
انعكاسات الهجرة على طفل الروضة ومساعي الأولياء للتوافق
Immigration Impact and Parents’ Role on Pre-school Education
د. هاروني رضوان (جامعة عبد الحميد بن باديس)
HAROUNI Redouane UNIVERSITY Abdelhamid Ibn Badis MOSTAGANEM ALGERIA
مداخلة ألقيت في المؤتمر الدولي المحكم : اشكاليات الهجرة واللجوء في الوطن العربي: طرابلس لبنان 19 و 20 يونيو 2020 عرض المداخلة متوفر في قناة المركز على هذا الرابط
Abstract:
Research has focused on early childhood for than a century because the development of the human character is shaped at this age. Thus, most of nations emphasize the importance of effective pre-school programs as it is widely believed that the child is the future in the society.
Parents are concerned about their children’s future, but they sometimes face socio-economic constraints which lead to their immigration to another country in hope of seeking a better future to their children. In the foreign country, parents face the dilemma of finding balance between getting assimilated into the new foreign culture and raising their children with the native cultural values.
Pre-school programs which are based on both assimilation and native cultural values might create an effective and efficient education of the immigrants’ children.
Key words: Immigration impact, kindergarten, children assimilation/integration, compatible syllabus, pre-school education
منذ ما يزيد عن قرن والعلماء يقرون بأهمية الطفولة المبكرة, فمن خلالها ترتسم معالم الشخصية, وتبرز الميول والرغبات, لذلك تسعى أغلب الأمم للاهتمام بطفل الروضة رجل المستقبل المعول عليه في البناء الحضاري.
وتتمحور مشاريع اغلب الأسر في إعداد أبناء لمستقبل مشرق ضمن مجتمع محلي واضح المعالم, لكن قد يجد الوالدان وضعهما يفرض هجرة إلى بلد مختلف ثقافيا، فيصابان بارتباك وحرج يجعلهما يسعيان إلى البحث عن مخرج توافقي لاندماجهما أولاً، والتفكير ثانياً في تربية الأبناء بأسلوب متوازن.
إن اندماج الأبناء في مجتمع الهجرة ضرورة يفرضها الواقع المعاش, لكن هناك إمكانات لخلق توافق بين مبادئ عامة وما يناسبها من ثقافة المجتمع الحاضن, هذه الفكرة يمكن أن تجسد عبر بناء منهاج لروضة أطفال خاصة, يراعي ثقافة الأسرة، ولا يتعارض مع ثقافة المجتمع المضيف، يكون ذلك بتطبيق المنهاج المتوافق عبر مشاريع إنشاء رياض أطفال تجمع أبناء المهاجرين.
الكلمات المفتاحية: انعكاسات الهجرة, طفل الروضة, اندماج الأبناء, المنهاج المتوافق, رياض الأطفال
1/ المقدمة و الإشكالية:
تعتبر تربية الطفل محور أساسي للأسرة، فهي تسعى إلى إعداد طفلها إلى أخد مكانة مرموقة داخل المجتمع، إلا أن بعض الأسر تضطر إلى الهجرة إلى دولة تختلف ثقافتها مع الثقافة الأصلية للأولياء، وتنشئة الطفل تقتضي اندماج داخل ثقافة المجتمع
الموفر للإقامة بحكم أنه الحاضن اجتماعيا وفق قوانين تحدد مجالات التربية والتعليم وولوج الحياة المهنية.
يصاب أغلب الأولياء المهاجرين بارتباك وحرج شديد لما يبلغ طفلهما سن الروضة (3-5) سنوات، فتلك مرحلة قاعدية للتشبع بثقافة المجتمع، ذلك باعتبار أن النمو اللغوي والاجتماعي يكون في مرحلة التأسيس.
إن الإقامة في دولة أجنبية كمشروع قد يطول أمده ذلك يجعل الأولياء يسعون للبحث عن مخرج لتربية الأبناء بما لا يفقدهم المبادئ الأساسية التي شكلت هويتهم الأصلية.
وأغلب الدول المضيفة للمهاجرين قد تفرض اندماج داخل مجتمعاتها بدعوى المواطنة، لكن ذلك يجب أن لا يتعارض مع مبادئ الحرية التي تكفلها الدولة الموفرة للإقامة.
