
تلقي الحداثة الغربية في النقد البنيوي في الجزائر بحث في إشكالية التوظيف
أ.صليحة بردي / قسم الأدب العربي – جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف / الجزائر.
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 34 الصفحة 57.
ملخص:
واجه الخطاب النقدي الجزائري في مجادلته النص الأدبي رهان التأصيل في صياغة خطاب التنظير، وكذا رهان الإجراء والتأويل؛ وهو بصدد خلق موقع له من مدخلي الرؤية المنهجية، والخيارات المصطلحية، وفي سبيل مكاشفات في مستوى الخصوصيات النصية، راح يستعير من الحداثة النقدية الغربية بعضا من تصوراتها، ومنطق اشتغالها على الجمالية في مقاربة المتون الأدبية.
ومن التجارب النقدية الجزائرية، التي استطاعت فرض حضورها ضمن المنظومة النقدية العربية، في مقابل التصورات النقدية التي أنتجتها الحداثة الغربية؛ تجربة النقد البنيوي بشقيه الشكلاني، والتكويني، وما حققته من تراكم أكاديمي معتبر، إلا أننا نصفه بالفردي؛ كونه لم يرق إلى مستوى الظاهرة.
ويمكن تمييز اتجاهين للاقتراب البنيوي في النقد الجزائري؛ أولهما الاتجاه الشكلاني الذي تبنته دراسات “عبد الملك مرتاض”[1]؛ وثانيهما الاتجاه التكويني الذي ظهر جليا في كتابات “عبد الحميد بورايو”[2]، وقد أفادت هاتين التجربتين إفادة واضحة من الطروحات المنهجية، والمصطلحية التي قدمتها البنيوية الغربية؛ فكيف تلقى النقد البنيوي الجزائري الحداثة النقدية الغربية بين التحديد التنظيري، والإجراء التأويلي؟.
الكلمات المفتاحية: الخطاب النقدي الجزائري، النص الأدبي، التأصيل، خطاب التنظير، الإجراء، التأويل، الرؤية المنهجية، الخيارات المصطلحية، الجمالية، الشكلاني، التكويني، البنيوية الغربية.
- التجريب البنيوي الشكلاني:
تعدّ تجربة “عبد الملك مرتاض” فريدة من نوعها بحكم كثرة نتاجه النقدي، واشتغاله على متون أدبية متنوعة شعرا ونثرا، ووفق خرجات نقدية متعددة، الأمر الذي يثير جدلا بشأن مدى تمكن هذا التجريب في مقارباته النسقية، البنيوية تحديدا من الإجابة عن أسئلة النص الأدبي؟، وهل تمثّل مقولات النقد الغربي تمثلا جيدا؟، وما موقع هذا المنجز من منظور ثنائية التراث والحداثة؟، هل مدّ جسورا قوية للتواصل معهما، أم قاطع أحدهما في سبيل الآخر؟.
لقد فتح “مرتاض” باب الحداثة في الخطاب النقدي الجزائري[3]، بتجريبه للبنيوية، وهذا ما أكده “شريبط أحمد شريبط”[4] في قراءته الإحصائية لـ “النص النقدي الجزائري من الانطباعية إلى التفكيكية”؛ حيث أرّخ للحداثة النقدية في الجزائر بسنة 1983؛ تاريخ صدور كتاب “عبد الملك مرتاض” (النص الأدبي من أين؟ وإلى أين؟)[5]، وبالعودة إلى مؤلفيه (الألغاز الشعبية الجزائرية)، و(الأمثال الشعبية الجزائرية)، سنة 1982، وما حملاه من أثر للتجريب البنيوي، جاز لنا اعتبارهما منطلقا للبنيوية في النقد الجزائري؛ أي قبل التاريخ الذي حدده الأستاذ “أحمد شريبط”[6].
لقد عاب “مرتاض” على القراءة السياقية تهميشها للنص، وما شابها من تغييب للموضوعية في الدرس والمعالجة، وحضور غير مؤسس للمصطلحات الجاهزة، في حين يعنى النقد بالفهم المحايد للمنجزات الأدبية، باستبعاد كل ما هو خارج عنها، والاهتمام بها منها وإليها،«فلا بيئة، ولا زمان، ولا مؤثرات، ولا هم يحزنون، وإنما هو نص مبدع نقرؤه، فهو الذي يعنينا، وهو الذي ندرسه، ونحلله بالوسائل العلمية، أو الوسائل الأقرب ما تكون إلى العلم»[7].
فلا مجتمع، ولا تاريخ، ولا إنسان؛ لأن مكاشفة النص من منظور هذه السياقات يجعلنا أكثر بعدا عنه، وبالتالي عن الموضوع الحقيقي للنقد الأدبي، وإذا كانت الرؤية النقدية تحمل في ذاتها قصورا، كيف لها أن تنتج تجريبا نقديا جامعا مانعا للنص، واستجابة لهذا المطلب استمرت الممارسات النقدية الجزائرية في البحث عن تصور منهجي يكون أكثر كفاءة لخوض غمار التجارب النصية.
هكذا استهل “مرتاض” رؤيته الحداثية في النقد بمعارضة الطرح السياقي، الذي اعتبره مجرد إجراء مرحلي لا بد من التخلي عنه؛ واقترح توجها جديدا فتح له أفقا لمحاورة جمالية النسق، على شاكلة “رولان بارت”، و”ميشال فوكو”، و”جاك دريدا”، و”جوليا كريستيفا”، و”جان كوهين”، و”يوري لوتمان”، و”غاستون باشلار”، واستجاب لدعواتهم إلى تصور مختلف في التعامل مع الكتابة الأدبية، وفق رؤية نقدية تطالع النص؛ بوصفه بنية كلامية تقع ضمن بنية لغوية شاملة، وأن النص منظومة من الوحدات الدالة، الشبيهة بوجهي الورقة الواحدة، في اتصال دوالها بمدلولاتها، على حد وصف “دو سوسير” لها[8].
وظهور هذا التوجه إنما تأتى استجابة لمنطق الدقة في التحليل؛ حيث تبرز «العلاقة المتبادلة بين ذهن الناقد من جهة، وبين هذا المنطق من جهة أخرى؛ لأن المفهوم، أو المصطلح البنيوي قد ظهر في مجال الفكر النقدي لمحاولة تحرير لغة النقد من طبيعتها الكيفية، والمذهبية، وجعلها لغة قريبة من لغة العلم الكمية»[9]، ولعل هذا المسعى كان محطة أساسية في ذلك الانتقال الذي شهده نقد النص من موقع السياقية إلى موقع النسقية، ولأن لكل مرحلة من التفكير خصوصية مصطلحية تعبر عنها كان لزاما على منظومة الاصطلاح النقدي أن تساير هذا الانتقال، لتكون في مستواه.
إن البنيوية بوصفها قراءة منهجية تتعمق في اشتراحها مفهوم البنية؛ حيث تميزت بكونها نقد «داخلي يقارب النصوص مقاربة آنية محايثة؛ تتمثل النص بنية لغوية متعالقة، ووجودا كليا قائما بذاته، مستقلا عن غيره»[10]، وبهذا التصور أخذ الناقد في المراهنة على التأويل المحايث؛ الذي عُدّ علامة فارقة في تاريخ النقد بين الحداثة والمعاصرة، من منطلق أن اللغة نسق من العلامات، تتحدد معرفتها في ضوء نظامها الخاص.
واقتران البنيوية بمصطلح المحايثة دال على تفكيك البنية النصية من حيث هي ذاتها، وفي ذاتها؛ من منظور القوانين المتحكمة في تشكيلها الداخلي، والمحددة لنسقها العام، ووضع هذه البنية على مشرحة التفكيك إنما يفرضه مطلب الكشف عن أسرار التفاعل بين عناصرها، وإذا ما تيسّر ذلك تجلت مختلف الوظائف التي تتحكم في توجيه حركة النص؛ أي أن فهم الكل لا يتأتى إلا بالفهم الموضوعي للجزء.
لهذا تقوم تأويلية المشهد البنيوي في الخطاب النقدي على لحظتين؛ «لحظة “الهدم”؛ وهي عملية تقنية بالغة الخطورة في سبر المكونات، ولحظة “البناء” تتسم بالإبداعية؛ لأنها تقتصر على العناصر الدالة على حقيقة الموضوع، فتشكل “قابليات الفهم”؛ أي “الشيء + صورة ذهنية”، فتقضي من خلالها على الانطباع، بارتباطها بالتقنية في كلا اللحظتين، واستبعاد العناصر المشوشة، التي يمليها الموضوع من خلال سياقاته المختلفة»[11].
وباختلاف اللحظتين في الخصوصية اختلفت التصورات، وتعددت مع وجود منطق مشترك؛ فبين «بنيوية “علم اللسانيات” بدءً من “سوسير”، وبنيوية “ليفي شتراوس” الأنثروبولوجية، وبنيوية “ماركس”، و”جولدمان” الاجتماعية، وبنيوية “فوكو” الفلسفية، وبنيوية الشكلانيين من “جيوم” إلى “ياكبسون” تاهت مقادير التصور»[12]، فلم يعتمد الطرح البنيوي في خطاب المعرفة رؤية موحدة في التصور، وغياب هذا المكسب لم يقتصر على الممارسة المنهجية فحسب، بل تجاوزها إلى الممارسة المصطلحية.
