الصدق والمعنى من منظور نظرية أفعال الكلام
Truth and meaning from the perspective of speech acts theory
مولاي مروان العلوي، فريق البحث في اللسانيات التطبيقية والمقارنة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة، جامعة شعيب الدكالي، المغرب
Moulay Merouane Alaoui , Faculty of Letters and Human Sciences El jadida, Chouaib Doukkali university, Morroco
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية العدد 79 الصفحة 47.
ملخص
نهدف في هذه الورقة إلى إبراز بعض المنطلقات المعرفية والفلسفية لنظرية أفعال الكلام من منظور أوستن(1962) Austin وسيرل (1969, 2007) Searle. ونركز على كيفية الانتقال من مفهوم الصدق (Truth) الذي وظفته النماذج الوصفية التي تنتمي إلى التحليل الدلالي الماصدقي الصوري للغة، إلى مفهوم الاستيفاء (Satisfaction) الذي يزاوج بين المستوى الإنجازي والمستوى القضوي في فعل الكلام.
الورقة منظمة على الشكل التالي: نقدم في الفقرة الأولى مشكل الصدق في علاقته بدراسة المعنى، ونمر في الفقرة الثانية إلى تقديم مبادئ نظرية أفعال الكلام، ونخصص الفقرة الثالثة لبسط أنواع أفعال الكلام، في حين نركز الفقرة الرابعة لفحص كيفية توظيف مفهوم الصدق ضمن نظرية أفعال الكلام. لنختم بتركيب مركز.
الكلمات المفاتيح: أفعال الكلام، الصدق، الاستيفاء، المحتوى القضوي.
Abstract
We aim in this paper to highlight some of the epistemological and philosophical premises of the speech act theory from the perspective of Austin (1962) and Searle (1969). We focus on how to move from the concept of truth employed by the descriptive models that belong to the formal semantic analysis of language, to the concept of satisfaction, which combines the performance level with the propositional level in the speech act.
Key words: speech acts, truth, satisfaction, propositional content.
تقديم:
تعتبر نظرية أفعال الكلام من النظريات التي تهتم بالمستوى التداولي للغة الطبيعية، إذ تركز على دراسة اللغة في الاستعمال، من خلال دراسة الطابع الإنجازي للكلام، وقد مثل أوستن وسيرل أبرز رواد هذا التيار. وقد تبلور طرحهما في النظرية المعروفة بنظرية أفعال الكلام (Speech acts) ، والتي قدم فيها أوستن مجموعة من المحاضرات نشرت في المؤلف الموسوم بـــ’كيف تنجز الأشياء بالكلمات؟’ (1962)[1] ، وألف حولها سيرل مؤلفه الموسوم بــــ’أفعال الكلام: بحث في فلسفة اللغة’ (1969)[2].
انطلقت هذه الأعمال من مفهوم أساسي في حقل فلسفة اللغة يتمثل في مفهوم الصدق Truth، وقامت باستثماره من خلال توسيع مجال تطبيقه وتوظيفه، ونقل هذا المفهوم من ارتباطه بالجمل التقريرية (constative) (أو القضاياPropositions ) حصرا، ليشمل الجمل الإنجازية (performative). وبذلك تم استثمار مفهوم الاستيفاء[3] (Satisfaction) الذي وُظِّف في بعض النماذج الوصفية التي تنتمي إلى التحليل الدلالي الماصدقي الصوري للغة، حيث تتأسس هذه النماذج على التحليل القائم على شروط الصدق، سيما نموذج تارسكي Tarski الذي يمثل التوجه المنطقي الصوري، والذي يرمي إلى بناء نماذج منطقية تتصف بالاتساق والتمام وقابلية البث؛ ويبرز ذلك بشدة في المواضعة (ص) التي تبنت مبدأ المطابقة في الصدق، وتوسلت باللغة الصورية لصياغة تعريف مستوف للصدق.
وتعد النماذج التي استمدت منها نظرية أفعال الكلام مفهوم الصدق نماذج وصفية تنتمي إلى التحليل الدلالي الماصدقي الصوري للغة، حيث تتأسس هذه النماذج على التحليل القائم على شروط الصدق(Truth conditions) ، رغم اختلافها في المنطلقات النظرية أو في مجال الاشتغال؛ فبرتراند راسل (1872-1970) B. Russel ، قارب مفهوم الصدق من منطلق فلسفي محض حين تأسيسه لنظرية المطابقة في الصدق (correspondence theory)، إذ عالج الإشكالات التي يطرحها هذا المفهوم ضمن نظرية المعرفة، وقام بفحص موقع مفهوم الصدق ضمن نظرية المعرفة، ودوره في تحديد العلاقة بين المتكلم والعالم[4]. أما تارسكي (1944) Tarski فيمثل التوجه المنطقي الصوري الذي يرمي إلى بناء نماذج منطقية تتصف بالاتساق (consistency) والتمام [5] (completeness). ويبرز ذلك بشدة في المواضعة (ص) (convention T) التي تبنت مبدأ المطابقة في الصدق، وتوسلت باللغة الصورية لصياغة تعريف مستوف للصدق[6]. في مقابل ذلك نلفي توجهات أخرى جعلت اللغة الطبيعية موضوعا لدراستها لكن من منظور دلالي صوري مشروط بالصدق، من قبيل طرح دفدسون (1967)[7] Davidson وبارسنز (1990)[8] Parsons اللذين نهجا تطبيقا للتحليل الصوري الماصدقي للغة من خلال دراسة البنية الداخلية للحدث في اللغة الطبيعية، وربطا شروط الصدق بإدماج محلات إضافية ضمن الصورة المنطقية للجمل في اللغة الطبيعية تلائم خصائصها وتسهم في تحديد شروط الصدق، وبالتالي تسهم في دراسة المعنى في اللغة الطبيعية.
في مقابل ذلك، نحت دراسات لغوية أخرى منحى مغايرا، ركزت فيه على البعد التداولي للغة، أي دراسة اللغة في الاستعمال، من خلال دراسة الطابع الإنجازي للكلام، وقد تضمنت هذه الدراسات في جزء منها توظيفا لمفهوم الصدق يستثمر ما توصل إليه تارسكي في طرحه حول المواضعة (ص).
