Skip to content

JiL.Center

Primary Menu
  • عن المركز
  • رئيسة المركز
  • شروط الانتساب
  • منشوراتنا
  • مؤتمرات وملتقيات
  • دوراتنا
  • محاضراتنا
  • مسابقاتنا
  • Cont@cts
موقع مجلات مركز جيل البحث العلمي
  • Home
  • دور العلم والمناظرات في العصر العباسي Science houses and debates in the Abbasid era

دور العلم والمناظرات في العصر العباسي Science houses and debates in the Abbasid era

admin 2020-12-09 1 min read
   

 

دور العلم والمناظرات في العصر العباسي

Science houses and debates in the Abbasid era.

د. مازن الناصر, دكتوراه في اللغة العربية وآدابهاـ جامعة البعث ـ سوريا

Dr. Mazen Talal ALnaser ـ Albaath University ـ Syria

 

مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 65 الصفحة 45.

 

 

ملخص

تحدثت في هذا البحث عن دور العلم وفن المناظرات التي انتشرت في العصر العباسي, مبيناً أثرهما في تطور الحركة العلمية وازدهارها في هذا العصر. بدأت البحث بمقدمةٍ تحدثت فيها عن تأثير دور العلم والمناظرات في النهضة العلمية في العصر العباسي, ثم انتقلتُ إلى الحديث عن دور العلم فتكلمتُ على الكتاتيب وأساليب التعليم فيها, ثم تحدثتُ عن المساجد, وبعد ذلك تحدثتُ عن المناظرات مستعرضاً أبرز العوامل التي أسهمت في انتشارها, وأخيراً أنهيتُ البحث بخاتمةٍ تؤكدُ تأثير دور العلم والمناظرات في مختلف العلوم والمعارف في العصر العباسي.

الكلمات المفتاحية: أدب, عباسي, كتاتيب, مساجد, مناظرات

Abstract

In this research, I talked about the role of science and the art of debate that spread in the Abbasid era, indicating their impact on the development of the scientific movement and its prosperity in this era. The research began with an introduction in which I talked about the impact of the role of science and debates on the scientific renaissance in the Abbasid era, then I moved on to talking about the role of science, so I spoke about the madrassas and the methods of education in them, then I talked about mosques, and after that I talked about the debates, reviewing the most prominent factors that contributed to their spread, and finally I ended the research with a conclusion that confirms the influence of the role of science and debates in various sciences and knowledge in the Abbasid era .

Key Words : Literature, Abbasi,  Madrassas, Mosques, Debates

مقدمة:

أسهمت دور العلم  وفن المناظرات في الحركة العلمية التي شهدها العصر العباسي, وهي حركةٌ أثرت تأثيراً واسعاً في حدوث نهضةٍ علميةٍ كبيرةٍ شملت معظم العلوم والفنون. وعلى هذا الأساس, يحاول البحث أن يبيّنَ أهمية دور العلم والمناظرات وأثرهما في تطور الحركة العلمية وازدهارها في العصر العباسي.

أولاً: دور العلم:

كان نظام الملك[1]( 408- 485هـ)” أول من بنى المدارس في الإسلام, بنى نِظاميّة بغداد, ونِظاميّة نَيسابور, ونِظاميّة طُوس, ونِظامية إصبهان”[2].وقبل بناء هذه المدارس, وجدت معاهد ودور علم أخرى أهمها :

  • الكتاتيب:

هي موضع تعليم الصبيان والناشئة, وتربيتهم تربيةً خُلقيةً, وعلميّةً قبل أن ينتقلوا إلى مرحلة أعلى هي المساجد. وكانت هذه الكتاتيب تتطور في مناهجها, وأساليبها تبعاً لتطور المجتمع, واتساع المعارف, وتشعب العلوم, ولاسيما بعد ظهور مدارس الحديث والفقه, وعلم الأصول, وعلم الكلام, والتصوف, والفلسفة, وغير ذلك.فأسلوب الإملاء- مثلاً- “عُرِفَ منذ أوائل القرن الثاني الهجري”[3]. ولم يكن هذا الأسلوب يُعرف قبل هذا القرن, وهـو مـن الأساليب التي “استدعت التطورات استحداثه”.[4]

