الحـــــــــــق في النسيان الرقمي : دراسة مقارنة بين القوانين الأوربية والقانون الجزائري
Right to be forgotten numerically, a Comparison Study between European law and Algerian law
د. بن عزة محمد حمزة، كلية الحقوق ـ جامعة عين تموشنت ـ
Benazza Mohamed Hamza, Faculty Of Law ,Ain Temouchent University
منشور في مجلة جيل الأبحاث القانونية المعمقة العدد 46 الصفحة 59.
الملخص:ما إن أتيحت شبكة الانترنت أمام الاستعمال العام حتى أقبل عليها عدد منقطع النظير من الناس من مختلف الأعمار والأجناس ومن شتى بقاع الأرض، وفي الوقت الذي لا يمكن لأحد أن ينكر دورها الهام في حياة الفرد والشعوب، لا تخفى ما لاستخدامها من سلبيات أهمها أنه يتعذر على مستعملها إزالة أثاره التي يخلفها استعماله لمختلف مواقع الشبكة وخدماتها، خلافاً لما كان عليه الحال قبل ظهورها.
لم يكن أمام الهيئات القضائية خاصة الأوربية وقد طلب منها البث في قضايا المطالبة بالنسيان الرقمي سوى أن تلجأ إلى ابتداع ما يسمى بالنسيان الرقمي.
تحاول هذ الدراسة الإجابة عن مختلف الإشكالات القانونية التي يثيرها هذا الحق منها مدلوله الدقيق، وطبيعته القانونية وأليات تجسيده عمليا.
الكلمات المفتاحية: الحق في النسيان، رقمي، محو، إلغاء الفهرسة، بيانات شخصية.
Abstract:
The availability of the internet allows the general use of lot people from different ages and nationalities from whole the world.
Although at the same time no one can ignore its efficiency in our life but it has disadvantages of which the user couldn’t delete his personal data from different websites
However the juridical instance parts specially European claims the numeric eraser or to create the right to be forgotten
The main of this study is to find answer on all questions that contains that right and to apply several laws about it .
Key words: right to be forgotten -numerically –delete –dereferencing-personal data-
تمهيد:
تعد فكرة الحق في النسيان من الأفكار التي يمكن وصفها “بالقديمة الجديدة”، فهي قديمة لأن إثارتها لم تكن وليدة الحاضر بل تعود لسنوات خلت حتى وإن كان التعبير عنها جاء تحت مسميات وأفكار تبدو في ظاهرها مختلفة عنها، وجديدة لأن البيئة الرقمية بما جادت به من خدمات وتطبيقات ساهمت بشكل كبير في بلورتها وإخراجها بشكلها الحالي.
فلا ريب في أن الإنسان صغيراً كان أم كبيراً، ذكراً أم أنثى تمر عليه أيام وليالي يعيش فيها أحداثاً ووقائعاً بعضها مرّ وبعضها الآخر سعيد، والأكيد أنه لا يرغب في تذكر التعيسة منها ولا استعادة المحزنة منها، ولا ملاذ له إن أراد ذلك سوى اللجوء إلى النسيان ليتخلص من شبحها ويستطيع مواصلة مسيرته بكل ثبات، ولم يسمى الإنسان إنساناً إلا لقدرته على النسيان.
في الوقت الذي لا تخفى على أحد فيه أهمية النسيان في حياة البشر، كانت للقانون محاولات متفرقة هنا وهناك من أجل ضمان فرض النسيان في حياة الفرد أو الجماعات وذلك حتى لا تكون ذاكرتها سبباً في كبوتها وعدم استطاعتها النهوض من جديد كما حدث بالنسبة للتشريعات التي جرمت التذكير بالجرائم النازية التي وقعت في الحرب العالمية الثانية أو الأفعال التي تشكل مساساً بالذاكرة الوطنية وغيرها.
غير أن مجيء الانترنت ساهم في تعقيد الوضع أكثر فأكثر، ذلك أن ظهور بعض تطبيقات الجيل الثاني التي مكنت الأفراد من بث محتوياتهم الخاصة على الشبكة كمواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، فضلاً عن محركات البحث التي سهلت من مهمة البحث عن المضامين عبر الشبكة أدّت كلها إلى تعذر بل وفي بعض الأوقات إلى استحالة سحب أو إزالة هذه المضامين على عكس ما يحدث في العالم المادي المحسوس أين يمكن بكل سهولة القيام بذلك، وهو ما كان له تأثير سلبي على حياة الفرد المرتبط بالشبكة والمتصل بها اتصالاً دائما لا فكاك عنه.
في ضوء هذه المعطيات التي فرضتها الرقمنة كان من الضروري البحث عن ألية قانونية تمكن مستخدمي الشبكة من إزالة المحتويات المعلوماتية المنتشرة عبر كافة المواقع الرقمية سواء تلك التي قاموا ببثها هم أنفسهم أو تلك المتعلقة بهم وثم نشرها من طرف الغير، ولم يجد القضاء والفقه المقارنين من حل لهذه المعضلة سوى ابتداع فكرة النسيان الرقمي، وهي الفكرة التي تحولت شيئا فشيئاً إلى حق تردده ألسنة القضاة وتلجأ إليه المحاكم كلما دعيت للبث في أقضية موضوعها النسيان الرقمي.
تحاول هذه الدراسة التطرق إلى مختلف الجوانب القانونية التي يثيرها الحق في النسيان الرقمي كحق من الحقوق التي بدأ الحديث عنها كما أسلفنا مع الانتشار الرهيب لتكنولوجيا المعلومات وتشعب تطبيقاتها وذلك في محاولة منا الإجابة على تساؤل مفاده هل أن الحق في النسيان الرقمي أصبح حقاً كغيره من الحقوق بالإمكان الاستناد عليه من طرف مستخدمي الشبكة والمتضررين للمطالبة باتخاذ تدابير ترمي إلى المحافظة على ذاكرتهم؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب فماهي مختلف التدابير والآثار المترتبة عن هذا الحق والمساهمة في تجسيده؟
لم نجد في سبيلنا للإجابة على هذا التساؤل سوى الاستعانة بالمنهج المقارن عبر مقارنة التشريعات الأوربية وما توصلت إليه مختلف محاكمها وهيئاتها القضائية من أحكام قانونية ترمي إلى ضبط هذا الحق ووضع الأطر اللازمة لوضعه حيز التنفيد مع ما هو متوافر من نصوص قانونية جزائرية ذات الصلة.
المطلب الأول: محاولة تحديد فكرة الحق في النسيان الرقمي بين الإقرار القضائي والانتقاد الفقهي.
حتى تكون دراسة الحق في النسيان الرقمي دقيقة محيطة بمختلف تفاصيله، ينبغي التطرق لمختلف الجوانب المرتبطة بهذا الحق بدءاً بتعريفه مروراً بالوقوف على التكييف القانوني الأنسب له، وانتهاء بالتعرض إلى كل من موقف كل من الفقه والقضاء منه.
الفرع الأول: مفهوم الحق في النسيان الرقمي.
إن الحديث عن الحق في النسيان لاسيما على شبكة الأنترنت أو ما يعرف بالنسيان الرقمي لا يستوي في نظرنا من دون التعرض بشيء من الإسهاب لمختلف التعريفات التي رصدت من أجل استجلاء معناه الدقيق، خاصة أنه وفي حلته الجديدة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالبيئة الرقمية بكل ما تتضمنه من مفاهيم وتعقيدات تكنولوجية فنية، وأيضا تداخله مع بعض الحقوق الأخرى القريبة منه.
لذلك وجب في البداية التصدي لمحاولة الإحاطة بمختلف التعريفات التي وضعها الفقه المقارن لهذا الحق، ثم استعراض تطور هذا الحق ومختلف المراحل التي مر بها بدءاً من الميدان القضائي وانتهاءاً بالبيئة الرقمية وارتباطه بهذه الأخيرة.
أولاً: مختلف الجهود الفقهية والقضائية في تعريف الحق في النسيان الرقمي.
أول ما يلفت الانتباه في عبارة الحق في النسيان الرقمي محل الدراسة هو مصطلح النسيان، وهو مصطلح قلما نجد استخداماً له في التعابير القانونية على خلاف باقي المصطلحات الأخرى التي تتضمنها نفس العبارة والتي أسالت حبر الكثير من الدراسات المتخصّصة.
يتضمن مصطلح النسيان معنيين متضاربين، أحدهما معنى إيجابي يشير إلى القدرة أو الإرادة أو اتجاه سلوك الفرد إلى عدم التذكر والنسيان، أما الأخر فهو معنى سلبي يستخدم عند الرغبة في الدلالة على فشل أو حدوث قصور في الذاكرة.[1]
كما أن النسيان قد ينظر إليه على أنه نقمة أو على أنه نعمة بحسب الزاوية التي يُنظر له من خلالها، فهو قد يكون نقمة إذا كان قد انصب على أحداث أو ذكريات لا ينبغي بل لا يجب أن تسدل عليها ستائر النسيان لأهميتها وخطورتها ولكونها شكلت مرحلة حاسمة من تاريخ الفرد أو الشعوب كجرائم الاستعمار مثلاً في الجزائر، أو إذا تضمن معني من المعاني التي يتم استعمالها للدلالة على العاهة المرضية التي تنشأ نتيجة اضطراب او عطب في المخ سببه القلق أو الصراع النفسي كمرض “الزهايمر”.[2]
في الوقت الذي يراه البعض على أنه نقمة، يراه أخرون على أنه نعمة، فلا يمكن للإنسان أن يحيا ويستمر في العيش لولا قدرته على تخطي وتجاوز الأحداث الكئيبة والذكريات المؤلمة، إذ لولا ذلك لأصبح الأنسان حبيس ماضيه ورهين ذكرياته، ولذلك لطالما اعتبر الإخصائيون النفسانيون والفلاسفة بأن النسيان هو ظاهرة حيوية “un phénomène vital “، إذ “لا سعادة ولا راحة نفسية ولا أمل ولا فخر ولا استمتاع بالحاضرة من دون القدرة على النسيان” كما يقول الفيلسوف نتشه.[3]
فإذا كان مصطلح النسيان يتضمن معنيين مختلفين أحدهما يشكل نقيصةً والأخر ميزةً، فأي منهما هو الذي يًقصد به للدلالة على الحق في النسيان الرقمي محل الدراسة.
لا شك في أن ارتباط فكرة النسيان بالحق يشير بشكل لا لبس فيه إلى كونه نعمة ينبغي أن يلجأ إليها الإنسان في كل مرّة يشعر بالحاجة إلى نسيان الأحداث التي تزعجه وتعكر عليه صفو حياته، فهل هذا هو المعنى الذي ذهب إليه الفقه والقضاء والتشريع في تعريفهم للحق في النسيان الرقمي؟
تجدر الإشارة في البداية إلى أن النسيان الرقمي صنيعة القضاء الفرنسي، ويعبر عنه باللغة الفرنسية ب “le droit à l’oubli “، إلا أن اللافت للنظر في هذا الشأن هو تعدّد المصطلحات التي يثم استخدامها للدلالة على نفس المعنى بنفس اللغة، فيقال “droit à l’effacement ” و أيضا “droit au déréférencement” و كذلك ” droit à la désindexation”، ” droit à l’oubli numérique”[4]،خلافاً للغة العربية التي يقتصر فيها التعبير على ذات المعني ب ” الحق في النسيان الرقمي” وهو تعبير في محله يشير إلى أن المقصود بالنسيان هو الذي ينبغي أن يكون عبر شبكة الانترنت بوصفها بيئة رقمية دون غيرها.[5]
تكتسي محاولة إيجاد تعريف موحد ودقيق للحق في النسيان الرقمي صعوبة بالغة، وذلك لعدة أسباب منها، أن النسيان كما تقدم هو ظاهرة نفسية طبيعية من أهم خصائص الكائن البشري، ومن ثمة فإن محاولة التصدي لإيجاد تعريف قانوني للحق في النسيان الرقمي لا يخرج عن كونه منحاً لمعني قانوني لظاهرة نفسية.[6]
هذا فضلاً عن حداثة هذا الحق والخصوصية التقنية والتكنولوجية لشبكة الأنترنت التي تعد البيئة التي يمارس فيها هذا الحق، ناهيك عن طبيعة الحق في النسيان الرقمي بوصفه حقاً متعدّد الأوجه وهو ما انعكس على محاولات التعريف التي ركنت كل منها إلى جانب من هذه الجوانب جعلته أساساً لدراستها وما تعدد التعابير باللغة الفرنسية التي استخدمت للدلالة عليه إلا أكبر دليل على ذلك.
غير أن ذلك لم يمنع بعض كتاب القانون المتخصّصين فيما يعرف “بقانون الأنترنت” أو “قانون التكنولوجيات الحديثة للإعلام” وحتى غيرهم من الكتاب من القيام ببعض المحاولات لضبط مفهوم هذا الحق على غرار الكاتبة الفرنسية Christiane Féral-Schuhl مؤلفة كتاب Cyber droit الذي يعد مرجعاً هاما في هذا المجال، فهي وإن لم تضع تعريفاً محدّداً له إلاّ أنها تناولته من جانبين، الجانب الأول أنه يتيح لصاحبه حق الاعتراض والتصحيح على البيانات التي تكون غير صحيحة وغير مكتملة أومرّت عليها مدة زمنية طويلة، أما الجانب الثاني فيتعلق بالمدة التي يجب أن تحفظ فيها البيانات والتي لا ينبغي أن تتجاوز المدة الضرورية التي من أجلها جمعت وعولجت هذه البيانات.[7]
يبدو جلياً من خلال ما جاءت به المحامية الباريسية التي وإن لم تعرف صراحة الحق في النسيان الرقمي إلا أنها أوردت بعض الحقوق الفرعية والامتيازات المتفرعة عن الحق في النسيان معتبرة بأن هذا الأخير ينحصر نطاقه فقط في الاعتراض والتصحيح والمدة المحدودة لحفظ البيانات.
من جهة أخرى عرفته الكاتبة Maryline Boizardبأنه الامتياز الذي يتمتع به كل فرد بأن لا تكون بعض الأحداث الخاصة به وبعض بياناته متاحة للجميع، فهو عبارة عن عملية طرح بعض الأحداث والذكريات من الذاكرة الجماعية، مضيفة في نفس الوقت بأنه ليس من شأن هذا الحق التحكم المطلق في الأثار الرقمية باعتبار أن ذلك يتعارض مع بعض الحقوق والحريات الأساسية.[8]
في نفس السياق ذهبت الكاتبة Etienne Quillet الى اعتبار أن مدلول هذا الحق ينصرف إلى قدرة أي شخص في اختيار التدابير التي يراها مناسبة سواء فيما يخص معالجة المعلومات أو إذاعتها أو تخزينها، وأيضا سلطته في تحديد أيًّ من المعلومات الخاصة به ينبغي أن تسدل عليها ستائر النسيان فهو أشبه ما يكون بحق “تقرير مصير معلوماتي” “droit à l’autodétermination informationnelle “.[9]
أما اللجنة الوطنية للمعلومات والحريات بفرنسا أو ما يعرف ب «La CNIL” فقد عرفت الحق في النسيان الرقمي بأنه” الإمكانية المخولة لأي شخص في التحكم في الأثار الرقمية الخاصة به وفي حياته الرقمية سواء أكانت عامة أو خاصة”.[10]
أما القاضي وسيم شفيق النجار فقد اعتبر بأن الحق في النسيان الرقمي هو الحق المخول لأي شخص كان قد ارتبط بحدث عام حتى لو كان هو محوره أن يطالب بحقه في نسيان هذا الحدث والاعتراض على تذكر حقبة من حياته، مضيفاً في نفس السياق أنه ينبغي اعتماد هذا الحق كسائر الحقوق التي ينبغي منحها للمواطن العربي بغية إعطائه فرصة وانطلاقة جديدة في الحياة وتشجيعه على اصلاح ذاته.[11]
بدورها عرفت الكاتبة انتصار البرعصي الحق في النسيان الرقمي في مقال لها على الموقع الإلكتروني “هنا الليبية” بعنوان “هل أنت مهتم بمعرفة معنى النسيان الرقمي” بأنه حق الأشخاص في مراقبة بياناتهم الخاصة والتحكم في هويتهم الرقمية من خلال السماح لهم بالاطلاع عليها وتصحيحها أو محوها بشكل كامل من الحيز الرقمي.[12]
إذن يتضح جلياً مما تم عرضه من تعريفات سواء لكتاب فرنسيين أو عرب اختلافهم في إيجاد تعريف موحد للحق في النسيان الرقمي، فمنهم من توسع فيه معتبراً بأنه يشمل كل ما يتعلق بحياة الفرد على شبكة الأنترنت من بيانات شخصية وغيرها، ومنهم من ضاقت نظرته فاقتصرت على ربط هذا الحق بالبيانات الشخصية دون غيرها.
ومن الطبيعي كما أسلفنا ان تختلف نظرة الكتاب حول مفهوم الحق في النسيان الرقمي لحداثة الاهتمام به من جهة، ولتعدد جوانبه من جهة أخرى، إلاّ ان ذلك لا يمنعنا من إيجاد تصور نحاول أن نجمع من خلاله شتى التعاريف التي قيلت فيه، فهو إن أردنا الحق المخول لكل شخص كان له اتصال بالبيئة الرقمية وترك عليها باختياره أو رغما عنه أثراً من أثاره أياً كان (بيان شخصي، صورة، تعليق، فيديو ……إلخ) في نسيان هذه الأثار أو عدم تذكرها مع ما يقتضيه ذلك من حقوق فرعية تساهم جميعها في تجسيد هذا الحق وجعله ممكناً.
ثانياً: تطور فكرة الحق في النسيان وانتقالها من الميدان القضائي إلى البيئة الرقمية:
تقدم معنا بأن الحق في النسيان الرقمي هو من الأفكار الحديثة وهو أحد الأسباب التي ساهمت في صعوبة تعريفه، غير أننا في مقابل ذلك لو جردناه من عبارة ” الرقمي” التي تلازمه واكتفينا بالقول ” الحق في النسيان” لوجدنا أنا هذا الحق قديم نسبياً قدم الإنسان بكل ما يتميز به من صفات وخصائص بشرية يشترك فيها كل من وُصف بالأدمية.
وإذا كانت نصوص القوانين لا تتضمن مثل هذه العبارة بصريح لفظها، لكن فحواها وما تهدف إليه متواجد في بعض المبادئ والأفكار القانونية كالتقادم مثلاً، فهذا الأخر وإن اختلف مع الحق في النسيان من حيث شروطه ونطاقه فهما يشتركان في فكرة الوقت ودوره في تخطى ومحو أثار مرحلة معينة.
فالتقادم خاصة الجزائي وبصفة أخص تقادم الدعوى العمومية يقوم على فكرة أن مرور مدة زمنية معينة من ارتكاب الفعل المجرم دون اتخاذ أي إجراء من إجراءات المتابعة أو التحقيق كفيل بأن يمحو عن الذاكرة الجماعية فظاعة الجريمة وقسوة ارتكابها وتأثيرات ذلك على الرأي العام وعلى الأمن العام بوجه عام فتهدأ النفوس وتستقر الخواطر، وأنه يُفضل الإبقاء على هذا الحال بدلاً من إحياء ذكرى الجريمة.[13]
وفضلاً عما تقدم، يرتكز التقادم الجزائي على أساس فسلفي مفاده أن الزمن الذي يمر من تاريخ اقتراف الجريمة وحتى فوات المدة القانونية للتقادم يعد عقوبة طبيعية لمرتكب الجريمة، كما أن الوقت الذي يقضيه مرتكبها في جو نفسي من الخوف والترقب والخشية من افتضاح أمره يدخله في دوامة من القلق والاضطراب والتوتر قد تفوق النتائج المترتبة عن تنفيذ العقوبة.[14]
إذن فمصطلح النسيان وإن لم يكن وارداً بنص صريح في القانون إلا أن جوهره قائم في فكرة التقادم الجزائي إذ أنه وكما من حق الفرد أن يقطع الطريق على كل ما من شأنه أن يذكره بماضي لا يرغب في استعادته فمن حق الجماعة أيضاً أن تطرح من ذاكرتها كل ما يعكر صفوها ومزاجها العام بجرائم مرّت عليها مدة طويلة.[15]
أما عن النسيان مضافاً إليه كلمة ” الحق”، وكحق من الحقوق لم ينشأ إلا على لسان البروفيسور Gérard Lyon-Caen في سنة 1965بمناسبة قضية “Landru “، وهي القضية التي طالبت من خلالها عشيقة السيد “Landru” التعويض عن الضرر الذي سبّبهً لها فيلم سينمائي لClaude Chabrol أثار علاقتها بعشيقها السابق.
