سوء التوافق النفسي لدى مدمني الحبوب المهدئة والمنومة (القرقوبي) وعلاقته بالاغتراب النفسي
الباحثة خديجة أنجار/جامعة محمد الخامس السويسي / المغرب
مقال نشر في مجلة جيل العلوم الإنسانية والاجتماعية العدد 34 ص 95.
ملخص:
يستعرض المقال النتائج التي توصلت إليها الباحثة في دراسة موضوع التوافق النفسي لدى مدمني الحبوب المهدئة والمنومة وعلاقته بالاغتراب النفسي، بتوظيف المنهج الوصفي التحليلي والاعتماد على مقياس التوافق النفسي ومقياس الاغتراب النفسي. فدراسة الموضوع ترنو إلى فهم شخصية المدمنين وما يعانونه من ضغوطات واضطرابات نفسية اجتماعية وحتى معرفية، بالإضافة إلى السعي للمساهمة في تسهيل خطوات العلاج للتخلص التام من تعاطي هذا النوع من المخدرات ؛ وذلك بدراسة متغيرات الموضوع رغم أنه معقد يحتاج للكثير من التمحيص والتنقيب من خلال الدراسات والأبحاث العلمية، التي يجب أن تنكب على مفاهيم أخرى مرتبطة بالإدمان على الحبوب المهدئة والمنومة (القرقوبي).
الكلمات المفتاحية : سوء التوافق النفسي / المدمن / الحبوب المهدئة والمنومة / الاغتراب النفسي.
1 – تقديم الإشكالية :
تتخبط فئة من المراهقين والشباب المغربي المدمن، في ظل الأوضاع والتحديات الاقتصادية والتحولات القيمية الاجتماعية في مشاكل عدة؛ ومعانات نفسية اجتماعية سواء في تفاعلاتهم مع الآخرين، أو فيما يخص كذلك توافقهم السليم مع مكونات المجتمع ومعاييره وقيمه، ما أدى بهم إلى صراعات داخلية ذاتية وتفاعلية. هذه الوضعيات المتسمة بنوع من التجربة السلبية تجاه المجتمع والناتجة عن مواقف التهميش وتبخيس الطاقات والقدرات ، وما يصاحبها أيضا من إحساس بالاحباطات والفشل نتيجة الحرمان العاطفي وعدم توفير الرعاية الجيدة وغياب الإحساس بالأمن خلال مراحل النمو الأولى، أدى إلى سوء توافقهم خاصة مع ذاتهم ومع الأسرة ثم مع محيطهم الاجتماعي.وإن محاولة المدمنين مواجهة هذه الصراعات جعلتهم يرتمون بسهولة في براثين الإدمان على شتى أنواع المخدرات؛ وسأركز خاصة على الحبوب المهدئة والمنومة “القرقوبي” نظرا لتميز خصائصها وإثارتها أكثر للمدمنين الذين يعانون من مشاكل وصعوبات في التوافق النفسي فهي أقرب ملاذ لهم لنسج عالمهم الخاص والبديل عن الواقع الشائك الذي يعيشونه، ما جعل من بنيتهم النفسية مرتعا لتكون مشاعر وأحاسيس الاغتراب النفسي، المتمثلة في : التمرد والعدوانية وعدم تحقيق الذات والعزلة الاجتماعية أو الانسحاب العلائقي، والشعور بالضياع وعدم الاستقرار الداخلي، بالإضافة إلى غياب أهداف ومشاريع الحياة بسبب طمس كل إمكانيات استثمار القدرات الذاتية في المجالات الحياتية. وكما ذكرت كورني هورني Corny henryفالإغتراب يحيل إلى : ” إلى ضغوط داخلية؛ حيث يوجه الفرد معظم نشاطه نحو الوصول إلى أعلى درجات الكمال حتى يحقق ذاته ويصل بنفسه إلى الصورة التي يتصورها، ويصبح غافلا عن واقعه من جراء انشغاله الذاتي، مما قد يؤدي إلى العجز عن اتخاذ القرارات، وبالتالي العيش في حالة من اللاواقعية ويصبح بالتالي وجوده زائفا”[1] وكما أضاف إريك فروم Erick Frommأن : ” الإنسان الذي يعاني من الاغتراب النفسي لم يعد كمركز لعالمه أو كخالق لأفعاله، بل أن أفعاله ونتائجها تصبح بمثابة سيدة عليه يطيعها ويعبدها، أي أنه تصبح له ذات زائفة” [2] بمعنى آخر أن المدمنين الذين يدخلون في دوامة الاغتراب النفسي لا يحسون بأن هناك رابطة تربطهم بواقعهم حيث يتموضعون في معادلة متشابكة ومترابطة من خلال عملية تأثير وتأثر ويسعى هذا البحث إلى وضع محاولة لدراسة هذه الإشكالية.
