
ملخص :
في عصر التقنية الصناعية لعبت الصناعات الثقافية بشكل عام دور محوري في عمليات التعلم والتثقيف سواء في الوسط الدراسي أو خارجه فكانت البداية مع الكتاب والصحافة الجماهيرية المكتوبة، ثم مع الراديو، السينما، والتلفزيون، وفي السنوات الأخيرة العاب الفيديو وكل هذه الصناعات هي صناعات مادتها الخام هي الأعمال والمواد الثقافية وهو ما جعلها أدوات فعلية للتعلم، وفي عصر التكنولوجيا الرقمية الذي نعيش فيه اليوم برزت العاب الفيديو كوسيط جديد للتعلم ، وهذا ما دفعنا للتركيز عليها كنموذج في هذه الورقة البحثية من خلال التطرق إلى الدور المهم الذي أضحت تلعبه.
Summary :
In addition to entertaiment,cultural industries such as books,news papers,radio and television has played a key role in education.Video games,which are an outcome of the digital revolution are not inttended solely for entertaiment anymore.But as an educational tool ,therefor we will attempt to demonstrate how cant hey be used in education.
مقدمة
مع اختراع الإنسان للكتابة أصبح بمقدوره أن يحتفظ بمعارفه وينقلها للآخرين وهو ما شكل تحولا تاريخيا محوريا في الحياة البشرية بشكل عام، وفي المرحلة الحديثة من التاريخ الإنساني شكل ابتكار تقنية الطباعة بالأحرف المتحركة فرصة أخرى للبشرية للاستفادة بشكل اكبر من المعارف الإنسانية المتراكمة ، وهذا الاختراع الثوري هو الذي أعلن كذلك عن إمكانية تحول الأعمال والمواد الثقافية إلى سلع ذات قيمة تبادلية وتجارية، وهي الظاهرة التي سيصطلح عليها فيما بعد بمصطلح الصناعات الثقافية والتي لم تتجسد بشكل واضح إلا في مرحلة لاحقة جاءت بعد التطورات التقنية والعلمية التي عرفتها أوروبا في أواخر القرن الثامن عشر أو ما يطلق عليه اسم الثورة الصناعية الأولى التي تطورت خلالها التقنيات الجديدة للطباعة التي سمحت بتحولها من النمط الحرفي إلى النمط الصناعي وهو ما أدى إلى انتشار الكتاب بشكل اكبر و كذا بروز الصحافة المكتوبة الجماهيرية، وفي أواخر القرن التاسع عشر مع اختراع الكهرباء عاش الإنسان مرحلة الثورة الصناعية الثانية التي ظهرت خلالها السينما، الراديو، التسجيل الموسيقي، والتلفزيون بعد ذلك ، وفي المنتصف الثاني للقرن العشرين جاءت مرحلة التكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال والثورة الرقمية، والتي يطلق البعض عليها الثورة الصناعية الثالثة ، وخلالها برزت وتطورت صناعات ثقافية جديدة أشهرها على الإطلاق العاب الفيديو، و من أهم خصائص الصناعات الثقافية بشكل عام هو أنها صناعات ليست كالصناعات الأخرى ، وذلك لأنها صناعات حاملة لمحتوى ثقافي معين ولذا يطلق عليها كذلك في بعض الأحيان صناعات المحتوى ، وهذا المحتوى هو ما جعل من الصناعات الثقافية بشكل عام مصدر أساسي من المصادر التي اعتمد عليها الفرد كوسيلة للتعلم والتعرف على محيطه وكذا الاطلاع على الثقافات الأخرى، وقد لعبت كل الصناعات الثقافية بدون استثناء دورا مهما في هذه العملية التعليمة والتثقيفية، وذلك بداية بالكتاب والصحافة المكتوبة الجماهيرية، ومرورا بصناعة السينما، الراديو والتلفزيون، ووصولا اليوم إلى العاب الفيديو، وفي هذه الورقة سنحاول أن نبين دور الصناعات الثقافية في التعلم بشكل عام مع التطرق لألعاب الفيديو كنموذج لهذه الصناعات وذلك لأنها أصبحت تلعب دورا متزايدا في حياة الأفراد بشكل عام وفي عمليات التعلم والتثقيف بشكل خاص، والأسئلة التي سنحاول الإجابة عنها في هذه المداخلة العلمية هي كما يلي:
