دور المصطلح اللساني في تحقيق الكفاية التفسيرية في التحليل النحوي والتوليدي: مصطلح الجمل غير الفعلية أنموذجا
The role of linguistic term in realizing explanatory adecuacy in grammatical and generative analysis: verbless term as an example
ط/د. لحمامي رضوان، جامعة الحسن الثاني، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، الدار البيضاء.
Lahmami Radouane, Faculty of letters Ben M’sik Casablanca, Hassan II University Casablanca,
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية العدد 79 الصفحة 81.
الملخص:
تطرح بعض المصطلحات النحوية مشكلا بالنسبة للكفاية التفسيرية في النحو العربي والتوليدي أثناء دراسة الظواهر اللغوية. نبين في هذا المقال دور المصطلح اللساني “الجملة غير الفعلية” في حل إشكال مفهوم الاسمية في المصطلح النحوي “الجملة الاسمية” لتحقيق الكفاية التفسيرية لأنماط الجملة العربية.
الكلمات المفاتيح: المصطلح اللساني، المصطلح النحوي، الجملة الاسمية، الجملة غير الفعلية، الكفاية التفسيرية، النحو العربي، النحو التوليدي.
Astract
Some grammatical terms pose problem to explanatory adequacy in Arabic and generative grammar during. We show in this article the role of linguistic term “verbless clause” in resolving nominality problem of grammatical term “nominal clause” in order to realize the explanatory adequacy of Arabic clause types.
Keywords: of linguistic term, grammatical term, nominal clause, verbless clause, explanatory adequacy, Arabic grammar, generative grammar.
1. مصطلح الجملة غير الفعلية
يعتبر مصطلح الجمل غير الفعلية من المصطلحات الجديدة في التحليل اللساني، لذلك، لا يجد الباحث في الجملة العربية، في إطار النحو العربي القديم، ذكرا لهذا المصطلح الذي شكل البديل المناسب للجمل الاسمية البسيطة التي يكون فيها المحمول مركبا وصفيا أو مركبا حديا أو مركبا حرفيا كما في (1) و(2) و(3) تباعا.
(1) زيد ظريف
(2) زيد أستاذ
(3) زيد في البيت
وإذا كان التصور النحوي العربي يدرج البنيات (1) و(2) و(3) ضمن ما يعرف بالجمل الاسمية، نظرا لابتدائها باسم، فإن هذه البنيات تعد، بالنسبة للتوليد يين، جملا غير فعلية، نظرا لعدم تضمنها لمحمول فعلي.
إن الاستناد، في تقسيم الجملة العربية، إلى مقولتي الفعل والاسم، وإن عكس طرق تركيب الكلام العربي غير الموسوم، لا يميز بين البنيتين (4) و(5) اللتين تعدان في التحليل النحوي جملتين اسميتين إلا من حيث الحجم، فبينما تعد البنية (4) جملة اسمية بسيطة، تعد البنية (5) جملة اسمية مركبة.
(4) زيد آت
(5) زيد أتى
وإذا كانت البنية (4) لا تطرح في التحليل النحوي أي مشكل تنميطي، لعدم إمكانية تقديم الخبر النكرة (آت) على المبتدأ المعرفة (زيد)، فإن إمكانية تقديم الفعل (أتى) على المبتدأ (زيد)، كما في (6)، يثير العديد من الإشكالات بخصوص كفاية مصطلح الجملة الاسمية في وصف وتفسير البنية (5) التي تعتبر في التحليل التوليدي جملة فعلية تموضع فيها الفاعل المحوري.
2. الكفاية التنميطية لثنائية محمول فعلي/ محمول غير فعلي
يفرز التحليل النحوي، عند تحديده لمفهوم الجملة الاسمية، نوعين من الافتراضات، افتراض بصري يحدد الجملة استنادا إلى صدرها، وافتراض كوفي يدفع نحو تحديد الجملة استنادا إلى طبيعة محمولها. وللتمييز بين هذين التصورين نعتبر أن التصور البصري تصور يندرج، بمفاهيم اللسانيات التوليدية، ضمن وجيهة تركيب – تداول، وهو تصور يميز بين الوظائف النحوية (وظيفة الفاعل مثلا) والوظائف الخطابية (وظيفة المبتدأ مثلا)، فبينما يحلل البصريون الجمل التي يتقدم فيها الفاعل على الفعل على أنها جملة اسمية معتبرين العنصر الأول مبتدأ، يجوز الكوفيون تقديم الفاعل على الفعل معتبرين العنصر الأول فاعلا مقدما.