- مشكل الصدق والمعنى
قبل بسط القول في نظرية أفعال الكلام، لا بد من التطرق إلى مشكل الصدق في علاقته بالمعنى في اللغة الطبيعية، إذ، عند تفحص الدراسات التي اهتمت بمقاربة مفهوم الصدق سواء في الفلسفة أو في فلسفة اللغة، نجد أن مقاربة مفهوم الصدق قد تعددت، وخير مثال نستدل به على ذلك يتمثل في تعدد نظريات الصدق، من قبيل نظرية المطابقةcorrespondence theory، ونظرية الاتساق coherence theory. وهما نظريتان قاربتا مفهوم الصدق من منظورين مختلفين. فإذا كانت نظرية المطابقة تعرف الصدق بأنه مطابقة الاعتقاد للواقع، ونلفيها في تعريف أرسطو للصدق: “عندما نقول عن شيء (أ) موجود إنه ليس موجودا، أو نقول عن شيء (ب) غير موجود إنه موجود، فإننا نقول الكذب. بينما عندما نقول عن شيء (ج) موجود إنه موجود، أو نقول عن شيء (د) غير موجود إنه ليس موجودا فإننا نقول الصدق”[9]، كما نلفيها في تعريف تارسكي (1944) للصدق:”يتمثل صدق جملة ما في توافقها (أي تطابقها) مع الواقع”[10]. حيث حدد الشروط التي بفضلها يكون تعريف الصدق مستوفيا. فإن نظرية الاتساق، والتي نجد من أبرز روادها هيجل Hegel وبعض المناطقة الوضعيين، تعتبر الاتساقَ معيارا نحكم من خلاله على قضية ما بالصدق إذا ما كانت متسقة مع القضايا الأخرى التي تنتمي إلى النسق نفسه، حيث ‘يعد من المستحيل تحديد أي شيء وبالتالي الإحالة عليه، إلا إذا أمكن تحديده بصفة كلية، لكن تحديد شيء ما بصفة كلية يتطلب إدماج توصيف كل العلاقات التي تربطه بالأشياء الأخرى”[11].
وقد ظل مفهوم الصدق رهينا إلى حد كبير بالجمل التقريرية في اللغة الطبيعية، والتي تقابل القضية[12] (proposition) في المنطق، إذ تقبل الجملة التقريرية الحكم عليها بالصدق أو الكذب وذلك بالنظر إلى مطابقتها للواقع من عدمه، كما يمكن أن نسند إلى القضية في المنطق قيمتين صدقيتين: قيمة الصدق (1) في مقابل قيمة الكذب (0) وذلك بالنظر إلى شروط الصدق المعتمد في حساب منطقي ما (من قبيل منطق القضايا، ومنطق المحمولات، ومنطق الموجهات..).[13]
وقد أثبت المنطق ثنائي القيمة عجزه عن مقاربة اللغة الطبيعية، ذلك أنها لا تتضمن الجمل التقريرية فحسب، بل تتضمن أيضا جملا إنجازية تتمظهر في أساليب لغوية متعددة تنفلت من الحكم الثنائي القيمة القائم على المطابقة مع الواقع إلى حكم ينظر إلى القضية في ورودها في عوالم ممكنة[14] (possible worlds) بديلة للعالم الواقعي (actual world)، حيث تعبر العوالم الممكنة عن “عوالم بديلة للعالم الواقعي تمثل طريقة لورود الأشياء بطريقة مختلفة”[15]، ويعكس ذلك الانتقال من الصدق القطعي الذي ينتمي إلى حساب منطق القضايا، إلى الصدق الفرضي الذي ينتمي إلى حساب منطق الوجهات.
لم يسلك أصحاب نظرية أفعال الكلام اتجاه العوالم الممكنة، بل بحثا في الخصائص التي تتميز بها اللغة الطبيعية والقائمة أساسا على الاستعمال، ذلك أن معنى الجملة في معزل عن السياق الذي وردت فيه لا يعكس المعنى المقصود. فإذا نظرنا إلى المعطى الوارد في (1-أ-ب):
- أ- الجو حار.
ب- قا (ق)=1 إذا وفقط إذا (ق،ع0)=1
نلاحظ أن الجملة الواردة في (1-أ) جملة خبرية تصف واقعة في العالم الخارجي، لذلك نلحظ أن (1-ب) صادقة وفق حساب منطق القضايا إذا وفقط إذا كان الجو حارا في العالم الواقعي (ع0). لكن دلالة الجملة (1-أ) قد تتغير وفق السياق الذي وظفت فيه، فصدق القضية أو كذبها وفق (1-ب) مرتبط فقط بمطابقة القضية أو مخالفتها للعالم الخارجي، في حين، إذا وظفت (1-أ) في السياق التالي: مجموعة من الأشخاص يجلسون داخل قاعة نوافذها مغلقة وبابها مغلق، قد يفيد ذلك أن الجملة (1-أ) تفيد فعلا كلاميا غير مباشر [16](indirect speech act) يتمثل في فتح الباب أو فتح النافذة، وقد يعتبر أيضا تعبيرا عن العطش. ونلاحظ أن هذه الدلالات غير مضمنة بصفة صريحة في مكونات الجملة، بل تم استنباطها من السياق، وهي الخاصية التي لا نلفيها في اللغة الصورية.