أثار القضاة بمناسبة هذه القضية فكرة “la prescription du silence “، وهي الفكرة التي اعتبرها الأستاذ Gérard Lyon-Caen بمثابة الأساس القانوني للدعوى المرفوعة من طرف المدعية وبمثابة تعبير مختلف عن فكرة الحق في النسيان المعبر عنها لاحقاً، وتجدر الإشارة إلى أن القضاة في هذه القضية وعلى الرغم من إثارتهم لفكرة الصمت قضوا برفض دعوى المدعية على أساس أنه لا محل لإجابتها لطلبها في التعويض عن إثارة العلاقة السابقة بينها وبين عشيقها مادامت كانت قد أثارت وجود هذه العلاقة في مذكراتها.[16]
ثم بعد ذلك كان لحكم المحكمة الابتدائية بباريس في حكمها الصادر 20أفريل 1983 دور هام في التأكيد على هذا المعنى ولكن هذه المرة جاء النص صراحة على الحق في النسيان، إذ قرّرت المحكمة بأن كل شخص كل له دخل في حدث من الأحداث العامة بإمكانه بعد مرور الوقت المطالبة بالحق في النسيان، ذلك أن إعادة التذكير بهذه الأحداث والدور الذي لعبه فيها يعتبر غير شرعي مالم يؤسس على مقتضيات تاريخية أو أن يكون من شأنه إثارة حساسيته، مضيفة بأن هذا الحق يفرض نفسه على الجميع بما في ذلك الصحفيين، كما أنه يتوجب أن يستفيد منه الجميع بلا استثناء بما في ذلك من سبق لهم و أن أدينو غير أنهم سدّدوا ما عليهم اتجاه المجتمع .[17]
إذن يتضح من خلال ما سبق بأن الحق في النسيان بدأت تظهر أهميته بالنسبة للإنسان قديماً قبل ظهور الرقمنة، ولاريب في أن أهميته ظهرت خاصة في مواجهة الكتابات الصحفية أو الأدبية التي كان يتم استغلالها فيما بعد في أعمال سينمائية وكانت هذه الكتابات تتناول جوانب من شخصية الإنسان وأحداث لها علاقة بماضيه يترتب عن التذكير بها مجدداً ألام وأحزان لصاحبها.
من جهة أخرى يجدر بنا في هذا المقام أن نشير إلى بعض الحقائق والمعطيات التي قد تساعدنا في فهم التحولات التي طرأت فيما بعد وساهمت بشكل كبير في أن يتصدر الاهتمام بالحق في النسيان الرقمي الجدل الدائر حول الإشكالات القانونية التي تثيرها شبكة الأنترنت، فقبل أن تظهر هذه الأخيرة كان الإنسان وهو يمارس نشاطاته يخلف وراءه أثاراً من شأنها أن تحيي لديه ملكة التذكر بشكل دائم، فالصور التي يأخذها لنفسه أو يأخذها له غيره، والكتابات التي يخطها وسائر مخلفاته لم يكن لها من دعائم تثبت فيها سوي تلك الدعائم المادية التي كانت عرضة للمحو والإتلاف والتخريب و التلاعب فيها، ناهيك عن أن الاحتفاظ بهذه الذكريات على وجه التأبيد كان صعباً للغاية نظراً للتكلفة المادية التي يتطلبها فضلاً عن قابليتها المتسمرة للتلف.
كانت هذه إحدى العوامل التي جعلت الحق في النسيان لا يكتسي تلك الأهمية البالغة كما هو عليه الحال اليوم، فلم تكن الدعائم التي أشرنا إليها لتساهم بفعالية في تنشيط ذاكرة الإنسان وتدخله في دوامة الأحزان والذكريات التي يحاول جاهداً تخطيها، ومن ثمة لم يكن حينئذ من الأهمية بمكان إثارة الحديث عن الحق في النسيان نظراً لعدم حاجة الإنسان أصلا إليه ما عدا تلك الحالات الاستثنائية التي تجسدت من خلال القضايا التي تم استعراضها والتي كانت تنحصر تقريبا في كتابة المذكرات والأفلام السينمائية المستوحاة من قصص واقعية والكتابات الصحفية.[18]
ساهم بعد ذلك التطور التكنولوجي الرهيب الذي عرفته تقنيات المعلومات بظهور التماثلية أولاً ثم الرقمنة لاحقاً في تغير الوضع تماماً فيما يخص النسيان البشري، ولعل هذا التطور صاحبته العديد من العوامل التي يحدّدها الكاتب Viktor Mayer Schönberger في كتابه ” فضيلة النسيان في البيئة الرقمية” ويرى بأنها هي التي كانت حاسمة في حدوث الانقلاب الذي طرأ على فكرة النسيان.[19]
فأولى هذه العوامل أن التكنولوجيا الرقمية أوجدت العديد من طرق المعالجة والتخزين فيما يخص المعلومات بشكل لم يسبق له مثيل لاسيما من حيث إعادة إنتاجها ونقلها وحفظها في دعامة واحدة تقبل النسخ بكل يسر وسهولة وأيضا في الحجم الهائل من من هذه المعلومات التي لم يكن في الماضي من المتيسر القيام بذلك لولا هذه الرقمنة، وهو ما ساهم بشكل كبير في انخفاض كلفة تخزين المعلومات بالنسبة للمستهلك والمنتج على حد سواء في مقابل الارتفاع المقلق في كلفة التدابير التقنية لإعمال الحق في النسيان.
زيادة على ما تقدم، لعبت بعض محركات البحث وهي من أهم إفرازات هذه الرقمنة دوراً محوريا في تسهيل البحث عن المعلومة إذ تكفي كتابة كلمة معينة حتى يظهر للباحث على قائمة النتائج سيل من الروابط التي تحيل على مواقع مختلفة كل منها يحتوي على كم هائل من المعلومات، ولا يخفي بأن ذلك على الرغم من ما فيه من إيجابيات إلا أنه ساهم في تعقيد الوضع بالنسبة للحق في النسيان فأصبح هذا الأخير في ظل هذه التحولات التكنولوجية أكثر صعوبة وتعقيداً من حيث تجسيده خلافا لما كان عليه الحال قبل ذلك، وترتب عن ذلك أن أصبحت للفرد ذاكرتان واحدة بشرية وأخرى رقمية.
عرف مجيء الأنترنت فيما بعد طفرة هائلة في مجال المعلوماتية، وساهمت تقنيات الجيل الثاني للشبكة في استحداث بعض المواقع التفاعلية التي جعلت من الفرد العادي مساهماً بدوره في بث مضامين على الشبكة والتفاعل مع ما يحدث من مستجدات لا سيما عبر مواقع التواصل الاجتماعي على اختلافها.
ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير في إثارة الحديث مجدّداً عن البيانات الشخصية بوجه عام، نظراً لاعتبارها “منجما” لا ينضب من هذه البيانات، فالمستخدم أصبح وهو لا يستغني عن الولوج لهذه المواقع يمد المسؤولين عن إدارتها ببياناته الشخصية حتى يتمكن من الاستفادة من خدماتها، ناهيك عن كونها تتيح له بث كل ما يتعلق بحياته الشخصية من صور وفيديوهات وتواريخ مهمة في حياته” عيد ميلاده، عيد زواجه….”، فضلاً عن ميولاته، رغباته، أهواءه، علاقاته الشخصية، مختلف الأماكن التي يتواجد فيها، ومختلف الوضعيات النفسية التي يكون عليها، ممّا جعل المستخدم لهذه المواقع يتخذ له هويتين، واحدة حقيقية، و أخرى افتراضية رقمية على مواقع التواصل الاجتماعي.[20]
وفي الوقت الذي أصبح الاستغناء فيه عن مواقع التواصل الاجتماعي مستحيلاً، وفي الوقت الذي اتخذ الجميع فيه مكاناً له على الشبكة، طرُحت مسألة في غاية الأهمية تتعلق بالتساؤل حول مصير مختلف هذه البيانات والمعلومات المتدفقة على الشبكة، وهل ستبقي إلى الأبد على الشبكة بحيث يشاهدها كل المستعملين لها؟ أم أنه سيمر وقت معين وتدخل هذه المعلومات والبيانات في طي النسيان؟.
الفرع الثاني: الطبيعة القانونية للحق في النسيان الرقمي.
ما إن ظهرت فكرة الحق في النسيان الرقمي إلى العلن بوصفها حقاً يتم الاستناد إليه أمام القضاء من أجل المطالبة بمحو وإزالة والوقوف في وجه كل عملية اجترار للوقائع والأحداث على شبكة الانترنت عبر مختلف مواقعها وخدماتها، حتى تساءل الفقه حول طبيعة هذا الحق “الوافد الجديد”، وانصب التساؤل تحديداً حول فيما إن كان هذا الحق وجهاً من أوجه الحياة الخاصة؟ أم أن له من الخصائص والمقومات ما يجعله ينفرد بخصوصيات تنأى به عن كل الحقوق المعروفة سلفاً.
أولا: الحق في النسيان الرقمي بوصفه وجهاً من أوجه الحق في حماية الحياة الخاصة.
كان الحق في حماية الحياة الخاصة من أول ما لجأ إليه الفقه من أجل محاولة تبرير وجود هذا الحق والتأسيس له قانوناً، ولا ريب في إن ارتباط الحقين وتمحورهما حول فكرة الحماية التي ينبغي أن تعطى للحياة الشخصية كانت أحد أهم الأسباب التي ساهمت في تداخل مدلول الحقين إلى درجة الخلط بينهما.[21]
يرى أنصار هذا الاتجاه وهم الكثرة الغالبة بأن الحق في النسيان الرقمي ما هو إلا وجه من أوجه الحياة الخاصة على أساس أن محل المطالبة بالنسيان يتعلق بعناصر تعدّ من صميم شخصية الإنسان والتي تعد بدورها جزءاً لا يتجزأ من حياته الخاصة التي يتسع مجالها ليشمل العديد من مقومات شخصية الإنسان، فالمعلومات والبيانات المتعلقة بالحياة الخاصة حتى لو تم نشرها على سبيل الاستثناء يُلجأ إلى الحق في النسيان من أجل حظر إعادة نشرها خاصة إذا مرت عليها مدة زمنية طويلة، فأساس الحماية أولا ً وقبل كل شيء هو اعتبارها من قبيل الحياة الخاصة ولا يضير بعد ذلك إن اختلف الأساس القانوني.[22]
ومن أحكام القضاء الفرنسي التي تبنت هذا الاتجاه، حكم لمحكمة الدعوى الكبرى بباريس بتاريخ 15ـ02ـ2012 في قضية ملخصها اكتشاف المدعية لفيديو إباحي يظهرها في أوضاع مخلة بالحياء متاح عبر مواقع إباحية تظهر روابط الإحالة إليه من خلال محرك البحث قوقل، ما دفع المدعية المعنية إلى مطالبة هذا الأخير إلغاء فهرسته، وفي الوقت الذي رفض فيه محرك البحث الاستجابة لطلبها دافعاً بعدم صلاحيته في إدارة المحتوى، ذهبت المحكمة إلى أحقية المدعية في مطالبتها نظراً لمشاركة المحرك في الضرر اللاحق بها استنادا إلى أن مضمون الفيديو يمس بحياتها الخاصة و أن من حقها نسيان ما مضي من حياتها.[23]
خلافاً لهذا الرأي، ذهب جانب أخر من الفقه إلى اعتبار الحق في النسيان الرقمي مستقلاً عن الحق في الحياة الخاصة لوجود فوارق جوهرية بينهما تجعل من اعتبار أحدهما فرعا للثاني متعذراً، ومن هذه الفوارق عامل الوقت، فهو يعد عنصراً جوهرياً بالنسبة للنسيان الرقمي ولا يعد كذلك بالنسبة للحياة الخاصة، فما يباح نشره استثناءً من أحداث ومعلومات عامة تعد من قبيل الحياة الخاصة لا يجوز إعادة نشره مجدّداً بعد فوات مدة زمنية معينة لا على أساس الحق في الحياة الخاصة وإنما استناداً على الحق في النسيان.
لذلك فالحق في الحياة الخاصة لا يشترط للتسمك به أن يمر وقت طويل على الأحداث التي يعتبرها الفرد من صميم حياته الخاصة ولا يرضي أن يطلع الغير عليها، فالجوانب الشخصية من حياة الإنسان تعد خاصة به وحده وليس لها أدنى ارتباط بعنصر الزمن خلافاً للحق في النسيان.
كذاك فإن ما يميز ما بين الحقين هو اتساع نطاق الحق في النسيان الرقمي من حيت الجوانب الشخصية المشمولة بالحماية فهو يتعلق بكل الأحداث والوقائع مهما كانت عامة أو خاصة، خلافاً للحق في الحياة الخاصة الذي لا يمكن الحديث عنه أو إثارته إلا بصدد جوانب عد من صميم الحياة الخاصة للإنسان.
ثانياً: الحق في النسيان الرقمي والحق في حماية البيانات الشخصية.
لا شك في أن حماية البيانات ذات الطابع الشخصي أصبح في الوقت الراهن من بين أكثر المواضيع نيلاً للاهتمام إن على الصعيد الوطني أو الدولي وذلك نظراً للدور الهام والضروري التي باتت تحتله شبكة الأنترنت في حياتنا المعاصرة، إذ ما من معاملة أو علاقة إلا وأصبح استخدام الشبكة من أجلها روتيناً يومياً وبداهة مسلمة بها، ومن أهم متطلبات اللحاق بركب العالم المعاصر.
ولد الاستخدام المتزايد للشبكة سلوكيات يقوم بها المستهلك على شبكة الأنترنت مخلفاً من وراءه أثاراً عبارة عن بيانات شخصية يتسارع المتعاملون الاقتصاديون والشركات الكبرى من أجل الحصول عليها واستغلالها التجاري لا سيما في مجال الإشهار سواء كانت هذه البيانات مباشرة (اسم، لقب، عنوان، مهنة….)، أو كانت غير مباشرة (عادات شرائية، زيارة مختلف المواقع، التنقلات المختلفة، الاهتمامات المعبر عنها ….).[24]
إيماناً منه بأهمية هذه البيانات الشخصية حتى من قبل أن يعمّم استخدام الشبكة كما هو عليه الأمر حالياً، حرص المشرع الفرنسي على سن تشريعات خاصة لضبط وتنظيم استعمال البيانات ذات الطابع الشخصي وإدارتها، فأصدر منذ سنة 1978 القانون 78-17 الصادر في 6 جانفي 1978 المتعلق بالمعلوماتية والحريات المعدل والمتمم.[25]
ثم لم ثلبت الدول الأوربية أن أدركت أهمية هذه البيانات وضرورة ضبطها، فأصدر مجلس أوربا الاتفاقية رقم 108المتعلقة بحماية الأشخاص في مواجهة المعالجة الألية للمعطيات ذات الطابع الشخصي الموقعة بتاريخ 28 جانفي 1981 المسماة حالياً ب “اتفاقية 108+” بعد اعتماد برتوكول إضافي لها في 2018، بعد ذلك صدر التوجيه الأوربي الصادر عن البرلمان الأوربي رقم 95/46/ CE بتاريخ 24 أكتوبر 1995 المتعلق بحماية الأشخاص الطبيعيين في مواجهة المعطيات ذات الطابع الشخصي وحرية انتقال البيانات.[26]
عرفت الفترة التي تلت إصدار التوجيه الأوربي المتقدم الذكر عدة تحولات رقمية هائلة أسفرت عن ظهور العديد من التطبيقات والخدمات الرقمية على الشبكة والمعتمدة أساساً على البيانات الشخصية على غرار خدمات الويب 2.0 أو خدمات الجيل الثاني للأنترنت ما نجم عند تسابق محموم لكبريات الشركات الاقتصادية من أجل الحصول على هذه البيانات وتوظيفها في مجال الإشهار التجاري فضلاً عن استعمالها في التعرف على عادات وأنماط الاستهلاك المختلفة لمستخدمي الشبكة.
لذلك كان من الضروري في مواجهة هذه التطورات الرقمية أن يُعاد النظر في الأحكام القانونية الموجهة لحماية البيانات عن طريق إعادة النظر فيها وتحديثها بما يتلاءم وخصوصية هذه المرحلة “الرقمية”، فاقترُح تعديل التوجيه الأوربي الذي تقدم الحديث عنه بعدّة اقتراحات، توجت بصدور النظام رقم 16/679 الصادر بتاريخ 27 أفريل 2016 عن البرلمان الأوربي والمتعلق بحماية الأشخاص الطبيعيين في مواجهة المعالجة الألية للمعطيات ذات الطابع الشخصي وحرية انتقالها المسماة اختصاراً RGPD.[27]
صدر هذا النظام الذي كان من المرتقب أن يدخل حيز التنفيذ ابتداء من 25 ماي 2018 وكان أول نص يشير كما سيأتي معنا إشارة صريحة إلى الحق في النسيان في نص مادته 17 مقروناً بالحق في المحو بمعنى أحقية المعنى في تقديم طلب حذف بياناته الشخصية وهو ما نجم عنه خلط وتداخل في المعاني.
لا يخفى بأن النص صراحة على الحق في النسيان الرقمي في صلب النظام الأوربي يعد بمثابة مكسب لا يستهان به وخطوة هائلة في طريق الاعتراف بهذا الحق، غير أن النظرة الضيقة لهذا الحق والتي تجسدت من خلال النص عليه إلى جانب الحق في المحو جعل الحق في النسيان الرقمي يقتصر في سلطة المطالبة في محو البيانات إذا رأى المعني بها أن لا طائل من الاستمرار في نشرها، مع أن مفهوم الحق في النسيان يتسع في نظرنا ليشمل ليس فقط الحق في المحو كما ورد في (RGPD) بل حقوقاً أخرى بالإضافة إلى المحو كما سيأتي معنا.
إذن فهناك ارتباط بين البيانات الشخصية وما خُصّص لها من أنظمة قانونية وبين فكرة الحق في النسيان الرقمي بحسبان أن هذا الأخير قد يكون منصباً على بيانات شخصية لا يرغب صاحبها في استمرار إثارتها في البيئة الرقمية ما يجعله يستعين بما هو مقرر من قواعد قانونية في النصوص المنظمة للبيانات الشخصية من سلطات ومكنات تساهم جميعها في تدعيم وتجسيد الحق في النسيان، فهذا الأخير وإن كان مناخه المثالي هو البيانات الشخصية فلا ينبغي في الوقت نفسه الخلط بينهما واعتبارهما شيئاً واحداً.
ثالثا: الحق في النسيان الرقمي حقٌ له ذاتيته المستقلة:
ٍحاولنا فيما استعرضناه من محاولات تصنيف الحق في النسيان الرقمي وإدراجه ضمن أحد الحقوق المتعارف عليها أن نرسم حدود الحق في النسيان الرقمي ونرسم نطاقه، وقد خلصنا إلا أن أول ما يتبادر إلى الذهن اقترابه الشديد من الحق في الحياة الخاصة باعتباره يهدف أصلاً إلى إيصاد ستائر النسيان على وقائع وأحداث مرت عليها مدة زمنية وهو ما يندرج في صميم الحياة الشخصية، فهو بلا شك يعد أسلوباً من أساليب حماية الحق في الحياة الخاصة، إلا أن ما يهدف إلي حمايته الحق في النسيان من حقوق فضلاً عن العنصر الزمني لنطاق الحماية يجعل كلا الحقين يختلفان عن بعضهما البعض على نحو يستحيل الجمع بينهما كما تقدم معنا ذلك.[28]
كذلك هو الأمر بالنسبة للحق في حماية البيانات الشخصية فعلى الرغم من التداخل بين الحقين على أساس أن الحق في النسيان الرقمي يهدف أيضا ً إلى توفير سياج من الحماية على البيانات فضلاً عن قطع الطريق أمام كل استعمال غير مشروع له، إلا أن هذا الحق لا يمكن أن ينصهر تحت حماية الحق في البيانات الشخصية كونه أوسع منه كما أسلفنا[29].
وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن الحق في النسيان الرقمي هو حق له ذاتيته المستقلة التي تنأى به لأن ينصهر في بوتقة أحد الحقوق المتعارف عليها وإن كان شديد الارتباط بها من حيث الأهداف والمرامي.
تقدم معنا بأن الحق في النسيان الرقمي يتماشى مع الفطرة البشرية الكامنة في النفس الميالة دائماً إلى النسيان وعدم تذكر ماضيها، ولا شك في أن الرقمنة قد عقدت الوضع أكثر فأكثر فلم يعد من السهل أن يحقق لها ذلك حتى مع اللجوء إلى الحقوق المكرسة كالحق في الحياة الخاصة، لذلك كان الحق في النسيان الرقمي بمثابة المسعف الذي ساعد الإنسان في ظل الرقمنة وتطبيقاتها في أن تبقى ذكرياته وكل ما يتعلق بماضيه في طي النسيان و لا يعاد التذكير به مجددا، ولو حدث أن تم المساس به أمكن الاستناد إلى هذا الحق من أجل المطالبة بإعادة الحال إلى ما كانت عليه.
الفرع الثالث: التكريس القضائي والقانوني للحق في النسان الرقمي.
جاءت فكرة الحق في النسيان الرقمي في وقت تزايد في استعمال مواقع التواصل الاجتماعي وأصبح الإفصاح فيه عن البيانات الشخصية ضرورياً من أجل الاستفادة من مختلف خدماتها، ولم تعد تكفي المناداة بأن تخضع هذه “المخلفات الرقمية” للنسيان، لذا أصبح من الضروري أن يعترف بهذا الحق على الصعيدين القضائي والقانوني بعد أن تعالت أصوات الفقهاء مطالبة بذلك.
أولاً: الاعتراف القضائي بالحق في النسيان الرقمي:
يعد قرار محكمة العدل للاتحاد الأوربي الصادر بتاريخ 13 ماي 2014 في قضية “Google Spain” من أولى القرارات التي فتحت النقاش الدائر حول الحق في النسيان معبرّة عن وجهة نظرها فيما يخص نشاط محرك البحث، وقد صدر هذا القرار بناءاً على طلب البث في مسألة أولية موجه من طرف “l’Audiencia National ” في قضية تجمع بين كل من Google Spain SL et Google والوكالة الإسبانية لحماية البيانات الشخصية (AgenciaEspañola de Protección de Datos)) والسيد M. CostejaGonzáles.
و قائع القضية تتلخص في أنه كلّما تمت كتابة اسم السيد M. CostejaGonzáles على محرك البحث قوقل ظهر على نتائج البحث رابط إحالة يحيل على صفحة الجريدة La Vanguardia, في أحد أعدادها الصادرة سنة 1998 التي نشرت فيه إعلاناً خاصًا بالبيع بالمزاد العلني لعقار في إطار إجراءات تتعلق بديون الحماية الاجتماعية يظهر فيه اسم السيد Gonzáles، وقد طالب هذا الأخير إصدار أمر في مواجهة الجريدة بتعديل صفحاتها حتى تختفي بياناته الشخصية، كما طالب اصدار أمر في مواجهة محرك البحث قوقل باتخاذ ما هو ضروري من أجل محو بيانته الشخصية حتي لا تظهر ضمن نتائج البحث.
جاء في قرار المحكمة “أن مشغل محرك البحث ملزم بإزالة نتائج البحث المتحصل عليها عقب كتابة اسم أحد الأشخاص، وأيضا روابط الإحالة التي تحيل نحو صفحات ويب ثم نشرها من الغير وتتضمن معلومات تخص هذا الشخص، خاصة في الحالة التي لم يكن فيها هذا الاسم أو هذه المعلومات محل إلغاء متزامن أو مسبق من هذه الصفحات، حتى ولو كان النشر في حدّ ذاته مشروعا.[30]
كان من بين أهم النتائج المترتبة عقب اصدار قرار محكمة العدل الأوربية إثارة النقاش عن الحق في إزالة النتائج المرتبطة بالحياة الشخصية للإنسان من على محركات البحث فيما يعرف ب “le droit de référencement ” باعتبار أن ذلك يعد من بين أهم الحقوق المندرجة في صميم الحياة الخاصة للإنسان، و لم يقتصر الحديث عن هذا الحق فيما يخص محركات البحث و فقط بل امتد ليشمل كل البيانات و المعلومات الخاصة بالشخص و التي تنشر عبر الانترنت سواء من طرفه أو من طرف الغير، وكان أيضا من بين أهم النتائج المترتبة عن هذا القرار إعادة النظر في التوجيه الأوربي المتعلق بالبيانات الشخصية الصادر سنة 1995 بموجب التوجيه الصادر سنة 2016 المسمى اختصاراً (RGPD) المشار إليهما أعلاه.
توالى بعد ذلك صدور الأحكام القضائية من مختلف جهات القضاء الفرنسي التي كرست في حيثياتها بصورة مباشرة أو غير مباشرة الحق في النسيان منها على سبيل المثال الحكم الصادر عن محكمة الدعوى الكبرى بباريس بتاريخ 12ماي 2017 الذي كرّس حق أي شخص طبيعي في أن يطالب بإلزام محرك البحث بأن يحذف من على نتائج البحث الظاهرة عقب عملية أي بحث تتم من خلال أسم أحد الأشخاص روابط الإحالة التي تحيل نحو عدة صفحات ويب نشرت من طرف الغير وتتضمن معلومات تتعلق بهذا الشخص.[31]
ثانياً: التكريس القانوني للحق في النسيان الرقمي:
في مواجهة التطورات الرقمية المتسارعة وما خلفته من أثار على كافة الأصعدة، لم تكن التشريعات على اختلافها لتبقى مكتوفة الأيدي إزاء ما استجد منها فكان لا بد من التحرك عن طريق سن تشريعات تواكبها بالضبط والتنظيم.
وإذا نظرنا إلى الحق في النسيان في البيئة الرقمية على أنه حق من الحقوق التي لم يتجدّد الحديث عنها إلا مع الانتشار الرهيب لمختلف التطبيقات الرقمية، فإن التشريعات والأنظمة الأوربية خاصة كانت متردّدة نوعاً ما في الاعتراف الصريح بهذا الحق وهو ما سينبينه من خلاف هذا الفرع وفقاً لما يلي:
1ـ الاعتراف غير المباشر بالحق في النسيان الرقمي:
ما إن برزت الحاجة إلى اسدال ستائر النسيان على مختلف الوقائع والأحداث المرتبطة بالإنسان والتي كانت محل معالجة رقمية على شبكة الأنترنت حتى طرح التساؤل وبحدّة حول السند القانوني الذي يمكن اللجوء إليه من أجل المطالبة قضائيا به وجعله ممكناً؟.
لم يكن أمام الفقه القانوني المتخصّص في مجال الرقمنة والمحاكم التي طلب منها الفصل في منازعات محلها الإلزام باتخاذ تدابير تهدف إلى تكريس الحق في النسيان الرقمي سوى البحث في القوانين ذات الصلة عن أي نص يسعفها في هذا المجال، لذلك عدّ الحق في النسيان الرقمي وبحق ثمرة بناء قانوني ممتد نسبيا في الزمان بدأ سنوات السبعينات والثمانينات من القرن الماضي وكان ذلك خاصة مع صدور أولى القوانين المؤطرة للبيانات الشخصية في أوروبا وكانت التشريعات الفرنسية والألمانية سباقة في هذا المجال.[32]
فعن القانون الألماني الذي يعد من أولى القوانين التي كان لها قصب السبق في مجال حماية البيانات الشخصية، صدر القانون الفيدرالي لحماية البيانات الشخصية في 27 جانفي 1977 والذي صدر بعد القانون الذي أصدره المستشار “Land de Hesse” وقد جاء في أحد مواده بأن لأي شخص بموجب القانون الحق في محو البيانات التي تعنيه إذا أصبح تخزينها غير مقبول بالنسبة إليه، بالإضافة إلى الحق في تخزينها عندما تصبح ظروف التخزين غير صالحة. [33]
كما هو ظاهر من خلال هذا النص الذي يعد الحجر الأول الذي وضع في بناء صرح حماية البيانات الشخصية بأن حق النسيان لم يُشر إليه بصريح العبارة كما حدث تقريبا مع جل القوانين التي جاءت من بعده، وإنما أورد عدداً من الحقوق على غرار الحق في المحو والحق في التأمين التي تساهم في تكريس وتجسيد الحق في النسيان.
نفس الأمر بالنسبة للقانون الفرنسي الذي ما إن بدأت فرنسا تخط خطوتها الأولى نحو المعلوماتية حتى وقفت على حتمية التأقلم عن طريق سن تشريعات مواكبة، فكان القانون 78-17 الصادر في 6 جانفي 1978 المتعلق بالمعلوماتية والحريات الذي عرف فيما بعد عدة تعديلات عُدت بمثابة الحجر الأساس للحق في النسيان الرقمي بإقراره الحق في محو البيانات ليليه التوجيه الأوربي الصادر عن البرلمان الأوربي رقم 95/46/ CE بتاريخ 24 أكتوبر 1995 المتعلق بحماية الأشخاص الطبيعيين في مواجهة المعطيات ذات الطابع الشخصي وحرية انتقال البيانات اللتان كرستا الحق لكل شخص في الحصول من المسؤول عن معالجة البيانات محو البيانات الخاصة به عندما تكون غير مكتملة ومغلوطة.[34]
لم ينص صراحة القانون سالف الذكر على الحق في النسيان الرقمي، بل يُستشف من مواده وما جاءت به من تدابير وأحكام بأن هذا الحق هو من بين ما يهدف إلى حمايته هذا النص وخير دليل على ذلك ما جاء في نص المادة الأولي منه حينما قررت بأن الإعلام الآلي لا بد أن يكون في خدمة المواطن وأن تطوره لا بد أن يتم في إطار التعاون الدولي، ولا ينبغي أن يمس بهوية الإنسان ولا بحق من حقوقه ولا بالحياة الخاصة ولا بالحريات الفردية والجماعية.[35]
لا ريب إذن في أن الإحالة المبكرة ومن نص المادة الأول على ضرورة حماية الحياة الخاصة، فضلاً عن جملة التدابير التي وضعها القانون المتقدم والتي على رأسها الحق في محو البيانات وعدم تجاوز مدة الحفظ المدّة الضرورية التي من أجلها ثم جمعها وتخزينها توحي بالإقرار الغير المباشر لقانون المعلوماتية والحريات لهذا الحق حتى وإن خلت أحكامه من أي إشارة صريحة له.[36]
بالنسبة للمشرع الجزائري المتأخر في اللحاق بركب التشريعات المهتمة بالبيانات الشخصية كان عليه الانتظار حتى سنة 2018 ليسن تشريعاً خاصاً بهذا الموضوع، وقد جاء ذلك تكريساً للمبدأ الدستوري المستحدث بموجب التعديل الذي أدخل على دستور 1996 بموجب القانون 16-01 الصادر في 06 مارس 2016 المتضمن تعديل الدستور، فبعد أن أكدت الفقرة الأولى من المادة 46 على ضرورة حماية الحياة الخاصة وسرية المراسلات بموجب الفقرتين الثانية و الثالثة، حرصت ذات على إيلاء البيانات الشخصية أهمية خاصة من خلال اعتبار أن حماية الأشخاص الطبيعيين في مجال معالجة هذه المعطيات هو حق من الحقوق الأساسية يحرص القانون على التأكيد عليه و على معاقبة أي سلوك يؤدي إلى انتهاكها.
تكريساً لهذا المبدأ أصدر المشرع الجزائري القانون 18-07 الصادر في 10 يونيو 2018 المتعلق بحماية الأشخاص الطبيعيين في مجال معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، وبمراجعة نصوص هذا القانون يلاحظ أنه لم يتضمن ما يشير صراحة إلى الحق في النسيان الرقمي، وإن تضمن على غرار باقي التشريعات كما سيأتي معنا على بعض الحقوق التي تساهم في تكريس هذا الحق.
2ـ التكريس القانوني الصريح للحق في النسيان الرقمي:
كان الحق في النسيان ومنذ مدة طويلة محل عدّة مطالبات من أجل تجسيده والنص عليه قانوناً، وليس ذلك كما قد يعتقد لأول وهلة مع اجتياح الرقمنة لكل المجالات، بل تعود هذه المطالبات للفترة التي تم فيها الإعداد لقانون المعلوماتية والحريات سنة 1978، فها هو النائب الفرنسي Jacques Thyraud وهو أحد المشاركين في إعداد وتحرير هذا القانون يرى في تقريره الصادر بتاريخ 10 نوفمبر 1977 بأن “المعلوماتية كان من نتائجها القدرة الهائلة على التخزين على نحو أصبح يخشى فيه على حق يعد من بين أهم الحقوق الأساسية وهو الحق في النسيان”.[37]
بعد ظهور الويب 2.0 وما صاحبه من ظهور تطبيقات وخدمات تفاعلية أدرك القائمون عليها ضرورة توفير الاحترام للحق في النسيان الرقمي عبر الالتزام بالميثاق الخاص بالحق في النسيان في المواقع التشاركية ومحركات البحث الموقعة في 13 أكتوبر 2010 بباريس تحت رعاية Nathalie Kosciusko-Morizetالوزيرة المكلفة بالاقتصاد الرقمي ويعد التوقيع عليها تتويجا لمشاورات بدأت منذ خريف 2009 والرامية إلى تكريس مختلف الحقوق و التي ورد ذكرها في قانون المعلوماتية والحريات، و الغريب في الأمر أن فيسبوك وقوقل لم تكن من بين الموقعين على هذا الميثاق. [38]
يهدف هذا النص الرامي أساساً إلى حماية البيانات الشخصية إلى تعزيز وتكريس الشفافية في استغلال البيانات الشخصية الخاصة بالمستخدمين فضلاً عن تمكين هؤلاء من ممارسة دور الرقابة عليها، كما يهدف هذا الميثاق إلى توفير مجموعة من الضمانات والحقوق للمستخدمين على غرار حماية البيانات الشخصية ضد الفهرسة الألية من طرف محركات البحث، وضع روابط تحيل نحو معلومات واضحة وسهلة الوصول إليها متعلقة بالاستراتيجية المنتهجة لحماية البيانات الشخصية، وضع تحت تصرف المستخدم الوسائل التقنية التي تسمح له بتسيير ومراقبة بياناته التي قام بالإفصاح عنها.[39]
أدركت الدول الأوربية بعد صدور قرار محكمة العدل للاتحاد الأوربي الصادر بتاريخ 13 ماي 2014 في قضية “Google Spain” المكرّس صراحة للحق في النسيان قصور الإطار التشريعي الصادر في هذا الخصوص لا سيما أحكام التوجيه الأوربي المشار إليه أعلاه، فكان ذلك دافعاً بالنسبة إليها حتى تعيد النظر فيه بما يوفر أحسن حماية للبيانات الشخصية.[40]
بالفعل جاء بعد ذلك النظام العام المتعلق بحماية البيانات الشخصية المسمى اختصاراً “RGPD ” المعدل للاتفاقية السالفة الذكر والذي جاء بناءاً على اقتراح من اللجنة الأوربية منذ سنة 2012بغية العمل على مواكبة أحكام الاتفاقية مع التطورات التكنولوجية المتسارعة لاسيما وضع إطار قانوني موحد ومنظم يؤطر البيانات الشخصية المتحصل رقمياً لكل المقيمين في دول الاتحاد الأوروبي.[41]
جاء نص المادة 17 من “RGPD” تحت عنوان “الحق في النسيان الرقمي” مضافاً إلى الحق في المحو Droit à l’effacement «droit à l’oubli»، ويتجلى من الاطلاع على فحوى نص هذه المادة أنها تمنح لأي شخص تكون بياناته الشخصية محل معالجة أن يطلب من المسؤول عن المعالجة محوها في أقرب الآجال، وعلى هذا الأخير أن يستجيب بدوره لهذا الطلب شريطة أن يتوافر شرط من الشروط الأتية “: ـ إذا لم تعد البيانات الشخصية ضرورية لتحقيق الأغراض التي تم تجميع البيانات لأجلها.
ـ إذا قام الفرد موضوع البيانات بسحب رضاه على عملية المعالجة والتي تم تأسيسها عليه وفقا للمادتين 1/6 و 9/2 من اللائحة، إلا إذا كان هناك أساس قانوني أخر للمعالجة.
ـ إذا اعترض الفرد موضوع البيانات على عملية المعالجة وفقا للمادة 21 من اللائحة ولم تكن هناك مصلحة راجحة تبرر استمرارها.
- إذا كانت عملية معالجة البيانات غير مشروعة وفقا للأسس التي بينتها اللائحة بشأن مشروعية المعالجة التي سبق توضيحها.
- إذا كان هناك التزام قانوني يفرض على المراقب إزالة البيانات الشخصية وفقا للقانون الاتحادي أو قوانين الدول الأعضاء التي يخضع لها المراقب.
- إذا كانت المعالجة على أساس الفقرة 1 من المادة 8 من اللائحة والتي تتعلق بمعالجة البيانات في الخالصة بالأطفال.
المطلب الثاني: الأليات القانونية التي تسمح بضمان المطالبة بالحق في النسيان الرقمي وتجسيده.
بعد أن أصبح الاعتراف بالحق في النسيان الرقمي ضرورة لا مناص منها خاصة في ظل التزايد المستمر للتطبيقات والخدمات الرقمية، وبعد أن وقفنا على أن هذا الحق اكتسى بالفعل المكانة التي يستحقها كونه الملاذ الذي يلجأ إليه كل راغب في نسيان جانب من جوانب حياته لا يرغب في استعادتها، حق لنا أن نتساءل عن الأليات القانونية التي تسمح بوضع هذا الحق موضع التطبيق، فلا يكفي كما هو معلوم مجرد الاعتراف بالحق مالم يقترن بما يكفل احترامه.
يعطي الاطلاع على مجمل القوانين الصادرة في هذا الخصوص لاسيما التوجيهات الأوربية والقوانين المطبقة لها فكرة عن مختلف الأليات والتدابير التي تسمح بوضع هذا الحق موضع التطبيق منها ما يسهم بشكل مباشر في ذلك عن طريق مجموعة من الحقوق المخولة لصاحب المصلحة، ومنها ما يسهم بشكل غير مباشر عن طريق المبادئ التي كرستها النصوص السالفة الذكر.
ـ الفرع الأول: ضمان الحق في النسيان الرقمي من خلال المبادئ العامة التي يخضع لها حفظ البيانات الشخصية.
لاريب في أن من يطّلع على مختلف القوانين الموجهة لحماية البيانات الشخصية يقف على أن هناك العديد من المبادئ التي ثم إرساؤها في صلب هذه النصوص وتسهم بشكل غير مباشر في توفير الحماية اللازمة للحق في النسيان الرقمي، وقد أطلق عليها الفقه بالحق في النسيان السلبي “un droit à l’oubli passif”، وقد جاءت هذه التسمية بسبب أن هذه المبادئ يؤدى احترامها من طرف المسؤول عن المعالجة إلى الاحترام غير المباشر لهذا الحقوق و ليس من شأنها منح المعني قدرات أو أليات معينة يستطيع من خلالها مواجهة ما قد يعترض رغبته في النسيان.[42]
تقتضي منا المعرفة الجيدة لهذه المبادئ التعرف أولاً على مدلول المسؤول عنها ليسهل علينا فيما بعد التعرف على المبادئ التي ينبغي التقيد بها والعمل على احترامها في إطار مختلف العمليات الهادفة إلى معالجة البيانات.
أولاً ـ المسؤول عن معالجة البيانات.