- قراءة في الممارسة المصطلحية:
إن أول من وظّف اصطلاح (structuralisme) العالم اللغوي “رومان جاكبسون (R-Jakobson)” (1896-1982)، مؤكدا جدواه في الفعل الإجرائي، وهو ما ذهب إليه “كلود ليفي شتراوس (-Strauss– Claude Lévi)”[13]، وقد أثار هذا الاصطلاح عددا من المقابلات العربية في الترجمة، نحو: البِنيوية، والبُنيوية، والبُنيانية، والبنائية، والبنوية، والبنيوانية، والبينيّة، والهيكلية، والهيكلانية، والتركيبية، والوظيفية، والمنهج الشكلي، والمذهب البنيوي، والمنهج البنيوي، والنظرية البنيوية، والمذهب التركيبي، والمنهج الهيكيلاني[14].
وعملا بالشائع المتداول عمد بعض النّقاد العرب، ممن ينقصهم شيء من الحس اللغوي المُصفَّى إلى إطلاق مصطلح (بنيوية)؛ الذي اعتبره “عبد الملك مرتاض” من قبيل الاستعمال الخاطئ؛ «وذلك عوضا عن الاستعمال النّحوي السّليم الذي هو إمّا بنييَّة، وذلك كما تقول في النسبة إلى فِتْيَة فِتْييّ على القياس؛ لأنك تُجريه مجرى ما لا يعتلّ …، كما يمكن أن يقال: بِنَويّ، وهو في رأينا أخف نطقا، وأكثر اقتصادا لغويّا …، وأصل اللفظ هو البِنْية، فيقال: بنْيَييّ، وهو ثقيل في النطق؛ وأما أن يكون على القلب، فيقال: بَنَويّ، وهذا الإطلاق، بالإضافة إلى سلامته من الخطأ؛ هو الأحق بالضرورة نطقُه على اللّسان، والأجمل حتما وقْعُه في الآذان؛ فلا ندري كيف ذهب الاستعمال النّقدي العام المعاصر إلى هذا الخطأ الفاحش الذي لا مبرر له؛ … ذلك بأن الاستعمال الخاطئ حين يصرّ على استعمال البنْيَويّة فهو إنّما ينسب هذا المذهب إلى لفظ غير موجود في الأصل؛ لأن البنيوية تعني أن الأصل هو “بنْيَيَة”؛ وذلك حتى يمكن قلب الياء الثانية واوًا»[15].
استحسن “مرتاض” الصحيح وإن كان متروكا، واستهجن الخطأ وإن كان شائعا، صادرا عن أهل الاختصاص؛ لذا فـ «إن الخطأ لا يكون حجة لأهل الخطأ أبدا، وإذا أصرّ طائفة من الناس على ارتكاب أخطاء بعينها في قانون السير، فلن يستطيعوا فرض خطئهم على العالم بتغيير القوانين الصائبة، وإحلال القوانين الخاطئة محلها، إن الخطأ يظل أبدا خطأ، ولاسيما إذا كان صادرا عن أهل المعرفة»[16].
ومع ذلك وظّف “مرتاض” هذا المصطلح في دراستيه (الأمثال الشعبية الجزائرية)[17]، و(النص الأدبي من أين؟ وإلى أين؟)[18]؛ ليس من باب التناقض في الرأي، وإنما هو على الأرجح الاستسلام للشائع المتداول.
وتشتغل البنيوية على مفهوم البنية الذي يستمد تحديده الدلالي من النظام اللغوي[19]؛ وقد شاع تداوله في شتى خطابات المعرفة، مستقطبا اهتمام المفكرين في البحث والمكاشفة، ونظرا لصعوبة ضبط التصور المعرفي الذي يتخذ من البنية حقلا للتأويل، غدت هاجسا معرفيا، وحقيقة جوهرية في شتى العلوم، لا يتم إدراكها إلا من أجل ذاتها، وفي حدود ذاتها.
ومن مصطلحات الحقل البنوي “الشكلانية”؛ التي انفردت بتوجّهها النقدي الخاص؛ حيث «يأتي الصوغ البديل الذي يتوسل بالقالب المزدوج، إمعانا في تركيز المعنى على النزعة المذهبية، وذلك بواسطة المصدر الصناعي المكتنز باللاحقة العرفانية “الألف والنون”، يتم اشتقاق لفظة “الشكلانية”، ومنها “الشكلاني”، ويكاد يتمخض هذا القالب المصطلحي للدلالة على منبع النظرية في جذورها الروسية»[20]؛ حيث تعنى بتغليب الشكل؛ باعتباره طريقة في إنتاج المضامين النصية، وما تنطوي عليه من قيم جمالية[21]، فالشكل حقيقة النص، وجوهر معناه، لذا تتحدد دلائلية النص انطلاقا من تأويل الوظائف النسقية التي يؤديها الشكل اللغوي؛ كونها تتحكم بطريقة ما في توجيه هذا المعنى.
- قراءة في الممارسة المنهجية:
في ضوء المقاربات النصانية الغربية عمد “مرتاض” إلى تمثل مقولات البنوية، واستلهام إجراءاتها متخذا إياها مرجعا في اشتغاله النقدي على مختلف المدونات الأدبية، مؤسسا للنقد البنوي الشكلاني في الجزائر؛ ومن ذلك دراسته الشكلانية التي حملت عنوان “الخصائص الشكلية للشعر الجزائري الحديث” (1920 – 1954)، الصادرة سنة 1981، معتمدة تقنية الإحصاء، ومتقصية المستويات الدلالية، والصوتية، والمعجمية، والفنية في الخطاب الشعري الجزائري[22].
وفي دراسته لـ (الألغاز الشعبية الجزائرية)[23]؛ خصص القسم الأول منها لدراسة المضمون مستعينا بالشرح والتفسير، وهما من مرتكزات النقد الكلاسيكي، في حين تظهر المعالجة البنيوية الشكلانية في القسم الثاني، الذي خصصه لمقاربة الشكل الفني؛ من حيث مستوياته اللغوية، والأسلوبية، في جمع موفق بين مبادئ التفكير المعاصر، ومقولات التراث، وبالمثل استعان في تحديده للسمات الأسلوبية بتقنية الإحصاء، فتطبيق المنهج البنيوي «لا ينسحب على الدراسة من ألفها إلى يائها، وإنّما يتجلى – فقط- في القسم الثاني من الكتاب، الذي يعالج الشكل الفني للألغاز الشعبية، والذي ينصبّ على دراسة لغة الألغاز، وأسلوبها، دراسة تراوح بين البنيوية، والأسلوبية»[24].
كما حاول “مرتاض” تقديم اقتراب ألسني بنوي في كتابه (الأمثال الشعبية الجزائرية)، وهو بصدد دراسة الأمثال الشعبية من حيث المضمون، والحيز، والزمان، واللغة، والأسلوب[25]، وظهر اجتهاده الإجرائي في تحليله للمستويات اللغوية والأسلوبية؛ ومدى توفرها على مقومات اللغة الفنية، كما قدّم في كتابه (في الأمثال الزراعية) دراسة تشريحية لسبعة وعشرين مثلا شعبياً جزائرياً، من حيث البنية، والدلالات الزمنية، والصوتية[26].
ويمكن اعتبار هذه الدراسات من الإرهاصات الأولى لاستثمار المقولات البنوية الغربية في الخطاب النقدي الجزائري، مع تركيز واضح في الاشتغال على متون مجهولة المؤلف؛ كالألغاز، والأمثال؛ للتخلص من أي تأثير محتمل لمرجعية المؤلف في النص؛ أي هناك تهميش مقصود لها، وهذا ما قام عليه التفكير البنوي في النقد الغربي.
في ضوء هذه المقاربات كان “مرتاض” منظرا وإجرائيا في الآن ذاته، وجميل أن يحفل تجريبه النقدي بهاتين الممارستين، وما تؤديانه من دور فاعل في اكتمال المشهد النقدي، ووفق التصور ذاته قارب “مرتاض” (الميثولوجيا عند العرب)، دارسا مجموعة من الأساطير، والمعتقدات العربية[27]، ولا يكاد يظهر منجزه البنوي إلا في تحليله للتشكيلات اللغوية، في حين نجده يفصل أحيانا بين شكل النص، ومضمونه، خاصة في مساءلة الموروث الشعبي، وهذا ما ترفضه البنوية الشكلية جملة وتفصيلا، ذلك أن النص ظاهرة شكلية استقلت تماما عن أي مضمون، وأنه متميز ببروز شكله.
وكان من تبعات هذا الفصل تخليه عن وصفية المقاربة الشكلية، في مقابل معيارية المقاربة السياقية على مستوى الإجراء، وكل هذه الهنات لا تعكس قصورا في تمثله الخطاب النقدي البنوي بمفاهيمه، وإجراءاته، بقدر ما تعكس قصورا في الرؤية النسقية في انفصالها الصارخ عن السياق، الأمر الذي جعلها عاجزة عن اقتحام عوالم النص، لذا ألفيناه يوظف ثنائية (النسق – السياق) في نقده؛ خضوعا لسلطة النص، لا لسلطة المنهج.
ووفق هذا التصور قارب (القصة الجزائرية المعاصرة)، من حيث المضمون، والشخصية، والحيز، والمعجم الفني[28]، و«تبرز فعالية المناهج الألسنية الجديدة في القسمين الثاني، والثالث؛ المتعلقين بدراسة الشخصية، والحيز، والمعجم الفني، إلاّ أنه يعود ليناهض جوهر هذه المناهج – من جهة ثانية – حيث يعرض لبعض “الهنات الألسنية” لدى بعض الكتاب، بما ينافي وصفية المناهج النصية»[29]، وهكذا يغيب الإجراء البنوي إلا في حدود رصد الوحدات الألسنية في ضوء المعطيات اللغوية.