ورغم عدم توفر اللغة الصورية على خاصية إدماج البعد التداولي لتأويل الصياغات جيدة التكوين، فإن ذلك يضحي ممكنا إذا استُخدمت بوصفها لغة واصفة ضمن نموذج يتيح تمثيل البعد التداولي وإدماجه ضمن مقولاته الأساسية. ونمثل لذلك بنموذج سيرل (2007) ، الذي قدمه في مقاله الموسوم بــــ’الأفعال الإنجازية ومفهوم الصدق’، منطلقا من سؤال مركزي يتمثل في:”ما دور الصدق ضمن نظرية أفعال الكلام؟”[17]. وقد أدمج سيرل البعد التداولي في نموذجه النظري من خلال تميثل البنية الأساسية للفعل الإنجازي في الصياغة (2):
- ف(ب)
حيث تسم (ف) القوة الإنجازية وتسم (ب) المحتوى القضوي لفعل الكلام. [18]و يمكن أن يكون نفس المحتوى القضوي مضمنا في أنماط أفعال كلام مختلفة، وبالتالي قوى إنجازية مختلفة. وهو الشيء الذي نقاربه في الفقرات الموالية.
- مبادئ نظرية أفعال الكلام
انطلق مؤسسا نظرية علم الكلام من منظور فلسفة اللغة ليبلورا نظريتهما التي تدمج بعد الاستعمال في تحديد معنى الجملة. وقد استندا إلى فرضية فيتجنشتاين Wittgenstein التي تفترض أن معنى الكلمة مرتبط باستخدامها،[19] وبالتالي أعادا ترتيب المستويات اللسانية بإعلاء المستوى التداولي على حساب المستويات الأخرى، ذلك أن الاستعمال هو المحدد للمعنى.
فحص أوستن من إشكالية التمييز بين الجمل التقريرية أو القضايا التي تقبل الحكم عليها بالصدق أو الكذب، وبين الجمل الإنجازية (performative) التي لا تقبل ذلك، وتجاوزها للبحث في إشكالية الفعل الكلامي، لا من حيث محتواه فحسب، لكن من حيث إنجازه أيضا.
وفي سياق ذلك، حدد أوستن المعايير المميزة للجمل التقريرية والجمل الإنشائية، نجملها في المبادئ التالية:
- مبدأ الصدق: يعتبر أوستن أن الجمل التقريرية تخضع لمبدأ الصدق، فإذا تأملنا الجملة (3):
- إنه يركض الآن.[20]
نلاحظ أن صدق القضية مرتبط بوجود شخص ما على الأقل يقوم بنشاط الركض في الزمن المحال عليه بالظرف الزمني ‘الآن’، أي مطابقة القضية لما تحيل عليه في العالم الواقعي. في حين لا تقبل قضايا من قبيل (4) الشيء نفسه:
- أُركضْ بسرعة.
ذلك أن الجملة (4) جملة إنشائية تتضمن معنى الأمر الذي يستدعي القيام بعمل ما (نشاط) يتمثل في ‘الركض’، لكن لا يمكن أن نسند عليها حكما بالصدق أو الكذب. وبالتالي وضع أوستن مبدأ آخر للتعامل مع جمل من هذا القبيل يتمثل في مبدأ الاستعمال والسياق.
- مبدأ الاستعمال: يعتبر أوستن أن التلفظ بالجمل الإنشائية ضمن سياق معين يعد وصفا لما يجب إنجازه.[21]
لنتأمل الأمثلة التي قدمها أوستن في محاضرته الأولى التي يبسط فيها نظريته[22]:
- ‘أقبل بذلك(أقبل هذه المرأة كي تكون زوجتي شرعا)’- متلفظا بها في سياق طقوس الزواج.
- (6) ‘أطلق على هذه السفينة اسم الملكة إليزابيت’- متلفظا بها عند تحطيم زجاجة خمر على السفينة.[23]
- (7) ‘أمنح وأُورُّث ساعتي إلى أخي’- كما ترد في وصية ما.
- (8) ‘أراهنك بست بنسات أنها ستمطر غدا’.
يظهر جليا من خلال تأمل المعطيات الواردة في (5-8) أن التلفظ بهذه الجمل لا يصف الفعل الذي يقوم به المتلفظ بالجملة، ولا يؤكد ما يقوم به، بل يمثل التلفظُ بها إنجازا.[24] فالجملة (5)، حسب أوستن، لا تشير إلى عملية قبول الزواج في حد ذاتها، بل تشير إلى إنجاز القبول، أي التلفظ بـــــالملفوظ ‘أقبل ذلك’. والأمر عينه ينسحب على المعطيات (6-8)، حيث لا تعبر الجملة (6) عن قضية تسمية السفينة، بل تدل على تعميد السفينة وحمايتها من أهوال البحار، أما في (7)، لا تكتسب هذه الجملة معناها إلا ضمن الوصية، وهو أمر لا يمكن الجزم بحدوثه (هل تعبر هذه الجملة عما ورد في الوصية بعد موت صاحبها، أم تعبر عن لحظة كتابة الجملة في الوصية، أم تعبر عما ينوي كتابته صاحب الوصية). في حين، تتضمن (8) جملة تعبر عن حدثين، حدث يتمثل في الرهان، وحدث آخر لم يرد بعد يشير إلى هطول الأمطار.
يعني ذلك أنه لا يمكن الحكم على هذه الجمل بالصدق أو الكذب انطلاقا من محتواها القضوي فحسب؛ إذ إنها تكتسب معناها بناء على الظروف المصاحبة للحظة التلفظ بها. بناء على ذلك، يدرس أوستن هذه الجمل في بعدها الإنجازي، ويعتبرها “جملا إنجازية (performative) تعبر عن إنجاز عمل ما”[25]. وبالتالي ينتقل أوستن من تصنيف الجمل إلى خبرية وإنشائية، ليضع مفهوما جديدا يمكن من التعامل مع أنماط الجمل المتعددة يتمثل في مفهوم الإنجاز، وهو الطرح الذي يخالف ما كان مسلما به في النماذج المقترحة في إطار الدلالة الصورية للمعنى، والتي ترتكز على تحديد شروط صدق العبارات في اللغة الطبيعية. فالجمل المضمنة في المعطيات (5-8) تكتسب معناها بالنظر إلى إنجازها، أي بالنظر إلى السياق التي وردت فيه.
