
الثورة السودانية.. النخبة السياسية ومنهج الخلل دراسة نقدية للوضع السياسي منذ الاستقلال
Sudanese revolution … Political elite and method of interference
د. عثمان حسن عثمان/ جامعة المغتربين ـ السودان Osman Hassan Osman
ورقة منشورة في كتاب أعمال مؤتمر الأمن المجتمعي والجماعي في الوطن العربي الصفحة 59.
ABSTRACT
Many new and old questions were raised in the space of thought and politics in Sudan after the glorious December revolution of 2018 AD, which sparked a new awareness that put the elite’s thought and practices at stake because it has always tried to subject the new reality to the traditional systematic mechanisms since the dawn of national rule. It is widely believed that the political elites are unable to build and renew life according to a well-studied vision and foundations to achieve political and economic stability and development. Consequently, the research question revolved around the failure of the political elite on more than one level and aimed at the following:
- Uncover the various defects in the thinking and methodology of the political elite.
- Highlight images and forms of the new awareness of the December 2018 revolution.
In order to achieve these goals, the researcher used the integrative method and concluded to the following recommendations:
- The sustained defect of the thought and practice of the political elites appeared in the contradiction of discourse, conflict, impotence and the inability to innovate.
- Emphasizing the importance of dialogue, strengthening spaces for freedom and democracy, and achieving national reconciliation
- Reconsidering the inherited approaches and methods of the political elite
- Getting rid of all forms and images of defect
مستخلص:
طرحت كثير من الأسئلة الجديدة والقديمة في فضاء الفكر والسياسة في السودان بعد ثورة ديسمبر المجيدة 2019م والتي فجرت وعياً جديداً وضع فكر النخبة وممارساتها في المحك لأنها ما انفكت تحاول اخضاع الواقع الجديد للآليات المنهجية التقليدية منذ فجر الحكم الوطني، ومن ثم ترسخت القناعة على نحو واسع بعدم قدرة النخب السياسية على بناء الحياة وتجديدها وفق رؤية وأسس مدروسة تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والتطور. لذلك كانت اثارة سؤال البحث متعلق بفشل النخبة السياسية على أكثر من صعيد بما يحقق الأهداف التالية :
ـــ كشف مواقع الخلل المختلفة في فكر ومنهج النخبة السياسية.
ـــ ابراز صور وأشكال الوعي الجديد لثورة ديسمبر 2018م.
ولتحقيق تلك أهداف استخدم الباحث المنهج التكاملي وخلص إلى:
ـــ أن الخلل المستدام المصاحب لفكر وممارسة النخب السياسية تمثل في تناقض الخطاب، والصراع، والعجز، وعدم القدرة على الابداع.
ـــ التأكيد على أهمية الحوار وتعزيز مساحات الحرية، والديمقراطية، وتحقيق المصالحة الوطنية.
ـــ إعادة النظر في المناهج والأساليب الموروثة لدى النخبة السياسية.
ـــ التخلص من جميع أشكال الخلل وصوره.
مقدمة
الاشكالية.. حدودها وأهميتها:
ما الأساليب والمنهجيات التي تبنتها النخبة السياسية في السودان لتحقيق أهداف ثورة ديسمبر2018م التي جسدها الشعار (حرية/ سلام وعدالة) وهل أعدت العدة ورصفت الطريق لتحقيق هذه الأهداف؟.
هذا السؤال الرئيس تنبثق عنه عديد الأسئلة التي تحدد اشكالية البحث وهي:
ـــ إلى أي مدي تعبر ثورة ديسمبر 2018م عن التغيير الجذري، وما أشكال التغيير التي أحدثتها على مستوى الوعي والمفاهيم؟
ـــ ما هي المناهج والطرائق الحاكمة لمقاربات العقل السياسي في السودان منذ فجر الحكم الوطني ومدى قدرته على ابتداع الحلول للمشاكل التي تطرأ؟
ـــ ما هي أوجه الخلل في فكر وممارسة النخبة السياسية؟
ـــ كيف وظف العقل السياسي الآليات والأدوات المفهومية لتشخيص مشاكل الواقع ومعالجتها؟
ـــ كيف تعاملت النخبة السياسية مع الرصيد المعرفي التراكمي للدولة بعد ثورة ديسمبر 2018م؟
وتتخذ بعض الأسئلة الفرعية الأخرى موضعها في متن البحث.
طرح الاشكالية على هذا النحو يدفع البحث باتجاه التركيز بصورة أساسية على المنهج والطرائق والمحددات الناظمة لتفكير النخبة السياسية وعلى البنيات التي انبثق عنها، وبالتالي امكان التحاور معها في سياق التطور المعرفي والحياتي في المجتمع السوداني ثم تحديد مكامن الخلل وصوره المختلفة، وهنا تبدو أهمية مشكلة البحث في ارتباطها بالواقع الحي المعيش في حياة الناس والمتغيرات النافذة بتأثيراتها السلبية والايجابية عليها بعد انجاز ثورة ديسمبر 2018م، ولازال المجتمع يتلمس طريقة للنهوض في ظل واقع مكبل بالإشكاليات.
ونود الإشارة إلى أن الضرورات المنهجية تحدد موضوع البحث في رصد الخلل وكشفه، أما اظهار النواح الإيجابية والانجازات فذلك موضوع آخر يخرج عن نطاق اهتمام البحث، لذا تجري هذه العملية كلها في ضوء المتغيرات التي حملتها ثورة ديسمبر المجيدة 2018م.
أهداف البحث:
ـــ ابراز صور وأشكال الوعي الجديد لثورة ديسمبر 2018م.
ـــ كشف مواقع الخلل المختلفة في فكر النخبة السياسية ومنهجها.
ـــ كشف الممارسة الخطابية للنخب السياسية باستخدام أدوات النقد المناسبة لتعرية الخطاب والدعوات دون اجحاف، لإبراز التناقضات والزيف وأشكال المراوغة التي انطوى عليها الخطاب.
ـــ تحرير الممارسة السياسية من الترسبات المستقرة في أعماق النفس وإرجاع الأشياء إلى الوعي وتعقّلها من جديد.
منهج البحث
سنعمد إلى استخدام المنهج التكاملي الذي يوفر امكانية استخدام طرائق مختلفة في التحليل والتفكيك والتركيب وفق رؤية منهجية تؤكد وجود علاقة متحولة بين الذات وأفكارها، وتؤمن بالحوار والانفتاح على مختلف التجارب الإنسانية طبقا للمشروطيات التاريخية والاجتماعية، وتؤكد أهمية الاحتفاظ بمسافة بين الذات والأشياء، وممارسة أشكال النقد الممكنة.
المفاهيم الإجرائية المفتاحية:
النخبة elite: قلة أو صفوة من البشر لها سلطتها أو مرجعيتها الخاصة.
منهج الخلل method of interference: طريقة التفكير المستدام الحاوي للتناقضات والتعارضات في داخله.
الوعي awareness: الحالة الشعورية التي تتألف من مجموعة الأفكار والمعاني والدلالات التي تتكشف في الممارسة والسلوك أو تقف وراءه.
تقسيم البحث:
سيتم تقسيم موضوعات البحث بما يمكن من تحقيق الأهداف في ضوء الاشكالية المطروحة وعلى النحو الذي يسمح بكشف الخلل والتناقضات في الممارسات الخطابية والواقعية كما يلي:
- ـــ وعي الثورة ووعي النخبة.
- ـــ العقل السياسي.. ثقل الميراث وخلل الأولويات .
- ـــ تحديات المدنية: الردة الانقلابية وأدلجة المفاهيم.