-ما المقصود بالصناعات الثقافية؟
-ما المقصود بالعاب الفيديو؟
-كيف يمكن لألعاب الفيديو أن تكون وسيطا للتعليم والتثقيف؟
1-مفهوم الصناعات الثقافية:
تعرف الصناعات الثقافية بأنها الأنشطة التي تنتج وتعيد إنتاج الأعمال الثقافية حسب مبادئ الإنتاج الصناعي، أي أن الأعمال الثقافية و الفنية الأصلية يمكن أن تحول صناعيا إلى سلع استهلاكية تعرض في السوق مثلها مثل باقي السلع الصناعية الأخرى وذلك من خلال الإنتاج الضخم لها والذي يتطلب حتما استهلاك جماهيري ضخم ، وتعرف كذلك بأنها “مجمل الأنشطة الإنتاجية والتبادلية للمواد الثقافية التي هي في تطور مستمر والتي تخضع للقواعد التجارية، وتكون فيها تقنيات الإنتاج متطورة بشكل كبير أو بشكل أقل لكن العمل فيها يكون خاضعا أكثر للنمط الرأسمالي من خلال الفصل المزدوج بين المنتج وإنتاجه، وبين الأعمال الإبداعية وتنفيذها، وهذا الفصل ينتج فقدان العاملين المراقبة على إنتاجهم ونشاطهم”([1])، وتشتمل الصناعات الثقافية على أشكال عديدة يتم حصرها عادة من طرف المختصين في أربعة محاور هي كما يلي:
“الطباعة والكتاب.
– الموسيقى المسجلة.
– السينما والسمعي البصري.
– الإعلام والصحافة”. ([2])
وتحت هذه المحاور الأساسية نجد عديد الصناعات الثقافية كالتلفزيون الراديو، السينما، ألعاب الفيديو، الصحافة المكتوبة… الخ ، وكل هذه الأشكال ينطبق عليها مفهوم الصناعات الثقافية من حيث أنها أعمال يمكن إعادة إنتاجها صناعيا وتسويقها مثل السلع الأخرى، وتعد خاصية القابلية للإعادة للإنتاج من أهم خصائص الصناعات الثقافية، لأن العمل الفني الغير قابل للإعادة الإنتاج لا يدخل ضمن أشكال الصناعات الثقافية فمثلا العروض الحية سواء تعلق الأمر بالمسرح أو حفلة موسيقية أو تظاهرة سيرك لا يمكن إدراجها في إطار الصناعات الثقافية لأنها غير قابلة لعملية إعادة الإنتاج التي تقوم بالأساس على العمل على استنساخ عمل إبداعي أصلي من خلال الفصل بين المحتوى والوسائط التي تحمل هذا المحتوى “فإعادة الإنتاج خاصية أساسية للصناعات الثقافية، فهي تخص الوسائط التي تسمح بالتوزيع (نسخة من فيلم، شريط فيديو، قرص مسجل) ولا تخص العمل الإبداعي في حد ذاته”.([3])
1-1-الصناعات الثقافية وبعض المفاهيم القريبة منها:
هناك مصطلحات تتقاطع مع الصناعات الثقافية في نقاط معينة ولكنها في نفس الوقت تختلف عنها في جوانب أخرى، وللتمكن من مصطلح الصناعات الثقافية بشكل أكبر لابد من تبيان الفروق الأساسية بينها وبين هذه المصطلحات والتي يعد أهمها ما يلي:
1-1-1-الثقافة الجماهيرية :
يستعمل مصطلح الثقافة الجماهيرية للإشارة إلى مجموع الأعمال والمواد الثقافية المنتجة والمصنوعة في إطار مبادئ الإنتاج الصناعي والتي تعرض وتستهلك كأي سلعة أخرى، أما مصطلح الصناعات الثقافية فهو يشير إلى الأنشطة التي تؤدي إلى إنتاج هذه الأعمال والمواد الثقافية بالأساس وليس إلى هذه الأعمال والمواد في حد ذاتها، أي بعبارة أخرى يمكن أن نصف الثقافة الجماهيرية بأنها نتاج الصناعات الثقافية، وهذا التقارب بين المفهومين هو ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى استعمالهما بنفس المعنى من طرف بعض الباحثين.
