
التخريج العروضي لتجربة محمد الصالح باوية الشعرية – قصيدة :”ساعة الصفر” أنموذجا.
The Rhythmic Consecration of Muhammad Al-Saleh Bawiya’s Poetic Experience – Poem: The Zero Hour as a Model.
الأستاذ : الدكتور عبد القادر رحماني – قسم علوم اللسان – جامعة الجزائر2
RAHMANI ABDELKADER – UNIVERSITY ALGERIES 2 – LINGUISTICS DEPARTMENT
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 64 الصفحة 91.
الملخص:تهدف هذه الدراسة العلمية إلى الكشف عن ملابسات ميلاد القصيدة الحرة في الجزائر، و ارتباطها بالثورة الجزائرية المظفرة، و تخص بالذكر تجربة محمد الصالح باوية من خلال قصيدة : ساعة الصفر من ديوانه : أغنيات نضالية، حيث تبرز سماتها العروضية باعتبارها خروجا عن عروض القصيدة العمودية، مركزة على سمات الوزن الشعري و المقاطع الصوتية و بعض الظواهر العروضية مثل : الانزياحات الزحافية و التدوير، و مدى فاعليتها في تنشيط و تلوين حركية الإيقاع.
الكلمات المفتاحية : العروض ، الشعر الحر ، المقاطع الصوتية ، الزحافات ،التدوير، السطر الشعري، التفعيلة.
Abstract :
The present scientific study aims to reveal the circumstances of the birth of the free poem in Algeria, and its link with the glorious Algerian revolution, and evokes specifically the experience of Muhammad Al-Saleh Bawiya through the poem: The zero hour in terms of his poetic reception: Songs of battles , where his per formative traits emerge as a departure from the performances of the traditional poem, focusing on poetic weight traits, phonemic syllables and certain symptomatic phenomena such as: creeping displacements prosodic, and rotation, indicating their effectiveness in activating and coloring the rhythmic movement of free poetry.
Keywords: prosodies, free verse, syllables, rocking, rotation, stylization, poetic foot.
مقدمة:يندرج موضوع بحثنا الموسوم ب”التخريج العروضي لتجربة محمد الصالح باوية الشعرية – قصيدة ساعة الصفر أنموذجا” ضمن الدراسات العروضية و الإيقاعية و التي تكشف عن خصائص التشكيل العروضي في المنجز الشعري الحر ،باعتباره خرقا مستمرا لهندسة القصيدة العربية التراثية، حيث نحاول الكشف عن الآليات العروضية و الإيقاعية في قصيدة “ساعة الصفر”لمحمد الصالح باوية من ديوانه “أغنيات نضالية”.
يعد محمد الصالح باوية من رواد القصيدة الحرة في الجزائر قبيل الاستقلال، و تعد قصيدة “ساعة الصفر” من أجمل القصائد الشعرية الحرة التي ضمّها ديوانه الشعري الوحيد “أغنيات نضالية”، فقد اعتبرها الباحث الجزائري عبد المالك مرتاض في كتابه :أدب المقاومة الوطنية في الجزائر، “أنشودة نوفمبرية” و لعل هذا البحث يتناول بالتحليل و النقد، التشكيل العروضي، متخذا من هذه القصيدة الشعرية حقلا تطبيقيا، و لأجل بلوغ هذه الأهداف، كان علينا أن ننطلق من إشكاليات بحثية هي: ما هي عناصر التشكيل العروضي في المنجز الشعري عند محمد الصالح باوية من خلال قصيدة “ساعة الصفر”؟،و كيف ساهمت هذه العناصر مجتمعة في تفعيل حركية الإيقاع و توليد الدلالات و مباغتة المتلقي؟
إنّ الدراسات التي تناولت المنجز الشعري عند باوية من الناحية العروضية بالتحليل و النقد ،شحيحة جدا،و رغم ذلك كانت هذه الدراسات خير معين لنا في سبيل المضي قدما في انجاز هذا البحث:
- شلتاغ عبود شرّاد، حركة الشعر الحر في الجزائر 1985
- محمد ناصر، الشعر الجزائري الحديث، اتجاهاته و خصائصه الفنية،2006
- عبد المالك مرتاض، أدب المقاومة الوطنية في الجزائر،2009
- صلاح الدين باوية، محمد الصالح باوية، الشاعر الطبيب، و المجاهد الشهيد،2019
اعتمدنا في تحرير هذا البحث العلمي على المنهج الوصفي التحليلي، المدعم بالمنهج الإحصائي، الواضح من خلال الجداول التي أحصينا من خلالها عدد المقاطع الشعرية والتفعيلات والسطور والزحافات والتدوير، فكانت الدراسة ذات طابع تحليلي نقدي، إذْ قسمنا بحثنا إلى العناصر التالية: مقدمة ،تمهيد ( تقديم الشاعر، أعماله الأدبية، تقديم ديوان أغنيات نضالية، تقديم المدونة)،التخريج العروضي لقصيدة “ساعة الصفر”( هندسة الوزن الشعري وفضاء النص، المقاطع الصوتية، التدوير العروضي بين التماسك النصي و الفاعلية الإيقاعية، خاتمة، قائمة المصادر و المراجع ).
1-تمهيد
أولا : تقديم الشاعر :هو محمد الصالح باوية بن مسعود بن بلقاسم بن أحمد، و أمه كلثوم بنت صادق حوحو من مدينة بسكرة[1]،من مواليد 1930 بالمغير بمنطقة وادي ريغ ولاية الوادي بالجنوب الشرقي الجزائري[2]،” وبعد حفظ القرآن و الدراسة الابتدائية في مسقط رأسه توجه إلى معهد بن باديس بقسنطينة حيث حصل على الشهادة الأهلية 1952″[3]، و صار بفضلها معلما لمدة سنة في مدرسة المغير، بمسقط رأسه[4]،و يصرح أبو القاسم سعد الله أنه انتقل للدراسة في جامع الزيتونة ثم شد الرحال في بعثة جمعية العلماء المسلمين إلى الدراسة في الكويت لمدة أربع سنوات متحصلا على الثانوية في العلوم 1957[5]، و تستمر رحلة محمد الصالح باوية نشاطا و سعيا علميا حثيثا، حيث التحق بكلية العلوم بدمشق 1958،”و بعد حصوله على الليسانس ذهب للدراسة في يوغسلافيا حيث التحق بجامعة بلغراد و درس الطب و حصل على الدكتوراه 1968″[6]،و قد عُرف هذا فتى اليافع باندفاعه نحو النهل و الغرف من العلم، و لا أدل على ذلك من أنّه” اتجه إلى دراسة الجراحة بجامعة الجزائر،إلى أن تحصل على شهادة جراح مختص في تقويم العظام و تجبيرها سنة 1979″[7].
عرف أنه” كان مثقفا ضليعا، يتقن عدة لغات: العربية و الفرنسية و الصلوفينية، اليوغسلافية”[8]،كما عرف أنه كان:” دمث الأخلاق متواضعا أديبا بالطبع إنساني المشاعر جميل الدعابة، و كان الدكتور العيد دود من أصدقائه، فإذا اجتمعا فالسمر معهما يتشعب و يحلو”[9]،أما من حيث شخصيته فكانت ” قوية، تتميز بالطموح الكبير، و الإرادة الصلبة، و الرزانة، و الثبات”[10].
أما من حيث نشاطه العلمي و الثقافي فإنه” كان خلال مراحل دراسته المختلفة عضوا نشيطا حيث نشط ضمن الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، بإشراف جبهة التحرير الوطني، مناضلا بالكلمة الشعرية والموقف الوطني، و كانت له العديد من المشاركات في عدة ندوات و ملتقيات وطنية و عربية و دولية، كما أنه كان عضوا في اتحاد الكتاب الجزائريين”[11].
ثانيا :أعماله الأدبية
تشير جل الدراسات إلى أن محمد الصالح باوية أنتج ديوانا شعريا واحدا عنونه بعنوان معبر و مثير: (أغنيات نضالية) و هذه بعض الشهادات في ذلك، قال أبو القاسم سعد الله:” لباوية ديوان شعر كما قلنا، و أذكر أنه قصدني مع الأستاذ عبد الرزاق قسوم، لكتابة المقدمة لديوانه – أغنيات نضالية- فاعتذرت له لأسباب، فكان من حسن حظه أن قدمه له الدكتور محمود الربيعي الناقد المصري المعروف”[12]، كما صرح ابن عمه صلاح الدين:” ترك لنا الشاعر محمد الصالح باوية ديوانا شعريا وحيدا، عنونه ب : أغنيات نضالية، طبع الشركة الوطنية للنشر و التوزيع1971[13].
ورغم توقف محمد الصالح باوية عن قرض الشعر في المرحلة الموالية وذلك لتفرغه لممارسة الجراحة، واصل حضوره بالمشهد الثقافي من خلال المشاركة في الندوات و الملتقيات الأدبية[14]،و يرجح صلاح الدين باوية أن لشاعرنا قصائد شعرية أخرى، لم نفلح في التحصل عليها”و ما يؤكد هذا الظن وجود مقطع شعري في غاية التطور الفني بخط يد الشاعر منشور بمعجم البابطين للشعراء العرب، لم نطلع عليه من قبل، و حصولنا أيضا على قصيدة مجهولة له معنونة: أصوات من الداخل، نشرها في مجلة المجاهد الأسبوعي العدد 17 سنة 1971″[15].
