
مقال نشر بالعدد الأول من مجلة جيل العلوم الإنسانية والإجتماعية ص65، للباحثين أ.أحمد دناقة/ جامعة الجزائر02 – أ.جمال بلبكاي/ جامعة سعد دحلب ،البليدة ، الجزائر
للاطلاع على العدد الكامل اضغط على غلاف المجلة:
ملخص:
يلاحظ الممارس للمعرفة العلمية في مجال العلوم الاجتماعية بوضوح غياب الوعي الكافي بأهمية هذه العلوم في تحليل شروط التحول التي يمر عبرها المجتمع الجزائري، حيث تركز هذه العلوم على ضرورة التفكير النقدي للمجتمع حول نفسه، وممارساته خلال فترات تحوله، ويقع علم الاجتماع في قلب العلوم الاجتماعية،كون السوسيولوجيا “تمثل العلم الذي ينتج أناسا يسايرون كل الأزمنة الاجتماعية”. حيث تسعى المعرفة السوسيولوجية إلى تأطير المجتمع في إطار نسق من العلاقات والتفاعلات والتمثلات قصد المساهمة في تطوير طرق التفكير وتغيير نوع العلاقات الاجتماعية القائمة لمسايرة التحولات السوسيوثقافية التي يشهدها المجتمع، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال البحوث الرصينة والهادفة التي ينتجها الباحثون في الحقل السوسيولوجي.
وقد ارتأينا أن نسلط الضوء على واقع البحوث السوسيولوجية بالجامعة الجزائرية داخل الحقل السوسيولوجي، وما يتوفر للأساتذة الباحثين من وسائل من أجل ممارسة سوسيولوجية قادرة على فهم وتشخيص المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع الجزائري، ويحاول الباحث الوقوف على المعيقات التي قد تحول دون تجاوب البحوث السوسيولوجية مع المشكلات الاجتماعية التي يفرزها الواقع الاجتماعي الجزائري ومنه نطرح الإشكالية التالية: ماذا تقدم البحوث السوسيولوجية من أجل حل المشكلات الاجتماعية التي يفرزها الواقع الاجتماعي الجزائري؟.
الكلمات المفتاحية: البحوث السوسيولوجية، المشكلات الاجتماعية، الواقع الاجتماعي.
أولا: تحديد الإشكالية:
يعتبر علم الاجتماع علمًا شديد الارتباط بالواقع الاجتماعي بوصفه موضوعا له، لعل هذا ما زاد من تعقيد عملية تحديد مفهوم موحد ومتفق عليه لهذا العلم، كما أن المشتغلين بهذا العلم هم جزء من هذا الواقع، وهذا ما يجعل من الصعوبة بمكان تحرر الممارسة السوسيولوجية من أحكام القيمة، وبالتالي من الانتماءات القيمية والأديولوجية -وهذه ظاهرة قد تشترك فيها كل العلوم الاجتماعية الأخرى- »فتظهر الممارسة السوسيولوجية منقوصة وعاجزة حتى على إعطاء تعريف موحد لعلم الاجتماع، لأنها ببساطة تعطي تعريفات لعلم الاجتماع في بعض الأحيان تعرف لنا المجهول بالمجهول، وكذلك تعطي تعريفات قد تكون جامعة ولكنها غير مانعة إذ أنها لم تستطع إيجاد تعريف يميز علم الاجتماع كعلم عن غيره من العلوم الاجتماعية الأخرى«(1).
ولا يبتعد علم الاجتماع في الجزائر كثيرا عن هذه الإشكاليات بل و يتجاوزها إلى إشكاليات تتعلق بظروف نشأته ومكانته في المجتمع، على اعتبار أن العلوم الاجتماعية نشأت في سياق تاريخي كجزء من تكنولوجيا السلطة التي شكلت المجتمع الرأسمالي الليبرالي، بحيث بدأت تظهر في البداية كإجراءات انضباطية للتحكم، تعمل على إيجاد تراكمية للمعرفة العلمية، تستخدم فيما بعد كأدوات للسيطرة (2). »فقد نشأ علم الاجتماع في الجزائر بداية لخدمة المطامع الكولونيالية في الجزائر(3)«.
وحتى بعد عمليات الإصلاح الجامعي وتبني الجزائر للنظام الاشتراكي أصبح مطلوبا من علم الاجتماع والمشتغلين به التجند لخدمة الإيديولوجية الاشتراكية.كذلك من خلال الدراسة والتنقيب وجدنا أن مسيرة هذا العلم قد تميزت: بالاستقرار (L’instabilité) من حيث البرامج، وطغيان سياسة الكم على الكيف، ويظهر هذا من خلال انتشار أقسام علم الاجتماع عبر أغلب الجامعات الجزائرية بطريقة لا مدروسة و تميل إلى العفوية.
هذا الوضع يفرض على الأستاذ الباحث ربط قضايا بحوثه بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الذي يتواجد فيه، و التعجيل بتطوير ممارساته حتى يستطيع القيام بمهمة إنتاج المعرفة، في الوقت الذي أصبحت فيه الجامعات العربية بصفة عامة، والجامعات الجزائرية بصفة خاصة بعيدة نسبيا عن الالتزام بالشروط العلمية العالمية التي تجعل من إنتاج المعرفة عملية فعالة وواقعا مجسدا.
