تنمية مهارات القراءة الناقدة لدى تلاميذ المرحلة المتوسطة بالجزائر: بين الواقع والمأمول
Developing Middle School Pupils’ Critical Reading Skills in Algeria: Reality and Prospects
د. هنية عريف، مخبر اللّسانيات النّصية وتحليل الخطاب، جامعة قاصدي مرباح، الجزائر
Dr. Hania Arif, Textual linguistics and Discourse Analysis Laboratory, University of Kasdi Merbah –
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 68 الصفحة 57.
ملخص
إن ما يلاحظ على تلاميذنا في المراحل التعليمية المختلفة في الجزائر هو ضعف مهارات القراءة الناقدة لديهم، حيث يصل الطالب إلى الجامعة وهو يفتقد القدرة على المناقشة والاستنتاج وإبداء الرأي فيما يقرأ ونقده وتقويمه، نظرا للممارسات التعليمية الخاطئة التي كرسها فيه معلمو مراحل التعليم العام في تدريس نشاط القراءة في الصفّ، والتي لا تعدو أن تطلب من المتعلم أن يقرأ النّص قراءة صامتة أو جهرية، ثم تنحصر أسئلة المعلمين بعد ذلك في تحديد الفكرة العامة والأفكار الجزئية، وشرح بعض الألفاظ الصعبة، دون التفات إلى ما وراء السطور من أفكار، والتي لا يمكن أن يكشتفها إلا القارئ الناقد بتفاعله مع المقروء وتقويمه! في حين تعد مسألة طرح الأسئلة ذات المستويات العليا أثناء القراءة وبعدها من أهم الاستراتيجيات التي يمكنها أن تعوّد التلاميذ على القراءة الناقدة ومن ثمّ على التفكير المنطقيّ السليم، وتأتي هذه الدراسة للبحث في هذا الموضوع.
الكلمات المفتاحية: مهارات، قراءة ناقدة، لغة عربية، مستويات التفكير، مرحلة متوسطة
Abstract
It is noticed that pupils in different learning phases in Algeria lack critical reading skills. Students reach the tertiary level with a deficit in discussion, reasoning and view point expression abilities towards what they read. This can be attributed to the faulty techniques employed by their instructors in the earlier stages of general education when teaching the reading skill. Such techniques involve no more than silent and loud reading of texts followed by questions which focus on finding out the main idea of the text and its supporting ideas or the explanation of some difficult vocabulary. Reading activities of this type do not allow learners to extract the underlying thoughts, which cannot be reached unless the reader treats the text critically by interacting with it and evaluating its content. Higher order pre- and post-reading questions are crucial strategies which enhance learners’ critical reading and hence logical thinking. On these grounds, the present study aims at highlighting this issue.
Keywords: skills, critical reading, Arabic language, thinking levels, middle stage
مقدمة
لا يخفى على أحد الدّور الكبير الذي تؤديه القراءة في حياة المجتمع والفرد؛ فهي عماد العلم ومفتاح المعرفة، بها تطّلع الأمة على الأفكار والتجارب الإنسانية والثقافية للأمم السابقة قصد الاستفادة منها، وهي الوسيلة الأساسية لنشر الأخلاق وغرس القيم بين أفراد المجتمع والنهوض به. أما على مستوى الفرد، فهي من المهارات اللغوية المهمة لما لها من دور في تنمية المستوى العقلي والمعرفي والوجداني للفرد بصفة عامة، وللمتعلم بصفة خاصة؛ فهي المنبع الأول لإثراء رصيده اللغوي، والسبيل الأمثل لاستقامة لسانه، وصحّة ضبطه، وجودة بيانه، وهي الرافد الذي يغذي روحه وعقله بالخبرات النافعة والأفكار المتجددة، لتجعل منه متعلما ناجحا وفردا فاعلا في مجتمعه.
وكيف لا تكون القراءة بابا من أبواب الحياة وكيف لا يكون التأمل وإعمال الفكر طريقا إلى إدراك ما يقرأ وقد أمرنا عزّ وجلّ بهما في أول آية نزلت على رسولنا الكريم في قوله تعالى:﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)﴾ سورة العلق.
إن التطبيق العملي لهذه الدعوة يؤدي بنا إلى الاهتمام بالقراءة من ناحية، وتنمية القدرات العقلية والفكرية للمتعلم من ناحية أخرى.[1] فقد أثبتت دراسات كثيرة بأن الطلبة المتفوقين في الدراسة هم الطلبة الذين يقرؤون ويطالعون بغزارة، وأن السبب الرئيس في ضعف المتعلمين في الكثير من المواد –وليس في اللغة العربية وحدها فقط- ناتج عن ضعفهم في القراءة.
وليس المقصود هنا بالقراءة “القراءة الميكانيكية” التي لا تتجاوز حدود الإدراك البصري للرموز المكتوبة و تحويلها إلى أصوات منطوقة؛ لأنها قراءة خالية من التفكير لا تكاد تتجاوز حلق المتعلم، بل المقصود هو القراءة الناقدة التي تتداخل فيها قدرات عقلية مختلفة تؤدي بالتلميذ إلى الفهم العميق للمقروء من خلال تحليل مكوناته، وربط العلاقات بينها، ومناقشة المقروء، وإطلاق الحكم عليه، والتفاعل معه، وإبداء رأيه الشخصي فيه… «فهي إذن ليست مهارة آلية بسيطة، كما أنها ليست أداة مدرسية ضيقة؛ إنها أساسا عملية ذهنية تأملية، وينبغي أن تنمى لتنظيم مركب يتكون من أنماط ذات عمليات عقلية عليا.»[2]
أولا-مفهوم القراءة الناقدة وأهميتها
إن مفهوم القراءة بصفة عامة وفي أبسط تعريفاتها هي:
«1-عملية تحديد الحروف ثم تجميعها لفهم العلاقة بين المكتوب والمنطوق
2-عملية إرسال بصوت مرتفع لنصّ مكتوب، وللانتقال من النظام الكتابي إلى النظام الشفوي تجب معرفة القوانين التي تتحكم في التبديل المكاني للكلمات.