- ـــ تحديات الحكومة الانتقالية.. هدر الرصيد المعرفي.
- وعي الثورة ووعي النخبة:
مثلت الثورة السودانية أفضل مظهر قوة ممكن للمجتمع السوداني بما اضافته إلى الرصيد البشري في الثورات الشعبية وبما حققته من فعل رسم أهدافه ووسائله بوضوح؛ أعلت شعارات الثورة من قدر الإنسان بمناداتها لتحقيق الحرية، والسلام والعدالة، وانتجت القيم: الأخلاق، والجمال، والحق والتي تكشفت في تجليات عديدة، حيث ظهرت السلوكيات الحاضة على التكافل والتآزر، واحترام المرأة وتعظيم دورها، وإبداعات الفنانين في الغناء والرسم والتشكيل وتصميم الشعارات الفاردة المنادية بأهداف الثورة ، تخلق هذا الإنجاز الذي حققته الإرادة الشعبية التي عرفت المعاناة وخبرتها على مدى ثلاثين عاماً، وصنعت وجودها الخاص وبوعيها الذاتي المستقل، يؤشر ذلك إلى أن هذه الثورة تمثل حركة اجتماعية تاريخية تنشد التغيير الجذري على كافة أوجه الحياة، فهي لحظة تمفصل في الوعي تعبر عن ميلاد جديد للمجتمع، فإن إبتداع الممارسات السياسية الجديدة يسهم في خلق واقع مجتمعي تتغير معه علاقة الإنسان بأفكاره”[1]“.
بالتالي لم تهدف الثورة إلى إحداث تغيير سياسي فحسب وانما بدا واضحا مع تفجرها أن نظاماً اجتماعياً جديداً يضع بصماته وبنية وعيه الآخذة في التشكل، قد اختط طريقه لرسم الإطار الثقافي المستقبلي للبلاد “إن هذا الطابع السلمي، والمدني، والثابت، والمستدام، يرسم ملامح شيء جديد أكثر تبلوراً وأشد يقظة””[2]“، إن الملايين التي فاضت بها الشوارع وسوح الاعتصام بعد أن اكتوت بلظى الاستبداد، إن مطالبهم المشروعة التي أشعلت الثورة لم توصف بأنها مجرد مطالب سياسية جديدة فحسب وإنما حملت تغيراً مبدعاً في مفهوم السياسي ذاته لجهة أنها أحدث انزياحاً مفاهيمياً كبيراً، فلم تعد فكرة القوة التي ترهب الناس تعني ما اعتادت أن تعنيه من شكل الجبر، والبطش، والقهر في تحديد مسار الفعل، بل كانت السليمة -بأدواتها المختلفة- السلاح الأمضى الذي امتلكه العُزّل لازاحة النظام المستبد. هذا هو شكل التغيير الذي ينسب للثورة الحقيقة”[3]“، بالتالي كانت استجابة الأجيال الجديدة للثورة واهتمامهم بالقضايا العامة كسر كل التوقعات فأظهر درجة من الوعي ومعرفة محيطة بالواقع، لم تزل النخب لا تعرف عنهم شيئاَ سواء الاختباء وراء أفكارها المسبقة عنهم، الأمر الذي يفرض السؤال من أين لهم بهذا الوعي، وفي ماذا يختلف عن الوعي النخبوي الموروث؟ ونعني بالنخبوية هنا الإيمان بسلطة قلة أو صفوة أو بمرجعيتها مما يشير إلى “أن القيم هي حكر على جماعة متميزة أو ينبغي أن تكون حكرا على هذه الجماعة””[4]“.
ويؤكد الواقع حقيقة مشاركة كل الشعب السوداني في الثورة، وانبعاث وعي جديد حارق لإشكال الوعي السائدة، وبالتالي كان حدوث الثورة مفاجئاً للكثيرين بخاصة النخب السياسية التي لم تكن مستعدة لهذا التغيير. والملفت كان من بين الشعارات الأبرز التي رفعتها الثورة ويتجاوز النخبة (تسقط بس) بمعني لا مجال للتفكير في البديل السياسي في الوقت الراهن، وظهر جالياً بعد نجاح الثورة عدم قدرة النخب المتصارعة على المشهد الراهن، من تكييف مناهجهم، أو تطويرها بصورة تتناغم مع تجليات وعي الثورة الخلاق بمنتجاته المبدعة، والمتعددة، والمذهلة. وهذه الحالة التي ظلت مسيطرة على النخب برع في توصيفها المفكر اللبناني على حرب حينما ذهب إلى أن منهج وطريقة النخب يشتغل على حراسة الأفكار بعنى يتخذها أقنوما مقدسا ويتعلق بها كأنها وثن يعبد”[5]“، ويظهر هذا منهج الخلل في طريقة تفكير النخبة حيث ظلّ وعي النخب والفاعلين في المشهد السياسي الحالي يمثل امتدادا لميراث الخلل الذي وصم الحقب الماضية في اتيانه بأنماط من السلوك، ونظر للأشياء لا يخلو في معظم الأحيان من: التخبط، وغياب الرؤية، والعجلة، والإقصاء، والوصاية، والتباري وراء المنافع الموقوتة، والمراهنات الخاطئة، وغيرها من المظاهر المهزوزة وهذا ما شهد به الوسيط الأفريقي محمد ود لباد في وصفه للمفاوضات بين الفرقاء السودانيين في أول أمرها بأنها لا تخلو من التسرع والارتجال وتبين مدى محدوديتها وقصورها”[6]“، حيث انكشف التواطؤ بين وعي النخبة والمقولات التي يعارضها مثل التسلط، والقهر، والاستبداد، والظلم وغيرها مما يظهر خلل وعي النخبة، ولم تصمد هذه المظاهر أمام مد الوعي الثوري المبدع وإن ابطأت تحقيق أهدافه لجهة امتلاكه الوسائل والأدوات القادرة على إعادة وضع مطالب الثورة في مسارها الصحيح بانتهاج وسائل التعبير السلمي الديمقراطي بكل تصميم وجسارة، لقد منحت الثورة صوتا للمهمشين مما هدد الوعي التقليدي وفضح تجاوزاته بفتح الباب على قضايا سياسية جديدة وحيوية”[7]“.
لذلك فإن جدل المراوحة -التقدم والتراجع- في تحقيق أهداف الثورة سيظل حقيقة قائمة كلما ظل وعي النخبة الموروث في مقابل وعي الثورة الذي بدأ يبني نفسه بثقة كبيرة، وبالتالي أي شكل من أشكال الوعي لم يمتلك القدرة على تطوير ذاته ليتناغم مع ما أنتجته الثورة لابد آيل لزوال، وبالمثل كل الوسائل والأدوات المفهومية التي يستخدمها لابد أن يعاد فيها النظر في ضوء مطلوبات الوعي الجديد”[8]“. فأصبح السياسي اليوم محاصرا بمنهجه وبنخبويته واعتقاده بأنه ضمير المجتمع وحارس الوعي، وأكدت التجربة أنهم نادوا بالوحدة فحدث التشظي والانقسام، نادوا بالحرية فتكرس الاستبداد، دعوا للتنوير فسادت الظلامية، وهذا ما يدعو في كل مكان إلى تحرر السياسي من أوهامه وفحص أفكاره، فإن مهمة تحرير المجتمع هي مسؤولية الجميع وليست حكراً على السياسي”[9]“.