يعد تحديد معني المسؤول عن معالجة البيانات وما يرتبط بها من أفكار مشابهة على غرار المعالج من الباطن sous-traitant ذو أهمية بالغة ِبالنظر لكونه المحور الذي تدور حوله القوانين الهادفة إلى حماية البيانات الشخصية، فهو الشخص المخول بتطبيقها و وضع أحكامها موضع التطبيق فضلاً عن كونه هو من يتولى تحديد الطريقة أو الكيفية التي يتم من خلالها معالجة البيانات و ضمان احترام مختلف الحقوق المكرسة لأصحاب البيانات بما فبها الحق في النسيان الرقمي محل الدراسة، كما أن تحديد مدلوله يكتسي أهمية بالغة من حيت كونه يساهم في تحديد القانون الواجب التطبيق ويؤدي إلى ضمان التنفيذ الأمثل للمهام الملقاة على عاتق الهيئات التي أشركها القانون في حماية البيانات.[43]
في الوقت الذي أصبح الاعتراف بالدور الذي يلعبه المسؤول عن معالجة البيانات من الأهمية بمكان بحيث لا يمكن إنكاره، أصبح تحديد مفهومه الدقيق من الصعوبة ذاتها بالنظر للطابع التقني المعقّد للبيئة الرقمية التي تعد الإطار الذي يتم في داخله حماية البيانات، فظهور الويب 2.0 عقد من الوضع أكثر فأكثر، ونتجت عنه خدمات وتطبيقات حديثة على غرار منتديات المناقشة ومحركات البحث ما جعل التساؤل حول فيما إن كان وصف المسؤول عن معالجة البيانات ينطبق عليها أم لا.
أحالت العديد من الأحكام التي تضمنها RGPD إلى فكرة المسؤول عن المعالجة بالنظر لدوره المحوري في عملية حماية البيانات الشخصية، وقد تضمنت المادة 4 فقرة 7 منه تعريفاً له معتبرةً بأنه ” كل شخص طبيعي أو معنوي أو سلطة عمومية، هيئة أو خدمة سواء بمفردها أو بالاشتراك مع الغير تعمل على تحديد طرق وأهداف المعالجة، خاصة عندما تكون هذه طرق وأهداف هذه المعالجة محدّدة طبقا لقانون الاتحاد أو قانون أي دولة أخرى عضو
المسؤول عن المعالجة إما أن يتم تعيينه أو أن يتم تحديد المعايير التي يتم من خلالها تعيينه سواء بمقتضى قانون الاتحاد أو قانون أي دولة عضو.”[44]
نفس التعريف تقريباً جاءت به المادة 2 فقرة د من الاتفاقية رقم 95/46/CE الصادرة 1995 المعدلة بموجب النظام الأوربي السالف الذكر، وتجدر الإشارة إلى أن التسمية والتعريفات التي أوردتها الاتفاقية الأولي جاءت ثمرة مفاوضات بدأت منذ سنة 1991والتي ثم استلهام تعريفها من الاتفاقية رقم 181 لسنة 1981 والتي كانت تستخدم عبارة “«maître du fichier» بدلاً من المسؤول عن المعالجة المستعملة بموجب التوجيهين الأول والثاني.[45]
بدوره لم يكن المشرع الجزائري في منأى عن التطورات التي شهدتها مختلف التشريعات، لذلك لم يفته أن يتصدى لتعريف كل من المسؤول عن معالجة البيانات والمعالج من الباطن فعرف الأول نص المادة 3 من القانون 18ـ07 بأنه ” كل شخص طبيعي أو معنوي، عمومي أو خاص أو أي كيان أخر يقوم بمفرده أو بالاشتراك مع الغير بتحديد الغايات من المعالجة ووسائلها”
ما يلاحظ على النص الذي أورده المشرع الجزائري بشأن تعريف المسؤول عن معالجة البيانات هو تشابه النصين إلى الحد الذي يوحي بأن المشرع استلهم أحكام هذا القانون من النظام الأوربي المشار إليه أعلاه.
ولما كانت فكرة المسؤول عن المعالجة مهمة للغاية بالنظر للأسباب السالف بيانها لاسيما فيما يخص تحديد الشخص الملتزم بضمان الحق في النسيان الرقمي لأصحاب البيانات الشخصية ووضعه موضع التطبيق، ولما كان تحديد الشخص الذي يمكن وصفه بالمسؤول عن المعالجة ليست من السهولة بمكان بالنظر لتعدّد المتعاملين في البيئة الرقمية الذين يُعنى كل واحد منهم بجمع البيانات ومعالجتها، فإن تحديد معايير قانونية يلجأ إليها لتحديد هذه الفكرة تبدو من الأهمية بمكان، وهو الأمر الذي لم يغب عن ذهن من حرروا هذه التشريعات.
لذلك ورجوعا لمختلف النصوص المتقدم بيانها الجزائرية منها والأوربية يلاحظ بأنها وضعت شرطين للقول بأن شخص ما ينطبق عليه وصف المسؤول عن المعالجة وهي:1 ـ ان يكون شخص طبيعي أو معنوي أو أي كيان أخر.
2ـ يعمل بمفرده أو بالاشتراك مع غير بتحديد الغايات.
يرتبط المعايرين مع بعضهما ارتباطاً وثيقاً فبينما يُعتبر الأول ذو طابع عضوي يعد الثاني وظيفياً وهو الأهم بالنسبة لكل عملية تستهدف تحديد المسؤول عن المعالجة.
يخص المعيار الأول الجانب الشخصي وتحديداً بمن ينطبق عليهم وصف المسؤول عن معالجة البيانات بالنظر لقيامهم بمعالجة البيانات و بالتالي التزامهم بما هو منصوص عليه في القوانين لضمان احترامها وقيام مسؤوليتهم في حالة الإخلال بها، وهو قد يكون إما شخص معنوي عام كالدولة و الولاية و البلدية أو هيئة عمومية، أو شخص معنوي خاص كشركة (فندق، وكالة سياحية،….إلخ )أو أي متعامل خاص، وسواء تمت المعالجة من طرف هذا الشخص المعنوي بمفرده أو بمعية أو بالاشتراك مع أي شخص أخر، فقد يتطلب التعاون مع شخص من الغير لأي سبب من الأسباب في سبيل ضمان المعالجة الأمثل للبيانات، وحتي لا يتهرب هؤلاء من المسؤولية بحجة تعاونهم مع الغير اعتبر القانون أن مشاركتهم للغير لا يعفيهم من المسؤولية التي قد تنتج في حال سوء المعالجة، فلو مثلاً أن وكالة سفر سياحية تقوم باستغلال البيانات الشخصية لزبائنها عن طريق إرسالها لشركات الطيران لحجز التذاكر و الفنادق من أجل تأكيد الإقامة فإن كلاً من الثلاثة ( الوكالة و شركة الطيران، الفندق) يعدون بمثابة المسؤول عن المعالجة مع يترتب عن ذلك من أثار.[46]
أما المعيار الثاني وهو الأهم، فيستوجب أن يكون لدى المسؤول على المعالجة القدرة على معالجة البيانات أو سلطة معالجة البيانات إما بمفرده او بالاشتراك مع الغير كما أسلفنا، ولا يخفي بأن هذا المعيار هو معيار وظيفي يرتبط أساسا ًبواقع الوظائف والصلاحيات التي يملكها المسؤول عن المعالجة من أجل تحديد الأهداف، فكلما كانت للشخص الطبيعي أو المعنوي القدرة على ذلك اكتسب هذا الوصف وأصبح مسؤولاً طبقا للقانون.[47]
فلا يكفي أن يتم تحديد المسؤول عن المعالجة بمقتضى نص قانوني أو عقد ما لم يتم النظر إلى واقع السلطات التي يملكها الشخص في سبيل تحديد الغاية من المعالجة، فقد يحدث وأن يتم هذا التعيين دون ان تكون للشخص أي سلطة تذكر في مواجهة البيانات ويتعذر بالتالي اعتباره مسؤولاً وتحميله النتائج المترتبة عن ذلك.
في الغالب وبغض النظر عن المعيارين سالفي الذكر، قد يتم تحديد المسؤول عن معالجة البيانات إما بنص صريح في القانون كأن يتم تكليف الأجهزة الأمنية في الدولة بنص صريح في القانون بجمع البيانات الشخصية فيعد في هذه الحالة من كلفه القانون في حكم المسؤول عن المعالجة[48]،كما قد يكون تحديد المسؤول عن معالجة البيانات تم بطريق غير مباشر لا يتم استخلاصه مباشرة من النصوص القانونية ذات الصلة وإنما عن طريق المبادئ العامة في القوانين المتفرقة كالتشريع المتعلق بالعمل أو القانون المدني أو التجاري كما هو الأمر بالنسبة للبيانات الخاصة بالعمال و التي يتم معالجتها من قبل رب العمل.[49]
أحياناً قد تخلو النصوص القانونية أو بنود العقد من أي إشارة صريحة بخصوص المسؤول عن المعالجة، والأمر في هذ الحالة يستدعي البحث عمن له التأثير الفعلي والسلطة الواقعية في معالجة البيانات وتحديد الغاية منها واعتباره مسؤولاً، خاصة وأن النصوص القانونية المتقدمة الذكر لم تشترط أن يتم التعيين صراحة للمسؤول في صلب النصوص أو العقود وإنما العبرة بمن له القدرة على تحديد البيانات، ولا شك في أن البحث في هذه المسألة يستدعي التمعن والبحث في الوقائع والظروف المحيطة بعمل المسؤول.[50]
ثانياًـ مبدأ تقييد مدة تخزين البيانات ذات الطابع الشخصي:
يجمع الفقه المتخصّص بأن هذا المبدأ أو شرط الاحتفاظ بالبيانات لمدّة معقولة أو تحديد مدّة حفظ المعلوماتle principe de la limitation de la durée de la conservationمن بين أهم المبادئ التي تم تسخيرها من أجل ضمان حماية أمثل للبيانات الشخصية بوجه عام وللحق في النسيان الرقمي بوجه خاص، ولا أدل على ذلك أن اللجنة الوطنية للمعلوماتية و الحريات CNIL اعتبرت في مداولة لها بتاريخ 11 أكتوبر 2005 تحت رقم 2005ــ ـ213 أنه في مواجهة الذاكرة المعلوماتية وحده الحق في النسيان الرقمي من بإمكانه ضمان أن لا يتم جمع البيانات داخل المؤسسة لمدة زمنية مبالغ فيها.
ومعنى هذا المبدأ أن البيانات الشخصية لا ينبغي أن يتم الاحتفاظ بها من طرف المسؤول عن المعالجة لمدّة غير محدودة أو مدة طويلة، بل يتحتم أن تكون هذه المدة مبررة ومعقولة وألا تتجاوز المدة اللازمة لتحقيق الأغراض المرجوة من المعالجة، بعد ذلك يتعين على المسؤول عن المعالجة إتلافها أو تشفيرها أو محوها ماعدا الحالات المرخص بها قانوناً والتي تستدعي طبيعتها الاحتفاظ بها مدة أطول من اللازم.[51]
فالبيانات الشخصية تخضع إن صح التعبير لدورة حياة، تبدأ بفترة تكون فيها هذه البيانات ذات استعمال دائم وفعال من أجل تحقيق الغاية من جمعها فتوضع فيما يسمى une base active، ثم بعد ذلك تقل الحاجة في اللجوء إليها حتى تنعدم لكنها في المقابل ضرورية يلجأ إليها عند الضرورة في المستقبل كما في حالة نشوب نزاع كبيانات الفوترة مثلاً، فيتم الاحتفاظ بها مدة معينة يتم تقديرها بالنظر لخصوصية و طبيعة كل بيان على حدة، وما إن تنقضي هذه المدة يصبح لزاماً على المسؤول عن المعالجة تحت طائلة تحمله المسؤولية محوها أو اتلافها، ثم إن هناك نوع من البيانات نظراً لطبيعتها تخضع لما يسمى بالتخزين المؤبد أو الأرشفة الدائمة و هي لا تخص إلا بيانات محدّدة في القانون على سبيل الحصر كالبيانات التي يتم جمعها في سبيل المصلحة العامة وأغراض البحث العلمي أو التاريخي أو لأغراض إحصائية.[52]
ورد النص على هذا المبدأ في نص المادة 5 فقرة E من RGPD حيث جاء فيها بأن “البيانات الشخصية ينبغي أن تحفظ في شكل يسمح بتحديد هوية الأشخاص المعنيين وألا تتجاوز مدة حفظها المدة اللازمة لتحقيق الأغراض المحدّدة من المعالجة”.
نفس الحكم تقريبا جاء به القانون 78-18 الصادر في 6 جانفي 1978 المتعلق بالمعلوماتية والحريات وهو النص الذي طرأت عليه تعديلات بما يتلاءم مع أحكام النظام المسمى RGPD حيث جاء نص المادة 4 فقرة 5 لينقل حرفياً ما جاء في نص المادة 5 المنوه عنها أعلاه، وذلك في سعي من الدول الأوربية ومنها فرنسا إلى توحيد تشريعاتها الداخلية في مجال حماية بيانات الأشخاص.
بالنسبة للقانون المصري أورد القانون رقم 151 لسنة 2020 المتعلق بحماية البيانات الشخصية حكماً مشابهاً في نص المادة 3 فقرة 4 حيت اعتبرت بأنه يجب لجمع البيانات ومعالجتها والاحتفاظ بها ألا يتم الاحتفاظ بها لمدة أطول من المدة اللازمة للوفاء بالغرض المحدّد لها.
أما عن المشرع الجزائري المتأثر كعادته بالتشريع الفرنسي أصدر القانون 18-07 الصادر في 10 يونيو 2018 المتعلق بحماية الأشخاص الطبيعيين في مجال معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي السالف الإشارة إليه وجاء في نص المادة 9 فقرة ه “يجب أن تكون المعطيات الشخصية محفوظة بشكل يسمح بالتعرف على الأشخاص المعنيين خلال مدّة لا تتجاوز المدّة اللازمة لإنجاز الأغراض التي من أجلها تم جمعها ومعالجتها”.
يتبين من النصوص القانونية المشار إليها أعلاه أهمية مبدأ تقييد مدّة حفظ البيانات واعتباره أحد أهم الأليات الكفيلة باحترام البيانات الشخصية بوجه عام، ولا يخفي أيضا ما له من أهمية في تدعيم الحق في النسيان الرقمي وحمايته، إذ أن حفظ البيانات الشخصية لاسيما تلك التي تندرج في صميم الحياة الخاصة للإنسان لمدة زمنية محدودة وغير دائمة يترتب عنه اتلافها أو محوها فيما بعد، ويمنع الرجوع اليها مهما كانت الأسباب مما يساهم بشكل كبير في تدعيم النسيان الرقمي.
والأمثلة في القانونين الجزائري و الفرنسي عديدة على تبنيهما لهذا المبدأ، فها هو على سبيل المثال المرسوم رقم 2011-219 الصادر في 25 فيفري 2011 والمتعلق بحفظ ونقل البيانات التي تسمح بتحديد هوية أي شخص ساهم في إنشاء مضمون في شبكة الأنترنت حدّد في مادتيه الأولي والثالثة البيانات الخاضعة للحفظ من طرف مورّدي خدمات النفاد والإيواء على شبكة الأنترنت المحدّدة مهامهم بموجب أحكام القانون 2004-575المتعلق بالثقة في الاقتصاد الرقمي وهي تتعلق بمجموعة من بيانات الاتصال بالشبكة التي تساهم في تحديد هوية أي شخص يقدم محتوى رقمياً مهما كان نوعه على الشبكة، وقد حدّد المرسوم مدة الحفظ بسنة تختلف مدة حسابها بحسب طبيعة البيان، إما من تاريخ إنشاء المضمون أو من تاريخ فسخ العقد أو غلق الحساب، أو من تاريخ إصدار الفاتورة أو معاملة الدفع لكل فاتورة أو معاملة دفع.[53]
بالنسبة للقانون الجزائري الأمثلة على تبني هذا الأخير لمبدأ تقييد مدّة حفظ البيانات الشخصية عديدة منها ما جاء في نص المادة 11 من القانون 09ـ04 من القانون المتعلق بالوقاية من الجرائم المرتبطة بتكنولوجيات الإعلام و الاتصال المشار إليه أعلاه والذى ألقى التزماً على عاتق مقدمي خدمات الأنترنت وعلى رأسهم بالطبع مورّد خدمة الدخول والإيواء يقضي بضرورة حفظ البيانات المتعلقة بحركة السير، هي البيانات التي تسمح بالتعرف على مستعملي الخدمة والمتعلقة بالتجهيزات الطرفية المستعملة للاتصال، وأيضاً الخصائص التقنية وتاريخ ووقت ومدة كل اتصال، وكذلك التي تسمح بالتعرف على المرسل والمرسل إليه والعناوين المطلع عليها، على ان تحدد مدة الحفظ بسنة ابتداء من تاريخ التسجيل.
في نفس السياق أصدرت سلطة ضبط البريد والاتصالات الإلكترونية القرار رقم19 / أخ/ر م/س ض ب م/ 2017 المؤرخ في 31 ماي2017 حدّدت فيه مدّة حفظ العقود حفظ العقود المبرمة مباشرة في الشكل الإلكتروني بناءً على القرار 71/ أخ/ر م/س ض ب م/2015 المؤرخ في 28ـ10ـ2015وكذا الوثائق التي استخدمت لتحديد هوية الزبائن خلال فترة خمسة عشر 15 سنة ابتداءً من تاريخ فسخ عقود الاشتراك لخدمات المواصلات السلكية واللاسلكية.
ومن التطبيقات القضائية لهذا المبدأ ما أصدره مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 18 ديسمبر2018 من أن المدّة غير المحدودة التي تحفظ فيها البصمات الوراثية لا يمكن اعتبارها ضرورية مقارنة بالهدف من وراء إنشاء الملف الخاص بها، خاصة في ضوء مدة الصلاحية الخاصة بها والمقدرة ب 15 سنة بالنسبة للبالغين و10 سنوات بالنسبة للقصر، وطالب المجلس من الوزير الأول إصدار مرسوم بعد استشارة اللجنة الوطنية للمعلوماتية والحريات من أجل أن إحداث التوافق مع أحكام القانون المتعلق بالمعلوماتية والحريات.[54]
ثالثاًـ مبدأ التقيد بالغرض:
يقتضي هذا المبدأ أن يكون الغرض من معالجة البيانات من طرف المسؤول عن المعالجة واضحاً ومحدداً ومشروعاً، ويعمل على احترام هذه الأهداف والتقيد بها طوال مدة الاحتفاظ بهذه البيانات، ويتطلب ذلك من المسؤول عن المعالجة أن يمد صاحب البيانات في البداية بكل ما هو ضروري حول عملية الاحتفاظ، لاسيما الهدف من وراء جمعها، فلا يحق له بعد أن يقوم بتحريفها نحو هدف أخر لم يرتضيه بادئ الأمر صاحب هذه البيانات وإلا وعدّ ذلك خرقاً لمبدأ التقيد بالغرض من وراء جمع البيانات أو كما يسمى le principe de finalité.[55]
ورد النص على هذا المبدأ ضمن أحكام النظام الأوربي في نص المادة 5 فقرة b بقولها إن «البيانات يجب جمعها لغايات محدّدة، مشروعة وواضحة، وألا تعالج لاحقا بطريقة تتنافي مع هذه الغايات”.[56]
نفس المبدأ كرسه القانون الفرنسي المتعلق بالمعلوماتية والحريات المنصوص عليه أعلاه في نص المادة 4 فقرة 2، وأيضا القانون المصري رقم 151 لسنة 2020 في مادته 3 فقرة 3 والتي جاء فيها أن البيانات يجب لجمعها والاحتفاظ بها أن ” أن تعالج بطريقة مشروعة، وملائمة للأغراض التي ثم تجميعها من أجلها”.
لم يفت المشرع الجزائري أثناء صياغته لأحكام القانون 18-07 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية أن يكرس هذا المبدأ ضمن نص المادة 9 فقرة ب بقولها أنه ” يجب أن تكون المعطيات الشخصية: ـب مجمعة لغايات محددة، وواضحة ومشروعة وألا تعالج لاحقاً بطريقة تتنافي مع هذه الغايات”.
