
مداخلة ألقيت خلال المؤتمر العلمي الدولي السابع لكلية التربية/ جامعة واسط بالعراق آذار/ مارس 2014
الملخص:
لقد اهتم الإسلام بالإنسان عقيدة وأخلاقا، وسلوكا ومنهجا، وفكرا وتطبيقا، ووضع علماؤه مناهج تربوية لتكوين الشخصية الإسلامية التي تستطيع حمل الرسالة، وأداء الأمانة، وتقديم النموذج التطبيقي للإسلام في كافة نواحي الحياة.
ولقد اهتم الرسول صلى الله عليه وسلم أولا بتربية الصحابة على القيم الإيمانية والأخلاقية والسلوكية، ثم بعد ذلك بنى لهم سوقا للمعاملات، وَوضع لهم الدستور الاقتصادي الإسلامي، ومن النماذج العملية لذلك التجار المسلمين الذين حملوا معهم رسالة الإسلام في تجارتهم في كثير من دول شرق آسيا وإفريقيا، فكانوا سبيلا لدخول الكثير من الناس في دين الإسلام أفواجا، ويستنبط من ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اهتم بالتربية الروحية والأخلاقية والنفسية والاجتماعية والبدنية، وكذلك بالتربية الاقتصادية، وكان من ثمار ذلك تكوين الشخصية الإسلامية ذات السلوك القويم.
وتعرف التربية الاقتصادية من المنظور الإسلامي بأنها تلك التوجيهات التربوية التي يتلقاها الفرد المسلم من خلال تفاعله مع الوسائط التربوية المختلفة لينظم بها كسبه وإنفاقه واستثماره وفق تعاليم الدين الإسلامي الحنيف ، فهي تقوم على حسابات مدروسة وأسس رصينة ،تسعى إلى تحقيق أهداف كثيرة في مقدمتها إرضاء الله وتقواه ،وتحقيق استخلاف الإنسان في الأرض وتمكينه من تعميرها، وإقامة توازن بين حاجات الفرد و حاجات الجماعة.
و على هذا الأساس فالدراسة الحالية تسلط الضوء على التربية الاقتصادية للأبناء من منظور إسلامي، وهي بذلك محاولة منهجية لتقديم تصور إسلامي عن التربية الاقتصادية ،يسهم في توجيه سلوك الأفراد توجيها صحيحا نحو الاقتصاد ،انطلاقا من كون الاقتصاد في الإسلام يتميز عن الاقتصاديات الأخرى بأنه يقوم على ركائز ودعائم و أسس أخلاقية تراعي البعد الإنساني في التنمية البشرية ، ذلك أنه اقتصاد واقعي وأخلاقي معا.
الكلمات المفتاحية : التربية الاقتصادية، الاقتصاد الإسلامي.
مـقدمـة:
للإسلام نظامه الاقتصادي الخاص، الذي يحكم جميع الممارسات التنموية -الفردية والجماعية – ويحدد للفرد موقعه من الهيكل الاقتصادي، ودوره الإيجابي الأمثل في دعم المسيرة التنموية ضمن ثوابت الشريعة العامة، وأحكامها التفصيلية، في نموذج فريد متكامل الجوانب، ومترابط الأطراف، يعضد بعضه بعضا، ويسند بعضه بعضا، في بناء رباني كامل لا يدخله الخلل أو النقص أو التناقض، الذي أصبح سمة واضحة لأنظمة الاقتصاد الوضعية التي تقوم أصولها على قصور الطبيعة البشرية، بعيدا عن وحي الله تعالى المبارك، ومنهجه الفريد المحكم.
كما تعتبر التربية الإسلامية تربية شاملة ومتوازنة ينشأ من خلالها الطفل نشأة صالحة ليس فقط في العقيدة والأخلاق ، بل أيضا في السلوكيات المنضبطة بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، ومنها السلوك الاقتصادي في الإنفاق والكسب والادخار والاستثمار، وهذا المنهج التربوي الشامل يُعِد الطفل منذ نعومة أظافره على أن الإسلام دين شامل، وفيه اقتصاد وسياسة وإدارة وتربية ونحو ذلك.
