Skip to content

JiL.Center

Primary Menu
  • عن المركز
  • رئيسة المركز
  • شروط الانتساب
  • منشوراتنا
  • مؤتمرات وملتقيات
  • دوراتنا
  • محاضراتنا
  • مسابقاتنا
  • Cont@cts
موقع مجلات مركز جيل البحث العلمي
  • Home
  • أجناس الكلام الأولية والثانوية عند باختين

أجناس الكلام الأولية والثانوية عند باختين

admin 2020-11-17 4 min read
       

أجناس الكلام الأولية والثانوية عند باختين

Bakhtin’s Primary and secondary speech genres

عبد الحق قاسمي/ مركز البحث العلمي والتقني لتطوير اللغة العربية / الجزائر

Abd El Hak Gasmi / CRSTDLA / Algeria

مقال منشور في  مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 64 الصفحة 61.

      ملخص :

يتناول هذا البحث نظرية الأجناس الكلامية عند باختين، والذي فتح المجال أمام الدراسات التي تتناول تصنيف النصوص والكلام العام، وهذا ما يعطي أهمية هذه النظرية، فما من توجه في تصنيف النصوص والخطابات بعده إلا واستفاد مما قدمه باختين، وقد انطلق البحث من تحديد منهجية باختين في دراسة اللغة والأدب، ثم تصوره العام في دراسة الرواية من أجل معرفة كيف انعكس هذا على نظريته في أجناس الكلام، ثم تناول بشكل عام تصوره عن أجناس الكلام الأولية والثانوية، وقد خص كل مستوى من مستويات الأجناس الأولية والثانوية، فأشار إلى مشكلة التعرف على الأجناس الأولية، وكيف نتتبع تطور الأجناس الثانوية تاريخيا، من خلال التطور الثقافي واستفادة كل جنس جديد من الجنس الذي قبله. وأخيرا في انتقال وحدة التحليل عند باختين إلى الملفوظ وكيف أثر هذا في منحى التحليل لديه الذي صار يركز على اللغة داخل السياق الذي أنتجت فيه.

الكلمات المفاتيح: أجناس الكلام؛ تصنيف النصوص؛ أجناس أولية؛ أجناس ثانوية

Abstract

This paper deals with the theory of speech genres elaborated by Bakhtin, which opened the way for studies dealing with the classification of texts and discourses and everyday speech, and this is what gives the importance of this theory. We started by defining Bakhtin’s methodology in the study of language and literature, then his general perception in studying the novel in order to know how this was reflected in his theory of speech genres, then we dealt in general with his perception of the primary and secondary genres of speech, and we singled out each level of the primary and secondary genres, pointing to the problem of identifying primary genres And how we trace the development of secondary ones historically, through cultural development and how can each new genres benefit from other genres. Finally, we pointed to Bakhtin’s unit of analysis (the utterance), and how this affected his approach to the analysis of discourse and speech genres, by focusing on language within the context in which it was produced.

Key Words: speech genres ; text classification ; primary genres ; secondary genres

يرجع إلى باختين (Mikhaïl M. Bakhtine) الفضل في إنشاء نظرية لتصنيف الكلام العام، حيث لا نجد قبله اشتغالا على تصنيف النصوص، سوى ما تعلق بتصنيف الأعمال الأدبية، أو دراسة بنية وخصائص نوع واحد من النصوص (كالمناظرة، أو الحوار، أو الإشهار …)[1]. حيث فتحت نظريته في أجناس الكلام الباب أمام مجال خصب تقابلنا فيه اليوم إنتاجات فكرية لا تكاد تحصى، في ميادين علمية ومعرفية كثيرة، فقد ألهمت نظريته الباحثين من شتى التخصصات الإنسانية والاجتماعية  إلى الالتفات إلى دراسة أجناس الكلام، إذ إنه ما من بحث منظِّر لهذه المسألة إلا وقد اعتمد على اقتراحات باختين. ويمكن الرجوع إلى بعض البحوث التي اعتمدت عليه بشكل مباشر في تصنيف النصوص والخطابات لنرى سعة تأثيره، سواء على مستوى الميادين المعرفية أو التوزيع الجغرافي، فمن الولايات المتحدة نجد كارولين ميلر (C. Miller) في الريطوريقا، وبريغز وباومن (C. Briggs & R. Bauman) في الأنثروبولوجيا، وكذا فيركلاوف (N. Fairclough) في تحليل الخطاب النقدي، ومن فرنسا تودوروف (T. Todorov) في الأدب، وآدم (J-M Adam) في اللسانيات النصية، ومن سويسرا برونكار (J-P. Bronckart) في اللسانيات النصية وتعليمية اللغة، ومن الدانمارك نينا مولر أندرسون (N. M. Anderson) في اللسانيات، وغيرهم[2].

في حين أن اللغة العربية تكاد تبقى في معزل عن هذا الموضوع، رغم وجود دراسات كثيرة تتناول باختين ترتبط في غالبها بالأدب خاصة، إلا أن موضوع أجناس الكلام عنده، نكاد لا نجد له أثرا يذكر.

وقبل التطرق إلى نظريته في أجناس الكلام، لا بد من التنبيه إلى أن كثيرا من الأعمال التي تُنسب إلى باختين متنازع في صحة نسبتها إليه، وذلك بعد أن انتشر أن له أعمالا أخرى غير معروفة، من ذلك أنه كتب في سنوات العشرينات والثلاثينات عدة كتب ومقالات بأسماء صديقيه فولوشينوف (Valantin Volochinov) وميدفيداف (Pavel Medvedev )، مما أثار موجة من الافتراضات ترجع إلى كونه المؤلف الأصلي لكتبهما، وأنه نشرها باسم صديقيه خوفا من أن يتعرض لمضايقات الاتحاد السوفياتي، يؤيد هذا ما ذكره بعض من تعرض لترجمة حياة باختين، حيث ذكر كلارك وهولكويست (Clark & Holquist) أن فولوشينوف لم يكن سوى باحث متواضع في الموسيقى، له شعر رديء وليس له اشتغال بالعلم[3]، وأن باختين كتب كل ما نسب إليه باسم مستعار حتى لا يتعرض للرقابة السوفياتية، إلا أن هذا الادعاء ليس لها أساس تاريخي، حيث إن فولوشينوف  كان أحد زملاء باختين، وعضوا مهما في الحلقة التي أسسها هذا الأخير، وهذا ما حمل برونكار (J. P. Bronckart) وبوتا (C. Botta) إلى تبني رأي مناقض لهذا، حيث أثبتا الخلافات المنهجية والإبستيمولويجية بين نظرة باختين وبين فولوشينوف وميدفيداف، والاختلافات في الفكر سياسيا وإيديولوجيا، بما يبعد فرضية أن باختين كان له أي يد في أعمال فولوتشينوف أو ميدفيداف، حتى ذهبا إلى أبعد من ذلك بالتشكيك في كتب معروفة أنها لباختين من ذلك كتابه عن دوستويفسكي، حيث ذكرا أن جزءا كبيرا منه كتبه فولوشينوف بمساعدة ميدفيداف [4]، متهمين بعض تلاميذ باختين بالترويج له وتضخيم أمره. ومع أن الباحثَين (برونكار وبوتا) تعرضا لكثير من الانتقادات العلمية والأسلوبية في كتابهما عن باختين[5]، ومن ذلك إنكار ما نشره باختين دون أدلة فعلية، لذا فالمذهب الذي سأتبعه هنا فيما يخص نسبة أعمال باختين، هو  التسليم له لما نشره في حياته، دون نسبة كتب صديقيه له، إلا أنه لا يمكن نكران استفادة باختين من آراء زميليه، لذا لا بد من الاستفادة من هذين الكاتبين الذين تأثر بهما باختين كثيرا في كتاباته المتأخرة خاصة، حيث أعاد النظر في كثير من الأسس التي اعتمدها، ومثريا نظرته بما سمح له أن يطرح نظرياته في الأدب، وكذا استفاد من آرائهما في أجناس الكلام، والتي يمكن لمس تأثره فيها بفولوشينوف وبميدفيداف، كما سأشير إلى شيء من ذلك في ثنايا هذا البحث.

المنهج الثقافي

ما أنجزه باختين من أعمال أو الأعمال التي نشرها أعضاء آخرون في «حلقة باختين» تميزت باختيارات منهجية أعطت دافعا جديدا للعلوم الإنسانية، وذلك لمخالفتهم للمناهج التي كانت سائدة في تلك الفترة، وخاصة البنوية والمناهج الشكلية، وهذا ما يدعو إلى التنبيه أولا إلى منهجيته الثقافية، التي عُرف بها هو وكذا المشتغلين معه في حلقته بروسيا.