إن فكرة الحوار بين الثقافات تساعد على التعايش بين مختلف الثقافات داخل المجتمع، بالبحث عن مجال للتوافق المرن، قد يتحقق عبر تأسيسه من خلال منهاج لتربية أطفال الروضة الذي قد يتسع لمختلف الثقافات المتعايشة.
2/ أهمية مرحلة رياض الأطفال وبعدها التربوي الاجتماعي:
تعتبر مرحلة رياض الأطفال من أهم وأخصب المراحل التعليمية وتمثل مكانة تربوية في السلم التعليمي، لأنها تعتبر الأساس القوي والقاعدة المتينة لجميع المراحل التعليمية اللاحقة لها، وهي الجسر القوي لخروج الطفل من عالمه المحدود في بيئته إلى عالم أكبر وأوسع يوفر علاقات اجتماعية .
والتربية الاجتماعية تنشأ الطفل على آداب اجتماعية فاضلة وأصول نفسية منبثقة من عقيدة سمحة، وتقوم التربية الاجتماعية على التربية الإيمانية والأخلاقية والعقلية، وذلك ليستطيع الطفل التفاعل مع المجتمع والتأثير فيه. (سحر نسيم وجيهان محمد، 2015، ص : 83،112) والمجتمعات العربية الإسلامية مؤمنة بأن دينها عالمي يحث على قيم إنسانية سمحة، ومن أهدافه الانفتاح على كل المجتمعات كسعي للدعوة بالتي هي أحسن، والحوار مع المجتمعات الأخرى، وبالتالي على الجاليات العربية المسلمة بناء جسر تواصل وتفاعل مع المجتمعات المضيفة في سبيل الرقي بالإنسانية .
3/ النمو الاجتماعي للطفل وحاجته للانتماء :
يتفق علماء التحليل النفسي على أن السنوات الأولى من حياة الطفل، هي الدعامة ونعتقد أن هناك مبادئ إنسانية عامة يتفق عليها البشر من مختلف الثقافات، من الضروري تعزيزها مع بقاء الاحترام في خصوصيات استثنائية .
4/ الأساس الاجتماعي لرعاية الطفولة :
إن رعاية الطفل لا تنشأ في فراغ لأن الطفل يعيش وسط جماعة وفي مجتمع له عاداته وتقاليده وطموحاته ومستهدفاته وتوقعاته من أفراده وأجياله الجديدة، ويعتبر كل ذلك أساس لا غنى عنه لتقديم الرعاية اللازمة في سلوك وتصرفات الأطفال بما يتماشى وهذا الأساس وهكذا يشكل المجتمع بكل مظاهر حياته وثقافته حجر الزاوية في طبيعة وحجم الرعاية المطلوبة للأطفال بحيث تكون كل برامج الرعاية الشاملة للطفل مستمدة من هذا الواقع الاجتماعي بشكل يحقق للطفل نمواً طبيعياً متكاملاً ويمكنه من العيش في المجتمع.(صافي شلبي وفوزية النجاحي، 2016، ص :19) .
ما ذكر يشكل القاعدة العامة في تربية الطفل، أي عندما يكون الطفل يتربى داخل مجتمعه الأصلي، أما إذا كان الطفل يعيش مع والدين في ديار الغربة فهنا لا بد من برامج منتقاة تراعي الاندماج المتوازن وفق قواسم مشتركة لمبادئ عامة.
5/ الروضة والتنشئة الاجتماعية للطفل :
إن عملية التنشئة الاجتماعية عملية تكيف الطفل لبيئته الاجتماعية ، وتشكيله على صورة مجتمعه، وصياغته في القالب والشكل الذي يرتضيه، فهي عملية تربية وتعليم تضطلع بها الأسرة والمربون، بغية تعليم الطفل الامتثال لمطالب المجتمع والاندماج في ثقافته، والخضوع لالتزاماته، وتعليمه القيم السائدة ومجاراة الآخرين بوجه عام، وعملية التنشئة الاجتماعية تقوم على ضبط سلوك الطفل وكفه عن الأعمال التي لا يقبلها المجتمع وتشجيعه على ما يرضاه منها، حتى يكون متوافقا مع الثقافة التي يعيش فيها.(محسن عثامنة، 2010، ص :47).