إذ تؤثر التربية على الفرد تأثيرا اقتصاديا ومن جوانب متعددة، سواء من حيث كونه ذا شخصية متميزة لها اهتماماتها الاقتصادية، أو كونه مواطنا وعضوا في مجتمع معين وله علاقاته الاقتصادية مع الآخرين، أو كونه عاملا يشترك في الإنتاج الاقتصادي بالمجتمع.
وحتى تكون التربية الاقتصادية سليمة وتؤتي ثمارها الطيبة على الفرد والمجتمع، فإنها لا بد أن تؤسس على عقيدة سليمة وقيم وعادات اقتصادية تنبع من تلك العقيدة، وهو ما تؤكده العقيدة الإسلامية .
أهـداف الدراسة : تحاول الدراسة الحالية تحقيق الأهداف التالية:
– عرض وتحليل مفهوم وأهداف التربية الاقتصادية للأبناء من منظور إسلامي.
– إبراز دور كل من الأسرة والمدرسة في التربية التربية الاقتصادية الإسلامية للأبناء.
– توضيح مختلف الأساليب المتبعة في التربية الاقتصادية للأبناء من منظور إسلامي.
أهمية الدراسة:
تأخذ الدراسة أهميتها من عدة منطلقات أولها: الاقتصاد الذي يعد قوام الحياة، وثانيها:كونه اقتصادا إسلاميا وارتباطه بذلك الدين القيم الصالح لكل زمان ومكان، وثالثها: أهمية مرحلة الطفولة وأهمية تربية الأبناء التربية الاقتصادية الإسلامية، ورابعها أن هذه التربية تتم في مؤسستين من أكثر المؤسسات التربوية مسئولية عن تربية الأبناء وهما الأسرة والمدرسة.
• مفهوم الاقتصادالإسلامي :
الاقتصاد الإسلامي هو: ” الذي يبحث في نشاط الإنسان في المجتمع، من حيث حصوله على الأموال والخدمات حسب المنهج الذي رسمته الشريعة الإسلامية للحصول عليها “.
فالاقتصاد الإسلامي هو الذي تحكمه المبادئ الواردة بمصادر الشرع الإسلامي واجتهادات الفقه الإسلامي، التي من خلالها يتم توجيه النشاط الاقتصادي لتحقيق مصالح المجتمع الإسلامي ، وذلك لأن شريعة الإسلام شريعة الوسط والاعتدال في كافة الأمور ومنها الاقتصاد.( سعد بن هاشم بن محمد العلياني ،2006، ص 41).
والاقتصاد الإسلامي أيضا يعني :” مجموعة الأصول الاقتصادية العامة المستخرجة من القرآن والسنة، والبناء الاقتصادي المقام على تلك الأصول بحسب كل بيئة وعصر، كما يعني العلم بالأحكام الشرعية العملية وأدلتها التفصيلية فيما ينظم كسب المال وإنفاقه وأوجه تنميته “.( عبد الله عبد المسحن الطريقي ،1989، ص 24).
التربية الاقتصادية :
إذا كانت التربية في عمومها تعني توجيه النمو الإنساني وجهة ترضى عنها الجماعة التي ينشأ الفرد بينها ، حتى يشب وهو يحمل قيمها ومثلها العليا ، بل وليكون هو المعبر عنها فإنه يكون من الصعب الفصل بين ما يمكن أن نعتبره تربية اقتصادية ، وما يمكن اعتباره تربية سياسية أو اجتماعية أو غيرها ، إذ أن كل هذه الجوانب تنتظم في عملية التربية وفق منظومة واحدة ، هي منظومة التربية ، التي تعتبر نظاما قائما بذاته ، يستمد ملامحه وسماته من أيديولوجية الدولة أو الجماعة،وعلى هذا الأساس تكون التربية الاقتصادية شأنها في ذلك شأن التربية السياسية والتربية الاجتماعية وغيرها ، نظاما فرعيا من نظم التربية.