العقل السياسي.. ثقل الميراث وخلل الأولويات
لقد مثلت ثورة ديسمبر تحدياً جدياً للعقل السياسي بظهور قوى اجتماعية جديدة؛ وعيها مغاير، محددة لأهدافها بدقة، ومصممة على تحقيقها، وبذلت في سبيلها تضحيات كبيرة، ويتمثل مصدر الاحراج للعقل السياسي في أفعال كثيرة تؤكد أن الفكر بعد ثورة ديسمبر لم ينجح على نحو واسع في تخطي عاداته الموروثة التي ظل وفياً لها برغم حجم التحول الذي جرى في السودان، أخذ العقل بالاشتغال في مقارباته بالمناهج نفسها التي تعوّد عليها منذ مطلع فجر الحكم الوطني والمتمثلة في عدم القدرة على ابتداع الحلول للمشاكل المستجدة التي تعترض طريقه، ولعدم الجرأة في تحمل نتائج فكره، بل ظل محكوماً في مقارباته بنماذج تجاربه السابقة التي تمثل مركزا يتجه إليه الفكر وسلطة معرفية حاكمة، حيث لم يتجاوز الوعي دائرة التشبث بالحكم، ولازال العقل السياسي يوهم الناس بأن فعله هو الطريق الأوحد للتطور والتقدم، وبالتالي شرعنة محاولته لتقليد تجاربه السابقة بالطريقة نفسها وهذا بالضبط منهج الخلل.
وأن القوى الاجتماعية الجديدة تتطلع إلى تجاوز نمط العلاقات التقليدي الموروث بأكثر من صيغة من منطلق نظرتها إلى نفسها وإلى العالم من حولها فهي نظرة تؤكد الخصوصية الحضارية والثقافية، فنجد أنها استعارت لفظ الكنداكة من حضارات النوبة القديمة للتأكيد بأن دور المرأة السودانية في القيادة وصناعة الأحداث ليس جديداً، وعددا غير قليل منهن أصبحن ملكات أشهرهن الكنداكة أماني شاهين”[10]“، واستبطنت شعاراتها مضامين الوحدة الوطنية والتعايش بين مختلف أشكال التنوع التي تعمر السودان، واسترجعت ذكري الأبطال والشهداء، وانطلاقاً منها حاولت التقاط العوامل الفاعلة في بنية التجربة الإنسانية الحديثة ونضالات الشعوب وإدراجها في بنية خطاب الثورة السودانية لإحداث الديناميات المطلوبة، فضلا عن محاولة الاستفادة من فاعلية العقل في إحداث التغيير ودفع حركية المجتمع، وعقلنة بعض العلاقات بإزاحة التفسيرات اللاعقلانية لبناء الدولة المدنية، لأن الوعي التقليدي السائد لم يعط اهتماماً جدياً للمجتمع المدني الذي ظل نسق العلاقات التقليدي السائد فيه ليس فقط هو المحرك للأجهزة والمؤسسات والتي وصفت بأنها حديثة، بل أيضا اندرجت هذه المكونات في صميم بنيتها مع تطور الممارسة في السودان، مما أفقد تلك الأدوات أي مضمون حداثي وخلقت شكلا من الوعي مشوشا، وتحولت بالتالي مظاهر الخلل إلى عوائق ابستمولوجية لم تضف إلا مزيدا من التراجع مع تقدّم التجربة واستمرارها.
فلك أن تلاحظ أيضا الخلل في سلوك النخبة من خلال الحوار الذي جرى بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي على اعتبار أنهما شركاء في إحداث التغيير، وقطاعات واسعة من قوي الثورة والمجتمع لم تكن شريكا في هذا الحوار “هناك تهميشاً لأطياف واسعة من الرأي العام لم تشترك في المفاوضات””[11]” وكان هذا الحوار اسيرا لمناهج العقل السياسي بوعيها الموروث، فمصدر الخلل يبدو في ادعاء الحرية وممارسة الاقصاء، ادعاء العدالة وممارسة الظلم، الدعوة للوحدة فتنشر الفرقة والشتات، لقد ساعدت شهادة الوسيط الأفريقي للحوار بين السودانيين على تبيين منهج الخلل في فكر النخبة بصورة أكثر وضوحا حيث لم تغرب عن ملاحظته تشعب وتنافر القوى السياسية وتغلفها للمناكفات السياسية والأيديولوجية بشغف كبير وما يستتبعه من سلوكيات وممارسات مدمرة فصاغ بأسلوب دبلوماسي رفيع ملاحظاته حول أحد الدبلوماسيين السودانيبن بأنه “دقيق التفكير يميل إلى الذكاء والدهاء، وهو ليس رجل مواجهة، لكنه ماهر في حبك النسيج وراء الستار، وهو رجل شبكات لا يبارى””[12]“.
وخلص الحوار بين الطرفين إلى وضع الإعلان السياسي والوثيقة الدستورية بعد مخاضات عسيره أرجعها ولد لبات إلى نقص الخبرة والمهنية والارتجال والتسرع مؤسسا حديثه على شواهد عديدة من بينها أن وفد الحرية والتغيير كان متنوعاً ولم يتضح من يتولى رئاسته إلى نهاية العملية التفاوضية، ولم يكن لطرفي التفاوض تخويل قانوني أو تفويض مكتوب إلا عند لحظة توقيع الاتفاقات، وهذا كان أيضا حسب رأيه السبب الرئيس لفقدان اتفاقاتهم السابقة للوساطة لأية قيمة قانونية فلم يوقعوا عليها، ولم يوقعوا حتى على محاضر مكتوبة”[13]” ويورد في سياق ذي صلة اثناء محاولتهم استئناف التفاوض حول الوثيقة الدستورية ما يؤكد عمليات الكيد المستمر بين الأطراف حيث حضر وفد المجلس العسكري دون دعوه من قبل الوساطة إلى مقر التفاوض ليظهر للرأي العام جديتهم، ويوضح عدم جدية وجاهزية قوى الحرية والتغيير، وبالتالي تحميلهم المسؤولية”[14]“.
ويتجلى الخلل في عدم الالتزام بما ورد في الوثيقة الدستورية في نواح عديدة. مثلا عند تشكيل أجهزة الحكم الانتقالي: مجلس السيادة، ومجلس الوزراء تم تأجيل تشكيل المجلس التشريعي لأجل ثلاثة أشهر”[15]” ولم يتم الالتزام به حتى الآن ومضى عام على ذلك، وكانت تلك البداية الخاطئة التي لم تراع ترتيباً موضوعياً وعقلانياً للأولويات التي تقود إلى تحقيق أهداف الثورة، بل أدى هذا الخيار لتناسل المشكلات التي أعاقت انطلاق الحكومة الانتقالية التي مازالت عاجزة عن مواجهة المشاكل المرتبطة بحياة الناس ومعاشهم هذا إلى جانب سوء التفاهم وعدم الثقة الذي يزداد يوما بعد يوم بين قوى الحرية والتغيير وقوى الثورة بعامة.