إن انتشار الكتاتيب وكثرتها في المجتمع الإسلامي, دفع علماء الدين, ورجال العلم, إلى الكتابة في التربية ونظرياتها, فتحدثوا عن أساليب التعليم, والمنهاج, والعقاب, والثواب, وصفات المعلّم, وأخلاق التلميذ, وغير ذلك, ولم يتركوا شيئاً يخصُّ التعليم في الكتاتيب إلا تحدثوا عنه. ومن هؤلاء المنظرين نذكر: محمد بن سحنون( ت256هـ) [5], وعلي بن محمد القابسي(324- 403هـ)[6], وكان كلاهما يمثلان وجهة نظر المذهب المالكي في التعليم, والحارث المحاسبي(ت 243هـ)[7]الذي يعكس آراء المدرسة الصوفية وأفكارها, والفارابي  ( ت 339هـ), وأحمد بن مسكويه( 320- 421هـ)[8] اللذان تحدثا عن التعليم من وجهة فلسفية . هؤلاء المنظرون, وإن اختلفت أفكارهم ومذاهبهم في التعليم, إلا أنهم كانوا يشتركون في نقاط ومبادئ عامة أهمها: إلزاميّة التعليم وأهميته, والتدرج فيه, ووجوب استمراريته, وأساليبه, وأبرزها: الإملاء, والسؤال, والمذاكرة [9].

أما فيما يخصُّ المواد التي كان يتعلّمها الصبيان فهي: القرآن الكريم, والفرائض, والكتابة, والخط, فضلاً عن الحساب, والنحو, والشعر, والعروض. يقول ابن قتيبة: “ومن المعلّمين علقمة بن أبي علقمة مولى عائشـة كان يروي عنه مالك بن أنس, وكان له مكتـب يعلّم فيه العربية والنحو والعروض, ومات في خلافة المنصور”[10]. وكان بعض المعلمين لا يأخذ أجراً منهم:” الضحاك بن مزاحم, وعبد الله بن الحارث, يعلّمان ولا يأخذان أجراً”[11]. وكان في الكتاتيب عقاب وثواب, وغالباً ما يكون العقاب بالضرب بعد مرحلة التوبيخ, وقد وضع العلماء شروطاً للضرب, كأن يضرب المعلم من”مرة إلى ثلاث شريطة ألا يضرب وهوغضبان حتى لا يتحول الضرب انتقاماً لا أداة تربية, وشريطة أن يسبقه- أي الضرب- محاولات من التأنيب, واللوم, والتقريع الإيجابي البعيد عن الكلام الفاحش والشتائم”[12].

وأخيراً, فقد أسهمت الكتاتيب في نمو الحركة العلمية, وازدهارها في المجتمع الإسلامي, وقد حظيت باهتمام علماء الدين, ورجال العلم, فتحدثوا عنها في كتبهم, كما فعل الجاحظ في       ( البيان والتبيين), وابن قتيبة في( المعارف), وقد ذكرا لنا في هذين الكتابين طائفةً مشهورةً من معلّمي الكتاتيب مثل: ” الضحاك بن مزاحم, وأبو البيداء, وأبو معاوية النحوي, وأبو عبيد القاسم بن سلام مولى للأزد من أبناء أهل خراسان” [13].

  • المساجد:                              

منذ فجر الإسلام, لم تكن المساجد دُوْرَ عبادةٍ فحسب, بل كانت مكاناً يتعلّم فيه المسلمون شؤون دينهم الجديد وتعاليمه, وأصوله, ففي البخاري عن أبي واقد الليثي قال:” بينما رسول الله r جالس في المسجد والناس معه, إذ أقبل ثلاثة نفر, فأقبل اثنان إلى رسول اللهr ….. فوقفا على رسول الله, فرأى أحدهما فرجةً في الحلقة فجلس فيها, وجلس الآخر خلفهم….” [14]. لا بل, إن النبي r لم يمنع إنشاد الشعر في المسجد. يقول الزبيدي:” بينما حسان بن ثابت ينشد الشــعر في مسجد رسول اللهr  , فجاء عمر, فقال يا حسان, تنشد الشـعر في مسجد رسول اللهr  ! فقال: أنشدتُ فيه, وفيه من هو خير منك”[15].ويدعم ذلك ما رواه ابن عبد ربه (ت 328هـ):”دخل كعب بن زهير على النبيr  قبل صلاة الصبح, فمثل بين يديه وأنشده “بانت سعاد “… فكساه(النبي r ) برداً” [16].

وفي العهد الأموي, حافظت المساجد على دَوْرِها في التعليم في مختلف الأمصار يتعلّم فيها الطلاب الدينَ, واللغة, والأدب. ففي الفقه كان سعيد بن المسيّب (ت92أو94هـ),وزين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب( ت 94هـ) يُدّرسان في مساجد الكوفة, وعطاء بن أبي رباح (ت133هـ) في مكة, والحسن البصري في البصرة, وإبراهيم النخعي( ت95أو 96هـ) في الشام[17], وغيرهم .