وبالتالي فإنه يمكن تعريف التربية الاقتصادية بأنها: ” توجيه نمو الفرد الإنساني وجهة ترتضيها الجماعة، ويتعارف عليها الناس، ويقرها النظام السائد، في التعامل الاقتصادي للأفراد، وخاصة فيما يتعلّق بجانبي الإنتاج والاستهلاك، بوصفهما الركيزة الأساسية للحياة الاقتصادية للأفراد والمجتمعات، منذ بداية حياة الإنسان على الأرض. “…
وبذلك تكون التربية الاقتصادية تعني “تشكيل المواطِن، بحيث ينمو عضوا نشيطا، فاعلا ومؤثرا في حياة المجتمع الذي ينشأ فيه”، شأنها في ذلك شأن التربية السياسية والتربية الاجتماعية وغيرهما. (عبد الغني عبود،1992، ص 80).
التربية الاقتصادية الإسلامية: يمكن بيان معنى التربية الاقتصادية في الإسلام بأنها:
” تربية الإنسان المسلم على التعامل مع شئون المال والاقتصاد ضمن تربيته على التعامل مع شئون حياته كلها بشكل معين يتفق مع منهج الله المرسوم للتعامل معها، دون ما إفراط شريطة أن يبتغي الإنسان في كل ما يقوله ويفعله وجه الله سبحانه”.(عبد الغني عبود،1992،ص 152).
كما تشير التربية الاقتصادية في الإسلام إلى ” تشكيل سلوك الفرد فيما يتعلق بعناصر العملية الاقتصادية بما يتفق مع أنماط السلوك الإسلامي بشكل عام”.
وهي كذلك: “التربية التي يعرف من خلالها المسلم الأسباب المشروعة لكسب الدخل وتملكه وإنمائه بالشروط الصحيحة، وتكون كسلوك في حياة الفرد المسلم يلزم نفسه ومن يعول بقواعد الشريعة في الكسب والإنفاق والإنماء “.( سعد بن هاشم بن محمد العلياني ،2006، ص 42).
و يعرف الباحثان التربية الاقتصادية الإسلامية على أنها : ” تشكيل السلوك الاقتصادي للمسلم المنبثق من تكوينه الشخصي: إيمانيا وخلقيا ونفسيا وثقافيا وفنيا ،من خلال تزويده بالثقافة الفكرية وبالخبرات العملية الاقتصادية وبما يتفق مع مقاصد الشريعة الإسلامية، لتحقيق الحياة الرغدة الكريمة لتعينه على عمارة الأرض وعبادة الله عز وجل.
• دورالأسرةوالمدرسةفيالتربيةالاقتصاديةالإسلامية للأبناء :
أولا:الدورالتربويللأسرةفيالقيامبتربيةالأبناءالتربيةالاقتصاديةالإسلامية:
يقع عبء التربية الاقتصادية على عدة مؤسسات تربوية، والأسرة في مقدمة هذه المؤسسات، ومن ثم فإن من الأهداف الرئيسة للتربية الأسرية الإعداد الاقتصادي للأبناء ، حيث تقوم الأسرة بدورها في تربية أبنائها التربية الاقتصادية الإسلامية من عدة جوانب يمكن إيجازها في النقاط التالية:
– التنمية البدنية للأبناء: وذلك بمال حلال وغذاء طيب امتثالا لقول عز من قائل :” وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّبًا ” الآية 88 من سورة المائدة ، والبعد عن أكل الحرام لأن ما ينبت من السحت، كما قال رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام السلام، فالنار أولى به.
ومن ثم فعلى الأسرة أن تحرص على تربية أبنائها وتغذيتهم بغذاء مناسب في كمه، بعيدا عن التخمة والإفراط فيه وبعيدا عن الإسراف والتبذير،فالله سبحانه وتعالى وصف الذين آمنوا بقوله : “وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذلك قَوَامًا” الآية 67 من سورة الفرقان.
التنمية العقلية : من خلال تعريف الطفل بالحلال والحرام في الكسب وفي التعاملات الاقتصادية وتنميته وجدانيا بتكوين اتجاهات نحو الحلال وحبه، ونحو الحرام وبغضه ، فيميل نحو العمل والإنتاج ونحو الأمانة ومساعدة المحتاجين وغير ذلك من أوجه الخير، ويسعد عندما يقوم بشيء منها، كما يميل مبتعدا عن السرقة والتبذير والإتلاف والتخريب والكسل والأنانية وغيرها من أوجه الشر.