ويبدو أن ما استدل به البصريون من روائز تركيبية ودلالية من قبيل دخول المصدريات كما في (6أ، ب)، وكذا إمكانية ملء الفاعل الفارغ في (7أ، ب)، يجعل العديد من الباحثين نحاة وتوليدين يتمسكون بافتراض المبتدأ و/أو الموضع.
(6) أ. إن زيدا أستاذ
ب. *إن جاء زيد
(7) أ. زيد قام
ب. زيد قام أبوه
وإذا كان ما قدمه البصريون من حجج لصالح افتراض المبتدأ يعزز موقفهم بخصوص اسمية البنيات (6أ) و(7أ)، فإن تحليلهم للبنية (7ب) على أنها جملة مركبة يدفع إلى التمييز بين الجمل الاسمية البسيطة كما في (8) والجمل الاسمية المركبة كما في (9)، وضمن الجمل المركبة بين الجمل الاسمية ذات الوجه الواحد كما في (9) والجمل الاسمية ذات الوجهين كما في (7أ) أعلاه.
(8) زيد قائم
(9) زيد أبوه قائم
وإذا كان تمييز الجمل المركبة عن الجمل البسيطة يستند إلى عدد المحمولات الواردة في البنية الجملية، فإن تنميط الجمل يستند إلى طبيعة المحمول الرئيس، وبما أن المحمول الرئيس في الجمل غير فعلية محمول غير فعلي، فإنه من الضروري تحديد خصائص هذا النمط من المحمولات في كل من الإسناد البسيط والإسناد المركب.
2. 1. مفهوم المحمول غير الفعلي
كما هو ملاحظ من خلال مصطلح المحمول غير الفعلي يدل هذا النوع من المحمولات على كل محمول غير فعلي؛ أي يدل على كل محمول ليس بفعل. وبما أن المحمولات غير الفعلية لا تخرج عن إحدى الحالات الثلاث: محمولات اسمية، محمولات وصفية، محمولات ظرفية و/أو حرفية. وتختلف المحمولات غير الفعلية عن المحمولات الفعلية بملازمة الثانية للحملية خلافا لما هو عليه الحال في الأولى. ولتوضيح ذلك، نقارن مثلا (10أ) و(11أ) و(12أ) بـ (10ب) و(11ب) و(12ب):
(10) أ. زيد لطيف
ب. جاء رجل لطيف
(11) أ. زيد في البيت
ب. جاء الفصل في ستين صفحة
(12) أ. زيد أستاذ
ب. الأستاذ جاء
نلاحظ من خلال هذه الأمثلة أن المحمول الفعلي (جاء) ملازم للحملية في (10ب) و(11ب) و(12ب)، بينما يمكن للمحمول غير الفعلي، سواء كان وصفيا (لطيف) كما في (10أ)، أو حرفيا (في البيت) كما في (11أ)، أو اسميا (أستاذ) كما في (12أ)، أن يرد غير حملي كما في (10ب) بالنسبة للمركب الوصفي (لطيف) و(11ب) بالنسبة للمركب الحرفي (في ستين صفحة) و(12ب) بالنسبة للمركب الحدي (الاستاذ). فكيف يمكن الاستناد إلى طبيعة المحمول للتمييز بين الجمل الاسمية البسيطة والجمل الاسمية المركبة من جهة، والجمل الفعلية والجمل الرابطية من جهة أخرى؟
2. 2. أنماط المحمولات غير الفعلية
نستعمل، تبعا لكثير من الباحثين (الفاسي 1993، البلوشي 2011، الحريص 2006، الرحالي 2008 من بين آخرين)، مصطلح الجمل غير الفعلية للدلالة على الجمل التي تتضمن محمولا غير فعلي. وما دام الكلم في العربية اسم وفعل وحرف، فإن المحمولات غير الفعلية تتضمن محمولات اسمية ومحمولات حرفية. وإذا كانت المركبات الاسمية والمركبات الحرفية لا تطرح أي مشكل بخصوص طبيعتها الحملية، فإن المركبات الوصفية تثير مشكلا مقوليا يتطلب تحديد خصائصها الدلالية والتركيبية لتبين ما إذا كانت محمولات فعلية أم محمولات غير فعلية. لذلك، قبل أن نناقش خصائص المحمولات غير الفعلية الاسمية والحرفية، نبحث في الفقرة الآتية المحمولات الوصفية.