وقد طرح باختين تصوره في دراسة اللغة والأدب في فترة كانت السيطرة فيها للمناهج الشكلية والبِنوية، بعد التأثير الذي أحدثته دروس سوسير وأعمال الشكلانيين الروس، فكان تصوره ذاك بمثابة ردة فعل ضد تلك المناهج، بالنظر إلى اللغة على أنها عملية حوارية، لا يمكن دراستها إلا في إطار التفاعل الذي تحدث فيه، وبإدراج الظروف المحيطة التي أُنتجت خلالها، وبإشراك الأطراف المشاركة في العملية التواصلية، فاهتمامه يتمثل في دراسة الكلام  باعتباره أداء فرديا بدل اللغة باعتبارها نظاما داخليا، وسمى هذه الدراسة بالعَبْر-لسانية.

والفلسفة التي سعى باختين إلى تطويرها في أعماله الأولى دعاها «فلسفة الحياة»، فهو يرى أن الحياة الإنسانية لها دور قيمي وديني، وكل تحليل للأفعال الإنسانية لا بد أن يُربط بالمسؤولية التي يتحملها الناس لهذه الأفعال[6]. ففلسفته تسعى لدراسة الأفعال الإنسانية في علاقتها مع ظروف إنتاجها ومع سياق الذات الواحدة والوحيدة، وليس في معزل عنها.

أما عن طريقة ربط الخصائص اللغوية بالخصائص الاجتماعية  التي صدرت فيها، فيمكن أن نستفيد هنا من الخطوات المنهجية التي اقترحها فولوشينوف من خلال برنامجه الذي أشار إليه في كتابه Marxism and the Philosophy of Language (الماركسية وفلسفة اللغة) والذي دعا فيه إلى دراسة اللغة عبر[7] :

  1. 1. أشكال وأنماط التفاعلات الاجتماعية وعلاقتها مع الظروف الملموسة التي تنجز فيها؛
  2. 2. أشكال الملفوظات الخاصة، في الإنجازات الكلامية الخاصة، بصفتها عناصر لها علاقة مباشرة مع التفاعل التي يحدد عناصرها؛
  3. 3. أشكال اللغة من خلال تمثيلها (أو تأويلها) اللساني المعتاد.

وتتوافق نظرة باختين في اللغة والأدب مع نظرة فولوشينوف، فكلاهما يعتمد على نظرة اجتماعية وتاريخية، بحيث يريان أن المادة المدروسة يجب أن لا تعزل عن سياقها التاريخي والاجتماعي، لأن الجوهر الحقيقي للغة لا يتكون من نظام مجرد من الأشكال اللغوية، ولا من التلفظ المونولوغي المعزول، وكذا لا يتكون من الأداء النفساني-الفيزيولوجي عند الإنتاج الكلامي، وإنما اللغة ظاهرة اجتماعية للتفاعل التلفظي، فهي تتحقق من خلال التفاعلات التي تحدث بين المشاركين في العملية التواصلية في مقام معين، والتفاعل الاجتماعي يشكل بهذا الحقيقة الأساسية للغة. لذا يربط باختين بين تنوع الإنتاجات اللغوية (أي ما يسميه بأجناس الكلام) وتنوع النشاطات الإنسانية، ويرى أن أجناس الكلام منبثقة من تاريخية المجتمع لتكون تاريخ اللغة، ولأجل هذا يربط أجناس الكلام بالمقام الذي صدر فيه. ففي كتابه شعرية دوستويفسكي أين تناول الأسباب التي دفعت دوستويفسكي إلى كتابة رواية بوليفونية، وذلك «بالنظر إلى النصوص الأدبية على أنها ظاهرة اجتماعية»، فبحسب باختين فإن «إن العصر نفسه هو الذي جعل الرواية [البوليفونية] ممكنة»[8] (ص. 40).

ولفهم ما حمله على إعداد نظرية عن أجناس الكلام، لا بد من التعريج على نظريته حول الجنس الروائي. فقد كان اهتمام باختين الأكبر بالنصوص الأدبية، وبالجنس الروائي خاصة، فيمكننا من خلال تتبع فكره عند دراسته للأدب أن نتفطن إلى أنه سعى إلى صياغة نظرية للأجناس الأدبية بنظرة جديدة على غير ما كان معهودا قبله، بما انعكس على نظريته في أجناس الكلام العام التي جاءت شاملة لها. لذا أسعى في هذا البحث إلى الربط بين نظرته في المستويين؛ الأدبي والكلامي، وسيظهر عندما أتناول الأجناس الثانوية بأن نظريته عن الجنس الروائي تعتبر جزءا من نظرية أجناس الكلام، ففهم أعماله فيها سيسمح لنا بالتعرف على الصورة الكلية لنظريته. وبالربط بين النظرتين تسعى هذه الدراسة لأن تتفادى إهمال هذا الجانب من عمله في دراسة أجناس الكلام، لأن كتاباته في الأجناس الأدبية والجنس الروائي بالخصوص كثيرة، على خلاف نظريته في أجناس الكلام التي تناولها في مقال واحد.

مشكلة دراسة الجنس الروائي

يمكن أن نلمس بسهولة اهتمام باختين بالجنس الروائي بصفة خاصة، وليس أدل من ذلك إلا كثرة البحوث التي أفردها لهذا الموضوع، كـ : الخطاب والرواية الذي كتبه بين (1934 و 1935)؛ وأشكال الزمن والكرونوتوب في الرواية، وكتبه بين (1937 و 1938) ومِمَّا قبل تاريخ الخطاب الروائي في (1940)؛ والملحمة والرواية  في (1941)[9]، كما أن كتبه التي تعمق فيها بدراسة دستويفسكي ورابليه وما بقي من دراسته لغوتيه وتحليله لأعمالهم الروائية؛ كل هذا يدخل في هذا الموضوع أيضا. تُظهر كثرة هذه الأعمال إذًا مكانة الجنس الروائي في فكر باختين، وكان هذا الاهتمام الظاهر به هو ما فتح له الباب للبحث عن إيجاد تصنيف عام للكلام، إذ كانت الإشكالات التي شغلته عند تناوله لجنس الرواية وسيلة ليدرس أجناس النصوص العامة غير الأدبية.

الإشكال الذي سعى باختين لمعالجته أولا هو التعرف على بنية الرواية، وكان منطلقه في ذلك النماذج التي تدرس الأجناس الأدبية الأخرى، وخاصة تلك القريبة من الجنس الروائي شكلا، كالملحمة والأوديسة والسونيته، إذ حاولت تلك النماذج أن تدرس هذه الأجناس بناءً على ترتيبها، ولما كانت الرواية على غرار الفنون السردية الأخرى تتمتع بخاصية تنظيمها على خطية زمنية فكان من المنطقي البحث في ترتيبها الشكلي، وهو ما اشتغلت عليه كثير من النماذج التي درست الجنس الروائي.

كما تطرق بالنقد إلى النماذج التي درست الرواية قبله، حيث أرجعها إلى خمس مقاربات، فإما أن يدرس الناقد أو المحلل الكلمات المباشرة فقط، أي تلك التي يجدها على سطح النص، كالمجازات والتشبيهات والحقول الدلالية …الخ؛ أو أن يدرس لغة الروائي دراسة لسانية وصفية بدلا من التحليل الأسلوبي للرواية؛ أو يدرس عناصر تتعلق بالتوجه الأدبي للرواية (الرومانسية، الطبيعية، الانطباعية …الخ)؛ أو يحلل التعبير الفردي للرواية، بدلا من أن يدرس لغتها (جنسها الخطابي)؛ أو يدرس الرواية على أنها جنس ريطوريقي، بأن يدرس فيها قدرتها الحجاجية. فهذه المقاربات كلها تدرس لغة الرواية على أنها تعبير فردي خاص بالروائي، وهي وإن توسعت في الدراسة فأقصى ما تتوقف عنده هو دراسة مذهب أدبي، بدلا من أن تدرس الرواية كجنس كلامي على رأي باختين.

كما نجده في موضع آخر[10] يلقي باللوم على البحوث التي حاولت دراسة روايات دوستويفسكي باعتمادها على مسلمات الروايات “الأوربية”، كالواقعية والرومانسية، لأن البيئة التي نشأت فيها تلك الروايات مختلفة عن بيئة دوستويفسكي، وكذا لا يمكننا أن نبحث عن عنصر الابتكار عنده باعتماد آليات لنصوص سابقة، فحتى أولئك الذين اعترفوا بتفرد دوستويفسكي من حيث استقلالية شخصيات رواياته، لم يتمكنوا من إظهار فرادته وإبداعه لأنهم لم يخرجوا من نماذج النقاد التحليلية قبلهم[11].

كل هذا يستدعي بناء جهاز تحليلي جديد لدراسة الرواية، وبناء منهجية خاصة تراعي الاختلافات التي تقابلنا في الأجناس الروائية المختلفة، وهو ما سأتناوله في العنصر الآتي.