- أنواع أفعال الكلام
يميز أوستن بين ثلاثة أنواع من الأفعال اللغوية:
- الفعل القولي (locutionary act): يتمثل في فعل التلفظ بالجملة.[26]
- الفعل الإنجازي (illocutionary act):يتمثل في فعل إنجاز قول ما من قبيل الأمر والاستفهام والتعجب والسؤال.. [27]
- فعل الأثر الإنجازي (perlocutionary act): ويتمثل في الحمل على إنجاز فعل ما. [28]
ونمثل لأنواع الأفعال اللغوية الثلاثة بالمعطيات الواردة في (9-11):
- قال لي ‘اشتر لها فستانا’.
- أمرني أن أشتري لها فستانا.
- جعلني اشتري لها فستانا.
تعبر الجملة الواردة في (9) عن فعل القول؛ أي التلفظ بهذه الجملة، في حين تعبر الجملة الواردة في (10) عن فعل إنجازي يتمثل في فعل الأمر، حيث أمر المتلفظ بالجملة بشراء فستان. أما الجملة الواردة في (11) فتعبر عن الأثر الإنجازي والمتمثل في الجعل.
ولم يخالف سيرل (1969) أوستين في تقسيم مكونات الفعل الكلامي، إذ قسمها على النحو التالي[29]:
- أداء فعل التلفظ (التلفظ بالكلمات: المورفيمات، الجمل) (performing utterance acts)
- أداء الأفعال القضوية (الإحالة والحمل) (performing propositional acts)
- أداء الأفعال الإنجازية (السؤال، الأمر، الوعد، الطلب..) (performing illoctionary acts)
- فعل الأثر الإنجازي (perlocutionary act).
ورغم تبني سيرل لطرح تداولي في دراسة اللغة، فقد وظف مفهوم الصدق ضمن نظريته، وبين ذلك في مقاله الموسوم بــــ’الأفعال الإنجازية ومفهوم الصدق’ (2007)، منطلقا من سؤال مركزي يتمثل في:”ما دور الصدق ضمن نظرية أفعال الكلام؟”[30].
لنقدم أولا بعض الملامح الأساسية لنظرية أفعال الكلام حتى نتبين موقع مفهوم الصدق ودوره ضمنها.
تتمثل البنية الأساسية للفعل الإنجازي حسب سيرل (2007) في الصياغة (12):
- ف(ب)
حيث تسم ‘ف’ القوة الإنجازية وتسم ‘ب’ المحتوى القضوي لفعل الكلام. [31] و يمكن أن يكون نفس المحتوى القضوي مضمنا في أنماط أفعال كلام مختلفة، وبالتالي قوى إنجازية مختلفة، من قبيل:
- يرسم زيد عادة.
- هل يرسم زيد عادة؟
- يا زيد، أرسمْ كالعادة!
- أتمنى أن يرسم زيد كالعادة.
إذا تأملنا الجمل (13-16)، نجد أنها تشترك في المحتوى القضوي المتمثل في ‘زيد يرسم عادة’؛ حيث يمثل ‘زيد’ الموضوع، ويشغل ‘يرسم’ وظيفة المحمول، في حين يعد ‘عادة’ ظرفا، لكن هذا المحتوى مضمن في أفعال إنجازية مختلفة ويمثل جزءا منها؛ إذ يعد التلفظ ب(13) تقريرا، ويعتبر التلفظ بـــ(14) سؤالا، في حين يُنظَر إلى (15) بوصفها أمرا، أما (16) فيعبر عن التمني أو الرغبة. وتختلف القوى الإنجازية لأفعال الكلام المضمنة في المعطيات (13-16)، فإذا كان (13) تقريرا أو وصفا لحدث قد ورد في العالم، فإن (14) تقتضي جوابا، في حين يتطلب (15) تنفيذا للأمر، أما (16) فتقتضي تلبية لرغبة المتكلم.
من أجل ذلك، يمكن أن نعيد تمثيل الصورة المنطقية الأساسية (البسيطة) للجمل 13)-16) على التوالي في(17-20)[32] من خلال توظيف الصياغة الواردة في (12):
- تق ($س)(س، رسم،عادة)
- سؤ($س)(س، رسم،عادة)
- أم($س)(س، رسم،عادة)
- رغ($س)(س، رسم،عادة)
قسم سيرل الأفعال الإنجازية إلى خمسة أنواع أساسية، تتمثل في[33]:
- الأفعال الإنجازية التقريرية (assertives): وهي الأفعال التي تمثل الأشياء كما هي في العالم، ويكمن دورها في التوافق مع العالم.
- الأفعال الإنجازية التوجيهية (directives): وهي الأفعال التي توجه المستمع إلى فعل شيء ما. ويتمثل دورها في جعل العالم يتغير ليصبح متوافقا مع المضمون القضوي للفعل الكلامي.
- الأفعال الإنجازية الإلزامية (commissives): وهي الأفعال التي تلزم المستمع بعمل ما. ويتمثل دورها في جعل العالم يتغير ليصبح متوافقا مع المضمون القضوي للفعل الكلامي.
- الأفعال الإنجازية التعبيرية(expressives) : وهي الأفعال التي تعبر عن حالات نفسية للمتلفظ. ويتجلى دورها في التعبير عن أحاسيس المتكلم حول حالات أعمال من المفترض أن توجد.
- الأفعال الإنجازية الإخبارية(declarations) : وهي الأفعال التي تتحدث عن تطابق بين المحتوى القضوي والواقع من خلال الإخبار عن تطابق يمكن أن يوجد. وبالتالي، يتمثل دورها في تمثيل العالم بوصفه قابلا للتغير أو متغيرا.