3-عملية تحريك العيون على ما هو مكتوب لمعرفة المضمون.»[3]
وهذا مفهوم القراءة في أبسط مفاهيمها ومستوياتها –كما أسلفنا- لأنها تركز على وصف العملية الفيزيولوجية والنفسية التي يقوم بها القارئ أثناء القراءة. ولكن الذي نهدف إلى توضيحه هنا هو مفهوم القراءة في أعمق معانيها وأرقى مستوياتها، ألا وهو مفهوم القراءة الناقدة. حيث يعرفها محسن علي عطية بأنها «عملية عقلية تتضمن تفسير الرموز التي تقع عليها عين القارئ، وفهم معانيها في ضوء الخبرات السابقة، وهي بذلك تتطلب عمليات عقلية ونفسية معقدة تتضمن أنماط التفكير والتحليل والتقويم والتعليل وحلّ المشكلات…»[4]
وعرفها حسن شحاتة على أنها« عملية عقلية انفعالية تشمل تفسير الرموز والرسوم التي يتلقاها القارئ عن طريق عينيه، وفهم المعاني، والربط بين الخبرة السابقة وهذه المعاني، والاستنتاج والنقد والحكم والتذوق و حل المشكلات»[5]
أما محمد صالح سمك فيرى بأنها: «قراءة أي إنتاج عقلي لفحصه ونقده، أو للموازنة بينه وبين غيره، وهذا النوع من القراءة يحتاج فيه القارئ إلى مزيد من التروي و التأني والإمعان، والمتابعة والفحص، ولذا فإنه لا يقدر على مزاولتها إلا من أوتي حظا عظيما من الثقافة والنضج والموهبة، والاطلاع والتحصيل والفهم.»[6]
ورغم تعددها فإن هذه التعريفات تصبّ في مفهوم واحد؛ وهو أنّ هذا النوع من القراءة يستدعي قارئا ناقدا يتميّز بالقدرة على توظيف معارفه وخبراته ومهاراته الذهنية في فهم النص المقروء، وتحليل أفكاره وسبر أغواره، وإبداء الرأي الشخصي فيه.
وكلّ هذا يؤكد ما ذكرناه سابقا من أنّ القراءة الناقدة تتجاوز القراءة الآلية الحرفية للنص، بل وتتجاوز المستويات العقلية الأولى للفهم القرائي (الفهم الحرفي، والفهم التفسيري والفهم الاستنتاجي)[7]، إلى فهم أرقى، ينفذ من خلاله القارئ إلى ما وراء السطور، ويزداد فهم المقروء رقيا وعمقا إذا تمكن القارئ من« إصدار حكم أو رأي بشأنه، وتمييز ما فيه من حقائق وآراء، والاستعانة به في حلّ مشكلات خارجية والاستفادة مما وراء السطور في قراءة مادة جديدة، أو التحدث في مواقف أو كتابة موضوع، أو القيام بأي عمل لغوي إبداعي آخر»[8] وكل هذه المهارات تنمي لدى الفرد الاستقلالية في التفكير، وحرية الرأي، وعدم التسليم بالحقائق دون تحرّ، كما تساعده على حلّ المشكلات التي تواجهه في حياته…إلخ
وما يزيد من أهمية القراءة الناقدة في عصرنا هذا عصرُ هيمنةِ التقانة، هو التدفّق الهائل للمعارف والمعلومات من كل الجهات والمصادر وعبر الكثير من الوسائط، ما يجعل اكتساب المتعلم لمهارات القراءة الناقدة بمثابة الحصن الذي يحميه من الانسياق وراء كل ما يقرأ، بحيث تبرز شخصية الطالب الناقد في التمييز بين الصحيح والخاطئ، وبين النافع والضار منها. ومن ثمّ أضحت القراءة الناقدة في المجتمعات المتحضرة ضرورة حياتية ملحة، لما لها من تأثير على وعي الأفراد والمجتمعات.
وتدريب المتعلمين على مهارات القراءة الناقدة في المستويات المختلفة، يعني تنمية مهارات التفكير الناقد لديهم، وتجاوز طريقة التلقين الكمي إلى التعليم النوعي؛ لأن الهدف من التعليم اليوم لم يعد محصورا في تعليم المعلومات، لأن هذه المعلومات موجودة في كل مكان ويمكن للمتعلمين أن يحصلوا عليها بسبل ووسائط مختلفة، ولكن الهدف من التعليم في التربية الحديثة هو تزويد المتعلمين بالآليات الفكرية والمنهجية التي تكسبهم مهارات التفكير الناقد، التي تساعدهم على تمييز المعلومات ومعالجتها وتوظيفها بالطريقة المثلى للاستفادة منها في حياتهم.
ثانيا-مهارات القراءة الناقدة:
لم يتفق الباحثون على عدد محدد لهذه المهارات؛ فظهر الاختلاف جليا في تصنيفاتهم؛
– فقد حصر (سميث وهاريس)[9] مهارات القراءة الناقدة في مستوى الفهم الناقد وحدداها فيما يلي: التمييز بين عالم الواقع وعالم الخيال، التمييز بين الحقيقة والرأي الشخصي، الحكم على الكفاية والصدق، والحكم على مناسبة الأفكار، والحكم على القيمة والتقبل والرغبة.
-أما (جودمان وبيرك) فقد قسما مستويات الفهم القرائي إلى أربعة مستويات هي المستوى الحرفي، والمستوى الاستنتاجي والمستوى التقويمي ومستوى الإعجاب والنقد، وأدرجا في المستويين الأخيرين المهارات التالية:( تقويم المقروء وفقا لمعايير محددة، وإصدار أحكام مبررة بشأنه، الانفعال بالمقروء، وتقدير لغة كاتبه ألفاظا وتراكيب ومعاني.[10]
-أما (محمد رجب فضل الله) فقد صنف مهارات القراءة الناقدة في مستوى(الفهم التطبيقي): و حددها في ما يلي:-نقد المقروء بإصدار حكم أو رأي فيه-التمييز بين ما فيه من حقائق وآراء- الاستفادة منه في حل المشكلات- استثماره لفظا وفكرا عند الكلام أو الكتابة بالجديد غير المألوف.[11]
ورغم الاختلاف في تحديد عدد هذه المهارات وتصنيفها، إلا أنها تجمع كلّها على أن مهارات القراءة الناقدة تهدف إلى تنمية مستويات التفكير العليا لدى المتعلمين من خلال تدريبهم على الاستنتاج والتمييز بين الحقائق والآراء، وإبداء الرأي الشخصي في المقروء، وإصدار الحكم عليه، ولا يمكن أن يكون المتعلم قارئا ناقدا إذا لم يتمرس بالشكل الصحيح على هذه المهارات، وإذا لم يتسلح بثقافة عالية ترتقي به إلى درجة الوعي بمستوى المقروء و إدراك محتواه والتفاعل معه.