- – أهمية البحث :
تتجلى أهمية البحث في إحاطته بإشكالية مرتبطة بفئة من شباب مجتمعنا المغربي، الذين يعانون من مشكل الإدمان على مواد الحبوب المهدئة والمنومة les psychotropes ، ويسعى إلى تسليط الضوء على أحد أهم العناصر النفسية التي تدفع بالفرد إلى ولوج عالم المخدرات، ويتمثل هذا العنصر في سوء التوافق النفسي وما يخلقه الإدمان من حالة اغتراب نفسي لدى المدمنين. فهذا البحث يسعى إلى فهم أكثر لظاهرة الإدمان على هذا النوع من المخدرات خاصة في ظل ندرة الدراسات، بالإضافة إلى تسهيل عملية وضع برامج علاجية للمدمنين، وذلك بالاستفادة من الجانب الميداني للدراسة والمتمثل في نتائجها التي يمكن للمعالجين وللباحثين في الميدان الاستفادة منها.
3 – أهداف البحث :
يهدف البحث إلى دراسة مظاهر سوء التوافق النفسي، والذي يشمل العلاقة مع الذات ومع الأسرة والأصدقاء والعلاقة مع المحيط العام، بمعنى التعرف على مدى مساهمته وارتباطه كعامل نفسي بإدمان فئة من الشباب على هذا النوع من أنواع المخدرات ومدى مساهمته في اضطراب البنية النفسية للمدمنين واختلال علاقاتهم وتفاعلاتهم الاجتماعية. ويهدف كذلك إلى التعرف على مظاهر الاغتراب النفسي التي يخلفها التعاطي من ” عدم تحقيق الذات، التمرد، ضعف الشعور بالانتماء، العزلة فقدان القيمة والهدف من الحياة..” وذلك في ارتباطه ببعض المتغيرات المتحكمة في مستوى الاغتراب لدى المدمنين كمتغير : السن والوضعية مع الأسرة ومدة الإدمان. وفي الأخير أدرج هدف القياس النفسي لمستوى التوافق النفسي في ارتباطه بأبعاد الاغتراب النفسي لدى مدمني الحبوب المهدئة والمنومة
4 – أسئلة إشكالية البحث :
– هل هناك علاقة ارتباطية بين مستوى التوافق النفسي لدى مدمني الحبوب المهدئة والمنومة (القرقوبي) Les psychotropes و الإغتراب النفسي المتمثل في عدم تحقيق الذات، التمرد، العزلة، فقدان الشعور بالانتماء وفقدان الهدف ؟.
– هل المدمنين على الحبوب المهدئة والمنومة لديهم سوء التوافق النفسي بفروق ذات دلالة إحصائية تعزى لمتغير السن والوضعية مع الأسرة والحالة الاقتصادية (الدخل الشهري للفرد أو الأسرة ) ؟
– هل هناك فروق ذات دلالة إحصائية بين الأفراد المدمنين على مستوى الإغتراب النفسي تبعا لمتغير السن وعدد سنوات الإدمان؟
– هل هناك فروق ذات دلالة إحصائية بين الأفراد المدمنين في مستوى الإغتراب النفسي تبعا لمتغير الوضعية مع الأسرة (يعيشون مع والديهم؛ يعيشون مع أحدهما ؛ لا يعيشون مع أي منهما ؟
5– فرضيات البحث :
نفترض أن هناك علاقة ارتباطية بين مستوى التوافق النفسي لدى مدمني الحبوب المهدئة والمنومة (القرقوبي) و الإغتراب النفسي المتمثل في عدم تحقيق الذات، التمرد، العزلة، فقدان الشعور بالانتماء وفقدان الهدف.