التربية الدينية للأبناء : على مراقبة الله في الكسب والإنفاق، فلا يتعدى الطفل على أموال الآخرين وممتلكاتهم داخل الأسرة وخارجها، ولا ينفق أمواله أو مصروفه الشخصي فيما يغضب الله والأسرة ، ويتم ذلك بمراقبة تصرفاته وتتبع سلوكياته.
التربية الأخلاقية: وذلك من خلال تعزيز القيم الاقتصادية الإسلامية بطريقة عملية، كالمحافظة على ممتلكاته الخاصة وممتلكات الأسرة والآخرين والمجتمع، وعلى الترشيد وعدم التبذير فيما يستهلك من مياه أو كهرباء أو غيرهما، وعلى الأمانة والبعد عن السرقة ، وأيضا التصرف السليم في مختلف المواقف الحياتية.(سعيد إسماعيل عثمان القاضي ،2002، ص 24-25).
فمن مبادئ التربية الاقتصادية في الإسلام مسئولية الأسرة مثل ترشيد الاستهلاك والإنفاق الأولويات الاقتصادية والاجتماعية والسعي للرزق وغيرها.( منى على السالوس ،2002، ص 42).
كما حرم الإسلام حب المال ورفع الأسعار والإنفاق المحرم على الخمور والإسراف والتبذير وكذلك حرم الدوافع النفسية التي تدفع لهذه السلوكيات، ومن ثمة فعلى الأسرة تجنيب أبنائها تناول كل مضر أو محرم كالتدخين وتعاطي الخمور وما في حكمها من مسكرات ومخدرات لأن فيها إضاعة للمال ولأنها مضرة بالجسم ومدمرة للصحة- التي تعد رأس المال الحقيقي للإنسان – ولأن فيها معصية للخالق الرزاق. (خلف محمد البحيري ،2004، ص 224).
– تربية الطفل نفسيا وإراديا على حب العمل وتحمل مسئولياته، وذلك من خلال مشاركته للأسرة في أعمالها المنزلية، أو مساعدة والديه في أعمالهما خارج المنزل متى كان ذلك ممكنا ومناسبا ، كما أن في تعويد الأسرة لطفلها كي ملابسه مثلا تربية اقتصادية وفي قيامه بشراء بعض متطلبات الأسرة من الأسواق أو المحال التجارية تربية اقتصادية،إلى غير ذلك مما يربيه على تحمل المسؤولية.
تربيته اجتماعيا على التكافل الاجتماعي ومساعدة المحتاجين ، وذلك من خلال إطلاعه على ما تخرجه الأسرة من زكاة أو صدقات و إشراكه في توصيلها لمستحقيها، ومن خلال معرفته لما تقدمه الأسرة من مساعدات مادية للآخرين، وتشجيعه على تقديم مساعدات للمحتاجين بل وفي تعويده على خدمة الآخرين تربية على التكافل الاجتماعي ومن ثم تربية اقتصادية لأنه يقدم من وقته وجهده للآخرين، والوقت والجهد يمكن تقديرهما بثمن وهما أساس المال والاقتصاد. (سعيد إسماعيل عثمان القاضي، 2002، ص 25).
وتزداد أهمية التربية الاقتصادية للأبناء في المناخ الأسري لما يلي:
– أن إدارة شؤون الأسرة وتنظيم مهامها لم تعد من البساطة بالقدر الذي يجعل الوالدين على درجة من الكفاية لتحملها، بل الأمر يتطلب مشاركة الأبناء وإعدادهم لتحمل المسؤولية ،للاستعداد لإدارة مثل هذه الشئون في المستقبل.
– تعد الإغراءات الاقتصادية والاستهلاكية أمام الأبناء الأمر الذي قد يضيف عبئا ماليا على الأسرة، ومع التربية ذات البعد الاقتصادي يضعف تأثير أية استمالة لشراء أي منتج بدون قناعة أو دافع موضوعي.
– أن سرعة التقدم في مجالات التربية والاقتصاد وصعوبة تقليد السلوك الاقتصادي للآخرين، يجعل التربية الاقتصادية ضرورة اجتماعية للتكيف مع العالم سريع التغير، ومن ثم مواكبته.