ثالثا-أهمية الدراسة وإشكالاتها:
إن ما يلاحظ على تلاميذنا في المراحل التعليمية المختلفة في الجزائر هو ضعف هذه المهارات لديهم( مهارات القراءة الناقدة)، حيث يصل الطالب إلى الجامعة وهو يفتقد القدرة على المناقشة والاستنتاج و إبداء الرأي فيما يقرأ ونقده وتقويمه، نظرا للممارسات التعليمية الخاطئة التي كرسها فيه معلمو مراحل التعليم العام في تدريس نشاط القراءة في الصفّ، والتي لا تعدو أن تطلب من المتعلم أن يقرأ النّص قراءة صامتة أو جهرية، ثم تنحصر أسئلة المعلمين بعد ذلك في تحديد الفكرة العامة والأفكار الجزئية، وشرح بعض الألفاظ الصعبة، دون التفات إلى ما وراء السطور من أفكار، والتي لا يمكن أن يكشفها إلا القارئ الناقد بتفاعله مع المقروء وتقويمه! في حين تعد مسألة طرح الأسئلة ذات المستويات العليا أثناء القراءة وبعدها من أهم الاستراتيجيات التي يمكنها أن تعوّد التلاميذ على القراءة الناقدة، ومن ثمّ على التفكير المنطقيّ السليم.
ويحدث كلّ هذا في ظلّ الإصلاحات التربوية المتتالية لحال المنظومة التربوية في الجزائر بصفة عامة، وإصلاح مناهج اللغة العربية وأساليب تدريسها بصفة خاصة. ولذلك تأتي هذه الدراسة محاوِلةً الإجابة عن الإشكالات التالية:
-ما هو واقع تدريس مهارات القراءة الناقدة في المرحلة المتوسطة في الجزائر؟
-وهل يدرب المعلمون تلامذتهم على القراءة الناقدة من خلال استراتيجية التنويع في طرح الأسئلة التي تستهدف المستويات العليا في التفكير؟
-و ما السبيل إلى تنمية هذه المهارات لدى متعلمينا؟
إنّ الهدف من خلال الإجابة عن هذه الأسئلة هو تحسيس المعلمين في مدارسنا و القائمين على شؤون إصلاح المنظومة التربوية في البلاد بأهمية مهارات القراءة الناقدة، وطرائق تنميتها عند متعلمي اللغة العربية من أبنائها. خصوصا وأنها تأتي في ظروف جدّ حساسة تمرّ بها المدرسة الجزائرية، تميزت بعدم وضوح الرؤيا، وعدم استقرار المناهج، وضحالة النتائج…، والدليل على ذلك التغييرات والتعديلات المتوالية المستحدثة في المناهج المختلفة، وهو دليل قاطع على ما يعتري هذه المناهج من نقائص وهنات لا بد من تكاتف الجهود لتصحيحها وترميمها.
رابعا-إجراءات الدراسة:
وللإجابة عن إشكالية الدراسة: ما هو واقع تدريس مهارات القراءة الناقدة في المرحلة المتوسطة في الجزائر؟ وهل يدرب المعلمون تلامذتهم على القراءة الناقدة من خلال استراتيجية التنويع في طرح الأسئلة التي تستهدف المستويات العليا في التفكير؟ اعتمدت الباحثة على الإجراءات التالية:
أ-تحديد عينة الدّراسة: اقتصرت هذه الدراسة على عينة من أساتذة السّنة الرابعة من التعليم المتوسط في المقاطعات التعليمية لولاية ورقلة الذين يدرسون مادة اللغة العربية في الموسمين الدراسيين 2017/2018 و2018/2019، تم اختيارهم بطريقة عشوائية، وقد بلغ عددهم ثلاثين أستاذا و أستاذة.
ولأن الدراسة تستهدف قياس مدى استخدام أساتذة التعليم المتوسط لاستراتيجية التنويع في طرح الأسئلة التي تستهدف مستوى الفهم القرائي الناقد عند المتعلمين، فقد اعتمدت في ذلك على مذكرات تحضير نشاط القراءة عند عينة الدراسة، والاعتماد على هذه المذكرات كان لسببين اثنين هما:
-تعذّر الحضور الميداني الصفي عند جميع أفراد عينة الدراسة.
-تأكيد الأساتذة على اعتمادهم الكلي على الأسئلة التي تتضمنها هذه المذكرات التحضيرية أثناء تدريس القراءة وفي كل الأنشطة التعليمية الصفيّة.
وقد قدرت العينة في البداية بـ 50 أستاذا وأستاذة، من أربع وعشرين متوسطة على مستوى المقاطعات التعليمية لولاية ورقلة، تحصلت منهم على ثماني وتسعين مذكرة، وللوصول إلى نتائج دقيقة تمّ اتخاذ الإجراءات التالية:
-استبعاد المذكرات المتشابهة (نسخة طبق الأصل عن بعض)
-اختيار مذكرتين لكل أستاذ.
ولأنّ المذكرات التحضيرية للأساتذة تكاد تكون متشابهة، بل هناك من المؤسسات التعليمية في هذه المقاطعات من حرصت على توحيد هذه المذكرات بين الأساتذة، ولذلك اختزلت الباحثة العينة في 60 مذكرة لثلاثين أستاذا، إذ المتعارف عليه منهجيا أنه كلما زاد التشابه بين خصائص عناصر العينة، استطعنا اختيار عدد أقل ليمثل مجتمع الدراسة.
ب-منهج الدراسة وأدواتها: للإجابة عن إشكالية الدّراسة اتبعت الباحثة المنهج الوصفي كما اعتمدت فيها على أداة الملاحظة مدعومة بالإحصاء، وذلك من خلال تقصّي الأسئلة الواردة في مذكرات تحضير نشاط القراءة أو كما ينعت في مناهج الجيل الثاني بـ:(نشاط فهم المكتوب)، وتحديد المستويات التي يستهدفها كل سؤال، ثم تفريغ النتائج المحصل عليها في استمارة ملاحظة تمّ تصميمُها لذلك.
خامسا-إحصاء نتائج الدراسة:
للتأكد من مدى ممارسة معلمي التعليم المتوسط في المقاطعات التعليمية لولاية ورقلة لاستراتيجية التنويع في طرح الأسئلة التي تستهدف تنمية مهارات القراءة الناقدة لدى المتعلمين، اعتمدت على أداة الملاحظة؛ من خلال الحصول على العينة المذكورة من مذكرات المعلمين في تحضير نشاط القراءة، والتي بلغت 60 مذكرة تحضيرية شملت نصوصا قرائية مختلفة؛ بعضها من الفصل الأول وشملت النصوص التالية: (المدنية الحديثة ص19- لا تقهروا الأطفال ص27- القبعات الزرق جنود في خدمة السلم ص38-من شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم ص46- الفنان محمد تمام ص54 –الكسوف والخسوف ص65)، وأخرى من الفصل الثاني وشملت النصوص التالية:( في الحث على العمل ص104 –الشباب ص111 –في سبيل الوطن ص123 –الزردة ص131 –كيف خلقت الضفادع ص158 –السمكة الشاكرة ص166)، أما مذكرات الفصل الثالث فقد شملت النصوص التالية:( محظوظ أنت أيها الإنسان البدائي ص188 –الدور الحضاري للأنترنيت).