أطلق على الراحل الشاعر الفذ و الطبيب العبقري، بالشهيد الذي لا قبر له، و ذلك لأنه “عاش محنة الجزائر في التسعينات من القرن الماضي، فاختطف و لم يعرف مصيره”[16].
أما بخصوص حادثة اختطافه فهناك روايات أشهرها أنه اختطف في 07 أبريل 1996،نقلا عن صديقه عبد الله عثامنية: ” كان قد حضر لديه زوار في عتمة الليل، مصحوبين بجريح يشكو، ربما كسور في العظام، فلما اطلع على وضعية الجريح صرح أن العطب ليس بسيطا، و أنه يستوجب حمله إلى المستشفى….فإن مجموعة من المسلحين قد حضروا بعد بضعة أيام، أي يوم أو ليلة 07 أبريل 1996، و أخرجوا المرحوم من منزله، ثم فتشوا العيادة و أخذوا ما كان موجودا فيها من مواد و تجهيزات و أدوية”[17].
مهما يكن من أمر، فإن هذه النهاية الغامضة الحزينة ، قد عجلت برحيل موهبة شعرية فذة، كان بإمكانها المساهمة في تطوير القصيدة الحرة في الجزائر، كما أنها أثارت تساؤلات عدد من المثقفين، و منهم محمد عبد القادر السائحي حيث قال :”هل هو من بين شهداء المأساة الوطنية فنقيم له ما يجب له و يستحقه عن جدارة بصفة الأديب الطبيب الشهيد؟ أم أنه من الأحياء فنرجو أن يعلن عن ذلك بنفسه دون خوف أو خشية أو وجل أو بواسطة من لديهم المعلومة الصادقة المؤكدة بالدليل و البرهان؟”[18].
ثالثا :تقديم ديوان أغنيات نضالية
يعد ديوان أغنيات نضالية الإبداع الفريد الوحيد للشاعر الجزائري الحديث محمد الصالح باوية، و الذي عبر من خلال محتوياته عن موقفه بحس مرهف من قضايا عصره، و لعل أكبر قضية فرضت نفسها هي قضية التحرر، التي تشبثت بها الشعوب التي رزحت تحت نير الطغاة في العصر الحديث، “فعنوان هذه المجموعة الشعرية يشير في وضوح إلى العالم الذي يشغل الشاعر، و يستوعب تجربته الفنية، و هو عالم لا يستطيع أي فنان مكترث أن يتجاهله، إنه الوطن…إنه التبشير بالحرية….إنه الوعي الكامل بمشكلات الماضي، و الحاضر والمستقبل، إنه الإحساس الذي يستغرق النفس بمعنى الثورة،و الأرض و الناس”[19].
و مفهوم الوطن في أغنيات نضالية يتسع ليتعدى الحدود الجغرافية، فهو الوطن الذي يستبسل في الدفاع عن أرضه، سواء في الجزائر أو في مصر أو في فلسطين، إنها الأغنيات و الأناشيد النضالية التي امتلأت بها الحناجر” و في هذا الإطار تتراوح قصائد المجموعة بين أقطاب متعددة، و لكنها جميعا تنجذب إلى محور أساسي هو ذلك الإحساس الحي بمعنى الوطن الذي أشرت إليه”[20].
أغنيات نضالية مجموعة شعرية ، لمحمد الصالح باوية “الذي لم ينشر طوال حياته إلا ديوانا وحيدا، ولقد أمسى هذا الديوان بيضة الديك بعد أن تأكد اختفاءه أيام الفتنة الكبرى بالجزائر في العقد الأخير من القرن العشرين، و مع هذا إنّا نعتقد أنّه من أكبر الشعراء الجزائريين المعاصرين في النصف الأخير من القرن العشرين[21]“. تضم (أغنيات نضالية) (12)قصيدة، من الشعر الجديد و الذي أطلقت عليه نازك الملائكة منذ 1947 بالشعر الحر من خلال- الكوليرا-[22]،و “الشعر المختلف الأوزان و القوافي”[23]،عند بدر شاكر السياب، من خلال قصيدة -هل كان حبا -،اللهم إلا استثنيا قصيدة “الشاعر و القمر”[24] و التي بنيت على نظام المقطوعات، كل مقطوعة بنيت على تنويع قافوي شبيه بشعر الموشحات، لكنها ضمن بحر واحد و هو مجزوء الرمل[25]، الذي استحوذ على سبع قصائد كاملة[26]،مما يجعل منه بحرا طلائعيا في تجربة محمد الصالح باوية الشعرية.
رابعا: تقديم المدونة: ( قصيدة : ساعة الصفر)
بعد اطلاعنا على ديوان أغنيات نضالية، عنَّ لنا أن نختار قصيدة ( ساعة الصفر)، أنموذجا لهذه الدراسة العروضية التطبيقية، والتي خلد فيها شاعرنا ليلة نوفمبر1954،الليلة الفاصلة بين السكون والرفض، بين العبودية و تحطيم القيود، واصفا مراحل و ملابسات ميلاد هذا الغضب المظفر في وجه العدو الفرنسي الغاشم، ف( ساعة الصفر):”أنشودة نوفمبرية عظيمة تتغنى في لحظة من الزمن ليست كأي لحظة من لحظاته البلهاء، فالزمن هنا يستحيل إلى لحظات واعية من التاريخ الفاعل”[27]،و أمكنة النص كثيرة أهمها جبال الأوراس التي “أضحت رمزا لكل جبال الجزائر، و عنوانا للنصر المرتقب، وقصة قلما تتكرر في وطن آخر، فهو خاصية جزائرية”[28]، يمكن اعتبار( ساعة الصفر) إذن:” من أجمل ما كتبه الشعراء الجزائريون عن هذه الليلة العظيمة التي كانت بمثابة البرزخ الفاصل بين زمن العبودية و الهوان، و زمن الحرية و الانعتاق”[29]،و قد استشعر باوية قيمة الليلة التي كتب عنها، إنها ليلة ميلاد الحقيقة، إنها ليلة ميلاد الجزائر، لذلك فكأن ” الشاعر تطلع إلى أن يكون مستوى شعره مماثلا لمكانة هذا الحدث السياسي الكبير الذي تناوله، و هو ميلاد الثورة الجزائرية العظيمة على حين غفلة من عين التاريخ الخامل، و على حين بغتة مما كان الدهر الناقم يتربص به للشعب الجزائري الذي مني في تاريخه بكل بلاء، و امتحن بكل شر و هوان”[30].
إن القصيدة مؤرخة في 1958،و رغم ذلك فإنها “لم يحظر عليها أن تحتفظ بنكهة الطراوة الزمنية، و بحرارة الشحنة الشعرية الدافقة، وكأن الشاعر قالها، فعلا، ليلة الحدث العظيم، ليلة نوفمبر، في ساعة الصفر”[31]، و لعل الشاعر انبهر بما أحدثته ليلة نوفمبر من تحولات جذرية في موازين القوى، و أزالت الغبار عن شعب ظنه المستعمر قد رضخ إلى الأبد، لذلك فقد أخذ كل وقته لفهم ما حدث أولا ثم ترجمته شعرا ثانيا، فكأن” الشاعر كان شاهد عيان لما حدث و كان متفاعلا معها و منفعلا بها، رغم مرور أربع سنوات عليها”[32].
و ( ساعة الصفر) من الشعر الجديد في الجزائر، و الذي يعد شاعرنا “من أكبر الذين أسسوا تأسيسا فنيا، في الحقيقة، للقصيدة الجديدة، بل لعله أن يكون أكبر شاعر في ذلك على الإطلاق ظهر قبل أعوام السبعين”[33]، وإن كانت بعض المصادر تشيد بقصيدة( طريقي) لأبي القاسم سعد الله من حيث ريادته الفعلية في تعاطي القصيدة الحرة في الجزائر[34]، وهي الأخرى تشيد بطريق الثورة المسلحة كحل جذري لقطع دابر المستعمر الفرنسي، و هذا ما يؤسس لفكرة نشاط الشعر الحر في الجزائر بنشاط الفكر و الفعل الثوري.