فرغم الاهتمام المتزايد على مستوى جامعاتنا بقضية إنتاج المعرفة العلمية كـ”فكرة”، نلمس ضعف أداء النشاط العلمي داخل النسق الجامعي الجزائري، لذا لابد من وجود فهم نقدي لأنظمة إنتاج المعرفة-وفق المقاربات السوسيولوجية النقدية الحديثة- حتى تحقق الجامعة الجزائرية أهدافها المنشودة وتستطيع القيام بفعل إنتاج المعرفة في حقل علم الاجتماع،وذلك حتى يتم تقديم بحوث سوسيولوجية رصينة تساهم بدورها بتشخيصات دقيقة للمشاكل التي يعيشها المجتمع الجزائري.
إذ يظهر جليا في واقع بلداننا عدم اهتمام جدي من قبل السياسي بإقامة مراكز أبحاث تدعمها وترعاها الدولة، باعتبارها تسلط الضوء على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، وكذا على مكامن الخلل في السياسات التنموية الجاري اتباعها، وتكشف طبيعة البنى والتشكلات القائمة وتطرح مباشرة وسائل الإصلاح والتطوير للخروج من الأزمة. “وفق الشروط التي تحكم »إعادة إنتاج الأنساق(4)«حسب “أنتوني غيدنزAnthony Giddens”.
ومما يزيد الأمر سوءا أن الإصلاحات قد تفرض على مراكز إنتاج المعرفة، فتخضع تقارير الأساتذة الباحثين الموكل إليهم مهمة إنتاج المعرفة، إلى موافقة مسبقة من قبل أطراف معينة، تقوم بتعديل ما تراه غير ملائم مع مصالحها وسياساتها العامة وهو ما ينفي عن الأبحاث مصداقيتها العلمية، وتحقيق الموضوعية التي تعتبر من الشروط الأساسية للمعرفة العلمية. وقد ارتأينا أن نسلط الضوء على البحوث السوسيولوجية و مدى ارتباطها بالمشكلات الاجتماعية التي يفرزها الواقع الاجتماعي، وما يتوفر للأساتذة الباحثين من وسائل من أجل تشخيص وفهم المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع الجزائري.
على ضوء ما سبق نطرح الإشكال التالي: هل تستجيب البحوث السوسيولوجية التي يقوم بها الأساتذة الباحثون في مجال علم الاجتماع داخل النسق الجامعي الجزائري للمشكلات الاجتماعية التي ينتجها الواقع الاجتماعي الجزائري؟.
ثانيا: أهداف الدراسة: نحاول من خلال هذه الدراسة الميدانية الوصول إلى الأهداف التالية:
ü محاولة الوقوف على واقع الممارسة السوسيولوجية من قبل الأساتذة الباحثين في الحقل السوسيولوجي داخل الجامعة الجزائرية.
ü محاولة معرفة واقع إنتاج المعرفة السوسيولوجية داخل النسق الجامعي الجزائري من خلال البحوث السوسيولوجية المنجزة في التخصص.
ü محاولة الوقوف على مدى ارتباط الممارسة السوسيولوجية بالمشكلات الاجتماعية التي يفرزها الواقع الاجتماعي الجزائري.
رابعا: منهج الدراسة :
اعتمدنا في هذه الدراسة الميدانية على “المنهج الوصفي”، الذي يسمح بوصف طبيعة العلاقة بين “الدراسات السوسيولوجية والمشكلات الاجتماعية”، وصفا دقيقا. والنفاذ بعمق إلى أهم ارتباطاتها من أجل الحصول على نتائج علمية دقيقة، حيث لا يكتفي الباحث عند استخدام هذا المنهج بمجرد الوصف، بل عليه أن يسعى إلى استخلاص الدلالات والمعاني المختلفة التي تنطوي عليها البيانات (التحليل)، وقد اعتمدنا من خلال ذلك على أسلوبين للتحليل هما:
الأسلوب الكمي: من خلال جداول إحصائية مركبة ذات مدخلين من أجل الكشف عن العلاقات الارتباطية بين مؤشرات ومتغيرات الموضوع المدروس.
الأسلوب الكيفي: كمحاولة لاستنطاق الأرقام والإحصاءات وتبيان وتفسير الدلالات والمعاني.
خامسا: الأدوات المستعملة في الدراسة :
تمثل التقنيات مراحل عمليات محدودة مرتبطة بعناصر عملية محسة ملائمة لهدف محدد تأخذ مكانها على مستوى المراحل العملية للبحث: »إنها أدوات يضعها المنهج في خدمة البحث(5) «. إذ لا يمكن لأي تقنية من تقنيات البحث السوسيولوجي أن تدعي وحدها المقدرة على رصد كل مكونات الظاهرة المدروسة وعناصرها المتشعبة تداخلا وتعقيدا، لذلك اعتمدنا على “الاستمارة” كأداة رئيسية في هذا البحث بالإضافة إلى “المقابلة” كأداة داعمة.
سادسا: عينة الدراسة :
آثرنا استعمال المسح الشامل، لأن مفردات بحثنا محصورة في فئة الأساتذة الباحثين الدائمين في علم الاجتماع واخترنا ثلاث جامعات جزائرية هي جامعة الأغواط وجامعة غرداية وجامعة ورقلة، حيث بلغ عدد الأساتذة الباحثين في علم الاجتماع في الجامعات الثلاثة 72 أستاذ شملتهم الدراسة كلهم.