وفي الأدب, كان الشعراء ينشدون الشعر في المسجد, ويتناظرون فيه, وينقدوه, فقد” اجتمع الكميت بن زيد وحماد الراوية في مسجد الكوفة, فتذاكرا أشعار العرب وأيامها, فخالفه حماد في شيء ونازعه, فقال له الكميت: أتظن أنك أعلم مني بأيام العرب وأشعارها؟ قال: وما هو إلا الظن! والله هو اليقين, فغضب الكميت…. ثم أخذ يُسائِلُ حماداً في الشعر والشعراء في خبرٍ يطول ذكره[18].

ومع كثرة العلوم وتنوعها في العصر العباسي, كثرت حلقات العلم في المساجد, وتنوعت, فتجد في المسجد الواحد حلقةً في الفقه, وثانيةً في اللغة, وثالثةً في النحو, وأخرى في الكلام. وفي خبر القاضي الأنباري (ت 317هـ)[19] وأخيه البهلول(ت 298هـ)[20],وهما يدوران على الحَلَق يوم الجمعة[21], ما يبيَّنُ انتشار الحلقات في المساجد وتنوعها .

وكان العلماء, وأصحاب المذاهب يفيدون من الطابع العلمي في المساجد لدعم آرائهم في مذاهبهم, ونشرها, على نحو ما كان يفعل أنصار المعتزلة, فقد” مرّ أبو عمرو بن العلاء بعمرو بن عُبيد, وهو يتكلم في الوعد والوعيد ويثبته, فقال له أبو عمرو: ويلك يا عمرو! إنك ألْكَن الفهم, ألم تسمع إلى قول القائل[22] :

وَ إِني وَإِن أَوعَدتُهُ أَو وَعَدتُهُ     لمخلفُ إِيعادي وَمنجز مَوْعِدي

إنما أراد أن الله تبارك وتعالى قد وعد وأوعد, وهو قادر على أن يعفو عمن أوعده, وقادر أن يُنجز لمن وعده” [23].

وهكذا, كانت المساجد من أهم دُوْرِ العلم في المجتمع الإسلامي, فقد أسهمت إسهاماً كبيراً في نشاط الحركة العلمية في العصر العباسي, فمنها كان العلم يؤخذ, وفيها كانت المناظرات تُعقَدُ.

إلى جانب التعليم في الكتاتيب والمساجد, كان التعليم الخاص. وهو أن يقوم المؤدب بتربية أولاد الطبقة الخاصة وتعليمهم, مثل أولاد الخلفاء, والوزراء, والأمراء, وغيرهم. ومن المؤدبين نذكر: شرقي بن القُطامي[24], وقد” أقدمه أبو جعفر المنصور ليعلّم ولده المـهدي الأدب “[25]. وعلّم المهدي المفضلُ الضبي (ت 168هـ), وله جمع المفضـليات.” وكان الكسائي (ت 189هـ) يعلّم الرشيدَ والأمينَ من بعده “ [26]. وعلّمَ الأمين كذلك علي بن مبارك الأحمر( ت 206أو 207هـ) “وكان مشهوراً بالنحو واتساع الحفظ “[27]. وكان أبو محمد يحيى اليزيدي (ت 202هـ) مؤدباً للمأمون [28]. كما طلب منه يزيد بن المنصور خال المهدي أن يؤدب ولده ولصحبته يزيد لُقِّبَ باليزيدي [29]. ومنهم الفراء(ت 207هـ) “وكان المأمون قد وكل الفراء أن يُلقَن ابنيه النحو”[30].وقـد أعـطاه عشرة آلاف درهم على حسن تأديبه لولديه [31]. وكذلك ابن السكيت( ت 245هـ) كان مؤدباً لولد المتوكل( 207- 247هـ)[32]. وغيرهم من المؤدبين. وكان بعض من ينتمي إلى الطبقة الوسطى يُفضل أن يُشرَف على تعليم أولاده معلّمٌ خاص .يقول الجاحظ في الصفات التي يبحث عنها أهل هذه الطبقة في المعلّم: ” يكون الرجل نحوياً عروضيّاً, وقَسَّاساً فَرضيّاً, وحسن الكتاب, جيد الحساب, حافظاً للقرآن, راوية للشعر, وهو يرضى أن يعلّم أولادنا بستين درهماً” [33].

كان للمؤدبين دورهم البارز في نشر التعليم إلى جانب الكتاتيب والمساجد, وخصوصاً أن أغليهم كان رجل زمانه في العلم والمعرفة .

ثانياً: المناظرات:

انتشرت المناظرات في هذا العصر وكثرت, وأقبل عليها العلماء في الدور, والقصور, والمساجد, فتناظروا في الدين, والفقه, وفي النحو واللغة, وفي الأدب. وقد ساعد على ذيوع فن المناظرة وانتشاره عوامل عدة أهمها:

  • عامل ديني:

كان الاختلاف والتنوع الديني في المجتمع العباسي عاملاً مهماً من جملة عوامل انتشار المناظرات وتطورها. إذ انتشرت فيه الديانات السماوية الثلاث, وعاش فيه زنادقة وملحدون.

