمسان، الجزائر، 2018م، ص 165.
[7] ينظر: Y.B.I.L.C, 1969, Vol. ii. P.143.
[8] ينظر: خالد طعمة الشمري، القانون الجنائي الدولي، الكويت، 2005م، ص23.
[9] ينظر: محمد رضا شبانه، المسئولية الدولية عن الإضرار بالبيئة، مؤتمر بعنوان (القانون والبيئة)، كلية الحقوق، طنطا، 2018م، ص12.
[10] ينظر: محمد رضا شبانه، المسؤولية الدولية عن الإضرار بالبيئة، كلية الحقوق، طنطا ، 2018م، ص 8.
[11] ينظر: محمد حافظ غانم، المنظمات الدولية، دراسة لنظرية التنظيم الدولي ولأهم المنظمات الدولية، مطبعة النهضة الجديدة، القاهرة، 1967م، ص 113.
[12] ينظر: طه المغربي، أركان جريمة تلوث البيئة ومسئولية الشخص المعنوي عنها جنائياً، مجلة العلوم الشرعية، جامعة القصيم، 2019م، المجلد 13، ع 3، ص 2254.
[13] ينظر: تقرير لجنة القانون الدولي عن أعمال دورتها (52)، 2000م، ص137.
[14] ينظر: محمد حافظ غانم، المسئولية الدولية، معهد الدراسات العربية العالمية، مصر، 1962م، ص101.
[15]ينظر : فاطمة محمد سعيد، المسئولية الدولية عن الاخلال بالمعاهدات الدولية، ص41.
[16] ينظر: إبراهيم العناني، القـــانون الدولي، ج 1، القاهرة، 1997م، ص232.
[17]ينظر: فاطمة محمد سعيد، المسئولية الدولية عن الاخلال بالمعاهدات الدولية، ص47.
[18] ينظر: بخدة مهدي، المسؤولية الجنائية البيئية، مجلة البحوث العلمية في التشريعات البيئية، ع التجريبي، كلية الحقوق، جامعة ابن خلدون، تيارت، الجزائر، 2011م، ص34.
[19]ينظر: مصطفى أحمد فؤاد، الجريمة الدولية لتلويث البيئة، ص52 -53.
[20] ينظر: Trail Smelter Arbitration Case, United Nations Reports of International Arbitration Awards, Vol.III,P.1965.
[21] ينظر: سامح عبد القوي السيد، التدخل الدولي بين المنظور الإنساني والبيئي، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية،2012م، ص 290-295.
[22] ينظر: عبد الرزاق السنهوري، الموجز في النظرية العامة للالتزامات في القانون المدني المصري، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1946م، ص311.
[23] ينظر: المعجم الوسيط، ج (1)، دار الدعوة، مجمع اللغة العربية، القاهرة، ص411.
[24]ينظر: سليمان مرقص، الوافي في شرح القانون المدني، مطبعة السلام، القاهرة، ص300.
[25] ينظر: فرج صالح الهريش، جرائم تلويث البيئة في القانون الليبي – دراسة مقارنة، رسالة دكتوراه في الحقوق، جامعة القاهرة، 1997م، ص7.
[26] ينظر: المعجم الغني.
[27] الأعراف: 74.
[28] ينظر: نظام البيئة السعودي، الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/34 وتاريخ 28/7/1422هـ.
[29]ينظر: الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون المصري رقم 4 لسنة 1994م بشأن البيئة.
[30] ينظر: القانون الكويتي رقم /62/ لسنة 1980م.
[31] ينظر: قانون البيئة السوري رقم /50/ الصادر بتاريخ 13/7/2002م.
[32] ينظر: لقمان بأمون، المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي عن جريمة تلويث البيئة، رسالة ماجستير، قسم الحقوق، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة قاصدي مرباح، الجزائر، 2012م، ص23.
[33]ينظر: عبد الفتاح الصيفي، الأحكام العامة للنظام الجنائي في الشريعة الإسلامية والقانون، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 2018م، ص157.
[34] ينظر: نور الدين حمشة، الحماية الجنائية للبيئة، رسالة ماجستير، كلية العلوم الاجتماعية والعلوم الإسلامية، جامعة الحاج لخضر، الجزائر،2006م، ص 30 وما يليها.
[35] ينظر: أحمد شوقي أبو خطوة، جرائم التعريض للخطر العام، ص209.
[36] ينظر: Jerry A. Nathanson, Air pollution, www.britannica.com, Retrieved 7/8/2021
[37] ينظر: المادة الثانية من قانون رقم (96/1236)، 1996م.