سابعا: تحليل وعرض البيانات:
الجدول رقم(01):مدى استجابة الدراسات السوسيولوجية لمشكلات المجتمع الجزائري من واجهة نظر الأساتذة الباحثين حسب متغير المؤهل العلمي لديهم
هل تستجيب الدراسات السوسيولوجية للمشكلات الاجتماعية |
المؤهل العلمي |
المجموع
|
||
ماجستير |
دكتوراه |
|||
نعم
|
التكرار |
11 |
7 |
18 |
النسبة % |
%15,3 |
%9,7 |
%25,0 |
|
لا
|
التكرار |
8 |
2 |
10 |
النسبة % |
%11,1 |
%2,77 |
%13,88 |
|
نسبيا
|
التكرار |
37 |
7 |
44 |
النسبة % |
%51,4 |
%9,7 |
%61,1 |
|
المجموع |
التكرار |
58 |
16 |
72 |
النسبة % |
%80,6 |
%22,22 |
%100 |
يتضح من خلال الجدول أعلاه أن %61,1 من الأساتذة الباحثين يرون أن الدراسات السوسيولوجية تستجيب نسبيا فقط للمشكلات الاجتماعية التي يفرزها الواقع، يشكلون %51,4 يحملون شهادة الماجستير و 9,7 %يحملون شهادة الدكتوراه. بينما نجد أن %25,0 من الأساتذة يعتبرون أن الدراسات السوسيولوجية تستجيب تماما للمشكلات الاجتماعية، يمثلون 15,3 %يحملون شهادة الماجستير و9,7 %يحملون شهادة الدكتوراه. في حين نجد أن %13,88 يعتبرون أن الدراسات السوسيولوجية لا تستجيب تماما للمشكلات الاجتماعية، منهم 11,1 %يحملون شهادة الماجستير، و2,77 %يحملون شهادة الدكتوراه.
نستنتج من خلال الجدول أعلاه أن أكثر من 70% من الأساتذة الباحثين يرون أن الدراسات السوسيولوجية إما تستجيب نسبيا فقط أو لا تستجيب تماما للمشكلات الاجتماعية التي يفرزها الواقع الاجتماعي الجزائري، ربما لأن الممارسة السوسيولوجية تعالت نوعا ما عن الفعل الاجتماعي، ولم تعط القيمة الكافية للنظرية الاجتماعية من حيث هي نشاط منتج للمعرفة، والتركيز على الأعمال النظرية التي تتم لذاتها ما جعلها مجالا مخاطبيا منفصلا ومنغلقا لا يمت بصلة إلى المشكلات والقضايا الاجتماعية التي يفرزها الواقع الاجتماعي الجزائري.
ومنه ومن الواجب على الباحث السوسيولوجي خوض غمار البحث الميداني والذهاب به بعيدا مما يجعله يخلق نوعا من الألفة بينه وبين موضوع بحثه وتمتزج بذلك التجربة العالمة بالتجربة الساذجة للواقع الاجتماعي والتجربة العالمية بالتجربة المحلية للمجال الاجتماعي، ليتمكن الأستاذ الباحث من إنتاج معرفة سوسيولوجية تمثل استمرارا للتراث العلمي السوسيولوجي وقطيعة معه في نفس الوقت، انطلاقا من النموذج النظري العام بالصيغ الممكنة لتحققه في المكان والزمان أو حسب تعبير بورديو Pierre Bourdieu »الممكنات الثقافية في إطار رؤية انعكاسية«.
الجدول رقم (02): مدى وضوح أهداف البحوث السوسيولوجية حسب متغير الجنس لدى المبحوثين.
مدى وضوح أهداف البحوث السوسيولوجية |
الجنس |
المجموع
|
||
ذكر |
أنثى |
|||
نعم
|
التكرار |
12 |
16 |
28 |
النسبة % |
%16,7 |
%22,2 |
9,38 % |
|
لا
|
التكرار |
35 |
9 |
44 |
النسبة % |
%48,6 |
%12,5 |
%61,1 |
|
المجموع |
التكرار |
47 |
25 |
72 |
النسبة % |
%65,3 |
%34,7 |
%100 |
يتبين من خلال الجدول الذي يوضح مدى وضوح أهداف البحوث السوسيولوجية حسب متغير الجنس لدى الأساتذة الباحثين أن %61,1 من الأساتذة يعتبرون عدم وضوح أهداف البحوث السوسيولوجية، منهم 48,6 %ذكور و%12,5 إناث. بينما نجد أن %38,9 من الأساتذة يرون بوضوح أهداف البحوث السوسيولوجية، منهم 22,2 %إناث و16,7 %من الأساتذة الذكور.
نستنتج أن الأساتذة الباحثين الذكور يميلون إلى انتقاد الوضع القائم أكثر من الإناث نظرا لكون الذكور أكثر جرأة في المسائل المتعلقة بالنقد وإبداء الرأي بالإضافة إلى أن المرأة الباحثة ما زالت لم تحصل على المكانة التي تليق بها داخل نسق البحث مما يجعلها أكثر خوفا على مستقبلها البحثي والمهني وبالتالي لا تميل إلى إبداء رأيها بوضوح فيما يخص التعبير عن الانشغالات والنقد بكل جرأة وحرية.
حيث يعلق بعض الأساتذة على السؤال التالي: لماذا أهداف البحوث السوسيولوجية غير واضحة بقولهم: »لا تعالج المشاكل الاجتماعية معالجة حقيقية«. »بدليل قلة البحوث والدراسات السوسيولوجية حول الواقع الجزائري«.»لأن الواقع يتناقض مع أهداف المنهج العلمي للمعالجة السوسيولوجية«. »لأن البحوث التي تنجز ضمن هذا الاختصاص تهمش«.»بسبب النظرة الدونية لكل من التخصص ومن يدرسه«. »لأن المؤسسات الاجتماعية خاضعة للمجتمع ومتأثرة به وتنظر نظرة بريستيج«.