منهجية تحليل الجنس الروائي

ينطلق في مقاله الملحمة والرواية من طرح مفاده أن الفرق بين النوعين يكمن في كون الملحمة جنسا مكتمل الملامح، ولهذا سهل إيجاد أركانه، أما الجنس الروائي فلحداثة ظهوره مقارنة بالملحمة لم تتطور صورته النهائية بعد، لذا ليس له أركان معروفة، مما يصعب دراسته.

ولتقريب فهم هذا الموقف، يمكن تشبيه الأجناس الأدبية بتحديات يتسابق فيها الأدباء، هذه التحديات تنشأ من قواعد قبلية يجب على الأديب الالتزام بها، كالشعر الذي على الشاعر أن يتبع فيه القوالب السابقة له وأن لا يتجاوزها، وإبداعه يكون بأن يأتي بالجديد مع الالتزام بأحد قوالبها، وليس المقصود هنا نوع البحر فقط، فالقصيدة الجاهلية (وإن دام هذا البناء بعد العصر الجاهلي) لها بنية معروفة على الشاعر اتباعها، ويمكننا حين تتبع أي قصيدة منها أن نتعرف على عناصرها، وهكذا الأجناس الأدبية بشكل عام. في حين أن الرواية تنطلق من مبدأ الإمتاع، والإخبار بحكاية تشد انتباه القارئ، فليس في الرواية قواعد ظاهرة يجب على الروائي اتباعها، وبحسب باختين فإن سبب هذا يرجع إلى حداثة ظهور الرواية، وأن الرواية في إمكانها أن تكتسب هذه القواعد مع الزمن، وذلك بتتبع تطورها. والذي يرسي هذه القواعد هو النقد، بدراسة الروايات واستخراج إبداعها، وتمييز ما جاء فيها من جديد، لذا صارت الروايات الكلاسيكية تقرأ وتُدرَس وتُدرَّس، لأن مهمة الأديب هي اتباع طريقتها، وهكذا تنشأ المدارس الأدبية. فبعد أن درس باختين والنقاد بعده البوليفونيا في أعمال دوستويفسكي، وجدنا جنسا جديدا للرواية؛ الرواية البوليفونية، فحتى الروايات التي لا تلتزم بكل عناصر الرواية البوليفونية نلمس فيها تعددا في أبعاد شخصياتهم، واستقلالية نسبية لها. وهذا معنى أن الرواية لم يكتمل معناها بعد، فمع كل روائي، ومع كل ناقد ينضاف إليها عنصر جديد، وبعض تلك العناصر يثبت فيصير ركنا فيها.

كما يذكر باختين سببا آخر لعدم وضوح معالم الرواية، بالمقارنة مع الأجناس الأدبية الأخرى، يكمن في كونها تأخذ من أجناس أخرى، فنجد في الجنس الروائي الحوار والحجاج والوصف وغير ذلك، كما نجد فيها عناصر من الملحمة ومن الخرافة وغيرها، وهذا ما يجعلها أكثر مرونة، فجنسها الخطابي يتجدد من خلال تشكلها في هيتيروغلوسيا[12] خارج أدبية، وهو ما يسمح لها أن تصير مفتوحة دلاليا[13].

وعند دراسة الملحمة فالتركيز يكون على جانب البنية الشكلية، يقول[14]:

«ما هو مهم ليس صدق مصادر الملحمة، ولا محتوى أحداثها التاريخية، ولا ما صرح به مؤلفوها ـ ما هو مهم هو الخاصية الشكلية (الصورية) المشكلة لجنس الملحمة»

فالبنية الشكلية، أو الترتيب الذي يقوم عليه المحتوى، وليس المحتوى نفسه هو المقصد في دراسة الملحمة. أما في الرواية فالأمر بخلاف هذا، إذ دراسة الرواية تكون من أوجه كثيرة، فنجده في دراسته لدستويفسكي درس الرواية البوليفونية كجنس خطابي (فرعي عن جنس الرواية) بصفتها جنسا مستقلا عن الأجناس الأخرى كالبيوغرافيا (السيرة) والنفسانية والاجتماعية  …

وقد فصل في بحث آخر الروايات التي تقوم على تشكل صورة البطل : كرواية الرحلة، التي يكون البطل نقطة متحركة في المكان ولا يكون أصل الاهتمام الفني للروائي؛ ورواية المحنة، والتي فيها سلسلة من الامتحانات للبطل، ويكون البطل مكتملا وما الامتحانات هذه إلا للتأكد منها فقط، فالأحداث لا تغيره، وفي هذا الثبات للبطل يكمن الهدف.[15]

يعني هذا أنه ليس هناك نموذج جامع لدراسة الرواية، يقول :

«الرواية، في نهاية المطاف، ليس لها أي ركن خاص بها، فطبيعتها الخالصة أنه لا ركن لها»[16]

يرى باختين أن البحث عن قالب واحد لتحليل الرواية طريقة غير كاملة وخاطئة، ويرى أن الرواية أكثر تعقيد كشكل أدبي وتستعمل أجهزة معقدة لتشكلها، ومن هذه الأجهزة ما اشتغل على تطويره في عدة أعمال له، وهي : الكارنفال والهيتيروغلوسيا والپوليفونيا والحوارية والكرونوتوپ.

أما الكرنفال (carnaval) فكان هذا المفهوم موضوع كتابه أعمال فرانسوا رابليه والثقافة الشعبية، وهو يرى أن الرواية تشبه الكارنفال من حيث إن الروائي له الحق أن يفعل ما يريده، كالمشاركين في الكارنفال الذين يقومون بأشياء لا يمكنهم فعلها في غيره، وكذلك الروائي فهو يملك الحق في التعبير عن أفكار ومشاعر دون أن يتدخل برأيه، وبسبب هذه الخاصية الكارنفالية للرواية استطاعت الرواية أن توالف بين الپوليفونيا والهيتيروغلوسيا والحوارية فيها، فالرواية كارنفال تختلف فيها الأفكار والآراء، وتتقاطع فيها أساليب حوارية مختلفة ومتغايرة.

أما الهيتيروغلوسيا (Heteroglossia) وتناول هذا المفهوم أول مرة في مقاله عنوانه الخطاب في الرواية، فتحيل إلى التعايش والصراع بين خطابات مختلفة : خطاب الشخصيات، خطاب الرواة، وخطاب المؤلف. كما تحيل إلى اختلاف أشكال اللغة داخل اللغة الواحدة، كلغة جيل الشباب والشيوخ، أوالمجالات الخطابية كلغة الفقهاء ولغة الأكاديميين ..

فإذا استعملنا هذا لتبيين الفروق بين الشخصيات ووجهات نظرهم المختلفة، يجعل الرواية پوليفونية (Polyphony) أو متعددة الأصوات، ويدرس من خلال هذا المفهوم شخصيات الرواية من حيث استقلالها بقراراتها وبأفكارها عن مؤلف الرواية.

وهذا يحملنا إلى الجانب الحواري (Dialogic) للرواية، وهو يحيل إلى خاصية معقدة نجدها في الرواية التي يقوم بالسرد فيها ضمير المتكلم، هنا يتخيل الراوي قارئا خياليا يتحاور مع كاتب خيالي، بحيث يمكن تقسيم النص إلى جانب مقروء يؤديه الراوي، وجانب مضمر يؤديه القارئ، ويكون على شكل أسئلة تفاعلية، وهذا الذي تفطن إليه باختين نجده في النص وحتى وإن بدا أحاديا مونولوغيا.

أما الكرونوتوب أو الزمكان (Chronotope) (في معناه الصرف : زمان ومكان) فيتناول فيه الطريقة التي يعبر بها الروائي عن الزمن داخل المكان، وذلك بشكل فني في الأدب، وقد طور باختين هذا المفهوم في مقاله أشكال الزمن وكرونوب الرواية، وتناول فيه أجناسا أدبية تناولت الزمن بشكل مختلف، وهو ما يسمح بمعرفة خصائص كل جنس باعتبار تناوله للزمن، وكيف تظهر فيه روايته.

وهذا الالتفات إلى المحتوى، محتوى الرواية، بدل ترتيب بنائها، والتركيز على الميزة المسيطرة فيها، نجد له أثره في تصنيف أجناس الكلام.

أجناس الكلام

طور باختين نظريته عن تصنيف أجناس الكلام في مقاله المشهور مشكلة أجناس الكلام (بالإنغليزية : The Problem of Speech Genres)[17] الذي كتبه بين 1952 و1953، وفيه وضع حجر الأساس في موضوع تصنيف النصوص، إذ لم تبق بعده نظريات الأجناس متوقفة على النصوص الأدبية دون غيرها.