فالتوافق مع المجتمع قد يكتسي مرونة باعتبار البشرية تشترك في مبادئ عامة، والمقيم في الدولة المضيفة يمكنه التكتل مع بقية الأفراد الذين يشترك معهم في الخصوصيات بقصد بناء أرضية توافق يسعون بها لدى سلطات الدولة الدامجة .
6/ العنصر الاجتماعي في بناء مناهج الرياض:
يجب الاهتمام بالجوانب الاجتماعية التي تؤدي دورا كبيرا في تشكيل شخصية الطفل في مرحلة رياض ألأطفال كذا ينبغي توفير علاقات اجتماعية سليمة بين الطفل وكل من يتعامل معه.
وينبغي ان ترتبط المناهج التربوية لرياض الاطفال مع ما يحقق أهدافها فإذا كانت هذه المرحلة تهدف بشكل أساسي ألى مساعدة الطفل على النمو المتكامل في الجوانب العقلية والبدنية والوجدانية والاجتماعية حتى يستطيع التكيف تدريجيا مع بيئته، ويمارس حياته الاجتماعية بشكل متوازن. ( علي راشد، 1998، ص: 21).
ويعد مجال بناء مناهج رياض الاطفال مشروع متعدّد المساهمات، فبالإضافة للمختصين يشارك الاولياء في مجمل العناصر المرتبطة بشخصية الطفل، لذلك يمكن تكييف المناهج الخاصة بدولة إقامة الجاليات العربية المسلمة، ويتم ذلك بطريقة مرنة متوافقة.
7/ الخاتمة :
إن المبادئ العالمية خاصة ما يتعلق بالحوار بين الثقافات والتعايش السلمي لمختلف المجتمعات، قد توفر مجال واسع لتوافق يبدأ من خلال مرحلة الطفولة المبكرة، والتي تنشأ ضمن مرونة مناهج رياض الأطفال.
فعلى الأولياء الذين يعيشون في بلاد الغربة تحت ظروف أدت بهم إلى الهجرة إلى أوطان مجتمعاتها تختلف ثقافتها عن هؤلاء الأولياء أن يسعوا للتكتل ضمن فئة لها خصوصية مشتركة، مجهودها يجب أن يصب في مشروع بناء منهاج لرياض الأطفال يحافظ من جهة على مبادئ أساسية للأولياء ومن جهة أخرى يتوافق مع قوانين الدولة المضيفة، فالمبادئ العالمية الأساسية النابعة من تفكير يراعي الاحتياجات الإنسانية كفيلة بأن تجد أرضية لتعايش إيجابي متزن ومتوافق .
8/ التوصيات والاقتراحات:
- تكتل الاولياء المهاجرين ضمن جمعية مهتمة بالأطفال الصغار
- ألتماس المساعدة من مخابر بحثية لجامعات مهتمة بالطفولة المبكرة
- عقد ندوات يشارك فيها خبراء تربويين مهتمين بأطفال الرياض
- فتح مواقع في شبكة الانترنت لدراسة المقترحات الخاصة برياض الاطفال
- إنشاء روضات نموذجية للاقتداء بها والتكون لديها
- تمويل بحث لبناء دليل لروضات المهاجرين
- السعي لدى المختصين لبناء منهاج متوافق يناسب روضات المهجر
- العمل على تكوين مربيات مؤهلات للإشراف على روضات المهاجرين
9/ المراجع :
- صافي شلبي وفوزية النجاحي (2016)، استراتيجيات تربوية في رعاية طفل ما قبل المدرسة، القاهرة : دار الكتاب الحديث.
- محمد كمال يوسف (2009)، الخبرات التربوية المتكاملة لرياض الأطفال، القاهرة : دار النشر للجامعات .
- محسن عثامنة (2010)، الطفولة المبكرة، الأردن : مؤسسة حمادة للدراسات الجامعية والنشر والتوزيع.
- سحر نسيم وجهان محمد (2015) إسهامات علماء المسلمين في تربية الطفل، الأردن : دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة.
- علي راشد(1998) موسوعة سفير لتربية الأبناء، القاهرة : شركة سفير.