كما التزم حدود النص التزاما بنويا في دراسته (النص الأدبي من أين؟ وإلى أين؟)[30]، مخصصا أحد أقسامها لمعالجة تقنيات النص الأدبي، ومسائل تتصل بالتحليل النصي، مستعيرا معظم تصوراته النظرية من جهود كبار أعلام البنوية الغربية، مؤكدا جملة من المرتكزات الإيديولوجية التي لابد منها في المعالجة النقدية؛ كاستحالة تقنين هذه الأخيرة؛ فاعتماد الرؤية المنهجية ذاتها من قبل أكثر من دارس لا يؤدي بالضرورة إلى النتائج ذاتها، وهذا ما يثير إشكالا في التلقي، والتأويل، ذلك أن الممارسات القرائية في محاورتها النص تعكس تفاوتا في الرؤية، خاصة في تعاملها مع المتخيل النصي، وقد يتسع المعطى النصي لأكثر من طرح نقدي لما يحمله من زخم فكري، يفتح آفاق واسعة للمكاشفة، ويجعل الناقد أمام خيارات عديدة، تضطره إلى انتقاء زاوية معينة يلج النص في ضوئها.
وفي دراسته نصا لـ “أبي حيان التوحيدي” أظهر التزاما بنويا واضحا، مطعما بمقترحات النقد المعاصر، في تعامله مع البنى النصية[31]، وفي تشريحه لها إلى بنى إفرادية (الأسماء، والأفعال)، وبنى تركيبية (الجمل)، معتمدا تقنية الإحصاء؛ وفي دراسته تمظهرات الزمن؛ ترفع عن الزمن النحوي، وتجاوزه إلى استنتاج دلالات زمنية أعم، في ضوء الأسماء الدالة عليه، والواصفة لأحواله.
وإذا كانت الدراسات البنوية قد حصرت تجليات الزمن في النصوص السردية، مركزة على تحليل ماهية التداخل بين زمني القص والخطاب، فإن “مرتاض” قد استنتج حضورا زمنيا حتى في النصوص الشعرية، وهو ما أطلق عليه مصطلح “الزمن الشعري”، وبالمثل انفرد في تحديده لملامح الفضاء بإطلاقه مصطلح “الحيز”، ثم انتقل إلى دراسة التراكيب الصوتية من حيث انتظام وحداتها، وتحديد سماتها الأسلوبية من منظور جمالي.
وجاز لنا إطلاق هوية المنهج البنوي على هذا الاقتراب؛ بالنظر إلى ما اشتمل عليه من تحليل، ووصف، وإحصاء، إلا أن هذا الأخير حمل الناقد على اقتطاع البنى الإفرادية من نسقها اللغوي في النص، وإدراجها ضمن جداول، مما أفقدها دلالاتها المكتسبة من النظم.
هكذا صاغ “مرتاض” خطابا نقديا خاصا في محتواه؛ لتمثله منجزات النقد الغربي؛ عند “رولان بارت”، و”جان كوهين”، وغيرهما، وما جادت به قرائح العرب في النقد الأدبي قديمه، وحديثه، متعمدا تكريس اللقاء بين الحداثة، والتراث في تجريبه النقدي؛ حيث يحيلنا في دراسته نص “أبي حيان” على إمكانية مقاربة نص تراثي بمنظور حداثي؛ دلالة على أن أدبية النص تتخطى حدود المرحلية، واستجابة لهذا المطلب باشر مقاربة البنى النصية «معززا بثقافة ألسنية معتبرة، طارحا جملة من الأسئلة التي غالبا ما تنصبّ حول “المتغيرات الأسلوبية” في النص»[32].
إن البنيوية كمعطى منهجي يحكمه التعدد في التصور، فهناك البنوية الشكلية، والبنوية التكوينية التي فرضت حضورها ضمن النسق المعرفي الذي أسس للبنوية باعتبارها حقلا نقديا، لكن ما الذي جعل “مرتاض” يُعنى أكثر بالبنوية الشكلية؟.
أبدى “مرتاض”موقفه من هذه الإشكالية، وهو بصدد دراسة نص روائي لـ “نجيب محفوظ”، حيث قال: «وعلى الرغم من أن الرواية الواقعية – وهو أمر ينطبق إلى حد بعيد على نص “زقاق المدق” – يلائمها منهج البنوية التكوينية، إلا أننا نرى أن هذا المنهج المهجن لا يبرح، لدى التطبيق غير دقيق المعالم، وأحسبه غير قادر على استيعاب كل جماليات النص، وبناه؛ حيث أنه إذا جنح للبنوية تتنازعه الاجتماعية، وإذا انزلق إلى الاجتماعية تنازعته البنوية، فيضيع بينهما ضياعا بعيدا»[33].
وهذا القصور الذي تحمله البنوية التكوينية يكمن في الممارسة الإجرائية، ذلك أن الطرح الاجتماعي خاص جدا بالنسبة للتصور البنوي، فالأول مقتطع من مقولة السياق، والثاني مقتطع من مقولة النسق، وخصوصية كل منهما تجعل التنازع بينهما أمرا واردا، حتى وإن غاب على مستوى التنظير، لا شك سيظهر على مستوى التطبيق، ورؤية نقدية بهذا الارتباك تحتاج إلى إعادة النظر في تشكيل حيثياتها، قبل اعتمادها في حوار مع النص.
لذا عدل الناقد عن تبني البنوية التكوينية خيارا منهجيا؛ ولأنه لا بد لأي مقاربة نصية من استحضار مرجعية قرائية محددة مصطلحا، ومنهجا، وضّح “مرتاض” خياره البديل قائلا: «وإذن، فإنا عدلنا عن البنوية التكوينية، وآثرنا بنوية مطعّمة بتيارات حداثية أخرى، خصوصا السيميولوجيا التي أفدنا منها لدى تحليل ملامح الشخصيات، ولدى تحليل خصائص الخطاب السردي؛ الذي لم نستنكف من الإفادة أيضا من بعض الأدوات اللسانياتية؛ للكشف عن مميزات السطح فيه، على حين أن المنظور البنوي الخالص ظاهرنا على الكشف عن البنى العميقة والفنية المتحكمة في هذا الخطاب السردي»[34].
وهنا يظهر أثر التجاوز، والترفع عن التوظيف الجاهز في تجربته النقدية؛ ذلك أنه طعّم البنوية بتيارات حداثية من جنسها، منحتها هامشا كافيا للتحليل، مع تحري أسباب الانسجام، والتوافق بين النص، وما يستحضره من قراءات تعنى أساسا بمساءلة جمالياته.
إن إيمان “مرتاض” بسلطة النص لا حدود له، وفي سبيله تجاوزت مقارباته الرؤية المنهجية الواحدة؛ لاستيعاب أكبر قدر ممكن من هذه السلطة؛ في سبيل تقديم نص نقدي يكون في مستوى النص الأدبي الذي يكاشفه؛ وهذا التنوع في الطرح راح يعكس نسقا معينا في تفكيره النقدي، ولا أدل على ذلك من قوله: «كما أن النص الحداثي الذي قد يقوم على آخر تقليعة تقنية في الكتابة، لا يشفع له ذلك وحده في دراسة تنهض من حوله غير ذات مسعى حداثي، ولا متخذة أدوات ملائمة لها، من حيث تقنياتها، وتشكيلاتها، وتوتراتها، فتظل نصا مغلقا، وحقلا بورا»[35].
فالنص عالم استقل بذاته، والقراءة التي تشتغل عليه تحدث فارقا بأن ترتفع به، أو العكس، تبعا لتصورها الخاص، وما قد ينفتح عليه هذا النص من آفاق للتحليل والتأويل، لذا حاول “مرتاض” في تجريبه النقدي التخلص من سلطة الواقع بمرجعياتها المختلفة، التي غالبا ما خضعت لها الذهنية العربية في تلقيها الخطاب الأدبي.
وخلاصة القول أن الخطاب البنوي عند “عبد الملك مرتاض” قد عرف منعرجات منهجية عديدة، عكست تمكنا في محاورة جماليات النص، وفي حدود ما تطرقنا إليه من نماذج يمكن اعتبار هذا المنجز خطابا للمفارقات؛ حيث نسجل حضورا للثنائيات: السياق والنسق، الأصيل والدخيل، اللانسونية والألسنية، الحداثة والتراث، التمثل والتجاوز، وبذلك منح تجريبه روحا مختلفة ترفّعت به عن المنهج إلى اللامنهج؛ بعد أن اصطدم بمحدودية الطاقات القرائية للمناهج النقدية مستقلة عن بعضها البعض، في حين يملك النص الحق كله في فرض الرؤية التي تقاربه، ولا عيب في اشتمالها على أكثر من طرح منهجي، متى وجدت مبررا لذلك، ذلك أن النص ليس معطا واحدا على المستويين اللغوي، والإيديولوجي، الأمر الذي يفرض في محاورته أن تتم وفق أكثر من تصور.
وفي هذا الطرح النقدي أظهر “مرتاض” جرأة في التعامل مع النص الأدبي، والتفاعل مع القضايا التي يثيرها، فلم يكن بنويا، ولا أسلوبيا بالمفهوم الخالص لهذين المنهجين، بل كان أصيلا، ومتحررا في تحديد خياراته المنهجية على اختلاف روافدها، ذلك أن امتلاك منهج ما يعد أمرا رائعا، لكن الأروع منه الترفع عنه متى اقتضت الضرورة النصية ذلك، وتخطي مزلق الآلية في التوظيف المنهجي؛ ليكون في مستوى المعطى الأدبي، وهذا ما مارسه مستثمرا ثقافته النقدية، بما في ذلك المرجعيات الأجنبية التي استعارها من الحداثة النقدية الغربية.