لا شك في أن تحريف المقاصد من وراء جمع البيانات الشخصية نحو مقاصد أخرى غير تلك التي أبدى صاحبها موافقته عليها هي من أكثر ما يحدث في الوقت الحاضر، فمواقع التواصل الاجتماعي و شركات الهاتف النقال عادة ما تعمد إلى جمع بيانات مشتركيها و المستفيدين من خدماتها لاسيما تلك المتعلقة بحياتهم الخاصة تم تعمد بعد ذلك إلى استغلالها لأغراض أخرى كبيعها للشركات التجارية حيث تستغلها في مجال الإشهار، أو كما تفعل شركات الهاتف النقال التي تقدم من بين خدماتها إمكانية التعرف على الموقع الجغرافي بغية جعل الوصول إلى الأماكن المختلفة في الموقع عن طريق عرض مواقع المطاعم و المقاهي وقاعات الرياضة و غيرها، فتقوم ببناء ملف شخصي لكل مستخدم يتضمن كافة هذه المعلومات تم تقوم بعد ذلك باستغلالها في الإشهار التجاري.[57]
تطبيقاً لهذا المبدأ وفي قضية تتلخص وقائعها في أن أحد العمال يشغل منصب حارس لدى شركة الطريق السيار يسهر على حراسة وسلامة استعمال السكة الحديد وتقتضي مهامه عدم مغادرة النطاق المخصّص له حتى يتمكن من التدخل السريع والفوري، ثم تسريحه من منصب عمله بعد أن ثبت للمستخدم خطأه الناجم عن مغادرته هذا النطاق استناداً إلى البيانات المستمدة من نظام تحديد الموقع المركب على سيارة هذا العامل.
على الرغم من أن نظام تحديد الموقع كان مصرحاً به لدى اللجنة الوطنية للمعلوماتية والحريات وكان محل موافقة مسبقة من طرف العامل المسرح إلا أن محكمة الاستئناف اعتبرت بأن استغلال البيانات الشخصية الناتجة عن نظام تحديد الموقع من أجل مراقبة تحركات العامل يعد مخالفاً للغرض الذي من أجله أبدى هذا العامل موافقته من أجلها، ولا يمكن اعتبار هذه البيانات دليلاً ضده.[58]
رابعاً: مبدأ الملائمة:
يعد مبدأ الملائمة أو التقليل من البيانات أو كما يسمى في الفقه الفرنسيle principe de proportionnalité et de pertinence إحدى أهم النتائج المترتبة عن الأخذ بمبدأ الغاية أو الهدف من البيان، ويقتضي هذا المبدأ من المسؤول عن معالجة قياس البيانات المستعملة و الوسائل التقنية اللازمة لذلك مع الأغراض المرجوة من هذه العملية، فلا يلجأ إلى معالجة إلا تلك اللازمة و الضرورية لتحقيق الهدف من وراء المعالجة و إلا كانت غير مشروعة.[59]
فالبيانات لا تجمع من أجل الجمع وفقط دونما اعتبارات محدّدة بل بالعكس من ذلك، لا ينبغي الاحتفاظ بها إلا من أجل معالجة واضحة ودقيقة ومحدّدة، ففي إطار العملية التسويقية مثلاً ينبغي على الشركة التجارية المسوقة الاكتفاء بالبيانات الضرورية كالاسم واللقب والبريد الإلكتروني، وأية بيانات أخرى غير هذه تعد من قبيل التزيد ولا حاجة إليها وتعد من قبيل المعالجة غير المشروعة.[60]
كغيره من سائر البيانات السالف عرضها، ورد النص على هذا المبادئ ضمن أحكام النظام الأوربي RGPD في نص المادة 5 فقرة C بقولها ” يجب أن تكون البيانات الشخصية ملائمة ومناسبة لما هو ضروري للأغراض التي تتم معالجتها من أجلها (تقليل البيانات”.
نفس المبدأ كرسه القانون المصري رقم 151 لسنة 2020 بنصه في المادة 3 فقرة 3 أنه ” يجب لجمع البيانات والاحتفاظ بها: ـ أن تعالج بطريقة مشروعة وملائمة للأغراض التي ثم جمعها من أجلها”، وأيضا المشرع الجزائري الذي نص في المادة 9 فقرة ج من القانون 18ـ07 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية “-ملائمة ومناسبة وغير مبالغ فيها بالنظر إلى الغايات التي من أجلها تم جمعها أو معالجتها”، وهو نفس تقريبا ما جاءت في الناظم الأوربي المتقدم الذكر.
يتفرع عن هذا المبدأ مبدأ أخر لا يقل عنه أهمية وهو مبدأ التقليل من البياناتle principe de minimisation des données، بمعني ألا تكون البيانات التي يتم جمعها من طرف المسؤول عن المعالجة مبالغ فيها إلى الحد الذي يجعل من بعضها غير ضروريا على الإطلاق، وأن يكتفي بأقلها قدرة على تحقيق أهداف المعالجة.[61]
إذن يتضح من خلال كل ما سبق بأن المبادئ العامة التي أرساها النظام الأروبي ومن بعده التشريعات المختلفة بما فيها المشرع الجزائري تسهم لامحالة في تدعيم وتكريس الحق في النسيان الرقمي سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فمبدأ المدّة المحدودة الذي يجعل من البيانات المعالجة تختفي بعدة مرور مدة من الزمن، ومبدأ التقيد بالغرض يلعب كما سبق بيانه دوراً في ضمان عدم تحريف البيانات المخزنة عن وجهتها الأساسية التي أعطى صاحبها موافقته بشأنها، في حين يسهم مبدأ الملائمة في ضمان عدم المبالغة في جمع البيانات والاكتفاء فقط بتلك التي تؤدى الغرض من المعالجة، و لاريب في أن هذه المبادئ إذا ما احترمت من قبل القائمين على المعالجة يسهم ذلك بشكل كبير في ضمان النسيان الرقمي.
الفرع الثاني: ضمان الحق في النسيان الرقمي من خلال الحقوق المخولة لأصحاب البيانات:
خولت القوانين لأصحاب البيانات الشخصية التي تتم معالجتها ألياً بغية ضمان احترامها مجموعة من الحقوق يلجِؤون إليها كلما كانت المعالجة غير صحيحة أو غير مكتملة أو تتضمن معلومات محرّفة أو يرغب صاحبها في إخفاءها، فهي بذلك حقوق جعلت من صاحب البيانات أو المعني بالمعالجة صاحب حقوق مكتملة بالنسبة لبيانات الشخصية، وهي تشكل في مجملها ما يعرف بالحق في النسيان الإيجابي، فهي تعطيه حقوقاً يكون من شأنها التغيير في البيانات وفقا لما يراه صاحبها وهي كما يلي:
أولاً: الحق في المحو:
بدأ الحديث بحدّة حول الحق في محو البيانات خاصة مع ظهور المواقع التفاعلية للشبكة وتساؤل المستخدمين كما سبق
ذكره حول مصير بياناتهم على الشبكة، وهناك من اعتبره رديفاً للحق في النسيان الرقمي[62].
وعلى كل فإن الحق في المحو أو le Droit à l’effacement هو حق الشخص في أن يطلب محو بياناته الشخصية كما هو عليه الحال بالنسبة لحالة التشخيص الرقمي، وما يترتب عليه من مخرجات أو بما يتضمنه من وصف لحالة الإنسان أو التنبؤ بها ما لم يكن هناك سبب قانوني لاستمرار معالجة البيانات الشخصية أو وجود الملفات الشخصية.[63]
أما التوجيه الأوربي الصادر سنة 2016 والمعروف اختصاراً ب RGPD المتعلق بحماية الأشخاص الطبيعيين في مجال المعالجة الألية للمعطيات الذي سبق النص عليه فقد حاء في مادته 17 النص على هذا الحق مقروناً بالحق في النسيان مقرّة للفرد المعني بأحقيته بتقديم طلب حذف بياناته الشخصية ويلتزم مراقب البيانات قانوناً بمحوها، أي يجب عليه الاستجابة إلى هذا الطلب.
ما يمكن ملاحظته بشأن ما ورد في التوجيه الأوربي التي يمكن اعتبارها بمثابة المرجع في مجال حماية البيانات الشخصية و هي أنها إلى جانب كتاب أخرين جنحت إلى اعتبار الحق في المحو قريناً بالحق في النسيان الرقمي، غير أن هذا الأمر و إن كان صحيحا نسبيا على أساس أن الحق في المحو هو أحد الأليات المهمة لتفعيل الحق في النسيان الرقمي ، غير أن ذلك ليس على إطلاق إذا توجد إلى جانب الحق في المحو أليات أخرى قد تساهم تفعيل النسيان الرقمي على غرار الحق في التصحيح و الحق في حضر المعالجة و الحق في السحب من التصنيف بالنسبة لمحركات البحث.[64]
تم تكريس مبدأ محو البيانات الوارد على بيانات الاتصال بالشبكة في البداية بموجب المادة 6.1 من التوجيه الأوربي 2002/58/CE الصادرة في 12جويلية 2002 المسماة (التوجيه المتعلق بالحياة الخاصة والاتصالات الإلكترونية) والتي قررت بأن البيانات الخاصة بالمشتركين المخزنة والمعالجة من طرف مورّدي خدمة الشبكة المفتوحة للجمهور أو خدمة الاتصالات الإلكترونية الموجه للجمهور يجب أن تحذف أو يتم التجهيل بمصدرها عندما لا تكون ضرورية للإرسال”.[65]
مبدأ محو البيانات أو حذفها تم تبنيه أيضاً من طرف المشرع الفرنسي بموجب المادة 34 من قانون البريد والاتصالات الإلكترونية (CPCE) التي تم تعديلها بموجب القانون الصادر في 32 جانفي 2006 المتعلق بمكافحة الإرهاب والتي جاء فيها أنه ينبغي على متعاملي الاتصالات الإلكترونية لاسيما من تكمن مهامهم في توفير خدمة النفاذ إلى خدمات الاتصالات الموجهة للجمهور عبر الخط حذف أو جعل مجهولة المصدر كل البيانات المتعلقة بحركة السير[66].
سبقت الإشارة إلى أن حكم محكمة العدل الأوربية المشار إليه آنفا والصادر بتاريخ 14 ماي 2014 في قضية “Google Spain» أعاد التذكير بأهمية الحق في النسيان على شبكة الأنترنت، وقد كان من النتائج المترتبة عنه الوقوف على عدم كفاية التوجيه الأوربي الصادر سنة 1995 المتعلق بحماية الأشخاص الطبيعيين في مجال المعالجة الألية للبيانات الشخصية حيث عمد إلى تعديلها بموجب التوجيه الأوربي الصادر سنة 2016 والمعروف اختصاراً ب RGPD المتعلق بحماية الأشخاص الطبيعيين في مجال المعالجة الألية للمعطيات مخصصاً المادة 17 منه للحق في المحو أو الحق في النسيان كما ورد في عنوان هذه المادة.
عمل المشرع الفرنسي بعد دخول التوجيه الأوربي حيز التنفيذ ابتداءاً من8 ماي 2018 استنادا إلى المادة 99 منه على تعديل المادة 40 من القانون المتعلق بالمعلوماتية و الحريات 78 -17 بموجب المادة 24 من القانون رقم 2018 – 493 الصادر في 20 جوان 2018 المتعلق بحماية البيانات الشخصية حيث نصت على أن ” كل شخص طبيعي يثبت هويته بإمكانه أن يطلب من معالج البيانات مهما كان حسب الحالة تصحيح أو استكمال أو تحيين أو تأمين أو محو البيانات الشخصية التي تهمه خاصة تلك التي تكون غير دقيقة أو غير مكتملة و غامضة و عفا عليها الزمن، أو تلك التي يكون استعمالها و نقلها و حفظها ممنوعاً”
الملاحظ عند استقراء نص المادة 17 من (RGPD) أن التوجيه لم يجعل من الحق في المحو حقا مطلقاً بل قيده بضرورة توافر حالة من الحالات المنصوص عليها في الفقرة الأولي من نفس المادة، وهي تتعلق بما يلي:
ـإذا لم تعد البيانات الشخصية ضرورية لتحقيق الأغراض التي تم تجميع البيانات لأجلها.
ـ إذا قام الفرد موضوع البيانات بسحب رضاه على عملية المعالجة والتي تم تأسيسها عليه وفقا للمادتين 1/6 و 9/2 من اللائحة، إلا إذا كان هناك أساس قانوني أخر للمعالجة.
ـ إذا اعترض الفرد موضوع البيانات على عملية المعالجة وفقا للمادة 21 من اللائحة ولم تكن هناك مصلحة راجحة تبرر استمرارها.
- إذا كانت عملية معالجة البيانات غير مشروعة وفقا للأسس التي بينتها اللائحة بشأن مشروعية المعالجة التي سبق توضيحها.
- إذا كان هناك التزام قانوني يفرض على المراقب إزالة البيانات الشخصية وفقا للقانون الاتحادي أو قوانين الدول الأعضاء التي يخضع لها المراقب.
- إذا كانت المعالجة على أساس الفقرة 1 من المادة 8 من اللائحة والتي تتعلق بمعالجة البيانات في الخالصة بالأطفال.[67]
في نفس الإطار قررت الفقرة الثانية من المادة 17 بأنه إذا كان مراقب البيانات عمل على جعل البيانات الشخصية عامة أو متاحة للجمهور ففضلاً عن الالتزام بمحوها وجب عليه في ضوء التكنولوجيا المتاحة والتكاليف المعقولة اتخاذ ما هو ضروري بما في ذلك التدابير التقنية اللازمة بغية إخطار المراقبين الأخرين الذين يقومون بمعالجة البيانات بإزالة بياناته الشخصية، بمعنى إزالة هذه البيانات والروابط التي تساهم في الوصول إليها فضلاً عن كل ما من شأنه تكرار إتاحة البيانات الشخصية مرة أخرى.[68]
لم تتضمن نصوص القانون 18ـ07 الجزائري خلافا لما جاء في التوجيه الأوروبي والقانون الفرنسي المطبق لها ما يشير صراحة إلى مبدأ المحو كأهم ضامن للحق في النسيان الرقمي.
غير أن التمعن في نص المادة 35 منه وفي معرض حديثها عن الحق في التصحيح الذي جاءت معنونة باسمه قرّرت بأنه يجوز للشخص أن يحصل مجاناً من مسؤول المعالجة على تحيين أو تصحيح أو مسح أو إغلاق للمعطيات الشخصية التي تكون معالجتها غير مطابقة لهذا القانون، وعبارة مسح مرادفة لعبارة المحو أو الإزالة، والدليل على ذاك أن الترجمة الفرنسية لنص المادة 35 يلاحظ أنها جاءت بعبارة l’effacement للدلالة على كلمة محو باللغة العربية.[69]
الملاحظ بأن المشرع الجزائري لم يحذو حذو التوجيه الأوروبي الذي خصّص نص مادة خاص بالحق في المحو جاعلاً منه رديفاً للحق في النسيان، بل أدرجه ضمن حقوق أخرى يستطيع الشخص المعني أن يستعملها كالحق في التصحيح والإغلاق وكل ذلك جاء تحت عنوان الحق في التصحيح.
الملاحظ أيضاً بأن المشرع الجزائري ومن خلال نص المادة 35 المشار إليه أعلاه وعلى غرار المشرع الفرنسي ومن قبله التوجيه الأوروبي قيد ممارسته بضرورة أن تكون المعالجة غير مطابقة للقانون بسبب طابعها غير المكتمل أو غير الصحيح لتلك المعطيات على الخصوص أو لكون معالجتها ممنوعة قانوناً، وهو مما قد يلقي في الأذهان أن المشرع لا يعترف بالحق في المحو بعبارة أخرى لا يقر للشخص حقه في النسيان.
تجدر الإشارة في هذا الخصوص أنه وفضلاً عما سبق، يمكن الاستعانة بنص المادة 47 من القانون المدني التي خولت لكل من وقع عليه اعتداء غير مشروع في حق من الحقوق الملازمة لشخصيته أن يطلب وقف هذا الاعتداء والتعويض عنه إن كان لحقه ضرر، لذلك يمكن للمعنى بالمعالجة في سبيل مطالبته بمحو بياناته أو وقف ما يراه اعتداءاً عليها الاستناد على نص هذه المادة بوصفه الإطار العام لحماية الحقوق اللصيقة بالشخصية بوجه عام.
ثانياًـ الحق في الاعتراض:
يعكس هذا الحق السلطة المخولة لكل شخص طبيعي في أن يعترض على أي معالجة ألية تستهدف بيانته الشخصية سواء تم ذاك لأغراض الدعاية التجارية أو غيرها، وقد ورد النص عليه ضمن أحكام النظام الأوربي RGPDفي المادة 21 فقرة 1 بقولها ” أن لكل شخص أن يعترض في أي وقت لأسباب تتعلق بوضعه الخاص على كل معالجة ألية لبياناته الخاصة استنادا إلى المادة 6 فقرة 1 “،كما ورد النص على نفس الحق بمقتضى المادة 38 من قانون المعلوماتية و الحريات الفرنسي بنصها على أن ” لكل شخص طبيعي الحق في الاعتراض لأسباب مشروعة في أن تكون بياناته الشخصية محل معالجة”[70].
يظهر جلياً من خلال النصين أن كلاهما استعملا عبارتين مختلفتين، ففي الوقت الذي استعمل النظام الأوربي عبارة ” لأسباب تتعلق بوضعه الخاص “situation particulière “استخدم القانون الفرنسي عبارة ” لأسباب مشروعة ” motifs légitimes“،ولا يخفى بأن الأولى أوسع من الثانية وتفسح المجال أمام عديد الحالات التي من الممكن أن تدخل ضمنها خلافاَ للثانية والمتعلقة بالأسباب المشروعة وهي الأسباب التي ينبغي أن تتعلق بوضعية خاصة وتتفوق على مصالح مسؤول المعالجة، وفي حالة نزاع يفصل القاضي في المسـألة بمرونة في الأسباب المشروعة بشكل من شانه أن يساهم في حماية حقوق الفرد.[71]
فممارسة حق الاعتراض إذن لا تتم بصورة مطلقة من دون قيد أو شرط بل يشترط أن تتوافر للمعترض أسباب مشروعة طبقاً للقانون الفرنسي، وقد سبق للقضاء الفرنسي أن تعرض لمدلول هذه الأسباب المشروعة، ففي قرار له صادر بتاريخ 18مارس 2019اعتبر مجلس الدولة الفرنسي بأن فكرة المصلحة المشروعة كشرط من شروط ممارسة حق الاعتراض تتعلق بشرط وجود أسباب مشروعة في الغالب تتعلق بوضعه الخاص.[72]
كما أكدت محكمة النقض الفرنسية في قرار لها بتاريخ 28 سبتمبر 2004 أيضاً بأنه في مجالات السياسة والفلسفة والدين يعتبر شرط السبب المشروع متوافراً كلما توافرت للشخص المعنى القدرة على الاعتراض على معالجة بياناته الشخصية.[73]
الملاحظ بأن النظام الأوربي في الوقت الذي اشترط أن تتوافر لطالب حق الاعتراض أسباب تتعلق بوضعه الخاص في الفقرة الأولى من نص المادة 21 جعلت الفقرة 2 من نفس المادة ممارسة هذا الحق مطلقاً دون أية شروط تذكر وفي أي وقت، وذلك بمجرد أن يمارس المعني هذا الحق يتوقف المسؤول عن المعالجة فوراً عن القيام بأي عملية تتعلق ببياناته الشخصية، ويكون ذلك في حالة معالجة البيانات لأغراض الدعاية أو لأغراض تسويقية مباشرة.[74]
فضلاً عن اشتراط أن تتوافر للشخص الراغب في ممارسة حق الاعتراض أسباب مشروعة، أورد النظام الأوربي استثناءات ترد على سلطة الشخص في ممارسة هذا الحق، يتعلق الاستثناء الأول بما جاء في الفقرة الأولى من المادة 21 من نفس النظام وهي أنه لا يحق للمسؤول عن المعالجة القيام بهذه العملية مالم يثبت توافر أسباب مشروعة وملحة تعلو على حقوق وحريات الفرد، أو من أجل الادعاء أو ممارسة أو الدفاع عن حق.
استثناء أخر جاءت به الفقرة السادسة من المادة 21 من النظام الأوربي وهو أن ممارسة حق الاعتراض يجوز ممارسته حتى لو تعلق الأمر ببيانات تم جمعها من أجل أغراض البحت العلمي أو التاريخي أو لأغراض إحصائية، ما لم يثبت أن هذه المعالجة ضرورية لتنفيذ مهمة تتعلق بالمصلحة العامة فلا يجوز ممارسة هذا الحق.