تعتبر الهيئة التشريعية أسمي صور تمثيل الإرادة الشعبية صاحبة الحق في التشريع لتحقيق أهداف الثورة وبلوغ مراميها، وكان من الأجدر انجازه قبل كل شيء، بل ترك الأمر على نحو فضفاض جدا، أشار الاتفاق إلى نسبة 67% من عضوية المجلس لقوى الحرية والتغيير ونسبة 33% للقوى المقصاة من الحوار؛ وهم قوى الثورة الحقيقية بما فيها الحركات المسلحة، فلم يحدد الاتفاق على وجه الدقة من هي تلك الفئات وكيفية اختيارها، وكذلك نصت الوثيقة الدستورية على اقرار النظام البرلماني الذي يمثل مجلس السيادة رمز سيادته”[16]” غير أن الممارسة أكدت اطلاع مجلس السيادة بأدوار تنفيذية تتمثل في إشرافه الكامل على القوى الأمنية والذي منحته له الوثيقة الدستورية، وقيادته للتفاوض حول السلام مع بعض الحركات المسلحة، ولعب أدوار بارزة في العلاقات الخارجية.. إلخ ، فإن تفسير ذلك مرده إلى طريقة التفكير السياسي للنخب السودانية القائم على الخلل بين المقول والمفعول، على اعتبار أن السلطة وبلوغها وبأي طريق هو الغاية والهدف، فلم تجد النخبة غضاضة في الولوج إلى محاصصات لا تنتهي، والنتيجة خلق الصعوبات التي تكبل الحكومة الانتقالية من تحقيق الأهداف والتي تعبر عن شعار حرية سلام وعدالة ووفق الأولويات “فالأولويات المرتبطة بوضع محدد أو المؤقتة هي أولويات مستحسنة تماماً لأنها لمقاصد معينة ضمن سياقات معينة””[17]“.
تحديات المدنية: الردة الانقلابية وأدلجة المفاهيم
لقد جاءت التجربة الوطنية في الحكم من البداية تجربة هشة مليئة بالتناقضات التي أصبحت سمة جوهرية ملازمة لها إلى اليوم، انشقاقات الأحزاب وانشراخات وتحالفات قصيرة الأمد ومناورات لا تجد تفسيراً موضوعياً خارج رغبات الزعماء وأمزجتهم”[18]” الأمر الذي قاد ويقود إلى ضياع الديمقراطيات. فالنخبة السياسية هي التي دعت الجيش إلى استلام السلطة في نوفمبر 1958م، وكانت وراء الانقلاب على الديمقراطية في مايو 1969م، وفى يونيو1989م.
فإن نظرة سريعة على تجارب الديمقراطية في السودان وطبيعة التحالفات التي سادتها وانفضاضها يجدها غير بعيدة عن المصالح الضيقة والاختلافات الشخصية والممارسة غير الشفافة، وافتقار المؤسسات السياسية للخلفية النظرية والفكرية التي تندرج في سياقاتها الممارسة السياسية والأيديولوجية. الأمر الذي كون رأياً شائعا أخذ يترسخ يوماً بعد يوم في الذهنية مفاده أن المؤسسة الحزبية وأدوات الممارسة الديمقراطية جميعها كما تكشفت في التجربة السودانية، لازالت بعيدة عن أداء وظيفتها ولعب دورها المنوط بها في السودان، مما يحمل على الاعتقاد بأنها أدوات معرقلة لحداثة المجتمع وتطوره، وغير قادرة على تأسيس تجربة ديمقراطية حقيقة”[19]” وهذا مصدر للخلل ما لم ننجز كثيرا من العمل، وبالتالي فإن ضياع الديمقراطية بواسطة قوى الديمقراطية وأدواتها، يدلل على قيمة الديمقراطية ومكانتها لدى الأحزاب السودانية وغيرها من المكونات المدنية، ويبرهن على ضعف الوعي بها، ولكنه لا يخفى الحسابات الضيقة والتقديرات الخاطئة والتي يظهرها تعامل القوى السياسية المختلفة مع الحدث الانقلابي.
قدمت القوى السياسية المختلفة تبريراً لمواقفها إزاء الحدث الانقلابي وتعاطيها معه، غض النظر عن محاولة الأحزاب تسويق مواقفها تلك أو نظرياتها، يظل أفق الوعي الديمقراطي لدى الكيانات السودانية المختلفة مفتوحاً على الاحتمالات كافة حتى النقيضة، وهنا يتبدى خلل التلفيق والزيف ولا يؤخذ بالديمقراطية إلا في طابعها الشكلي وتجريد مقولاتها من مضمونها الإنساني القائم على الحرية والعدل والمساواة.
ويمثل هذا الخلل مصدر تخوف جدي على ثورة ديسمبر والانقلاب عليها، حيث لم تكشف التجربة حتى الآن ما يبعث على الاطمئنان. لأن التجربة توضح أن لعبة السلطة والوصول إليها أصبح هو الهدف المعلن أو المضمر لكافة المكونات والتكوينات؛ سواء كان هذا الوصول عن طريق انتخابي أو عن طريق المؤسسة العسكرية، فالحزب، والقبيلة، والعشيرة، والطريقة، والنقابة، والرابطة، والجمعية وغيرها من المؤسسات الحديثة أو التقليدية تعكس تجربتها عملية تواطؤ كبرى بينها يجوز أن نسميها فتنة السلطة، وقد حفظت هذه العملية التعايش بينها والتعاون خلال مختلف أنماط الحكم التي عرفها السودان، والشراكة بينها أصيلة في كل ما يحدث وما حدث، وإلى الآن نلاحظ أنماط الحوار بين قوى الحرية والتغيير وبين المدنيين والعسكرين وبين بعضهم والخارج صورة مكررة لما كان يحدث دائما بؤراً للخداع والتمويه. فالانقلابات كانت واحدة من الأدوات التي استخدمتها بعض القوى السياسية في الوصول إلى السلطة في ظل حركة التبدل والتنمط التي عرفتها الحياة السياسية، فالأمر وما فيه سلطة يديرها الفاعلون أنفسهم في إطار نظم مختلفة وتبقى المشاكل هي نفسها تأخذ مساراتها طبقاً لاتجاهات المصالح والصراعات وتبدل الأولويات، مما يوضح ليس ثمة فارق في الفعل بين القوى التي توصف بأنها طائفية وتقليدية اعتبرت عائقا للرقى والتقدم، وبين ما توصف بأنها قوى حديثة “لا تهمها الديمقراطية بقدر ما يهمها انتصارها لتوجهها الأيديولوجي وتوسيع قاعدتها”[20]، كلاهما يسير بالموجهات نفسها ومحكوم بالمنطق نفسه وغالب التشكيلات النقابية، والأدبية، والاجتماعية، والعلمية، لم تنأى باستقلاليتها احترازاً من الانتماء السياسي، بل تمت إعادة إنتاجها داخل هذا الفضاء كان آخرها تجربة تجمع المهنيين السودانيين الذي لعب دوراً بارزاً في الثورة، وتحولت الحكومة الانتقالية ساحة للمنازلة والتصادم الذي تحركة عوامل أيديولوجية بين قوي اليسار والاسلاميين ولا تخفو عن ملامحة صور التشفي والانتقام، ردا على البطش والتنكيل والتشريد الذي ألحقه بهم الاسلاميون إبان حكمهم وهذا التصادم المستديم هو الأخطر على أمن واستقرار البلاد واستنزاف مواردها.
أما المتغير في هذه المرة فهو ظهور وعي اجتماعي جديد هل سينجح في صد هجمات العقل السياسي التي لا تتوقف لصياغة المجتمع المدني أيديولوجيا في ظل حمية الصراع والتنافس السياسي وإلحاقه بالمجتمع السياسي على نحو ما كان يحدث، ولا ننسى أن المجتمع المدني يمثل أحد مستويات الواقع الاجتماعي مما يجعل الحديث عن الديمقراطية السياسية بمعزل عن الديمقراطية الاجتماعية ومضامينها المتعلقة بالحرية و بالعدالة، والمساواة، ومبادئ منظومة العلاقات المعيشة وغيرها، حديثا مختزلاً لعلاقات المجتمع المدني وامتداداته في الواقع الاجتماعي، بوصفها الأرضية المحددة لبقاء الديمقراطية السياسية أو زوالها. وهذا واحد من أوجه الخلل فتصبح الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني طقوس خاوية على حد تعبير علي حرب”[21]“.