فنظرا للتذبذب الذي تشهده الممارسة السوسيولوجية على مستوى الجامعات الجزائرية بسبب وجود تشابك صراعي بين معرفتين إحداهما غربية تسيطر على الأخرى، وتعيد تكوينها من الداخل وتجعلها، بطريقة ما، غريبة عن ذاتها لأنها تقتلعها من أرضيتها الفلسفية والميتافيزيقية بحيث أصبح معها الأستاذ الباحث متبحراً في المعرفة الغربية لا يعرف من أي مكان يتكلم، ومن أين تأتي المشكلات التي تقلقه(6).
من هنا يصبح الأستاذ الباحث أساساً المعبر والمترجم عن مجموع نظري ومنهجي تكون في لغة وبلد آخرين يكاد لا يدرك-في غالب الأحيان- التجدر الفلسفي ونوعيته التاريخية لهذا المجموع، وهو يشعر بالانسحاق تجاه الإنتاج للآخر. وبعملية تراكم سريع فيكتفي، منزوياً في ظل المعرفة الغربية، بممارسة سوسيولوجية، مختنقة به وبالآخر، وفوق كل ذلك تكون آثمة لأنها بعيدة عن المشكلات التي يفرزها الواقع وبالتالي فهي قد لا ترضي أحداً.
الجدول رقم (03): اعتبار مردود الممارسة السوسيولوجية كمي أو ذو جودة حسب متغير الخبرة لدى المبحوثين
مردود الممارسة السوسيولوجية |
الخبرة |
المجموع |
|||
أقل من 4 سنوات |
سنوات9- 4من |
سنوات09أكثر من |
|||
كمي فقط |
التكرار |
23 |
26 |
8 |
57 |
النسبة % |
%31,9 |
%36,1 |
%11,1 |
%79,2 |
|
ذو جودة |
التكرار |
5 |
4 |
2 |
11 |
النسبة % |
%6,9 |
%5,6 |
%2,8 |
%15,3 |
|
بدون إجابة
|
التكرار |
4 |
0 |
0 |
4 |
النسبة % |
%5,6 |
%0 |
%0 |
%5,6 |
|
المجموع |
التكرار |
32 |
30 |
10 |
72 |
النسبة % |
%44,4 |
%41,7 |
%13,9 |
%100 |
يتبين لنا من خلال الجدول الذي يوضح العلاقة بين اعتبار الأساتذة الباحثين مردود الممارسة السوسيولوجية كمي فقط و متغير الخبرة في البحث والعمل لديهم أن 79,2 %من الأساتذة يرون أن مردود الممارسة السوسيولوجية كمي فقط، منهم %36,1 لديهم خبرة من أربعة إلى تسع سنوات و %31,9 لديهم خبرة أقل من أربع سنوات و 11,1 %أكثر من تسع سنوات. بينما نجد %15,3 يرون أن مردود الممارسة السوسيولوجية ذو جودة، منهم %6,9 لديهم خبرة أقل من أربع سنوات، و 5,6 %لديهم خبرة من أربعة إلى تسع سنوات و %2,8 منهم لديهم خبرة أكثر من تسع سنوات.
نستنتج أن أغلب الأساتذة الباحثين يرون أن مردود الممارسة السوسيولوجية هو كمي فقط ويتجسد ذلك أساسا في البحوث المنجزة والمذكرات والرسائل التي تدخل فقط ضمن متطلبات نيل درجة علمية معينة وليس استجابة للمشكلات الواقعية، بالإضافة إلى بعض الكتب التي لا تدخل ضمن الإنتاج العلمي الأصيل والتي تقع في حالة التوافق التام التي تؤدي إلى الممارسة الآلية و »تخنق الإنتاج العلمي الأصيل«.حسب تعبير “بورديو”.
يبرر أحد الأساتذة بقوله: »لقد أهينت السوسيولوجيا عندما عممت في جميع الجامعات بطريقة غير مدروسة…كما قضي على المعرفة والممارسة السوسيولوجية عندما حشيت أقسام علم الاجتماع بحاملي البكالوريا الذين تحصلوا على معدلات ضعيفة«.
ويعبر الإنتاج الكيفي عن الإنتاج العلمي الأصيل الذي ينتج عن “الهابيتوس*” السوسيولوجي الذي يمتلكه الأستاذ الباحث، الذي يجعل الممارسات تتآلف موضوعيا بإدخال استراتيجيات و وجهات نظر الفاعلين في تفسير الظواهر والممارسات الاجتماعية والثقافية المختلفة، وفق رؤية سوسيولوجية انعكاسية تنمحي فيها الحدود بين الذات والموضوع.
حيث أصبح من الضروري التفكير الجاد لإنتاج مشروع سوسيولوجيا الجامعة الذي يجعل من السؤال السوسيولوجي أحد مرتكزاته الأساسية، ليجد علم الاجتماع مكانته ودوره في الفضاء العام وفي النقاش الواعي حول الحالة والآفاق المستقبلية الممكنة ويتعلق الأمر خصوصا بالتحليل الذاتي لخطابات وأعمال الأفراد والباحثين وعلماء الاجتماع هذه الفئات التي تعيد تشكيل نفسها كل مرة.
الجدول رقم (04): مدى تجاوب البحوث السوسيولوجية مع المشكلات الاجتماعية حسب متغير المؤهل العلمي لدى الأساتذة الباحثين.