1-1-2-الصناعات الإبداعية والصناعات الثقافية:
كثيرا ما يتم استعمال مصطلح الصناعات الثقافية مع الصناعات الإبداعية للدلالة على نفس الشيء وفي أحيان أخرى يتم جمعهما مع بعضهما البعض من خلال استخدام مصطلح الصناعات الثقافية والإبداعية، ويسود نقاش حول الفرق بين المصطلحين في الأوساط الأوروبية المهتمة بالثقافة وسبب هذا النقاش هو محاولة تحديد كيفية إعداد الإحصائيات المرتبطة بالثقافة، وفي الواقع فإن الصناعات الإبداعية تختلف عن الصناعات الثقافية من حيث أن الأولى شديدة العموم، أما الثانية فهي خاصة بالأعمال والمواد الثقافية القابلة للإعادة الإنتاج وفق مبادئ الإنتاج الصناعي، ومصطلح الصناعات الإبداعية الذي تم استعماله أول مرة في بريطانيا كان بهدف “جمع مجمل النشاطات التي يعتمد إنتاجها على الإبداع أو الأفكار التي يمكن أن تكون قانونيا محمية، وتكون منتجاتها موجهة للسوق”([4]) ، وبالتالي يمكن لنا القول أن الصناعات الإبداعية هي مصطلح أكثر عمومية من الصناعات الثقافية لكن يمكن اعتبار هذه الأخيرة كجزء من الصناعات الإبداعية، ويمكن القول بعبارة أخرى أن الصناعات الثقافية هي صناعات إبداعية لكن الصناعات الإبداعية ليست صناعات ثقافية.
2-الصناعات الثقافية والتعلم:
لقد تم استخدام معظم الصناعات الثقافية كأدوات للتعلم وذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، فمثلا صناعة الكتاب ساهمت بشكل كبير في انتشار التعليم من خلال انتشار الكتاب المدرسي والجامعي وكذا بروز أشكال جديدة لكتاب اقتصادي وملائم للقدرة الشرائية للمستهلك ككتاب الجيب ، والصحافة المكتوبة الجماهيرية سمحت لفئات واسعة من المجتمع من الاطلاع على معلومات لم يكن في السابق من الممكن الحصول عليها وذلك من خلال خفض أسعارها، والسينما مع التلفزيون سمحا كذلك للفرد بالتعلم بطريقة مشوقة جمعت بين الصورة و الصوت لأول مرة ، والراديو أتاح للفرد التعلم في كل مكان وان كان مسافرا أو متنقلا، لكن رغم ذلك فان عديد الانتقادات قد وجهت للثقافة التي انتشرت من خلال هذه الصناعات والتي أصبح يطلق عليها مصطلح الثقافة الجماهيرية التي توصف في كثير من الأحيان بالسطحية والشعبية ، وهذه الانتقادات كانت بالأساس من طرف رواد مدرسة فرانكفورت خاصة “تيودور أدورنو” Adorno و”ماكس هوركهايمر” Horkheimerو التي وردت في الكتاب الشهير”جدل العقل التنويري” والذي من خلاله وصفا صناعة الثقافة بأنها علامة واضحة على إفلاس الثقافة وسقوطها في السلعنة، وذلك لأن تحويل الفعل الثقافي إلى قيمة تجارية يقضي على قوته النقدية ويحرمه من أن يكون أثرا لتجربة متأصلة، فالصناعة الثقافية هي العلامة الفاصلة على تراجع الدور الفلسفي للثقافة والذي لعبته لمدة طويلة في التاريخ على مستوى الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وفي هذا الإطار يرى الباحثين كذلك بأن الصناعة الثقافية لن تؤدي إلى تحرير الفرد لكن بالعكس من ذلك فإنها ستؤدي إلى شكل جديد من أشكال الاستبداد يتمثل في فرض نمط موحد لعيش الأفراد من خلال سيطرة منطق اقتصادي واحد، ورغم أهمية هذه الانتقادات إلا انه لا يمكن نفي الإسهام الكبير الذي قدمته ولا تزال تقدمه الصناعات الثقافية لنشر الثقافة و بالتالي إمكانية التعلم لعدد اكبر من الأفراد .