ساعة الصفر من أطول قصائد ديوان : أغنيات نضالية، فهي تمتد من الصفحة 49 إلى الصفحة54،برهن من خلالها محمد الصالح باوية عن عبقرية فذة في ترجمة الحدث التاريخي المتمثل في اندلاع الثورة الجزائرية المظفرة عام 1954،في قالب شعري جديد، يعتمد على نظام التفعيلة و السطر الشعري لا نظام البيت الشعري، مع تكثيف لغوي ملفت للانتباه، بعيدا عن اللغة التقريرية، حيث وزعها عبر سبعة مقاطع شعرية، قائمة على وحدة الوزن( مجزوء الرمل)،مختلفة في البناء القافوي، و في الكم السطري، يجمعها الحدث المتنامي من مقطوعة إلى أخرى و التفعيلة ( فاعلاتن)،إذْ نلخصها في هذا الجدول
رقم المقطع | عدد الأسطر | التفعيلة | الوزن الشعري |
المقطع الأول | 29 | فاعلاتن | مجزوء الرمل |
المقطع الثاني | 15 | فاعلاتن | مجزوء الرمل |
المقطع الثالث | 10 | فاعلاتن | مجزوء الرمل |
المقطع الرابع | 21 | فاعلاتن | مجزوء الرمل |
المقطع الخامس | 08 | فاعلاتن | مجزوء الرمل |
المقطع السادس | 18 | فاعلاتن | مجزوء الرمل |
المقطع السابع | 09 | فاعلاتن | مجزوء الرمل |
سبعة مقاطع شعرية | 110 سطرا شعريا | وحدة التفعيلة مع اف اختلاف التشكيلات | وحدة الوزن اختلاف الكم التفعيلي |
بدا محمد الصالح باوية مهندسا عبقريا من خلال بناء قصيدته في شكل هندسي، يعلو وينخفض كما وتعبيرا، و لعلك تلاحظ غزارة المقاطع الشعري الأول من حيث الكم السطري، و هذا راجع أنه مقطع استهلالي رصد فيه الشاعر اللحظات التي سبقت اندلاع الثورة، ثم لحظات اندلاعها، مبينا أنه قرار لا رجعة فيه، وأنه يشكل يقظة الإنسان الجزائري و ميلاد الحقيقة، و جاءت الحقيقة في النص الشعري معرفة ليس لدواعي إيقاعية كما قد يفهم و لكنها للدلالة على إدراك الشعب الجزائري للحقيقة التي من أجلها ثار، حيث قال في نهاية المقطع الشعري:
ساعة الصفر، انفجارات عميقة
يقظة الإنسان، ميلاد الحقيقة[35]
و الملاحظ في تجربة ( ساعة الصفر)أن الشاعر يتبنى قضية اندلاع الثورة من خلال الفرد الذي يأوي الجماعة حيث قال:
أنشديني، أنشديني، يا صديقه
هذه أرضي أنا…
أرض خرافي، يا أخي[36]
إلى أن يقول :
ها أنا ظل زنادي…
ظل آمالي، و أحشاء ملاحم
ها أنا أشرّع صدري[37]
فهذه الياء التي قد يبدو أنها تعود على الذات الابداعية، في الحقيقة ” ياء تتمخض في دلالتها الشعرية للشعب الجزائري كله، وخصوصا للثوار الذين أوقدوا للمقاومة الوطنية نارها، و أججوا لها أوارها، فالذات هنا تذوب في الجماعة”[38].
و يختتم باوية هذا الوصف الدقيق لتطورات الثورة الجزائرية المظفرة من خلال ليلة نوفمبر، بقوله:
ساعة الصفر انطلاقات مشاعر
يقظة الإنسان، ميلاد الجزائر[39]
إذن فالشاعر كان قد أدرك منذ 1958 سنة كتابة النص الشعري، أن ليلة نوفمبر 1954،هي وعي جماهيري و يقظة شعبية، أدت أولا إلى انفجارات عميقة، و تؤدي لاحقا إلى استقلال الجزائر( ميلاد الجزائر على حد تعبير الشاعر).
ليلة نوفمبر الخالدة ألهمت عددا غير قليل من الشعراء الجزائريين و العرب، إلا أن قصيدة ساعة الصفر لمحمد باوية “أجمل قصيدة قيلت في ليلة الفاتح نوفمبر حتى الآن، كما هي أحدث قصيدة و أجدها كتابة في نوعها أيضا”[40].
2- التخريج العروضي لقصيدة ساعة الصفر
أولا :هندسة الوزن الشعري و فضاء النص
في هذا العنصر الحيوي من مقالتنا، ندرس طبيعة الوزن الشعري الذي امتزج بتجربة “ساعة الصفر” الشعرية، كما أننا سنتتبع من خلال نماذج مقطعية منتقاة لظاهرة انتشار التفعيلات من خلال الأسطر الشعرية أو الأسطار الشعرية على حد تعبير عبد المالك مرتاض[41].
اختار الشاعر محمد الصالح باوية مجزوء الرمل لقصيدة ( ساعة الصفر)،و قد احتل هذا الوزن الشعري المرتبة الأولى في ديوان “أغنيات نضالية” حيث جاءت على منواله 07 قصائد شعرية من أصل (12 قصيدة) و هي نسبة طوفانية كما ترى.
بحر الرمل، بحر تراثي، يستعمل تاما و مجزوءا، يتكون من نواة تفعيلية واحدة ( فاعلاتن) تتكرر ست مرات بين الصدر والعجز، وتتكرر أربع مرات في المجزوء بين الصدر و العجز، له عروضان و ستة أضرب، زحافاته: الخبن والكف، و علله: الحذف و القصر والتسبيغ، و زحاف الخبن مستملح فيه و حسن[42]،و تعتقد السيدة نازك الملائكة أن البحور الصافية و التي نواتها التفعلية واحدة، هي الأكثر مناسبة لظاهرة الشعر الجديد أو الحر، “والواقع أن نظم الشعر الحر، بالبحور الصافية، أيسر على الشاعر من نظمه بالبحور الممزوجة، لأن وحدة التفعيلة هناك تضمن حرية أكبر، و موسيقة أيسر، فضلا عن أنها لا تتعب الشاعر في الالتفات إلى تفعيلة معينة لا بد من مجيئها منفردة في خاتمة كل سطر”[43]
و بحر الرمل ارتبط ارتباطا وثيقا بتجربة الشعر الحر في الجزائر قبيل الاستقلال، ففضلا عن ما صرحت به السيدة نازك الملائكة في هذا الشأن، فإن” اهتمام الوجدانيين بهذا البحر يعود إلى علاقته الوطيدة بميولهم الذاتية، وتغنيهم بألامهم وآمالهم الفردية أو الاجتماعية “[44]،بمعنى أن إيقاع بحر الرمل له من الخصائص ما يجعله يتواشج مع الموضوعات الغنائية الوجدانية، مثل الحنين و الشكوى و الاغتراب، و لا غرو في ذلك “أن أغلب ما نظم من شعر في شكل أناشيد، و لاسيما في الفترة التحريرية إنما جاء على هذا الوزن”[45]، إذن فبحر الرمل مرتبط ارتباطا وثيقا بالإيقاع المطرب و الجانب الوجداني، كالفرح أو الترح، وآية ذلك أن نواته التفعيلية (فاعلاتن) ذات نغم سريع الحركة[46]، بحجة أنها تفتتح بسبب خفيف، و قد”شهد هذا البحر تطورا ملموسا على يد شعراء القصيدة المرسلة و الحرة، إذ لا نكاد نجد شاعرا واحدا من هؤلاء لم ينظم على هذا الوزن، فهو يحتل المرتبة الأولى في ديوان (ثائر و حب) لسعد الله، و( أغنيات نضالية) لباوية، و يحتل المرتبة الثانية بعد الرجز عند سائر الشعراء الآخرين”[47].
و هذا التوجه إلى إيقاع بحر الرمل ليس حكرا على شاعرنا باوية، و انما هو توجه عام لدى شعراء القصيدة الحرة، بين المشرق و المغرب، السبب الذي جعل إبراهيم أنيس يطلق عليه الوزن المحبوب في عصرنا الحديث والذي شهد نهضة كبيرة في النظم[48].