وقد تمّ من خلالها بناء استمارة ملاحظة ضمّت قائمة بجميع مهارات القراءة الناقدة والتي بلغ عددها ثماني عشرة مهارة، موزّعة على أربعة مجالات رئيسة للقراءة الناقدة وهي: التمييز، والاستنتاج، والتذوق، وإصدار الحكم. تمّ بناؤها انطلاقا من مجموعة من المحكات التي استند إليها مجموعة من الباحثين في الدراسات السابقة التي لها علاقة بالموضوع[12]، وذلك بعد توزيع الاستمارة على ثلاثة محكمين، اثنين منهم في تخصص علم النفس التربوي والثالث في تخصص: تعليمية اللغة العربية، وتوزعت المهارات الثماني عشرة في النهاية على المجالات الأربعة الرئيسة بهذا الشكل: أربع مهارات تمثل مجال التمييز، وست مهارات للاستنتاج، وثلاث أخر مثلت مجال التذوق، فيما مثلّت الخمس المتبقية مجال إصدار الحكم. إليك تفصيلها في الجدول التالي:
الجدول(1): قائمة بمهارات القراءة الناقدة المعتمدة في استمارة الملاحظة المستخدمة كأداة في الدراسة
العدد | المهارات الفرعية | مجال المهارات الرئيسة |
04 | التمييز بين الحقيقة والخيال والرأي | التمييز |
التمييز بين الأفكار الرئيسة والأفكار الثانوية | ||
التمييز بين أوجه الشبه وأجه الاختلاف | ||
التمييز بين ما له صلة وما ليس له صلة بالموضوع | ||
06 | استنتاج العلاقة بين الأسباب والنتائج | الاستنتاج |
استنتاج الفكرة الرئيسة والأفكار الثانوية للنص | ||
استنتاج الهدف أو المغزى أو القيمة من النص | ||
استخلاص الأدلة الداعمة لرأي الكاتب | ||
استنتاج اتجاه الكاتب | ||
استنتاج سمات الشخصيات من خلال تلميحات في النص | ||
03 | التعرف على الحالة النفسية لصاحب النص | التذوق |
تحديد أنواع المشاعر والعواطف الموجودة في النص | ||
تذوق مواطن الجمال في النص | ||
05 | الحكم على العبارات والتراكيب الواردة في النص | إصدار الحكم |
إبداء الرأي الشخصي في مسألة أو قضية في النص | ||
الحكم على موضوعية الكاتب | ||
الحكم على الأدلة المستخدمة في النص | ||
اقتراح حل لمشكلة وردت في النص |
وبعد ذلك صمّمت جدولا تضمن مجموعة من المعلومات منها: رقم المعلم؛ حيث أشير إلى كل معلم برقمه (من 1 إلى 30)، ثم السؤال كما طرحه المعلم في مذكرته التحضيرية، ثم خانة تُحدَّد فيها المهارة الدقيقة التي يستهدفها السؤال، ثم خانة أخرى يتمّ فيها تحديد المجال الذي تنتمي إليه هذه المهارة من مهارات الفهم القرائي ككل بما فيها مهارات القراءة الناقدة. حيث وصل عدد الأسئلة المحصّل عليها من المذكرات التحضيرية الستين إلى 1070 سبعين وألف سؤالٍ، تمّ تفريغ معطياتها في هذا الجدول، بتحديد نوع المهارة المستهدفة بناء على المحكات المشار إليها سابقا، ثم القيام بعملية الإحصاء، فكانت النتائج التالية:
الجدول (02): النتائج الإحصائية لمدى استخدام معلمي اللغة العربية للسنة الرابعة من التعليم المتوسط للأسئلة التي تستهدف مهارات القراءة الناقدة في تعليم نشاط القراءة
مهارات أخرى | مهارات القراءة الناقدة المستهدفة في أسئلة الأساتذة | مجموع الأسئلة | رقم المعلم | |||
إصدار الحكم | التذوق | الاستنتاج | التمييز | |||
20 | 08 | 00 | 14 | 01 | 43 | م1 |
16 | 06 | 00 | 08 | 03 | 33 | م2 |
30 | 02 | 00 | 13 | 01 | 46 | م3 |
16 | 04 | 00 | 14 | 04 | 38 | م4 |
22 | 00 | 00 | 11 | 01 | 34 | م5 |
13 | 03 | 00 | 15 | 03 | 34 | م6 |
16 | 02 | 00 | 19 | 01 | 38 | م7 |
17 | 02 | 00 | 14 | 01 | 34 | م8 |
18 | 02 | 00 | 13 | 02 | 35 | م9 |
18 | 02 | 00 | 13 | 01 | 34 | م10 |
19 | 01 | 00 | 15 | 01 | 36 | م11 |
15 | 01 | 00 | 09 | 02 | 27 | م12 |
13 | 02 | 00 | 17 | 01 | 33 | م13 |
16 | 03 | 01 | 17 | 01 | 38 | م14 |
12 | 02 | 02 | 22 | 01 | 39 | م15 |
16 | 06 | 00 | 08 | 03 | 33 | م16 |
22 | 00 | 00 | 11 | 01 | 34 | م17 |
18 | 02 | 00 | 13 | 02 | 35 | م18 |
15 | 01 | 00 | 09 | 02 | 27 | م19 |
17 | 02 | 00 | 14 | 01 | 34 | م20 |
20 | 01 | 00 | 14 | 01 | 36 | م21 |
22 | 01 | 01 | 18 | 02 | 44 | م22 |
19 | 01 | 00 | 15 | 02 | 37 | م23 |
16 | 03 | 00 | 18 | 02 | 39 | م24 |
20 | 00 | 01 | 16 | 03 | 40 | م25 |
17 | 02 | 00 | 08 | 01 | 28 | م26 |
16 | 00 | 00 | 15 | 02 | 33 | م27 |
22 | 01 | 00 | 19 | 01 | 43 | م28 |
13 | 01 | 01 | 14 | 02 | 31 | م29 |
15 | 01 | 00 | 17 | 01 | 34 | م30 |
529 49،43% | 62 | 06 | 423 | 50 | 1070 | المجموع |
05,79% | 0,56% | 39,53% | 4,67% | |||
541 سؤالا = 50،56% |