3-العاب الفيديو كشكل من أشكال الصناعات الثقافية:
من المتعارف عليه اليوم بان العاب الفيديو هي واحدة من أهم الصناعات الثقافية ، فهي مثل الأشكال الأخرى من الصناعات الثقافية من صناعة الكتاب، الصحافة المكتوبة ، السينما،الراديو، والتلفزيون…الخ ، أي أنها “بدون شك وبشكل قوي صناعة ثقافية جديدة”)[5](، ومفهوم الصناعات الثقافية الذي اشرنا إليه سابقا ينطبق بشكل واضح وجلي على مفهوم العاب الفيديو، فهي عمل إبداعي هو في العادة تصميم للعبة ،وهذا التصميم يتم إعادة إنتاجه صناعيا بهدف تسويقه مثلما تسوق السلع الأخرى، وبما أن العاب الفيديو هي صناعات ثقافية فإنها حاملة كذلك حتما لمحتوى ثقافي معين مثل الصناعات الثقافية الأخرى.
4-ظهور وتطور العاب الفيديو:
تعد صناعة ألعاب الفيديو من أحدث الصناعات الثقافية، وهي”التي لم تكن في البداية إلا امتداد بسيط للتلفزيون، لكن هذه الوسيلة الإعلامية الجديدة ستتحول بسرعة إلى لاعب أساسي في مجتمع اليوم، واختراع أول الألعاب الإلكترونية يعود إلى سنوات 1960، لكن بداية من سنوات 1970 سيتم اكتشافها من طرف الجمهور لذا يمكن أن نطلق على هذه الفترة تسمية الجيل الأول من هذه الألعاب”([6])، وكغيرها من الاختراعات والابتكارات الجديدة كانت ألعاب الفيديو عسكرية في البداية وكان ابتكارها في إطار محاولة طمأنة الأمريكيين من خلال تعريفهم بالعمل الذي يقوم به الجيش الأمريكي لحماية الولايات المتحدة الأمريكية من حرب نووية وشيكة، وتعد ألعاب الفيديو كذلك نتيجة للتطور الإلكتروني الهائل الذي شهده العالم في المنتصف الثاني من القرن العشرين وخاصة ما تعلق منها بظهور الكمبيوتر والإعلام الآلي لذا نجد من يطلق عليها كذلك تسمية الألعاب الإلكترونية وذلك لاعتمادها الكلي على هذا الميدان، وتعد صناعة ألعاب الفيديو من أكثر الصناعات الثقافية نموا ،فمثلا شركة اتاري ATARI التي تعد أول مؤسسة تقوم بتسويق العاب الفيديو”تأسست بداية برأسمال 500 دولار سنة1972 ،ثم ارتفاع هذا الرقم ليصبح سنة 1974ما قيمته 3,2مليون دولار وبعد ذلك كان رقم أعمالها 40 مليون دولار سنة 1976″)[7] (واليوم تعد صناعة العاب الفيديو أكثر الصناعات الثقافية التي لا تزال تشهد نموا متواصلا وهو ما جعل الكثير من الدول والمستثمرين الخواص يهتمون بها “فرقم الأعمال العالمي للألعاب الفيديو وصل إل خمسين مليار دولار سنة 2009، مع نسبة نمو سنوية تقدر بخمسة عشرة في المئة بين سنوات 2003 و 2006 “ ([8])، ومن أهم عوامل تطور ألعاب الفيديو هو ارتباطها بالتكنولوجيا الحديثة للإعلام والاتصال بشكل عام من انترنت وهواتف ذكية وأجهزة كمبيوتر، حيث أصبح معظم سكان العالم مرتبطين بهذه التكنولوجيات.
ولابد من الإشارة إلى أن هذا العرض الموجز للتطور التاريخي لألعاب الفيديو ليس الهدف منه إبراز البعد الاقتصادي لها بقدر ما هو لتبيان تنامي حجمها وبالتالي تنامي الدور الذي يمكن أن تلعبه في حياة الأفراد.