[38]ينظر: طه المغربي، أركان جريمة تلوث البيئة ومسئولية الشخص المعنوي عنها جنائياً، ص2267.
[39] ينظر: Klaus Tiede’ Mann, Theorie et reforme du droit penal de I’environnment, Rev. Se. Crim. 1986, P.268.
[40] ينظر: فقرة رقم (31)، المادة الأولى من اللائحة التنفيذية للنظام العام للبيئة السعودي.
[41] ينظر: فرج صالح الهريش، جرائم تلويث البيئة “دراسة مقارنة”، ص 55.
[42] ينظر: اللائحة التنفيذية للنظام العام للبيئة السعودي.
[43] ينظر: أحمد إبراهيم مصطفى سليمان، الإرهاب والجريمة المنظمة، التـجريم وسبل المواجهة، دار الفكر العربي، 2008م.
[44] ينظر: بن عمارة محمد، مفهوم الجريمة المنظمة دولياً ووطنياً، جامعة ابن خلدون، تيارت، ص7.
[45] ينظر: خالد العنانزة، مقال بعنوان (مهندس بيئة في الأمم المتحدة للأمن والحياة)، مجلة الامن والحيـاه، العدد375، المستودع الرقمي المؤسسي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، 2013م، ص103.
[46] ينظر: عبد العزيز مخيمر عبد الهادي، دور المنظمات الدولية في حماية البيئة، دار النهضة العربية، القاهرة،1986م، ص29-30.
[47] ينظر: عبير حسن العبيدي، 2020م، المسؤولية الدولية عن الهواء الملوث العابر للحدود، مجلة جيل الأبحاث القانونية المعمقة، لبنان، ص94.
[48] ينظر: نبيل أحمد حلمي، الحماية القانونية الدولية للبيئة من التلوث، دار النهضة العربية، القاهرة، 1991م، ص5.
[49] ينظر: عمر سعد الله، القانون الدولي للتنمية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر،1990م، ص19.
[50] ينظر: خالد محمد مصطفى، 2012م، تغير المناخ وآثاره الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على السكان في العالم حالة السودان، معهد دراسات الكوارث واللاجئين، جامعة أفريقيا العالمية، ص13.
[51]ينظر: علواني امبارك، المسؤولية الدولية عن حماية البيئة، دراسة مقارنة، جامعة محمد خيضر، الجزائر، 2017م، ص90.
[52] ينظر: سامح عبد القوي السيد، التدخل الدولي بين المنظور الإنساني والبيئي، ص317.
[53] ينظر: المادة (1) من نظام بيئة السعودي.
[54] ينظر: للمادة رقم (26) من نظام البيئة السعودي.
[55] ينظر: تنظيم الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية، الصادر بقرار من مجلس الوزراء رقم (235)، بتاريخ 27/8/1422هـ.
[56] ينظر: أنظمة التجارة والاقتصاد والاستثمار، تنظيم المجلس الاقتصادي الأعلى، الصادر بأمر ملكي رقم (أ/111)، بتاريخ 17/5/1420هـ.
[57] ينظر: النظام الموحد بشأن المواد المستنفدة لطبقة الأوزون لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية (المعدل)، الباب الثاني (التحكم بالمواد والأجهزة والمنتجات الخاضعة للرقابة)، 2014م.
[58] ينظر: الشيخ سعود بن عبدالله المعجب، النائب العام في المملكة العربية السعودية، وعضو هيئة كبار العلماء.
[59]ينظر: منشور في جريدة عكاظ، عدنان الشبراوي، تاريخ زيارة الصفحة 30 مارس 2021م: https://www.okaz.com.sa/news/local/2063379
[60] الأعراف: 56.
[61] ينظر: سلمى أحمد عباس، الجريمة البيئية التعريف والتشريع والتكييف، دراسة في القانون الإماراتي، مجلة الحقوق والعلوم السياسية جامعة عمار ثليجي، الجزائر، 2017م، ص32.
[62]ينظر: خالد العنانزة، مقال بعنوان (مهندس بيئة في الأمم المتحدة للأمن والحياة)، ص98.
[63] ينظر: خالد العنانزة، مقال بعنوان (مهندس بيئة في الأمم المتحدة للأمن والحياة)، ص101.
[64]ينظر: علواني امبارك، المسؤولية الدولية عن حماية البيئة، ص61.
[65]ينظر: اعلان (ريو دي جانيرو)، المبدأ الأول، 1992م.
[66] ينظر: فيصل بن زحاف، ليلى عصماني،2020م، الحماية الاجتماعية الدولية من جائحة كوفيد-19 ، مجلة قانون العمل والتشغيل، الجزائر، ص59.