
مقال نشر بالعدد الثاني من مجلة جيل حقوق الإنسان ص 31 للباحثين: الأستاذة بوشنقير ايمان/ قسم العلوم الاقتصادية- جامعة باجي مختار عنابة – والأستاذ رقامي محمد/ قسم علوم التسيير- جامعة باجي مختار عنابة
للاطلاع على العدد الكامل اضغط على غلاف المجلة:
مقدمة:
يتمحور موضوع هذه الدراسة حول دور المجتمع المدني في حماية البيئة و تحقيق التنمية المستدامة التي شغلت تفكير الكثير من العلماء والكتاب ، إذ هذا الموضوع لم ينل حقه من الاهتمام و البحث بشكل كاف ً.
ومع تطور حياة الإنسان ظهرت الحاجة إلى اكتشاف أهمية الموارد الطبيعية التي وهبت له ليستخدمها في إشباع حاجاته الضرورية، كما إن علاقة الإنسان مع البيئة تطورت بشكل كبير و سريع نتيجة التعامل المباشر معها ، فكلما تقدم الإنسان كلما ازداد ظهور المشاكل، فمن استعمال الإنسان للموارد الطبيعية في شكلها الخام الأولي إلى مرحلة تحويل الموارد إلى شكل قابل للاستعمال و خاصة في المجال الصناعي، ازداد ضغطه على البيئة بزيادة الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها من تنمية اقتصادية و إنتاج و استهلاك، دون أن يأخذ العامل البيئي في الحسبان. و كنتيجة لذلك تفاقمت المشاكل البيئية لتشغل كل المواضيع الوطنية و الدولية، و لعل أكثر البلدان تضررا من المشكلات البيئية هي الدول النامية التي ليست لها القدرات و الإمكانيات الكافية لا على صعيد الوقاية و لا على صعيد العلاج لمعالجة الانعكاسات السلبية على التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و البيئية.
أهمية الدراسة:
تكمن أهمية هذه الدراسة في تناول مسألة البيئة ومحاولة إيجاد حل للمشاكل التي ظهرت، لاسيما وأنها شهدت اهتماما ملحوظا بعد ظهور العديد من المفاهيم الحديثة التي شاعت مؤخرا في الأدب التنموي المعاصر ،وخاصة مفهوم “التنمية المستدامة”، وقد أصبحت الاستدامة مدرسة فكرية عالمية تنتشر في معظم دول العالم الصناعي والنامي على حد سواء. و للمجتمع المدني دور محوري في عملية التنمية بصفة عامة و التنمية البيئية بصفة خاصة، بل إن تلك الأهمية تعاظمت في العقود الأخيرة نتيجة للمتغيرات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية، و تتجسد أهمية المجتمع المدني في منظماته التي تستطيع أن تساهم في التنمية المستدامة إسهاما حقيقيا إذا نجحت في بناء الوعي التنموي واستقراره وتوظيفه من خلال مشاركة حقيقة وفاعلة في العملية التنموية.
الهدف من الدراسة:
نتيجة للتغيرات الحاصلة في عالمنا المعاصر سواء من منظور التكتلات الاقتصادية أم من ناحية التحالفات السياسية، أم من ناحية ظهور العولمة و ما تبعها من انفتاح، برز دور المجتمع المدني كشريك أساسي للحكومة، و كمساهم في تحقيق التنمية و في تحمل المسؤولية. إذ كان لمؤسسات المجتمع المدني دور في إيجاد التوازن بين النظام البيئي و كذلك النظام الاقتصادي للحفاظ على الموارد الطبيعية.
إشكالية الدراسة:
تأكد للعديد من الحكومات أنها لا تستطيع أن تحل كل مشاكلها و أزماتها لوحدها، و أنه بات من الضرورة أن يسهم المجتمع المدني بمؤسساته من نقابات و جمعيات…في حل هذه المشاكل و كذا في تحقيق التنمية الاقتصادية و من ثمة المستدامة للحاق بركب الدول المتقدمة، باعتبار أن المشكل البيئي أصبح من المشاكل الكبيرة التي تؤثر على حياة الأفراد في الحاضر والمستقبل.
فالمجتمع المدني هو الذراع الأيمن للحكومات ليس فقط في عملية التنمية ولكن أيضاً في السعي إلى تعبئة موارد وطاقات معطلة سواء اقتصادية أم بشرية، وإشراك مختلف فئات المجتمع في هذه العملية وعدم ترك أحد خارجها عرضة للعوز والحرمان، وذلك بما يسهم به من دور فاعل بالمجتمع في مختلف ميادين تحقيق العدالة الاجتماعية ومكافحة الفقر، والعمل الخيري والثقافي والبيئي والاجتماعي والتعليمي ومحو الأمية .
كما تهدف العلمية إلى الاهتمام بالمجتمع المدني و كذا بمؤسساته لضمان تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة من جهة و الحفاظ على التوازن البيئي من جهة أخرى باعتباره الشريك الأساسي للحكومة و الذي يلعب دورا كبيرا في تحقيق التنمية بشكل عام.
المناهج العلمية:
تم الاستعانة بعدد من مناهج البحث العلمي وذلك للاستفادة منها كالتالي:
1- المنهج الوصفي التحليلي لتغطية جوانب الموضوع فيما يتعلق بتوضيح مفهوم المجتمع المدني؛
2- المنهج التاريخي وذلك لتتبع المراحل التاريخية للاهتمام بمسألة البيئة وأهمية المجتمع المدني ومؤسساته في حمايتها؛
3- المنهج القانوني يهتم بدراسة العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تناولت مسالة البيئة.
تقسيمات البحث:
تتناول الدراسة هذا الموضوع من خلال ثلاثة مباحث كل منها مقسم إلى مطلبين اثنين فقط
المبحث الأول: ماهية المجتمع المدني ودوره في تحقيق التنمية البيئية الاقتصادية و الاجتماعية
يتناول هذا المبحث ماهية المجتمع المدني ومؤسساته، ودوره في تحقيق التنمية البيئية والحفاظ على الموارد الطبيعية لأجل استدامتها للأجيال المستقبلية من جهة و في تحقيق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية من جهة أخرى.