والملاحظ من خلال هذا الجدول أنّ نسبة استخدام المعلمين للأسئلة التي تستهدف مستويات القراءة الناقدة الأربعة عند المتعلمين قد بلغت خمسمائة وواحدا وأربعين سؤالا بنسبة قدرت بـ:50,56 %، فيما مثلت مستويات الفهم القرائي الأخرى(الحرفي والتفسيري) ما نسبته: 49,43 %، أي ما يعادل 529سؤالا من إجمالي الأسئلة المطروحة. حيث بيّنت النتائج بجلاء مدى الاهتمام الذي حظي به المستويان الحرفي والتفسيري من قبل المعلمين، والذي لا تتعدى أسئلته البنية السطحية للنص؛ بحيث لا يتجاوز دور المتعلم فيها:
– تحديد معاني كلمات وردت في النص مثل:
– ماذا تفيد لفظة نعم في المعنى؟ —م2
-ما الكلمة الدالة على أنه غير حزين على ذلك؟—م13
-أو ذكر بعض الأحداث مثل:
-ماذا طلبت الإلهة لاتونا من القوم عند الينبوع؟—م5
-ما الذي طلبه الشاعر من العمال في البيت الأول—م8
– ماذا طلب الشاعر من الغلمان حينها؟ —م15
– ما المهام الموكلة إلى العجائز؟ —م4
-علام حثنا الكاتب في نهاية النص؟—م7
-كيف كان الجوّ بعد زغردات النساء؟؟—م26
-أو ذكر بعض الحقائق التي وردت في المقروء؛ على نحو:
– كيف نظر الإنسان القديم إلى ظاهرتي الخسوف والكسوف؟—م5
-عدد المجلات التي اقتحمتها الأنترنيت في حياتنا؟—م6
-ما فائدة مجموعات النقاش الإلكترونية؟ —م14
-ما هي المنظمة المسؤولة على إقرار السلم في العالم؟ ؟—م28
-أو ذكر أسماء الشخصيات الواردة في النص:
– من الشخصية التي يتحدث عنها صاحب النص؟—م3
– بمن تأثر محمد تمام؟ —م3
– من أول الوافدين إلى مكان التظاهرة؟ —م4
أو تحديد زمان أو مكان معيين مثل:
-متى يتدخل جنود القبعات الزرق؟ —م2
-أين يتواجدون؟ —م2
– أين ومتى صقل موهبته؟ —م3
وقد أثبتت الدراسة الإحصائية كذلك بأن مهارات مجال الاستنتاج استحوذت على حصة الأسد من بين مستويات القراءة الناقدة الأربعة حيث بلغ عدد أسئلته 423 سؤالا بنسبة قدرت بـ: %39,53من إجمالي الأسئلة المطروحة في المذكرات التحضيرية، ومن أمثلة هذا المستوى نذكر:
-لم شبه الشاعر العمال بالنحل والطير؟—م13
– يجري الكاتب مقارنة بين عصرين حددهما؟ —م16
-هل للمحيط الذي نشأ فيه دور في مواهبه؟ —م3
-عدد القيم المستفادة من النص؟ —م20
-ماذا كان يقصد الكاتب بكلماته الحماسية العاطفية؟؟—م23
فيما حل مستوى إصدار الحكم في المرتبة الثانية باثنين وستين سؤالا وبنسبة قدرت بـ: 05,79% من إجمالي الأسئلة المطروحة، نذكر منها:
-في رأيك ما الذي كن يحملنه في القفف؟ —م4
-هل العلم ثروة؟ —م81
-كيف تعبر عن حبك للرسول صلى الله عليه وسلم؟ —م71
-هل ترى أن مهامهم سهلة؟ ؟—م30
أما أسئلة التمييز بمهاراتها المختلفة فقد جاءت في المرتبة الثالثة بخمسين سؤالا أي بنسبة قدرت بـ: 04,67%، نذكر منها على سبيل المثال الأسئلة التالية:
-من المبارك من الشباب ومن المذموم منهم؟ —م10
-هل التعبير في الجملة التالية(تقاطر الأطفال) حقيقي أم مجازي؟ —م11
-في عبارة (كانت محبته للناس تتدفق) حدد الكلمة التي استخدمت استخداما مجازيا؟ —م9
-فيم اشترك البيت الشعري مع الحديث الشريف؟ ؟—م24
فيما تذيّلت أسئلة التذوّق قائمة مهارات القراءة الناقدة المستهدفة في أسئلة المعلمين بعدد لم يتجاوز ستة أسئلة أي بنسبة 0,56%، نورد منها الآتية:
– في العبارة صورة بيانية حدد نوعها وسرّ جمالها؟ —م14
– دلّ على مواطن الجمال في النص؟ —م15
والرّسم الموالي يعطينا صورة أكثر وضوحا لهذه النتائج:
الشكل(1): يوضح توزع الأسئلة المطروحة من قبل المعلمين على مستويات الفهم القرائي الناقد
و طبعاً لم تختلف هذه النتائج الكلية (المتعلقة بكل المعلمين) كثيرا عن النتائج الجزئية( المتعلقة بكل معلم على حدة)، حيث أثبتت هذه الأخيرة بأن الحظ الكبير للأسئلة في ممارسات كل معلم على حدة لتنمية مهارات القراءة عند متعلميه كان لأسئلة الاستنتاج، والحظ الأقل للتذوق وإصدار الحكم، وهو ما يوضحه الجدول الموالي:
الجدول(3) يوضح ممارسات كل معلم على حدة لاستراتيجية التنويع في طرح الأسئلة التي تستهدف مهارات الفهم القرائي الناقد عند متعلميه
مهارات أخرى | مهارات القراءة الناقدة المستهدفة في أسئلة الأساتذة | مجموع الأسئلة المطروحة | المعلم | |||
إصدار الحكم | التذوق | الاستنتاج | التمييز | |||
%46,51 | %18,60 | %00 | %32,55 | %2,32 | 43 | م1 |
%48,48 | %18,18 | %00 | %24,24 | %9,09 | 33 | م2 |
%65,21 | %4,34 | %00 | %28,26 | %2,17 | 46 | م3 |
%42,10 | %10,52 | %00 | %36,84 | %10,52 | 38 | م4 |
%64,70 | %00 | %00 | %32,35 | %2,94 | 34 | م5 |
%38,23 | %8,82 | %00 | %44,11 | %8,82 | 34 | م6 |
%42,10 | %5,26 | %00 | %50 | %2.63 | 38 | م7 |
%50 | %5,88 | %00 | %41,17 | %2,94 | 34 | م8 |
%51,42 | %5,71 | %00 | %37,14 | %5,71 | 35 | م9 |
%52,94 | %5,88 | %00 | %38,23 | %2,94 | 34 | م10 |
%52,77 | %2,77 | %00 | %41,66 | %2,77 | 36 | م11 |
%55,55 | %3,70 | %00 | %33,33 | %7,40 | 27 | م12 |
%39,39 | %6,06 | %00 | %51,51 | %3,03 | 33 | م13 |