- التجريب البنوي التكويني:
ومن المنجزات النقدية الجزائرية التي اتخذت مسارا بنويا تجربة الأستاذ “عبد الحميد بورايو” في كتابه “القصص الشعبي في منطقة بسكرة – دراسة ميدانية” الصادر سنة 1986؛ الذي ظهر كتكملة لمحاولة سابقة، نشرها في وقت مبكر من حياته النقدية، حاملة عنوان “قراءة أولى في الأجساد المحمومة”، وقد اقتصرت على دراسة البنية السردية لـ “الأجساد المحمومة” لـ “إسماعيل غموقات”، دون تحليل لعلاقة هذه البنية بالبناء الاجتماعي الذي أنتجها، وتعتبر دراسته للقصص الشعبي في منطقة بسكرة أول تجربة بنيوية تكوينية ذات طابع إجرائي في الخطاب النقدي الجزائري[36].
أما دراسته التي حملت عنوان “منطق السرد – دراسات في القصة الجزائرية الحديثة”، فجعلته بحق رائدا للبنوية التكوينية في الجزائر؛ حيث عمد إلى المزج بين مقولات النقد الاجتماعي، والنقد البنوي، وفي ضوء ذلك راح يحلل أفعال الشخوص، وردودها، وتجلى له أن تصرفاتهم «بقدر ما هي صادرة عن ذواتهم، وعقدهم النفسية، وانشغالاتهم، بقدر ما هي مرتبطة بتشعبات المرحلة التاريخية التي يعيشها المجتمع الجزائري، وبكلية حياته العامة، إننا لا نكون مغالين إذا ما قلنا أن الرواية تمثل لوحة كاملة عن التطور الذي وصل إليه الوعي الوطني، وعن نوعيته، والإشكاليات التي يطرحها هذا الوعي»[37].
لكن هل استطاعت تجربة “بورايو” النقدية تمثل التوجه البنوي التكويني بطرحه دلالة وتأويلا، واصطلاحا ومنهجا؟، وهل وجد الناقد في هذه الرؤية المنهجية الأداة الإجرائية المناسبة التي من شأنها أن تتحدى سلطة النص، وتستنطق محمولاته السياقية، والنسقية على اختلافها؟.
- قراءة في الممارسة المصطلحية:
أقدم “بورايو”على خطوة نقدية جريئة للغاية؛ لأن البنوية كانت في تلك الفترة في بداياتها الأولى في الوطن العربي فما بالك في الجزائر، ولهذا السبب تحديدا كانت قضية المصطلح تفرض ذاتها بشدة عليه، لكنه حاول تجاوزها اعتمادا على الدراسات النقدية السابقة في هذا المجال، بالرغم من قلتها، مراعيا في ذلك طبيعة المصطلح، وسياقه، وطاقة استيعابه لتصورات جديدة.
ومن المصطلحات التي وظّفها في ممارسته البنوية التكوينية الإجرائية، في دراسة “القصص الشعبي في منطقة بسكرة” تحديدا؛ مصطلحي الفهم (Compréhension)، والشرح (Explication)؛ حيث يحكمهما التكامل، فلا غنى لأحدهما عن الآخر؛ إذ «يضطلع الأول بالبنية الصغرى (البنية النصية)؛ أي الدراسة البنيوية للنص، بينما يتجاوز الثاني ذلك؛ إذ يضع هذه البنية الصغرى في إطار بنية أكبر؛ هي البنية الاجتماعية المحيطة بالنص»[38].
فالفهم يختص ببنية النص منها وإليها، أما الشرح فيضع هذه البنية ضمن بنية أكبر؛ تتمثل في البنية الاجتماعية، والفهم وحده قاصر، لذا فهو يحتاج إلى الشرح؛ لأن دراسة النص في حد ذاته مهمة، لكنها تكتسب أهمية أكبر، إذا لم يتجاهل الناقد السياق الخاص بالنص، أثناء تحليله له[39]، ويقول “بورايو” موظفا مصطلح الفهم، وهو بصدد الشرح: «إننا نرى عن طريق هذا الأسلوب من الفهم، بأن القصة ما هي إلا مظهرا للعلاقات الموجودة على مستوى القيم الجماعية، فالقصة ما هي إلا شكل، يمثل مظهرا لشيء آخر، من بين أشكال أخرى ممكنة»[40]؛ فالفهم البنوي للنص لا يتأتى إلا بشرح اجتماعي لبنية أكبر، مقارنة ببنية هذا الفهم، أما النص فيقع موقع الوسطية بين مرجعه الاجتماعي، وشكله البنوي.
إضافة إلى توظيفه بعض المصطلحات التي أقرّها الفرنسي، الروماني الأصل “لوسيان جولدمان”؛ كالبنية الأكبر، ورؤية العالم، وذلك في قوله: «ونعني بشرح النص، إدماج بنيته الدالة في بنية أكبر منها، تُلقي الضوء على كيفية توَلّد هذه البنية الدالة، ويُعنى هذا الشرح بالواقع الخارجي، متجاوزا بذلك النص الخاضع للتحليل، عن طريق البحث عن أبنية مشابهة، تتواجد في وعي جمهور القص، بالواقع الخارجي الذي يحيون فيه، وهو ما سيمكننا من الكشف عن رؤية الجماعة الشعبية، التي صدر عنها النص للعالم الذي تعيش فيه؛ لأن رواية “غزوة الخندق”؛ باعتبارها عملا أدبيا ذا طابع ثقافي، تقدم كيانا متماسكا يعكس رؤية للعالم، منبثقة من الجماعة الشعبية التي أبدعت هذا الأثر الأدبي»[41].
وهذا ما ذهب إليه “جولدمان” مؤكدا أن الناس باعتبارهم كائنات اجتماعية، فإنهم يلتزمون تقسيمات عقلية قبلية، تكوّن رؤية ما للعالم لديهم، لم يكن لهم دور في إيجادها هذا من جهة، وهذه الرؤية للعالم تحكمها الفئة الاجتماعية التي ينتمي إليها الأفراد من جهة أخرى[42]؛ فأفراد الجماعة الإنسانية الواحدة تربطهم أفكار، وتطلعات، ومشاعر مشتركة، تميزهم عن الجماعات الأخرى.
ورؤية العالم ليست من إبداع الكاتب، بل تتجاوزه إلى أبعد من ذلك، وهذا الكاتب هو في سعي دائم إلى مقاربتها إبداعيا في سبيل تمثلها، في أدق صورة ممكنة، حتى وإن لم يع ذلك[43]، «وهكذا يصير النص – في هذا التصور المنهجي الجديد – تعبيرا عن “رؤية العالم” (Vision du monde) التي هي ليست وقائع فردية، إنما هي أحداث اجتماعية ترفد رؤى الفئة الاجتماعية التي ينتمي إليها صاحب النص»[44].
وإذا ما أردنا تحديد موقع الإبداع من منظور هذه الرؤية، فإن «أي بنية ثقافية، أو أدبية لا بد من أن تتخذ لها موقعا في بنية اجتماعية، وثقافية سائدة، ومن خلال هذا الموقع تنهض هذه البنية بدورها الوظيفي، أما وظيفة البنية الأدبية فتتلخص عنده في تقديم رؤية الكاتب، أو الأديب للحياة»[45].
كما استعار من “غريماس” مصطلح “الاختبار”، «وهو مبدأ ثابت في الحكاية الشعبية، التي تقوم أساسا على الربط بين تطور الحدث، والطاقة السحرية الكامنة، المحيطة بالبطل»[46]، وإذا كان “غريماس” قد طرح ثلاثة أنواع من الاختبار؛ هي الاختبار التمهيدي (Epreuve qualifiante) الذي يكسب البطل الكفاءة، والمقدرة، والاختبار الرئيسي (Epreuve principale)؛ الذي يشتد الصراع في مستواه، ويبلغ درجة الحسم، والاختبار الإضافي (Epreuve glorifiante)؛ الذي يحدد البطل الحقيقي؛ فتتم مكافأته على إنجازاته، فإن “بورايو” لم يتقيد بهذا التصنيف، بل أضاف اختبارات أخرى فرضتها الضرورة النصية؛ متمثلة في: اختبار تمهيدي فاشل، واختبار إيجابي أول، واختبار رئيسي إيجابي، واختبار إضافي سلبي، واختبار إضافي إيجابي[47].
أما في خطابه النقدي “منطق السرد”، فنجد “بورايو” يركز أكثر على توظيف مصطلحات النقد الاجتماعي؛ مثل: “البورجوازية الصغيرة”، و”الفكر البورجوازي”، و”الطبقة الكادحة”، في مقابل اشتغال بسيط على مصطلحات النقد البنوي[48].
يتجلى في هذه الممارسة المصطلحية انفتاح الناقد على المنظومة المصطلحية الغربية؛ حيث نجده يُعنى بتحديد الحقل الدلالي للمصطلح النقدي بالعودة إلى أصوله، على سبيل التخريج النظري، ثم يعمد إلى عملية إسقاط لابد منها في الممارسة الإجرائية، دون التقيد بالتوظيف المصطلحي الجاهز؛ حيث نلفيه يقدم اقتراحات، وإضافات وهو بصدد مساءلة بنوية تكوينية لنصوص جزائرية.