2. 2. 1. المحمولات الوصفية
رغم تقسيم النحاة الكلم في العربية إلى اسم وفعل وحرف[1]، إلا أنهم فرعوا عن هذه الأقسام فروعا، فجعلوا، عند تفريعهم للاسم، الصفة فرعا عن الأسماء، وللاستدلال على ذلك نأخذ النص الآتي الذي يعرف فيه الزمخشري اسم الجنس.
(13) “وهو ما علق على شيء وعلى كل ما أشبهه، وينقسم إلى اسم عين، واسم معنى؛ وكلاهما ينقسم إلى اسم غير صفة، واسم هو صفة”.
(شرح المفصل، ج. 1، ص. 91)
استنادا إلى (13) وإلى ما تفرزه الصفة من خصائص اسمية، كالتنوين والإضافة، والتعريف، مثلا، يحدد ابن يعيش الصفة باعتبارها اسما يجمع بين ذات وصفة[2]. ولم يكتف ابن يعيش بتحديد الصفة دلاليا، بل حاول تمييزها صرفيا باعتبارها اسما مشتقا من الفعل. ولم تقتصر معالجات النحاة للصفة من المنظورين الصرفي والدلالي، فقد سعى بعض النحاة (سيبويه والأستراباذي مثلا) إلى تحديد الصفة دلاليا وتركيبيا، وللاستدلال على ذلك، نأخذ النصين الآتيين:
(14) يقول سيبويه: “واعلم أن الشيء يوصف بالشيء الذي هو هو وهو من اسمه وذلك قولك هذا زيد الطويل، ويكون هو هو وليس من اسمه، وذلك قولك هذا زيد ذاهبا ويوصف بالشيء الذي ليس به ولا من اسمه كقولك هذا درهم وزنا”.
(سيبويه، الكتاب، ج. 2، ص. 118)
(15) يقول الأستراباذي: “الصفة تطلق باعتبارين عام وخاص، والمراد بالعام كل لفظ فيه معنى الوصفية جرى تابعا أو لا فيدخل فيه خبر المبتدأ والحال في نحو زيد قائم وجاءني زيد راكبا، إذ يقال هما وصفان، ونعني بالخاص ما فيه معنى الوصفية إذا جرى تابعا نحو جاءني رجل ضارب”.
(الأستراباذي، شرح الكافية، ج. 2، ص. 312)
استنادا إلى (14) و(15)، نستنتج أن الصفة تنقسم إلى قسمين: صفة محضة وصفة مشتقة، وللتمييز بين هذين النمطين يستعمل الفاسي (1993) مصطلحي الصفة الذرية والصفة غير الذرية. ويستند تقسيم الفاسي إلى المعيار الصرفي للتمييز بين الصفات الذرية والصفات غير الذرية، فالذرية مشتقة، وغير الذرية غير مشتقة.
ولتفحص طبيعة المحمولات الوصفية في الجمل غير الفعلية نأخذ البنيات الآتية:
(16) أ. زيد سعيد صديقه
ب. زيد يسعد
(17) أ. زيد معين/معوان أصدقاءَه
ب. زيد يعين أصدقاءه
(18) أ. الأوليان مكْرَمون
ب. الأولياء يُكرَمون
(19) أ. الأولياء مقدَّس سرُهم
ب. الأولياء يُقدَّس سرُّهم
نستنتج من خلال المقارنة بين هذه البنيات أنه، رغم تشابه المحمولات الوصفية العاملة مع المحمولات الفعلية من حيث قدرتها، في بعض الأسيقة التركيبية، على رفع الفاعل في حالة لوزم الأفعال المشتقة منها كما في (16أ)، ورفع الفاعل ونصب المفعول في حالة تعدي الأفعال المشتقة منها كما في (17أ)، ورفع نائب الفاعل الضمير في حالة اشتقاقها من المبني لغير الفاعل كما في (18أ)، أو نائب الفاعل الظاهر كما في (19أ)، فإنه لا يمكن عد المحمولات الوصفية محمولات فعلية، لأنه لا يمكن، خلافا للبنيات (16أ) و(17أ) (18أ) و(19أ)، عد البنيات (16ب) و(17ب) و(18ب) و(19ب) جمل غير فعلية مركبة، نظرا لعدم إمكانية تطابق المحمول غير الفعلي الوصفي مع فاعله في سمة الشخص المرتبطة، تحديدا، بالفعل. وبناء عليه، نستنتج أن الجمل غير الفعلية البسيطة ذات المحمولات الوصفية، سواء كانت هذه المحمولات سكونية تدل على الثبوت كما في (16أ)، أو دينامية تدل على الحدوث كما في (17أ) و(18أ) و(19أ)، جمل غير فعلية ذات إسناد واحد.