كما استعان الخطاب السوداني خلال تجربته بعدد من المفاهيم والأدوات في تشخيص مشاكل الواقع ومعالجتها؛ فإذا أخذنا على سبيل المثال مفاهيم مثل العلمانية، والهوية نجد أن الاستخدام الأيديولوجي لتلك المفاهيم جعلها مستغفلة بدرجة من الغموض وغير مفهومة، ورغم تداولها بكثافة في الخطاب السوداني فإنها وظفت توظيفاً لا تاريخياً لدى الكثيرين”[22]” وبالتالي أثير حولها جدل طويل أكثر من اللازم نتيجة الطرح المغلوط.
لم يفهم الفكر السوداني، وإن شئت الدقة المجادلون في الموضوع، إلا المضمون السياسي للعلمانية باعتبارها فصل الدين عن الدولة متناسين بقصد أو بغيره الدلالات الفكرية التي عززت الثقة في عقل الإنسان وقدراته وحملته مسؤولية تدبير شئونه وسياستها، والداعية إلى التحرر، والعقلانية، والنزعة الإنسانية، وليس ثمة مشكلة بين الإسلام والقيم الأخلاقية الإنسانية، كما أن العلمانية منظومة متكاملة لها بعدها الميتافيزيقي ورؤيتها الشاملة للكون والإنسان وأخلاقيايتها”[23]” التي تختلف مع الآخرين لذلك وجدنا البعض أقام التمييز بين العلمانية الشاملة والعلمانية الجزئية؛ الأولى تحدد علاقة الدين بالحياة، والثانية تعني فصل الدين عن الدولة”[24]“.
جاء المضمون السياسي للعلمانية في الغرب في ظل سياق تاريخي محدد كانت الكنيسة قابضة فيه ومسيطرة على الفكر والمجتمع مما يعني امتداد الدين على مساحات استدعت موجبات التطور والتحرر الحد من سيطرته وإرجاع الكنيسة إلى حدودها وفصل ما هو مقدس عما هو سياسي، وهذا سياق مغاير لعلاقة الدين بالسياسة في مجتمعاتنا”[25]“. وبالتالي فإن المتعامل مع العلمانية بوصفها نموذجا غربيا عليه أن يدرك أنها لا تقبل غير عناصر تشكلها الحضاري، وأما من يأخذ بها بوصفها مفهوم أو أداة اجرائية فعليه إعادة بنائها وصقلها طبقا للمشروطيات الاجتماعية والتاريخية.
فالأمر مختلف تماما في مجتمعاتنا حيث لا توجد مؤسسة على شاكلة الكنيسة يستوجب ردها إلى حدودها، فهذه الإشكالية غير موجودة أصلاً، بل بالعكس إذ إن توظيف الأيديولوجيين لمصطلح العلمانية قاد إلى نتائج عكسية أدت إلى تنامي ظاهرة الإسلام السياسي والمطالبة بدور أوسع للدين في ظل غياب النقد ومحاولات تقعيد المفاهيم. وازدياد حدة الصراع والسجال الذي حولها إلى مبدأ انطولوجي للفعل التاريخي، علينا أن ندنو أكثر بإتجاة أن تكون فكرتنا عن ذواتنا طبيعية وعقلانية. لأن عيب المفاهيم التي سايرناها في تكوين فكرتنا عن ثقافتنا، يكمن في عدم فهمها طبقا لخصوصية الثقافة وشروطها التاريخية والاجتماعية والأهم هو الاعتراف بالفروقات التي تؤكد أصالة المعرفة والخصوصية .
ومن جهة أخرى انفتحت حوارات واسعة بين السودانيين، وجدل كبير حول موضوع الهوية في المراحل المختلفة غير أن بعض تلك النقاشات زادت الأمر تعقيدا على تعقيده، نجد أن تلك الحوارات استتبعتها مواقف دوجماطقية تجاه تعدد الثقافات وتنوعها، وتزمت متعالٍ علق بالأذهان.
فالهويات ليست كائنات فكرية تعدل وتصاغ بهذه الطريقة أو تلك، وليس بمقدور فرد أو جماعة القيام بذلك وإنما هي حقائق وواقع يتخلق باستمرار، وتتطور مؤكدة تميزها الذاتي، كما أن الحديث عن هوية موحدة كما ذهب عبد العزيز حسين الصاوي”[26]” هذا وهم من الأوهام يوقع في فخ الهيمنة من حيث لا ندرى فتفرض ثقافة ما أو فئة ما هويتها على الآخرين بدلاً من إقرار التمايز والاختلاف، فإن عبارة الوحدة في التنوع من منظور الهوية عبارة مضللة ومتناقضة وتحجب أهداف ورؤى أيديولوجية، فالمساواة، والوحدة، هذه المفاهيم والمعاني وغيرها مجالها السياسة، والتخطيط لمتطلبات العيش المشترك بين البشر.
فإن مسألة التعايش بين الثقافات وأشكال التنوع المختلفة هي مشكلة سياسة وليست مشكلة ثقافية، تقوم على موازنة المصالح المتعلقة بالمجموعات المختلفة وعلى الوعي بحقيقة الذات والآخر، تكفلها الدساتير والأنظمة التي يضعها البشر، وتتأطر بمحددات العقل السياسي، لأن التعايش لا يأتي بالإملاءات والضغوط وإنما هو بالرضى والقبول استنادا إلى اعتبارات أساس قبولها العقل، تضع المواطنة أساساً للواجبات والحقوق الدستورية بإقرار الجميع، وتكفل العدالة، والمساواة، وحرية الفرد في التعبير عن نفسه، وممارسة حقوقه وبالمثل الجماعات”[27]“.
التحديات الكبيرة التي يمر بها السودان قادت إلى أشكال صراع عديدة اتخذ بعضها واجهات ثقافية وبعضها واجهات أيديولوجية وإثنية وإن كانت الأرضية التي انطلقت منها جميعها أرضية سياسية تجد مبررها في واقع التخلف الاقتصادي والتردي التنموي. فإن الطرح الثقافي للقضية وهم من الأوهام. إن عملية تواطؤ كبرى لاضطهاد عرقي أو ديني لا يمكن أن تنبثق عن بنية المجتمعات أو الأديان والثقافات، لكن يمكن أن تظهر مثل هذه الدعوات من فئات أو مجموعات أيديولوجية أو سياسية أو عسكرية أو غيرها. تجربة الاعتصام دليل قوى على بطلان تلك المزاعم وتعزز الثقة على المستوى المجتمعي بأن التعايش بين المجموعات السودانية هو الحقيقة القائمة والغالبة.
وإن كان هناك إرث ثقيل من آثار الحرب والمرارات قبع وراءهم، وقد لا يتحقق التعايش المنشودة سياسيا إذا لم يضع السودانيون عوامل الفرقة والاختلاف كافة موضع النظر الجدي المسؤول ومعالجة أسباب الحرب وآثارها بالسرعة اللازمة، لأنه لن يرأب الصدع بالقفز فوق الاختلاف.