قال محمد الصالح باوية[49]:
أنشديني، أنشديني، يا صديقهْ
/0//0/0 /0//0/0 /0//0/0
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
هذه أرضي أنا…
/0//0/0/0//0
فاعلاتن فاعلا
أرض خرافي، يا أخي
/0///0/0/0//0
تن فعلاتن فاعلا
أرض الصديقهْ
/0/0//0/0
تن فاعلاتن
و الصدى يجتر…يجتر نجوما و تواريخا
/0//0/0/0//0/0///0/0///0/0/0
فاعلاتن فاعلاتن فعلاتن فعلاتن فا
و أغلالا رهيبهْ
//0/0/0//0/0
علاتن فاعلاتن
الصدى يجهش بالإعصار، بالغلات
/0//0/0///0/0/0//0/0/0/
فاعلاتن فعلاتن فاعلاتن فاع
بالثأر، أناشيدا حبيبهْ
/0/0///0/0/0//0/0
لاتن فعلاتن فاعلاتن
الصدى يغرق في عمق كياني
/0//0/0///0/0///0/0
فاعلاتن فعلاتن فعلاتن
إنّنيْ طفحٌ مُبيدٌ،يا حَبيبهْ[50]
/0//0/0/0//0/0/0//0/0
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
في هذا المقطع الشعري و هو الثالث ترتيبا في القصيدة الشعرية، يشرك الشاعر معه الصديقة و الأخ والحبيبة، في ترديد أناشيد الثورة و الجموح في طلب الحرية، إنها ثورة شعبية، تواشجت البندقية مع الأنشودة في كسر الأغلال و إعلان الإعصار، لا فرق بين امرأة و رجل، مثقف و أمّي، الأرض أرض هؤلاء جميعا، لذلك غلبت عليها ظاهرة التكرار و الالحاح مثل تكرار(أنشديني، أرضي أنا، أرض، الصدى، يجتر)، و هي تكرارات دلت على بلوغ مرحلة الثورة أوجها و العزائم أقصاها، فكيف وزع الشاعر تفعيلات مجزوء الرمل في فضاء النص؟ و ما مدى مسايرته لشعر الرواد في المشرق الذين أسسوا لهذا الشعر الجديد؟
للإجابة عن السؤال نحوصل ذلك في هذا الجدول
السطر | عدد التفعيلات | الملاحظة |
الأول | 03 | سالمة تماما |
الثاني | 02 | تدوير عروضي |
الثالث | 02 | تدوير عروضي |
الرابع | 01 | أقصر سطر |
الخامس | 04 | أطول سطر و تدوير |
السادس | 02 | |
السابع | 03 | تدوير عروضي |
الثامن | 02 | |
التاسع | 03 | مخبونة |
العاشر | 03 | سالمة تماما |
عشر أسطر شعرية | 26 تفعيلة | كثرة التدوير العروضي و زحاف الخبن |
قراءة الجدول:
بعد الدراسة العروضية للمقطع الثالث من القصيدة، و حوصلتنا ذلك في جدول إحصائي، يمكننا الآن تثبيت الملاحظات التالية:
- ارتبط مجزوء بحر الرمل بحالة الشاعر النفسية المتأرجحة بين الغبطة و الدهشة و الحنق، فهو في الفرح يدعو إلى الإنشاد، و في الغضب إلى الإعصار و الثأر من العدو الفرنسي،و احتضن هذه الانفعالات المختلفة إيقاع بحر الرمل( فاعلاتن)،و إن كان حازم القرطاجني قد رأى في الرمل لينا وضفعا[51]، و سنتيبن ذلك و نناقشه في حديثنا عن المقاطع الصوتية.
- المقطع الشعري الثالث موحد التفعيلة ( فاعلاتن) من مجزوء الرمل، كغيره من المقاطع الشعرية الأخرى.
- الأسطر الشعرية متماثلة في التفعيلة، مختلفة في الكم التفعيلي،فأدنى سطر يتكون من تفعيلة واحدة، و أقصى سطر يتكون من أربع تفعيلات، مثل السطر الخامس، و من خلال فلينا لباقي المقاطع الشعرية، لم نجد سطرا شعريا يحتوي على أكثر من ذلك، فالمراوحة كانت إذن بين تفعيلة واحدة رملية و أربع كحد أقصى، فعلى أي أساس فلسفي و فني بنى و هندس شاعرنا أسطر قصيدته الشعرية، لنعد إلى السطر الخامس و السادس:
قال محمد الصالح باوية:
و الصّدى يجترّ…يجترّ نجوما و تواريخا
و أغلالا رهيبهْ
ماذا لو جعلنا من السطرين الشعريين سطرا واحد
و الصّدى يجترّ…يجترّ نجوما و تواريخا و أغلالا رهيبهْ
/0//0/0/0//0/0///0/0///0/0/0//0/0/0//0/0
فاعلاتن فاعلاتن فعلاتن فعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
من حيث دلالة السطرين الشعريين المدمجين ،يجعل الحدث متواصلا ،مثبتا في الذهن، و هي حالة الركود و الخنوع التي شهدتها السنوات التي سبقت ميلاد الحقيقة، ميلاد الثورة في رأي المستمعر على الأقل، لكنها من الناحية العروضية يصير السطر الشعري مكونا من ست تفعيلات من الرمل، و هذا لا ينطبق مع رؤية الشاعر الفنية، رغم أنها رخصة أقدم عليها الرواد حيث قالت نازك الملائكة: “أساس الوزن في الشعر الحر أنه يقوم على وحدة التفعيلة، و المعنى البسيط الواضح لهذا الحكم أن الحرية في تنويع عدد التفعيلات، أو أطوال الأشطر تشترط بدءا أن تكون التفعيلات في الأشطر متشابهة تمام التشابه”[52]،إلى أن تقول “و يمضي على هذا النسق، حرا في اختيار عدد التفعيلات في الشطر الواحد، غير خارج على القانون العروضي لبحر الرمل”[53]،فمعنى عدم الخروج على القانون العروضي لبحر الرمل، أي عدم تجاوز العدد التفعيلي المسموح به و هو ست تفعيلات دفعة واحدة، و هي المكونة مجتمعة لبحر الرمل، و قد ذهبت نازك الملائكة إلى أبعد من ذلك حين ألغت التدوير من الشعر الحر، بحجة وجود رخصة في إطالة السطر حيث قالت: “يمتنع التدوير في الشعر الحر لأنه شعر حر”[54]، و تفسر ذلك في معرض آخر بقولها: “فالشعر الحر يبيح للشاعر أن يطيل الشطر وفق حاجته.. و بعد فإن كون الشعر الحر يمنح الشاعر حرية إطالة أشطره، و تقصيرها و الوقوف حيث يشاء بحسب مقتضى المعنى، ينفي الحاجة إلى التدوير أصلا”[55].
القضية التي نناقشها هنا ليست التدوير بالضرورة و لكن الحرية في إطالة السطر الشعري في حدود روح بحر الرمل السداسي، فكان بإمكان شاعرنا أن يستعمل التبديلات الكمية من تفعيلة الى ست، ثم إن هناك مشكلا في مصطلح المجزوء، فتراثيا مجزوء الرمل هو رباعي التفعيلة، فلو تجاوزها في الشعر الحر إلى خمس و ست، في هذه الحال هل يصير تاما أم مجزوءا، و كيف يمكن إصدار الحكم و الأسطر مختلفة فيما بينها في الكم التفعيلي بحكم فلسفة القصيدة الجديدة، و هذه في الحقيقة واحدة من مشاكل الشعر الحر.
- احتوى المقطع الشعري على 10 أسطر شعرية، و 25 تفعيلة،20 منها سالمة، و 06 منها مزاحفة بزحاف الخبن، فلو كانت قصيدة عمودية لاحتجنا إلى أربعة أبيات شعرية من الرمل التام، و إلى ستة أبيات شعرية من الرمل المجزوء، و هنا يكمن الفارق في هندسة النص التراثي و النص الجديد و فضاء البياض و السواد في كليهما.
- كما شهد المقطع الشعري وفرة ظاهرة التدوير الشعري ( أربع مرات).
- خلو تام من العلل و مرد ذلك اعتماد الشاعر على ظاهرة التدوير حيث كانت هناك إمكانية لورود علة الحذف مثلا: ( فاعلا…..تن)،لكن التدوير منع ذلك
ثانيا :المقاطع الصوتية:
سنركز في دراستنا للمقاطع الصوتية على نوعين مهمين و هما المقاطع الطويلة و المقاطع القصيرة، على أن المقطع الطويل سنرمز له (/0) و المقطع القصير(/)،و تتم الدراسة من خلال مقطع شعري متوسط الحجم، و تهدف الدراسة إلى معرفة واقع المقاطع الصوتية في تجربة ( ساعة الصفر) و دلالات ذلك، على المستوى الإيقاعي و النفسي معا.
و المقطع الصوتي أصلا هو عبارة ” عن حركة قصيرة أو طويلة، مكتنفة بصوت أو أكثر من الأصوات الساكنة”[56].
و هي كذلك “وحدات تركيبية أو أجزاء تحليلية يمكن أن يحلل الوزن على أساسها”[57]،لا بل “عليها تبنى الأوزان الشعرية”[58].
قال محمد الصالح باوية في المقطع السابع و الأخير من قصيدة “ساعة الصفر”:
إنْ تزرنا أيّها النجم المغامر[59]
نطلق الأقمار من غضبة ثائر
نعتق الأسرار من صمت الخناجر
و غدا حين تواريك حناجر
و مروج و فجاج و مصائر
تنحني للشمس أهداب السنابل
تقرع الأجراس في أقصى الخمائل
ساعة الصفر انطلاقات مشاعر
يقظة الإنسان، ميلاد الجزائر
كما قلنا من قبل أن الشاعر نظم القصيدة في 1958،أي بعد مرور أربع سنوات كاملة على انطلاق الثورة الجزائرية، و هذا المقطع يصور بعمق تباشير ميلاد الجزائر الجديدة، الجزائر الحرة، و السطر الأخير يدلل على ذلك، فوعي الإنسان الجزائري و إدراكه لحقيقة المستعمر الفرنسي ،يؤدي حتما إلى ميلاد الجزائر التي يتمثلها الشاعر.
نحاول أن ندرس سطرين شعريين خاليين من الزحافات و العلل، و سطرين آخرين لحقت بتفعيلاتهما تغيرات زحافية.