2. 2. 2. المحمولات الحرفية
تظهر المعطيات العربية، بالنسبة للمحمولات الحرفية، أنواعا مختلفة من الجمل غير الفعلية التي ينعقد فيها الإسناد غير الفعلي بواسطة الحرف. وتتميز هذه الجمل بكون محمولاتها عبارة عن مركبات حرفية كما في البنيات الآتية:
(20) زيد في البيت/ بين الأشجار
(21) هناك رجل في البيت
(22) البيت لي
ويختلف النحاة العرب في طريقة معالجتهم للبنيات التي يكون فيها الخبر مركبا حرفيا أو ظرفيا، فمنهم من يعتبر المركب الحرفي أو الظرفي خبرا، ومنهم من يقدر الخبر إما بفعل (يستقر) أو باسم الفاعل (مستقر) أو اسم المفعول (موجود). ويطرح هذا النوع من التقديرات مشكلا بالنسبة للنسخ الأدنوية تشومسكي (1995 وما تلا ذلك من نماذج)، نظرا لعدم استجابته لمبدأ الاقتصاد في التمثيلات والاشتقاقات. لذلك، تدرج هينجفليد (1992) هذا النمط من البنيات، ضمن بنيات الإسناد غير الفعلي ذي المحمولات العلاقية. وتنقسم هذه المحمولات بحسب هينجفليد إلى محمولات محلية (locative predicates) كما في (20)، ومحمولات وجودية (existential predicates) كما في (21)، ومحمولات دالة على الملكية كما في (22).
وتطرح المحمولات العلاقية في العربية بعض الإشكالات بخصوص خصائصها التركيبية والدلالية، ولرصد هذه الخصائص، نبدأ بالمحمولات المحلية و/ أو الوجودية.
لنأخذ الأمثلة الآتية:
(23) الرجل في البيت
(24) الرجل هناك
(25) هناك/ في البيت، الرجل لا هنا/ لا في السوق
(26) هناك رجل
(27) رجل، هناك
(28) هناك رجل في البيت
تعد البنيتان (23) و(24) محليتين لدلالة محموليهما (في البيت، هناك) على المحل الذي يوجد فيه الموضوع الفاعل (الرجل). وقد يتقدم الظرف على فاعله كما في (25)، وفي هذه الحالة يصعد الظرف إلى موقع البؤرة. وينتقل تأويل الظرف (هناك) في البنية (26) من الدلالة على المحلية إلى الدلالة على معنى الوجود. لذلك تدرج هينجفليد (1992) المقابل الإنجليزي للبنية (26) ضمن الجمل الوجودية، متبنية في ذلك تحليل المبهم الوجودي (there). لكن إذا كان المبهم الوجودي يحلل في الإنجليزية على أساس أنه مبهم يضم في مخصص الزمن (تشومسكي 1995)، فإننا نفترض أن العربية تسمح بمحمولات وجودية تتقدم فواعلها كما في (27). ولتبرير صعود المحمول الوجودي في (28)، نفترض وجود سمة (+موضع) في الرأس الزمن لا يمكن تقييمها بواسطة النكرة غير المخصوصة (رجل). ويتميز المحمول الوجودي غير المحض[3] عن المحمول الوجودي المحض بكونه ينتقي فاعلا نكرة غير مخصوصة، لذلك لا تصح قراءة (27) إلا على التخصيص، ولا يعد فيها المحمول (هناك) إلا محمولا وجوديا محضا يعبر عن الظرف المكاني المعين إشاريا.