المطلب الأول: مفهوم المجتمع المدني
لاشك بأن الأديان السماوية كانت سباقة في الدعوة إلى العمل الخيري بجميع أشكاله، أما على المستوى الوضعي فقد نشأ مفهوم المجتمع المدني أول مرة في الفكر اليوناني حيث أشار إليه أرسطو باعتباره “مجموعة سياسية تخضع للقوانين”، أي أنه لم يكن يميز بين الدولة والمجتمع المدني. تطور هذا المفهوم في القرن الثامن عشر حيث بدأ التمييز بين الدولة والمجتمع وبدأت حركة الجمعيات بالتبلور كنسق يملك الأحقية في الدفاع عن الحق في الحرية ضد مخاطر الاستبداد السياسي. وفي نهاية القرن ذاته تأكد في الفكر السياسي الغربي ضرورة تقليص هيمنة الدولة لصالح المجتمع المدني الذي يجب أن يدير أموره الذاتية بنفسه وأن لا يترك للحكومة إلا القليل. وفي القرن التاسع عشر حدث التحول الثاني في مفهوم المجتمع المدني حيث قال كارل ماركس أن المجتمع المدني هو ساحة الصراع الطبقي. وفي القرن العشرين طرح المفكر الإيطالي جرامشي مسألة المجتمع المدني في إطار مفهوم جديد فكرته المركزية هي أن المجتمع المدني ليس ساحة للتنافس الاقتصادي بل ساحة للتنافس الأيديولوجي، منطلقًا من التمييز بين السيطرة السياسية والهيمنة الأيديولوجية. وقد اهتمت المجتمعات المعاصرة بعمل منظمات المجتمع المدني، حيث تم طرحه على المستوى الدولي تحت عنوان برنامج الأمم المتحدة التطوعي في عام1967 ، وتطورت العملية التطوعية حتى أصبحت معيارًا ومؤشرًا قويًا للتنمية والتقدم.
وتتكون منظمات المجتمع المدني من الهيئات التي تسمى المؤسسات الثانوية مثل الجمعيات الأهلية، والنقابات المهنية والعمالية، وشركات الأعمال، والغرف التجارية والصناعية، المؤسسات الخيرية، والجمعيات المدنية، والهيئات التطوعية، وجمعيات حقوق الإنسان، وجمعيات حقوق المرأة، والنوادي الرياضية، وجمعيات حماية المستهلك، وما شابهها من المؤسسات التطوعية. و المقصود أن نطاق المجتمع المدني ينحصر في المؤسسات والمنظمات غير الحكومية التي يقوم نشاطها على العمل التطوعي، ومن ثمة فهو مجتمع مستقل إلى حد كبير عن إشراف الدولة المباشر. و بشكل عام كثيرة هي المصطلحات التي تتردد في الأدبيات والتي تتعلق بواقع منظمات المجتمع المدني مثل المنظمات الأهلية، والمنظمات غير الحكومية، ومؤسسات العمل الخيري، المؤسسات غير الربحية، والمؤسسات التطوعية، ومؤسسات العمل التطوعي. ولذلك فإن المنظمات غير الحكومية ليست محل اتفاق حتى بين الدول المتقدمة، ففي فرنسا يسمونها الاقتصاد الاجتماعي، وفي بريطانيا يطلق عليها الجمعيات الخيرية العامة، ويسميها الألمان الجمعيات والاتحادات، وفي اليابان مؤسسات المصلحة العامة، وتسميها الولايات المتحدة الأمريكية المنظمات التطوعية الخاصة، وفي معظم دول إفريقية يطلق عليها منظمات التنمية التطوعية.
ورغم اختلاف منظمات المجتمع المدني في تسمياتها وأشكالها، إلا أنها تتقاسم مع بعضها البعض في مجموعة من الخصائص الأساسية مثل كونها منظمات خاصة، وغير ربحية، ومستقلة، وتطوعية ، بحيث يملك الأفراد الحرية بالانضمام إليها أو دعمها.
وقد لجأ الباحثون لوضع التعريف الآتي للمجتمع المدني أو لمنظمات المجتمع المدني “المجتمع المدني هو الأفراد والهيئات غير الرسمية بصفتها عناصر فاعلة في معظم المجالات التربوية والاقتصادية والعائلية والصحية والثقافية والخيرية وغيرها”[1].
المطلب الثاني: وضعية المجتمع المدني في البلاد العربية و وظائفه.
سنتوسع في هذا المطلب في الصعوبات التي تواجه منظمات المجتمع المدني في الدول العربية و في الوظائف التي تقوم بها وفق الفرعين التاليين:
الفرع الأول: الصعوبات التي تواجه منظمات المجتمع المدني في الدول العربية
توجد صعوبات في مقاربة دور المجتمع المدني في العالم العربي:
الأولى تتعلق بحالة الحقل، فالأبحاث محدودة بالمقارنة مع حجم ودور بني المجتمع المدني
إن تقديم تحليل شامل عن الدراسات التي أجريت عن المجتمع المدني يجابه بعدد من العقبات، أهمها:
Ø عدم توفر مادة كافية من البحث التحليلي الموثق للقضايا المطروحة.
Ø عدم قيام ممثلو المجتمع المد ني بتحضير كاف في ما يختص بتعريف دورهم داخل المجتمع وربطها بعمليات التحول الاجتماعي وكيفية تفاعل هذا الدور مع هذا التحول.
Ø إن الأدبيات البحثية المتعلقة بهذا الحقل، والتي ظهرت في الغرب خلال العقود الماضية هي في متناول دائرة ضيقة من المهتمين وهي لا تدخل ضمن الاهتمامات الملحة.
الصعوبة الثانية تتعلق بالمفاهيم المستخدمة في هذا الحقل (بما في ذلك مصطلح المجتمع المدني أو مصطلح المنظمات الأهلية أو غير الحكومية) ،إذ لم تشكل بعد مدار بحث كاف في أوساط المنظمات الأهلية نفسها أو في المراكز الأكاديمية بشكل يمكنها من إعادة إنتاج تعريفات مقبولة لها و مناسبة لدورها.
الصعوبة الثالثة تتعلق بتميز هذا الحقل بعدم التجانس سواء في طبيعة بنى المجتمع المدني أم بالسمات الخاصة بالأطر السياسية و الاجتماعية التي تعمل فيها هذه البنى، مما يجعل أي محاولة متسرعة لاستخلاص استنتاجات عامة يؤدي إلى إنتاج فهم مشوه للواقع وغير مساعد للباحث.
و مهما يكن فإننا على يقين بتنامي الإحساس داخل المجتمع المدني أو خارجه بأهمية هذا الدور كقوة دافعة تلعب دورا مهما في التحول الاجتماعي[2].و لإعادة صياغة مجتمع مدني له علاقة بالتنمية المستدامة يمكننا أن نجمل أهم الرهانات فيما يلي:[3]
Ø بلورة فلسفة جديدة للعمل المدني العربي قوامها تأسيس نظرتنا إلى تأهيل الإنسان و تحديث المجتمع و استغلال الطبيعة على مفاهيم و تصورات جديدة؛
Ø اعتماد رؤية مدنية هادفة تؤطرها خطة دقيقة المنطلقات و الغايات،و توجهها أهداف تنموية واضحة ،وتحكمها معرفة عميقة بواقع الإنسان العربي و مشاكله المتنوعة؛
Ø العمل بالفلسفة المدنية المبنية على دعم الدولة و إرادتها السياسية في تشجيع العمل الجماعي المنظم و تعزيز مبادراته و أنشطته و مشاريعه عبر إبرام اتفاقيات و شراكات تصب كلها في اتجاه خدمة التنمية المستدامة.