نص على هذا الحق المشرع المصري بموجب المادة 2 فقرة 6 من القانون 151 لسنة 2020 المتعلق بحماية البيانات الشخصية حيث جاء فيها ” لا يجوز جمع البيانات الشخصية أو معالجتها أو الإفصاح عنها أو إفشاءها بأي وسيلة من الوسائل إلا بموافقة صريحة من الشخص المعني بالبيانات، أو في الأحوال المصرح بها قانوناً .
ويكون للشخص المعني بالبيانات الحقوق التالية:
ـ الاعتراض على معالجة البيانات الشخصية أو نتائجها متى تعارضت مع الحقوق والحريات الأساسية للشخص المعنى بالبيانات”.
على غرا ر النظام الأوربي والتشريع الفرنسي، لم يفت المشرع الجزائري أن يضمن نصوص القانون 18ـ07 حق الاعتراض في نص المادة 36 مقراً بأن للشخص المعنى أن يعترض لأسباب مشروعة على معالجة معطياته ذات الطابع الشخصي، وبذلك يكون المشرع أخذ بما ورد في القانون الفرنسي ولم يأخذ بالنص الوارد في النظام الأوروبي.
على خطى الأحكام التي جاء بها النظام الأوربي منح القانون للمعنى أن يعترض على معالجة بياناته الشخصية إذا ما تمت لأغراض دعائية لا سيما التجارية منها، لينص على الاستثناء الوارد على ممارسة حق الاعتراض كما لو تعلق الأمر بالالتزام قانوني واقع على عاتق المسؤول عن المعالجة، أو ثم استبعاد هذه الأحكام بموجب إجراء صريح في المحرر الذي يرخص المعالجة، وقد أورد المشرع هذه الأحكام بمقتضى الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 36 السالفة الذكر.
ثالثاً. الحق في حظر المعالجة:
الحق في حظر المعالجة أوLe droit à la limitation du traitementهو أحد الحقوق التي جاء بها النظام الأوربي ويشكل أحد أهم البدائل الممكنة للحق في المحو، ويتم اللجوء إلى استعماله إذا احتج الشخص المعنى على صحة البيانات المعالجة أو على الطريقة التي تمت بها هذه المعالجة، أو في الحالة التي يرغب فيها محو بياناته غير أن التزاماً قانونياً وقع على عاتق المسؤول عن المعالجة حتم عليه الاحتفاظ بها لسبب من الأسباب.[75]
جاء النص على هذا الحق بصورة منفردة ضمن أحكام النظام الأوربي بطريقة لم يشهدها التوجيه الأوربي الذي سبقه وهو يهدف إلى تجميد البيانات لمدة ضرورية ليتم فقط حفظها وعدم استعمالها إلا بناءاً على رضاء صريح من الشخص المعنى.
خصّص النظام الأوربي فيRGPD نص المادة 18 منه للنص بصورة مستقلة على الحق في حظر المعالجة واضعاً شروطاً ينبغي أن تتحقق حتى يتسنى استعمال هذا الحق، وتتعلق هذه الشروط بالحالات التالية:1ـعندما ينازع الشخص المعني على صحة أو دقة بياناته وذلك خلال مدّة زمنية تسمح للمسؤول عن المعالجة بالتأكد من صحة البيانات.2ـ عندما تكون المعالجة غير مشروعة ويعترض الشخص المعنى على محو بياناته ويطالب بدلاً عن ذلك بحظر استعمالها،3ـ عندما يكون المسؤول عن معالجة البيانات في غير حاجة إليها لأغراض المعالجة غير أنها ضرورية للشخص المعنى من أجل الادعاء أو ممارسة أو الدفاع عن حق أمام القانون.4ـ إذا اعترض الشخص المعنى على المعالجة التي تتم وفقاً لنص المادة 21 فقرة 1 في أثناء التحقق فيما إذا كانت المصالح المشروعة التي يستند عليها المسؤول عن المعالجة تتفوق على مصال الفرد المعنى من عدمه.
استكمالاً لما سبق تضيف الفقرة الثانية من نص المادة 18 المتقدم أنه إذا ثم حظر البيانات وفقاً لما سبق بيانه فلن تكون هذه البيانات محل أية معالجة ما عدا تخزينها إلا بناءاً على موافقة من صاحبها أو لرفع دعوى أو ممارسة حق أو الدفاع عنه، أو لحماية حقوق شخص طبيعي أو معنوي أخر أو لأسباب تتعلق بالمصلحة العامة للاتحاد أو الدول الأعضاء، كما ينبغي إبلاغ الفرد المعنى من قبل المسؤول عن المعالجة قبل رفع الحظر وفقا لما ورد في الفقرة 3 من نفس المادة.
رابعاًـ الحق في إلغاء المحتوى من محرك البحث:
على غرار الحق في المحو ارتبط هذا الحق أو كما يسمى في الفقه الفرنسي le droit au déréférencementكثيراً بالحق في النسيان الرقمي إلى درجة الخلط بينهما.[76]
ويعرف هذا الحق حسب اللجنة الوطنية للمعلوماتية والحريات الفرنسية بأنه يسمح بمطالبة محرك البحث كقوقل أو ياهو مثلاً بحذف نتائج البحث التي تظهر مرتبطة باسم أو اللقب الطالب، فيؤدى ذلك إلى إلغاء أي نتائج بحث من شأنها الظهور ولها علاقة باسم ولقب المعنى بالطلب، دون أن يؤدى ذلك إلى محوها من موقعها الأصلي الذي نشرت فيه.[77]
فكما هو معلوم ومتعارف عليه بأن محرّكات البحث تلعب دوراً هاما على شبكة الانترنت من حيث كونها تعد مكاناً غنياً بالمعلومات، غير أنه ليس من اليسير الحصول عليها ما لم توجد وسائل تقنية تساعد على ذلك، ومن ثم يأتي دور محركات البحث كقوقل وياهو بحيث تقوم بتلبية طلبات مستخدمي الانترنت وإيجاد ما يبحثون عنه من المواقع أو المعلومات من إدخال مجموعة من الكلمات والعبارات داخل محرك البحث، ليقوم هذا الأخير بالعثور على المحتوى المرتبط بتلك الكلمة.[78]
في الوقت الذي تلعب فيه محركات البحث دوراً هاماً في البحث عن المحتوى عبر الشبكة لا يخفى بأنها أصبحت في الوقت نفسه مصدراً مقلقاً للبعض من حيث كون أن مبدأ عملها ينجم عنه بعض الإخلالات الماسة بالحياة الخاصة وبوجه عام وبالنسيان الرقمي على وجه التحديد، فقد يجد الشخص اسمه مقترناً بروابط إحالة تؤدى نحو مواقع إلكترونية تحتوي وقائع وأحداث ربما تكون مرّت عليها مدّة طويلة يرغب الشخص في عدم تذكرها، لذا لا يبقى أمامه سوى اللجوء إلى الحق في الإلغاء من على نتائج محرك البحث.
في فرنسا يمارس هذا الحق بواسطة طلب يوجه إلى محرك البحث المعنى عبر الصفحات المخصّصة لذلك، يحدد الطالب من خلاله عنوان URLمحل طلب الإلغاء وأيضاً الأسباب التي يرتكز عليها في مطالبته، يكون بعد ذلك لمحرك البحث أجل أدناه شهر وأقصاه ثلاثة أشهر للرد على الطلب، وفي حالة عدم الرد أو الرفض يكون للطالب الحق في التوجه نحو اللجنة الوطنية للمعلوماتية والحريات، وفي حالة عدم استجابة هذه الأخيرة يكون للطالب التوجه للعدالة ممثلة في مجلس الدولة.[79]
يعد الحق في الإزالة من على نتائج البحث أو le droit au déréférencement حقاً من صنع القضاء الفرنسي والهيئات القضائية الفرنسية وارتبط الحديث عنه في البداية بالحق في المحو السالف الذكر والحق في النسيان الرقمي كما سبق وأن أشرنا، ولا يخفى مجانبة هذا الربط للصواب من حيث كونه يتجاهل مبدأ عمل محرك القائم على تصنيف المحتويات وإظهار النتائج المتعلقة بها ومن ثمة فإن إزالة هذه النتائج أو le déréférencement هو مصطلح لا يمكن أن يتصل إلا بنشاط المحرك البحث، و لا يستوى ربطه بالحق في المحو أو النسيان الرقمي باعتبار أن هذين الحقين أعم و أشمل كما تقدم معنا.
لا شك في أن القرار الصادر عن محكمة العدل للاتحاد الأوربي الصادر بتاريخ 13 ماي 2014 في قضية “Google Spain المتقدم الحديث عنه شكل حجر الزاوية في بنيان “الحق في النسيان الرقمي” كيف لا وأن هذه المحكمة أقرت من خلاله إمكانية مطالبة محركات البحث بإلغاء نتائج البحث المتحصل عليها عقب كتابة اسم أحد الأشخاص، وأيضا روابط الإحالة التي تحيل نحو صفحات ويب ثم نشرها من الغير وتتضمن معلومات تخص هذا الشخص، خاصة في الحالة التي لم يكن فيها هذا الاسم أو هذه المعلومات محل إلغاء متزامن أو مسبق من هذه الصفحات، حتى ولو كان النشر في حدّ ذاته مشروعاً.[80]
توالت بعد ذلك الأحكام القضائية الصادرة في قضايا تخص إلزام محرك البحث بإزالة نتائج البحث على غرار الأمر الاستعجالي الصادر عن محكمة الدعوى الكبرى بباريس بتاريخ19 ديسمبر 2014 القاضي بإلزام محرك البحث قوقل بإلغاء رابط الإحالة المؤدية نحو موقع إلكتروني تضمن معلومات حول إدانة صادرة ضد المدعية منذ 8 سنين تخلو منها صحيفتها القضائية وقد سببت لها مشاكل في الحصول على عمل، أيضا الأمر الاستعجالي الصادر عن نفس المحكمة بتاريخ 12 ماي 2017 والقاضي بإلزام محرك البحث قوقل بإزالة رابط إحالة نحو موضع إلكتروني يتضمن صوراً ذات دلالة جنسية لأحد عارضات الأزياء لم تبدى مواقتها بنشرها في المواقع المحال إليها[81].
تأكيداً لفكرة الطابع القضائي للحق في الإزالة من نتائج البحث أصدر مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 6ديسمبر 2019 13 قراراً حدّد من خلالها الضوابط التي يتعين على محرك البحث التقيد بها لضمان هذا الحق تحت رقابة اللجنة الوطنية للمعلوماتية والحريات، منها: -القاضي أثناء فصله في الطلب المقدم له يفصل في ضوء الظروف والقانون المطبق أثناء النظر في الطلب، ـ طلب إزالة رابط إحالة مؤدى إلى موقع إلكتروني متضمن بيانات شخصية لأحد الأشخاص عبارة عن حق، ـالحق في طلب إزالة نتائج البحث ليس مطلقاً بل ينبغي أن يضمن مع مراعاة الحق في الإعلام،ـ الموازنة بين هذين الحقين تتم بالنظر لطبيعة البيانات الشخصية، وهي غالبا ما تتعلق بالبيانات التالية:ـ البيانات الحساسة وهي البيانات الأكثر تدخلاً في حياة الإنسان كحياته الجنسية ومعتقداته الدينية، وحالته الصحية، ـ البيانات المتعلقة بالوضعية الجزائية كالإدانات السابقة وغيرها، ـ البيانات الحساسة دون أن تتعلق بالحياة الخاصة.[82]
في نفس السياق كانت لمحكمة العدل الأوربية فرصة تحديد نطاق الحق في إزالة نتائج البحث بمناسبة فصلها في مسائل أولية وردت إليها من مجلس الدولة وذلك بمناسبة قرارين صادرين بتاريخ 24 سبتمبر 2019وقد عنى الأول بتحديد النطاق الإقليمي لهذا الحق معتبراً بان الحق في إزالة نتائج البحث لا يتعدى النطاق الأوربي، أما الثاني قرر بأن البيانات حظر المعالجة الوارد على البيانات الحساسة يسرى أيضاً على محرك البحث.[83]
الملاحظ بأن هذا الحق لم يرد بشأنه صريح في القانون الجزائري وإنما يمكن اللجوء إلى نص المادة 35 من القانون 18ـ07 المشار إليها آنفا، خاصة وأنها في معرض حديثها عن الحق في التصحيح الذي جاءت معنونة باسمه قررت بأنه يجوز للشخص أن يحصل مجاناً من مسؤول المعالجة على تحيين أو تصحيح أو مسح أو إغلاق للمعطيات الشخصية التي تكون معالجتها غير مطابقة لهذا القانون، وعبارة مسح مرادفة لعبارة المحو أو الإزالة كما سبق.
خاتمة:
منذ ظهورها واتاحتها للاستعمال العام لاريب في أنه كانت لشبكة الانترنت عديد الإيجابيات التي جعلتها تقتحم حصون الأفراد ومعاملاتهم اليومية على نحو لم تعد لديهم القدرة على الاستغناء عنها، وفي الوقت نفسه كانت لها سلبيات لا تنكر من بينها أنها أدّت إلى أن ما ينشر عبر مختلف مواقعها لا يمكن نسيانه بكل يسر، وذلك لسهولة تداوله ومشاركته عبر مختلف المواقع والخدمات.
لذلك لم يكن أمام مستخدمي الشبكة ومرتادي مختلف مواقعها وخداماتها سوى المطالبة بإزالة لآثار الرقمية التي يخلفها تواجدهم عليها ومحو البيانات والمحتويات المرتبطة بهم، معتبرين بأن اسدال ستائر النسيان عليها من خلال تكريس حقهم في تقرير مصيرها والاعتراف لهم بالحق في النسيان الرقمى حق من الحقوق اللصيقة بشخصيتهم.
اختلفت نظرة المتخصّصين حول مفهوم الحق في النسيان الرقمي لعدة أسباب منها حداثة الاهتمام به من جهة، وتعدّد جوانبه من جهة أخرى، فضلاً عن الطابع الفني المعقد للشبكة والذي يجعل من الصعب جداً التحكم فيما يتم نشره وبثه من خلالها، إلاّ أن ذلك لا يمنع من إيجاد تصور عام لشتى التعاريف التي قيلت فيه، فهو إن أردنا الحق المخول لكل شخص كان له اتصال بالبيئة الرقمية وترك عليها باختياره أو رغما عنه أثراً من أثاره أياً كان (بيان شخصي، صورة، تعليق، فيديو …. إلخ) في نسيان هذه الأثار أو عدم تذكرها مع ما يقتضيه ذلك من حقوق فرعية تساهم جميعها في تجسيد هذا الحق وجعله ممكناً.
لاشك في أن الطبيعة المركبة لهذا الحق ساهمت في حدوث اختلاف حول تحديد طبيعته القانونية، فبينما جنح جانب من الفقه إلى اعتباره وجهاً من أوجه الحياة الخاصة لارتباط الحقين حول فكرة الحياة الشخصية، ذهب جانب آخر إلى اعتباره حقاً يرتبط بالحق في البيانات الشخصية على اعتبار أن الحقوق المخولة لهذه الأخيرة هي نفسها التي تحمي الحق الأول، وبعد أن فندنا بالدليل هذين الرأيين خلصنا في دراستنا إلى القول بأن الحق في النسيان الرقمي هو حق له ذاتيته المستقلة من شأنها أن تنأى به أن ينصهر في بوتقة أحد الحقوق المتعارف عليها وإن كان شديد الارتباط بها من حيث الأهداف والمرامي.
بعد أن أصبح الحق في النسيان الرقمي حقيقة واقعية تردده مختلف الهيئات القضائية الأوربية في أحكامها وتستند عليه في قراراتها على غرار ما حدث في قضية Google Spain، أصبح الاعتراف به ضرورة لا مناص منها، وبالفعل كانت إعادة النظر في التوجيه الأوربي لسنة 1995 المتعلق بالبيانات الشخصية فرصة للاعتراف بالحق في النسيان الرقمي، حيث جاءت المادة 17 من النظام الأوربي المسمى RGPD لتعنون باسمه مقروناً بالحق في المحو.
مرّ معنا في هذا الدراسة بأن اقتصار الحق في النسيان الرقمي على مكنة المطالبة بمحو وحذف البيانات الشخصية وجعلهما شيئاً واحداً وإن كان صحيحاً نسبياً باعتبار أن الحق في المحو هو أحد أهم الآليات لتفعيل الحق في النسيان ووضعه موضع التطبيق إلا ان ذلك ليس صحيحاً، إذ توجد إلى جانبه حقوق أخرى تسهم جميعها تجسيده.
لذلك تتعدّد الأليات التي من شأنها حماية هذا الحق في النسيان الرقمي ووضعه موضع التطبيق، منها المبادئ العامة المكرسة في قوانين حماية البيانات الشخصية كمبادئ الملائمة والتقيد بالغرض والمدّة المحددة، والتي تسمى بالحق في النسان الرقمي السلبي ويساهم احترامها من قبل المسؤول عن المعالجة بشكل غير مباشر في توفير الحماية اللازمة للحق في النسيان الرقمي.
إلى جانب هذه المبادئ الموجهة لعمل المسؤولين عن المعالجة، خوّلت القوانين المنظمة للبيانات الشخصية المشار إليها في هذه الدراسة أصحاب هذه البيانات مجموعة من الحقوق يلجؤون إليها كلّما كانت المعالجة غير صحيحة أو غير مكتملة أو تتضمن معلومات محرّفة أو يرغب صاحبها في إخفاءها، فهي بذلك حقوق جعلت من صاحب البيانات أو المعني بالمعالجة صاحب حقوق مكتملة بالنسبة لبياناته الشخصية يستطيع بمقتضاها التدخل فيما يعرف بالحق في النسيان الإيجابي.
على غرار المشرع الفرنسي وباقي التشريعات الأوربية لم يكن المشرع الجزائري ليبقى في معزل عن التطورات المتسارعة التي أصبح يخلفها التعامل بواسطة شبكة الانترنت، فكان أمام حتمية التكيف معها من خلال إما مراجعة النصوص القانونية أو استحداث أخرى يكون الهدف منها معالجة وتنظيم مختلف الجوانب المرتبطة بالرقمنة.
تكريساً للتعديل الدستوري الصادر بمقتضى القانون 16ـ01 الصادر في 6 مارس 2016 المعدل لدستور 1996 الذي حرصت الفقرة 3 من المادة 46 لأول مرة على إيلاء البيانات الشخصية أهمية خاصة من خلال اعتبار أن حماية الأشخاص الطبيعيين في مجال معالجة هذه المعطيات هو حق من الحقوق الأساسية يحرص القانون على التأكيد عليه وعلى معاقبة أي سلوك يؤدى إلى انتهاكه، صدر القانون 18ـ07 بتاريخ 10 يونيو 2018 المتعلق بحماية الأشخاص الطبيعيين في مجال المعطيات ذات الطابع الشخصي.
يتجلى من خلال دراسة الأحكام التي جاء بها هذا القانون أنه لم تتضمن نصوصه ما يشير صراحة إلى النسيان الرقمي بهذا اللفظ كما حدث بالنسبة للتوجيه الأوربي، بل تضمن على غرار باقي التشريعات على ما يمكن أن يساهم في حماية الحق في النسيان الرقمى وتجسيده عملياً سواء في إطار المبادئ المؤطرة لعمل المسؤول عن المعالجة فيما يعرف بالحق في النسيان السلبي أو في إطار الحقوق الإيجابية المخولة لأصحاب البيانات كالحق في المحو والاعتراض وحظر المعالجة.
الملاحظ بأن الحق النسيان الرقمى محل الدراسة ارتبط في الآونة الأخيرة بما يطلق عليه بالحق في الإزالة من على نتائج محرك البحث أو ما يعرف ب le droit au déréférencement وهو حق من ابتداع القضاء الفرنسي وقد مر معنا بأنه حق يتعلق أساساً بنشاط محركات البحث القائمة على تصنيف المحتويات وإظهار النتائج المتعلقة بها ومن تم لا يجوز الخلط بينه وبين الحق في النسيان الرقمي واعتبارهما شيئاً واحداً.