ويتميز المحمول الوجودي غير المحض عن المحمول الوجودي المحض بكونه حاجزا يمنع النقل فوقه كما في (29). وعند توارد المحمول الوجودي غير المحض مع المحمولات الوجودية المحضة يميز بين النمطين تركيبيا بكون المحمولات الوجودية المحضة، خلافا للمحمولات الوجودية غير المحضة، تضم في موقع الملحقات. وبناء عليه، لا تقبل البنية (30) إلا على قراءة التبئير.
(29) *هناك كان هناك رجل
(30) هناك، كان هناك رجل/ لا هنا
كما ينبغي أن نميز أيضا، في إطار المحمولات الوجودية، بين المحمولات الوجودية الحرفية والمحمولات الوجودية الظرفية، لأن النمط الأول يحدد بواسطة المركب الحرفي كما في (31)، والثاني يحدد بواسطة المركب الحدي الظرفي كما في (32).
(31) الرجل في البيت
(32) الرجل خلف السور
وإضافة إلى المحمولات الوجودية، نجد محمولات حرفية تتضمن معنى الملكية كما في (33)، أو معنى التشبيه كما في (34)، أو معنى المعادلة كما في (35)، أو معنى الأجلية كما في 36))، أو معنى التعيين كما في (37).
(33) القلم لهند
(34) زيد كالأسد
(35) زيد بألف رجل
(36) القلم للكتابة
(37) السؤال لك
ولتحديد الخصائص التركيبية والدلالية للمحمولات العلاقية، نفترض، أولا، خلافا لهينجفليد (2011)، أن العربية لا تقبل إدراج المحمولات الوجودية، بنوعيها المحضة وغير المحضة، ضمن دائرة المحمولات العلاقية. وللاستدلال على ذلك نقارن بين (38) و(39) و(40) و(41).
(38) زيد/ القلم في البيت
39)) زيد/*الثعبان كالأسد
(40) القلم لـهند/*للكتابة
(41) القلم/ زيد لهند
نلاحظ من خلال (38) عدم وجود أي قيد دلالي على الفاعل (زيد، قلم، …)، ما يجعل المحمول غير الفعلي في هذا النمط من البنيات يتمثل في المركب الحرفي برمته. وبالتالي، لا يمكن إدراج المحمولات المحددة بالمركبات الحرفية ضمن المحمولات العلاقية إلا إذا افترضنا أن الحرف (في)، مثلا، يتضمن علاقة الحلول المكاني و/ أو الزماني. لكن مثل هذا الافتراض غير مُميِّز تركيبيا، لأنه يجعلنا نمثل للبنيات (38) و(39) و(40) و(41) بالطريقة نفسها دون أي اعتبار للفرق بين الحروف غير الأدوات كما في (38)، والحروف الأدوات كما في (39) و(40) و(41). لذلك، نفترض أن المحمولات العلاقية لا تتضمن إلا الحروف الأدوات التي يتم تخصيصها وتحديد وظيفتها (أداة تشبيه، أداة ملكية، أداة أجلية…) في الصورة المنطقية بعد ملء موقعي الفضلة والمخصص.
2. 2. 3. المحمولات الاسمية
يعد الاسم أحد أقسام الكلم في العربية. ولتحديد الخصائص المميزة للاسم نستشهد بما أورده ابن مالك في ألفيته:
(42) بالجر والتنوين والنداء وال***ومسند للاسم تمييزا حصل
(ابن عقيل، شرح ابن عقيل، ج. 1، ص. 9)
نلاحظ من خلال (42) أن الاسم، خلافا للفعل والحرف، يجر وينون وينادى، ويعرف وينكر، ويسند إليه. وإذا كان الاسم، بحسب النحاة، ينقسم من حيث خصائصه الدلالية إلى ظاهر ومضمر ومبهم، فإن أهم خاصية تميزه، بحسب هؤلاء، هي الإسناد إليه.
ويفرز الاسم في إطار العلاقة الإسنادية خصائص تركيبية خاصة، إذ كما يسمح بأن يكون مسندا إليه كما في (43)، يسمح بأن يكون، أيضا، مسندا كما في (44) مثلا.