وكثرت الفرق الإسلامية, وظهرت المذاهب الفقهية, ومدارس الحديث, وعلم الأصول, وعلم الكلام, والصوفية, والمعتزلة, والأشاعرة, وغيرهم. ما أفضى إلى نشوء خلاف بين أصحاب الديانات السماوية تارةً, وتارةً بين الفرق الإسلامية, وتارةً أخرى بين أنصار المذاهب الفقهية الأربعة فيما بينها. فضلاً عن الخلاف بين رجال الفرق الكلامية فيما بينهم. كل ذلك , أِسهم في خلق حافزٍ للحوار والجدل لدى علماء كل فريق, فوجدوا في المناظرات ضالتهم لإرضاء شغفهم في الدفاع عما يؤمنون به, وتفنيد آراء خصومهم ودحضها. وكان نتيجة ذلك أن اشتعلت نار المناظرات واتقدت, فكثرت وانتشرت. يحكي لنا السبكي (ت771هـ) في كتابه( طبقات الشافعية الكبرى) عدداً من هذه المناظرات, كالمناظرة التي جرت بين الشافعي(ت 204هـ),وأحمد بن حنبل( ت241هـ) في تارك الصلاة[34],والمناظرة التي عُقدت بين الشافعي واسحق بن راهويه ( ت 238هـ)[35] في مسألة طهور الجلد المدبوغ, هل هو طاهر أم لا ؟ فقد ذهب الشافعي إلى أنه طاهرٌ , وخالفه ابن راهويه . وكلاهما دعم رأيه بأحاديث عن النبي r, وغير ذلك من المناظرات.

  • عامل لغوي-نحوي:

كان لاختلاف مدرستي البصرة والكوفة في النحو أثره في نشاط فن المناظرة وتطوره. يقول أحمد أمين:” أنشأ الرؤاسي مدرسة الكوفة في النحو… وبدأت من ذلك الحين مدرسة الكوفة تناظر مدرسة البصرة. بدأ الخلاف هادئاً بين الرؤاسي في الكوفة والخليل في البصرة, ثم اشتد بين الكسائي في الكوفة وسيبويه في البصرة, وصار لكل مدرسة علم تنحاز إليه كل فرقة”[36]. وكانت المناظرات التي جمعت الطرفين كثيرة, متنوعة, شملت معظم أصول علم النحو وفروعه. ولعل مناظرة المسألة الزنبوريّة التي وقعت بـين الكسائي وسيبويه, تعدُّ من أبرز مناظرات المدرستين, وقد اختلفا في قولهم:” كنت أظنُ العقرب أشدُّ لسعَة من الزنبور فإذا (هو هي) أو (هو إياها)؟ “[37] ولم يجز سيبويه إلا (فإذا هو هي) في حين أجاز الكسائي الوجهين. ومن المناظرات كذلك, نذكر المناظرة التي كانت بين أبي عمر الجرمي( ت 225هـ) والفراء في عامل رفع المبتدأ[38].” وكان أبو عمر الجرمي يُلقب بالبناج لكثرة مناظراته في النحو, ورفع صوته فيها, فإن البناج هو الرفيع الصوت” [39]. إلى غير ذلك من المناظرات التي تبيّن دور اختلاف مدرستي البصرة والكوفة, في كثرة المناظرات وشيوعها, حتى صارت مجالسها ندواتٍ يتجادل فيها أعلام المدرستين, مدفوعين بحماسٍ لا نظير له, وعصبيّةٍ لا حدّ لها من تعصب كل فريق لمذهبه.

3-عامل اجتماعي:

تنوّعت الأجناس العرقيّة في العصر العباسي واختلفت, إذ عاش العربي, والفارسي, والهندي, واليوناني, جنباً إلى جنب في حاضرة الدولة العباسية. هذا التنوع العرقي في البنيّة الاجتماعية, مهد لصراعٍ فكريٍّ, وقوميٍّ أخذ طابعاً عصبياً, ولاسيما بين العربي والفارسي. وتعدُّ المناظرات التي كانت بين الشعوبيين وخصومهم نوعاً من أنواع هذا الصراع. حكى الصولي( ت 335هـ) في ( أدب الكتّاب):” ناظر فارسي عربياً بين يدي يحيى بن خالد البرمكي فقال الفارسي: ما احتجنا إليكم قط في عمل وتسميّة, ولقد ملكتم فما استغنيتم عنا في أعمالكم ولا لغتكم, حـتى إن طبيخكم, وأشربتكم, ودواوينكم, ومــا فيها على ما سميّنا, ما غيرتموه كالإسفيداج, والسكباج, والدوغباج, وأمثاله كثيرة وكالسكنجبين, والخلنجبين, والجلاب, وأمثالها كثيرة, وكالروزنامج, والاسكدار, والفروانك, وإن كان رومياً ومثله كثير, فسكت عنه العربي. فقال لـه يحيى بن خالد: قل له : اصبر لنا نملك كما ملكتم ألف سنة بعد ألف سنة كانت قبلها لا نحتاج إليكم, ولا إلى شيء كان لكم “[40].