- قراءة في الممارسة المنهجية:
يكتفي “بورايو” في تعامله مع النص بالتصريح بأنه قد اتجه وجهة بنوية في الإجراء، دون أن يحدد طبيعة هذا الاتجاه الذي تبناه أهو تكويني، أم شكلي؟، لكن خلال تحليله النصي تتجلى بوضوح ملامح البنوية التكوينية، وقد برّر هذا الاختيار بأنه قد وجد فيه فضاء أرحب للتعامل مع النص بقدر من الحرية، ما كانت لتتسنى له في إطار البنوية الشكلية، وفي تعليقه على هذه الأداة الإجرائية، قال: «برهن تطبيق المنهج البنيوي في دراسة نماذج النصوص، عن جدواه في فهم هذه النصوص، مما يجعله مؤهلا؛ لأن يلعب دورا في تجديد فهم تراثنا القصصي، وإعادة تقييم أشكاله التعبيرية، كما أنه مؤهل لأن يوجد قاعدة لإقامة تصنيف موحد للتراث القصصي الشعبي العربي، يعتمد الملامح البنيوية أساسا للتمييز بين الأنماط القصصية»[49].
و”البنوية التكوينية” فرع من فروع المنهج البنوي؛ ظهرت استجابة لمساعي بعض المفكرين، والنقاد الماركسيين؛ لوضع طرح بنوي يجمع بين الصياغة الشكلانية، وأسس الفكر الماركسي، وهذا التوجه يهدف أساسا إلى ربط النص بسياقه الاجتماعي؛ من مدخل تأكيد العلاقة بين البعدين الداخلي، والخارجي للنص.
كما يراعي هذا التصور حيثيات النص من تاريخ، وعلم الاجتماع، وعلم النفس الاجتماعي، والأنثروبولوجيا، وكأن التوجه البنوي التكويني أتى كرد على التوجه الشكلاني الخالص، بهدف المراجعة التي تتطلع إلى التركيز على خصوصيات الأنساق النصية دون عزلها عن علائقها بالمجتمع، والتاريخ[50].
ومن أكثر المفكرين الغربيين إسهاما في هذا الحقل؛ “لوسيان جولدمان” المتأثر بأطروحات المفكر، والناقد المجري “جورج لوكاتش” الذي لولا أفكاره الماركسية لما ظهرت البنوية التكوينية على النحو الذي ظهرت عليه، إضافة إلى عالم النفس السويسري “جان بياجيه” الذي استعار منه مصطلح البنوية التكوينية[51].
أما عن خطوات التحليل في هذا المنهج؛ فتشمل تحديد البنية الدالة للنص (رؤية نسقية)، وتفسير النص بوضعه في إطار البنية الاجتماعية (رؤية سياقية)[52]، وقد راعى “بورايو” هاتين الخطوتين في دراسته للنصوص؛ حيث كاشف البنية التركيبية للنموذج موضوع الدراسة أولا، ثم حدد طبيعة الصلة بين هذه البنية، والبنية الأصل التي تولدت عنها؛ أي البنية الاجتماعية.
وقد استهل “بورايو” خطابه بمقدمة منهجية وضحت لنا طريقة العمل المعتمدة، والمنهج المتبع، وأسباب تبنيه له دون سواه، والتقنيات التي وظفها في تحصيله المادة – موضوع الاشتغال – متمثلة في الملاحظة المباشرة؛ حيث عاش فترة من الزمن مع أفراد المنطقة، وحضر العديد من تجمعاتهم الشعبية، كما عمد إلى محاورتهم، وطرح بعض الأسئلة عليهم، ثم قام بترتيب المادة، وانتقاء المعلومات المرتبطة بالرواية القصصية مباشرة، من أجل توظيفها في تحليل النصوص، وكان طموحه أن ينقل لنا صورة أمينة، وصادقة عن بيئة القصص الشعبي؛ استجابة لمطلب معاينة المادة في بيئتها معاينة دقيقة، قبل مساءلتها تنظرا، وتطبيقا.
إضافة إلى اهتمامه بالعلاقات التي تربط التراث المنطوق بالتراث المكتوب، وقد استنبطها خلال تتبعه الجذور التاريخية للقصص الشعبي؛ الذي تم تدوينه في مرحلة معينة، ثم تداوله من قبل الناس مشافهة، مشيرا إلى أهم التغيرات الطارئة عليه، كما تطرق إلى الدراسات السابقة التي اهتمت بالتراث الشعبي خصوصا الفرنسية منها، الهادفة إلى التعرف على سكان المنطقة، وتحدث عن الرواة مؤكدا ضرورة تمتعهم بموهبة الصياغة الفنية، والإلقاء المتميز، والتركيب اللغوي المحكم للنمط القصصي، وفي سياق ذلك يقول: «والرواة في رحلتهم مع الرواية يتفاوتون فيما بينهم؛ فيما يخص اتساع حصيلتهم من التراث القصصي، ومواهبهم الفيزيولوجية التي تتعلق بالهيئة، والصوت، وملامح الوجه، وسيطرتهم على أدواتهم الفنية في عملية القص، وقدرة ذاكرتهم، وقدرتهم، وجرأتهم على الخلق، والإبداع، والتجديد»[53].
وتمكن من تسجيل هذا التفاوت بين الرواة عن طريق الملاحظة المباشرة، كما نبّه على مسألة في غاية الأهمية؛ متمثلة في استجابة الناس للقص، فالجمهور لا يكتفي بالتلقي فقط، وإنما يشارك بفاعلية في عملية القص (سلطة القارئ)؛ لأنه يختار الراوي الذي يريد الاستماع إليه، كما يقترح نوع القصة، وعادة ما يخضع الراوي لميول الجمهور ورغباته، وقد يمل هذا الأخير، ويصيبه التعب، فيحاول الراوي تحفيزه، وبعث النشاط فيه من جديد[54].
كما تحدث “بورايو” عن وظيفة القص في بعديها الاجتماعي، والثقافي، فالقص يصور الواقع بقيمه، وعلاقاته، ويعكس أخلاقيات الجماعة، وتاريخ المنطقة، ويخدم الهدفين التعليمي، والترفيهي[55]، وتتداخل هذه الوظائف أحيانا؛ فتقوم بها القصة الواحدة، ومراعاة لهذا الطرح قام بتتبع المجتمع الشعبي في منطقة بسكرة بدراسة تاريخية، واجتماعية؛ من حيث الزمان، والمكان؛ فتناول التحديد الجغرافي للمنطقة، وعاين طبيعة السكان، ونشاطهم الاقتصادي؛ المتمثل في الزراعة، والرعي، كما تحدث عن السكان الأوائل، في تقصيه التاريخي للمعتقدات، والطقوس، ونظام الحكم، والمذهب الديني، والطرق الصوفية (القادرية، والرحمانية)، واللهجات.
كما درس بنية المجتمع الشعبي؛ من حيث أصل السكان؛ فهم بدو رحل يحكمهم نظام العروش، وأهم ما يميزهم تلك التجمعات الشعبية، أين يلقي الرواة حكاياتهم، وقصصهم الشعبية التي تمثل رافدا من روافد ثقافة المنطقة، وهذه التجمعات غالبا ما تحتضنها الأسواق الشعبية، أو كما يسميها البعض بأسواق المداحين، ومنها استقى “بورايو” مادته، إضافة إلى القصص الدينية التي تروى في المساجد، وقصص المقاهي، والدكاكين[56].
أما عن المعتقدات الشعبية فكانت تتمظهر أساسا عبر سلوكات الأفراد، مترجمة فلسفتهم للحياة، وتصوراتهم عما وراء الطبيعة، وخلفيتهم الأساسية في ذلك هي الدين الإسلامي، بالرغم من وجود العديد من الخرافات، والبدع؛ كالاعتقاد بالأولياء، والسحر، والشعوذة، والعفاريت، والغيلان، وقدسية الأحلام[57].
وعرض “بورايو” في الفصل الثاني أنماط القصص الشعبي في منطقة بسكرة، وفق تصنيف يراعي العناصر الثابتة في الأشكال القصصية، مما سهل عليه وصفها، وفهمها، واستنتاج السمات الخاصة بكل صنف، مركزا على مكونات الشكل، ثم المحتوى في علاقته بالشكل، ثم انتقل إلى رصد المسار التطوري الذي سمح له بالتمييز بين هذه الأنماط، ثم البحث عن طبيعة العلاقات بين النمط القصصي وبيئته، محددا الوظيفة التي يؤديها الطرف الأول بالنسبة للثاني، ودراسة النصوص من الخارج؛ تمهيدا لدراستها من الداخل.
واعتمادا على هذا التصنيف ميّز بين الأنواع القصصية؛ خاصة قصص البطولة، والحكايات الشعبية، والحكايات الخرافية، وهي على حد تعبيره «تتمايز فيما بينها في أصولها، ومسار تطورها، والظروف الحضارية التي ساعدت على انتشارها، وفي كون كل منها يشغل جانبا معينا من الاهتمامات الروحية الشعبية، وتختلف في عناصرها الفنية، وفي أسلوب تعاملها مع العالم المعلوم من جهة، والعالم المجهول من جهة أخرى، وكذلك في بناء شخوصها، وأحداثها، ومختلف مظاهر شكلها الفني»[58].
ويصنف قصص البطولة إلى قصص الأولياء، وقصص البطولة البدوية التي تتناول رحلة “بني هلال” إلى شمال إفريقيا، ويركز أكثر على المغازي؛ كنص شعبي في بعديه التاريخي، والاجتماعي، خاصة ما تناول منها وقائع الفتوحات الإسلامية، وبطولات الفاتحين بسبب المكانة التي تحتلها في الوسط الشعبي البسكري؛ حيث احترف الرواة في نظمها؛ نظرا للوظيفة التي كانت تؤديها زمن الاحتلال الفرنسي؛ يقول عنها: «مع بدايات الغزو الفرنسي للجزائر، وهي مرحلة لها ملامحها الاجتماعية، والسياسية الخاصة، وفي هذه المرحلة تطورت المغازي في شكلها الفني، وفي أسلوب روايتها، وفي وظيفتها»[59]؛ متمثلة في توعية الناس، لذا فعنايته بالمغازي كانت على أساس العلاقة القوية التي تربط هذه المادة القصصية بالخلفية الاجتماعية التي أنتجتها، متجاوزا فلسفة عزل الأثر الأدبي عن سياقه.