(43) جاء الرجل
(44) الرجل أستاذ
وإذا كان الاسم من حيث إحاليته يسمح بالتمييز بين النكرة والمعرفة فإنه، إلى جانب المحمولات الاسمية النكرة كما في (44)، توجد محمولات اسمية معرفة كما في البنيات الّآتية:
(45) أنا/ هذا زيد
(46) هذا كتابي
(47) هذا أنا
ولاستيعاب البنيات (45، 46، 47) يتم اعتماد المركب الحدي بدل المركب الاسمي. ولحل الإشكال الوجيهي يستند أدجر ورامشاند (2003) ومايكلسن (2005) إلى فرضية بارتي (1987) التي تسمح بتحويل الأنماط الدلالية للمركبات الحدية. ففي البنيات الثلاثة الأخيرة يتم تحويل المركبات الحدية (زيد، كتابي، أنا)، تباعا، من (النمط ˃ذ˂) (type ˂e˃) الدال على الموضوعات إلى (النمط ˃ذ، ق.ص˂) (type ˂e, t˃)[4] الدال على المحمولات.
وفي إطار المحمولات الاسمية، نرصد، أيضا، نمطا خاصا من المحمولات يستعمل للدلالة على الهوية. ويتميز هذا النوع من المحمولات بكونه يأتي على صورة ضمير يعرف في الاصطلاح النحوي باسم ضمير الفصل، ويضطلع هذا النوع من الضمائر بوظيفة تحقيق علاقة الهوية بين مركبين حديين كما في (48) و(49) و(50) و(51).
(48) زيد هو المنطلق
(49) المنطلق هو زيد
(50) هذا هو زيد
(51) زيد هو عرفات
يعد الضمير (هو) في البنيات (48، 49، 50، 51) رابطة هوية تعبر عن معنى التماثل والمعادلة المعبر عنه في اللغة الصورية بالرمز (=).
إن تقسيم المحمولات إلى قسمين محمولات فعلية ومحمولات غير فعلية يحل إشكال تنميط الجمل في العربية وغيرها من اللغات الأخرى التي تظهر معطياتها وجود محمولات حرفية إلى جانب المحمولات الاسمية والوصفية والفعلية، ويتجاوز مشاكل تنميط الجمل استنادا إلى صدرها في أصل الجملة رتبة وبنية، سواء في إطار الجمل البسيطة كما (52) أو في إطار الجمل المركبة كما في (53) و(54) و(55) و(56) و(57) و(58).
(52) زيد سعيد
(53) زيد جاء
(54) زيد أبوه سعيد
(55) هذه عين مياهها جارية
(56) رأيت عينا مياهها جارية
(57) هذه عين تجري مياهها
(58) رأيت عينا تجري مياهها
لتمييز البنيات (32) و(53) و(54) عن البنيات (55) و(56) و(57) و(58) نفترض وجود نوعين من الجمل: جمل بسيطة تمثلها بنيات المجموعة الأولى، وجمل مركبة تمثلها بنيات المجموعة الثانية، ويتميز النوع الأول بكونه يتضمن محمولا واحدا، في حين يتضمن النوع الثاني على الأقل محمولين. ولتمييز الجمل غير الفعلية البسيطة عن الجمل غير الفعلية المركبة نربط مفهوم التركيب بعدد المحمولات الموجودة في الجملة وطبيعة المحمول الرئيس و/أو الدامج لا بطبيعة المحمول وما إذا كان مفردا كما في (52) أو جملة كما في (53) و(54). وبناء عليه، نميز في إطار البنيات (55) و(56) و(57) و(58)، بين نوعين من الإسناد: إسناد أول (primary predication) وإسناد ثاني (secondary predivation) نحددهما، على التوالي، في البنية (54)، مثلا، بالمعقوفين كما في (59).