ينتج عن هذا التصنيف اتجاهات متعددة بين قطبين: الكلمات والعالم، نمثلها في التمثيل التالي:
العــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــالــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم |
الكـــــــــــــــــــــــــــــــــلمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــات |
- الصدق ونظرية أفعال الكلام
تخالف نظرية أفعال الكلام النظريات الدلالية الصورية الماصدقية، فإذا كانت هذه النظريات تعتبر الجمل التقريرية قابلة لأن يسند إليها حكم ماصدقي، وبالتالي تعتبرها حوامل للصدق (truth bearers)، فإن نظرية أفعال الكلام كما قدمها أوستن وسيرل تدمج ضمن موضوع دراستها في اللغة الطبيعية الجمل الإنجازية التي لا تقبل عادة أن نحكم عليها بالصدق أو الكذب، وبالتالي، “لا تمثل الجمل حوامل للصدق”[34]، بل يعتبر الحكم المضمن في الجمل بغض النظر عن نوعها، خبرية كانت أم إنجازية، حاملا للصدق. ويؤكد سيرل (2007) على أن مدار “إسناد الصدق يخص الحكم (statement) ولا يرتبط بفعل إصدار الحكم (act of stating)”[35]. هكذا يمكن للجمل غير التقريرية، من قبيل الجمل المتلفظ بها في الأسئلة والأوامر والنصائح والطلبات، أن تتلقى تأويلا معينا، فكما يمكن أن نقول عنها أنها مناسبة أو غير مناسبة في سياق معين، يمكن أن نسند إليها قيم صدق، إذ يمكن أن نقول أن هذه الجمل صادقة أو كاذبة في سياق معين.
بتدقيق النظر في المعطيات (13-16) وصورها المنطقية (17-20)، قد يظهر أن الأفعال الإنجازية التقريرية قابلة لأن تحمل قيمتي الصدق أو الكذب، من منطلق أنها تقرر واقعة أو حالة أعمال ما في العالم الخارجي، من قبيل المعطى المضمن في (13)، فمتى كان زيد يرسم تكون (13) صادقة، وتكون كاذبة خلافا لذلك. في مقابل المعطيات (14-16) التي لا يمكن أن نسند إليها قيمة صدق في حد ذاتها، لكن يمكن أن نسند حكما على أثرها الإنجازي، أي لا يمكن أن نسند قيمة صادق إلى المعطيات (14-16) إلا حين الجواب عن السؤال في (14)، والامتثال للأمر في (15) وتلبية الرغبة في (16)، وتكون كاذبة خلافا لذلك؛ أي حين رفض الجواب عن السؤال، أو عدم الامتثال للأمر، أو عدم تلبية الرغبة.
بناء على ذلك، يمكننا أن نقيِّم الأفعال الإنجازية ذات العلاقة (كلمات ¬عالم) أي الأفعال التقريرية، لكن لا يمكننا أن نسند قيمة صدقية للأفعال الإنجازية ذات العلاقة (عالم¬كلمات)؛ أي الأفعال الإلزامية والتوجيهية من قبيل الأمر والوعد والطلب، أو للأفعال الإنجازية التي لا يمكن تحديد اتجاه علاقتها مع العالم (عالم –كلمات)؛ أي الأفعال التعبيرية من قبيل الاعتذار والتهنئة. ووفق ذلك، ستنطبق نظرية الصدق على نمط جزئي من أفعال الكلام تتمثل في الأفعال الإنجازية التقريرية.
يفند سيرل (2007) هذا الطرح، ذلك أن شروط الاستيفاء في أنماط أفعال الكلام يجب أن تكون عامة، وألا ترتبط بنمط جزئي فقط.[36] فإذا كانت الأفعال التقريرية مرتبطة ماصدقيا بما تقرره، حيث يكافئ المحتوى القضوي فعل الكلام التقريري سواء كان حكما أو وصفا أو تفسيرا، فإن ذلك لا ينسحب على أنماط الأفعال الإنجازية الأخرى. لذلك مثل سيرل شروط الاستيفاء بناء على المحتوى القضوي لفعل الكلام، لا على فعل الكلام في حد ذاته؛ هكذا ستتمثل شروط الاستيفاء الأولية في:
- يكون فعل الكلام مستوفيا إذا وفقط إذا كان المحتوى القضوي صادقا.
تأسيسا على الشروط المضمنة في الصياغة (21)، يتبين أن الصدق مرتبط بالمحتوى القضوي، في حين لا نتحدث عن إسناد الصدق لفعل الكلام، بل نتحدث عن الاستيفاء، وذلك راجع إلى أن أنماط أفعال الكلام المختلفة مرتبطة بالقوة الإنجازية وأثرها الإنجازي. وعليه نصل إلى ما يلي:
- يكون الحكم صادقا إذا كانت القضية المعبر عنها في الحكم صادقة؛
- يكون الأمر مطاعا عندما يكون المحتوى القضوي صادقا(أي عندما يعمل المستمع على جعل المحتوى القضوي صادقا، أي الامتثال للأمر)؛
- يكون الوعد موفى به عندما يكون المحتوى القضوي صادقا( أي عندما يعمل المتكلم على جعل المحتوى القضوي صادقا؛ أي الوفاء بالوعد).
بناء على ذلك، نصبح أمام تماثل بين فعل الكلام والمحتوى القضوي، أي بين شروط استيفاء فعل الكلام وشروط صدق المحتوى القضوي، ففي حالة الحكم، نحصل على حكم صادق بالنظر إلى صدق القضية، ومثال ذلك المعطى (13)، حيث يكون فعل الكلام التقريري مستوفيا متى كان المحتوى القضوي ‘زيد يرسم عادة’ صادقا. في مقابل ذلك، لا نحصل على أمر مطاع بالنظر إلى قضية مطاعة (obeyed)، بل بالنظر إلى صدق القضية؛ فالمحتوى القضوي هو الذي يحدد ما يشكل إطاعة للأمر، هكذا يشكل صدق القضية أمرا مطاعا، ومثال ذلك المعطى (15)، حيث يكون فعل الكلام مستوفيا، أي فعل الأمر مستوفيا، إذا صدق المحتوى القضوي لفعل الكلام، أي إذا رسم زيد كالعادة.
وبالتالي تقترن شروط صدق المحتوى القضوي في أفعال الكلام باستيفاء أفعال الكلام، أي استيفاء أو تحقق الأثر الإنجازي، وبالتالي نقرن بين شروط المحتوى القضوي وما يقتضيه فعل الكلام.