إنْ تزرنا أيُّها النّجمُ المغامرْ
/0//0/0/0//0/0/0//0/0
ط ق ط ط ط ق ط ط ط ق ط ط
المقاطع الطويلة: 09 القصيرة : 03
أنت تلاحظ أن السطر الشعري احتوى على ثلاث تفعيلات من الرمل ( فاعلاتن) و كلها وردت سالمة، لم يعتريها أي زحاف، و هذه الصورة النظرية لبحر الرمل، كما وردت في الدائرة العروضية، فالمقاطع الطويلة مهيمنة على المقاطع القصيرة، و بالتالي فإن سرعة البحر تتسم وفاق هذا بالتراخي، و التمهل، لأن المقطع الطويل يتخذ حيزا زمنيا أكبر من المقطع القصير، وآية ذلك أن الشاعر أكثر من المدود التي تتطلب مدا للصوت و إنشادا الذي يعد “أكثر المصطلحات ثراء و إيحاء، فهو يتصل بنظام اللغة و بعناصر الادهاش والجمال فيها، و يتصل من جانب آخر باللفظة و تكوينها، بجرسها الرنان و صورتها المفضية إلى القلب، و هو هذا التركيب الوزني في المقاطع يدعو إليه النفس، فتتداعى طربا لحلاوة يختزنها السمع و يودعها البصر والاحساس” [60]،و قد يكون وراء هذا التراخي تلك النشوة التي يشعرها بها شاعرنا من جراء الانتصارات الباهرة التي حققها الشعب الجزائري في كفاحه المسلح ضد فرنسا، و كأنه يردد و يعيد هذه الأنشودة النوفمبرية على حد تعبير عبد مالك مرتاض، بما يتناسب” مع الهتافات التي امتلأت بها الحناجر آنذاك”[61].
و يمضي السطر الثالث و الرابع على نفس المنوال ،أي هيمنة المقاطع الطويلة على القصيرة، بتفعيلة رملية سالمة، اللهم إلا إذا استثنينا التفعيلة الأخيرة من السطر الثاني حيث اعتراها زحاف الخبن، فأسقط مقطعا طويلا، و أضاف مقطعا قصيرا
أما السطران الرابع و الخامس، فيختلفان كلية
و غَدا حينَ تُواريك حَناجرْ
///0/0///0/0///0/0
ق ق ط ط ق ق ط ط ق ق ط ط
المقاطع الطويلة : 06 المقاطع القصيرة : 06
أنت تلاحظ تساوي المقاطع الطويلة مع المقاطع القصيرة، رغم تساوي الكم التفعيلي مع الأسطر الشعرية السابقة، أي ثلاث تفعيلات رملية، فما الذي سوى بينهما؟ لا شك أن زحاف الخبن المستحسن في تفعيلة الرمل[62]،هو الذي قاد هذا الانزياح المقطعي من الهيمنة إلى التعادل، و هكذا تقوم الزحافات بإحداث جماليات إيقاعية و تنويعات تفعيلية، فلو استمر المقطع على نسق تفعيلي واحد لضجرت منه الاذن السامعة[63]،بمعنى آخر أن الشاعر يحتاج إلى تبديلات موسيقية بين أسطر قصيدته، و الانزياحات الزحافية واحدة من أهم وسائل هذه التبديلات، مما يدل بحق عن “نفور من الشكل الثابت للشعر العربي، و الرغبة في إيجاد شكل يتدفق معه التعبير عن التجربة الشعورية”.[64]
و يستمر السطر الخامس على نفس نسق السطر الرابع ،فتفعيلاته الثلاثة كلها مزاحفة خبنا، ليعود الشاعر في باقي الأسطر المتبقية ( من 5 إلى 9) إلى الطريقة الاستهلالية و هي تفعيلات سالمة و بالتالي هيمنة المقاطع الطويلة على القصيرة.
لا يجب أن نخلط بين الليونة و التراخي، الليونة و الضعف اللذان تحدثا عنهما حازم القرطاجني، في منهاجه، يتعلقان بتفعيلة الرمل التي تبدأ بسبب خفيف( فا =/0) و تنتهي به( تن=/0)،فهو لين في البداية والنهاية على عكس الطويل مثلا، الذي يبدأ بوتد مجموع، و لا غرو فالأوتاد أقوى من الأسباب، أما التراخي فيكمن في حدود ما نعرف في وفرة المدود و هيمنة المقاطع الطويلة.
نورد هذه الاحصائيات العروضية
عدد الأسطر :09 عدد التفاعيل :27 السالمة:19 المخبونة:08 التدوير :00
عدد المقاطع الطويلة :73 عدد المقاطع القصيرة: 32 المجموع : 104
ملاحظات حول المقطع الشعري:
- المقطع الشعري السابع أشبه بقصيدة عمودية، أو ما سماه المهجريون الثنائيات، إذ لا يصعب أن نجمع سطرين متتابعين للتحصل على بيت شعري من صدر و عجز و آية ذلك :
إنْ تزرنا أيّها النّجم المُغامرْ نطلق الأقمار من غضبة ثائرْ
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فعلاتن
فالشاعر في هذا المقطع على عكس المقاطع السابقة، عاد إلى هندسة و شكل القصيدة العمودية، و هذا يوحي بحضور الشكل الشعري التراثي في أذهان الشعراء، فيحنون إليه بين الفينة و الفينة، و مصداقا لقول نازك الملائكة، أن البحر القائم على وحدة التفعيلة يتيح حرية و يسرا لصاحبه.
- هذا المقطع الشعري بنيت أسطره كلها جمعاء على ثلاث تفعيلات سالمة في المجمل و مخبونة أيضا، و هذا على عكس المقاطع الست الأولى ،فهناك ثمة مراوحة في الكم التفعيلي من ( 1 إلى 4)، مما يجعل نهاية قصيدة ( ساعة الصفر) أقرب إلى نص شعري عمودي أو موشح ، و نازك الملائكة كانت قد رفضت هذا التنميط، لأنه يحدث تداخلا بين التراث و المعاصرة، و لا يحقق للشاعر الفرادة و التميز.
- المقطع الشعري خال تمام الخلو من ظاهرة التدوير العروضي و هذا ما يؤكد وجهة نظرنا حول قرب المقطع من الشكل التراثي.
- المقطع فيه كثير من التكرارية بدليل هيمنة الراء كحرف روي، حيث اجتاح سبعة أسطر شعرية من تسع، و هي نسبة طوفانية، و هذا ما يؤكد الحالة المنتشية لشاعرنا بسبب ما أحرزته الثورة الجزائرية من انجازات.
ثالثا :التدوير العروضي بين التماسك النصي و الفاعلية الإيقاعية:
لم يعرف النقد العربي القديم مصطلح التدوير، لكنه عرف “المداخل من الأبيات ما كان قسيمه متصلا بالآخر، غير منفصل منه، و قد جمعتهما كلمة واحدة، و هو المدمج أيضا”[65]، و المداخل أو المدمج هو كل بيت “اشترك شطراه في كلمة واحدة، بأن يكون بعضها في الشطر الأول و بعضها في الشطر الثاني، و معنى ذلك أن تمام وزن الشطر يكون بجزء من كلمة”[66]، و كانت العرب تكتب بين الشطرين المدمجين حرف (م) في الغالب، حيث كان “في نظرهم مجرد ظاهرة ينعكس أثرها على المظهر الكتابي للشعر، و اختصوه لذلك برمز كتابي يشير إليه، و يكتفى به أحيانا عن تقسيم الكلمة بين شطري البيت،و هو عبارة عن حرف – م- يوضع حيث يكون الفراغ الفاصل بين شطري البيت”[67].
هذه الظاهرة العروضية التراثية، لم يحفل بها كثيرا النقاد العرب القدماء، فلم يتناولوها “تناولا ذوقيا، بل كان كل ما صنعوا أنهم نصوا على جواز وقوعه بين الأشطر، دونما إشارة إلى المواضع التي يتمنع فيها، لأن الذوق لا يستسيغه، و الواقع أن لكل شاعر مرهف الحاسة، ممن مارس النظم السليم، و نما سمعه الشعري، لا بد أن يدرك بالفطرة أن هناك قاعدة خفية تتحكم في التدوير بحيث يبدو في مواضع ناشزا يؤذي السمع”[68].
و التدوير مطلب موسيقي إيقاعي في المجزوءات و قصار الأوزان و ذلك راجع “إلى كون المجزوءات قصيرة الأشطر مما يجعل الاحتياج إلى الاستمرار النطقي أمرا مقبولا، فكأن البيت كله شطر واحد، كما أن قصر البحر و التعجيل بنهاية كل شطر قد يخلق أحيانا نوعا من الرتابة ينفيها التدوير”[69].
التدوير العروضي ينتاب مجزوءات البحور بحكم قصرها، و”يسوغ في كل شطر تنتهي عروضه بسبب خفيف مثل فعولن”[70]، و لا يسوغ في غير هذه المواضع كالأوتاد، و هو دليل قوة في الأعاريض[71]،ليس ظاهرة كتابية[72]، بقدر ما هو ظاهرة شعرية إيقاعية[73]“تسبغ على البيت غنائية و ليونة”[74]،لها علاقة وطيدة بالإنشاد “يحث على الاسترسال في الانشاد حتى يكون المنشد بإزاء وقفة القافية”[75].