%42,10 | %7,89 | %2,63 | %44,73 | %2,63 | 38 | م14 |
%30,76 | %5,12 | %5,12 | %56,41 | %2,56 | 39 | م15 |
%48,48 | %18,18 | %00 | %24,24 | %9,09 | 33 | م16 |
%64,70 | %00 | %00 | %32,35 | %2,94 | 34 | م17 |
%51,42 | %5,71 | %00 | %37,14 | %5,71 | 35 | م18 |
%55,55 | %3,70 | %00 | %33,33 | %7,40 | 27 | م19 |
%38,23 | %8,82 | %00 | %44,11 | %8,82 | 34 | م20 |
%55,55 | %2,77 | %00 | %38,88 | %2,77 | 36 | م21 |
%50 | %2,27 | %2,27 | %40,90 | %4,54 | 44 | م22 |
%51,35 | %2,70 | %00 | %40,54 | %5,40 | 37 | م23 |
%41,02 | %7,69 | %00 | %46,15 | %5,12 | 39 | م24 |
%50 | %00 | %2,5 | %40 | %7,5 | 40 | م25 |
%60,71 | %7,14 | %00 | %28,57 | %3,57 | 28 | م26 |
%48,48 | %00 | %00 | %45,45 | %6,06 | 33 | م27 |
%51,16 | %2,32 | %00 | %44,18 | %2,32 | 43 | م28 |
%41,93 | %3,22 | %3,22 | %45,16 | %6,45 | 31 | م29 |
%44,11 | %2,94 | %00 | %50 | %2,94 | 34 | م30 |
سادسا-تفسير نتائج الدراسة:
تشير النتائج إلى استحواذ مهارات القراءة الناقدة على نصف الأسئلة المطروحة من قبل الأساتذة وهي نسبة متوسطة مقارنة بمستوى تلميذ السنة الرابعة من التعليم المتوسط واستعدادته الذهنية والمعرفية والوجدانية؛ إذ يفترض أن يلتحق المتعلّم بهذه المرحلة وهو يمتلك رصيدا لغويا، ومعارف ومهارات وكفايات، تمكّنه من فهم المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه، وسلوكات تمكّنه من المساهمة في الحياة الاجتماعية، ومواقف تحدّد معالم شخصيته ومقوّماتها، لذا ينبغي التعامل معه على هذا الأساس، لتوسيع مجاله المعرفي، وتعميق فكره النّقدي، وتوجيه ميوله الإبداعي، وإكسابه الاستقلالية في الرأي. وهذا ما لا تعكسه نتائج الدراسة الإحصائية حيث إن نسبة 50,56% من الأسئلة المطروحة غير كافية لتنمية مهارات القراءة الناقدة عند المتعلمين. ومن ثمّ فإنّ هذه المهارات لا تحظى بالاهتمام المأمول من قبل المعلمين في هذا المستوى.
والدليل على حكمي هذا أنّ حصة الأسد من هذه النسبة استحوذت عليها أسئلة الاستنتاج بنسبة 78,18 % من مجموع الأسئلة التي استهدفت مهارات الفهم القرائي الناقد عند المتعلمين، والتمييز: 09,24 %، فيما بلغت مهارات التقويم أو إصدار الحكم 11,46 %، في حين لم تحظ مهارة التذوق سوى بـ: 01,10 %، والمعروف أن الأخيرتين أي التذوق وإصدار الحكم تعدان من أرقى مستويات التفكير الناقد حيث تدربان المتعلم على إبداء الرأي الشخصي في المقروء وتذوق مواطن الجمال فيه وتقويمه ونقده، ويمكن تفسير ذلك بأن المعلمين لا يراعون مسألة التنويع والتوازن في هذه المستويات أثناء عملهم على تنمية مهارات الفهم القرائي عند المتعلمين.
إنّ إبداء المتعلّم رأيه الشّخصي في موضوع ما، لا يعكس قدرته على تحليل ومناقشة المسائل المطروحة أمامه فحسب، وإنّما يعكس قدرته على تمحيص المسائل ونقدها، بل وتقويمها من خلال إبداء رأيه الشخصي فيها بالدّليل والحجّة، مراعيا الاتّساق الداخلي للنّص، بعيدًا عن التناقض والضبابية، بالإضافة إلى الحرص على أن تكون الأدلة والحجج المدعّمة لرأيه متوافقة مع القضايا المطروحة للنّقاش، و أن تكون النتائج شديدة الارتباط بالأسباب والمقدّمات، وكلّها تدلّ على المجهودات الذّهنية المضنية التي يستوجبها مستوى التقويم وإصدار الحكم، ولذلك فإنّ نسبة 11,46 % غير كافية لتدريب المتعلمين على هذه المهارات، ومن ثمّ وجب تكثيف الأسئلة من هذا النوع للتلميذ لأنها تعتبر محكا حقيقيا لقياس كفاية التلميذ، وقدرته على النّقد والتقويم، وإبداء رأيه الشخصي في النص المقروء.
أما مستوى التذوق الذي أثبتت النتائج بأنه مغيب تماما عند معظم المعلمين حيث وصلت نسبته إلى 00 % عند 25 معلما من مجموع عينة البحث، فإن المعلمين مقصرون جدا فيه على الرغم من أهميته في تعليمية القراءة للتلاميذ في هذا المستوى، خصوصا وأن التلميذ في السّنة الرابعة يكون قد تعرّف على الكثير من الأساليب البلاغية والمحسنات البديعية والصور البيانية، وتنبّه إلى أثرها جميعا في إضفاء صبغة جمالية على النص المقروء. فستة أسئلة لهذا المستوى من بين الـ 541 سؤالا التي مسّت مستويات التفكير العليا نسبة غير كافية، ولا يمكن أن تكشف عن الكفايات الحقيقية التي اكتسبها المتعلّم في هذا المستوى، ممّا لا يسمح بالتعرّف على إمكاناته في توظيف الأساليب الفنّية في تذوّقه للنّصوص الأدبية المختلفة، وإدراك مواضع الجمال فيها، وتحليلها، ونقدها، فحبّذا لو أنّ المعلمين يولون هذا النّوع من الأسئلة الذي يختبر الذّوق والحسّ الفنّي عند التلاميذ اهتماما أكبر، ما يسمح بتنمية الذّوق الأدبي لديهم، وإذكاء حسّهم الفني، وتوسيع خيالهم، وتمكينهم من الأساليب اللغوية العربية الفصيحة.