ومقاله هذا مشروع كتاب لم يكتمل، وهو ما يفسر التركيز العميق فيه وتشعبه. وقد ضم في مقاله عنوانين فقط، الأول يتعلق بتحديد إشكاليته وماذا يقصد من أجناس الكلام، أما الثاني فتناول فيه الملفوظ كوحدة التواصل الكلامي، والفرق بينه وبين وحدات اللغة (اللغة هنا بوصفها نظاما) كالكلمات والجمل. وبناء تصوره في مجمله قائم على أن كل جنس من أجناس الكلام  في حاجة إلى نوع من الملفوظات، وإن كانت هذه الملفوظات تتشارك في أساسيات واحدة داخل اللغة. والأجناس لا توجد كجزء من الخطابات ولكن كأشكال عرفية يأتي بها المتكلم ليتحمل إنتاج وتأويل الملفوظ.

وصدّر مقاله بإظهار الفرق بين تناول سوسير للسانيات ودراسته هو للغة بصفتها حوارا حيًّا يُدرس فيما أسماه (Translinguistics) أو (metalinguistics). ويعود التمييز الأساسي بين الاثنين إلى وحدة التحليل، فإذا كانت اللسانيات السوسيرية تعتمد الجملة كوحدة للتحليل، ففي الدراسات “العَبْر لسانية” (المتجاوزة للسانيات) يكون الملفوظ هو أساس التحليل، بصفته وحدة ملموسة وغير نظرية مفترضة، نجد لها أثرا في الواقع.

ويُظهر في مقاله أهمية المقام، وكيف هو سابق للخطاب، فالمقام يؤثر في تشكيل بناء الخطاب، لأن الكلام في الأصل لا ينتج سوى في مقام حي، وهو ما سمح له برسم حدود عدة مقامات تواصلية يمكن من خلالها تتبع أجناس الكلام، والأجناس عنده شرط ضروري لتحقيق التواصل، من حيث إن الكلام بطبعه يقتضي جنسا معينا. والحوار عن باختين هو الأصل في اللغة، فاللغة كما يتصورها، شيء ملموس وموجود في الواقع، يصدر عن متكلم أمام متلق في وضعية معينة، ولدراسة اللغة لا بد من تفعيل كل هذه العناصر في التحليل، لذا فعند تصنيف أجناس الكلام لا بد من التفطن إلى هذه العناصر، يقول في هذا[18]:

«تنجز اللغة في شكل ملفوظات فردية ملموسة (شفوية ومكتوبة) من قبل المشاركين في مختلف مجالات النشاط البشري. تعكس هذه الألفاظ الشروط والأهداف المحددة لكل مجال، ليس فقط من خلال محتواها (الموضوعاتي) والأسلوب اللغوي ، أي اختيار الموارد المعجمية والجملية والنحوية للغة، ولكن قبل كل شيء من خلال بنائها تركيبي».

وهذا التحول إلى وحدة للخطاب غير الجملة، وكذا النظر إلى اللغة بكونها ملفوظات فردية وملموسة؛ نجد له أثرا في الدراسات التي تشتغل على النص والخطاب، وهنا يُلمس التأثير الكبير الذي قامت به مقترحات باختين، فهذا التحول وجه الدراسات النصية والخطابية إلى دراسة الوثائق والملفوظات الأصلية، وتجنب الأمثلة المجردة المصنوعة على طريقة النحاة.

كما أنه أرسى أساسا في تصنيف النصوص باعتماده على معيار مقام التواصل، وكذا حين اعتبر مجالات النشاط الإنساني مؤثرا على تنظيم ملفوظات الكلام، ويعني بمجالات النشاط الإنساني الغرض (أو الهدف) من الكلام، وظروف الإنتاج (أي وضعية التلفظ)، وهذا التأثير ينعكس على المحتوى والأسلوب، وعلى المفردات والتراكيب وبناء النص. ولأجل هذا لا يمكن حدّ أجناس الكلام بعدد، لأن وضعيات النشاطات الإنسانية لا حدّ لها، فكل مجال تواصلي يحمل خزّانا من الأجناس التي تتطور وتصير أكثر تعقيدا من ثقافة إلى أخرى.

وكما استفاد باختين من فولوشينوف في كتابه الماركسية، فقد استفاد أيضا من ميدفيداف، الذي خصص فصلا كاملا عن الأجناس في كتابه The formal methode in literary scholarship (المنهج الشكلي في الدراسات الأدبية)، وقد نشر الكتاب أول مرة بالروسية سنة 1928، أي عشرين سنة قبل أن يُصدر باختين مقاله عن الأجناس، ولا شك أن نظرتهما للأجناس تشترك في كثير من الخصائص، بما يدعوا إلى الاعتقاد أن باختين أخذ كثيرا من المفاهيم من ميدفيداف، من ذلك أنهما يتفقان على أن الجنس مرتبط بملفوظ مكتمل، وكذا بأن العمل الفني يتميز بالوحدة الموضوعية، وضرورة التركيز على المتلقي والمقام[19]. ويشير ميدفيداف إلى أهمية دراسة الأجناس بقوله :

«حريٌّ بالشعرية أن تبدأ بالجنس، لا أن تنتهي به. فالجنس هو الشكل النموذجي للعمل كلها، والملفوظات كلها … الجنس هو المجموع النموذجي للملفوظات الفنية، والمجموع الحيوي، فهو الحل الكامل والنهائي. إن مشكلة الإكمال هي واحدة من أهم مشاكل نظرية الجنس»[20]

الأجناس الأولية والأجناس الثانوية

يفرق باختين في مقاله السابق بين الأجناس الأولية والثانوية، بحيث تكون الأجناس الأولية بسيطة (تتكون من جنس واحد)، وغالبا ما تظهر في المحادثة اليومية، ويعرّفها أنها تواصل لغوي بغير واسطة، كالرد المفحم بكلمة أو كلمتين، أو عبارات التحية والوداع والتهاني، أو المحادثات التي بين الأصدقاء، أو التي تكون حول المائدة بين العائلة وما إلى ذلك، أما الأجناس الثانوية فتكون معقدة، من حيث كونها تتركب من أجناس أخرى بسيطة، وهي تتطور في التواصل الثقافي المنتظم، وعادة ما تنجز باستعمال واسطة (الكتابة) فتعزل عن الواقع الفعلي، وهي تقوم على الأجناس الأكثر بساطة (الأولية)، فتعيد إبرازها بشكل مغاير، ومن الأجناس الثانوية : الروايات، الدراما، البحوث العملية بأنواعها وغيرها. ففي مثال الرواية، التي تنتمي إلى الأجناس الثانية، نجدها تتكون من أجناس بسيطة كالحوار[21].

ومعنى هذا أن الأجناس الأولية تتغير وتكتسب خاصية جديدة عندما تصير في الأجناس المعقدة، لأنها تفقد علاقتها المباشرة مع الواقع ومع التلفظ، لأن الحوار العادي الذي يكون بين صديقين في الواقع يكون مباشرا بغير واسطة، أما إذا استعمل الروائي حوارا مثله في رواية، فهو هنا يصير جزءا من كل، وينتقل من كونه بغير واسطة إلى انتقاله بواسطة (الكتابة)، كما أنه كان في الحالة الأولى كلاما عاديا مما يستعمل يوميا، أما في الثانية فعملا أدبيا فنيا باعتبار انتمائه إلى الكل الذي هو الرواية.

ولا يعني باختين بهذه التسمية أن الأولية مقدَّمة في الأهمية على الثانوية، كما قد تُوهِم تسميتهما، فلا شك أن الثانوية شغلت اهتمامه أكثر عندما حاول دراسة الأجناس الأدبية. وكون الأولى أولية هو من باب أن تعلمنا إياها يقترن مع تعلمنا للغة التي نتكلم بها، ولا يمكن للملفوظ أن يتخلص منها، في حين أن الثانوية فليست حبيسة اللغة، وإنما تتطور بحسب الثقافة، فيمكن أن نجد أجناسا ثانوية جديدة لم تكن من قبل في لغتنا.

لفهم مقصود باختين أكثر لا بد من تسليط الضوء على كل مستوى من الأجناس على الانفراد، والبداية مع الأجناس الأولية، بحكم كونها سابقة في الوجود نظريا، ولكونها مشكِّلة للأجناس الثانوية، فلا يستسيغ فهم تلك إلا بفهم هذه.

تحديد الأجناس الأولية

لإن لاقت الأجناس الثانوية اهتماما ودراسة من قبل الباحثين فإن الأجناس الأولية عند باختين تبقى مُشكِلة، وعند كثيرين مبهمة، حيث لا نملك إلا بعض الملامح عنها مما أشار إليه في مقاله هذا، لذا سأحاول هنا انطلاقا مما ذكره باختين تحديد المقصود من هذا النوع من الأجناس.