الفرع الثاني: وظائف المجتمع المدني:
تتمثل وظائف المجتمعع المدني في العديد من الأنماط نتناول سردها فيما يلي:
– تجميع المصالح:
من خلال بلورة مواقف جماعية من القضايا و التحديات التي تواجه أعضاءها كقضايا ثقب الأوزون و تلوث المحيطات و تغيرات المناخ، وتمارس هذه الوظيفة بشكل أساسي من خلال النقابات العمالية و المهنية و الغرف التجارية و الصناعية و جماعات رجال الأعمال[4].
– حل معظم النزاعات:
حل معظم النزاعات الداخلية بين الأعضاء بوسائل ودية دون اللجوء إلى الدولة وأجهزتها البيروقراطية، وتقوية أسس التضامن الجماعي و إدارة الصراع بوسائل سلمية.
– زيادة الثروة و تحسين الأوضاع: بمعنى المقدرة على توفير الفرص لممارسة أنشطة بيئية تؤدي إلى زيادة الدخل من خلال هذه المؤسسات نفسها مثل مشروعات الجمعيات التعاونية الإنتاجية و النشاط الذي تقوم به الجمعيات التعاونية الاستهلاكية و المشروعات الصغيرة و مشروعات التدريب المهني الذي تقوم به النقابات المهنية و العمالية.
– إفراز القيادات الجديدة:
إعداد قيادات جديدة من الأجيال المتتالية،تبدأ بالمؤسسات و تعتبر مخزنا ،حيث تكتشف القدرات من خلال النشاط الجماعي والتي تتولى مسؤوليات قيادية في المجتمعات المحلية و القومية فيما بعد.
– إشاعة ثقافة العمل التطوعي:
احترام قيم العمل التطوعي، العمل الجماعي، الالتزام بالمحاسبة العامة و الشفافية و التسامح و قيم الاحترام.
– تحقيق النظام و الانضباط في المجتمع:
أداة لفرض الرقابة على سلطة الحكومة و ضبط سلوك الأفراد و الجماعات اتجاه بعضهم البعض.
– تحقيق الديمقراطية:
توفير قناة للمشاركة الاختيارية في المجال العام، و في المجال السياسي، تعد إدارة للمبادرة الفردية المعبرة عن الإرادة الحرة و المشاركة الايجابية.
– التنشئة الاجتماعية و السياسية:
الإسهام في عملية بناء المجتمع أو إعادة بنائه من جديد من خلال غرس القيم و المبادئ في نفوس الأفراد.
– الوفاء بالحاجات و حماية الحقوق:
و على رأس تلك الحاجات حقوق الإنسان، حرية التعبير و التجميع و التنظيم و تأسيس الجمعيات.
– الوساطة و التوفيق:
توفير قنوات للاتصال و نقل أهداف و رغبات الحكومة و المواطنين بطريقة سليمة.
– التعبير و المشاركة الفردية و الجماعية:
قنوات مفتوحة لعرض الآراء و وجهات النظر بحرية حتى لو كانت تعارض الحكومة وسياساتها للتعبير عن المطالب بأسلوب منظم و بطريقة سليمة دون حاجة لاستخدام العنف.
– ملء الفراغ في حالة غياب الدولة أو انسحابها:
تحرك المجتمع المدني بشغل الفراغ الذي يحدث بانسحاب الدولة من عديد من الأدوار و الوظائف التي كانت تؤديها في الماضي و إلا تعرض المجتمع للانهيار خاصة عند الفئات التي كانت تستفيد من الدور السابق للدولة و تعتمد عليها لإشباع احتياجاتها و هناك حالات أخرى مثل:حدوث غزو و احتلال أجنبي أو حرب أهلية.
– توفير الخدمات و مساعدة المحتاجين:
و ذلك بتقديم خدمات خيرية و اجتماعية هدفها مساعدة الفئات الضعيفة التي توجد على هامش المجتمع.
– تحقيق التكامل الاجتماعي:
تبرز أهمية هذه الوظيفة عند ضعف أو ضيق منافذ التعبير عن الرأي أمام الناس بحيث يفقدون القدرة على التأثير في القرارات السياسية التي تمس حياتهم بشكل مباشر.
المبحث الثاني: فلسفة و سياسات التنمية المستدامة
يبذل المجتمع المدني بمؤسساته العديد من الجهود لأجل حماية البيئة والمحافظة على استمرارية مواردها لأجل تحقيق التنمية المستدامة التي تكفل للأجيال القادمة حقها من هذه الثروات، وتحقق لها أمنها الغذائي وسعادتها.
المطلب الأول: مفهوم البيئة والتنمية المستدامة
سنتوقف في هذا المطلب عند مفهوم البيئة لننتقل لتعريف التنمية المستدامة
الفرع الأول: مفهوم البيئة :
كلمة بيئة تشتق من “بوأ ” وهذا ما يؤخذ من قوله تعالى:”و اذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون من الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين” [5]. وبالتالي يمكن أن يطلق هذا المصطلح مجازا على المكان الذي يتخذه الإنسان مستقرا له [6] : المنزل و الوطن، أي الموضع الذي يرجع إليه الإنسان فيتخذ فيه منزله ومعيشته.
و تعرف البيئة بأنها الوسط الذي يعيش فيه الإنسان والكائنات الحية الأخرى ويمارس فيها نشاطاته المختلفة الإنتاجية والاجتماعية. كما تعرف أيضا بأنها “مجموعة العوامل الطبيعية والكيميائية والحيوية والاجتماعية التي لها تأثير مباشر أو غير مباشر، حالي ومؤجل على الكائنات الحية والأنشطة الإنسانية”[7].
لقد اتفق كثير من المهتمين بالدراسات البيئية على أن البيئة هي الإطار الذي يشمل عناصر الحياة التي تحيط بالإنسان، و توج مؤتمر ستوكهولم هذا الاتجاه حينما عقد بالسويد تحت مظلة الأمم المتحدة، حيث أعطى للبيئة مفهوما واسعا و تناول تعريفها بالإعلان عن هذا المؤتمر بأنها كل شيء يحيط بالإنسان.
أما عناصر البيئة فهي دائمة التفاعل مع بعضها البعض، حيث يؤثر فيها الإنسان و يتأثر بها، فهي الإطار الذي يتمثل فيما يحيط بالإنسان من ماء و هواء و تربة، و كائنات حية متعددة الأنواع[8].
الفرع الثاني: مفهةم التنمية المستدامة
إن مفهوم التنمية المستدامة جديد ظهر في الواجهة الاقتصادية نظرا للتطورات التي عرفها الاقتصاد العالمي و قد استحوذ موضوع التنمية المستدامة على اهتمام العالم خلال السنوات المنصرمة، وهذا على صعيد الساحة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية العالمية، حيث أصبحت الاستدامة التنموية مدرسة فكرية عالمية تنتشر في معظم دول العالم النامي والصناعي على حد السواء، وتتبناها هيئات وتطالب بتطبيقها إذ عقدت من أجلها القمم والمؤتمرات والندوات.