– نفترض أن المدمنين على الحبوب المهدئة والمنومة لديهم سوء التوافق النفسي بفروق ذات دلالة إحصائية تعزى لمتغير السن والوضعية مع الأسرة والحالة الاقتصادية (الدخل الشهري للفرد أو الأسرة )
– نفترض أن هناك فروق ذات دلالة إحصائية بين الأفراد المدمنين في مستوى الإغتراب النفسي تبعا لمتغير السن وعدد سنوات الإدمان.
– نفترض أن هناك فروق ذات دلالة إحصائية بين الأفراد المدمنين في مستوى الإغتراب النفسي تبعا لمتغير الوضعية مع الأسرة ( يعيشون مع والديهم؛ يعيشون مع أحدهما ؛ لا يعيشون مع أي منهما).
- – المفاهيم الإجرائية :
- مفهوم مستوى التوافق النفسي l’ajustement psychologique:
يعبر في هذا البحث عن مدى إشباع الفرد المدمن على الحبوب المهدئة والمنومة لحاجاته ومتطلباته النفسية، وذلك في إطار علاقاته التفاعلية مع أسرته وأصدقائه ومع محيطه العام. وفي ارتباطه بمجموعة من العوامل التي تؤثر سلبا على دينامية التوافق. يشير كارل روجرزCarl Rogers في تعريفه للتوافق إلى كيفية تقدير وإدراك الفرد لذاته، فهو في نظره يحيل إلى : ” قدرة الشخص على تقبل الأمور التي يدركها بما فيها ذاته ثم العمل من بعد ذلك على تبنيها في تنظيم شخصيته ” [3] وقد حددت أبعاده في : التوافق الانفعالي والتوافق الأسري والتوافق الاجتماعي.
- مفهوم الإغتراب النفسي Aliénation psychologique :
الإغتراب النفسي مفهوم تناولته العديد من مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية وأفاضت في معانيه وأهميته لدى الكائن الإنساني، وهو في هذا البحث عبارة عن متغير من المتغيرات الأساسية وأقصد به شعور الفرد الداخلي بالتباعد والانفصال عن ذاته وواقعه ومحيطه بالرغم من كونه يعيش ويتعايش داخله لكن دون انسجام أو تناغم. أي أنه لا يحس بانتماء هويته النفسية إلى محيطه، وقد حددته في مجموعة من الأبعاد المتمثلة في : عدم تحقيق الذات والتمرد والعزلة والعجز فقدان الهدف وضعف الشعور بالانتماء.
- مفهوم الحبوب المهدئة والمنومة (القرقوبي ) Les psychotropes :
وهي عبارة عن مجموعة من العقاقير التي يطلق عليها فرمكولوجيا ديازيبام Diazepam وتستعمل لعلاج القلق والانفعالات وعلاج الأرق وآلام العضلات [4] … وذلك بوصفة طبية، ويلجأ المدمنون إلى هذه العقاقير لمفعولها التخديري وتأثيراتها. وهي ما يصطلح عليها في البيئة المغربية بالقرقوبي .ومن بين هذه العقاقير :
Valium – Imovane – Lexomil 6 mg – Rivotril – Roche – Artane – Nordaz – Tesmesta [5]
- المدمنون Les toxicomanes :
هم متعاطي الحبوب المهدئة والمنومة (القرقوبي). والذين تتراوح أعمارهم بين 14 و 28 سنة.