مدى تجاوب الممارسة السوسيولوجية مع المشكلات |
المؤهل العلمي |
المجموع |
||
ماجستير |
دكتوراه |
|||
تتجاوب
|
التكرار |
17 |
9 |
26 |
النسبة % |
%23,6 |
%12,5 |
%36,1 |
|
لا تتجاوب
|
التكرار |
41 |
5 |
46 |
النسبة % |
%56,9 |
%6,9 |
%63,9 |
|
المجموع |
التكرار |
58 |
14 |
72 |
النسبة % |
%80,6 |
%19,4 |
%100 |
يظهر لنا من الجدول الذي يبين مدى تجاوب البحوث السوسيولوجية مع المشكلات الاجتماعية حسب متغير المؤهل العلمي لدى الأساتذة الباحثين أن %63,9 من الأساتذة الباحثين يعتقدون أن البحوث السوسيولوجية لا تتجاوب مع المشكلات الاجتماعية، منهم %56,9 لديهم شهادة الماجستير و6,9 %لديهم شهادة الدكتوراه. بينما 36,1 %من الأساتذة يرون أن البحوث السوسيولوجية تستجيب لمفرزات الواقع الاجتماعي، منهم 23,6 %حاصلين على الماجستير و%12,5حاصلين على الدكتوراه.
نستنتج من خلال الجدول أن أغلب الأساتذة الباحثين يرون أن البحوث السوسيولوجية لا تستجيب للمشكلات الاجتماعية، وكلما كان الأساتذة يحملون شهادة الماجستير كان رأيهم أكثر سلبية حول مدى تجاوب البحوث السوسيولوجية مع المشكلات الاجتماعية، وكلما كانوا حاملين لشهادة الدكتوراه كان رأيهم حول مدى تجاوب البحوث مع المشكلات الاجتماعية أكثر إيجابية، وهذا يعود إلى أن الباحثين من حملة الماجستير هم بصدد إنجاز أبحاث تدخل في الغالب في إنجاز علمي ضمن متطلبات الحصول على الدرجة العلمية (شهادة الدكتوراه، توفير متطلبات شروط التوظيف). مما يجعلهم يشتغلون على مواضيع بحث قد لا تعبر عن الواقع بقدر ما تستجيب لتطلعاتهم البحثية وقدراتهم المحدودة في غالب الأحيان، أما الحاصلين على شهادة الدكتوراه يكونون أكثر نضجا وتمرسا للبحث العلمي وبالتالي يمكن لهم القيام بأبحاث تستجيب للمشكلات الاجتماعية التي يفرزها الواقع الاجتماعي.
وبالإضافة إلى ما وجدناه في الجداول السابقة فإن رأي الأساتذة الباحثين حول مدى تجاوب البحوث السوسيولوجية مع المشكلات الاجتماعية لم يتأثر كثيرا بمتغير المؤهل العلمي لديهم، مما يدل على أن البحوث السوسيولوجية لا تستجيب فعلا إلى المشكلات الاجتماعية.
إذ أن عدم رضا الأساتذة الباحثين عن مدى تجاوب البحوث السوسيولوجية يعكس قضية جدلية، فمن جهة يعتبر مؤشرا سلبيا كون هذا الرأي يعكس الحالة المتعفنة للممارسة السوسيولوجية ومن جهة أخرى يكون مؤشرا ايجابيا على اعتبار أن عدم الرضا يشكل في البداية الخاصية الملازمة للباحث كرد فعل أولي لإعادة تنظيم التصورات والأفكار، وهذا ما يؤدي إلى الإنتاج العلمي الأصيل الذي يترجم من خلال الحرية التي يتمتع بها الباحث، كون السوسيولوجيا »تمثل العلم الذي ينتج أناسا يسايرون كل الأزمنة الاجتماعية(7) «.حسب “غورفيدش”Gurvitch.)
ففي مجال العلم والمعرفة أكثر من أي مجال آخر الحرية لا تعني اللامبالاة والغياب الكلي للقواعد المهنية أو الأخلاقية، بل إنها بمثابة مجال يتوفر على تعدد الفرص التي تضع الباحث وحيدا أمام معارفه وقناعاته العلمية من جهة، وأمام الواقع ومشكلاته وتناقضاته من جهة أخرى(8).
الجدول رقم(05): جدوى و نوعية الدراسات السوسيولوجية حسب متغير الخبرة لدى المبحوثين.
ما هو رأيك في نوعية الدراسات السوسيولوجية في الجزائر |
الخبرة |
المجموع
|
|||
أقل من 4 سنوات |
من 4 إلى 9 سنوات |
أكثر من 9 سنوات |
|||
مجدية
|
التكرار |
8 |
4 |
6 |
18 |
النسبة % |
%11,1 |
%5,6 |
%8,3 |
%25,0 |
|
إلى حد ما
|
التكرار |
18 |
18 |
2 |
38 |
النسبة % |
%25,0 |
%25,0 |
%2,8 |
%52,8 |
|
غير مجدية
|
التكرار |
4 |
8 |
2 |
14 |
النسبة % |
%5,6 |
%11,1 |
%2,8 |
%19,4 |
|
بدون إجابة
|
التكرار |
2 |
0 |
0 |
2 |
النسبة % |
%2,8 |
%0 |
%0 |
%2,8 |
|
المجموع |
التكرار |
32 |
30 |
10 |
72 |
النسبة % |
%44,4 |
%41,7 |
%13,9 |
%100 |
نلاحظ من خلال الجدول الذي يبين مدى جدوى الدراسات السوسيولوجية حسب متغير الخبرة لدى الأساتذة الباحثين أن أغلب الأساتذة يرون أن الدراسات السوسيولوجية مجدية إلى حد ما فقط بنسبة %52,8، منهم %25,0 لديهم خبرة أقل من أربع سنوات و 25,0 %خبرتهم من أربعة إلى خمس سنوات و %2,8 خبرتهم أكثر من تسع سنوات، بينما نجد %25,0 من الأساتذة يرون أن الدراسات السوسيولوجية مجدية منهم %11,1خبرتهم أقل من أربع سنوات و %8,3 من أربعة إلى تسع سنوات و %5,6أكثر من تسع سنوات، بينما نجد أن %19,4 من الأساتذة الباحثين يرون الدراسات السوسيولوجية غير مجدية تماما، منهم %11,1 خبرتهم تتراوح بين أربعة وتسع سنوات و%5,6 خبرتهم أقل من أربع سنوات و%2,8 لديهم خبرة أكثر من تسع سنوات.