وما كان لفن المناظرة أن يزدهر وينتشر في العصر العباسي لولا العقليّة العربية التي تميّزت بالحرية, وسعة الأفق, واستيعاب الآراء والثقافات. إذ كانت كلُّ المسائل والقضايا قابلةً للنقاش والجدل, بما فيها مسائل الكفر والإيمان. يخبرنا عبد العزيز المكي الكناني المتكلّم[41]:”اجتمعت أنا وبشر المريسي عند المأمون, فقال لي بشر: قد اجتمعنا على نفي التشبيه, وردِّ الأحاديث الكاذبة عن رسول الله r ,فتكلموا في الكفر والإيمان”[42]. وحتى آراء الزنادقة كانت موضع جدلٍ, ونقاش, فقد حاور المأمون زنديقاً, وناظره في (الندم على الإساءة)”[43]مستخدماً أسلوباً منطقياً في مناظرته.

وكان لاهتمام الخلفاء بالعلم والعلماء أثره الكبير في نشاط فن المناظرات وازدهارها, فكانت مجالسهم, وندواتهم, ومسامراتهم فسحةً للجدل والتناظر. وقد حَفَزَت هذه المجالس العلماء على البحث والدرس طمعاً ورغبةً في التقرّب من أهل السلطة, وأذكت روح المناظرة وغذّتها. يقول المسعودي(ت 346هـ):” قرَّب (المأمون) إليه كثيراً من الجدليين والمناظرين كأبي الهذيل (العلَّاف) وأبي اسحق إبراهيم بن سَيَّار النظام, وغيرهم ممن وافقهم وخالفهم, وألزم مجالسه الفقهاء, وأهل المعرفة من الأدباء, وأقدمهم من الأمصار, وأجرى عليهم الأرزاق فرغب الناس في صنعة المناظرة, وتعلّموا البحث والجـدل, ووضـع كل فريق منـهم كتباً  ينصر فيها  مذهبه, ويؤيد بها قوله”[44].

لقد أسهمت المناظرات إسهاماً كبيراً في تطور الحركة العلمية ورقيها, لتوفر الحرية وأسلوب الحوار فيها, فكان كلُّ طرفٍ يدلو بدلوه, ويعرض حججه, ويفند زعمَ خصمِهِ, لا يخشى في الحق- الذي يراه هو- لومة لائم, مما أدى إلى انتشار المناظرات على نطاقٍ واسعٍ في العصر العباسي. وقد بلغ شأن هذه المناظرات, أنها لم تُعقَد من أجل أن يغلب فريقٌ ما فريقاً آخر, أو من أجل تأييد مذهبٍ ودحضِّ آخر, بل كانت وسيلةً تعليميّةً, غايتها الوصول إلى العلم والفائدة.” فقد يُناظِرُ المرء على ما لا يراه, إشارةً للفائدة, وإبرازاً لها, وتعليماً للجدل”[45].

خاتمة:

واستناداً إلى ما سبق, نجد أن انتشار دور العلم في العصر العباسي, وكثرة المناظرات التي عُقدت بين العلماء, وتشجيع الخلفاء للعلم والعلماء أفضى إلى تطور الحركة العلمية وازدهارها في العصر العباسي.

 تجلّت مظاهر ازدهار الحركة العلمية في معظم العلوم والمعارف,ا إذ بدأت عملية جمع الحديث الشريف في منتصف القرن الثاني للهجرة على يد ابن جريح( ت 150هـ) في مكة, ومالك بن أنس( ت 179هـ) في المدينة, وحماد بن سَلَمة (ت 176هـ) في البصرة, وسفيان الثوري( ت 161هـ) في الكوفة, والأوزاعي( ت 156هـ) في الشام, وغيرهم.

وفي القرن الثالث للهجرة ألّف البخاري( ت 256هـ) صحيحه, وكذلك جمع مسلم ( ت261هـ) صحيحه, وألّف ابن ماجه( ت 273هـ) وأبو داود (ت 275هـ) سننهما[46]. وظهرت المذاهب الفقهية الأربعة, فكتب أنس بن مالك  الموطأ, والمدونة[47], ودُوِّنَ كتاب الأم للشافعي .