الملاحظة المبدئية حول معظم المعالجات التي قدمها الفكر السوداني للإشكاليات المفاهيمية كانت مركوزة إلى منظور أيديولوجي ومربوطة بحاجات خطاب سياسي، أو على أدنى تقدير نظّر لها سياسيون، وبالتالي مسألة توفر معالجة موضوعية بفكر حر ترد عليها قيود كثيرة. وهذا أحد الأسباب التي ضيقت مساحات الفكر النظري الذي بمقدوره وضع سياقات ملائمة لصياغة الإشكاليات ومعالجتها في ضوء نظرية معينة للمعرفة، وبمعنى آخر فإن الإخفاق جعل معظم الإجابات التي قدمها الفكر السوداني حول هذه القضايا لم ترتب في معظمها غير الإحباط الناشئ عن محاولات تدمير الذات، أو تحويلها إلى أداة تنتج موتها.
الانشغال الكبير بهذه القضايا أبطأ حركة التنوير والاستنارة في المجتمع السوداني وأهدر الوقت والإمكانات وباعد الأطراف، بإضافة أبعاد جديدة عرقية، وثقافية، ودينية، لأسباب الصراع المحددة في التردي المستمر في الأوضاع المعيشة وعدم الاستقرار السياسي وتصادم الايديولوجيات. ويكشف خلل الضعف والعجز والجمود وغياب الابداع في صياغة المفاهيم.
تحديات الحكومة الانتقالية.. هدر الرصيد المعرفي
بات من المعلوم بالضرورة في هذا العصر أن أهم مظهر لقوة المجتمع أو الدولة هو الرصيد المعرفي الذي تمتلكه، وبالتالي تمثل المعرفة رأس المال الواجب توفره لأي نهضة أو تغيير. وتتشكل المعارف من الخبرات المتراكمة للأجهزة والمؤسسات من خلال سيرورتها التاريخية، ومن المعارف التي يتم نقلها وفق مبدأ محدد من البيئات الأخرى، أو المعارف المنتجة محليا، وتتم إدارتها وفق استراتيجيات إدارة المعرفة وتبدو فاعلية تلك الإدارة بقدر ما توجه للسير في طريق تحقيق النماء والتطوير في المجتمع.
فإن المحافظة على المعرفة المتوفرة لدى أجهزة الدولة ومؤسساتها من أكبر التحديات التي تواجه الحكومة الانتقالية في مسعاها لتفكيك التمكين الذي أقامه النظام السابق بحيث يحتاج الأمر التفكير بعمق وعقلانية، وإلى جهد أكبر حتى لا يتم هدر للمعرفة الصريحة أو الضمنية، وتخسر الدولة ذاكرتها، وإن حدث هذا فلن تنهض الدولة مجددا، خاصة وأننا نحتاج أن نفهم الطريقة التي كان يتعامل بها النظام السابق مع قضية التمكين، بخاصة في العشر سنين الأخيرة حيث استخدم قدر من المكر والتمويه قي التمكين لنفسه اقتصادياً وسياسياً وتحويله الوزارات إلى مجرد هياكل يدخل إليها شركاؤه ويخرجون دون القدرة على احداث أي تأثير، كما أنه أخرج الاقتصاد إلى مكان آخر خارج أجهزة الدولة، لهذا نصت الوثيقة الدستورية على “انشاء مفوضية مستقلة لمكافحة الفساد واسترداد الأموال العامة””[28]” يكون لها القدرة والمعرفة والدراية لتفكيك تمكين نظام الثلاثين من يونيو، لا تفكيك الدولة، خاصة مع منهج الخلل الحاكم لفكر النخبة العاج بالتناقضات، لأن تفكيك التمكين ينبغي ألا يتقاطع مع مبدأ العدالة الذي نادت به ثورة ديسمبر المجيدة، ولكن وكالعادة طابع العجلة والتسرع ملازم للنخبة السياسية لم يمتد صبرهم إلى تشكيل المفوضية المستقلة التي أقرتها الوثيقة الدستورية واستعاضوا عنها بآلية لتفكيك التمكين، وأصدر لها قانون، بينما تحتاج هذه المهمة منا جهدا كبيرا للبحث عن ما نجهله أكثر مما هو تحت ناظرنا حتى لا نضل الطريق، ربما يمثل الظاهر طعما يباعد بيننا وما يراد تفكيكه. ظل السؤال عن أموال النظام السابق، وعن أموال التنظيمات التابعة له قائما ولازال، لم تقدم اجابه مقنعة، بل الجميع مقتنع بأن عملية نهب كبيرة حدثت للدولة، لكن أين تلك الأموال؟ ليس ثمة يقين. تجدر الإشارة إلى أن رسائل ويكيليكس كان أن ذكرت في العام 2010م أن الرئيس السابق عمر البشير يحتفظ بتسعة مليارات دولار في البنوك البريطانية. ولك أن تتصور كيف صار هذا المبلغ حتى لحظة سقوطه نهاية العام 2019م”[29]“. إذن الأمر لا يحتاج فقط مجرد التفكير بشكل مختلف لا يجاد الدولة المخفية فحسب، وانما بقدر من الجرأة والشجاعة واقرار مبادئ دولة القانون لتحقيق العدالة وحماية الثورة.
إن فصل آلاف من الخدمة العامة أو مصادرة الأموال والممتلكات بعيدا عن سلطة القضاء والأجهزة العدلية، ذلك مهدر لمقتضيات العدالة التي مثلت أحد أبرز شعارات الثورة، فالحياد عن هذا الطريق لا يصب في مصلحة الثورة في شيء، وإنما يضر بها لأنه يهدر رصيد المعرفة والخبرة التي تراكمت للمؤسسات والأفراد عبر الزمن في كل اختصاص أو قطاع، وهذه الكفاءات والتجارب مهمة في عمليه البناء، لأنه ليس ثمة رابط منطقي يقيم علاقة ضرورية بين كل من عمل في الخدمة العامة أو القطاع الخاص بأنه منتم سياسيا للنظام السابق، وإن وجد بعض المنتمين له، كما إن مرجعيات الخدمة العامة ليست الطريق الموصل لتحديد الانتماء السياسي إلا فيما ندر، خاصة وأن الإجراءات الجارية بخصوص إزالة التمكين تقوم عليها آلية سياسية وليس القضاء، وهذا أحد أهم مظاهر الخلل المجافي للعقلانية أن تدعو إلى استقلال القضاء وتقوم آليات سياسية بمهام العدالة، وتدعو للعدالة وتشرعن للظلم، وتدعو للتسامح، وتقوم بالتشفي لذلك فإن هذا المنهج مدخل لظلم كبير قد يقع على بعض الأفراد أو المؤسسات، لذلك نظر العقلاء أن أي شخص “لا ينبغي تهميشه أو اقصاؤه أو القضاء عليه لمجرد أنه عمل في الإدارة أو تقلد مسؤوليات في الدولة.. فهذا الموقف يفضي تماما إلى ما وقع في العراق.. وكانت عواقب تلك السياسة وخيمه حين آن وقت إعادة بناء البلد”[30]“، فعلا نحن في أشد الحاجة لليقظة والإتزان، ولعل هذا ما أشار له تقرير الخبير المستقل لحقوق الانسان التابع للأمم المتحدة الذي أبدى خشيته من تحول قرارات لجنة إزالة التمكين إلى عزل سياسي يقوّض المصالحة الوطنية بدلا عن تعزيز حقوق الإنسان وسيادة القانون، ويخلق شعورا بالاستياء في نفوس المتضررين، لذلك نادى بأهمية استيفاء اللجنة المعايير الدولية لحقوق الإنسان في مراحل قراراتها المختلفة ووصول المتضررين إلى العدالة”[31]“، ناهيك عن امكانية الشطط المتحكمة في عقول الأيديولوجيين التي قد تمتد إلى مصادرة حقوقهم في الخدمة والمعاش، وسيكون ذلك انتهاكا صارخا لحقوق الانسان وللقوانين المحلية والدولية ويهدم العدالة من الأساس.