5-العاب الفيديو والتعلم:
إن عملية اللعب قد شكلت منذ القدم أداة للتعلم وتطوير الذات وبالخصوص لدى فئة الطفولة”فسلوكيات اللعب هي مظاهر انثربولوجية قديمة يمكن تلمسها في كل المراحل و في كل الحضارات”[9]،وفي المرحلة الراهنة المتميزة بالتطور الكبير الذي وصلت له البشرية في ميدان التكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال ظهر ما أصبح يعرف بتسمية المجتمع الافتراضي الذي أضحى فيه الإنسان يعيش حياة موازية لحياته في العالم الواقعي،ففي هذا العالم توجد التجارة والتعارف والزواج والتعلم،وحتى اللعب أصبح هو الأخر بالإمكان ممارسته في العالم الافتراضي وذلك من خلال العاب الفيديو التي أصبحت في ظرف وجيز أكثر الصناعات الثقافية نموا،ويرجع ذلك إلى مجموعة من الخصائص التي تميزها،وربما تعد خاصية التفاعل من أهم هذه الخصائص التي توفرها العاب الفيديو والتي جعلت من مستخدمها يختلف عن مستخدم الصناعات الثقافية الأخرى التي يكون فيها الاستخدام سلبي”مجرد تلقي”،بينما في العاب الفيديو فان الاستخدام يكون ايجابي”تفاعلي”،فمثلا فان “المستخدم حين يشاهد فيلم فان ذلك يتم بطريقة سلبية،أما حين يلعب فذلك يتم بطريقة ايجابية، إذن فان الدعوة إلى التفاعلية هي الوعد الكبير الذي تقدمه العاب الفيديو”[10]، وهذا ما دعا للتفكير في استغلالها في عمليات التعليم وذلك لان خاصية التفاعلية تستدعي توفر مهارات معينة”فلكي تلعب بطريقة منظمة يتطلب ذلك إعمال الذاكرة وتعلم القواعد في بداية الأمر”[11]،أي أن استخدام العاب الفيديو هو في حد ذاته نوع من أنواع التعلم،وكذلك وعلى غرار الصناعات الثقافية التقليدية فان العاب الفيديو قد ساهمت في التعلم واكتساب الثقافة في الميادين المختلفة كالتاريخ،الجغرافيا،الرياضيات،اللغات…الخ،فمثلا فان الكثير من العاب الفيديو اليوم”فرضت نفسها كمراجع مرئية للميثولوجيا الإغريقية أو لتفاصيل معركة في الحرب العالمية الثانية”[12]،لذا فتح المجال واسعا لاستخدام هذه الألعاب في المجال التعليمي.
6-العاب الفيديو في المؤسسات التعليمية والثقافية:
في سنوات السبعينات من القرن العشرين برز مصطلح الألعاب الجادة serious games للدلالة على نوعية الألعاب التي قد تؤدي دورا نفعيا إضافة إلى دورها الترفيهي، وجزء من العاب الفيديو اليوم أصبح يصطلح عليه تسمية الألعاب الجادة ، وهو ما جعل مختلف المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية تلجا لاستخدامها في أعمالها وأنشطتها المختلفة،لكننا في هذا الجزء من الدراسة سنركز على مؤسستين تعليميتين هما في غاية الأهمية في أي مجتمع و هما:
-المؤسسة التربوية.
-المكتبات العمومية.
6-1-العاب الفيديو في الوسط الدراسي:
إن مهمة المؤسسات التربوية هي تلقين المتمدرسين فيها معارف أساسية وجديدة تساعدهم و تؤهلهم للعب دور مفيد في المجتمع،وتتم عملية التعليم في العادة من خلال اللجوء إلى وسائط تعليمية معينة،ولعل أن أشهر هذه الوسائط المعروفة هي الكتاب المدرسي الذي اعتمدت ولا تزال تعتمد عليه معظم المدارس في العالم،واستخدمت كذلك وسائط أخرى ثانوية كالتعليم المتلفز سواء في المدرسة آو بواسطة التلفزيونات الحكومية التي تعمل في إطار الخدمة العمومية، العروض السينمائية في المدارس أو في المراكز الثقافية والإعلامية،التعليم عن بعد خاصة مع ظهور الانترنت،واليوم برز توجه جديد لاعتماد العاب الفيديو كأداة للتعلم في المدارس،والاطلاع على المواقع الالكترونية لكثير من وزارات التربية والتعليم في العالم يسمح بملاحظة هذا التوجه عن كثب،وكنموذج على ذلك يمكن أن نقرا على الموقع الالكتروني لوزارة التربية الفرنسية وصف لألعاب الفيديو هو كما يلي:
“أكثر من مجرد منتج موجه للاستهلاك الجماهيري لعبة الفيديو اليوم هي مادة ثقافية.دخلت في البرامج الدراسية منذ سنة2008 كمقرر دراسي تبعا لإصلاح برامج تاريخ الفنون،وهي اليوم حاضرة في المؤسسات التربوية باعتبارها أداة بيداغوجية”[13].