وأول ما يقابلنا عند محاولة التعرف عليها من خلال ما ذكره باختين، أنها أجناس مكوِّنة للأجناس الثانوية، وقد سبق معنا أن الرواية (وهي جنس ثانوي) تتكون من عدد من الأجناس الأولية، بحيث تصير هذه الأخيرة إلى رواية بتآلفها واجتماعها، فيتم امتصاصها من قبل الرواية، وذلك عن طريق عملية تحويل من الجنس الأولي إلى الجنس الثانوي، يقول باختين :

«أثناء عملية تكوينها، فإنها تستوعب وتهضمون أجناسا أولية (بسيطة) مختلفة اتخذت شكلها في اتصالات الكلام غير الوسيطة. هذه الأجناس الأولية تتغير وتتخذ طابعًا خاصًا عندما تدخل في الأجناس المعقدة. فتفقد علاقتها المباشرة بالواقع الفعلي والملفوظات الحقيقية للآخرين».[22]

فهذه أول خاصية للأجناس الأولية التي تسمح لنا بتتبعها، فهي مكونة لغيرها، ولا تتكون من أجناس أخرى، فيمكن مثلا أن ننظر في الأجناس التي تعتمد عليها الرواية لنحكم عليها أنها أولية.

ومما ذكره باختين مما يسمح بتحديد الأجناس الأولية كذلك «المجال»، حيث يصرح بارتباط الملفوظ بالمجال بقوله :

«كل مجال تستخدم فيه اللغة تطور أنواعها المستقرة نسبيًا من هذه العبارات. هذه قد نسميها أجناس الكلام»[23]

ويعني به ما يتعلق بالمقام التلفظي والمقام التواصلي، أي ما يتعلق بالظروف الخارجية المباشرة التي أنتج فيها الخطاب وما يتعلق بالشروط التي تحقق عملية التواصل، كما يتعلق بالميدان المعرفي الذي يستعمل فيه النص، ويمكن التعرف عليه من خلال التشاكلات الدلالية والمصطلحات التي ترد فيه. فمن خلال تخصيص مجال اجتماعي معين، يتمكن المتلفظ من تخصيص المعلومات وإيصال الأفكار التي تناسب مقصده، وهو مما يتعلق بالجانب التاريخي وبالتجربة الحياتية المشتركة للمجموعة المتكلمة، كما يعد وسيلة للفهم وبناء المعنى.

ومما ميز به باختين الأولية هو التنغيم، فقد تكون النبرة محترمة أو باردة وتتميز بالدفء أو نبرة فرح وهكذا، وهذا ما يسمح بالتعبير عن تفرد الملفوظ، يقول :

«عادة ما يكون الكلام محدودًا هنا إلى اختيار جنس معين. والفروق الدقيقة الطفيفة في التنغيم التعبيري هي ما يمكن أن يعبر عن فردية المتكلم (حيث يمكن للمرء أن يأخذ تنغيما جافيا أو أكثر احتراما، أو تنغيما باردا أو أكثر دفئا؛ كما يمكنه أن يقدم تنغيما يدل على الفرح وما إلى ذلك)»[24]

تحديد آخر للأجناس الأولية، يتعلق بعلاقتها مع نظرية أفعال الكلام، حيث ترى أندرسون ( Nina Møller Andersen) أن أجناس الكلام وأفعال الكلام هي الشيء نفسه[25]، فهي ترى أن الملفوظ المعزول يعد فعلا كلاميا، في حين أن العمل الأدبي يعد جنسا كلاميا. وتُعلِّق على التحول الذي يتكلم عنه باختين الذي يحدث من الأجناس الأولية إلى الثانوية، بأن هناك إجرائين للتحويل :

  • فالفعل التحويلي الأول : يتمثل في تحول تعبير من لغة عادية، يكون على شكل فعل كلامي، (تُعطي مثالا على ذلك : «ما أعظمكِ من زوجة !»)، إلى جنس كلامي (كقصيدة غزلية). هذا النوع من التحويل مبني على الفعل الإنجازي للمتلفظ، فذلك الملفوظ يصير له جنس كلامي باعتبار انتمائه إلى النص الذي ورد فيه؛
  • أما الفعل التحويلي الآخر : فهو تحول الملفوظ أو الفعل التواصلي إلى عمل أدبي، كأمر في شكل حجاج، أو تهاني في شكل رسالة، وفي مثل هذا التحويل تفقد الأجناس الكلامية الأولية علاقتها المباشرة مع الواقع، كأن تتنتقل من كونها حقيقة إلى أدب لها واقع مختلف.

والأفعال الكلامية عند أوستين (John Langshaw Austin) وسورل (John Searl) ترجع إلى ثلاثة أفعال : إنشائي وإنجازي وتأثيري، وهذا التقسيم هو ما يميز هذه النظرية، إلا أننا لا نجد هذا التمييز عند باختين، إلا إذا أولنا كلامه كما فعلت أندرسون[26]، على فرق يتعلق بالفعل التأثيري، الذي يجعله أوستين داخليا في الملفوظ، ويربطه باخيتن برد فعل المتلقي (خارجيا). كما أن سورل أفعال الكلام ترجع إلى خمسة أنواع كلية[27]، إلا أن باختين لم يسم أجناسه، ولم يجعل لها مسميات، بل مثّل على محتواها التأثيري الذي يتحدث عنه.

كما أن هناك إشكالا آخر في طرح أندرسون، إذ إنها تفترض أن الملفوظ إذا ما عُزل عن الكل يعتبر أوليا أما إذا نظرنا إليه في إطاره الكلي فيمكن أن نتعرف على جنسه الثانوي. وهذه النظرة تخالف توجه باختين، لأنه يرى أنه لا يمكن دراسة الملفوظ أو النص أو أي وحدة لغوية خارجا عن سياقها اللغوي الكلي والمقامي، فلا يمكننا أن ننظر إلى الملفوظ بصفته وحدة معزولة في مرحلة أولى ثم وحدة داخل الكل في مرحلة ثانية. فمذهب باختين أنه هناك استعمالات لملفوظات صورتها تأتي أجناسا أولية، وقد مثل لذلك بـ(الرد المفحم بكلمة أو كلمتين، أو عبارات التحية والوداع والتهاني ..الخ) كما سبق، ويمكن تتبع المحادثات اليومية لنجد أن أكثرها يندرج تحت تصنيفه للأجناس الأولية. كما يجعل ضابط الأجناس الثانوية أنها تتكون من أجناس أولية. وما أوقع أندرسون في الخلط هو إقحامها لنظرية أفعال الكلام، فصار تحليلها للأجناس الأولية والثانوية تحليلا للأفعال الكلامية. كما أنها لم تفرق بين التحليل التنازلي والتصاعدي، فالحوار في الرواية لا يعد جنسا أوليا وإنما ننظر إلى الرواية على أنها وحدة، وأنها جنس ثانوي.

ويضاف إلى هذا، أن فهم أندرسون للتمييز بين الأجناس الأولية والثانوية، أن اﻷولية حسبها يوصف بها الملفوظ، في حين أن الثانوية فهي التحول الذي نجده لها حين تصير في الخطاب، مع أن باختين يتناول عند تمييزه لهذين المستويين الخطاب والملفوظ كليهما[28]، فقد ترجع سلسلة من الملفوظات أو دور كلامي في حوار إلى أحد المستويين، ويدل على ذلك أيضا ارتباط الملفوظ بالجنس الكلامي، حيث يؤكد على أن كل ملفوظ لا يخلو أن يرجع إلى جنس كلامي معين، فالجنس الكلامي مكون فطري في الملفوظات وليس عنصرا يمكن عزله عنها.

وهل الملفوظ ينتمي بالضرورة إلى الجنس الأولي ولا يصير ثانويا إلا باجتماعه مع غيره؟ فليس الأمر كذلك، فتحليل الجنس الكلامي يكون من نظرة كلية، فإذا كانت سلسلة الملفوظات التي تشكل خطابا ما بسيطة، ونجد هذا في الخطابات التي تتناول غرضا واحدا، كنص تهنئة مثلا؛ فيسمى هذا الجنس أوليا. كما قد يضم سلسلة ملفوظات قصيرة جنسا ثانويا إذا كان مركبا من غرضين مثلا، كأن يحوي التهنئة والرجاء أو الدعاء مثلا.

لا شك أن نظرية باختين في الأجناس غير مكتملة، خاصة في شقها الأول الذي لم يشتغل عليه سوى في مقاله هذا، إلا أن الملامح التي قدمها للأجناس الثانوية تبدو أكثر وضوحا، وهو ما سنراه في العنصر التالي.