الذي ينبغي أن نفهمه أن النظام السابق قام بعملية تمويه ماكرة مكّن بها لنفسة على مستوى غير الذي ننظر إليه، وظاهر في أجهزة الدولة ومؤسساتها بتمكين منسوبيه في مفاصل الدولة، بالتالي المزايا التي يحصلون عليها والتي تمثل مستوى ضئيلا مقارنة بالتمكين المؤسسي الذي صفّى الدولة لمصلحة الحزب. وكما سبقت الإشارة تكون المعرفة مضمنة في الفرد، وفي المنظمة، وفي المجتمع، كما في الأضابير، والأرشيف، والوثائق، بمختلف أشكالها وهل من بناء بفقدان ذلك؟ وقد يظهر هدر المعرفة في تصاعد الأزمات والكوارث العالق فيها السودان؟. والمطلوب التفكير بذكاء أكثر وعمق لمعرفة أين أموال الشعب السوداني المنهوبة. وهذا أمر شبيه بفكرة أرسطو عن الميتافزيقا التي تعني ما وراء الطبيعة. وأنها موجودة في قلب الطبيعة وركن أساس في حياتنا المعيشة.
وأن نفكك التمكين داخل أجهزة الدولة بدون هدر معرفتها وخبرتها وتحطيم ذاكرتها ذلك شرط ضروري تقتضيه الحكمة، فإن المعرفة التي تم اكتسابها واستيعابها وهضمها واستخدامها ونشرها وتطويرها كل ذلك يساعد المجتمع ويجعله أكثر قدرة وكفاءة على تحقيق التنمية المستدامة بكل مناحيها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وبالتالي المعارف والمهارات هي مفتاح النجاح، وأهم مظاهر مجتمع المعرفة، وبغير ذلك ستكون الخسائر فادحة للشعب السوداني الذي أراد بناء دولة تكفل للمواطنيين العيش الكريم وتحقيق التقدم والرفاه.
الخاتمة:
تلخص النتائج والتوصيات كالآتي:
النتائج:
أولاً/ التحولات الهائلة المعرفية والاجتماعية التي يشهدها السودان بفضل ثورة ديسمبر 2018م تمثل انعطافة تاريخية كبرى أدت إلى تفجر وعي جديد لازال آخذ في التشكل، وأنه يختلف في كل شيء عن الوعي السائد ويمثل نقطة تمفصل للعقل السوداني ينبغي أن يصوب نحوها الاهتمام الكافي.
ثانياً/ ظل الخلل المركب سمة أساسية ممنهجة ملازمة لمناهج النخبة السياسية وطرائقها في التفكير على مر الحقب ويعاد انتاجه على الدوام، أن الخلل المستدام المصاحب لفكر وممارسة النخب السياسية في الجوانب المختلفة النظرية والعملية تبدو مظاهره في الآتي:
ــــ تناقض الخطاب مع الواقع حيث يشير إلى القضية نظرياً وينتهي إلى نقيضها في الممارسة مثلا يدعو للحرية ويمارس التسلط، يدعو للعدالة ويمارس الظلم، يدعو إلى الوحدة فينشر الفرقة والشتات أو يرفض القضية ويحققها بالممارسة، أي يرفض في الخطاب ما يقبل في الممارسة مثلاً يرفض التسلط والظلم ويمارسهما. هذا المنحي أفرغ المفاهيم الإنسانية مثل الديمقراطية والحرية من دلالاتها، وبالتالي تحولت تلك المفاهيم إلى عوائق أبستمولوجية.
ــــ العجز وعدم القدرة على الإبداع على المستوى النظري والمفهومي، وبالتالي الغرق في التقليد وتقديس النماذج والانفتاح نحو التلفيق والتزييف والتبرير، والترتيب الخاطئ للأولويات، مما أدي لسيادة حالة التيه بين الرغبة والحقيقة.
ــــ انتهاج الصراعية والسجال طريقاً لتحقيق الذات والإعراب عنها وتأكيد الوجود، وبالتالي سيطر التنافر الأيديولوجي، والمناكفات السياسية، وغياب العقلانية، وغلبة المناورة والمصالح الذاتية الضيقة ، والعجلة والتسرع لبلوغ السلطة بأي طريق، وبالتالي ظل أفق النخبة السياسية مفتوحا على كافة الاحتمالات مما يمثل مصدر تهديد للديمقراطية والمدنية.
ـــ تبدو المفارقة واضحة في كثرة حديث النخبة السياسية عن بناء الوطن وقلة فعلها لبناء الذات، فإن تضخيم الذات لديها يحجب عنها رؤية خلل فكرها ومنهجها وإن كان لا تجد غضاضة في تعرية الآخرين ومحاولة افنائهم، فضاع الوطن بين اليوتوبيا وبؤس الأمر الواقع، بين الأمل والقنوط.
ثالثاً/ سوف لن تنجح أجهزة الحكم الانتقالية في تهيئة البيئة الملائمة لإنجاز مطلوبات الانتقال ما لم تشرك في الحوار جميع قوى الثورة الحقيقة وصناع التغيير، وتشكيل أجهزة الحكم الانتقالي المختلفة وعلى رأسها المجلس التشريعي، وأن تمتلك رؤية واضحة وبرنامج محدد لحل مشاكل معاش الناس، وترتيب الأولويات على وجهها الصحيح.
رابعاً/ عدم القدرة على ابداع أو صياغة أدوات مفهومية مناسبة لتشخيص مشاكل الواقع ومعالجتها، والفشل في صقل المفاهيم التي تم استخدمها مثل العلمانية والهوية أدى طرحها المغلوط إلى أحدث ربكة كبير وألغ بظلال سلبية على الحياة، وبالتالي لم تسهم سوى في زيادة الأمر تعقيدا على تعقيده واذكاء الاختلافات وتأجيج الصراع.
خامساً/ أدت الإجراءات المتبعة لتفكيك تمكين نظام الثلاثين من يونيو والمتمثلة في فصل آلاف العاملين من الخدمة العامة ومصادرة الأموال بعيدا عن القضاء، إلى هدر العدالة لجهة الدعوة لاستقلال القضاء وقيام آليات سياسية بمهام العدالة، أو الدعوة للعدالة والشرعنة للظلم ، وأدت كذلك إلى هدر معرفة أجهزة الدولة وتحطيم ذاكرتها ولا سيما أن المعرفة تعد أهم مظهر قوة للدولة وتجعلها أكثر قدرة على النهوض، سواء في شكلها المضمن في الأفراد أو تلك المختزنة في الأجهزة والأرشيف.
التوصيات:
أولاً/ ضرورة إحداث التغيير الجذري في الرؤى والمفاهيم والوسائل والأساليب، وإحداث الثورة الفكرية التي تدور رحاها في العقول، وتحرر النخب السياسية من أوهامها ونخبويتها لمصلحة الشراكة وتحمل المسؤولية بين جميع الفاعلين، أن بناء الوطن مسؤولية الجميع لا مهمه تقوم بها فئة دون الآخرين.
ثانياً/ إعادة قراءة كافة النظريات المنتجة في الفكر السوداني، وإعادة التفكير فيما لم تفكر فيه، فلم يعد مجدياً التفكير الأحادي والنخبوي، فالديمقراطية، والحرية، والعدالة والسلام هي أفق يتخلق ويتشكل بالتفاعل والتبادل بين مختلف الفاعلين، وممارسة أشكال النقد بمختلف صيغها، لأن سياقات هذا التحول الجاري لا شيء يعود بعده كما كان، وليس سهلا الالتفاف عليه وإخضاعه للآليات التقليدية.