على الرغم مما سبق ذكره يلاحظ أيضاً بأن الحق في النسيان الرقمي على الرغم من أهميته السالف بيانها لم يحظى بالعناية اللازمة لاسيما الاعتراف به بمقتضى نصوص قانونية خاصة فمازال يلجأ بخصوصه إلى الأحكام القانونية المنظمة للبيانات الشخصية، لذا ينبغي إيلاءه الأهمية اللازمة عن طريق تخصيص قوانين تعنى بتنظيمه وتبيان الخصوصية التي يتمتع بها.
قائمة المراجع:
أولاً: باللغة العربية:
1ـ الكتب:
- أشرف سيد جابر، الجوانب القانونية لمواقع التواصل الاجتماعي، (مشكلات الخصوصية وحرية التعبير والملكية الفكرية والإثبات مع التركيز على موقعي فيس بوك وتوتير)، القاهرة، مصر، دار النهضة العربية،2012.
- سعيد سعد عبد السلام، المسؤولية المدنية في إطار المعاملات عبر شبكة الأنترنت، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة المنوفية، مصر، 2010ـ2011.
- عبد الله أوهايبية، شرح قانون الإجراءات الجزائية الجزائري، دار الهومة، الجزائر، 2015.
- محمد سعيد جعفور، مدخل للعلوم القانونية، الجزء الثاني، دروس في نظرية الحق، دار الهومة، ط 3، الجزائر،2018.
- هيتم السيد أحمد عيسى، التشخيص الرقمي لحالة الإنسان في عصر التنقيب في البيانات الشخصية عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي وفقا للائحة الأوربية العامة لحماية البيانات الشخصية لعام 2016، دار النهضة العربية، القاهرة، مصر،ط1،2019.
- وسيم شفيق الحجار، النظام القانوني لوسائل التواصل الاجتماعي (واتس اب، فايسبوك، تويتر)، المركز العربي للبحوث القانونية والقضائية، جامعة الدول العربية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولي، 2017.
2ـ المقالات:
- بوخلوطة نسرين، مجلة المفكر، الحق في النسيان الرقمي، العدد 14، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد خيضر، بسكرة، الجزائر.
- بوزيد أحمد التيجاني، الحق في النسيان الرقمي كآلية لحماية الحق في الحياة الخاصة، مجلة صوت القانون، المجلد 6، العدد 2، كلية الحقوق، جامعة خميس مليانة، الجزائر، نوفمبر 2019.
- معاذ سليمان الملا، فكرة الحق في الدخول في النسيان الرقمي في التشريعات الجزائية الإلكترونية الحديثة، دراسة مقارنة بين التشريع العقابي الفرنسي والتشريع الجزائي الكويتي، مجلة كلية القانون الكويتية العالمية، أبحاث المؤتمر السنوي الدولي الخامس، ماي 2018.
- ابتسام البرعصي، هل أنت مهتم بمعرفة معنى النسيان الرقمي، مقال منشور على الموقع الإلكتروني:https://hunalibya.com/digital-life/9575/.
3ـ مداخلات وتقارير:
- جدي صبرينة، حماية المعطيات الشخصية في قانون 18ـ07 تعزيز الثقة بالإدارة الإلكترونية وضمان فعاليتها، مداخلة ألقيت ضمن فعاليات الملتقي الدولي الموسوم بالنظام العام القانوني للمرفق الإلكتروني ـ أفاق وتحديات ـ كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد بوضياف، المسيلة، نوفمبر 2018.
- مركز جنيف للرقابة الديمقراطية على القوات المسلحة ومركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية، تقرير حول حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي في قطاع الأمن بالمغرب، 19-20 أكتوبر 2015، الرباط، المغرب.
4 ـالنصوص القانونية:
- دستور1996 المعدل بالقانون رقم 16-01 الصادر في 6 مارس 2016 المتضمن التعديل الدستوري، ( ج ر رقم 14 صادرة بتاريخ 7 مارس 2016).
- القانون 09-04 الصادر في5 أوت 2009 المتضمن القواعد العامة المتعلقة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال (ج.ر. رقم 5 صادرة بتاريخ 16 غشت 2009).
- القانون رقم 18-04 الصادر في 10 ماي 2018 الذي يحدد القواعد العامة المتعلقة بالبريد والاتصالات الالكترونية (ج.ر. رقم :27 صادرة بتاريخ 13 ماي 2018).
- القانون 18-05 الصادر في 10 ماي 2018 المتعلق بالتجارة الإلكترونية (ج.ر. رقم 28 لسنة 2018).
- القانون 18-07 الصادر في 10 يونيو 2018 المتعلق بحماية الأشخاص الطبيعيين في مجال معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي) ج ر، رقم 34 صادرة بتاريخ 10 يونيو 2018).
- المرسوم التنفيذي رقم 19-89 الصادر في 5مارس 2019 المحدد لكيفيات حفظ سجلات المعاملات التجارية الإلكترونية وإرسالها إلى المركز الوطني للسجل التجاري.
- القرار الصادر عن سلطة الضبط رقم51/أخ/س.ض.ب.م/2016 المؤرخ في03-04-2016 المتضمن دفتر الشروط المحدّد لشروط وكيفيات إقامة واستغلال خدمات توفير النفاذ إلى الانترنت.
ـ ثانياً: باللغة الفرنسية.
-
Ouvrages :
- Céline Castets-Renard, Droit de L’internet, Montchrestien, Lextenso, Paris, France, éditions, 2010.
-
Christiane Féral-Schuhl, le droit à l’épreuve de L’internet, Dalloz, Paris, France,6éme édition,2010.
- Willy Duhen, La responsabilité extra-contractuelle du fournisseur d’accès à L’internet, France, Presses Universitaires D’aix-Marseille, Puam, Aix –Marseille, 2013.
- –Articles :
- Marion Polidori, L’arrêt Google Spain de la CJUE du 13 mai 2014 et le droit à l’oubli,Revue Civitas Europa 2015/1 (N° 34).
- Aurélien Bamdé, RGPD .le droit à l’effacement ou le droit à l’oubli, article parue sur le site :https : //aurelienbamde.com/2019/01/02/le-droit-a-leffacement-ou-le-droit.
-
Lorraine Maisnier –Boché, quel régime pour la conservation et l’utilisation des données de connexions par les autorités publiques et les opérateurs privé, RLDI, Février 2014, n°101.
- Maryline Boizard, Le temps, le doit à l’oublie et le droit à l’effacement, Les Cahiers de la Justice, Dalloz, 2016/4 N° 4.
- Maxime Perón, Libre Propos Sur Le Droit à L’oubli Numérique,, RDLF2017, chron. n°15,http://www.revuedlf.com/droit-ue/libre-propos-sur-le-droit-a-loubli-numerique.
- Zahra Reqba, L’adresse IP est-elle une données a caractères personnelles, disponible sur le site https://www.village-justice.com/articles/adresse-est-elle-une-donnee,20484.html.
- Michael Gentet, Le droit à l’oubli ou droit au déréférencement des données personnelles, article disponible sur le site :https://www.macsf.fr/Responsabilite-professionnelle/Ethique-et-societe/droit-deferencement-donnees-personnelles.
-
Lamia El Badawi, Le droit à l’oubli à l’ère du numérique, La revue « droit à l’oubli », n°6, Septembre 2016.
- Angelo Arakaza , Le principe de proportionnalité et pertinence, https://angelolawyer.wordpress.com/2015/11/19/le-principe-de-proportionnalite-et-pertinenc.
- Zeenea Software,7 principes à respecter pour traiter de données personnelles. : https://zeenea.com/fr/gdpr-7-principes-a-respecter-pour-traiter-des-donnees-personnelles.
- Aurélien Bamdé, RGPD,le droit d’opposition,https://aurelienbamde.com/2018/12/23/rgpd-le-droit-dopposition.
- Sophie Meunier,Qu’est-ce que le droit à la limitation du traitement, disponible sur le site : https://www.itgovernance.eu/blog/fr/rgpd-quest-ce-que-le-droit-a-la-limitation-du-traitement.
– Agathe Leseur، Camille Mandon, Droit à l’oubli numérique : droit virtuel ou bien réel ?,disponible sur le site :https://www.affiches-parisiennes.com/droit-a-l-oubli-numerique-droit-virtuel-ou-bien-reel-8740.html.
– Aurélien Bamdé, RGPD: L’exigence de conservation des données pendant une durée pertinente, disponible sur le sit :https://aurelienbamde.com/2018/12/14/rgpd-lexigence-de-conservation-des-donnees-pendant-une-duree-pertinente .
– Anne-Laure Villedieu, Le principe de finalité appliqué à la géolocalisation :https://www.lexplicite.fr/principe-finalite-applique-geolocalisation/.
2-Théses et mémoires :
- Maxime Beséme, Le droit à l’oublie numérique dans le droit de l’union européenne, consécration prétorienne et législative, Master en Droit, Université Catholique de levain, Faculté de droit et de criminologie, 2015-2016.
- Etienne Quillet, le droit à l’oubli sur les réseaux sociaux, Mémoire Master de droits de l’homme et droit humanitaire, Université Panthéon- Assas, 2011.
-
Charlotte Heylliard, le droit à l’oublie sur internet,Faculté Jean Monnet – Droit, Économie, Gestion Université Paris -Sud, 2011.
- Marine de Montecler, Le droit à l’heure des réseaux sociaux, Mémoire de recherche sous la direction de Marie Serna, Professeur à HEC Paris, 2011.
3-Textes juridiques :
Dir. n°95/46/CE du parlement européen et du conseil, 24 octobre 1995, relative à la protection des personnes physiques à l’égard du traitement des données à caractère personnel et à libre circulation de ces données.
-
n°2002/58/CE du parlement européen du conseil, 12 juilet2002, concernant le traitement des données à caractère personnel et la protection de la vie privé dans le secteur des communications électronique, dite “Directive vie privé et communications électroniques”.
- le réglement2016/679 du parlement européen et du conseil du 27 avril 2016 relative à la protection des personnes physiques à l’égard du traitement des données à caractère personnel et à libre circulation de ces données et abrogeant la directive 95/96/CE.
- La Loi n°78 -17 du 6 janvier 1978 relative à l’informatique, aux fichiers et aux libertés modifié par l’art 24 de la loi 2018-493 relative à la protection des données personnelles.
- Loi n° 2006-64 du 23 janvier 2006 relative à la lutte contre le terrorisme et portant dispositions diverses relatives à la sécurité et aux contrôles frontaliers.
- Loi n° 2004-575 du 21 juin 2004 pour la confiance dans l’économie numérique, modifier par la loi n° 2018-898 du 23 octobre 2018 relative à la lutte contre la fraude.
[1]-Etienne Quillet, le droit à l’oubli numérique sur les réseaux sociaux, Mémoire Master de droits de l’homme et droit humanitaire, Université Panthéon- Assas, 2011, p.4.
[2]ـ تتعدد معاني النسيان في اللغة العربية خاصة في شقها السلبي المشار إليه أعلاه، وقد سمي الإنسان أصلاً بهذا الاسم لكثرة نسيانه، وقيل بأنه يأنس بغيره ويأنس به غيره فليس متوحشاٌ، لكن المشهور عن ابن عباس رضي الله عنه أنه سمي الإنسان إنساناً لأنه قد عهد إليه فنسي كما أن لفظ (نسي) في القرآن الكريم ورد على معنيين رئيسين: الأول: معنى الترك لما أمر العبد بفعله، وهذا عادة ما يكون عن تقصير وتضييع وترك ، كقوله تعالي ” ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما” و قوله عز وجل أيضاً “ فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم”، والثاني: المعنى المقابل للذكر، وهذا عادة ما يكون خارجاً عن إرادة المكلف، ومرده إلى ضعف في ذاكرة المكلف العقلية، أو ضعف في بنيته الجسمية.كقوله تعالي ” قال لا تؤاخذني بما نسيت”. لفظ نسي في القرآن الكريم، موقع إسلام ويب، https://www.islamweb.net/. تمت زيارته بتاريخ:24ـ05ـ2020.
[3]-L’oubli conditionne l’état de conscience. «La conscience signifie d’abord mémoire», l’oubli viendrait donc moduler la mémoire pour «fermer de temps en temps les portes et les fenêtres de la conscience » ; Maryline Boizard, Le temps, le doit à l’oubli et le droit à l’effacement, Les Cahiers de la Justice, Dalloz, 2016/4 N° 4 ; P.619.
[4] – «Pour pallier à cette difficulté، la doctrine anglophone oppose le plus souvent les termes de « right to forget » à ceux de « right to be forgotten », désignant respectivement « la revitalisation d’un fait du passé », soit le droit à l’oubli judiciaire, et « le droit à l’effacement des données ». Néanmoins, d’autres termes tels que « right to oblivion » ou « right to erasure » sont aujourd’hui abondamment présents dans les articles et ouvrages traitant du sujet, et maintiennent malgré tout une certaine forme de confusion dans l’emploi du vocabulaire ».Maxime Beséme, Le droit à l’oubli numérique dans le droit de l’union européenne, consécration prétorienne et législative, Master en Droit, Université Catholique Louvain, Faculté de droit et de criminologie, 2015-2016, P.9.
[5]– استعملت في اللغة العربية عدة تعابير للدلالة على الحق في النسيان الرقمي محل الدراسة، على غرار ” التستر من التاريخ” وهو التعريف الذي جاء في مقال الكاتبة هدى صالح في مقال لها على جريدة الشرق الأوسط بتاريخ: 05 يناير 2015، وأيضا ” حق المرء في أن ينسي” وهو التعبير الذي جاء في مقال على الموسوعة الحرة، وكذلك استخدم الكاتب لبيب فهمي في مقال له على مجلة العربي الجديد بتاريخ:29 يونيو 2018 عباره “التستر من التاريخ”، والملاحظ بأن أي من هذه التعبيرات لم تلقي رواجاُ في أوساط من كانت لهم دراسات متخصّصة اهتمت بهذا الحق.
[6]– « Qui plus est, lorsque le juriste envisage une application d’un droit à l’oubli aux nouvelles technologies – un droit à l’oubli numérique – il se heurte à une contradiction : il recourt à un instrument juridique pour parvenir à un résultat psychique, résultat que la technologie est précisément destinée à combattre ».Le droit à l’oubli, recherche réalisée avec le soutien de la mission de recherche Droit et Justice, responsable scientifique du projet, Faculté de droit et de science politique, Rennes 1, Institut de l’Ouest : Droit et Europe, Février 2015.P12.
[7]– Christiane Féral-Schuhl, Cyber droit, le droit à l’épreuve de L’internet, Dalloz, Paris, France, 6éme édition, 2010, P .55, 716.
[8]-Maryline Boizard, op ;cit,P.621.
[9]-Etienne Quillet, op ; cit, P.11.
[10]-CNIL Rapport d’activité ;2013,P. 06.
[11]-وسيم شفيق الحجار، النظام القانوني لوسائل التواصل الاجتماعي (واتس اب، فايسبوك، تويتر)، المركز العربي للبحوث القانونية والقضائية، جامعة الدول العربية، الطبعة الأولي، بيروت، لبنان، 2017، ص 91.
[12]– انتصار البرعصي، هل أنت مهتم بمعرفة معنى النسيان الرقمي، مقال منشور على الموقع الإلكتروني:https://hunalibya.com/digital-life/9575/ تمت زيارته بتاريخ:23ـ05ـ2020 على الساعة: 15:56.
[13]– Maryline Boizard, op; cit; P.620.
ـ عبد الله أوهايبية، شرح قانون الإجراءات الجزائية الجزائري، دار الهومة، الجزائر، 2015، ص. 146.
[14]ـ نظم المشرع الجزائري في المواد 6،7،8، 8 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية التقادم الوارد على الدعوى العمومية ومدده سواء بالنسبة للجنايات أو الجنح او المخالفات، مستثنياً بعض الجرائم من الخضوع للتقادم كالجنايات والجنح الموصوفة بالأفعال الإرهابية والتخريبية، والجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية والرشوة واختلاس الأموال العمومية.
[15]-« L’origine de ce droit est, de plus, lointaine, puisque située dans l’idée religieuse de rédemption et du rachat avec l’aide de Dieu par une personne d’une faute qu’elle a commise. On retrouve cette conception du « pardon » dans la pratique de l’amnistie Etatique. »Charlotte Heylliard, le droit à l’oubli sur internet, Faculté Jean Monnet – Droit, Économie, Gestion Université Paris -Sud, 2011 , P.10.
[16]– TGI Seine 14 octobre 1965,Mme, S ,c ,Soc ,Rome Paris Film, note :Charlotte Heylliard ;op.cit. , P.10 .
[17]-TGI Paris, 20 avril 1983 ;note :Charlotte Heylliard ;op.cit. ; P.10.
[18]-Etienne Quillet، op ;cit، P.5.
[19]– Etienne Quillet، op ;cit، P.6.
[20]-Maxime Perón, Libre Propos Sur Le Droit à L’oubli Numérique, RDLF 2017, chron. n° 15, http://www.revuedlf.com/droit-ue/libre-propos-sur-le-droit-a-loubli-numerique.Visité le : 28-05-2020 à20 :00h.
[21]-أشرف جابر سيد، الجوانب القانونية لمواقع التواصل اٌجتماعي، مشكلات الخصوصية وحرية التعبير والملكية الفكرية والإثبات (مع التركيز على موقعي فايسبوك وتوتير)، دار النهضة العربية، القاهرة، مصر، 2013، ص.65.
– تتعدّد المسميات التي ثم إطلاقها للتعبير على الحق في الحياة الخاصة فاستخدمت ” اﻟﺣق ﻓﻲ اﻟﺧﻠوة” “اﻟﺣق ﻓﻲ اﻟﺳرية” ”ﺳرﯾﺔ اﻟﺣﯾﺎة اﻟﺧﺎﺻة” “اﻟﺣﯾﺎة اﻟﺧﺎﺻة”.
كما أن التعريفات التي أعطيت لهذا الحق تعدّدت، وعلى سبيل المثال عرفها القاضي الأمريكي دوغلاس بأنها ” حق الفرد في اختيار سلوكه الشخصي وتصرفاته في الحياة عندما يشارك في الحياة الاجتماعية مع الأخرين، وهي تتضمن حرية التعبير عن الأفكار والاهتمامات والذوق والشخصية، وحرية أن يكون له أولاد ويربيهم وينشئهم، وحق الفرد في كرامة بدنه وتحرره من القسر والقهر”.
أما الجمعية الاستشارية للمجلس الأوربي بأنه “قدرة الإنسان في أن يعيش حياته كما يريد مع حد أدنى من التدخل”
كما أن الدكتور محمد السعيد جعفور ذهب إلى أن الحق في الحياة الخاصة هو حق يخوله القانون لكل شخص ويتقرر له بذلك حق مزدوج، فهو يعترف له من جهة بالحق في اختيار أسلوب حياته الخاصة، وهو من جهة أخرى يثبت له حقاً في الاحتفاظ بجانب سري لحياته.
ـ ينظر في هذه التعاريف وغيرها: محمد سعيد جعفور، مدخل للعلوم القانونية، الجزء الثاني، دروس في نظرية الحق، دار الهومة، ط 3، الجزائر،2018، ص. 67، سعيد سعد عبد السلام، المسؤولية المدنية في إطار المعاملات عبر شبكة الأنترنت، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة المنوفية، مصر، 2010ـ2011، ص. 36،
[22]ـ أشرف جابر سيد، المرجع نفسه، ص.65؛ معاذ سليمان الملا، فكرة الحق في الدخول في النسيان الرقمي في التشريعات الجزائية الإلكترونية الحديثة، دراسة مقارنة بين التشريع العقابي الفرنسي والتشريع الجزائي الكويتي، مجلة كلية القانون الكويتية العالمية، أبحاث المؤتمر السنوي الدولي الخامس، 9ـ10 ماي 2018، ص.122.
-Marine de Montecler, Le droit à l’heure des réseaux sociaux, Mémoire de recherche, HEC Paris, 2011, p.37.
[23]-TGI Paris,15 avril 2012,disponible sur le site :www.Légalis.net. Visité le 09-06-2020 à15 :30 h.