وبتدقيق النظر في طرح سيرل حول موقع الصدق ضمن نظرية الكلام، نجد أنها تنطلق من منطلقين نظريين أساسيين يتمثلان في نظرية المطابقة من جهة، وفي المواضعة (ص) لتارسكي من جهة أخرى.
ويبرز ذلك من خلال النظر إلى شروط صدق المحتوى القضوي لأفعال الكلام المتعددة، حيث ربطها سيرل في الفعل الإنجازي التقريري بتقرير حدث في العالم، وقرنها في الأفعال الإنجازية الأخرى؛ أي التوجيهية والإلزامية والتعبيرية والإخبارية، بأثر القوة الإنجازية للفعل الكلامي، حيث اعتبر، على سبيل المثال، فعل الأمر الإنجازي مستوفيا متى كان المحتوى القضوي صادقا، ومتى كان الأمر مطاعا، أي متى تحقق الفعل الإنجازي في العالم. لذلك نجده، في معرض حديثه عن وظيفة اللغة، يقول: “تتمثل الوظيفة الأساسية للغة في تمثيل الواقع من خلال أوجه خطابية متعددة، تتجلى في الأفعال التقريرية والتوجيهية والإلزامية والتعبيرية والإخبارية”[37]، حيث يحدد المحتوى القضوي شروط الصدق، ومن خلال ذلك، فإنه يمثل حالات الأعمال المختلفة المعبر عنها من قبل شروط الصدق. ويظهر ذلك جليا من خلال فحص البنية الأساسية للأفعال الإنجازية وشروط استيفائها الأولية، واللتان نعيد تقديمهما على التوالي في (22) و(23):
- ف(ب)
- يكون فعل الكلام مستوفيا إذا وفقط إذا كان المحتوى القضوي صادقا.
ونماثل ذلك بالمبدأ العام لنظرية المطابقة، والمواضعة (ص) لتارسكي، حيث نعيد تقديمهما على التوالي في ((24 و(25):
- يتمثل صدق جملة ما في توافقها (أو مطابقتها) للواقع.
- (25) (ص) س صادقة إذا وفقط إذا ب.
بتدقيق النظر في (24) و(25)، نلفي أن سيرل حين تقديمه للبنية الأساسية للفعل الإنجازي قد قدم الصورة المنطقية الأساسية لأفعال الكلام التي تتكون من مكونين: مكون القوة الإنجازية، ثم مكون المحتوى القضوي، وهما المكونان اللذان يمثلان شرطي استيفاء الفعل الكلامي، حيث يكون المحتوى القضوي صادقا متى حقق الشرط المضمن في (24)، من خلال إعادة صياغة شروط الاستيفاء على شاكلة التكافؤ (ص) المضمن في (25).
تركيب
سعى أوستن وسيرل من خلال نظرية أفعال الكلام إلى دراسة المستوى التداولي في اللغة الطبيعية من خلال ربط الوظائف التي تضطلع بها اللغة بالسياق واستعمالات المتكلمين لها؛ إذ اعتبر سيرل أن وظيفة الجملة، سواء كانت تقريرية أو إنجازية لا تقتصر فقط على وصف الوقائع أو تفسيرها، بل تتجاوز ذلك للتعبير عن أفعال كلامية تدمج المستوى التخاطبي المرتبط بإنجاز القول وقوته الإنجازية وأثره الإنجازي. من أجل ذلك جعل سيرل المحتوى القضوي الذي يعد مشتركا بين أنماط الجمل المتعددة مكونا جزئيا من الفعل الكلامي الذي يتضمن أيضا القوة الإنجازية.
وقد بينا خلال تقديمنا لطرح أوستن وسيرل الموقع المركزي الذي يحتله مفهوم الصدق ضمن نظرية أفعال الكلام، والذي لم يعد مقتصرا على الحكم فقط، بل أُدمج ضمن البعد التداولي للجمل ليرتبط بالأثر الإنجازي، حيث أضحى بالإمكان الحديث عن شروط استيفاء الفعل الكلامي، إذ لا يتم الاكتفاء فقط بالتوافق مع الوقائع في العالم الخارجي، بل يتجاوزه لإدماج قصد المتكلم وسياق الاستعمال والأثر الإنجازي.
لائحة المراجع:
المراجع العربية:
العلوي مولاي مروان (2017): الشرطيات في لسانيات الخطاب، دراسة دلالية ومنطقية. دار نور للنشر، ألمانيا.
المعجم الوسيط، 2004، مجمع اللغة العربية، الطبعة الرابعة، مكتبة الشروق الدولية.
الباهي حسان (2015): اللغة والمنطق: بحث في المفارقات. منشورات ضفاف، لبنان.
المراجع الأجنبية:
Aristotle : Metaphysics. In : Aristotle – Works. Translated under the editorship of J. A. Smith and W. D. Ross. Volumes I to XII. At The Clarendon Press, Oxford, 1908.
Asher Nicholas and Lascarides Alex (2001): Indirect Speech Acts. In: Synthese, Vol. 128, No. 1/2, pp. 183-228.
Austin L. John (1962) : How to do things with words. Oxford University Press.
AYER J. Alfred (1969): Trurh. In Thomas M. Olshewsky (eds), Problems in The Philosophy Of Language, pp.635-650. Holt, Rinehart and Winston (INC), New York.
Church Alonzo (1956) : Introduction to Mathematical Logic. 1970 (Eds.), Princeton University Press, New Jersey.
Davidson Donald (1967): Truth and Meaning. In The Essential Davidson, 2006 (Eds), pp. 155-170. University Press, Oxford.
Davidson Donald (1970): semantics of natural langauge. In Inquiries into Truth and Interpretation,1984 (Eds) , pp.55-64. Clarendon Press, Oxford.
Jaakko Hintikka (1961): Modality and Quantification. In: Theoria, Vol. 27, No.(3), pp.119-128.
Parsons Terence (1990) : Events in the Semantics of English, A Study in Subatomic Semantics. MIT Press. Cambridge. Massachustts. Pp 5-6.
Partee H. Barbara et al (1990): Mathematical Methods In Linguistics. Kluwer Academic Publishers, London.