واشتغل اللغويون باللغة, وعملوا على جمعها من القرآن الكريم, والشعر العربي, وكلام العرب في باديتهم, وكتب أبو عبيدة النحوي( ت 209هـ) كتاب ( الخيل) في أسماء الخيل,  وصفاتها, وعيوبها. كذلك كتب الأصمعي(ت 216هـ) كتابَيْ ( النخل) و( الشاء) وغيرها.

وظهرت مدرستا البصرة والكوفة في النحو. وكان على رأس مدرسة البصرة عيسى بن عمر الثقفي (ت 149هـ), والفراهيدي, وسيبويه, ويونس بن حبيب وغيرهم. أما الكوفة فبرز فيها: مؤسسها الرؤاسي, والكسائي, والفراء, وغيرهم.

أما في الأدب, فقد دُّوِنَت في هذا العصر أبرز الكتب الأدبية, نذكر منها: البيان والتبيين للجاحظ, وأدب الكاتب والشعر والشعراء لابن قتيبة, والكامل للمبرد(ت 286هـ), والأغاني للأصفهاني( ت 356هـ), وغيرها من الكتب الأدبية.

كما دُّوِنت كتبٌ نقديّة منها: عيار الشعر لابن طباطبا( ت 332هـ), ونقد الشعر لقدامة بن جعفر( ت 337هـ), والوساطة بين المتنبي وخصومه للجرجاني( ت 392هـ) وغيرها.

المصادر والمراجع:

  • أدب الكتّاب: أبو بكر الصولي, نسخه وعني بتصحيحه وتعليق حواشيه: محمد بهجة الأثري, المكتبة العربية ببغداد, 1341هـ.
  • الأغاني : أبو الفرج الأصفهاني(ت356هـ) تصحيح: أحمد الشنقيطي, التزم طبعه: محمد ساسي المغربي, مطبعة التقدم, مصر, د.ت.
  • بغداد: أحمد بن طيفور(ت280هـ) صحح الكتاب وحققه: محمد زاهد بن الحسن الكوثري, عُني بنشره: عزت العطار الحسيني, 1949, د.م.
  • البيان والتبيين : الجاحظ(ت255هـ) تح: إبراهيم شمس الدين, مؤسسة الأعلمي, بيروت- لبنان, ط1, 2003.
  • تاريخ الإسلام : الذهبي , شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان( 748هـ) تح: عمر عبد السلام تدمري, دار الكتاب العربي, 1986.
  • تاريخ بغداد: الخطيب البغدادي( ت 463هـ) تح: بشار عواد معروف, دار الغرب الإسلامي, ط1, 2001.
  • الحيوان : الجاحظ(ت 255هـ) تح: عبد السلام هارون, مكتبة مصطفى البابي الحلبي, مصر, ط2, 1965..
  • صحيح البخاري : محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي ( ت 256هـ) ضبطه ورقمه ووضع فهارسه : مصطفى ديب البغا, دار العلوم الإنسانية , دمشق, ط2, 1993.
  • ضحى الإسلام أحمد أمين, مكتبة النهضة المصرية, القاهرة, ط7, د.ت.
  • طبقات الشافعية الكبرى: أبو نصر السبكي( ت 771هـ) تح: عبد الفتاح محمد الحلو ومحمود محمد الطناجي, دار إحياء الكتب العربية, د.ت.
  • طبقات الصوفية :محمد بن حسين السلمي ( ت 412هـ )  تح: نور الدين شريبة , ط1, جماعة الأزهر للنشر والتأليف, 1953.
  • طبقات النحويين واللغويين: أبو بكر الزبيدي, تح: محمد أبو الفضل إبراهيم, دار المعارف, مصر, ط2, د.ت.
  • مروج الذهب ومعادن الجوهر: المسعودي ( ت346هـ) اعتنى به وراجعه: كمال حسن مرعي, المكتبة العصرية, بيروت, ط1, 2005.
  • المعارف: ابن قتيبة, تح: ثروت عكاشة, دار المعارف, القاهرة, ط4, 1969.
  • نزهة الألباء في طبقات الأدباء: أبو البركات الأنباري( ت 577هـ) تح: إبراهيم السامرائي, مكتبة المنار, الزرقاء ,الأردن, ط3, 1985.
  • النظرية التربوية الإسلامية: ماجد عرسان الكيلاني, دار ابن كثير, دمشق, بيروت, ط2, 1985.