ورغم الانتشار السريع لمفهوم التنمية المستدامة منذ بداية ظهورها إلا أن هذا المفهوم مازال غامضا بوصفه مفهوما وفلسفة وعملية، ومازال هذا المفهوم يفسر بطرق مختلفة من قبل الكثير من المفكرين و العلماء.
فالتنمية المستدامة هي نمط تنموي يمتاز بالعقلانية و الرشد، حيث تقوم على تحقيق تنمية اقتصادية و اجتماعية من جهة و المحافظة على البيئة و الموارد الطبيعية من جهة أخرى وعليه فهي عمليات مكملة لبعضها البعض و ليست متناقضة، إذ تعد السبيل الوحيد لضمان تحقيق نوعية حياة جيدة للأجيال الحاضرة و المقبلة.
أولا: من مفهوم التنمية إلى مفهوم التنمية المستدامة
- تعيش المجتمعات الإنسانية في إطار ثلاث منظومات أساسية، متداخلة، ومتفاعلة، تتبادل التأثير والتأثر وهي:
المحيط الطبيعي – المحيط المصنوع – المحيط الاجتماعي
المحيط المصنوع
المحيط الطبيعي المحيط الاجتماعي
|
“المنظومات الأساسية للمجتمع الإنساني “
المحيط الطبيعي: وهو المنظومة الطبيعية، وإطار البيئة الفطرية التي أوجدها الله سبحانه وتعالى ،وتضم (النظام المائي – النظام الأرضي –النظام الجوى – النظام الحيوي بشقية من نبات وحيوان طبيعي) وهي جزء من النظام الكوني الذي لا يخضع لإرادة الإنسان ولا إلى تحكمه.
المحيط المصنوع: يتكون مما أنشأه الإنسان في البيئة، وبناه وشيده، مثل مراكز الصناعة،
المدارس، الجامعات المستشفيات، شبكات المواصلات، شبكات الري، مراكز الطاقة، المزارع …الخ، إلا أن بعض مكونات المحيط المصنوع مثل النظم الزراعية، يديرها الإنسان، لكنها لا تكون تحت تحكمه بالكامل، لأنها مازالت تحت تأثير عوامل المحيط الحيوي الطبيعي، مثل دورة الماء المستخدم في الري وغيرها.
- وبصفة عامة يمكن القول أن المحيط المصنوع، يتكون من النظام السياسي،والنظام التكنولوجي، والنظام الاقتصادي، وهي أقسام من النظام الحضاري في البيئة.
المحيط الاجتماعي: وهو ما وضعه الإنسان من مؤسسات وقواعد يعتمد عليها في إدارة العلاقات الداخلية بين أفراد المجتمع والمنظومات الأخرى الطبيعية والمصنوعة، والعلاقات الخارجية مع سائر العالم، لكنه تطور على مدى قرون من تاريخ الإنسان، وبصفة عامة يمكن القول بأنه يجمع المؤسسات السياسية والاجتماعية والثقافية السائدة في المجتمع، وبعض هذه المكونات يرجع تاريخه إلى الماضي (القيم – العادات – التقاليد – الدستور- التراث الثقافي…)
ويمكن للمجتمع في كل الأحوال أن يقرر تغيير بعض عناصر المحيط الاجتماعي لكن هذا التغيير لا يتجاوز بعضا من المكونات، حيث يحدث تغييرا قليلا من جملة المحيط الاجتماعي.
وبعبارة أخرى يمكن القول بأن المحيط الاجتماعي، يشمل النظام الاجتماعي والنظام الثقافي في البيئة الحضارية.
إن التفاعلات التي تحدث بين هذه المنظومات الثلاث بأقسامها الفرعية هي عمليات الحياة والتنمية بالنسبة للمجتمع، وتعقد هذه التفاعلات يرجع إلى الخلافات الفطرية في الأصل والضوابط والامتداد الزماني والمكاني لكل من المنظومات الثلاث وأقسامها الفرعية[9].
** مفهوم التنمية:
هو توفير عمل منتج و نوعية من الحياة الأفضل لجميع الشعوب و هو ما يحتاج إلى نمو كبير في الإنتاجية و الدخل و تطوير للمقدرة البشرية، و حسب هذه الرؤيا فإن هدف التنمية ليس مجرد زيادة الإنتاج بل تمكين الناس من توسيع نطاق خياراتهم و هكذا تصبح عملية التنمية هي عملية تطوير القدرات و ليست عملية تعظيم المنفعة أو الرفاهية الاقتصادية فقط بل الارتفاع بالمستوى الثقافي و الاجتماعي و الاقتصادي[10].
لكن تعريف التنمية يظل مرتبطا دائما بالخلفية العلمية و الإستراتيجية النظرية، فعلماء الاقتصاد مثلا يعرفونها بأنها الزيادة السريعة في مستوى الإنتاج الاقتصادي عبر الرفع من مؤشرات الناتج الداخلي الخام. في حين عرفها علماء الاجتماع على أنها تغيير اجتماعي يستهدف الممارسات و المواقف بشكل أساسي، و هذا ما يسير على دربه المتخصصون في التربية السكانية. ومن هنا لا يوجد تعريف موحد للتنمية و هذا الاختلاف الذي يبصم مفهومها هو الذي سيدفع بعدئذ إلى عملية إدماج مفاهيمي يلح على أن التنمية هي كل متداخل و منسجم إذ تكون ناجعة وفعالة عندما تتوجه في تعاطيها مع الأسئلة المجتمعية إلى كل الفعاليات المعبرة عن الإنسان و المجتمع عبر مختلف النواحي الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و البيئية…الخ[11].
يعود الفضل في نحت مصطلح”التنمية المستدامة” إلى الباحث الباكستاني “محبوب الحق” و الباحث الهندي “أمرتاياس” و ذلك من خلال فترة عملهما في إطار البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة. فالتنمية المستدامة بالنسبة إليهما تنمية اقتصادية اجتماعية وليست تنمية اقتصادية فحسب تجعل الإنسان منطلقها و غاياتها إذ نتعامل هنا مع الأبعاد البشرية أو الاجتماعية للتنمية باعتبارها العنصر المهيمن و ننظر للطاقات المادية كشرط من شروط تحقيق التنمية المستدامة.كما أن الوزيرة النرويجية كروهارلم برينتلاند لعبت دورا هاما في ترسيخ هذا المفهوم و تحديد ملامحه الكبرى. ففي سنة 1987 يصدر تقرير الأمم المتحدة حاملا اسم برونتلاند، يلح على أن التنمية تفترض فيها تلبية الحاجات الملحة الحالية دون التفريط في الحاجيات المستقبلية وهذا كله يفضي بنا إلى التأكيد على أن التنمية المستدامة تمثل التنمية استنادا إلى منطق التوزيع العادل للثروات وتحسين الخدمات و مناخ الحريات و الحقوق، و ذلك في توازن تام مع التطوير دونما إضرار بالمعطيات و الموارد الطبيعية و السياسية بشكل عام. إنها بهذه الصيغة تنمية موجهة لفائدة المجتمع بشكل عام، حيث تعطي الاعتبار إلى حاجيات المجتمع الحالي مع الأخذ بعين الاعتبار حق الأجيال القادمة و هذا ما يبصمها بطابع الاستدامة[12].