7- منهج وتقنيات البحث :
معلوم أن اختلاف مواضيع البحوث يؤدي إلى اختلاف المناهج والأدوات الموظفة، حيث يختار الباحث المنهج الملائم والمتوافق لدراسة موضوعه. وقد اتبعت في دراسة موضوع: التوافق النفسي لدى مدمني الحبوب المهدئة والمنومة (القرقوبي) وعلاقته بالاغتراب النفسي” ، على المنهج الوصفي التحليلي، الذي يحاول وصف طبيعة الظاهرة موضوع البحث، ويشمل ذلك تحليل بنيتها وبيان العلاقة بين مكوناتها. كما أنه منهج علمي يمكن من الكشف عن خبايا العناصر المرتبطة بالإشكالية، وبالتالي فموضوع الدراسة يستدعي عملية الوصف والتحليل بناء على البيانات المحصل عليها من خلال مقياس الاغتراب النفسي للباحثة رغداء نعيسة وهي دكتورة في علم النفس بكلية علوم التربية جامعة دمشق. ومقياس التوافق النفسي لهيوم بل (1934 )، نقله إلى اللغة العربية محمد عثمان نجاتي سنة (1960).
8- مجالات البحث :
أ – المكان والزمان : أجري هذا البحث في جامعة محمد الخامس السويسي- كلية علوم التربية خلال السنة الدراسية 2012-2013 . وفيما يخص مكان إجراء البحث الميداني فقد أجري بالمركز الوطني للعلاج والوقاية والبحث في الإدمان بالمستشفى النفسي الجامعي الرازي. وأيضا بالجمعية المغربية لمساعدة أطفال في وضعية صعبة التابع لمؤسسة أحمد بن زايد آل نهيان للرعاية الاجتماعية بمنطقة عين عتيق.
ب – المجال البشري : شمل البحث مجموعة من مدمني الحبوب المهدئة والمنومة (القرقوبي) وعددهم 20 مدمنا، منهم من في مرحلة العلاج بالمركز الوطني للعلاج والوقاية والبحث في الإدمان بالمستشفى النفسي الجامعي الرازي ومدمنين من المركز الاجتماعي عين عتيق.
9 – عينة البحث :
تتكون من 20 مدمنا على الحبوب المهدئة والمنومة (القرقوبي) من مختلف الأعمار من المركز الوطني للعلاج والوقاية والبحث في الإدمان بالمستشفى النفسي الجامعي الرازي. ومن المركز الاجتماعي عين عتيق.
- وصف عينة البحث :
طبق مقياس التوافق النفسي ومقياس الاغتراب النفسي، على عينة تحتوي على 20 مدمنا على الحبوب المهدئة والمنومة (القرقوبي)، مختلفين من حيث السن ومدة الإدمان والمستوى الاقتصادي (الدخل الشهري للفرد أو الأسرة) وأيضا من حيث الوضعية مع الأسرة. وسأدرج توزيع هذه العينة حسب هذه المتغيرات.
الجدول رقم (1) : توزيع عينة البحث حسب السن :
| السن | العدد | النسبة المئوية |
| من 14 إلى 20 سنة | 14 | 70 % |
| من 21 إلى 28 سنة | 6 | 30 % |
| المجموع | 20 |
يبين الجدول (1) توزيع عينة البحث حسب متغير السن، فعدد المدمنين الذين يمثلون أعلى نسبة بمعدل 70% هم الفئة المتراوحة عمرهم من 14 إلى 20 سنة وهي التي تضمن عددا من المراهقين، في حين تشكل نسبة المدمنين المتراوحة أعمارهم من 21 إلى 28 سنة 30 % وهي فئة الشباب الأقل نسبة.
الجدول (2): توزيع عينة البحث حسب الوضعية الاقتصادية (الدخل الشهري للفرد أو الأسرة):
| السن | العدد | النسبة المئوية |
| أقل من 2000 درهم | 15 | 75 % |
| أكثر من 2000 درهم | 5 | 25 % |
| المجموع | 20 | 100 % |
يبين الجدول (2) توزيع عينة البحث حسب متغير الوضعية الاقتصادية ( دخل الفرد الأسرة الشهري)، فعدد المدمنين الذين يمثلون أعلى نسبة بمعدل 75 %هم الفئة التي تحصل على دخل أقل من 2000 درهم، أما الفئة التي دخلها أكثر من 2000 درهم فهي تمثل أقل نسبة من الأفراد ب 25%.