نستنتج من خلال الجدول أن أغلب الأساتذة الباحثين يرون أن الدراسات السوسيولوجية مجدية إلى حد ما فقط، وهذا ما يتضح من خلال آراء بعض الأساتذة الباحثين حيث يقول أحد الأساتذة: »حتى الجيد من الدراسات السوسيولوجية نجده في الرفوف ولا يجد مكانه إلى الواقع«. ويقول آخر: »هناك الإقصاء والتهميش لكل جهد جاد وصادق«. ويقول أستاذ آخر: »تكون الدراسات السوسيولوجية مجدية إذا فهمها المجتمع وطبق نتائجها ولم تخضع للتهميش والردم والتغطية والضغوط المختلفة وعلى رأسها السياسية والأخلاقية؟«.
حيث يعبر بعض الأساتذة عن رأيهم بخصوص الدراسات السوسيولوجية إذ يرى أغلب الأساتذة الباحثين أن الدراسات السوسيولوجية نظرية أكثر منها امبيريقية لذلك هي بعيدة عن الواقع ، كما يعتبرون أنه يسيطر عليها النقل وتفتقد إلى التجديد يقول أحدهم: »قل ما نجد الدراسات السوسيولوجية ذات جدوى بسبب النقل والنسخ وقلة التكوين والخوف من الميدان«. واعتبر أستاذ آخر أن الدراسات السوسيولوجية لم تخرج من أسوار الجامعة بقوله: »يبقى علم الاجتماع والدراسات السوسيولوجية في الجزائر حكرا على الملتقيات والندوات ومخابر البحث« .حيث نجد عددا كبيرا جدا من الملتقيات العلمية ينظم في مختلف جامعات الوطن، أي بمعدل ملتقى في كل قسم ينظم سنويا إما ملتقى وطني أو ملتقى دولي أو يوم دراسي، لكن التوصيات التي تتمخض عن نتائج الدراسات والمداخلات يتم نسيانها بمجرد الانتهاء من أشغال الملتقى ولا تجد طريقها إلى التطبيق على مستوى الواقع الملموس إطلاقا.
يقول بورديو: »لن نستطيع إدراك المنطق الأكثر عمقا للعالم الاجتماعي إلا إذا سجنا في خصوصية واقع أمبيريقي محدد ومؤرخ تاريخيا«. ويقر “باشلار” بأن: »العلم لا يخرج من الجهل كما يخرج النور من الظلام لأن الجهل ليس له بنية بل يخرج من التصحيحات المستمرة للبناء المعرفي السابق، حتى أن بنية العلم هي إدراك أخطائه والحقيقة العلمية هي تصحيح تاريخي لخطأ طويل، والاختبار هو تصحيح الوهم الأولي المشترك(9) «.
الجدول رقم (06): مدى أخذ الدراسات السوسيولوجية بعين الاعتبار من طرف السياسي .
هل تؤخذ الدراسات السوسيولوجية بعين الاعتبار من طرف السياسي |
التكرار |
النسبة% |
أحيانا |
24 |
%33,3 |
نادرا |
44 |
%61,1 |
بدون إجابة |
4 |
%5,6 |
المجموع |
72 |
%100 |
نلاحظ من خلال الجدول الذي يبين مدى أخذ الدراسات السوسيولوجية بعين الاعتبار من قبل السياسي أن أغلب الأساتذة يرون أن الدراسات السوسيولوجية نادرا ما تؤخذ بعين الاعتبار من قبل السياسي بنسبة %61,1، ثم نجد نسبة الأساتذة الذين يرون أن الدراسات السوسيولوجية تؤخذ أحيانا بعين الاعتبار بنسبة %33,3.
نستنتج من خلال الجدول أن أغلب الأساتذة الباحثين يرون أن الدراسات السوسيولوجية لا تؤخذ بعين الاعتبار من قبل السياسي إلا نادرا وهذا ما يفسر بوضوح سبب بعد الممارسة السوسيولوجية عن الواقع الاجتماعي.
فقد صرح أحد الأساتذة الباحثين بأنه لا يؤخذ برأي الأساتذة الباحثين في مختلف القضايا الاجتماعية قائلا: »كل التعليمات والقرارات تكون بصفة عمودية و تؤخذ من الأعلى ولا يؤخذ برأي الأستاذ«. واعتبر أستاذ آخر سبب إهمال الدراسات السوسيولوجية من قبل السياسي أن السوسيولوجيا تشكل تهديدا للسياسي بقوله:»لأن السوسيولوجيا تشكل خطرا على السياسي«. واعتبر أستاذ آخر السبب كون العلاقة بين السلطة والمثقف هي علاقة تبعية وخضوع تاريخي بقوله: »لأن علاقة المثقف بالسلطة هي علاقة سيطرة ومن جهة واحدة«. وأرجع أحد الأساتذة السبب إلى الصراع بين الأجيال لأن الجيل الذي يمثل السياسة مختلف تماما عن الجيل الذي يمثل العلم بقوله: »الصراع بين الأجيال جيل الثورة الممثل للسياسة وجيل الاستقلال الممثل للعلم«.