– أن السلوك الاقتصادي للأبناء لا زال مؤشرا أساسيا في الحكم على نجاح التربية الأسرية.(خلف محمد البحيري ،2004، ص 246-247).
ثانيا: الدورالتربويللمدرسةفيالقيامبتربيةالأبناءالتربيةالاقتصاديةالإسلامية:
تعتبر المدرسة ذات أهمية خاصة بعد الأسرة ، بل هي من أهم المراحل العمرية للطفل،إذ تقوم بدور تربوي كبير ليس في التربية الاقتصادية وحدها، بل في التربية على وجه العموم ،ويمكن إيجاز دور المدرسة في التربية الاقتصادية والإسلامية على النحو التالي:
– تنمية مختلف جوانب شخصية المتعلم بالعلوم والمعارف التي تربيه تربية اقتصادية و إسلامية فينمى دينيا وخلقيا بمعرفة القيم الاقتصادية الإسلامية، وينمى عقليا بمعارف عن الحلال والحرام في الكسب وفي التعاملات الاقتصادية وغير ذلك من معارف تفيده في تنمية بقية الجوانب الجسمية أو الاجتماعية أو الإرادية فيما يتعلق بالاقتصاد والتربية الاقتصادية.
– تدريبه العملي على السلوك والتعامل الاقتصادي الإسلامي كالمحافظة على ممتلكات المدرسة، ومساعدة زملائه بشيء من أدواته المدرسية من قبل الإعارة مثلا، وتشجيعه على الأمانة والبعد عن السرقة، وما إلى ذلك من سلوكيات اقتصادية عملية.
– إعداده للوظيفة أو للعمل المطلوب في المجتمع، فالمدرسة والجامعة كامتداد لها تعد المؤسسة الاجتماعية المتخصصة التي أوجدها المجتمع لخدمته، بإعدادها للفرد الإعداد المناسب وفي العمل المناسب.( سعيد إسماعيل القاضي، 2002، ص 135).
وتعد المهارات والمعارف التي يكتسبها الفرد خلال تربيته وإعداده عوامل هامة في تحديد وظيفته، لذلك تهيئ المدرسة للمتعلم البيئة التي يستطيع فيها إظهار قدراته وتوجهه إلى ما يناسبه من نوع التعليم والمهن، ثم تمده بالمعارف والمهارات الخاصة والضرورية لأداء متطلبات الوظيفة والعمل المراد القيام به.
ولا يقف دور المدرسة هذا في التربية الاقتصادية على تربية الفرد، بل يتعداه إلى تنمية المجتمع اقتصاديا بإعدادها لأفراده ليحتلوا أماكنهم في مواقع العمل والإنتاج واستثمارهم في ذلك خير استثمار، ومن ثم استثمارهم لثروات المجتمع وتنميتها بما يعود بالخير والنفع على المجتمعات الأخرى والبشرية بأكملها. (سعيد إسماعيل عثمان القاضي، 2002، ص 25-26).
• أهدافالتربيةالاقتصاديةالإسلامية للأبناء :
تهدف التربية الاقتصادية إلى توعية الفرد بالقضايا والمشكلات الاقتصادية التي تواجهه وتواجه مجتمعه، وإكسابه أساليب السلوك الاقتصادي الرشيد لتحقيق أفضل تكيف ممكن مع البيئة الاقتصادية التي يعيش فيها، وتشتق أهداف التربية الاقتصادية الإسلامية من أهداف التربية الإسلامية ذاتها، تبعا لارتباط الجزء وهو ” الاقتصاد الإسلامي والتربية الاقتصادية الإسلامية ” بالكل وهو ” الإسلام والتربية الإسلامية “، فكما أن ” الهدف العام للتربية الإسلامية هو تحقيق العبودية الخالصة لله سبحانه وتعالى يكون هو نفسه الهدف العام للتربية الاقتصادية الإسلامية كما توجد أهداف فرعية للتربية الاقتصادية الإسلامية تبعا لوجود أهداف فرعية للتربية الإسلامية.