 

 

[1] هو  الوزير أبو علي الطوسي , الملقب نظام الملك قوام الدين, كان وزيراً للسلاجقة من سنة 456إلى سنة 485 هــ, ينظر ترجمته: تاريخ الإسلام : الذهبي , شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان( 748هـ) تح: عمر عبد السلام تدمري, دار الكتاب العربي, 1986, 33 /142.

[2] تاريخ الإسلام :  33 / 146

[3] النظرية التربوية الإسلامية: ماجد عرسان الكيلاني, دار ابن كثير, دمشق, بيروت, ط2,1985,ص 94.

[4] المصدر نفسه: ص 94.

[5]تجد تلخيصاً لأفكاره في التربية والتعليم في: النظرية التربوية الإسلامية, ص113-114.

[6] نشأ في قابس في تونس, ينظر أفكاره التربوية والتعليمية في : النظرية التربوية الإسلامية, ص 115-116

[7] حاول المحاسبي  في أفكاره وآرائه التوفيق بين المعتزلة ومذهب أحمد بن حنبل فيما يتعلق بتأويل النصوص القرآنية .ينظر: النظرية التربوية الإسلامية, ص120.وطبقات الصوفية :محمد بن حسين السلمي  ( ت 412هـ )  تح: نور الدين شريبة , ط1, جماعة الأزهر للنشر والتأليف, 1953, ص 65.

[8] النظرية التربوية الإسلامية: ص 125.

[9] المصدر نفسه : ص 112.

[10] المعارف: ابن قتيبة, تح: ثروت عكاشة, دار المعارف, القاهرة, ط4, 1969, ص 549.

[11] المصدر نفسه : ص 547.

[12] النظرية التربوية الإسلامية : ص 119- 120.

[13] البيان والتبيين : الجاحظ(ت255هـ) تح: إبراهيم شمس الدين, مؤسسة الأعلمي, بيروت- لبنان, ط1, 2003, 1/ 217. والمعارف: ص 186.

[14] صحيح البخاري : محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي ( ت 256هـ) ضبطه ورقمه ووضع فهارسه : مصطفى ديب البغا, دار العلوم الإنسانية , دمشق, ط2, 1993, باب العلم, ص 35-36.

[15] طبقات النحويين واللغويين: أبو بكر الزبيدي, تح: محمد أبو الفضل إبراهيم,  دار المعارف, مصر, ط2, د.ت, ص 15- 16.

[16] العقد الفريد : ابن عبد ربه( ت 328هـ) تح: مفيد محمد قميحة , دار الكتب العلمية , بيروت, لبنان, ط1, 1983, 6 /138- 139.

[17] النظرية التربوية الإسلامية : ص 69.

[18] الأغاني : أبو الفرج الأصفهاني(ت356هـ) تصحيح: أحمد الشنقيطي, التزم طبعه: محمد ساسي المغربي, مطبعة التقدم, مصر, د.ت. 15 / 109.

[19] أحمد بن اسحق بن البهلول بن حسان بن سنان التنوخي, من أهل الأنبار, ذكره الخطيب في تاريخه وقال عنه : ” عظيم القدر, واسع الأدب, تام المروءة, حسن الفصاحة, حسن المعرفة بمذهب أهل العراق” ينظر: تاريخ بغداد: الخطيب البغدادي ( ت 463هـ) تح: بشار عواد معروف, دار الغرب الإسلامي, ط1, 2001, 5/53.

[20] سمع إسماعيل بن أبي أوس , وإبراهيم بن حمزة’, ومصعب بن عبد الله الزبيريين, وروى عنه أخوه أحمد, ينظر: تاريخ بغداد: 7 / 605.

[21] طبقات النحويين واللغويين: ص 138.

[22] هو عامر بن طفيل. ينظر: طبقات النحويين واللغويين, ص 39.

[23] طبقات النحويين واللغويين: ص 39- 40.

[24] اسمه الوليد بن حُصين. ينظر: تاريخ بغداد: 10/382.

[25] نزهة الألباء في طبقات الأدباء: أبو البركات الأنباري( ت 577هـ) تح: إبراهيم السامرائي, مكتبة المنار, الزرقاء ,الأردن, ط3, 1985, ص 38.

[26] نزهة الألباء في طبقات الأدباء: ص 61.

[27] المصدر نفسه: ص80.

[28] المصدر نفسه: ص 69.

[29] المصدر نفسه: ص 69.

[30] نزهة الألباء في طبقات الأدباء: ص82.

[31] المصدر نفسه: ص 83

[32] المصدر نفسه: ص 138

[33] البيان والتبيين : 1 / 322.

[34] تجد المناظرة في طبقات الشافعية الكبرى: أبو نصر السبكي( ت 771هـ) تح: عبد الفتاح محمد الحلو ومحمود محمد الطناجي, دار إحياء الكتب العربية, د.ت, 2/61.