تطورية الأجناس الثانوية

يرى باختين أن الأجناس الثانوية في إطار تطورها تشرَّبت من أجناس أولى (أبسط)، ولفهم هذا نعود إلى مقاله :Bildungsroman (رواية التعليم)[29]، الذي درس فيه أعمال غوتيه على نفس شاكلة ما درس به أعمال دوستويفسكي ورابليه بكتابين مستقلين، ومع أنه لم يصلنا من كتابه هذا إلا جزء منه إلا أنه لا يقل أهمية عنهما. ويحاول فيه أن يدرس أجناس الروايات دراسة أشبه ما تكون بدراسة تطورية (بالمعنى الدارويني للكلمة)، فهو يتناول الأجناس كما كانت عليه في فترة زمنية ظهرت فيها كفترة الإغريق والفترة الباروكية أين كانت صورتها بسيطة، ومعالمها واضحة، ثم كيف تظهر هذه الخصائص التي شكلتها في روايات حديثة، مما استدعاه أن يصنفها تحتها، وهذا ما جعله يصنف تحت الجنس الروائي للمحنة : كتابات بالزاك وزولا وستوندال وحتى دوستيفسكي، يقول:

«من أجل فهم رواية القرن 19 وخاصة الرواية الواقعية (ستوندال وبالزاك وفلوبار وديكنز وثاكري) يجب تقييم كل هذه المبادئ التي تشكل البطل، والتي تشارك بدرجة كبيرة أو قليلة في بناء هذا النوع من الروايات.»[30]

ويمكن عرض نموذجين لتطور الأجناس الثانوية، وكيف عالجهما، في الراوية، وعلى النحو التالي :

نموذج1 : في مقاله رواية التعليم وجه اهتمامه الأساس إلى الزمان والمكان وصورة الشخص في الرواية، ومعياره استيعاب الزمن التاريخي الحقيقي، وقد رد فيه كثيرا من عناصر تطور الزمن في الرواية عند غوتيه إلى ثقافة عصر التنوير، هذه الفترة التي ظهر فيها التفطن للإحساس بالزمن عند الإنسان والطبيعة. وإلى تأثرها بما سبقها من عصر النهضة والقرن 17، وكذا تأثير التقليد الكلاسيكي[31]. ففيما يتعلق بمسألة الزمن، مثلا، يفرق باختين بين رواية الرحلة (التي تطورت إلى رواية التعليم فيما بعد) أين توجد في زمن يدعوه زمنا بيوغرافيا، وهذا بخلاف الزمن الذي تكون فيه قصص الجنيات، فالزمن البيوغرافي زمن واقعي. كما يفرق بين عالم  الملحمة وعالم الرواية، فالملحمة بالنسبة إليه لها عالمها الخاص بها، يقول :

 «بصفة عامة، عالم الأدب الرفيع في العصر الكلاسيكي، هو عالم متوجه إلى الماضي في المستوى البعيد للذاكرة، وليس لماض حقيقي مرتبط بالحاضر، بانتقال زمني غير منقطع»[32]

فوجود الأجناس الأدبية الكلاسيكية، ومنها الملحمة، في زمن ماض مغلق، منقطع عن أي حاضر، لا يعني أنه ليس فيه أي حركة في داخله، فالأصناف الداخلية الموجودة فيها غنية وفعالة يمكن تمييزها بـ:«قبل ذلك»، «بعد ذلك»، والحركة، والسرعة، والمُدَد …الخ إلا أن له قواعده الخاصة، تخضع لقوانين تختلف عن العالم الذي نراه بأعيننا. لأجل هذا فزمن الملحمة ليس محددا في مدة زمنية تاريخية (في الزمن الحقيقي)، ليس له موقع في التوالي التاريخي الحقيقي.

نموذج2 : وهذا الحدث التطوري للرواية أشار إليه أيضا في من ما قبل تاريخ الخطاب الرواية حيث لاحظ باختين عاملين في تشكيل الرواية : الضحك، والبوليغلوسيا، فأَقدم أشكال تنظيم اللغة كانت عن طريق الضحك عبر السخرية من لغة أخرى (أي جنس آخر) أو خطاب مباشر آخر، ثم طورت البوليغلوسيا هذه الأشكال إلى مستوى فني وأيديولوجي جديد، وهو ما سمح بوجود جنس الرواية. (ص. 50 – 51)

وكما تطورت الأجناس الروائية تطورت كثير من الأجناس الثانوية الأخرى، فيمكن دراسة الأجناس الثانوية الأخرى وتطورها كما درس الجنس الروائي، وهذه الأجناس تتطور مع تطور المجتمعات، كما أشار إلى علاقة تفتُّح أوروبا ولغاتها على الرواية وتطورها مع تطور الثقافة المحيطة بها، لطبيعة التأقلم لدى الإنسان، وهذا التأقلم نشاهده في تطور الثقافة، فتطور الرواية مقترن بتطورها (فتطور علم النفس والاجتماع له انعكاس على الرواية مثلا)، وكذا الواقعية في تناول الأحداث له أثره (النظر في تاريخ الواقعية وكيف انتقلنا بها إلى اليوم، كيف صارت العناصر الواقعية مهمة)، كما نشاهد هذا التأقلم في التقليد للمبتكر، فالبقاء لما يعجب القارئ، فإذا ابتكر مؤلف شيئا جديدا ويعجب القراء فسيستدرج كثيرين للكتابة على شاكلته.

الملفوظ : بين الفرادة والنمطية

وبالعودة إلى مقال مشكلة أجناس الكلام، فهو يقرر فيه أهمية دراسة الملفوظ في واقعه الملموس بقوله :

«إهمال طبيعة الملفوظ، أو الفشل في النظر في خصوصيات الفئات الفرعية العامة للكلام في أي مجال من مجالات الدراسة اللغوية يؤدي إلى الغموض والتجريد المفرط»[33]

وعلى هذا، فهو على خلاف البنويين يدعوا إلى دراسة الكلام على حساب اللغة كنظام (على اصطلاح سوسير)، و يرى أن إهمال طبيعة الملفوظات في أي دراسة لسانية يجعل الدراسة سطحية ومجردة، ويشوه تاريخية البحث ويضعف العلاقة بين اللغة والحياة.

كما أن تركيزه في تحليل الأجناس يقع على الملفوظ، يعني هذا انتقاله من اللغة كنظام إلى اللغة داخل الاستعمال، فحتى قبل ظهور المدارس التداولية الحديثة ونظريات تحليل المحادثات في الولايات المتحدة ونظرية التلفظ مع بنفنيست، اختار باختين منهجية خارجية، تعتمد على تحليل اللغة داخل الاستعمال، بدل دراسة الجمل المعزولة عن أي سياق، وعليه لا بد من ربط مفهوم الجنس الكلامي بالمقام الذي قيل فيه، والذي يكون على شكل تواصل بين المرسل والمتلقي.

في نظرية التلفظ يتميز الملفوظ بأن له وجودا في الواقع، بمعنى أنه ينجز في زمن معين ومكان معين من قبل متكلم معين موجها إلى متلق معين، ونتيجةُ هذا أنه لا يمكن أن يتكرر ملفوظ مرتين، حتى لو كرر نفس الشخص نفس الكلمات بنفس الترتيب في مكان واحد، لأننا نتحصل حينها على أداءين في زمنين مختلفين، وعليه نتحصل على ملفوظين، لذا فكل ملفوظ متفرد، ويميز باختين بين الملفوظ والجملة :

«الجملة المفهومة والمكتملة تمامًا ، إذا كانت جملة وليست ملفوظا يتكون من جملة واحدة ، لا يمكن أن تثير رد فعل يدل على الاستجابة: إنها مفهومة ، لكنها ليست كلاًّ. كل هذا – مؤشر كمال الكلام – لا يخضع للتعريف النحوي ولا للتعريف الدلالي المجرد.»[34]

فهو يربط المعنى الملفوظ بالكلية والاكتمال، على خلاف الجملة، مع أنه قد تكون الجملة ملفوظا عنده إذا كانت مكتملة.

وهو بهذا التصور قريب من مفهوم «الكلام» عند النحويين، الذي يشترط في معناه الإفادة وأن يحسن السكوت عليه، ولا يحسن السكوت عليه إلا عند اكتمال فائدته، على فرق جوهري بين المفهومين أن الملفوظ مربوط بالسياق الذي قيل فيه، ولم يميز نحاة العربية بين ما جاء في الاستعمال وما اختُلِق مجردا للتمثيل لقاعدة نحوية. فالجملة إذا قابلناها بالملفوظ ليس لها قائل وليس لها مخاطب توجه إليه مباشرة على خلاف الملفوظ، كما تُحدد الجملة بخصائصها النحوية على خلاف الملفوظ.