ومنه نجد أن الحقل السوسيولوجي يعاني من التبعية للسياسي ويعاني من التهميش على اعتبار أن الدراسات السوسيولوجية لا تمثل بالنسبة للسياسي معرفة منتجة للثروة وبالتالي فالدولة تركز على تنمية التكنولوجيا باعتبارها منتجة للثروة على حساب العلم الاجتماعي.
حيث نجد أنه رغم التواجد المؤسساتي لعلم الاجتماع كتخصص في الجامعة الجزائرية، ورغم التزايد الكبير للمنتمين إلى هذا الحقل العلمي سنويا يبقى محدود الفعالية سواء داخل النسق الجامعي أم خارجه في ظل الممارسات الاستهلاكية التي كرستها ظاهرة الاستسهال في التناول السوسيولوجي مما حجب الفكر النقدي الذي يجعل فهم الواقع من أهم انشغالاته(10).
ثامنا: عرض نتائج الدراسة :
وجدنا من خلال هذه الدراسة أن الدراسات السوسيولوجية لا تستجيب في الغالب للمشكلات الاجتماعية التي يفرزها الواقع الاجتماعي الجزائري، ربما لأن السوسيولوجيا تعالت نوعا ما عن الفعل الاجتماعي، ولم تعط القيمة الكافية للبحوث السوسيولوجية من حيث هي نشاط علمي لخدمة المجتمع، وقامت بالتركيز على الأعمال النظرية التي تتم لذاتها ما جعلها مجالا بعيدا نوعا ما عن المشكلات والقضايا الاجتماعية التي يفرزها الواقع الاجتماعي الجزائري.
بالإضافة إلى بعض الأسباب المتعلقة بعدم وضوح أهداف البحوث السوسيولوجية، بحيث أنها لا تعالج المشاكل الاجتماعية معالجة حقيقية.
قلة البحوث والدراسات السوسيولوجية حول الواقع الجزائري وإن وجدت فهي قليلة الجودة. فضلا عن كون الواقع يتناقض مع أهداف المنهج العلمي للمعالجة السوسيولوجية. لأن البحوث التي تنجز ضمن هذا الاختصاص تهمش في الغالب من قبل الدولة ولا تثمن ولا تؤخذ نتائجها بعين الاعتبار. وهذا التهميش يعود بدورة إلى النظرة الدونية لكل من التخصص ومن يمارسه.
يعتبر مردود الممارسة السوسيولوجية في الغالب كميا فقط، ويتجسد ذلك أساسا في البحوث المنجزة والمذكرات والرسائل التي تدخل ضمن متطلبات نيل درجة علمية معينة ولا تستجيب لحاجات اجتماعية، بالإضافة إلى بعض الكتب التي لا تدخل ضمن الإنتاج العلمي الأصيل بقدر ما هي لتلبية ضرورات أكاديمية أو حتى شخصية في أحايين كثيرة !.
كما أن الأساتذة الباحثين يركزون اهتمامهم في الغالب على المطالعة من أجل تحضير الرسالة العلمية والدروس، و أغلب الأساتذة الباحثين الذين لديهم شهادة الماجستير و يولون اهتمامهم إلى المطالعة من أجل الرسالة العلمية والدروس هاجسهم الأساسي فقط اكتمال البحث من أجل الحصول على شهادة الدكتوراه، ثم تحضير الدروس في المرتبة الثانية، ويأتي الإنتاج العلمي في آخر اهتماماتهم، بالمقابل نجد أن الأساتذة الباحثين الذين يحملون شهادة الدكتوراه لا يعتريهم نفس الهاجس لأنهم استكملوا متطلبات المطالعة والبحث من أجل الشهادة العلمية وأصبحوا يركزون في مطالعاتهم على الإنتاج العلمي بالدرجة الأولى ثم تحضير الدروس في المرتبة الثانية.
فكلما كان الأساتذة الباحثين لديهم شهادة الماجستير كانوا يولون اهتمامهم في المطالعة إلى الرسالة العلمية والدروس، وكلما كانوا يحملون شهادة الدكتوراه كانوا يولون اهتمامهم في المطالعة من أجل إنتاج علمي.
لا توجد في غالب الأحيان علاقة بين البرامج الرسمية الموجهة للطلبة والقضايا الواقعية، وهذا يدل على أن التكوين في الجامعة في الغالب لا يخضع لضرورة اجتماعية معينة بقدر ما هو من أجل احتواء مخرجات التعليم الثانوي كتوفير مقاعد بيداغوجية للأعداد الهائلة من الطلبة الذين يأتون من التعليم الثانوي، ودمجهم في بعض التخصصات وبدون شروط مسبقة ومن بينها علم الاجتماع.
فنجد أن البرامج المدرسة في علم الاجتماع في غالبها غير مستمدة من الواقع الاجتماعي الجزائري وغير متجذرة فيه، حيث يدرس الطالب خلال مساره التكويني محتويات بعيدة نوعا ما عن واقعه الاجتماعي ولا تعبر عنه مما يجعل وعيه متذبذبا حول جدوى التخصص الذي قضى فيه سنوات ربما دون جدوى وخاصة عند خروجه من أسوار الجامعة واصطدامه بالواقع الاجتماعي و مواجهته للحياة الاجتماعية إذ يجد نفسه أمام عالم غريب قد يشعر حياله بالاغتراب.