Russell bertrand (1912): The problems of philosophy. Oxford university press, oxford.
Russell Bertrand (1918): The Philosophy of Logical Atomism. 2010 (Eds), Routledge.
Seale R. John (1969) : Speech Acts An Essay in the Philosophy of Language. Cambridge University Press.
Searle R. John (2007): Illocutionary acts and the concept of truth. In Dirk Greimann and Geo Siegwart (Eds.), Truth and Speech Acts Studies in the philosophy of language, pp. 31-40. Routledge, New York and London.
Tarski Alfred (1933): The Concept of Truth in Formalized Languages. In J. H. Woodger (Eds.), Logic, Semantics, Metamathematics. Papers from 1923 to 1938 by Alfred Tarski, pp. 152–278. Oxford Clarendon Press, Oxford.
In Philosophy and Phenomenological Research, Vol. 4, No. 3 (Mar., 1944), pp. 341-376.
Wittgenstein Ludwig (1922): Tractatus Logico-Philosophicus. Routledge Classics. Eds 2001.
[1] John L. Austin (1962) : How to do things with words. Oxford University Press.
[2] John R. Searle (1969) : Speech Acts An Essay in the Philosophy of Language. Cambridge University Press.
[3] إذا كان إسناد حكم ما صدقي للقضايا مرتبطا بمطابقتها أو مخالفتها للواقع، فإن اللغة الطبيعية تتضمن مجموعة من التعابير، من قبيل الجمل الإنجازية، التي لا يمكن الحكم عليها بالصدق أو الكذب، وفي هذا الإطار نلفي مجموعة من التصورات ضمن الأبحاث المنطقية التي اقترحت مفهوم الاستيفاء (satisfaction/ satisfiability) والذي يتمثل في إضافة شروط صدق إضافية تتجاوز شروط الصدق الثنائي القيمة، وذلك من قبيل منطق الموجهات الذي يفحص صدق القضايا بالنظر إلى العوالم الممكنة التي ترد فيها، ومن قبيل سيرل (2007) الذي ربط إسناد قيم صدقية إلى الجمل الإنجازية باستيفائها لفعل كلامي معين، فضلا عن هينتيكا (1961) Hintikka الذي ربط الاستيفاء بورود الجمل ضمن وصف حالة ما (state-description) معتمدا على طرح كارناب (1945)Carnap، ونلفي الإرهاصات الأولى لهذا المفهوم في تصور راسل (1912)Russell لمفهوم الصدق، إذ ربط صدق القضية بمطابقة اعتقاد المتكلم للواقعة التي تحيل عليها القضايا، لا بمطابقة القضية للواقع. يراجع في هذا الصدد:
Bertrand Russell (1912). The problems of philosophy. P 75.
Jaakko Hintikka (1961): Modality and Quantification. Pp 121-122.
John R. Searle (2007): Illocutionary acts and the concept of truth. P 34.
[4] لمزيد من التوسع، أحيل على:
Bertrand Russell (1918): The Philosophy of Logical Atomism. P 6-20.
[5] يمثل مفهوما (الاتساق) و(التمام) خاصيتين تتسم بهما الأنساق المنطقية (logistic systems) وتميزها عن الأنساق غير المنطقية. وفي هذا الصدد يعتبر تشرتش (1956) Church أن الاتساق مفهوم دلالي يستدعي عدم ورود مبرهنة ونقيضها ضمن نفس النسق، وقد وظفه تشرتش بوصفه مفهوما تركيبيا (syntactical) يتيح إمكانية الانتقال من قضية (ق) إلى نقيضها (~ق) بشكل يسمح بعدم تضمن النسق المنطقي للتناقضات. في حين يعد مفهوم (التمام) مفهوما دلاليا يشير إلى أن النسق المنطقي لا يتضمن تناقضا بين المبرهنات الممكنة وتأويلها ضمن النسق. وفي هذا الإطار يعتبر حسان الباهي (2015) أن الاتساق يشكل أحد الشروط الأساسية التي يفترض أن يحققها النسق الصوري. ونسلم باتساق نسق ما عند امتناع استنباط قضية ما ونقيضها في نفس الآن. كما يعتبر أن تمام نسق ما يتحقق كلما سمح باستنباط كل قضية صادقة في النظرية المراد تنسيقها، ونقول بعدم تمامه إذا امتنع تحقيق ذلك. يراجع في هذا الصدد:
Alonzo Church (1956): Introduction to Mathematical Logic. P 108.
حسان الباهي (2015): اللغة والمنطق بحث في المفارقات. صص 36-37.
[6] لمزيد من التوسع، أحيل على:
Alfred Tarski (1933).” The Concept of Truth in Formalized Languages”. pp. 152–278
Alfred Tarski (1944): The semantic conception of truth and the foundations of semantics, pp. 341-376
[7] ركز دفدسن على نظرية الصدق، التي اعتبرها ركيزة لبلورة نظرية المعنى في اللغة الطبيعية؛ واعتبر أن توفير الشروط الضرورية والكافية لصدق كل الجمل، وتوفير شروط الصدق يعد طريقة لمنح معنى للجمل. من أجل ذلك، انطلق دفدسن من مراجعة المواضعة (ص) لتارسكي ليبلور نظرية الصدق في اللغة الطبيعية، وتمثل هدفه من خلال ذلك، في توفير نظام صوري لدراسة المعنى، وبالتالي لدراسة الصدق، من خلال دراسة الصورة المنطقية للجمل في اللغة الطبيعية. وتمثلت أطروحة دفدسن في التسليم بالدعوى التي تبنت إمكان تحديد شروط صدق ألفاظ وتعابير اللغة الطبيعية وتحديد دلالاتها الحرفية في استقلال عن السياقات الخاصة واستعمالها مدخلا لتبنيه لمواضعة تارسكي. لمزيد من التوسع، أحيل على:
Donald Daividson(1967). Truth and Meaning. P 160.
Donald Daividson(1970): semantics of natural langauge. P 58.