أما عن الحكاية الشعبية فيحدد طبيعتها على أنها شكل قصصي مادته الواقعين النفسي، والاجتماعي، وهي تتفرع إلى عدة أنواع؛ منها الحكايات الواقعية، وحكايات الحيوان، والحكايات الهزلية، والألغاز، أما الحكاية الخرافية، أو المحاجية – كما تسمى في منطقة بسكرة – فهي تمتاز أساسا بأحداثها العجيبة.
وبالنسبة للمساحة التي خصصها الناقد للممارسة الإجرائية؛ «ولأن الدراسة ميدانية أساسا، فقد كان طبيعيا ألا تستبد البنيوية إلا بفصل واحد من بين فصولها الثلاثة، فيما كان الفصلان الأول، والثاني، فضلا عن مدخل؛ بعنوان (المجتمع الشعبي في منطقة بسكرة) وقفا على القصص الشعبي من جوانبه النظرية، والوظيفية، والسياقية (تاريخيا، واجتماعيا)، وليس ذلك بالغريب في دراسة بنيوية تكوينية، فقد عهدنا ذلك عند “جوليا كريستيفا”؛ (وهي من أساطين هذا المنهج) التي رأيناها في إحدى كتبها تدرس أشعار “لوتريامون”، و”مالارمي” فلا تحظى الدراسة النصية عندها إلا بأصغر فصل من الفصول الثلاثة للكتاب، في حين تجعل أول فصل نظريا، وآخره خاصا بوضع النص داخل البنية الاقتصادية، والاجتماعية، ولا تكتفي بذلك بل تذيل الكتاب بجدول تاريخي شامل يجمل حياة الشاعرين، متناظرة مع الأحداث السياسية، والتاريخية، والاكتشافات العلمية، والوضعية الاجتماعية المحيطة بهما»[60].
وقد أفرد “بورايو” للإجراء قسما من منجزه النقدي، عنونه بـ “البنية القصصية – دراسة بنيوية لنماذج من النصوص”، وقد استهله بتمهيد وضّح فيه بعض المسائل المتعلقة بالتطبيق؛ حيث قال: «ننطلق في تصدينا لدراسة نصوص القصص – موضوع البحث – من المفهوم الذي يرى في النشاط الفني تحققا لإمكانيات كامنة؛ تعبر عن نفسها من خلال مختلف أشكال التعبير … وسيكون هدفنا الكشف عن الهيكل البنائي للقصص، وبتعبير آخر البنية التركيبية التي تمثل الجوهر الثابت خلف مختلف أشكال القصص؛ موضوع الدراسة التي سبق تحديد الظروف التي تحيا فيها»[61].
ويحيلنا على مسألة لابد منها في الممارسة الإجرائية بالقول: «ويحسن بنا قبل أن نشرع في تحليل النص أن نضع نصب أعيننا أن جميع المستويات التي سنراعيها في تحليلنا للنص متداخلة؛ بحيث لا يمكن أن تنفصم عن بعضها بعضا، وإنما يأتي فصلها كإجراء مؤقت؛ يساعدنا على تشريح العمل القصصي، مع مراعاة وجهة النظر القائلة بأن جميع العناصر المباشرة، القابلة للملاحظة في العمل الأدبي تعدّ مظهرا للبنية مجردة، مستترة؛ يتم التوصل إليها من خلال العمليات التحليلية العقلية التي تبحث عن النظام المثال فيها»[62].
أما عن المرجعيات النقدية الغربية التي تبناها “بورايو” في دراسته القصص الشعبي، فقد أفاد «إفادة واضحة من الطروحات المنهجية، والمصطلحية التي قدمها “رولان بارت”، و”كلود بريمون”، و”جوليان غريماس”، و”تزفيتان تودوروف”، و”كلود ليفي ستروس” مع غياب مفاجئ لمراجع “لوسيان غولدمان”، ولكن مرجعيته الأساسية يستمدها من منهج الشكلاني الروسي الشهير “فلاديمير بروب” الذي قدّم في نهاية العشرينيات من هذا القرن منهجا جديدا؛ لتحليل مورفولوجية الحكاية الشعبية، انتهى فيه إلى نظرية “المثال الوظائفي” التي استطاعت أن تحدد (31) وظيفة قارة، مستمدة من حوالي (100) حكاية شعبية روسية، حللها “بروب”، ولكنها لا تنطبق على عامة الحكايات الشعبية، وقد لا تظهر كاملة في الحكاية الواحدة، ولكنها لا تتجاوز هذا العدد من جهة، وتخضع لنظام تعاقبه خضوعا شبه مطرد من جهة أخرى»[63].
وقد اختار “بورايو” للاشتغال الإجرائي قصة البطولة “غزوة الخندق”، والحكاية الخرافية “ولد المحقورة”، والحكاية الشعبية “الإخوة الثلاثة”، معتمدا في دراسته لها تقنيتي التحليل، والتركيب؛ حيث قام بتقسيم هذه القصص إلى وحدات أساسية، ثم استقرأ العلاقات الممكنة فيما بينها عبر مختلف المستويات المورفولوجية، والدلالية، والتركيبية، مركزا على الوحدة الوظيفية التي يقابلها المثال الوظائفي في منهج “بروب” المرفولوجي؛ ويعني العناصر القارة، أو مجموع الوظائف الثابتة، والمتعاقبة التي تتضمنها الحكاية الشعبية؛ كما تدل هذه الوحدة التي اعتبرها “بورايو” أصلا لباقي الوحدات السردية، على الفعل في مرحلة القصد، أو أثناء تحقيقه، أو العدول عنه، أو عند الانتهاء منه، وهذه الوحدات الوظيفية تمثل الوحدات التركيبية للقصة، وتنتظم فيما بينها مشكلة ما يسميه بالمتتاليات، والراوي حر في تشكيلها عند تكوينه للوحدة الأكبر؛ أي المقطوعة التي تشتمل على مجموعة من المتتاليات، وكل مقطوعة تمثل بنية متكاملة، والوحدة الحقيقية للقصة في مستواها الدلالي.
وكل من الوحدات الوظيفية، والمتتاليات، والمقطوعات تخضع لجملة من العلاقات فيما بينها، وبين الكل الذي تنتمي إليه، وفي تقصيه لهذه العلاقات، ورصدها اتبع طريقتين؛ أولاهما تُعنى بدراسة الوحدات حسب حضورها في السياق، وتطور تشكيلها الوظيفي، عبر مستواها التركيبي الذي يعالج القصة بوصفها خطابا، وثانيهما تُعنى ببيان العلاقات المستترة ضمن السياق عبر مستواها الدلالي[64]؛ أما عن الفرق بين المستويين؛ فالأول يحاور علاقات التجاور بين عناصر النص، أما الثاني فيختص بما يستدعيه كل عنصر لعناصر أخرى غائبة عن النص.
ولم يُخضِع الناقد النص الحكائي لسلم “بروب” ذي الدرجات الإحدى والثلاثين، المرتبة ترتيبا مقدسا إخضاعا آليا؛ لأن هذا السلم لا يراعي الخصوصية البنوية، والاجتماعية للحكايات الشعبية غير الروسية، ويعدّ ذلك من المآخذ التي يمكن تسجيلها على المنهج المورفولوجي الروسي؛ وعدم سقوط “بورايو” في هذا المزلق؛ دلَّ على أصالة منهجه، الذي أتاح له إمكانية التحديد الواعي للوظائف النصية؛ حيث جعل النص في مقدمة جميع الاعتبارات، بوصفه المصدر الأول للاستنتاج دون التعسف في إخضاعه لأي مرجعية منهجية.
وبعد تحديده الوظائف يحدد الأقسام السياقية الكبرى للنص؛ متمثلة في الاستهلال، والبداية، والمتن، والنهاية، والخاتمة، وقد ميّز بين هذه العناصر، خاصة ما تشابه منها؛ كالاستهلال والبداية، النهاية والخاتمة، فكل من الاستهلال، والخاتمة يُلحقهما الراوي بالقصة، دون أن تكون لهما علاقة مباشرة بها، وقام بتلخيص أحداث القصة في جمل قصيرة؛ بهدف تحديد وحداتها الوظيفية، ومكاشفة الدور الحيوي الذي تلعبه كل وحدة وظيفية؛ بالنظر إلى مواقف الشخوص التي تشترك في بناء الحدث الواحد.
أما الجزء المتبقي من الدراسة فقد اختص برصد وتحليل العلاقات الغائبة عن النص، وضبط قيمه الدلالية؛ من مدخل الشخوص، والأدوار؛ فالشخوص من وحدات الخطاب، أما الأدوار فمن وحدات الحكي، أو السرد القصصي، وهي تمثل البنية الكامنة في النص، ويتم استنتاجها انطلاقا منه؛ بقراءة في الدلالة الاجتماعية للبنيات القصصية؛ أي وضع البنية التركيبية بما تشتمل عليه من بناء زمني، وحيز مكاني، وكذلك الخلفيات الدالة على موقع الراوي، في إطارها الاجتماعي، وعلى غرار أغلب البنويين يقدم “بورايو” مادته النقدية في شكل معادلات رياضية، وجداول إحصائية؛ من شأنها أن توضح ما انتهى إليه من نتائج أحيانا، وقد تزيدها غموضا أحيانا أخرى.