ثالثاً/ ضرورة تحقيق المصالحة الوطنية بين مختلف المكونات الوطنية لسد الباب أمام الحروب والاقتتال والتدخلات الخارجة، وتوفر إرادة صلبة ترصف عمليات البناء الوطني وتجمع الأشلاء التي بعثرها الزمن برأب الصدع وتضميد الجراح.
رابعاً/ اقرار الاختلاف والتمايز والتنوع على أنه شرط للعيش المشترك الذي يكفل الحقوق والمساوة بين الجميع بلا تمييز، وتحمل المسؤولية الاخلاقية تجاه ذلك.
خامساً/ الحفاظ على مساحات الحرية والديمقراطية وتعزيزها، وتحرير الطاقات والقدرات لإحداث الإصلاح الفكري والمؤسسي.
سادساً/ نقد مظاهر الخلل وتعريتها وتفكيك مصادره المختلفة بإرساء ممارسات عقلانية راشده وفق الآليات الديمقراطية.
سابعاً/ تبدو الحاجة ملحة لفهم كيف مكن نظام الثلاثين من يونيو لنفسه وأن نفهم درجة المكر والتمويه التي مارسها للتمكين اقتصادياً وسياسياً، يحتاج هذا الأمر منا إلى جهد كبير للبحث المعمق عن ما نجهله أكثر مما هو بادي لناظرنا ولربما يمثل الظاهر طعما يبعدنا عما يراد تفكيكه.
قائمة المصادر والمراجع:
- ـ إبراهيم محمد حاج موسى. التجربة الديمقراطية وتطور نظم الحكم في السودان. بيروت: دار المأمون/ دار الجيل، 1970م.
- ـ البشير عصام المراكشي. العلمنة من الداخل. مركز تفكر للبحوث والدراسات، 2015م.
- ـ الطيب زين العابدين. التجربة الديمقراطية في السودان: النجاحات والاخفاقات. دراسات أفريقية. العدد31. يونيو 2004م.
- ـ الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية لسنة 2019م. الجريدة الرسمية لجمهورية السودان العدد 1895.
- ـ تيري أنغلتون. أوهام ما بعد الحداثة. اللاذقية: دار الحوار للنشر والتوزيع، 2000م.
- ـ حيدر إبراهيم علي. المجتمع المدني والتحول الديمقراطي في السودان. القاهرة: مركز ابن خلدون، 1996م.
- ـ عبد الوهاب أحمد عبدالرحمن. الشخصية السودانية. الخرطوم. جامعة المغتربين، 2011م.
- ـ عبدالوهاب المسيري. دراسات معرفية في الحداثة الغربية. القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، 2006م.
- ـ عبد العزيز حسين الصاوي. أزمة المصير السوداني: مناقشات حول المجتمع والتاريخ والسياسة. ط:2. القاهرة/ الخرطوم: مركز الدراسات السودانية، 2004م.
- ـ عثمان حسن عثمان. إشكالية التنوع الثقافي والتعايش السلمي في الوطن العربي. كتاب أعمال مؤتمر التنوع الثقافي. طرابلس/ لبنان: مركز جيل البحث العلمي. 2015م.
- ـ علي حرب. أزمنة الحداثة الفائقة. بيروت/ الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2005م.
- ــ علي حرب أوهام النخبة.ط:2. بيروت/ الدار البيضاء، 1999م
- محمد الحسن ولد لبات. السودان على طربق المصالحة. بيروت: المركز الثقافي للكتاب، 2020م.
- ـ محمد عابد الجابري. الدين والدولة وتطبيق الشريعة. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1996م.
- مواقع إلكترونية
- https://www.theguardian.com/world/2010/dec/17/wikileaks-sudanese-president-cash-london
- https://www.ecfr.eu/publications/summary/bad-company-how-dark-mony-threatens-sudans-transition
[1] . على حرب أوهام النخبة.ط:2. بيروت/ الدار البيضاء، 1999م ص16
[2] . محمد الحسن ولد لبات. السودان على طربق المصالحة. بيروت: المركز الثقافي للكتاب، 2020. ص161
[3] . تيري أنغلتون. أوهام ما بعد الحداثة. اللاذقية: دار الحوار للنشر والتوزيع، 2000 ص57
[4] . تيري أنغلتون. ص173
[5] . علي حرب. أوهام النخبة. ص11
[6] . محمد الحسن ولد لبات. مرجع سابق. ص125
[7] . تيري أنغلتون. ص58
[8] . المرجع السابق. ص58
[9] . علي حرب. أوهام النخبة. ص98/99
[10] . عبد الوهاب أحمد عبدالرحمن. الشخصية السودانية. الخرطوم. جامعة المغتربين، 2011م. ص36
[11] . محمد الحسن ولد لبات. مرجع سابق. ص256
[12] . المرجع السابق. ص155
[13] . المرجع السابق, ص 128/129
[14] . المرجع السابق. ص149
[15] . الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية لسنة 2019م. الجريدة الرسمية لجمهورية السودان العدد 1895. ص11
[16] . المصدر السابق. ص2/ ص5
[17] . تيري أنغلتون. ص175
[18] . إبراهيم محمد حاج موسى. التجربة الديمقراطية وتطور نظم الحكم في السودان. بيروت: دار المأمون/ دار الجيل، 1970م. ص180
[19] . حيدر إبراهيم علي. المجتمع المدني والتحول الديمقراطي في السودان. القاهرة: مركز ابن خلدون، 1996م. ص50
[20] . الطيب زين العابدين. التجربة الديمقراطية في السودان: النجاحات والاخفاقات. دراسات أفريقية. العدد31. يونيو 2004م. ص18
[21] . علي حرب. أزمنة الحداثة الفائقة. بيروت/ الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2005م. ص153
[22] . يتضح ذلك بكثافة في كتابات الأيديولوجين الاسلاميين الرافضين للعلمانية واليساريين الداعين لها وكذلك الحال بشأن قضية الهوية يدعو الاسلاميين للهوية الإسلامية بينما يدعو اليساريين إلى الأفريقانية ورفض الدين.
[23] . البشير عصام المراكشي. العلمنة من الداخل. مركز تفكر للبحوث والدراسات، 2015م. ص20
[24] . عبدالوهاب المسيري. دراسات معرفية في الحداثة الغربية. القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، 2006م. ص69/70
[25] . محمد عابد الجابري. الدين والدولة وتطبيق الشريعة. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1996م. ص108/109
[26] . عبد العزيز حسين الصاوي. أزمة المصير السوداني: مناقشات حول المجتمع والتاريخ والسياسة. ط:2. القاهرة/ الخرطوم: مركز الدراسات السودانية، 2004م. ص171
[27] . عثمان حسن عثمان. إشكالية التنوع الثقافي والتعايش السلمي في الوطن العربي. أعمال المؤتمرات.. مؤتمر التنوع الثقافي. طرابلس/ لبنان: مركز جيل البحث العلمي، 2015م. ص113.
[28] . الوثيقة الدستورية. مصدر سابق. ص16
[29] . https://www.ecfr.eu/publications/summary/bad-company-how-dark-mony-threatens-sudans-transition
المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية. 9/6/2020
[30] . محمد الحسن ولد لبات. مرجع سابق. ص347
[31].https://www.alnilin.com/13141533.htm تقرير الخبير المستقل لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بالسودان 26/8/2020