حسان الباهي (2015): اللغة والمنطق: بحث في المفارقات. ص 119.
[8] سعى بارسنز(1990) إلى تطوير نظرية تدرس المعطيات اللسانية للغة الطبيعية. وقد انطلق من السؤال التالي: “ما المعطيات اللسانية التي ستنطلق منها هذه النظرية؟”[8]. وخلال إجابته عن هذا السؤال بسط المنهجية التي سيعتمدها في بناء نظريته، حيث تبنى الأساس الذي تأسست عليه نظرية دفدسن حول الأحداث، والمتمثلة في النظرية الدلالية التي تفحص صدق الجمل أو كذبها في ظل ظروف circumstances معينة، إذ أدمج الأدوار الدلالية ضمن الصورة المنطقية للقضايا. لمزيد من التوسع، أحيل على:
Terence Parsons (1990) : Events in the Semantics of English, A Study in Subatomic Semantics. P 10-80.
[9] Aristotle : Metaphysics . P 2288.
[10] Tarski alfred (1944): The semantic conception of truth and the foundations of semantics, p 343.
[11] Alfred J. Ayer (1969) : Trurh. pp 644-645.
[12] تعد القضية مصطلحا منطقيا، وهي في المعجم الوسيط “قول مكون من موضوع ومحمول يحتمل الصدق والكذب لذاته، ويصح أن يكون موضوعا للبرهنة”. يراجع: المعجم الوسيط، مادة “قضى”، ص 743.
[13] لمزيد من التوسع، يراجع في هذا الصدد: مولاي مروان العلوي (2017): الشرطيات في لسانيات الخطاب، دراسة دلالية ومنطقية.
[14] لم يعد العالم الواقعي أو المتحقق الحكم الوحيد في تقييم القضايا، بل أصبح التقييم يختلف باختلاف الخصائص التي تسند إليها في عالم ممكن ضمن مجموع العوالم الممكنة، حيث كشفت نظرية العوالم الممكنة عن قصور تصورات الدالة الماصدقية وبينت أن الوجود الواقعي لم يعد سوى مجرد عالم ممكن من بين كل العوالم الممكنة. وبذلك تم تجاوز تقييم المنطق ثنائي-القيمة الذي كان يعتمد على التطابق، إلى التقييم استنادا إلى عوامل الضرورة والإمكان والاستحالة يراجع في هذا الصدد: حسان الباهي (2015): اللغة والمنطق بحث في المفارقات ، صص 96-102.
Teun A.Van Dijk (1977): Text and Context Explorations in the Semantics and Pragmatics of Discourse. Pp 29 -31.
[15] Barbara H. Partee et al (1990) : Mathematical Methods In Linguistics P 414.
[16] يتحقق فعل الكلام غير المباشر عندما تدل الجملة أو الفعل الكلامي على فعل كلامي لا يمكن استنباطه من الجملة بل من السياق الذي وظفت فيه. ذلك من قبيل أن (الجو حار) عبارة عن جملة تقريرية لكنها تفيد الطلب ضمن السياق الذي وظفت فيه. ومن قبيل (هل الباب مفتوح؟) التي تدل على فعل كلامي يتمثل في السؤال، لكنها يمكن أن تعبر أيضا عن فعل كلامي آخر غير مباشر يتمثل في طلب فتح الباب. لمزيد من التوسع حول أنماط أفعال الكلام غير المباشرة وكيفية تأويلها أحيل على:
John R. Searle (1975): Indirect Speech Acts. Pp 59-82.
Nicholas Asher and Alex Lascarides (2001): Indirect Speech Acts. Pp 183-228.
[17] Jhon R. Searle (2007) : Illocutionary acts and the concept of truth. Pp 31-40. P 31.
[18] يراجع في هذا الصدد:
John R. Seale (1969) : Speech Acts An Essay in the Philosophy of Language. P 31.
[19] طرح فيتجنشتاين أربعة مشكلات تتعلق باللغة ، تتمثل في:
- مشكل أول يرتبط بما يرد في ذهن المتكلم عندما يستعمل اللغة ليعبر أو يقصد بها معنى ما؛
- مشكل ثان يتعلق بالعلاقة الكائنة بين الأفكار والكلمات والجمل، وما تحيل عليه؛
- مشكل ثالث يرتبط بتوظيف الجمل بوصفها صادقة؛
- مشكل رابع يتجلى في العلاقة التي يجب أن تكون بين الوقائع.
يراجع في هذا الصدد: Ludwig Wittgenstein (1922) :Tractatus Logico-Philosophicus. Introduction. P X.
[20] Jhon L. AUSTIN (1962) : How to do things with words .P 46-47.
[21] المرجع السابق، ص 6.
[22] الأمثلة مقتبسة من أوستن (1962)، ص 5.
[23] تعبر هذه الجملة عن تقليد انجليزي يقضي برشق السفينة التي ستبحر أول مرة بزجاجة من الخمر الفاخر.
[24] Jhon L. AUSTIN (1962) : How to do things with words. P 6.
[25] المرجع السابق، ص 6.
[26] Jhon L. AUSTIN (1962) : How to do things with word. P 94.
[27] المرجع السابق، صص 98-99.
[28] المرجع السابق، ص 101.
[29] يراجع في هذا الصدد:
John R. Seale (1969) : Speech Acts An Essay in the Philosophy of Language. Pp 23-25.
[30] Jhon R. Searle (2007) : Illocutionary acts and the concept of truth.. P 31.
[31] يراجع في هذا الصدد:
John R. Seale (1969) : Speech Acts An Essay in the Philosophy of Language. P 31.
[32] تق= تقرير
سؤ=سؤال
أم=أمر
رغ=رغبة
[33] يراجع في هذا الصدد:
Jhon R. Searle (2007) : Illocutionary acts and the concept of truth. 31.32-
[34] Jhon R. Searle (2007) : Illocutionary acts and the concept of truth. P 33.
[35] المرجع السابق، الصفحة نفسها.
[36] يراجع في هذا الصدد: المرجع السابق، ص 34.
[37] المرجع السابق، ص 36.