وما يمكن استنتاجه مما تقدم أن التجريب البنوي في الخطاب النقدي الجزائري قد عرف في بداياته العديد من الاقتراحات، والإضافات المصطلحية التي راحت تتعدى الدلالة الموحدة في التداول، والاستعمال إلى تصورات منهجية متعددة، ويمكن تفسير هذه الظاهرة بذلك النزوع الجامح نحو الرؤية المنهجية المركبة؛حيث تتعدد مستوياتها، ومقولاتها؛ خضوعا لسلطة النص، وتبعا لذلك تعددت المصطلحات، وتنوعت المفاهيم، فمصطلح “البنية” كما سبقت الإشارة إليه نجده يأخذ دلالة مختلفة بانتقاله من النسق الشكلاني إلى النسق التكويني، بالرغم من انتماء النسقين إلى الحقل ذاته؛ ألا وهو البنوية.
وإذا كان الناقد الجزائري قد عمد إلى تلقي منظومة من المصطلحات النقدية الأجنبية، فإن هذا التلقي، وإن افتقر إلى مكسب التمثل الجيد أحيانا، فإنه قد ساهم إلى حد ما في إحداث جملة من التحولات على مستوى هذه المنظومة، ليجد هذا الناقد نفسه في مواجهة تصورات وافدة، لابد من البحث فيها عن مقابل في موروثه النقدي الذي يكاد ينسلخ عنه، غير أن هوسه الدائم بسؤال الحداثة النقدية غالبا ما كان يحول دون ذلك.
وفي الطرح المنهجي نسجل في ضوء التجريب الجزائري الذي تفضل به كل من “عبد الملك مرتاض” و”عبد الحميد بورايو” تصورا نقديا يتحرى الشمول في المقاربة النقدية، والانفتاح على مقولات الحداثة النقدية الغربية؛ ولم يقتصر أمر هذا الانفتاح على المعالجة المنهجية فحسب، بل تعداها إلى الممارسة المصطلحية، دلالة على ترفع الذهنية النقدية الجزائرية عن اعتزال الفكر الغربي، ومقاطعته، فضلا عن تجاوز التلقي الآلي الذي لا يضيف إليه الناقد شيئا من خصوصيته، واجتهاده، وانطلاقا من هذه القناعة استطاع الناقد الجزائري إلى حد ما – في ضوء ما قدمنا من نماذج – المزج بين تصورات الأصيل، والوافد مزجا لطيفا في حدود استجابة النص.
قائمة المصادر والمراجع:
- البازعي سعد، الرويلي ميجان، دليل الناقد الأدبي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط4، 2005.
- بورايو عبد الحميد، القصص الشعبي في منطقة بسكرة، وزارة الثقافة، الجزائر، 2007.
- بورايو عبد الحميد، منطق السرد دراسات في القصة الجزائرية الحديثة، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1994.
- تاوريريت بشير، مناهج النقد الأدبي المعاصر – دراسة في الأصول والملامح والإشكالات النظرية والتطبيق، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، مصر، 2008.
- حمداوي جميل، دراسات أدبية ونقدية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، ط1، 2007.
- ساسي عمار، المصطلح في اللسان العربي من آلية الفهم إلى أداة الصناعة، عالم الكتب الحديث، عمان، الأردن، ط1، 2009.
- سعيد سمير، مشكلات الحداثة في النقد العربي، الدار الثقافية للنشر، القاهرة، مصر، ط1، 2002.
- قطوس بسام، المدخل إلى مناهج النقد المعاصر، دار الوفاء، الإسكندرية، مصر، ط1، 2006.
- قمولي فاطمة، التحليل السيميائي للخطاب السردي عند عبد الحميد بورايو، مذكرة مقدمة لنيل درجة الماجستير في اللغة العربية وآدابها، تخصص نقد أدبي حديث ومعاصر، إشراف أ.د. عبد الحميد هيمة، قسم اللغة والأدب العربي، كلية الآداب واللغات، جامعة قاصدي مرباح – ورقلة، الجزائر، 2014-2015.
- محمد جاد عزت، نظرية المصطلح النقدي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، دار الكتب، مصر، 2002.
- محمود خليل إبراهيم، النقد الأدبي الحديث من المحاكاة إلى التفكيك، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، عمان، الأردن، ط1، 2003.
- مرتاض عبد الملك، الألغاز الشعبية الجزائرية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1983.
- مرتاض عبد الملك، الأمثال الشعبية الجزائرية (تحليل لمجموعة من الأمثال الزراعية والاقتصادية)، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، (د.ط)، 2007.
- مرتاض عبد الملك، القصة الجزائرية المعاصرة، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، (د.ط)، 1990.
- مرتاض عبد الملك، الميثولوجيا عند العرب (دراسة لمجموعة من الأساطير والمعتقدات العربية القديمة)، المؤسسة الوطنية للكتاب، الدار التونسية للنشر، الجزائر – تونس، (د.ط)، 1989.
- مرتاض عبد الملك، النص الأدبي من أين؟ وإلى أين؟، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، (د.ط)، 1983.
- مرتاض عبد الملك، تحليل الخطاب السردي – معالجة تفكيكية سيميائية مركّبة لرواية زقاق المدق، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1995.
- مرتاض عبد الملك، في الأمثال الزراعية (دراسة تشريحية لسبعة وعشرين مثلا شعبياً جزائرياً)، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، (د.ط)، 1987.
- مرتاض عبد الملك، في نظرية النقد (متابعة لأهم المدارس النقدية المعاصرة ورصد لنظرياتها)، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 2002.
- المسدي عبد السلام، المصطلح النقدي، مؤسسات عبد الكريم بن عبد الله للنشر والتوزيع، تونس، (د.ت.ط).
- مونسي حبيب، نقد النقد المنجز العربي في النقد الأدبي – دراسة في المناهج، منشورات دار الأديب، وهران، الجزائر، 2007.
- وغليسي يوسف، إشكالية المصطلح في الخطاب النقدي العربي الجديد، الدار العربية للعلوم ناشرون، لبنان- الجزائر، ط1، 2008.
- وغليسي يوسف، الخطاب النقدي عند عبد الملك مرتاض (بحث في المنهج وإشكالياته)، إصدارات رابطة إبداع الثقافية، الجزائر، (د.ط)، 2002.
- وغليسي يوسف، النقد الجزائري المعاصر من اللانسونية إلى الألسنية، إصدارات رابطة إبداع الثقافية، الجزائر، (د.ط)، 2002.
- وغليسي يوسف، مناهج النقد الأدبي، جسور للنشر والتوزيع، الجزائر، ط1، 2007.
[1]– عبد الملك مرتاض: ناقد جزائري من مواليد 10 يناير 1935، ببلدة مسيردة، ولاية تلمسان الواقعة بالغرب الجزائري، من آثاره النقدية: “القصة في الأدب العربي القديم” سنة 1968، و”نهضة الأدب العربي المعاصر في الجزائر” سنة 1971، و”فن المقامات في الأدب العربي” سنة 1980، و”الثقافة العربية في الجزائر بين التأثير والتأثر” سنة 1981، و”العامية الجزائرية وصلتها بالفصحى” سنة 1981، وغيرها مما سيأتي ذكره في سياق هذه الورقة البحثية، ومن آثاره الأدبية نذكر الروايات: “دماء ودموع” سنة 1963، و”نار ونور” سنة 1964، و”الخنازير” سنة 1985، و”صوت الكهف” سنة 1986، و”حيزية” سنة 1988، و”مرايا متشظية” سنة 2000، إضافة إلى مجموعة قصصية بعنوان: “هشيم الزمن” سنة 1888. ينظر: يوسف وغليسي، النقد الجزائري المعاصر من اللانسونية إلى الألسنية، إصدارات رابطة إبداع الثقافية، الجزائر، (د.ط)، 2002، ص 193/195/197.
[2]– عبد الحميد بورايو بن الطاهر: ناقد، وباحث من أصل جزائري، من مواليد سنة 1950 بمدينة سليانة (تونس)، اشتهر بتخصصه في الدراسات الأدبية الشعبية، من آثاره: مجموعة قصصية بعنوان “عيون الجازية” سنة 1983، و”القصص الشعبي في منطقة بسكرة – دراسة ميدانية”سنة 1986، و”منطق السرد – دراسات في القصة الجزائرية الحديثة” سنة 1994، و”التحليل السيميائي للخطاب السردي – دراسة لحكايات من ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة” سنة 2003، و”المسار السردي وتنظيم المحتوى – دراسة سيميائية لحكايات من ألف ليلة وليلة” سنة 2008، و”البطل الملحمي والبطل الضحية في الأدب الشعبي الجزائري”سنة 1998، كما له عدة ترجمات نذكر منها: “المنهج السيميائي لغريماس وكورتيس ومجموعة من المؤلفين” سنة 2010. ينظر: فاطمة قمولي، التحليل السيميائي للخطاب السردي عند عبد الحميد بورايو، مذكرة مقدمة لنيل درجة الماجستير في اللغة العربية وآدابها، تخصص نقد أدبي حديث ومعاصر، إشراف أ.د. عبد الحميد هيمة، قسم اللغة والأدب العربي، كلية الآداب واللغات، جامعة قاصدي مرباح – ورقلة، الجزائر، 2014-2015، ص 46/48.