وليست فرنسا فقط من تبنت العاب الفيديو في الوسط الدراسي بل هناك دول أخرى اتجهت إلى ما هو أكثر من ذلك،فاليابان مثلا انشىء بها ثانوية في افريل 2015 تعتمد بشكل كامل في عملها البيداغوجي على العاب الفيديو، وتبرز أهمية هذه الألعاب في بعض الأحيان في استخدامها مع فئات من المتمدرسين التي تجد صعوبات في التعلم بالطرق التقليدية كبعض الأطفال من المتخلفين ذهنيا أو حتى الأطفال الذين يرفضون الدراسة التقليدية بشكل مطلق.
ورغم هذا فقد وجهت العديد من الانتقادات لهذا الاستخدام في الوسط الدراسي أهمها ما يلي:
-استخدام العاب الفيديو لا يخلو من الأخطار الصحية خاصة على مستوى البصر وكذا خطر الإدمان عليها،كما أنها قد تؤدي إلى الانطوائية والانعزال ونقص التفاعل مع المجتمع،خاصة إذا علمنا أن ميزة التفاعل التي توفرها هي في كثير من الأحيان تتم بين الإنسان والآلة.
-استخدام العاب الفيديو يقلص بشكل كبير دور المؤطر في العملية البيداغوجية مما يؤدي إلى الصعوبة في التحكم في المقرر الدراسي.
6-2-العاب الفيديو في المكتبات العمومية:
المكتبة العمومية هي فضاء يتم فيه جمع وحفظ الكتب والوثائق بالأساس وذلك بهدف السماح لأكبر عدد من القراء من الاطلاع عليها،ومع تطور وبروز صناعات ثقافية جديدة احتوت المكتبة العمومية على وسائط أخرى للتعلم كالصحافة المكتوبة المتمثلة في الجرائد والمجلات،وكذلك الأقراص المضغوطة للأفلام والشرائط الوثائقية،واليوم أصبح من الممكن أن نجد كذلك العاب الفيديو في أجنحة المكتبات في بعض مناطق العالم،وذلك لان العاب الفيديو كغيرها من الصناعات الثقافية تشتمل على جانب ترفيهي وجانب تعليمي كذلك،ويتم في العادة الاستفادة من خدمات العاب الفيديو في المكتبات من خلال أماكن مخصصة للعب داخلها،أو من خلال إعارة برامج العاب الفيديو لاستخدامها في المنزل وذلك بنفس طريقة إعارة الكتب المعمول بها تقليديا.
7-العاب الفيديو كأداة لنشر الثقافة:
بالإضافة إلى عمليات التعليم المباشر من خلال العاب الفيديو هناك دور أخر قد تلعبه هذه الألعاب في نشر ثقافة معينة وذلك على غرار كل الصناعات الثقافية الأخرى،وفي العادة فان امتلاك ثقافة معينة للإمكانيات المادية والتقنية قد يسمح لها بالهيمنة على الثقافات الأخرى ،وفي هذا الإطار تعد الولايات المتحدة الأمريكية النموذج الأبرز على هذا الواقع العالمي فهذا البلد قد خرج منتصرا من الحرب العالمية الثانية وأضحى القوة الاقتصادية الأولى في العالم،ونتيجة لذلك حاول نشر الثقافة والقيم الأمريكية على باقي دول العالم وكانت الأداة التي اعتمدت عليها هي الصناعات الثقافية والمتمثلة بالأساس في صناعة السينما،لكن اليوم فان العاب الفيديو أصبحت تلعب نفس الدور مع السينما، وأهمية هذا النوع من الألعاب قد برز مباشرة بعد ظهوره لذا فان “السينما الهوليودية اهتمت مبكرا بالعاب الفيديو ، والتاريخ الذي يمكن الإشارة إليه لتبيان العلاقة بين السينما والعاب الفيديو هو إعادة شراء شركة اتاري ATARI سنة 1976من طرفWarner Bros Commination ،وكذلك شركة20th Century Fox اتخذت قرارا بتأسيس فرع لها هو20th Century Fox Games “[14]،وبالتالي أصبحت العاب الفيديو الوجه الأخر لصناعة السينما الأمريكية، وما يؤكد على ذلك هو