ورغم تفعيل سياسة الإصلاحات من قبل الدولة التي مست البرامج التعليمية وأصبح الأساتذة الباحثون هم من يساهم بتقديم عروض التكوين، إلا أن أغلب الأساتذة غير راضين عن محتوى تلك البرامج في علاقتها بقضايا الواقع الاجتماعي وذلك بسبب الضغوطات التي تفرض على الأساتذة وعدم منحهم الحرية الكافية من أجل خلق برامج تستجيب لمشكلات الواقع الاجتماعي.
استنتاج عام:
نستنتج أن الدراسات والبحوث السوسيولوجية -في غالبها- لا تستجيب للمشكلات الاجتماعية التي ينتجها ويعيد إنتاجها الواقع الاجتماعي الجزائري، وهذا نظرا لعدم وضوح أهداف الممارسة السوسيولوجية كون السوسيولوجيا استمرت في استهلاك نظريات غريبة عن واقعنا الاجتماعي، وتتشابه هذه النتيجة مع ما توصلت إليه بعض الدراسات المشابهة منها دراسة “يوسف حنطابلي” والتي جاءت بعنوان:”إشكالية السؤال السوسيولوجي في الفكر العربي المعاصر الواقع العربي بين ماضي الأنا وحاضر الآخر”، حيث توصل الباحث إلى أن علم الاجتماع في الوطن العربي لم يستطع أن يكون ترجمة معرفية للانشغال الفكري والمعرفي الذي عرفه عصر النهضة وبالتالي الفشل في تحويل قضايا العصر من قضايا فكرية فلسفية إلى قضايا علمية سوسيولوجية على غرار ما حدث في الغرب الذي استطاع إحداث ثورة انتهت بالإعلان عن نشأة الفكر السوسيولوجي.
ونستنتج من خلال الدراسة أن مردود الممارسة السوسيولوجية في الغالب هو كمي فقط، ويظهر ذلك من خلال البحوث المنجزة والمذكرات والرسائل التي لا تدخل ضمن الإنتاج العلمي الأصيل بقدر ما تدخل ضمن متطلبات نيل درجة علمية معينة، بالإضافة إلى بعض الكتب التي تقع في فخ ما يسميه بورديو بـ: “حالة التوافق التام التي تؤدي إلى الممارسة الآلية و تخنق الإنتاج العلمي الأصيل”.
فالبحوث السوسيولوجية في الجامعة الجزائرية داخل الحقل السوسيولوجي هي في الغالب بعيدة عن المشكلات الاجتماعية التي يفرزها الواقع الاجتماعي الجزائري ولا تستجيب لحاجات المجتمع المحلي. وهذا يؤشر إلى أن هذه الممارسة لم تتوفر بعد على الشروط الابستمولوجية والاجتماعية التي تجعلها تأخذ على عاتقها مشكلات وانشغالات وحاجات و مفرزات الواقع الاجتماعي الذي تتواجد فيه وتتفاعل معه وتسعى لتأويله وتفسيره وفهمه.
الهوامش:
(1)- ايميل دوركايم، قواعد المنهج في علم الاجتماع، دار موفم للنشر، القاهرة، 1985، ص05.
(2) – بول فين، أزمة المعرفة التاريخية “فوكو وثورة في المنهج”، ترجمة: إبراهيم فتحي، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، مصر، ط1، 1993، ص02.
(3) – عبد القادر لقجع، علم الاجتماع والمجتمع في الجزائر، دار القصبة للنشر، الجزائر، 2004، ص97.
(4)- أنتوني غيدنز، علم الاجتماع، ترجمة وتقديم:فايز الصباغ، المنظمة العربية للترجمة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط4، 2005، ص39.
(5)- مادلين غراويتز، منطق البحث في العلوم الاجتماعية، ترجمة: سام عمار، المركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر، دمشق، ط1، 1993، ص11.
(6) – عبد الكبير الخطيبي، سوسيولوجيا العالم العربي مواقف وفرضيات، المجلة الالكترونية Blog، بتاريخ 12 أوت 2011.
* كلمة (Habitus) مشتقة من الفعل اللاتيني القديم (Habere) الذي يعتبر احد من أشكال فعل الملكية (Avoir) وكل مشتقات (Habere) في الفرنسية المعاصرة كالسكن (Habitat) والملبس (Habit) والعادة (Habitude) والتأهيل (Habiliter) تدل على ما يكتسبه الفرد ويمتلكه من موارد مادية ومهارات وقدرات معنوية رمزية تحدد كينونته وتشكل وجوده.
-(7) Georges Gourvitch, la vocation actuelle de la sociologie ; paris, p.u.f. vol1,p1(8)- بو بكر بوخريسة، “المعرفة السوسيولوجية، المشاكل الإبستيمولوجية لعلم الاجتماع”، دراسات عربية العدد:8 دار الطليعة، بيروت، يونيو 1990، ص287.
(9) – غاستون باشلار، الفكر العلمي الجديد، تر: عادل العوا، مراجعة عبد الله عبد الدايم، منشورات وزارة الثقافة والسياحة والإرشاد القومي، دمشق، 1969، ص23.
(10)- يوسف حنطابلي، إشكالية السؤال السوسيولوجي في الفكر العربي المعاصر “الواقع العربي بين ماضي الأنا وحاضر الآخر”، أطروحة دكتوراه في علم الاجتماع الثقافي، غير منشورة، جامعة الجزائر:2007/2008، ص09.