يعرّف باختين الملفوظ على النحو الآتي :

«كل ملفوظ له بداية مطلقة ونهاية مطلقة : بدايته يسبقها ملفوظات أخرى (أو حركات أخرى ذات دلالة مفهومة، أو تجاوب عملي مبني هذا هذا الفهم، على الرغم من أن هذه الحركات قد تكون صامتة). ينهي المتكلم ملفوظه من أجل ترك الكلمة للآخر أو لإفساح المجال لاستجاباته الدالة على الفهم»[35]

وعنده فسواء تعلق الأمر بالرد على سؤال ما بكلمة واحدة أو برواية متكونة من عدة فصول فإن كليهما يعد ملفوظا، لأن الملفوظ عنده مربوط بالاكتمال، ولأجل هذا فهو المحل الذي يتمظهر فيه الجنس، والفرق بين الملفوظين أن الرواية جنس ثانوي ومعقد في مقابل الجنس البسيط والأولي الذي يمثل الرد.

ويمكن لمس تداخل في مفهوم الملفوظ عنده، فالملفوظ يدل من جهة على الوحدة الكلية (سواء كانت كلمة أو رواية) والتي يحددها الدور الكلامي في المحادثة، كما يدل من جهة أخرى على الوحدات الصغرى المكونة للنص أو الخطاب، فالملفوظ عند باختين قد يتكون من سلسلة من الملفوظات[36].

وقد تكلم باختين عن تفرد الملفوظ، ولكننا نجد بعض الاضطراب في كلامه هنا أيضا، فمن جهة يرى أن كل ملفوظ متفرد في ذاته ومختلف عن غيره، ومن جهة أخرى يربط هذا التفرد بالجنس الكلامي الذي ينتمي إليه الملفوظ، ولا شك أننا نقابل عدة ملفوظات تنتمي إلى جنس كلامي، فهو يرى أنه لا يوجد ملفوظ مبتكر من قبل المتلفظ، بل معاد من الكلام ومكرور، فكلامنا مملوء بكلمات غيرنا كما يقول[37]، إلا أن تفرد الملفوظات لا يكمن في الكلمات، ولا حتى في معانيها، لأن تفردها نابع من الأسلوب، لذا فحين يتحدث باختين عن تفرد الملفوظ فإنما يقصد بذلك ترفده في الجنس الذي ينتمي إليه.

إلا أن هذا الاضطراب الظاهر يمكن رده إلى الإشكال الاصطلاحي الذي أشرت إليه آنفا، في استعماله الملفوظ لمفهومين، بمعنى الجملة في الاستعمال، وبمعنى الخطاب الملفوظ في كليته.

خلاصة

الهدف الذي حاول أن يتوصل إليه هذا البحث هو تتبع نظرية أجناس الكلام عند باختين، منطلقا من العناصر الأساسية التي تميز فكره في التنظير للراوية، إذ إنه رغم كون نظرية أجناس الكلام صادرة من فكر باختين إلا أن أكثر الباحثين أهمل وضع نظرية الكلام في إطارها عام مع فكره في التنظير للأجناس الأدبية والجنس الروائي.

بحث باختين عن أجهزة جديدة لتحليل الرواية غير الأجهزة التحليلية التي كانت متوفرة لدراسة الروايات الأوربية الكلاسيكية، وغير الأجهزة التي تدرس الفنون الأدبية الأخرى، جعله يتفطن إلى تغاير واختلاف من جهة داخل الرواية، وإلى انتظام يسمح للمحلل بدراستها، فاللغة عنده تقف بين النظام واللانظام كما نبه إلى ذلك مايكل هولكويست في مقدمة مجموع مقالات باختين التي نشرها وشارك في ترجمتها بعنوان التصور الحواري (The dialogic imagination)، وهذا ما سمح له، عندما استحدث نظرية لأجناس الكلام، أن يبحث عن ما يجمع هذه الأجناس وكذلك ما يفرق بينها، وكذلك فإن انصرافه عن دراسة النظام المجرد للراوية، إلى تتبع المحتوى، إلى التركيز على مجالات الكلام والموضوعات التي يأتي بها النص، وقد رأينا العلاقات المتداخلة بين الأجناس الأولية والثانوية وكيف نتعرف على الأجناس الأولية وما هي عملية تشكل الثانوية تاريخيا.

بدل دراسة اللغة بصفتها نظاما مجردا عن كل المؤثرات الخارجية، فإن باختين تحول على خلاف الدراسات البنوية التي كانت منتشرة في تلك الفترة، إلى دراسة اللغة داخل الاستعمال، وهو ما سمح له بأن يدمج مكونات أخرى تدخل في تكوين النص في التعرف على الجنس الكلامي. وهو ما دعاه إلى اعتماد وحدة للتحليل أخرى غير الجملة، فالملفوظات هي نتيجة اللغة داخل الاستعمال، وبهذا يكون الجنس الكلامي وحدة داخل التواصل وليس داخل اللغة. قائمة المصادر المراجع:

باختين، ميخائيل، شعرية دوستويفسكي، تر: جميل نصيف التكريتي (الدار البيضاء – بغداد: دار توبقال – دار الشرؤون الثقافية العامة، 1986)

عبد الحق قاسمي ، أجناس النصوص (كوكب العلوم, 2020)

Adam, Jean-Michel, ‘Les Textes: Types et Prototypes, Paris: Nathan-Université, 1992

Andersen, Nina Møller, ‘Genre and Language’, in GENRE AND …Copenhagen Studies in Genre 2, ed. by Sune Auken, Palle Schantz Lauridsen, and Anders Juhl Rasmussen (Valby: Forlaget Ekbátana, 2015), pp. 391–421

Bakhtin, Mikhail, Art and Answerability: Early Philosophical Essays, ed. by Michael Holquist and Vadim Liapunov, trans. by Vadim Liapunov, University of Texas Press Slavic Series, no. 9, 1st ed (Austin: University of Texas Press, 1990)

———, Problems of Dostoevsky’s Poetics, trans. by Caryl Emerson, Theory and History of Literature, v. 8 (Minneapolis: University of Minnesota Press, 1984)

———, Speech Genres & Other Late Essays, ed. by Caryl Emerson and Michael Holquist, trans. by Vern W. McGee (Austin: University of Texas Press, 1986)

———, The Dialogic Imagination: Four Essays, ed. by Michael Holquist, University of Texas Press Slavic Series, no. 1 (Austin: University of Texas Press, 1981)

Bakhtin, Mikhail M., and Pavel N. Medvedev, The Formal Method in Literary Scholarship, Trans. AJ Wehrle (Baltimore: John Hopkins University Press, 1978)

Briggs, Charles L., and Richard Bauman, ‘Genre, Intertextuality, and Social Power’, Journal of Linguistic Anthropology, 2.2 (1992), 131–72

Bronckart, Jean-Paul, Activité Langagière, Textes et Discours (Neuchâtel: Delachaux et Niestlé, 1996)

Bronckart, Jean-Paul, and Cristian Bota, Bakhtine Démasqué. Histoire d’un Menteur, d’une Escroquerie et d’un Délire Collectif (Librairie Droz, 2011)

Clark, Katerina, and Michael Holquist, Mikhail Bakhtin (Harvard University Press, 1984)

Fairclough, Norman, Discourse and Social Change (Polity press Cambridge, 1992), x

Miller, Carolyn R., ‘Genre as Social Action’, Quarterly Journal of Speech, 70.2 (1984),

Searle, John R., Expression and Meaning: Studies in the Theory of Speech Acts (Cambridge University Press, 1985)

Todorov, Tzvetan, Les Genres Du Discours (Le Seuil, 2016)

Voloshinov, Valentin Nikolaevich, ‘Marxism and the Philosophy of Language’, trans. by Ladislav Matejka and I. R. Titunik, 1973

Zenkine, Serge, ‘Jean-Paul Bronckart, Cristian Bota, Bakhtine démasqué’, Cahiers du monde russe. Russie – Empire russe – Union soviétique et États indépendants, 52/4, 2011,

[1] ينظر: عبد الحق قاسمي ، أجناس النصوص (كوكب العلوم, 2020) ص. 9.

[2] ينظر  قائمة المراجع آخر هذا البحث لتفاصيل هذه الأعمال، كما أن تودوروف وإن لم يصرح أنه بنى تصوره على باختين إلا أن اعتماده عليه جلي، خاصة وأن له أعمالا أخرى عنه، أما آدم وفيركلاوف وبرونكار فنجد جوانب من تصورهم قد اعتمدوا فيه على باختين كما صرحوا بذلك.

[3] Katerina Clark and Michael Holquist, Mikhail Bakhtin (Harvard University Press, 1984), p. 40.

[4] Jean-Paul Bronckart and Cristian Bota, Bakhtine Démasqué. Histoire d’un Menteur, d’une Escroquerie et d’un Délire Collectif (Librairie Droz, 2011), p. 585.