وبالتالي فقد أخذ مفهوم التنمية المستدامة العديد من التعريفات نذكر منها:
في تقرير معهد الموارد العالمية الذي نشر عام 1997 و الذي خصص بأكمله لموضوع التنمية المستدامة، حيث تم حصر عشرون تعريف لها (أي التنمية المستدامة)و تم تصنيف هذه التعريفات إلى أربع مجموعات: اقتصادية، اجتماعية، بيئية وتكنولوجية.
أ- اقتصاديا: تعني التنمية المستدامة بالنسبة للدول المتقدمة إجراء خفض في استهلاك الطاقة و الموارد أما بالنسبة للدول النامية فهي تعني توظيف الموارد من أجل رفع مستوى المعيشة و الحد من الفقر.
ب- اجتماعيا: تعني التنمية المستدامة السعي من أجل استقرار النمو السكاني و رفع مستوى الخدمات الصحية و التعليمية خاصة في الريف.
ج- بيئيا: تعني حماية الموارد الطبيعية و الاستخدام الأمثل للأرض الزراعية و الموارد المائية.
د- تكنولوجيا: هي التنمية التي تنقل المجتمع إلى عصر الصناعات و التقنيات النظيفة التي تستخدم أقل قدر ممكن من الموارد و تنتج الحد الأدنى من الغازات الملوثة و الضارة بالأوزون.
المطلب الثاني: تطور مفهوم التنمية و محتواها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية[13]
من أكثر التعريفات شمولية و انتشارا هو تعريف اللجنة العالمية للبيئة و التنمية (لجنة ترونتلاند) و قد تم تبني هذا التعريف في المحافل الدولية على نطاق واسع حيث تم تعريف التنمية المستدامة على أنها: ” تنمية تسمح بتلبية احتياجات و متطلبات الأجيال الحاضرة دون الإخلال بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها”.
المرحلة[14] |
مفهوم التنمية |
الفترة الزمنية بصورة تقريبية |
محتوى التنمية ودرجة التركيز |
أسلوب المعالجة |
المبدأ العام للتنمية بالنسبة للإنسان |
1 |
التنمية=النمو الاقتصادي |
نهاية الحرب العالمية الثانية – منتصف الستينات القرن العشرين |
اهتمام كبير ورئيس بالجوانب الاقتصادية اهتمام ضعيف بالجوانب الاجتماعية إهمال الجوانب البيئية |
معالجة كل جانب من الجوانب معالجة مستقلة عن الجوانب الأخرى (افتراض عدم وجود تأثيرات متبادلة بين الجوانب مجتمعة) |
الإنسان هدف التنمية (تنمية من أجل إنسان) |
2 |
التنمية=النمو الاقتصادي+التوزيع العادي |
منتصف الستينات منتصف السبعينات القرن العشرين |
اهتمام كبير بالجوانب الاقتصادية اهتمام متوسط بالجوانب الاجتماعية اهتمام ضعيف بالجوانب البيئية |
معالجة كل جانب من الجوانب معالجة مستقلة عن الجوانب الأخرى (افتراض عدم وجود تأثيرات متبادلة بين الجوانب مجتمعة) |
الإنسان هدف التنمية (تنمية من أجل إنسان) الإنسان وسيلة التنمية وتنمية الإنسان |
3 |
التنمية الشاملة =الاهتمام بجميع الجوانب الاقتصادية والاجتماعية بالمستوى نفسه |
منتصف السبعينات ومنتصف الثمانيات القرن العشرين |
اهتمام كبير بالجوانب الاقتصادية اهتمام كبير بالجوانب الاجتماعية اهتمام متوسط بالجوانب البيئية |
معالجة كل جانب من الجوانب معالجة مستقلة عن الجوانب الأخرى ( افتراض عدم وجود تأثيرات متبادلة بين الجوانب مجتمعة) |
الإنسان هدف التنمية (تنمية من أجل إنسان) الإنسان وسيلة التنمية وتنمية الإنسان الإنسان صانع التنمية وتنمية بوساطة الإنسان |
4 |
التنمية المستدامة=الاهتمام بجمع جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بنفس المستوى |
النصف الثاني من ثمانينات القرن العشرين وحتى وقتنا الحاضر |
اهتمام كبير بالجوانب الاقتصادية اهتمام كبير بالجوانب الاجتماعية اهتمام كبير بالجوانب البيئية اهتمام كبير بالجوانب الروحية والثقافية |
معالجة كل جانب أيا من الجوانب معالجة مستقلة عن الجوانب الأخرى ( افتراض عدم وجود تأثيرات متبادلة بين الجوانب مجتمعة) |
الإنسان هدف التنمية وتنمية من أجل إنسان الإنسان وسيلة التنمية وتنمية الإنسان الإنسان صانع التنمية |
المبحث الثالث: الاهتمام الدولي ودوره في تطور التنمية المستدامة
سنتوقف في المبحث الاخير من هذه الدراسة عند بداية اهتمام المجتمع الدولي والدور الذي لعبه في تطوير مفهوم التنمية المستدامة من خلال المطلبين التاليين:
المطلب الأول: السياق التاريخي لتطور مفهوم التنمية المستدامة
إن ظهور مفهوم التنمية المستدامة للوجود لم يكن وليد الصدفة بل نتيجة مجهودات جبارة ومستمرة للمنظمات والهيئات الدولية والخبراء والعلماء وغيرهم في الإشعار بأهمية البيئة الطبيعة بجانب البيئة الاقتصادية والاجتماعية في تحقيق التنمية المستدامة. وقد سبق ظهور مفهوم التنمية المستدامة انعقاد العديد من المؤتمرات والملتقيات الدولية وإصدار تقارير دولية مهدت الطريق لبروز مفهوم التنمية المستدامة ومن أهم هذه المحطات والأحداث حسب تسلسلها الزمني نجد دور المجتمع الدولي في إبرام العديد من الاتفاقيات الدولية التي تهتم بحماية البيئة نستعرض عددا منها فيما يلي:
1- إنشاء نادي روما في سنة 1968م بمشاركة عدد قليل نسبيا من الأفراد لكنهم يحتلون مناصب مرموقة في دولهم حيث كان الهدف من إنشاء النادي معالجة النمو الاقتصادي المفرط وتأثيراته المستقبلية[15].