(59) [هذه عين ][مياهها جارية]
ويتميز الإسناد الأول عن الإسناد الثاني في (59)، بمصطلحات الأستراباذي، بكون الأول إسنادا أصليا مقصودا لذاته وكون الثاني إسنادا أصليا غير مقصود لذاته. وقد يميز أيضا بين الإسناد الأول والإسناد الثاني، على التوالي، بمصطلحي الجملة الدامجة والجملة المدمجة. وبناء عليه، يمكن تنميط الجمل المركبة استنادا إلى طبيعة المحمول في الإسناد الأول بصرف النظر عن طبيعة المحمول في الإسناد الثاني. وإذا كانت الجمل المركبة ذات الوجه الواحد كما في (54) و(58)، أعلاه، لا تطرح أي مشكل تنميطي لتشابه محمول الإسناد الأول مع محمول الإسناد الثاني، فإن اعتماد قيد طبيعة المحمول في الإسناد الأول يجعل البنية ذات الوجهين (56) جملة فعلية، والبنية ذات الوجهين كما في (57) بنية غير فعلية. وبالتالي، يمكن تقسيم الجمل المركبة في البنيات (54) و(55) و(56) و(57) إلى جمل فعلية ذات وجه واحد كما في (59) وجمل فعلية ذات وجهين كما في (56)، وجمل غير فعلية ذات وجه واحد كما في (54) وجمل غير فعلية ذات وجهين كما في (58).
3. خلاصة
بينا في هذا المقال، من خلال مصطلح الجمل غير الفعلية، دور المصطلح اللساني في تحقيق الكفاية التفسيرية في التحليل النحوي والتوليدي. فاستنادا إلى مصطلحي المحمول الفعلي والمحمول غير الفعلي، من جهة، ومصطلحي محمول الإسناد الأول ومحمول الإسناد الثاني، من جهة أخرى، أمكن تنميط الجمل العربية بنوعيها البسيطة والمركبة.
المراجع والمصادر العربية
ابن عقيل، شرح ألفية ابن مالك، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة، 1964
ابن يعيش، أبو البقاء، شرح المفصل، دار الكتب العلمية بيروت-لبنان، ط 1 ، 2001.
الاستراباذي، رضى الدين، شرح كافية ابن الحاجب، تحقيق يحيى بشر مصطفى، جامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامي، 1996.
الرحالي، محمد. (2008)، الجمل غير الفعلية في اللغة العربية. بحث غير منشور.
المراجع والمصادر الأجنبية
Adger, D. & Ramchand, G. (2003). Predication and equation. Linguistic Inquiry, 34, 325-359.
Al-Balushi, R, A. (2011). “ Case in Standard Arabic: The Untraveled Paths”, [Doctoral dissertation], University of Toronto.
Al-Horais, N. (2006), “Arabic Verbless Sentence: Is There a null VP?”, in Pragmalinguistica, 14, 101-116.
Chomsky, N. (1995). The Minimalist Program. Cambridge, Mass, MIT Press.
Fassi, F. A. (1993). Issues in the structure of Arabic clauses and words. Dordrecht: Kluwer. https://doi.org/10.1007/978-94-017-1986-5
Hengeveld, Kees. 1992. Non-verbal predication : Theory, typology, diachrony (Functional Grammar series 15). Berlin: Mouton de Gruyter.
Mikkelsen, L. (2005). Copular clauses. Specificational, predicational and equation. Amsterdam:John Benjamins.
Partee, B. (1987). Noun phrase interpretation and type-shifting principles. In J. Groenendijk, D. de Jong, and M. Stokhof (Eds.), Studies in discourse representation theory and the theory of generalized quantifiers, pp. 115–143. Dordrect: Foris.
[1] ـ يقول الزمخشري: “الكلمة هي اللفظة الدالة على معنى مفرد بالوضع لا بالطبع، وهي جنس تحته ثلاثة أنواع: الاسم، والفعل، والحرف”
(شرح المفصل، ج. 2، ص. 70)
[2] ـ شرح المفصل، ج. 1، ص 26.
[3] ـ نستند إلى الفاسي (2010: 140) الذي ينتقد تحليل بنمامون (1998) بخصوص المبهم الوجودي (هناك) معتبرا أنه ليس مبهما حشويا على غرار (there) في الإنجليزية، بل ظرف. وفي هذا الإطار يجب التمييز بين الجمل الوجودية المحضة (1) والجمل الوجودية غير المحضة كما في (2).
- كان في الدار طالب
- كان هناك طالب في الحديقة
[4] ـ نوع من الدوال تتخذ الذوات دخلا محولة إياها إلى قيم صدقية.