ويمكن أن تستهدف التربية الاقتصادية الإسلامية للأبناء تحقيق ما يلي:
– تحقيق العبودية الخالصة لله، مصداقا لقوله تعالى:” وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ”،الآية 56 من سورة الذاريات. تلك العبودية التي توجه الإنسان نحو فعل الخير، وتعود عليه في نفس الوقت بالخير والنفع في الدنيا والآخرة، فالله غني عن العباد والعالمين، وهم جميعا فقراء إليه.
ومادام الإنسان عبدا لخالقه، وخليفة له في أرضه، وفي حاجة دائمة إليه، وإلى ما فرضه عليه، فإن حياته لا جدوى منها إذا لم تكن تعبيرا صادقا عن معنى العبودية الخالصة لله، والصلة الدائمة به وأن كل أعمال الإنسان تصبح طاعة وعبادة إذا استشعر المرء رقابة الله عليه وتوجهت نيته بكل سلوكياته نحو الحق تبارك وتعالى.( محمد الدسوقي ،1990،ص 33).
– تنمية إدراك الأبناء لقيمة رأس المال على أنه وسيلة وليس غاية في حد ذاته، فهو وسيلة تحقيق أهداف تربوية أرقى تصل إلى عمارة الكون وإصلاحه وتحقيق استخلاف الله في هذا المجال.
– أن تحقيق الأرباح والمكاسب وتلبية الاحتياجات المادية المشروعة يجب أن يتم بوسائل مشروعة وبعيدة عن ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، وأن الغايات المشروعة لا تتحقق إلا بالأساليب المشروعة وأن الغاية لا تبرر الوسيلة دائما.
– أن ترجيح المصلحة العامة هو الأساس عند تقدير المصالح حماية لمصالح الآخرين وكفالتهم، ودفع الضرر عنهم، فلا يلجأ الابن إلى كسب مادي فيه ضرر للمجتمع، كاحتكار السلع وغير ذلك.
– استثمار وقت الأبناء فيما يفيد، واستغلال طاقاتهم في العمل والإنتاج، والبعد عن أعمال السمسرة والربا والاحتكار،فالتربية الإسلامية ترفض كل ما لا يكون ناتجا عن جهد بشري عدا ما يكسبه الإنسان بالميراث والهبة والنفقة وما أشبهها، لأن ذلك يؤدي إلى الاستغلال وتعطيل طاقات الشباب وإلحاق الضرر بحركة المجتمع الاقتصادية. (محروس أحمد عثمان ،1993،ص 186).
فالتربية الإسلامية تعلي من شأن العمل والبحث إلى مرتبة العبادة إذا أتقن وصحت فيه النية، فيصبح العمل حينئذ وسيلة للتقرب إلى الله تعالى.
– تحقيق النمو الاجتماعي للفرد في جماعته التي يعيش ويتعامل معها، فالإنسان كائن اجتماعي بطبيعته وفي قيامه بالأعمال والسلوكيات الاقتصادية السليمة سعادة متبادلة بينه وبين الآخرين وعلاقات اجتماعية طيبة وترابط وتماسك اجتماعي بين الجميع.
– تحقيق الأمن والأمان في ربوع المجتمع والأمة، لعدم التكالب على المال، وعدم انتشار الأمراض الاجتماعية، الاقتصادية: كالسرقة والرشوة و غيرهما من أنواع أكل أموال الناس بالباطل، ولمواجهة المشكلات الاقتصادية كالتسول والبطالة وغيرهما.
– تحقيق النمو الأخلاقي للفرد بتمسكه بالقيم الأخلاقية الاقتصادية ويقظة ضميره، لأنه يراقب كل تعاملاته الاقتصادية. (سعيد إسماعيل عثمان القاضي، 2002، ص 21).
– تدبير شئون الفرد في المستقبل وتقدير الاحتياجات والإمكانات المتاحة ، بهدف تحقيق النمو في قدرات الفرد والدولة الاقتصادية.
– توعية الأبناء بالأصول والقواعد والقيم، والتوجيهات المرتبطة بالحركة الاقتصادية للأسرة والمجتمع، وموقف الإسلام منها، وحث الأبناء على الالتزام بالنظرة الإسلامية لهذه القواعد في الواقع العملي.