2- عقد أول مؤتمر دولي حول البيئة البشرية نظمته الأمم المتحدة في ستوكهولم في يونيو 1972م بحضور112 دولة من بينها 14دولة عربية حيث تم الربط بين البيئة و المشكلات الاقتصادية و تم ظهور مفهوم التنمية الملائمة للبيئة. ونشر نادي روما الشهير “حدود النمو” الذي شرح محدودية الموارد الطبيعية سواء المتجددة أم غير المتجددة,و مع استمرار تزايد معدلات استهلاكها و استنزافها فإنها لن تف بالاحتياجات و هذا ما يشكل تهديدا كبيرا للمستقبل.
3- أصدر الاتحاد الدولي للحفاظ على البيئة (IUCN) تقريرا سنة 1980م تحت عنوان الإستراتيجية الدولية للبقاء حيث ظهر فيه لأول مرة مفهوم التنمية المستدامة.
4- إصدار اللجنة العالمية للبيئة والتنمية في سنة 1987م تقريرا بعنوان “مستقبلنا المشترك” تحت رئاسة GRO HARLEM BRUNDTLAND والذي تم فيه طرح التنمية المستدامة كنموذج بديل,حيث بين أنه لا يمكن مواصلة التنمية ما لم تكن قابلة للاستمرار من دون أضرار بيئية.و في هذا الاجتماع ظهرت فكرة التنمية المستدامة كمصطلح يهتم بالتوازن البيئي[16].
5- اتفاقية بازل الخاصة بضبط و خفض حركة النفايات الخطرة العابرة و ضرورة التخلص منها بشكل آمن كانت سنة 1989م و صادقت عليها 150 دولة وكان لها الدور الأساس في دفع الدول للحفاظ على البيئة .
6- عقد المؤتمر الثاني للأمم المتحدة للبيئة و التنمية أو ما يسمى بقمة الأرض في ريو دي جانيرو بالبرازيل في سنة 1992م ومن أهم النتائج المنبثقة عن القمة : جدول أعمال (أجندة)القرن 21.
7- تم اعتماد بروتوكول كيوتو في اليابان سنة 1997م يهدف بالدرجة الأولى إلى الحد من انبعاث الغازات الدفينة و العمل على تحسين كفاءة استهلاك الطاقة في القطاعات الاقتصادية و العمل على زيادة استخدام نظم الطاقة الجديدة و المتجددة.
8- مؤتمر القمة العالمية للتنمية المستدامة(ريو+10) الذي عقد في جوهانسبورغ جنوب إفريقيا سنة 2002م الذي سلط الضوء على ضرورة تغيير أنماط الإنتاج والاستهلاك[17].
9- بروتوكول كيوتو الموقع علية سنة 1997م حول تخفيض الانبعاثات المؤدية إلى الاحتباس الحراري مع تحفظ بعض الدول[18].
10- مؤتمر كوبنهاقن بالعاصمة الدانماركية حول التغيرات المناخية والذي عقد في ديسمبر 2009م حيث لم يخرج بنتائج مرضية واتصف بظهور نتائج خجولة بعد ما قارب على الخروج بدون نتائج نظرا للجدل القائم بين الدول الصناعية والدول غير الصناعية.
و في هذا الصدد لا يمكن إغفال دور المجتمع المدني و كذلك مؤسساته في دفع الدول لعقد العديد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالبيئة، باعتبار أن المشاركة أساس العمل داخل هذه المؤسسات، و انطلاقا من ذلك تأتي أهمية توعية الأفراد بدورهم و ضرورة مساهمتهم في تنمية مجتمعاتهم المحلية، و يشمل مفهوم التنمية الشاملة مفهوم النسق البيئي و مفهوم التنمية المتواصلة و التنمية البشرية و يعتبر غياب المشاركة من أهم عوامل فشل التنمية في جميع جوانبها و عدم استمرارها. و هناك بعض التصورات لمشاركة مؤسسات المجتمع المدني في تنمية المجتمع مثل:
– مساندة المجتمع بإنشاء منظمات لحماية البيئة في المناطق العشوائية؛
– طرح كل المروعات و البدائل المتاحة و اختيار الأكثر نفعا للمجتمع؛
– اختيار كوادر تم تدريبها؛
– وضع خطة للعمل البيئي؛
– تنفيذ و معالجة الخطة.
لذا دون هذه المؤسسات لن تكون هناك تنمية حقيقة داخل المجتمع حيث أنها تحدث مساهمة فعالة في النشاط العلمي و العملي داخل المجتمع و تطرح تجارب واقعية حية و تلقي الضوء على صعوبات العمل البيئي و الاجتماعي و الثقافي لاكتشاف الحلول المثلى لتلك المشكلات، ويبرز دور هذه المؤسسات الخاصة في المناطق التي يضعف فيها التواجد الحكومي أو في حالات ما بعد انتهاء الصراعات أو حيث تلعب خبرات تلك المؤسسات و تجاربها دورا متمما للعمل الحكومي.
كما لا يمكن إغفال دورها في الرقابة الجماهيرية و يرتبط ذلك بالبيئة التي تعمل بها جغرافيا وهذا يسهم دائما في تحقيق التنمية المستدامة حيث تمتلك الخبرة و المقدرة لتنفيذ تنمية بيئية و اجتماعية و اقتصادية مستدامة[19].
المطلب الثاني: المعايير الخاصة لقياس فعالية مؤسسات المجتمع المدني في الحفاظ على البيئة[20]
هناك معايير خاصة لقياس فعالية مؤسسات المجتمع المدني حتى يكون لها دورا رائدا في الحفاظ على البيئة، سنتوقف عندها في الفرعين التاليين:
الفرع الأول: معايير قياس فعالية المجتمع المدني
إذا كان لمؤسسات المجتمع المدني أهدافا تسعى لتحقيقها حيث تنتهي بإشباع احتياجات المجتمع من خلال دورها الخدمي و الخيري و تفعيل المشاركة الواعية و الفاعلة في إحداث التنمية المستدامة و تطوير الوعي بكافة أنواعه لدى جميع شرائح المجتمع، فإنه يجب أن تكون هناك معايير تقاس بها تلك الأهداف، التي تسعى هذه المؤسسات من خلالها ومن خلال أدوارها المتعددة لتحقيق التنمية بالتعامل مع البيئة و مقوماتها الأمنية للحفاظ على التوازن البيئي و الموارد الطبيعية و يمكن التعبير عن هذه المعايير من خلال:
1- كيفية إدارة الموارد الطبيعية؛
2- الحفاظ على التراث الثقافي و تحقيق الإنتاج و الاستهلاك المستدام؛
3- رفع الوعي العام و الدعم المؤسسي و بناء القدرات؛
4- تحسين تخطيط الموارد و تحسين الصحة العامة؛
5- رفع درجة انتماء الأفراد و احترامهم لبيئتهم و مجتمعاتهم؛
6- توفير فرص العمل و رفع مستوى المعيشة و توفير بيئة أفضل للمعيشة و العمل؛
7- تحقيق اللامركزية في إدارة النظم البيئية لتحقيق التنمية المستدامة؛
8- القضاء على مشاكل الفقر و البطالة و مشاكل المرأة و الأمن الغذائي.