انه” بين سنوات1975 و2000 تحول حوالي 574 فيلم أغلبيتها هوليودية إلى حوالي2000 لعبة فيديو، وحوالي عشرة في المئة من العاب الفيديو المنتجة تبنتها الصناعة السينمائية”[15]، ومن جهة أخرى فان العاب الفيديو استمرت في تطوير مبيعاتها”حتى أنها في سنة2008 تجاوزت أرباح السينما”[16]، إذن أصبحت العاب الفيديو اليوم مؤهلة للعب نفس الدور الذي لعبته صناعة السينما في تسويق الثقافة الأميركية وتصدير الحلم الأمريكي لكل دول العالم، وبعبارة أخرى فان العاب الفيديو هي اليوم أداة جديدة في الهيمنة الثقافية الأميركية أو كما يصطلح عليها البعض الامبريالية الثقافية الأمريكية، والإشكالية تطرح بأكثر حدة مع المجتمعات التي لا تملك هذا النوع من الصناعات لأنها ستكون عرضة بشكل اكبر للمحتوى الذي تحمله هذه الصناعة الثقافية الجديدة ،وما يزيد من حدة المشكلة هو أن المستهلك الأساسي لألعاب الفيديو هي فئات الأطفال والمراهقين الذين يكون تأثرهم بمحتواها اكبر لأنهم في هذه الفترة الحرجة من حياتهم يكونون أكثر احتياجا للتعلم والتعرف على محيطهم ،وهذا ما سيسهم حتما في تكوين شخصيتهم المستقبلية وحتى الهوية التي سيحملونها،إن العاب الفيديو اليوم تلعب نفس الدور الذي لعبته معظم الصناعات الثقافية وذلك لأنها صناعات حاملة لمحتوى ثقافي معين، لكن صناعات العاب الفيديو اليوم تتميز بخصائص تميزها عن باقي الصناعات الثقافية وهو ما سيسهم في جعل دورها أكثر فعالية في نشر ثقافة معينة،واهم هذه الخصائص هي ما يلي:
-التفاعلية التي تجعل منها أكثر استقطابا للمستخدمين فكما هو معلوم فان الإنسان هو كائن يميل أكثر إلى التفاعل حتى و إن كان هذا التفاعل بين الآلة و الإنسان.
-التطور التقني الكبير الذي تشهده فقد كانت وراء الكثير من الابتكارات الجديدة والتي أصبحت تستخدم في مجالات أخرى فمثلا الصورة الثلاثية الأبعاد كانت بداية في العاب الفيديو.
-حتى وان كانت العاب الفيديو اليوم تتوجه إلى كل الفئات الاجتماعية بدون استثناء لكن تبقى فئات الطفولة والمراهقة هي الفئات العمرية الأكثر استخداما لها،وهو ما يجعل من التأثير الذي تمارسه اقوي لان الحس النقدي لدى هذه الفئات كما هو معلوم ليس قويا بما فيه الكفاية.
-ارتباطها في كثير من الأحيان بالأحداث الراهنة التي يعيشها العالم كالمنافسات الرياضية، الحروب العسكرية…الخ،فمثلا حروب الخليج شكلت مادة دسمة لألعاب الفيديو في مرحلة معينة ،وهذا ما قد يجعلها قادرة على تكوين وصناعة رأي عام حول قضية راهنة،أو أكثر من ذلك قد تؤدي إلى ترسيخ فكرة معينة في أذهان المستخدمين.
الخاتمة
باعتبار أن العاب الفيديو تشكل مظهرا أساسيا من المظاهر التي تميز عصر التكنولوجيا الرقمية الذي نعيشه اليوم ،وباعتبارها كذلك تمارس تأثيرا على المستخدمين لكونها العاب حاملة لمحتوى ثقافي معين،فانه من المهم الالتفات والاهتمام بالدور الذي أصبحت تلعبه في حياة الأفراد وبالخصوص الأطفال و المراهقين منهم ،وهذا الاهتمام يمكن أن يتم من خلال جوانب عديدة أهمها ما يلي:
-جانب عملي يتمثل في العمل على الاستفادة من هذه الألعاب في عمليات التكوين والتعليم ،وكذلك العمل على تطوير صناعات العاب فيديو محلية حاملة لمحتوى ثقافي ملائم ومفيد في المجتمع الذي تستخدم فيه.