[3]– هناك خطاب نقدي جزائري مكتوب باللغة الفرنسية يتقدم تجربة “مرتاض” في هذا السياق من الناحية التاريخية، تجلى في ممارسات بعض النقاد؛ أمثال دليلة مرسلي، وكريستيان عاشور، وزينب بن بوعلي، ونجاة خدة وغيرهم. ينظر: يوسف وغليسي، النقد الجزائري المعاصر من اللانسونية إلى الألسنية، مرجع سابق، ص 130.
[4]– شريبط أحمد شريبط: ناقد جزائري من مواليد 1957 بقرية العيايدة، ولاية سكيكدة، الواقعة بالشرق الجزائري، من آثاره: “تطور البنية الفنية في القصة الجزائرية المعاصرة” سنة 1998، و”الأديب عبد المجيد الشافعي – مقاربة تحليلية نقدية لإنتاجه الأدبي” سنة 2000، و”الحركة الأدبية المعاصرة في عنابة” سنة 2000. ينظر: المرجع نفسه، ص 212-213.
[5]– وردت هذه القراءة في ثنايا مداخلة له حملت العنوان ذاته، تقدّم بها في سياق فعاليات الملتقى الوطني الثاني، الذي أقيم بجامعة عنابة حول الأدب الجزائري في ميزان النقد سنة 1994. ينظر: المرجع نفسه، ص 122.
[6]– ينظر: المرجع نفسه، ص 122.
[7]– عبد الملك مرتاض، الألغاز الشعبية الجزائرية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1983، ص 07.
[8]– ينظر: يوسف وغليسي، النقد الجزائري المعاصر من اللانسونية إلى الألسنية، مرجع سابق، ص 119- 120.
[9]– سمير سعيد، مشكلات الحداثة في النقد العربي، الدار الثقافية للنشر، القاهرة، مصر، ط1، 2002، ص 84.
[10]– يوسف وغليسي، مناهج النقد الأدبي، جسور للنشر والتوزيع، الجزائر، ط1، 2007، ص 71.
[11]– حبيب مونسي، نقد النقد المنجز العربي في النقد الأدبي – دراسة في المناهج، منشورات دار الأديب، وهران، الجزائر، 2007، ص 179.
[12]– عزت محمد جاد، نظرية المصطلح النقدي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، دار الكتب، مصر، 2002، ص 279.
[13]– ينظر: جميل حمداوي، دراسات أدبية ونقدية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، ط1، 2007، ص 42-43.
[14]– ينظر: يوسف وغليسي، إشكالية المصطلح في الخطاب النقدي العربي الجديد، الدار العربية للعلوم ناشرون، لبنان- الجزائر، ط1، 2008، ص 126.
[15]– عبد الملك مرتاض، في نظرية النقد (متابعة لأهم المدارس النقدية المعاصرة ورصد لنظرياتها)، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 2002، ص 190 – 191.
[16]– عبد الملك مرتاض، في نظرية النقد (متابعة لأهم المدارس النقدية المعاصرة ورصد لنظرياتها)، مصدر سابق، ص 191-192.
[17]– ينظر: عبد الملك مرتاض، الأمثال الشعبية الجزائرية (تحليل لمجموعة من الأمثال الزراعية والاقتصادية)، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، (د.ط)، 2007، ص 6- 114.
[18]– ينظر: عبد الملك مرتاض، النص الأدبي من أين؟ وإلى أين؟، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، (د.ط)، 1983، ص 50 – 54 – 60.
[19]– ينظر: عمار ساسي، المصطلح في اللسان العربي من آلية الفهم إلى أداة الصناعة، عالم الكتب الحديث، عمان، الأردن، ط1، 2009، ص 94.
[20]– عبد السلام المسدي، المصطلح النقدي، مؤسسات عبد الكريم بن عبد الله للنشر والتوزيع، تونس، (د.ت.ط)، ص 117.
[21]– بشير تاوريريت، مناهج النقد الأدبي المعاصر – دراسة في الأصول والملامح والإشكالات النظرية والتطبيق، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، مصر، 2008، ص 41.
[22]– ينظر: يوسف وغليسي، الخطاب النقدي عند عبد الملك مرتاض (بحث في المنهج وإشكالياته)، إصدارات رابطة إبداع الثقافية، الجزائر، (د.ط)، 2002، ص 55.
[23]– ينظر: عبد الملك مرتاض، الألغاز الشعبية الجزائرية، مصدر سابق، ص 177- 178.
[24]– يوسف وغليسي، الخطاب النقدي عند عبد الملك مرتاض، مرجع السابق، ص 51.
[25]– ينظر: عبد الملك مرتاض، الأمثال الشعبية الجزائرية، مصدر سابق، ص 175- 176.
[26]– ينظر: عبد الملك مرتاض، في الأمثال الزراعية (دراسة تشريحية لسبعة وعشرين مثلا شعبياً جزائرياً)، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، (د.ط)، 1987، ص 211.
[27]– ينظر: عبد الملك مرتاض، الميثولوجيا عند العرب (دراسة لمجموعة من الأساطير والمعتقدات العربية القديمة)، المؤسسة الوطنية للكتاب، الدار التونسية للنشر، الجزائر – تونس، (د.ط)، 1989، ص 135.
[28]– ينظر: عبد الملك مرتاض، القصة الجزائرية المعاصرة، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، (د.ط)، 1990، ص 239-240-241.
[29]– يوسف وغليسي، الخطاب النقدي عند عبد الملك مرتاض، مرجع سابق، ص 54.
[30]– وهي في الأصل عبارة عن مجموعة من المحاضرات، تفضل الأستاذ “عبد الملك مرتاض” بإلقائها في سياق تأطيره لطلبة الماجستير خلال السنة الجامعية (1980 – 1981).
[31]– ينظر: عبد الملك مرتاض، النص الأدبي من أين؟ وإلى أين؟، مصدر سابق، ص 5.
[32]– يوسف وغليسي، الخطاب النقدي عند عبد الملك مرتاض، مرجع سابق، ص 59-60.
[33]– عبد الملك مرتاض، تحليل الخطاب السردي – معالجة تفكيكية سيميائية مركّبة لرواية زقاق المدق، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1995، ص 18.
[34]– عبد الملك مرتاض، تحليل الخطاب السردي – معالجة تفكيكية سيميائية مركّبة لرواية زقاق المدق، مصدر سابق، ص 18.
[35]– المصدر نفسه، ص 20.
[36]– ينظر: يوسف وغليسي، النقد الجزائري المعاصر من اللانسونية إلى الألسنية، مرجع سابق، ص 123.
[37] – عبد الحميد بورايو، منطق السرد دراسات في القصة الجزائرية الحديثة، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1994، ص 96.
[38]– يوسف وغليسي، إشكالية المصطلح في الخطاب النقدي العربي الجديد، مرجع سابق، ص 146.
[39]– ينظر: يوسف وغليسي، النقد الجزائري المعاصر من اللانسونية إلى الألسنية، مرجع سابق، ص 121.
[40]– عبد الحميد بورايو، القصص الشعبي في منطقة بسكرة، وزارة الثقافة، الجزائر، 2007، ص 148
[41]– المرجع نفسه، ص 197.
[42]– ينظر: بسام قطوس، المدخل إلى مناهج النقد المعاصر، دار الوفاء، الإسكندرية، مصر، ط1، 2006، ص 133.
[43]– ينظر: سعد البازعي، ميجان الرويلي، دليل الناقد الأدبي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط4، 2005، ص 78.
[44]– يوسف وغليسي، إشكالية المصطلح في الخطاب النقدي العربي الجديد، مرجع سابق، ص 147.
[45]– إبراهيم محمود خليل، النقد الأدبي الحديث من المحاكاة إلى التفكيك، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، عمان، الأردن، ط1، 2003، ص 104.
[46]– يوسف وغليسي، إشكالية المصطلح في الخطاب النقدي العربي الجديد، مرجع سابق، ص 126.
[47]– ينظر: عبد الحميد بورايو، القصص الشعبي في منطقة بسكرة، مصدر سابق، ص 205.
[48] – ينظر: عبد الحميد بورايو، منطق السرد، مصدر سابق، ص 114.
[49]– عبد الحميد بورايو، القصص الشعبي في منطقة بسكرة، مصدر سابق، ص 259.
[50]– ينظر: بسام قطوس، مرجع سابق، ص 133.
[51]– ينظر: سعد البازعي، ميجان الرويلي، مرجع سابق، ص 76.
[52]– ينظر: حبيب مونسي، مرجع سابق، ص 198.
[53]– عبد الحميد بورايو، القصص الشعبي في منطقة بسكرة، مصدر سابق، ص 35.
[54]– ينظر: المصدر نفسه، ص 49.
[55]– ينظر: عبد الحميد بورايو، القصص الشعبي في منطقة بسكرة، مصدر سابق، ص 53 – 54.
[56]– ينظر: المصدر نفسه، ص 21.
[57]– ينظر: المصدر نفسه، ص 25.
[58]– المصدر نفسه، ص 67.
[59]– عبد الحميد بورايو، القصص الشعبي في منطقة بسكرة، مصدر سابق، ص 73.
[60]– يوسف وغليسي، النقد الجزائري المعاصر من اللانسونية إلى الألسنية، مرجع سابق، ص 124.
[61]– عبد الحميد بورايو، القصص الشعبي في منطقة بسكرة، مصدر سابق، ص 137.
[62]– عبد الحميد بورايو، القصص الشعبي في منطقة بسكرة، مصدر سابق، ص 140.
[63]– يوسف وغلسي، النقد الجزائري المعاصر من اللانسونية إلى الألسنية، مرجع سابق، ص 125.
[64]– ينظر: عبد الحميد بورايو، القصص الشعبي في منطقة بسكرة، مصدر سابق، ص 138.