الفرع الثاني: دور مؤسسات المجتمع المدني في تحقيق التنمية المستدامة:[21]
سنتوسع في هذا الفرع في اهم مؤسسات المجتمع المدني التي تساهم في تحقيق التنمية المستدامة:
01- دور الأسرة:
تلعب الأسرة دورا هاما في تنشئة أجيال تعي جيدا ماهية البيئة و ماهية مخاطرها على المجتمع و ذلك من خلال القدوة الموجودة لدى الأب و الأم حال الاهتمام بالنظافة و الاستخدام الرشيد لكل شيء حتى يتم التقليل أو الحد من تأثير استخدام الفرد السيئ للبيئة و الهدف هو إضافة عضو نافع يعي جيدا الأخطار المحيطة بالبيئة يكون قدوة لأهله.
02- دور المؤسسات التعليمية:
دورها مكمل لدور الأسرة في الارتقاء بسلوك الطفل في المدرسة حيث توجد إدارات للبيئة بالمدارس تسهم في رفع الوعي البيئي…و يجب أن تتضمن المناهج الدراسية مقررا مستقلا عن البيئة و ضرورة القيام بأنشطة تخدم البيئة.
03- دور العمال و النقابات العمالية:
من خلال تعريف العمال بأضرار الاستخدام السيئ لبعض التكنولوجيات الملوثة للبيئة و التي قد تسبب لهم الأمراض و هنا تطالب النقابات بضرورة الحصول على تكنولوجيات نظيفة و تحقيق المناخ الجيد للعمل.
04- دور العلماء:
ضرورة عقد ندوات سواء في المحافل الدولية العامة أم الخاصة أم في وسائل الإذاعة و التلفزيون يوضح فيها العلماء كيفية المحافظة على البيئة.
06- دور النوادي الاجتماعية و الرياضية:
يستغل وجود صفوة المجتمع لإبراز دور الأفراد في التوعية المستدامة لمخاطر التلوث و خاصة لصغار السن من أبناء وأحفاد الأعضاء أو عن طريق عقد ندوات يدعى لها المتخصصون.
07- دور الإعلام في تحقيق التنمية المستدامة:
نجاح التنمية المستدامة يتطلب حسن الإدارة البيئية للمشاريع الإنمائية بحيث يدمج محور الحفاظ على البيئة في هذه المشاريع ،أيضا إجراء التقييم البيئي المستمر للمشاريع التنموية و نشر الوعي البيئي و التربية و التدريب و التثقيف و بالتالي نجد أن هناك ارتباط وثيق بين التنمية المستدامة و الإعلام.
08- دور المؤسسات الدينية:
تلعب المؤسسات الدينية من المساجد و غيرها دورا كبيرا في توعية الناس من خلال الدروس، الخطب الأسبوعية و الندوات لإبراز مساوئ التلوث البيئي على الطبيعة.
09- دور المجالس الشعبية المحلية في المدن و القرى:
على المجالس الشعبية المحلية القيام بدورها في خلق التنمية الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و الثقافية في كافة مناحي المجتمع المحلي، القيام بدورها التنموي و الحفاظ على البيئة و رقابة سلبيات الوحدات التنفيذية و فرض عقوبات على المخالفين، إعادة إصلاح ما أفسده البعض من خلال محور الإصحاح البيئي في سبيل تحقيق التنمية المستدامة.
الخاتمة:
توصلت الدراسة إلى أن هناك دور كبير للمجتمع المدني في تحقيق التنمية بصفة عامة و التنمية المستدامة بصفة خاصة، نتيجة للتحولات و التطورات العالمية التي شهدتها الاقتصاديات العالمية،ومع تطور مفهوم التنمية من التنمية الاقتصادية إلى التنمية المستدامة التي تعمل على تحقيق التوازن بين الجانب البيئي من جهة و الجانب الاقتصادي و الاجتماعي من جهة أخرى أصبحت الحاجة إلى المجتمع المدني و كذا إلى منظماته لحل المشكلات و الأزمات و كذا لنشر الوعي البيئي بين أفراد المجتمع.
ويوصي الباحث بالآتي:
1- إن منظمات المجتمع المدني تلعب دورا جوهريا في تحقيق التنمية البيئية و كذا المستدامة و تكمن هذه الأدوار في إشراك مؤسسات المجتمع المدني في وضع خطط التنمية .
2- ضرورة الاستعانة بمنظمات المجتمع المدني و الجمعيات التي تمتلك خبرة متنامية و متطورة في مجال حماية البيئة.
3- إيجاد آليات للتواصل و التنسيق بين المنظمات الدولية والمحلية التي تمثل المجتمع المدني و كذا الحكومات لأجل تحقيق أكبر قدر من التعاون والحصول على البيانات والمعلومات و تبادل الخبرات.
4- ضرورة تحقيق تنمية مستدامة فعلية تكون الأبعاد الثلاثة محققة فيها (اقتصادية،اجتماعية،بيئية) حيث تضمن تلبية احتياجات الأجيال الحالية دون المساس بمتطلبات الأجيال المستقبلية.
المراجع:
أولاً القرآن الكريم:
– سورة الأعراف الآية رقم ( 74)
ثانيا الكتب :
01- خالد محمد قاسم، إدارة البيئة و التنمية المستدامة في ظل العولمة المعاصرة، الطبعة الأولى، الدار الجامعية بالإسكندرية، 2007.
02- خالد مصطفى قاسم، إدارة البيئة والتنمية المستدامة في ظل العولمة المعاصرة، الدار الجامعية، الإسكندرية، الطبعة الأولي سنة 2007م.
03- سحر حافظ، الحماية القانونية لبيئة المياه العذبة، ط1، الدار العربية للنشر والتوزيع، 1995.
04-عثمان غنيم وماجدة أحمد أبو زنط، التنمية المستدامة: فلسفتها وأساليب تخطيطها وأدوات قياسها، الطبعة الأولى، دار صفاء للنشر و التوزيع، عمان، 2007.
05- محمد منير حجاب، التلوث وحماية البيئة، دار الفجر للنشر والتوزيع، القاهرة الطبعة الأولى 1999.
ثالثا: الدوريات، المجلات، المذكرات
1- أحمد إبراهيم ملاوي، أهمية منظمات المجتمع المدني في التنمية، مقالة منشورة في مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد24، العدد الثاني، 2008.
2- بوراس عصام، المياه و التنمية المستدامة مع دراسة حالة الجزائر، مذكرة ماجستير غير منشورة، كلية العلوم الاقتصادية و علوم التسيير، جامعة باجي مختارعنابه، 2008/2009.