– توعية الأبناء بالمشكلات الاقتصادية التي تواجه الأسرة والمجتمع، وكذلك التي تواجه الأمة الإسلامية، والنظرية الاقتصادية التي تسود العالم،والإمكانات المادية للأسرة والمجتمع الذي يعيش فيه، والموارد المادية والبشرية الراهنة والمستقبلية في أسرته ومجتمعه وأمته الإسلامية، حتى يختار السلوك الاقتصادي الذي يتماشى مع هذا الواقع.
– إعداد وتأهيل الأبناء لوضع الخطط وإصدار القرارات الاقتصادية والالتزام بالسلوك الاقتصادي الذي يتماشى مع إمكانات الحاجة وتوجهات المستقبل.
– تحقيق النمو في القدرات المهنية المهارية والفكرية والاقتصادية للفرد والأسرة والمجتمع لكل، إيمانا بأهمية التفوق الاقتصادي للفرد والأسرة لتحقيق النمو الاقتصادي للمجتمع المسلم بغرض القضاء على التخلف الاقتصادي.
(خلف محمد البحيري ،2004،ص 248-249).
•الأساليبالمعتمدةفيالتربيةالاقتصادية الإسلامية للأبناء : تتعدد الأساليب التربوية التي يمكن اتباعها في تربية الأبناء التربية الاقتصادية الإسلامية ، ويمكن تقديمها على النحو التالي:
1- أسلوب الموعظة:
لتربية الأبناء تربية اقتصادية يقدم لهم الآباء المواعظ والنصائح التي تعرفهم الحلال والحرام،والكسب الطيب من الكسب الحرام، والإنفاق الحلال من الإنفاق الحرام والمكروه، وينصحونهم لما فيه الحفاظ على الأموال والممتلكات العامة والخاصة ،وينصحونهم لما فيه الترشيد والاعتدال في الإنفاق والاستهلاك والبعد عن التقتير وعن التبذير والإسراف والبذخ في شتي مواقف الحياة، امتثالا لقوله تعالى: ” وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً”.الآيتين 26-27 من سورة الإسراء.
2- أسلوب القدوة :
فالبيت والمدرسة يربيان التربية الاقتصادية إسلامية متى كانا بيئتين صالحتين لتك التربية فيهما القدوة الحسنة في الجد والاجتهاد والإتقان والإخلاص في العمل والقدوة في ترشيد الاستهلاك والاعتدال في الإنفاق، والقدوة في الأمانة والنزاهة وعدم الإضرار بحقوق الآخرين وممتلكاتهم وبالممتلكات العامة بل والمحافظة عليها. (http://www.aldaawah.com ).
3- أسلوب الترغيب و الترهيب :
تربي الأسرة أبناءها والمدرسة تلاميذها التربية الاقتصادية الإسلامية بترغيبهم في كل سلوك أو تعامل اقتصادي حسن لينالوا عليه الأجر والثواب من الله تعالى ، ويحقق لهم السعادة والفوز في الدنيا والآخرة، وبترهيبهم من كل سلوك يبغضه الله تعالى ويحرِّمه، كالسرقة والتطفيف في الكيل والميزان، وأكل أموال الناس بالباطل والتبذير أو عدم إخراج حق الأموال من زكاة أو صدقة·(سعيد إسماعيل عثمان القاضي ،2002، ص 29).
4- أسلوب القصة :
استخدم القرآن الكريم القصة كإحدى وسائل الهداية والتذكير والعبرة والتفكير، والقصص التي تتم بها التربية الاقتصادية الإسلامية كثيرة منها – كما جاء في سورتي القصص والعنكبوت – قصة قارون وأمواله وكنوزه وخزائنه التي يصعب حمل مفاتيحها من كثرتها حتى على أولي القوة، وكيف أن الله دمر هذه الأموال لأن قارون بغى واستكبر في الأرض، ونسي الخالق الرازق، وقصة صاحب الجنتين المثمرتين كما جاء في سورة الكهف الذي قال لصاحبه متطاولا عليه بماله، وبأنه أكثر منه مالا وأعز نفرا، وظن أن جنتيه لن تبيدا أبداً، وتمسك بالرزق ونسي الرازق، وكفر بالذي خلقه وخلق الجنتين وخالف أمره، فكان البلاء والهلاك لجنتيه .