ويمكن إجمالا ردّ هذه النتائج إلى الأسباب التالية:
-عدم تدريب المعلمين في الندوات التكوينية المختلفة على توظيف الاستراتيجيات المختلفة في تنمية مهارات القراءة الناقدة لدى متعلميهم وخصوصا استراتيجية التنويع في الطرح الأسئلة التي تستهدف مهارات التفكير الناقد عند المتعلمين، ومن ثم غياب التحسيس بأهمية هذه المهارات في حياة التلميذ عند هؤلاء المعلمين.
-وإذا كانت مناهج اللغة العربية تنبه إلى ضرورة تنمية هذه المهارات عند متعلمي المرحلة المتوسطة عموما والسنة الرابعة من التعليم المتوسط على وجه التحديد؛ لأن المتعلم في هذه المرحلة يكون أكثر استعدادا لتنمية مهارات التفكير الناقد لديه من خلال نشاط القراءة، وهو ما تؤكد عليه ملامح الخروج التالية لنشاط القراءة في منهاج السنة الرابعة، حيث ينتظر أن يصل المتعلم في نهاية هذه المرحلة إلى:
« – قراءة نصوص متنوعة و فهمها وتصنيفها حسب أنماطها و أنواعها.
- القراءة المسترسلة السليمة و المعبرة.
- تحليل المقروء و ترتيب محتوياته و ضبط أفكاره بالمناقشة و النقد.
- تذوق المقروء باكتشاف جوانبه الجمالية.
-التعبير – شفويا و كتابة – عن مشاعره و آرائه و تعليلها بأمثلة و شواهد و براهين تناسب الموقف.»[13]
إلا أن التطبيق الفعلي لهذه الأهداف يكاد يغيب في الجانب التنفيذي، لهذه المناهج والذي تمثله المقررات بمحتوياتها المختلفة؛ فالمطلع على الأسئلة الموجودة بعد نص القراءة في كتاب التلميذ يجدها لا تخرج عن الأنواع نفسها المطروحة في المذكرات التحضيرية للأساتذة، باعتبار الكتاب الوسيلة التعليمية الوحيدة التي يعتمد عليها المعلمون في تحضيرهم للدروس، وهو ما يكرس الممارسات التعليمية الخاطئة لنشاط القراءة عند هؤلاء.
الخاتمة:
وخلاصة القول إنّ تمرُّس التلميذ على مهارات القراءة الناقدة يعني مساهمته في إعادة بناء النص المقروء من خلال سبر أغواره، وفهم ما بين سطوره وما ورائها ومن ثمّ تجاوز البنية السطحية للنص المكونة من مفردات وجمل وفقرات، وفهم ما بينها من علاقات، إلى بنيته العميقة التي تعكس آراء صاحبه وعواطفه واتجاهاته، ويبلغ الأمر ذروته إذا ما أبدى رأيه الشخصي في المقروء أو أصدر بشأنه حكما ما، أو استعان به في حل مشكلات تعترضه في مواقف مشابهة في حياته، ما يعكس في التلميذ الناقد خلفية معرفية ثرية، وثقافة متنوعة، وفكرا ثاقبا. وهو ما لا نجده ماثلا في ممارسات المعلمين أثناء تعليمهم لنشاط القراءة في مؤسساتنا التعليمية، حيث تقتصر معظم أسئلتهم على أسئلة الحفظ والفهم والتطبيق، وتغفل المستويات العليا التي تستهدف تنمية مهارات التفكير الناقد أثناء تعليم نشاط القراءة.
وللعمل على تنمية مهارات القراءة الناقدة عند المتعلمين تقترح الباحثة ما يلي:
-أن تركز مقررات وأساليب وطرائق تدريس اللغة العربية للمتعلمين في هذه المرحلة على تنمية هذه المهارات لديهم من خلال استراتيجية التنويع في طرح الأسئلة التي تستهدف مستويات التفكير الناقد عند المتعلمين، فلا يصح مثلا أن نجد نصوص القراءة مثلا مذيلة بأسئلة تستهدف الحفظ والفهم مثلا وتهمل مهارات التفكير العليا.
-تحسيس معلّمي هذه المرحلة بأهميّة القراءة الناقدة، وتوجيه اهتمامهم نحو التدرّب على ممارسة وتطبيق تنشيط طريق تحليل النصوص المنمّية لمهارات القراءة الناقدة لدى متعلّميهم بالطريقة الصحيحة.
-تدريب وتكوين المعلمين في هذه المرحلة على توظيف استراتيجيات متنوعة لتنمية مهارات الفهم القرائي الناقد لدى متعلميهم، ولا سيما منها استراتيجية التنويع في طرح الأسئلة التي تستهدف مستويات التفكير العليا عند المتعلمين.
-التركيز على طريقة الحوار والمناقشة في تعليم القراءة، التي تعدّ السّبيل الأمثل للمعلم الذي يمكّنه من التنويع في طرح الأسئلة المثيرة لمهارات التفكير النّاقد لدى المتعلّمين.
-التركيز في مرحلة التقويم الختامي في الدّرس على استثمار مكتسبات المتعلمين في تنمية مهارات القراءة الناقدة لديهم من خلال مطالبتهم بأنشطة نقدية تؤدّى بطريقة شفوية وكتابية؛ كتلخيص النص، وكتابة فقرات يركزون فيها على إبداء آرائهم الشخصية فيما يقرؤون، وإصدار أحكام بشأنه ونقده وتقويمه. بدلا من الأسئلة النمطية المكرورة التي تختتم بها حصص القراءة عادة.
-ضرورة الموازنة بين أنواع الأسئلة المطروحة، بحيث تمسّ جميع مستويات الفهم القرائي، وخصوصا مهارات القراءة الناقدة؛ فلا يصحّ أن يستحوذ مستوى على الحصص دون غيره من المستويات، فيجد المعلم نفسه قد ركز على تنمية نوع من المهارات دون غيره من المهارات الأخرى.
-تنبيه المعلّمين على ضرورة الخروج والتحرّر من الأسئلة المطروحة بعد النصّ في الكتاب المدرسي، وتجاوزها إلى بناء أسئلة تعوّد المتعلّمين على عدم الاكتفاء بالفهم السطحي للنصّ، بل تكسبهم القدرة على فهم ما بين سطوره ونقده وإصدار الحكم بشأن أفكاره وقضاياه.
-يجب على القائمين على إصلاح حال المنظومة التعليمية في بلادنا إعادة النظر في مسألة تعليمية القراءة في ضوء هذه المعطيات، وفي ضوء نتائج الدراسات العلمية التطبيقية والميدانية في هذا المجال.