-جانب علمي يتمثل في العمل على إقامة بحوث علمية حول العاب الفيديو وبالخصوص الميدانية منها،ورغم أن بحوث عديدة أجريت على هذه الألعاب في مجتمعاتنا إلا أن هذا المجال لا يزال يحتاج لجهد أكثر خاصة في مجال التعليم،وتبقى كذلك الدراسات النظريات التي تنتمي لها هذه الورقة البحثية مهمة لأنها هي من توجه البحث والباحث في مختلف الميادين العلمية.
-قائمة المراجع:
-الكتب:
1-Alain BUSSON, Yves EVRARD, Les industries culturelles et créatives, économie et stratégie, Vuibert, Paris, (France), 2013.
2- Françoise BENHAMOU, L’économie de la culture, Septième édition, La découverte, Paris (France), 2011.
3-Gaëtan TREMBLAY, Les industries de la culture et de la communication au Québec et au Canada, presse de l’université du Québec, Québec (Canada), 1990.
4- Joëlle FARCHY, La fin de l’exception culturelle, CNRS édition, Paris (France), 1999.
5-Mark CHAMBLER- DUBOSSON, Comprendre l’impact des jeux vidéo, Chronique sociale, Lyon (France), 2010.
6-Philippe BOUQUILLION, Bernard MIEGE et Pierre MOEGLIN, L’industrialisation des biens symboliques, les industries, créatives au regard des industries culturelles , PUG, Grenoble (France), 2013.
7-Philippe BOUQUILLION, Creative economy, créative industries des notions a traduire, Presse Universitaire de Vincennes (PUV), Paris, (France), 2012.
8-Sébastien GENVO,Le jeu à son ère numérique ,comprendre et analyser les jeux vidéo ,L’harmattan, Paris(France), 2009.
-المواقع الالكترونية:
1-Ministère de l’éducation nationale, de l’enseignement supérieur et de la recherche, éduscol, eduscole. education.fr /cid57577/etat-des-lieux-sur-les-jeux-sérieux.html, (consulté le28/02/2016).
———————————————
[1]) – Gaëtan TREMBLAY, Les industries de la culture et de la communication au Québec et au Canada, presse de l’université du Québec, Québec (Canada), 1990, p44.
)[2]) – Philippe BOUQUILLION, Bernard MIEGE et Pierre MOEGLIN, L’industrialisation des biens symboliques, les industries, créatives au regard des industries culturelles , PUG, Grenoble (France), 2013, p83.
)[3]) – Joëlle FARCHY, La fin de l’exception culturelle, CNRS édition, Paris (France), 1999, p 07.
)[4]) – Philippe BOUQUILLION, Creative economy, créative industries des notions a traduire, Presse Universitaire de Vincennes (PUV), Paris, (France), 2012, p09.
([5])-Philippe BOUQUILLION, Bernard MIEGE et Pierre MOEGLIN, Op, Cit,p85.
)[6]) – Mark CHAMBLER- DUBOSSON, Comprendre l’impact des jeux vidéo, Chronique sociale, Lyon (France), 2010, p08.
([7])-Sébastien GENVO, Le jeu à son ère numérique, comprendre et analyser les jeux vidéo ,L’harmattan, Paris(France),2009,p 30.
)[8]) – Françoise BENHAMOU, L’économie de la culture, Septième édition, La découverte, Paris (France), 2011, p81.
([9]) -Alain BUSSON, Yves EVRARD, Les industries culturelles et créatives, économie et stratégie, Vuibert, Paris, (France), 2013,p143.
([11]-) Mark CHAMBLER- DUBOSSON,Op,Cit,p35.
([13])- Ministère de l’éducation nationale, de l’enseignement supérieur et de la recherche,éduscol,eduscole.education.fr /cid57577/etat-des-lieux-sur-les-jeux-sérieux.html,(consulté le28/02/2016).
([14])- Alain BUSSON, Yves EVRARD,Op,Cit,p157.