[5] ينظر على سبيل المثال:

                        Serge Zenkine, ‘Jean-Paul Bronckart, Cristian Bota, Bakhtine démasqué’, Cahiers du monde russe. Russie – Empire russe – Union soviétique et États indépendants, 52/4, 2011, 845–53.

[6] ينظر:

                        Jean-Paul Bronckart and Cristian Bota, Bakhtine Démasqué. Histoire d’un Menteur, d’une Escroquerie et d’un Délire Collectif (Librairie Droz, 2011), p. 351.

[7] Valentin Nikolaevich Voloshinov, ‘Marxism and the Philosophy of Language’, trans. by Ladislav Matejka and I. R. Titunik, 1973, pp. 95–96.

[8] ميخائيل باختين، شعرية دوستويفسكي، تر: جميل نصيف التكريتي (الدار البيضاء – بغداد: دار توبقال – دار الشرؤون الثقافية العامة, 1986) ص.  40. وأنبه هنا إلى خطأ حدث في الترجمة، إذ جعل المترجم «الرواية الفلسفية» في موضع «الرواية البوليفونية» في الاستشهاد أعلاه، وهذا ما لا يدعمه السياق، ومخالف للترجمتين الإنغليزية والفرنسية للكتاب.

[9] وهذه المقالات طبعت بالإنغليزية في مجموع عنوانه «The Dialogic Imagination: chronotope and heteroglossia».

[10] باختين، ص. 11.

[11]   ينظر فيما يتعلق بمقاربات دراسة الرواية :

                        Mikhail Bakhtin, The Dialogic Imagination: Four Essays, ed. by Michael Holquist, University of Texas Press Slavic Series, no. 1 (Austin: University of Texas Press, 1981), p. 42.

[12]  التغاير اللغوي أوالهيتيروغلوسيا مفهوم يعد توسيعا لمفهوم البوليفونيا له أيضا، والتغاير اللغوي ما يحدث من تعايش بين أصناف متميزة في وضع لساني واحد، والمصطلح الروسي الذي استحدثه باختين هو разноречие، حيث تعني (разно) مختلِف أو متغاير، و(речи) تعني خطاب. عرضه أول مرة في مقال له عنوانه الخطاب في الرواية، صدر بالروسية سنة 1924، وترجم إلى الإنجليزية سنة 1981، يشير باختين أن خاصية الرواية تكمن في التعايش والصراع بين خطابات مختلفة : خطاب الشخصيات، خطاب الرواة، وخطاب المؤلف.

[13]   في كونها مفتوحة دلاليا ينظر : (Bakhtin, The Dialogic Imagination, p. 8.)

[14] Bakhtin, The Dialogic Imagination, p. 16.

[15]  في بناء الرواية البوليفونية عند دوستويفسكي ينظر الفصل الثالث من شعرية دوستويفسكي، وفي الروايات التي تقوم على تشكل صورة البطل، ينظر :

                        Mikhail Bakhtin, Speech Genres & Other Late Essays, ed. by Caryl Emerson and Michael Holquist, trans. by Vern W. McGee (Austin: University of Texas Press, 1986), pp. 11–12.

[16] Bakhtin, The Dialogic Imagination, p. 39.

[17] Bakhtin, Speech Genres & Other Late Essays, pp. 60–102.

[18] Idem, p. 60.

[19] Nina Møller Andersen, ‘Genre and Language’, in GENRE AND …Copenhagen Studies in Genre 2, ed. by Sune Auken, Palle Schantz Lauridsen, and Anders Juhl Rasmussen (Valby: Forlaget Ekbátana, 2015), pp. 391–421 (p. 400).

[20] Mikhail M. Bakhtin and Pavel N. Medvedev, The Formal Method in Literary Scholarship, Trans. AJ Wehrle (Baltimore: John Hopkins University Press, 1978), p. 129.

[21]  ينظر: مقاله مشكلة أجناس النصوص، في تعريف الأجناس الأولية والثانوية (ص. 62)؛ في أمثلة الأجناس الأولية (ص. 79 وص. 81)؛ في أمثلة الأجناس الثانوية (ص. 62). وفي كون الرواية جنسا متعدد الطبقات ينظر مقاله (Epic and the Novel) ص. 8.

[22] Bakhtin, Speech Genres & Other Late Essays, p. 82.

[23] Idem, p. 60.

[24] Bakhtin, Speech Genres & Other Late Essays, p. 79.

[25] Andersen, p. 391.

[26] Andersen, p. 405.

[27] John R. Searle, Expression and Meaning: Studies in the Theory of Speech Acts (Cambridge University Press, 1985).

[28] Bakhtin, Speech Genres & Other Late Essays, p. 62.

[29]  ويطلق عليها بالألمانية كذلك (Erziehengsroman) وأحيانا تترجم إلى الإنغليزية بـ(Edication novel)، و (Bildung) تستعمل لعدة معان، وخاصة التعليم أوالثقافة، وإن كان هناك فرق في التعبير عن الثقافة باللغة الألمانية، فالثقافة قد تتعلق بالنشاط التعلمي من أجل اكتساب قدرات علمية وروحية، فهي بهذا إجراء تكويني، ويعبر عنها بالألمانية بـ(Bildung)، أما في الجانب الاجتماعي للمصطلح حيث تعني الثقافةُ الحضارةَ؛ من قيم ونماذج سلوكية، فتعبر عليها الألمانية بـ(Kultur). لذا لما كان هذا الجنس الروائي يتناول تطور النفسي والسلوكي للشخصية الرئيسية من صغره إلى أن يكبر سُميت بـ(Bildungsroman)، وناسب عند نقلها إلى العربية الاحتفاظُ بصيغتها، كما فعلتْ كثير من اللغات، أو ترجمتها برواية التعليم أو التكوين أو الثقافة، أما ترجمتها برواية التشكيل فأرى أن فيه لَبسا.

[30] Bakhtin, Speech Genres & Other Late Essays, p. 16.

[31] Idem, p. 26.

[32] Bakhtin, The Dialogic Imagination, p. 18.

[33] Bakhtin, Speech Genres & Other Late Essays, p. 63.

[34] Idem, p. 76.

[35] Bakhtin, Speech Genres & Other Late Essays, p. 71.

[36] Idem, p. 76.

[37] Bakhtin, Speech Genres & Other Late Essays, p. 89.

Continue Reading

Previous: دلالات الألفاظ الرباعيّة المضاعفة في القرآن الكريم
Next: التخريج العروضي لتجربة محمد الصالح باوية الشعرية – قصيدة :”ساعة الصفر” أنموذجا.

مقالات في نفس التصنيف

The role of digital media in promoting mass communication and achieving cultural communication
1 min read

The role of digital media in promoting mass communication and achieving cultural communication

2025-06-09
إدماج التكنولوجيا في التعليم وعلاقته بالجودة
1 min read

إدماج التكنولوجيا في التعليم وعلاقته بالجودة

2025-06-04
الضحك الجنائزي: تقنياته ومقاصده (دراسة تداولية في نادرة من نوادر أبي دلامة)
1 min read

الضحك الجنائزي: تقنياته ومقاصده (دراسة تداولية في نادرة من نوادر أبي دلامة)

2025-06-03

  • JiL Center on UNSCIN
  • JiL Center Journals
  • JiL Center on Research Gate
  • JiL Center on Youtube
  • JiL Center on Find Glocal
  • Follow us on Facebook

    Visitors

    Today Today 803
    Yesterday Yesterday 1,330
    This Week This Week 4,860
    This Month This Month 21,866
    All Days All Days 20,514,923
     

    تصنيفات

    الأرشيف

    من الأرشيف

    • مؤتمر  حقوق الإنسان في ظل التغيرات العربية الراهنة | أبريل 2013
      مؤتمر حقوق الإنسان في ظل التغيرات العربية الراهنة | أبريل 201317/01/20140admin

      نظم  مركز جيل البحث العلمي بالتعاون  مع كلية القانون بجامعة   بسكرة  وورقلة الجزائر مؤتمرا ...

    • مؤتمر الحق في بيئة سليمة | ديسمبر 2013
      مؤتمر الحق في بيئة سليمة | ديسمبر 201322/01/20140admin

      ...

    • مؤتمر العولمة ومناهج البحث العلمي | أبريل 2014
      مؤتمر العولمة ومناهج البحث العلمي | أبريل 201403/05/20140admin

      تحت رعاية وزارة العدل اللبنانية وبحضور ممثلين عن مديرية قوى الأمن الداخلي اللبناني وسماحة مفتي ...

    JiL Scientific Research Center @ Algiers / Dealing Center Of Gué de Constantine, Bloc 16 | Copyright © All rights reserved | MoreNews by AF themes.

    Cancel