الشعر الحر أو الجديد أو التفعيلة، ظاهرة عروضية على حد تعبير نازك الملائكة[76]،”يتناول الشكل الموسيقي للقصيدة و يتعلق بعدد التفعيلات في الشطر، و يعنى بترتيب الأشطر و القوافي، وأسلوب استعمال التدوير و الزحاف”[77]، بمعنى أن ظاهرة التدوير من أهم قضايا الشعر الحر، حيث تكرست و تعززت كتلوين إيقاعي جديد، و رغم ذلك فالسيدة نازك الملائكة جزمت قائلة:” ينبغي لنا أن نقرر، أن التدوير يمتنع امتناعا تاما في الشعر الحر، فلا يسوغ للشاعر أن يورد شطرا مدورا”[78]،و مرد ذلك أن الشاعر قد افتك حرية تامة في إطالة و تقصير أسطره الشعرية، و أن ما ورد من تدوير في الشعر الحر، لا ينسب للرواد الذين أدركوا فلسفة النص الحر، بل للناشئين الذين أخلطوا بين النص الشعري التراثي و الجديد، إنما تحدثت السيدة نازك الملائكة عن آفة التدوير الدلالي و هو ترابط الأسطر حتى تصير سطرا واحدا، مما يغيب ظاهرة الوقفة المهمة في الشعرية[79].
هكذا نخلص إلى أن التدوير نوعان: تدوير عروضي و الذي رفضته نازك الملائكة رفضا قاطعا في تأسيسها و تأصيلها لظاهرة الشعر الحر، رغم أنه صار بعد ذلك خصيصة إيقاعية بامتياز، و هذا النوع هو الذي سنبحث له عن تواجد في قصيدة ( ساعة الصفر ) لمحمد الصالح باوية، و تدوير دلالي والذي نكتفي بالإشارة إليه من خلال نماذج فحسب.
التدوير العروضي في المقطع الأول :
المدى و الصمتُ و الرّيحُ
/0//0/0/0//0/0/0
فاعلاتن فاعلاتن فا
تذرّي رهبة الأجيال في تلك الدقيقه
//0/0/0//0/0/0//0/0/0//0/0
علاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
قطرات العرق الباني
///0/0///0/0/0
فعلاتن فعلاتن فا
نداءُ…
//0/0
علاتن
ثورة خرساء
/0//0/0/0/
فاعلاتن فاع
أهوال مغيره
/0/0/0//0/0
لاتن فاعلاتن
الأسارير صدى حلم
/0//0/0///0/0/0
فاعلاتن فعلاتن فا
تبدي في الجباه السمر يوما
//0/0/0//0/0/0//0/0
علاتن فاعلاتن فاعلاتن
و هكذا يمضي الشاعر محمد الصالح باوية في توظيف التدوير العروضي في المقطع الشعري الأول، الذي أحصينا فيه سبعة مواضع كاملة، و اتخذ شكلين من تقطيع تفعيلة الرمل و هما : (فا/علاتن:مرتان)، (فاع/لاتن:خمس مرات)، و يختلف الشكلان في وقوف الأول على سكون و الثاني على حركة، و هذا الترابط و التداخل العروضي إنما يثبت ترابطا في تطور أحداث ثورة الجزاريين ضد فرنسا، كما يوحي أيضا بالوحدة الموسيقية بين الأسطر الشعرية، وتماهي الذات المبدعة مع حيثيات القضية التي تتقمصها، فالمدى و الصمت و الريح بما تحمله من شحنات دلالية، كان لا بد أن ترتبط مع النتيجة الحتمية في السطر الموالي: تذري رهبة الأجيال…،فالتدوير هنا عكس بحق “الحالة الشعورية لدى الشاعر و الرغبة في السرد و مواصلة الإنشاد، و يبقى بمثابة نبع يتدفق لا ينتهي إلا بانتهاء الفكر أو انطفاء جذوة الإبداع عند الشاعر”[80]، و كما قلنا آنفا، فالشاعر قد واصل التدوير العروضي في المقطع الأول “و كلما، واصل الشاعر في التدوير زاد مبنى القصيدة و الزيادة في المبنى زيادة في المعنى”[81].
و الآن نستعرض ورود التدوير العروضي من خلال هذا الجدول
رقم المقطع | عدد الأسطر | عدد التدوير | شكل التدوير | ملاحظات |
الأول | 29 | 07 | فا/علاتن 02 فاع/لاتن 05 | كثافة التدوير |
الثاني | 15 | 00 | خلو تام | |
الثالث | 10 | 04 | فاعلا/تن02 فاع/لاتن01 فا/علاتن01 | تنوع في الأشكال |
الرابع | 21 | 00 | خلو تام | |
الخامس | 08 | 00 | خلو تام | |
السادس | 18 | 02 | فاع/لاتن02 | |
السابع | 09 | 00 | خلو تام | |
سبعة مقاطع | 110سطرا | المجموع:13 | فا/علاتن03 فاع/لاتن08 فاعلا/تن02 | هيمنة شكل فاع/لاتن 08 من أصل 13 |
يلاحظ من خلال الجدول كيفية انتشار التدوير العروضي عبر جسد قصيدة ( ساعة الصفر)، إذ خلت المقاطع (2،4،5،7)،من أي تدوير عروضي، في حين حضر في المقاطع(1،3،6)، بكثاقة مختلفة، أعلاها في المقطع الأول، و هذا يحيلنا على قيام القصيدة بالتنوع بين الحضور و الغياب، و هذه في حد ذاتها خصيصة تضاف لباقي الخصائص الشعرية، فظاهرة التدوير “تخضع لمطلب دلالي نحوي، إيقاعي، تفسره اللغة و علاقات التركيب فيها”[82]،ثم إن لغة الشعر “حرة لا حدود لها و لا قيود توثقها من انطلاقها، و إنها بهذا الانطلاق و هذا التجاوز أو الحرية، قد تفاجئ بما يمتع و بما يدهش و يثير الاستغراب”[83]، و الشاعر محمد الصالح باوية قد أدهشنا في هندسة قصيدته من حيث تكثيفها الدلالي وتنوع روافد إيقاعها ،فكانت قصيدة نوفمبرية حقا “فيها التناسب و الإمتاع”[84].
الخاتمة
خلص البحث إلى تثبيت النتائج التالية:
- أغنيات نضالية هو الديوان الوحيد و الأوحد لمحمد الصالح باوية، عدد قصائده (12)،من الشعر الحر، الذي ينبى على السطر و وحدة التفعيلة، وفق البحور الصافية، كرس لقضية الثورة الجزائرية و القضايا العربية مثل قضية فلسطين و كذلك القضايا الإنسانية.
- ساعة الصفر أطول قصيدة و أجمل في أغنيات نضالية، بلغ عدد أسطرها 29 سطرا، و سبعة مقاطع شعرية، أطلق عليها بالأنشودة النوفمبرية، كتبت بعد أربع سنوات من انطلاق الثورة الجزائرية و رغم ذلك فقد حافظت على شحناتها الدلالية و قوة سبكها و كثافة معانيها، مما يوحي بعبقرية صاحبها.
- لم يتخلص شاعرنا كليا من صورة القصيدة التراثية، فكان بين الفينة و الأخرى يستحضر سطرين متتابعين، يمكن ربطهما على شكل بيت شعري، بصدر و عجز، خصوصا المقطع السابع من ساعة الصفر، الذي ذكرنا بالثنائيات و الموشحات.
- قامت القصيدة على نظام الأسطر الشعرية، المتحدة في التفعيلة ( فاعلاتن)،المختلفة في الكم التفعيلي.
- أقام الشاعر أسطره الشعرية على نظامين، نظام المؤالفة و التماثل حينا، و المخالفة في أحيان كثيرة، و هنا يكمن سر الشعر الحر، فالمستمع أو المتلقي، يبقى مستعدا للمباغتة، و الدهشة، فلا توجد قاعدة سطرية في الشعر الحر على عكس القصيدة التراثية فالشكل منجز مسبقا.
- انصهار الشاعر مع موضوعه و تبني أحداث عصره، فكان يتكلم بضمير ياء المتكلم، التي لا تعنيه شخصيا بقدر ما تعني الشعب الجزائري بكل شرائحه، و هذه من حيل صدق التجرية الشعورية في القصيدة الحرة.
- ساعة الصفر كباقي قصائد الديوان من الشعر الحر، متألفة من سبعة مقاطع شعرية، أطولها المقطع الأول (29 سطرا)،تماثلت الأسطر في التفعلية (فاعلاتن) و اختلفت في الكم التفعيلي.