5- أسلوب الأمثال :
استخدم القرآن الكريم هذا الأسلوب التربوي فضرب العديد من الأمثال للتذكر والتفكر والوعظ والاعتبار، كما استخدم الرسول عليه الصلاة والسلام هذا الأسلوب في مواقف كثيرة، واستخدمه علماء التربية المسلمون، ومن الأمثال التي تدور حول القيم الاقتصادية الإسلامية – حسب الدراسة – ويمكن استخدامها في التربية الاقتصادية الإسلامية للأبناء: ” من جد وجد ومن زرع حصد”، و” أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة”.(سعيد إسماعيل عثمان القاضي، 2002، ص 30-31).
خاتمة:
مما لاشك فيه أن الإسلام يحرص على أن تكون شخصية المسلم متزنة ، تتميز بالحكمة التي تمكنه من التحكم في جميع المجالات ، والجانب الاقتصادي يمثل أحد المجالات التي ينبغي على التربية أن يهتم به ، بحيث تمد الأطفال أو الأبناء بالخبرات والمهارات والاتجاهات اللازمة التي تمكنهم من الإسهام في عملية التنمية وإزالة ما بالأمة الإسلامية من تخلف .
فالتربية الاقتصادية علم وفن، علم يدرس الجوانب التربوية للظاهرة الاقتصادية، وفنّ يبحث في سلوكيات الأفراد والمجتمعات، أثناء ممارستهم للعمليات الاقتصادية.
كما أن فالتربية الاقتصادية الإسلامية للمسلم لا تقل أهمية عن جوانب التربية الأخرى حتى تكون سلوكا في المعاملات متوافقة مع الدين الإسلامي بوصفه دينا شاملا ومنهج حياة.
قائمة المصادر والمراجع :
1- القرآن الكريم.
2- خلف محمد البحيري ،(2004)، ” التربية الاقتصادية الذاتية للأبناء -مدخل لتطوير التربية الوالدية من منظور إسلامي” ،ندوة نحو والدية راشدة من أجل مجتمع أرشد،مركز الدراسات المعرفية ، كلية التربية بسوهاج ،مصر.
3- سعد بن هاشم بن محمد العلياني ، (2006)، التربية الاقتصادية في القرآن الكريم وتطبيقاتها في الأسرة والمدرسة، بحث مكمل لنيل درجة الدكتوراه في الأصول الإسلامية للتربية، جامعة أم القرى ، المملكة العربية السعودية. سعيد إسماعيل القاضي، (2002)، ” أصول التربية الإسلامية “، القاهرة، عالم الكتب.
4- سعيد إسماعيل عثمان القاضي ،(2002)، ” التربية الاقتصادية للأبناء في البيت والمدرسة ” ،ندوة التربية الاقتصادية والإنمائية في الإسلام ،الجزء الأول،مركز الدراسات المعرفية ،مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي ، جامعة الأزهر ،مصر.
5- عبد الغنى عبود،(1992)، ” التربية الاقتصادية في الإسلام –” الطبعة الأولى – مكتبة النهضة المصرية،القاهرة ،مصر.
6- عبد الله عبد المسحن الطريقي،(1989) ،الاقتصاد الإسلامي أسس ومبادئ وأهداف، الرياض ، مكتبة الحرمين ط2.
7- محروس أحمد عثمان، (1993)،” التنمية الذاتية للمجتمعات الإسلامية ودور التربية الإسلامية في تحقيقها”، المؤتمر العلمي السنوي العاشر لقسم أصول التربية،المنصورة، كلية التربية.
محمد الدسوقي ، (1990)، ” دعائم العقيدة في الإسلام “، طرابلس، كلية الدعوة الإسلامية.
8- منى على السالوس ،(2002)، ” مبادئ التربية الاقتصادية للمستهلك في الإسلام، الثقافة والتنمية “، جمعية الثقافة من أجل التنمية ، سوهاج ،مصر.
9- غياب التربية الاقتصادية في سلوكياتنا أنتج جيلا لا يقدر قيمة النعم: http://www.aldaawah.com