[24]– Michael Gentet, Le droit à l’oubli ou droit au déréférencement des données personnelles, article disponible sur le site : https://www.macsf.fr/Responsabilite-professionnelle/Ethique-et-societe/droit-deferencement-donnees-personnelles. Visité le : 30-05-2020 à 21 :00h.
[25]-Michael Gentet، op ;cit.
[26]-Dir. n°95/46/CE du parlement européen et du conseil, 24 octobre 1995, relative à la protection des personnes physiques à l’égard du traitement des données à caractère personnel et à libre circulation de ces données.
[27]-le réglement2016/679 du parlement européen et du conseil du 27 avril 2016 relative à la protection des personnes physiques à l’égard du traitement des données à caractère personnel et à libre circulation de ces données et abrogeant la directive 95/96/CE
[28]– معاذ سليمان الملا، المرجع السابق، ص123؛ بوزيدي أحمد التيجاني، الحق في النسيان الرقمي كآلية لحماية الحق في الحياة الخاصة، مجلة صوت القانون، المجلد 6، العدد 2، كلية الحقوق، جامعة خميس مليانة، الجزائر، نوفمبر 2019، ص1250.
[29] – بوخلوطة نسرين، الحق في النسيان الرقمي، مجلة المفكر، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد خيضر، بسكرة، الجزائر، العدد 14، ص 556.
[30]– CJUE.13 mai 2014, Google Spain SL, Google Inc. / Agencia Española de Protección de Datos (AEPD), Mario Costeja G. a CJUE a d’ailleurs ajouté que : même un traitement initialement licite de données exactes peut devenir, avec le temps, incompatible avec cette directive lorsque ces données ne sont plus nécessaires au regard des finalités pour lesquelles elles ont été collectées ou traitées. Tel est notamment le cas lorsqu’elles apparaissent inadéquates, qu’elles ne sont pas ou plus pertinentes ou sont excessives au regard de ces finalités et du temps qui s’est écoulé », Marion Polidori, L’arrêt Google Spain de la CJUE du 13 mai 2014 et le droit à l’oubli, Revue Civitas Europa 2015/1 (N° 34), p 243.
[31]-TGI de Paris, ord, Réf, 12 mai 2017, Madame X. / Google France et Google Inc. disponible sur le site : www.légali.net.
[32]– Maxime Beséme ;op ;cit, p.13.
[33]– Il s’agit également de la première loi au monde en matière de protection des données personnelles. Voy. G. Gonzalez Fuster, The Emergence of Personal Data Protection as a Fundamental Right of the EU, Voir: Maxime Beséme; op; cit, p.14.
[34]– Agathe Leseur، Camille Mandon، Droit à l’oubli numérique: droit virtuel ou bien réel ?. disponible sur le site :https://www.affiches-parisiennes.com/droit-a-l-oubli-numerique-droit-virtuel-ou-bien-reel-8740.html.Visité le:02-06-2020 à 09:20h.
[35] Art- 1de la Loi n° 78-17 du 6 janvier 1978 relative à l’informatique, aux fichiers et aux libertés “ L’informatique doit être au service de chaque citoyen. Son développement doit s’opérer dans le cadre de la coopération internationale. Elle ne doit porter atteinte ni à l’identité humaine, ni aux droits de l’homme, ni à la vie privée, ni aux libertés individuelles ou publiques »
[36]-Charlotte Heylliard، op ;cit، P.17.
[37]– «L’informatique a introduit une capacité de mémorisation considérable au point que certains peuvent craindre qu’elle ne porte atteinte à l’un des droits les plus fondamentaux de l’être humain: le droit à l’oubli» Rapport n° 72 (1977-1978) de M. Jacques Thyraud، fait au nom de la commission des lois، déposé le 10 novembre 1977, Etienne Quillet,op ;cit,p.5.
[38]-Christiane Féral-Schuhl، op، cit: p40.
[39]– «Le «droit à l’oubli numérique» n’est cependant pas visé dans le corps de la Charte. Sa mention expresse est à rechercher dans le Préambule. Selon ce dernier, la Charte a vocation à mettre en œuvre les « droits constituant le “droit à l’oubli” ». Etienne Quillet, op ; cit, P.22.
[40]ـ«C’est pour prendre en compte cette évolution que la Commission européenne a présenté deux textes le 25 janvier 2012 : une proposition de règlement général sur la protection des données91 et une proposition de directive spécifique aux données policières et judiciaires. Le texte proposé par la Commission européenne est ambitieux. Il l’est dans sa forme, puisque qu’il s’agit d’un règlement et non plus d’une directive, qui sera donc d’application directe et ne nécessitera pas de transposition, permettant ainsi une réelle harmonisation des droits nationaux. Les divergences de point de vue entre les États et la complexité de certaines questions techniques ont cependant considérablement retardé son adoption », Lamia El Badawi, Le droit à l’oubli à l’ère du numérique, La revue « droit à l’oubli », n°6, Septembre 2016, p.12.
[41]– Tout sur le RGPD، origine، objectifs، sanctions، article disponible sur le site:https://admaker.fr/blog/tout-sur-rgpd-origine-objectifs-sanctions/. Visité le 07-06-2020 à 10 :45h.
[42] – Maxime Beséme, op, cit, p.30.
[43]– Groupe de travail «article 29» sur la protection des données Avis 1/2010 sur les notions de «responsable du traitement» et de «sous-traitant» ; Adopté le 16 février 2010، p.2.
[44]– Art 4,al7 du RGPD “responsable du traitement», la personne physique ou morale, l’autorité publique, le service ou un autre organisme qui, seul ou conjointement avec d’autres, détermine les finalités et les moyens du traitement; lorsque les finalités et les moyens de ce traitement sont déterminés par le droit de l’Union ou le droit d’un État membre, le responsable du traitement peut être désigné ou les critères spécifiques applicables à sa désignation peuvent être prévus par le droit de l’Union ou par le droit d’un État membre”
[45]– Groupe de travail «article 29» sur la protection des données، op، cit، p.3.
[46] -Dans son avis sur cet amendement du Parlement européen, la Commission prévoit la possibilité que « pour un même traitement, il peut y avoir plusieurs corresponsables décidant conjointement de la finalité du traitement et des moyens à mettre en œuvre pour l’effectuer» et que «dans un tel cas, chacun des coresponsables doit être considéré comme tenu au respect des obligations posées par la directive en vue de protéger les personnes physiques dont les données sont traitées». Groupe de travail «article 29» sur la protection des données, op, cit, p.19.
[47]-« Comme il a déjà été mentionné précédemment, la notion de responsable du traitement jouait un rôle mineur dans la convention 108. Son article 2 définissait le «maître du fichier» comme l’organisme «qui est compétent … pour décider». La convention soulignait la nécessité d’une compétence, déterminée «selon la loi nationale». Elle renvoyait donc aux législations nationales sur la protection des données Groupe de travail «article 29» sur la protection des données, op, cit, p.8.
[48]ـ وكمثال على التعيين المباشر من طرف القانون للمسؤول عن المعالجة ما هو منصوص عليه ضمن أحكام القانون رقم 09ـ04 المتضمن القواعد الخاصة للوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال ومكافحتها الصادر في 5 غشت 2009، وتحديداً في نص المادة 1 فقرة د عندما نصت على مقدمي الخدمات وأوقعت عليهم التزاما يلزمهم بحفظ المعطيات المتعلقة بحركة السير.
[49]– بدوره ألقي القانون المتعلق بالتجارة الإلكترونية 18-05 الصادر في 10 ماي 2018 على عاتق المورد الالكتروني الذي يقوم بجمع المعطيات ذات الطابع الشخصي ويشكل ملفات الزبائن والزبائن المحتملين ألا يجمع إلا البيانات الضرورية لإبرام المعاملات التجارية كما يجب عليه مراعاة الالتزامات المنصوص عليها بمقتضى المادة 26.
[50]-« Il y a lieu d’instaurer la responsabilité du responsable du traitement pour tout traitement de données à caractère personnel qu’il effectue lui-même ou qui est réalisé pour son compte. Il importe, en particulier, que le responsable du traitement soit tenu de mettre en œuvre des mesures appropriées et effectives et soit à même de démontrer la conformité des activités de traitement avec le présent règlement, y compris l’efficacité des mesures. Ces mesures= =devraient tenir compte de la nature, de la portée, du contexte et des finalités du traitement ainsi que du risque que celui-ci présente pour les droits et libertés des personnes physiques. »
[50]-Aurélien Bamdé, RGPD: L’exigence de conservation des données pendant une durée pertinente, disponible sur le site:https://aurelienbamde.com/2018/12/14/rgpd-lexigence-de-conservation-des-donnees-pendant-une-duree-pertinente/. visité le 14-06-2020 à11 :50h.
[51]– هيثم السيد أحمد عيسى، التشخيص الرقمي لحالة الإنسان في عصر التنقيب في البيانات عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي وفقا للائحة الأوربية العامة لحماية البيانات لعام 2016، دار النهضة العربية، القاهرة، مصر،2019، ص64. في نفس المعني: مني الأشقر جبور، محمود جبور، البيانات الشخصية والقوانين العربية، الهم الأمني وحقوق الأفراد، المركز العربي للبحوث القانونية والقضائية، جامعة الدول العربية 1، بيروت، لبنان،2018، ص. 119.
[52]– Guide pratique des durées de conservation، Elaboré en partenariat avec le Service interministériel des archives de France (SIAF), Version juillet 2020 ,p.3.
– “فانحلال الشركة، أو إعلان إفلاسها، لا يحتم إتلاف البيانات الشخصية لمديريها، أو لمن تولوا أعمال التصفية، إذ يمكن أن تكون هنالك حاجة إليها، في قضايا تتعلق بحماية مصالح الشركاء، أو المساهمين، أو الأشخاص الثالثين، أو أصحاب العقود معها. لكن ذلك، لا يمنع أصحاب البيانات، من ممارسة حقهم في الاعتراض، عندما يرون أن الاحتفاظ ببياناتهم، لم يعد يخدم تحقيق الهدف المرجو، أساسا. ويبقى للمحكمة اتخاذ القرار المناسب، على ضوء كل حالة”. مني الأشقر جبور، محمود جبور، المرجع السابق، ص. 126.
[53]– Loi n° 2004-575 du 21 juin 2004 pour la confiance dans l’économie numérique, modifie par la loi n° 2018-898 du 23 octobre 2018 relative à la lutte contre la fraude ; Décret no 2011-219 du 25 février 2011 relatif à la conservation et à la communication des données permettant d’identifier toute personne ayant contribué à la création d’un contenu mis en ligne.
[54]– Conseil d’État, 10ème / 9ème SSR, décision du 18 novembre 2015 ; Mme B. D. et Mme A. C.disponible sur : www.Légali.net.
[55]ـ هيتم السيد أحمد عيسى، المرجع السابق، ص61، مني الأشقر جبور، محمود جبور، المرجع السابق، ص123.
[56] – Considérant 50 du RGPD « Le traitement de données à caractère personnel pour d’autres finalités que celles pour lesquelles les données à caractère personnel ont été collectées initialement ne devrait être autorisé que s’il est compatible avec les finalités pour lesquelles les données à caractère personnel ont été collectées initialement. Dans ce cas, aucune base juridique distincte de celle qui a permis la collecte des données à caractère personnel n’estrequise. Si le traitement est nécessaire à l’exécution d’une mission d’intérêt public ou relevant de l’exercice de l’autorité publique dont est investi le responsable du traitement, le droit de l’Union ou le droit d’un État membre peut déterminer et préciser les missions et les finalités pour lesquelles le traitement ultérieur devrait être considéré comme compatible et licite. »
[58]-CA de Lyon, 13 mars2013 ; voir : Anne-Laure Villedieu, Le principe de finalité appliqué à la géolocalisation : https://www.lexplicite.fr/principe-finalite-applique-geolocalisation/. visité le : 17-06-2020 à 18 :56h.
[59]–Angelo Arakaza, Le principe de proportionnalité et pertinence, https://angelolawyer.wordpress.com/2015/11/19/le-principe-de-proportionnalite-et-pertinenc.
–Angelo Arakaza, Le principe de proportionnalité et pertinence, https://angelolawyer.wordpress.com/2015/11/19/le-principe-de-proportionnalite-et-pertinenc.
[60] – Zeenea Software,7 principes à respecter pour traiter de données personnelles. : https://zeenea.com/fr/gdpr-7-principes-a-respecter-pour-traiter-des-donnees-personnelles.
[61] – Maxime Béseme, op, cit, p.34.
[62]– Aurélien Bamdé, RGPD .le droit à l’effacement ou le droit à l’oubli, article parue sur le site :https://aurelienbamde.com/2019/01/02/le-droit-a-leffacement-ou-le-droit, Agathe Leseur et Camille Mandon, ibid., Maryline Boizard, op, cit, p.619.
[63]-هيتم السيد أحمد عيسى، المرجع السابق، ص 121.
[64]-” Enfin، le droit à l’oubli peut exister en dehors de l’effacement des données، notamment par la voie d’un déréférencement de résultats de recherches، ce que n’envisage pas directement le législateur. Pourtant, dès 2014, la jurisprudence reconnaissait que, dans leur rôle d’indexation des pages web source, les fournisseurs de services de moteurs de recherche avaient une responsabilité à l’égard des personnes visées dans certaines de ces pages”.Maryline Boizard ; op cit, p.07.
ـ يُنظر في نفس المعني أيضا:” وهكذا فإن مضمون الحق في النسيان الرقمي يتحدد من ناحيتين: الأولي هي التسليم للمستخدم بحق ذلك تعديل بياناته الشخصية أو إزالتها حال ما شابها من نقص أو غموض أو قدم، والثانية هي التحقق من شمول هذه العملية للبيانات المخزنة في محركات البحث على الانترنت مثل جوجل، أو غيره ولك من الوقت الذي يقوم في المستخدم بوقف حسابه من على هذه المواقع….” أشرف جابر سيد، المرجع السابق، ص70.
ـ ينظر أيضا في نفس الصدد: “…..يتعلق الأمر هنا بأحد الحقوق الأساسية للشخص المعني وهو الحق في النسيان le droit à l’oubli (الذي يهدف لحماية هذا الشخص من مضايقته طوال حياته بواسطة المعطيات التي تحتوي عليها الملفات المتعلقة به، ويقتضي هذا ألا يتم حفظ المعطيات على وجه نهائي ودائم بملفات آلية، حيث يتوجب أن تتحدد مدة الحفظ بشكل مؤقت على ضوء الغاية المرتبطة بكل ملف يتم تكوينه….”،جدي صبرينة، المرجع السابق، ص 13.
[65]-art 6-1 directive 2002/58/CE du Parlement européen et du Conseil du 12 juillet 2002 concernant le traitement des données à caractère personnel et la protection de la vie privée dans le secteur des communications électroniques (directive vie privée et communications électroniques).
[66] –Loi n° 2006-64 du 23 janvier 2006 relative à la lutte contre le terrorisme et portant dispositions diverses relatives à la sécurité et aux contrôles frontaliers.
[67]– ترجمة نص المادة المشار إليه أعلاه من نصه الأصلي المحرر باللغة الفرنسية إلى اللغة العربية ثم الحصول عليه من الكاتب هيثم السيد أحمد عيسى، المرجع السابق، 84،85.
– هيثم السيد أحمد عيسى، المرجع السابق 86.[68]
[69]ـ نص المادة 35 من القانون 18ـ07 جاء فيها:” يحق للشخص المعني أن يحصل مجاناُ من مسؤول المعالجة على ما يلي:
أـ تحيين أو تصحيح أو مسح أو إغلاق المعطيات الشخصية التي تكون معالجتها غير مطابقة لهذا القانون بسبب الطابع الغير المكتمل أو الغير الصحيح لتلك المعطيات على الخصوص أو لكون معالجتها ممنوعة قانونا، ويلزم المسؤول عن المعالجة القيام بالتصحيحات اللازمة مجاناُ، لفائدة الطالب في أجل 10 أيام من تاريخ إخطاره.”
« La personne concernée, a le droit d’obtenir, à titre gratuit, du responsable du traitement : a) l’actualisation, la rectification, l’effacement ou le verrouillage des données personnelles dont le traitement n’est pas conforme à la présente loi, notamment en raison du caractère incomplet ou inexact de ces données ou dont le traitement est interdit par la loi. Le responsable du traitement est tenu de procéder aux rectifications nécessaires sans frais pour le demandeur, dans un délai de dix (10) jours de sa saisine. »
[70]– Christiane Féral-Schuhl، op، cit، p.55 ;Céline Castets-Renard، Droit de L’internet، Montchrestien، Extenso éditions، Paris، France, 2010 ;p.53.
[71]– Céline Castets-Renard; op، cit ;p.53.
[72]-« En conséquence, la mère de famille qui se bornait à invoquer des craintes d’ordre général concernant notamment la sécurité du fonctionnement d’une base de données de l’Education nationale, sans faire état de considérations qui lui seraient propres ou seraient propres à ses enfants ne justifiait pas de motifs légitimes de nature à justifier l’opposition au traitement des données de ses enfants ».con.état,18 mars 2018 ;www.légalis.net
[73]–Cass. crim. 28 sept. 2004, n° 03-86.60,.voir, Aurélien Bamdé, RGPD, le droit d’opposition, disponible sur le site : https://aurelienbamde.com/2018/12/23/rgpd-le-droit-dopposition/
[74]– “تعد هذه الحالة من بين أبرز المخاطر التي تهدد خصوصية الفرد في عصرنا الحديث، وهي جمع البيانات الشخصية لتحقيق الأغراض التجارية في تسويق السلع والخدمات كإرسال الإعلانات التجارية للأفراد موضوع البيانات وغير ذلك، ويعتمد ذلك الأن بصورة متزايدة على عملية التشخيص الرقمي لحالة الانسان وذلك لغرض دراسة أذواق او ميول المستهلكين= =من خلال تحليل البيانات الشخصية التي تتعلق بهم عبر خوارزميات التعليم الألي ثم بناء الملفات الشخصية لهم تمهيداً لإرسال الرسائل الدعائية التي تحتوى على منتجات أو خدمات يكون من المرجح أن “تنال رضاهم. هيثم السيد أحمد عيسى، المرجع السابق، ص96.
[75]– Sophie Meunier, Qu’est-ce que le droit à la limitation du traitement, disponible sur le site : https://www.itgovernance.eu/blog/fr/rgpd-quest-ce-que-le-droit-a-la-limitation-du-traitement. Visité le : 22- 06-2020 à 22 :34h.
[76]– 19. FABER (S.), « Jurisprudence de la CJUE sur le droit au déréférencement par les moteurs de recherche », in Droit du Numérique – Propriété intellectuelle, La Revue, 17 oct. 2019 ; Marie Bastian, CJUE, Conseil d’État… La prise en main juridictionnelle nécessaire du droit au déréférencement, La Revue des droits de l’homme, Actualités Droits-Libertés | 2020.
[77]-Droit au déréférencement ;https://www.cnil.fr/fr/droit-au-dereferencement#:~:text=Le%20droit%20au%20d%C3%A9r%C3%A9f%C3%A9rencement%20vous,la%20requ%C3%A8te%20%22nom%20pr%C3%A9nom%22; Stéphanie ALEXANDRE ; Le déréférencement sur internet est un droit، mais qui n’est pas absolu ;disponible sur le site: http://leparticulier.lefigaro.fr/article/le-dereferencement-sur-internet-est-un-droit-mais-qui-n-est-pas-absolu. Visité le 28-06-2020 à 16 :34h.
[78]-Elise Rich bourg Attal، la responsabilité civile des acteurs de l’internet، Larcier، Paris، France,2014,p.206.
[79]– https://www.cnil.fr/fr/le-dereferencement-dun-contenu-dans-un-moteur-de-recherche
[80]– CJUE.13 mai 2014, Google Spain SL, Google Inc. / Agencia Española de Protección de Datos (AEPD), Mario Costeja G.a .Voir : Marion Polidori ; op.cit.
[81] – TGI de Paris, ord, Réf, 19décembre 2014, Marie-France M. / Google France et Google Inc
; TGI de Paris, ord, Réf, 12mai 2012, Madame X. / Google France et Google Inc. Disponible sur le site : www .léglis.net.
[82]– https://www.conseil-etat.fr/actualites/actualites/droit-a-l-oubli-le-conseil-d-etat-donne-le-mode-d-emploi.