3- كامل مها، تفعيل دور المجتمع المدني لتعزيز مشاركته في عملية التنمية، ورقة مقدمة في المؤتمر الدولي الأول حول دور المجتمع المدني في القمة الاقتصادية، التنموية و الاجتماعية، شراكة من اجل التنمية، القاهرة،12 مارس 2008.
4- موساوي رياض، دمج البيئة في المؤسسة،مذكرة ماجستير غير منشورة،اقتصاد البيئة جامعة بأجي مختار عنابه،2008/2009.
5- علاق محمد، التنمية المستدامة في المؤسسات الاقتصادية – دراسة حالة فرتيال /أسميدال عنابة-، مذكرة ماجستير، كلية العلوم الاقتصادية و علوم التسيير، جامعة مختار عنابة، 2008/2009.
6- سنوسي سعيدة، الآثار البيئية و الصحية للاستهلاك الصناعي للطاقة الحفرية و دور التنمية المستدامة-دراسة حالة الجزائر- ، مذكرة ماجستير، كلية العلوم الاقتصادية و علوم التسيير، جامعة مختار عنابه، 2009/2010.
7- أبو طير نبيل، المحروقات والتنمية المستدامة ومدى أهمية المراهنة على الطاقات البديلة، مذكرة ماجستير، كلية العلوم الاقتصادية و علوم التسيير، جامعة باجي مختار، عنابه، 2009/2010.
8- خبابة عبد الله و بوقرة رابح، الوقائع الاقتصادية: العولمة و التنمية المستدامة، الطبعة الأولى، مؤسسة شباب الجامعة، المسيلة الجزائر، 2009.
9- عميرات ليندة، التنمية المستدامة و المؤسسة- العوائق و الفرص-، مذكرة ماجستير، كلية العلوم الاقتصادية علوم التسيير، جامعة باجي مختار، عنابه، 2008/2009.
خامساُ : شبكة المعلومات الدولية ( الإنترنيت)
1-.عودة الجيوسي، الوقف البيئي و دوره في التنمية المستدامة، مقالة منشورة،
http://cmsdata.iucn.org/downloads/inviroment_wakf.pdf
2- الغالي احرشاو، المجتمع المدني العربي و رهانات التنمية المستدامة، مقالة منشورة على الموقع التالي:
http://www.psy-cognitive.net/up/uploads/files/psy-cognitive.net-c47eea37c2.p.
[1] – أحمد إبراهيم ملاوي، أهمية منظمات المجتمع المدني في التنمية، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد 24، العدد الثاني، 2008، ص 258.
[2] – عودة الجيوسي، الوقف البيئي و دوره في التنمية المستدامة، مقالة منشورة http://cmsdata.iucn.org/downloads/inviroment_wakf.pdf ، تاريخ الاطلاع: 18/03/2012،الساعة: 16:30.
[3] – كامل مها، تفعيل دور المجتمع المدني لتعزيز مشاركته في عملية التنمية، المؤتمر الدولي الأول حول: دور المجتمع المدني في القمة الاقتصادية، التنموية و الاجتماعية، شراكة من أجل التنمية، القاهرة، 12 مارس 2008، ص 05.
[4] – د الغالي احرشاو، المجتمع المدني العربي و رهانات التنمية المستدامة، الموقع: .http://www.psy-cognitive.net/up/uploads/files/psy-cognitive.net-c47eea37c2.p، تاريخ الاطلاع: 20/03/2012، الساعة: 17:00.
[5] – سورة الأعراف الآية رقم ( 74).
[6]– خالد محمد قاسم، إدارة البيئة و التنمية المستدامة في ظل العولمة المعاصرة، الطبعة الأولى، الدار الجامعية، الإسكندرية، 2007، ص ص 154.153.
[7] – نفس المرجع، ص 155.
[8]– محمد منير حجاب، التلوث وحماية البيئة، دار الفجر للنشر والتوزيع، مصر، 1999، ص 12.
[9] – سحر حافظ ، الحماية القانونية لبيئة المياه العذبة، الطبعة الأولى، الدار العربية للنشر والتوزيع، 1995، ص 143.
[10] – موساوي رياض، دمج البيئة في المؤسسة، مذكرة ماجستير ، اقتصاد البيئة، جامعة باجي مختار عنابة، 2008/2009، ص ص 2-3.
[11] – عماد الدين عدلي، التنمية المستدامة للصحاري، ورقة منشورة على الموقع: http://iefpedia.com/arab/?p=212
[12] – خالد مصطفى قاسم، إدارة البيئة والتنمية المستدامة في ظل العولمة المعاصرة، الدار الجامعية، الإسكندرية، 2007 ، ص 19 .
[13] – علاق محمد، التنمية المستدامة في المؤسسات الاقتصادية – دراسة حالة فرتيال /أسميدال عنابة، مذكرة ماجستير، كلية العلوم الاقتصادية و علوم التسيير، جامعة مختار، عنابة، 2008/2009، ص ص 4-5 .
[14] المصدر: عثمان غنيم وماجدة أحمد أبو زنط، التنمية المستدامة: فلسفتها وأساليب تخطيطها وأدوات قياسها، الطبعة الأولى، دار صفاء للنشر و التوزيع، عمان، 2007، ص 286.
[15] – علاق محمد، مرجع سبق ذكره، ص ص 5-6.
[16] – سنوسي سعيدة، الآثار البيئية و الصحية للاستهلاك الصناعي للطاقة الحفرية و دور التنمية المستدامة- دراسة حالة الجزائر- مذكرة ماجستير، كلية العلوم الاقتصادية و علوم التسيير، جامعة مختار، عنابة، 2009/2010، ص ص 96-97.
[17] – عثمان غنيم وماجدة أحمد أبو زنط، التنمية المستدامة: فلسفتها وأساليب تخطيطها وأدوات قياسها، الطبعة الأولى، دار صفاء للنشر و التوزيع، عمان، 2007، ص ص 286-287.
[18]– أبو طير نبيل، المحروقات والتنمية المستدامة ومدى أهمية المراهنة على الطاقات البديلة، مذكرة ماجستير، كلية العلوم الاقتصادية و علوم التسيير، جامعة باجي مختار، عنابة، 2009/2010، ص 98 .
[19] – Paul Claval , le développement durable: stratégie descendantes et stratégies ascendantes , université de Paris Sorbonne, 2006, p 01.
[20]– سنوسي سعيدة، مرجع سبق ذكره، ص 99.
[21] – بوراس عصام، المياه و التنمية المستدامة مع دراسة حالة الجزائر، مذكرة ماجستير ، كلية العلوم الاقتصادية و علوم التسيير، جامعة مختار، عنابة، 2008/2009.
بحث قيم وممتاز خاصة فيما يتعلق بدور مؤسسات المجتمع المدني في تحقيق التنمية المستدامة.
شكرا لكما، بوشنقير ايمان – رقامي محمد