- هندس الشاعر أسطره الشعرية على أربع تفعيلات كحد أقصى و تفعيلة واحدة كحد أدنى، و الشعر الحر يتيح له الإطالة أكثر من ذلك، أي إلى ست تفعيلات، لكنه اكتفى بأربع، ففي السطر الخامس من المقطع الثالث، خرج الشاعر عن هذه القاعدة، فأوشك أن يوظف خمس تفعيلات رملية، لكنه تفادى ذلك عن طريق استدعاء التدوير العروضي (فا/علاتن).
- صاغ تجربته الشعرية( ساعة الصفر)على إيقاع مجزوء بحر الرمل، و كان حضوره طوفانيا في الديوان، إذ شمل 07 قصائد من أصل12،و هذا يدل على خصوصيات في بحر الرمل، بحر صاف مناسب للشعر الحر، يقوم على وحدة التفعيلة، يصاحب المشاعر و القضايا الوجدانية، ارتبط بالشعر الثوري في الجزائر و غيرها من البلدان العربية.
- إن طريقة توزيع تفعيلات بحر الرمل، بين مد و جزر، حركت الصراع القائم بين البياض والسواد في فضاء النص.
- خلو قصيدة “ساعة الصفر” من الأخطاء العروضية.
- لعب الانزياح الزحافي ( زحاف الخبن)،في الحد من هيمنة المقاطع الطويلة على المقاطع القصيرة، فأحدث توازنا إيقاعيا بأن سوى بينهما (6/6)،كما أحدث تلوينات و خروقات على بنية التفعيلة الرملية، تفاديا للرتابة الناجمة عن التكرار.
- استدعى الشاعر علة ( الحذف): فاعلاتن= فاعلا= فاعلن، و تمركزت في القوافي، خصوصا المقطع الخامس و السادس من القصيدة، و قد التزم بها الشاعر في قوافي المقطع الخامس، و ارتبط بها مرتين زحاف الخبن: فعلا= فعلن، و هذه كلها تلوينات يتيحها بحر الرمل حتى في الرؤية التراثية.
- لا يلتقي التدوير و علة الحذف، إنها لعبة الحضور و الغياب.
- استقت القصيدة الشعرية( ساعة الصفر) حيويتها من موضوعها أولا، وعبقرية صاحبها ثانيا، والتنويعات و التبديلات ( التفعيلات السالمة، التفعيلات المزاحفة، الكم الفعيلي الطويل، الكم التفعيلي المتوسط، الكم التفعيلي القصير، لعبة البياض و السواد، فضاء انتشار الأسطر ثالثا، و قد نتج عن هذا نشاط الدورة الدموية للقصيدة و تجدد مباغتتها للمتلقي.
- استغل الشاعر ظاهرة التدوير العروضي، كانزياح عن القاعدة، التي تفيد استقلالية كل سطر بمعناه و موسيقاه، فأحدث تواشجا بين الأسطر المدورة، تماما كتواشج الشعب الجزائري في مقاومة المستعمر ليلة نوفمبر 1954 و ما بعدها.
- أدى التدوير العروضي أدوارا مهمة في التماسك النصي من خلال المواشجة بين السطور المدورة، و فعّل الوتيرة الإيقاعية و نشّط ظاهرة الإنشاد.
- نوّع الشاعر في أشكال التدوير العروضي وقد أحصينا الأشكال التالية (فا/علاتن،فاع/لاتن،فاعلا/تن)، و هذه التلوينات من شأنها إحداث إيقاعات مختلفة، تساهم في نشاط و فاعلية المباني و المعاني.
- اعتمد الشاعر على حيل شعرية أخرى ، ساهمت في تجدد القراءة و انفتاح التأويل مثل : شعرية البياض، شعرية السواد، التنويع القافوي الدائم، الاعتماد على حروف روي تكرارية، فيها نشوة، تتواشج و الأناشيد مثل المقطع السابع حيث هيمن روي الراء.
قائمة المصادر و المراجع
أولا: قائمة المصادر:
- محمد الصالح باوية، أغنيات نضالية، موفم للنشر والتوزيع،الجزائر،ط2 ،2012.
ثانيا : قائمة المراجع
- إبراهيم أنيس:
الأصوات اللغوية، مكتبة الأنجلو المصرية،دط،1999.
موسيقى الشعر، مكتبة الأنجلو المصرية،القاهرة،دط،1972
- أبو القاسم سعد الله، تاريخ الجزائر الثقافي،1954-1962،ج10،دار البصائر للنشر والتوزيع، الجزائر، طبعة خاصة،2007.
- ابن رشيق، العمدة في صناعة الشعر و نقده،ج1،تحقيق النبوي عبد الواحد شعلان، مكتبة الخانجي، القاهرة،ط1 ،2000.
- أحمد محمد معتوق، دراسات نقدية في لغة الشعر، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء،المغرب،ط1 ،2006
- أحمد كشك: الزحاف و العلة، رؤية في التجريد و الأصوات و الإيقاع، دار غريب، القاهرة، مصر،ط 1 ،2005.
- حازم القرطاجني، منهاج البلغاء و سراج الأدباء، تحقيق محمد الحبيب ابن خوجة، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، ط3 ،1986.
- شلتاغ عبود شراد، حركة الشعر الحر في الجزائر، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، د ط ،1985.
- صلاح عبد الدايم، موسيقى الشعر بين الثبات و التطور، مكتبة الخانجي،القاهرة،مصر،ط3 ،1993.
- صلاح الدين باوية، محمد الصالح باوية، الشاعر و الطبيب المجاهد الشهيد، دار الماهر للطباعة والنشر و التوزيع،سطيف،الجزائر،ط1 ،2019.
- عبد الرحمن تيبرماسين، البنية الإيقاعية للقصيدة المعاصرة في الجزائر، دار الفجر، القاهرة، مصر، ط 1 ،2003 .
- عبد القادر رحماني، في علم الصوتيات، البنية الإيقاعية، حقل تطبيقي، في أغاني الحياة لأبي القاسم الشابي، دار ابن بطوطة للنشر والتوزيع،عمان،الأردن،ط1 ،2014
- عبد الملك مرتاض:
أدب المقاومة الوطنية في الجزائر،1962،1830،ج1،دار هومة للنشر و التوزيع، الجزائر، ط 2 ،2009.
معجم الشعراء الجزائريين في القرن العشرين، دار هومة، الجزائر، ط 1 ،2007
- عمر خليفة بن إدريس، البنية الإيقاعية في شعر البحتري، منشورات جامعة قاريونس، بنغازي، ليبيا، ط 1 ،2003.
- محمد الأخضر السائحي، روحي لكم: تراجم و مختارات من الشعر الجزائري الحديث، المؤسسة العربية للكتاب، الجزائر، ط 1 ،1986.
- محمد الصالخ خرفي، جماليات المكان في الشعر الجزائري المعاصر، أطروحة دكتوراه، مخطوط ،جامعة منتوري، قسنطينة، الجزائر،2006،2005.
- محمد ناصر، الشعر الجزئري الحديث ،اتجاهاته و خصائصه الفنية،1975،1925،دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، ط 2 ،2006
- محمد المبارك، استقبال النص عند العرب، المؤسسة العربية للدراسات و النشر، بيروت، لبنان، ط 1 ،1999.
- محمود مصطفى، أهدى سبيل إلى علمي الخليل، العروض و القافية، تحقيق سعيد محمد اللحام، عالم الكتب، بيروت، لبنان، ط 1 ، 1972.
- محمود عسران، البينة الإيقاعية في شعر شوقي، مكتبة بستان المعرفة، الإسكندرية، مصر، ط 1 ،2006.
- نازك الملائكة، قضايا الشعر المعاصر، منشورات مكتبة النهضة، بيروت، لبنان، ط 3 ،1967.