مراجع البحث:
المراجع
-حسن شحاتة، أساسيات التعلم الفعال في الوطن العربي، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، 1997.
-حسن شحاته ومروان السمان، المرجع في تعليم اللغة العربية وتعلمها، ط1، مكتبة الدار العربية للكتاب، القاهرة، 2012.
-لطيفة هباشي، استثمار النصوص الأصيلة في تمنية القراءة الناقدة، جدارا للكتاب العلمي، عمان -،عالم الكتب الحديث، إربد الاردن، 2008.
-محسن علي عطية: مهارات الاتصال اللغوي وتعليمها، ط1 ، دار المناهج للنشر والتوزيع، عمان –الأردن، 2008.
-محمد الصالح سمك، فن التدريس للتربية اللغوية وانطباعاتها المسلكية، وأنماطها العملية، دط، دار الفكر العربي القاهرة، 1998.
-محمد رجب فضل الله : التعليم اللغوي، معارف وتجارب، بحوث ودراسات، ط1، عالم الكتب، القاهرة، 2012.
-وزارة التربية الوطنية، اللجنة الوطنية للمناهج ،منهاج اللغة العربية للسنة الرابعة المتوسطة،2013.
المجلات
-خلدون عبد الرحيم أبو الهيجاء، د. عماد توفيق السعدي: أثر نموذج التعليم وأسلوب التعلم في تطوير مهارات القراءة الناقدة لدى تلاميذ الصف الرابع الأساسي، مجلة جامعة دمشق، المجلد 19، العدد 01،2003
-عبد الوهاب هاشم وآخرون: مدى تمكن طلاب الصف الأول الثانوي من مهارات الفهم القرائي الناقد، المجلة العلمية لكلية التربية، جامعة أسيوط، مج32، العدد الثاني ،ج1، جانفي 2016.
-كلثوم قاجة و محمد الساسي شايب: مستوى تمكن التلاميذ من مهارات القراءة الناقدة-دراسة على عيّنة من تلاميذ السنة الثانية ثانوي-، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، العدد:24، جوان 2016.
-وحيد حافظ: فاعلية استراتيجية الخريطة الدلالية في تنمية مهارات القراءة الناقدة لدى طلاب المرحلة الثانوية، مجلة دراسات في المناهج وطرق التدريس، العدد131، مارس 2008.
[1] لطيفة هباشي، استثمار النصوص الأصيلة في تمنية القراءة الناقدة، جدارا للكتاب العلمي، عمان -،عالم الكتب الحديث، إربد الاردن، 2008، ص3.
[2] محمد رجب فضل الله : التعليم اللغوي، معارف وتجارب، بحوث ودراسات، ط1، عالم الكتب، القاهرة، 2012، ص61.
[3] المرجع نفسه، ص12،13.
[4] محسن علي عطية: مهارات الاتصال اللغوي وتعليمها، ط1 ، دار المناهج للنشر والتوزيع، عمان –الأردن، 2008، ص252.
[5] حسن شحاتة، أساسيات التعلم الفعال في الوطن العربي، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، 1997.
[6] محمد الصالح سمك، فن التدريس للتربية اللغوية وانطباعاتها المسلكية، وأنماطها العملية، دط، دار الفكر العربي القاهرة، 1998.
[7] تجمع الدراسات على أن القراءة الناقدة هي أحد مستويات الفهم القرائي الأربعة:( المستوى الحرفي: وأسئلته تدور حول معلومات النص من أفكار رئيسة و فرعية ، وتفاصيل..والقدرة على تذكرها واسترجاعها وربط بعضها ببعض. ثم يأتي المستوى التفسيري: وتتمحور أسئلته في فهم المعاني الضمنية للمقروء ، وفهم العلاقات بين الأسباب والنتائج، والقدرة على الاستنتاج والاستدلال والموازنة والتعميم..، ثم تظهر القراءة الناقدة في المستوى الثالث الذي يتضمن تقويم المقروء وإبداء الرأي الشخصي فيه، واتخاذ قرارات بشأنه، وإصدار أحكام فيه، وتختتم هذه المستويات بالمستوى الإبداعي: الذي يعنى بالإفادة من المقروء على نحو يتميز بالأصالة والجدة، في الحياة العملية وفي حل المشكلات. للاطلاع على مستويات الفهم القرائي ، يراجع :محمد رجب فضل الله : التعليم اللغوي ،ص ص66-69. وخلدون عبد الرحيم أبو الهيجاء، د. عماد توفيق السعدي: أثر نموذج التعليم وأسلوب التعلم في تطوير مهارات القراءة الناقدةلدى تلاميذ الصف الرابع الأساسي، مجلة جامعة دمشق، المجلد 19، العدد 01،2003 ،ص131،132.
[8] محمد رجب فضل الله : التعليم اللغوي ، ص69.
[9] حسن شحاته ومروان السمان، المرجع في تعليم اللغة العربية وتعلمها، ط1، مكتبة الدار العربية للكتاب، القاهرة ،2012، ص104.
[10] يراجع: محمد رجب فضل الله : التعليم اللغوي ، ص67،68.
[11] يراجع :المرجع نفسه، ص69.
[12] الدراسات التي عادت إليها الباحثة لتحديد مهارات القراءة الناقدة الرئيسة والفرعية هي:
-كلثوم قاجة و محمد الساسي شايب (مستوى تمكن التلاميذ من مهارات القراءة الناقدة-دراسة على عينة من تلاميذ السنة الثانية ثانوي-)، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، العدد:24، جوان 2016.
-عبد الوهاب هاشم وآخرون: مدى تمكن طلاب الصف الأول الثانوي من مهارات الفهم القرائي الناقد، المجلة العلمية لكلية التربية، جامعة أسيوط، مج32، العدد الثاني ،ج1، جانفي 2016.
-وحيد حافظ: فاعلية إستراتيجية الخريطة الدلالية في تنمية مهارات القراءة الناقدة لدى طلاب المرحلة الثانوية، مجلة دراسات في المناهج وطرق التريس، العدد 131، مارس 2008.
إسماعيل ربابعة وعبد الكريم أبو جاموس: أثر برنامج تعليمي في القراءة الناقدة في تنمية مهارات القراءة الناقدة، والكتابة الناقدة والإبداعية لدى طلاب الصفّ العاشر في الأردن.
-خلدون عبد الرحيم أبو الهيجاء، عماد توفيق السعدي: أثر نموذج التعليم وأسلوب التعلم في تطوير مهارات القراءة الناقدة لدى تلاميذ الصف الرابع الأساسي، مجلة جامعة دمشق، المجلد 19، العدد 01،2003.
[13] منهاج السنة الرابعة من التعليم المتوسط،ص04.