[35] إسحق بن إبراهيم بن مَخلد بن إبراهيم, أبو يعقوب المروزي المعروف بابن راهويه, اجتمع له الحديث والفقه ,والحفظ والصدق, والورع والزهد. ينظر: تاريخ بغداد: 7/362.

[36] ضحى الإسلام: أحمد أمين, مكتبة النهضة المصرية, القاهرة, ط7, د.ت. 2 / 294.

[37] طبقات النحويين واللغويين: ص 68.

[38] تجد المناظرة في نزهة الألباء: ص 116.

[39] نزهة الألباء : ص 117.

[40] أدب الكتّاب: أبو بكر الصولي, نسخه وعني بتصحيحه وتعليق حواشيه: محمد بهجة الأثري, المكتبة العربية ببغداد, 1341هـ, ص 193.

[41] كان من أصحاب الشافعي, توفي بحدود سنة 240هـ, ينظر: بغداد: ابن طيفور, أحمد بن طيفور(ت280هـ) صحح الكتاب وحققه:محمد زاهد بن الحسن الكوثري, عُني بنشره: عزت العطار الحسيني, 1949, د.م.ص 47.

[42] المصدر نفسه: ص47.

[43] الحيوان : الجاحظ(ت 255هـ) تح: عبد السلام هارون, مكتبة مصطفى البابي الحلبي, مصر, ط2, 1965 4 /442-443.

[44] مروج الذهب ومعادن الجوهر: المسعودي ( ت346هـ) اعتنى به وراجعه: كمال حسن مرعي, المكتبة العصرية, بيروت, ط1,2005,4/253.

[45] طبقات الشافعية الكبرى: 2/159.

[46] طبقات الشافعية الكبرى: 2/107-109-110.

[47] مجموعة رسائل تبلغ نحو ستة وثلاثين ألف مسألة, جمعها أسد بن الفرات النيسابوري الأصل, التونسي الدار, ينظر: ضحى الإسلام: 2/215.

Continue Reading

Previous: سيمياء العنوان؛ البنيات والوظائف، مجموعة “هزائم صغيرة” لنادية الأزمي أنموذجا
Next: مسيرة الرواية البوليسية في الجزائر The path of detective novel in Algeria

مقالات في نفس التصنيف

رؤيا الوجود قراءة في قصيدة أيام الصقر لأدونيس
1 min read

رؤيا الوجود قراءة في قصيدة أيام الصقر لأدونيس

2025-07-09
صراع الذات والهوية: تحليل شخصيات رواية «سبايا سنجار» لسليم بركات في ضوء نظرية كارن هورناي
1 min read

صراع الذات والهوية: تحليل شخصيات رواية «سبايا سنجار» لسليم بركات في ضوء نظرية كارن هورناي

2025-07-08
من القضايا الفلسفية واللّغوية عند المهدي بن تومرت: كتاب أعز ما يطلب أنموذجا
2 min read

من القضايا الفلسفية واللّغوية عند المهدي بن تومرت: كتاب أعز ما يطلب أنموذجا

2025-07-07

  • JiL Center on UNSCIN
  • JiL Center Journals
  • JiL Center on Research Gate
  • JiL Center on Youtube
  • JiL Center on Find Glocal
  • Follow us on Facebook

    Visitors

    Today Today 123
    Yesterday Yesterday 1,084
    This Week This Week 3,089
    This Month This Month 8,104
    All Days All Days 20,537,614
     

    تصنيفات

    الأرشيف

    من الأرشيف

    • مؤتمر  حقوق الإنسان في ظل التغيرات العربية الراهنة | أبريل 2013
      مؤتمر حقوق الإنسان في ظل التغيرات العربية الراهنة | أبريل 201317/01/20140admin

      نظم  مركز جيل البحث العلمي بالتعاون  مع كلية القانون بجامعة   بسكرة  وورقلة الجزائر مؤتمرا ...

    • مؤتمر الحق في بيئة سليمة | ديسمبر 2013
      مؤتمر الحق في بيئة سليمة | ديسمبر 201322/01/20140admin

      ...

    • مؤتمر العولمة ومناهج البحث العلمي | أبريل 2014
      مؤتمر العولمة ومناهج البحث العلمي | أبريل 201403/05/20140admin

      تحت رعاية وزارة العدل اللبنانية وبحضور ممثلين عن مديرية قوى الأمن الداخلي اللبناني وسماحة مفتي ...

    JiL Scientific Research Center @ Algiers / Dealing Center Of Gué de Constantine, Bloc 16 | Copyright © All rights reserved | MoreNews by AF themes.

    Cancel