[1] – ينظر صلاح الدين باوية ، محمد الصالح باوية الشاعر الطبيب و المجاهد الشهيد، دار الماهر للطباعة و النشر و التوزيع ،سطيف ،الجزائر،ط1،2019 ،ص 44
[2] – ينظر المرجع نفسه، ص 46
[3] – أبو القاسم سعد الله، تاريخ الجزائر الثقافي 1954 ،1962،ج10، دار البصائر للنشر و التوزيع ، الجزائر، طبعة خاصة 2007،ص 513
[4] – ينظر صلاح الدين باوية ، محمد الصالح باوية،ص 50
[5] – ينظر أبو القاسم سعد الله ، تاريخ الجزائر الثقافي ،ج10 ، ص 513
[6] – المرجع نفسه، ص 513،514
[7] – صلاح الدين باوية، محمد الصالح باوية، ص 51
[8] – المرجع نفسه، الصفحة نفسها
[9] – أبو القاسم سعد الله، تاريخ الجزائر الثقافي، ج 10،ص 515
[10] – صلاح الدين باوية، محمد الصالح باوية ، ص 48
[11] – صلاح الدين باوية، محمد الصالح باوية ، ص 53
[12] – أبو القاسم سعد الله ، تاريخ الجزائر الثقافي،ج10، ص 515
[13] – صلاح الدين باوية ، محمد الصالح باوية، ص 58
[14] – ينظر محمد الأخضر عبد القادر السائحي، روحي لكم: تراجم و مختارات من الشعر الجزائري الحديث، المؤسسة الوطنية للكتاب،الجزائر،ط1،1986، ص 189،179
[15] – صلاح الدين باوية ، محمد الصالح باوية، ص 58
[16] – أبو القاسم سعد الله، تاريخ الجزائر الثقافي،ج 10،ص 514
[17] – صلاح الدين باوية، محمد الصالح باوية، ص 156
[18] – محمد الأخضر السائحي، مقدمة ديوان أغنيات نضالية لمحمد الصالح باوية، موفم للنشر،الجزائر،ط2،2012،ص11
[19] – محمود الربيعي،مقدمة ديوان أغنيات نضالية،محمد الصالح باوية،ص 15
[20] – محمد الربيعي،مقدمة ديوان “أغنيات نضالية،محمد الصالح باوية ،ص 16
[21] -عبد المالك مرتاض،أدب المقاومة الوطنية في الجزائر،1830-1962،ج1،دار هومة للنشر و التوزيع،الجزائر،ط2،2009، ص 396 و يذكر ( نشر الشركة الوطنية للنشر و التوزيع، الجزائر،1971،و به 132 صفحة)
[22] – ينظر نازك الملائكة ، قضايا الشعر المعاصر،منشورات مكتبة النهضة ، بيروت ، لبنان، ط3،1967،ص 23
[23] – ينظر المرجع نفسه ، ص 24
[24] – ينظر محمد الصالح باوية، ديوان أغنيات نضالية ، ص 87،85
[25] – ينظر الجدول الإحصائي، محمد ناصر،الشعر الجزائري الحديث،اتجاهاته و خصائصه الفنية،1925-1975،دار الغرب الإسلامي،بيروت، لبنان، ط2، 2006، ص 272
[26] – ينظر المرجع نفسه، الصفحة نفسها
[27] – عبد المالك مرتاض، أدب المقاومة الوطنية في الجزائر،ج1،ص 422
[28] – محمد الصالح خرفي، جماليات المكان في الشعر الجزائري المعاصر، أطروحة دكتوراه، جامعة منتوري، قسنطينة، الجزائر،2006،2005،ص 48
[29] – عبد المالك مرتاض،أدب المقاومة الوطنية في الجزائر،ج1،ص 396
[30]– المرجع نفسه ، ص 398
[31] – المرجع نفسه ، ص 399
[32] – أبو القاسم سعد الله، تاريخ الجزائر الثقافي،ج10، ص 515
[33] – عبد المالك مرتاض،معجم الشعراء الجزائريين في القرن العشرين،دار هومة،الجزائر،ط1،2007، ص290
[34] – ينظر محمد ناصر،الشعر الجزائري الحديث،اتجاهاته و خصائصه الفنية،ص151
[35] – محمد الصالح باوية، ديوان أغنيات نضالية،قصيدة : ساعة الصفر، السطران الشعريان الأخيران من المقطع الأول، ص 50
[36] – المصدر نفسه، ص 51
[37] – المصدر نفسه، الصفحة نفسها
[38] – عبد المالك مرتاض،أدب المقاومة الوطنية في الجزائر،ج1،ص 418
[39] – محمد الصالح باوية، أغنيات نضالية، السطران الشعريان الأخيران من القصيدة الشعرية ،ص 54
[40] – عبد المالك مرتاض،معجم الشعراء الجزائريين في القرن العشرين، ص 290
[41] – ينظر عبد المالك مرتاض، أدب المقاومة الوطنية في الجزائر،ج1،ص410
[42] – ينظر على سبيل المثال لا الحصر،محمود مصطفى،أهدى سبيل إلى علمي الخليل،العروض و القافية،تحقيق سعيد محمد اللحام،عالم الكتب،بيروت،لبنان،ط1،1996،ص 72،69
[43] – نازك الملائكة،قضايا الشعر المعاصر،ص 64
[44] -محمد ناصر،الشعر الجزائري الحديث،اتجاهاته و خصائصه الفنية،ص258
[45] – محمد ناصر، الشعر الجزائري الحديث ، ص 258
[46] – المرجع نفسة، الصفحة نفسها
[47]– المرجع نفسه ،ص 261
[48] – ينظر إبراهيم أنيس،موسيقى الشعر،مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة،دط،1972،ص 206
[49] – محمد الصالح باوية،أغنيات نضالية، قصيدة ساعة الصفر،المقطع الثالث،ص 51
[50] – مثبتة في الديوان ( إنّي) فتكون التفعيلة( فاعلْتن) و هذا التغير لا أساس له في بحر الرمل من حيث الزحافات المفردة أو المركبة و كذلك علل النقص و الزيادة، إلا أن تكون كم قال محمد ناصر في كتابه: الشعر الجزائري الحديث، ص 268،من الأخطاء العروضية ،فقمنا بزيادة النون (إنّني) فاستقامت ( فاعلاتن).
[51] – ينظر حازم القرطاجني، منهاج البلغاء و سراج الأدباء ،تحقيق محمد الحبيب ابن الخوجة، دار الغرب الإسلامي، بيروت ، لبنان، ط3، 1986 ،ص 268 ، 269
[52] – نازك الملائكة، قضايا الشعر المعاصر، ص 63
[53] – المرجع نفسه، الصفحة نفسها
[54] – نازك الملائكة، قضايا الشعر المعاصر، ص 97
[55] – المرجع نفسه، ص 98
[56] – محمود عسران، البنية الإيقاعية في شعر شوقي، مكتبة بستان المعرفة،الإسكندرية،مصر،ط1،2006،ص 49
[57] – المرجع نفسه، الصفحة نفسها
[58] – إبراهيم أنيس، الأصوات اللغوية، مكتبة الأنجلو المصرية،دط،1999،ص 131
[59] – محمد الصالح باوية، أغنيات نضالية، قصيدة ( ساعة الصفر) المقطع السابع و الأخير، ص 54
[60] – محمد المبارك، استقبال النص عند العرب، المؤسسة العربية للدراسات و النشر، بيروت ،لبنان،ط1،1999،ص 118
[61] – شلتاغ عبود شراد، حركة الشعر الحر في الجزائر، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر،دط،1985،ص137
[62] – ينظر على سبيل المثال لا الحصر، محمود مصطفى، أهدى سبيل إلى علمي الخليل، العروض والقافية، ص 72
[63] – ينظر نازك الملائكة، قضايا الشعر المعاصر، ص 34
[64]– شلتاغ عبود شراد، حركة الشعر الحر في الجزائر،ص 72
[65] – ابن رشيق، العمدة في صناعة الشعر ونقده،،ج1،تحقيق النبوي عبد الواحد شعلان، مكتبة الخانجي،القاهرة،ط1،2000، ص 284
[66] – نازك الملائكة، قضايا الشعر المعاصر، ص 89 و ينظر أيضا صابر عبد الدايم، موسيقى الشعر بين الثبات و التطور، مكتبة الخانجي، القاهرة، مصر،ط3 ،1993 ص220،219.
[67] – عمر خليفة بن إدريس ، البنية الإيقاعية في شعر البحتري، منشورات جامعة قاريونس ،بنغازي ،ليبيا،ط3 ،2003ص 375
[68] – نازك الملائكة، قضايا الشعر المعاصر، ص 90
[69] – أحمد كشك، الزحاف و العلة، رؤية في التجريد و الأصوات و الإيقاع، دار غريب، القاهرة ، مصر،ط1، 2005، ص 148
[70] – نازك الملائكة، قضايا الشعر المعاصر، ص 90
[71] – ينظر ابن رشيق القيرواني، العمدة ، ج1،ص 284
[72] – ينظر عمر خليفة ادريس، البنية الإيقاعية في شعر البحتري، ص 375
[73] – ينظر المرجع نفسه، الصفحة نفسها
[74] – نازك الملائكة، قضايا الشعر المعاصر، ص 108
[75] – عمر خليفة بن إدريس ،البنية الإيقاعية في شعر البحتري، ص 384
[76] – ينظر نازك الملائكة ، قضايا الشعر المعاصر، ص 53
[77] – نازك الملائكة، قضايا الشعر المعاصر، ص 53
[78] – المرجع نفسه، ص 95
[79] – ينظر المرجع نفسه، ص 30
[80] -عبد الرحمن تيبرماسين، البنية الإيقاعية للقصيدة المعاصرة في الجزائر، دار الفجر، القاهرة،مصر،ط1،2003،ص 148
[81] – عبد الرحمن تيبرماسين، البنية الإيقاعية للقصيدة المعاصرة في الجزائر، ص 148
[82] – عمر خليفة بن إدريس، البنة الإيقاعية في شعر البحتري،ص376
[83] – أحمد محمد المعتوق، اللغة العليا، دراسات نقدية في لغة الشعر، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء،المغرب،ط1،2006،ص 59
[84] – عبد القادر رحماني، في علم الصوتيات،البنية الإيقاعية،حقل دلالي تطبيقي، في أغاني الحياة لأبي القاسم الشابي، دار ابن بطوطة للنشر و التوزيع،عمان، الأردن،ط1،2014،ص141