الجدول (3) : توزيع العينة حسب سنوات الإدمان:
| عدد سنوات الإدمان | العدد | النسبة المئوية |
| من سنة إلى 5 سنوات | 12 | 60 % |
| من 6 إلى 10 سنوات | 8 | 40 % |
| المجموع | 20 | 100 % |
يبين الجدول (3) نسب توزيع عينة البحث المكونة من 20 مدمنا على الحبوب المهدئة والمنومة، حسب سنوات الإدمان لدى هذه العينة. حيث يمثل الأفراد المدمنين من سنة إلى 5 سنوات نسبة 60%، مقابل 40 % بالنسبة للمدمنين من 6 إلى 10 سنوات.
الجدول (4) : توزيع عينة البحث حسب الوضعية مع الأسرة :
| الوضعية الأسرية | العدد | النسبة المئوية |
| يعيش مع والديه | 9 | 45% |
| يعيش مع أحد والديه | 6 | 30 % |
| لا يعيش مع أي منهما | 5 | 25 % |
| المجموع | 20 | 100 % |
الجدول الأخير المتعلق بمتغيرات البحث يبين توزيع عينة البحث حسب الوضعية مع الأسرة، المدرجة في ثلاث حالات : الحالة التي يعيش فيها المدمنون مع والديهم وتمثل نسبتهم 45% وهي أعلى نسبة مقارنة بالحالة التي يعيش فيها المدمنون مع أحد والديهم بنسبة 30%، وأقل نسبة متعلقة بالأفراد المدمنون الذين لا يعيشون مع أي من والديهم ويمثلون 25%.
تمهيد :
قبل عرض نتائج فرضيات البحث لا بأس أن أشير في البداية إلى مستوى التوافق النفسي ومستوى الشعور بالاغتراب النفسي لدى عينة البحث:
كما تقدم سلفا أن المفحوصين تحدد درجاتهم على مقياس التوافق النفسي بالإجابة ب( نعم – لا). وتعطى درجتين كأكبر درجة للإجابة على العبارات السالبة ودرجة للإجابات الايجابية. وبالتالي فإن أقصى درجة يمكن للمفحوص الحصول عليها هي 210، وأقل درجة يمكن الحصول هي 105 فكلما حصل الفرد المدمن على درجة أكبر كلما دل ذلك على سوء توافقه النفسي. وقد تم حساب المتوسط الحسابي للعينة، وهو 129.45 والانحراف المعياري 5.01 ما يدل على سوء التوافق لدى العينة.
أما درجات المفحوصين على مقياس الاغتراب النفسي فتحدد درجاتهم على سلم ثلاثي ( موافق – محايد – موافق جدا). وتكون الدرجة القصوى التي يمكن للمدمن على الحبوب المهدئة والمنومة (القرقوبي) الحصول عليها هي 210، في حين الدرجة الدنيا التي يمكن أن يحصل عليها هي 70، أما الدرجة المتوسطة فهي 140 وهي التي يتم بموجبها الحكم إذا كان أفراد العينة لديهم اغتراب نفسي أم لا. فكلما كانت الدرجة المحصل عليها أكثر من 140 كلما دل ذلك على الاغتراب النفسي لدى المدمن. وقد تم حساب المتوسط الحسابي لدرجات العينة على مقياس الاغتراب النفسي فكانت النتيجة أن المتوسط الحسابي هو 164.45 وبالتالي يتضح وجود اغتراب نفسي لدى عينة البحث.
10– عرض نتائج الفرضية الأولى المتعلقة بمقياس التوافق النفسي :
أفترض أن المدمنين على الحبوب المهدئة والمنومة لديهم سوء التوافق النفسي بفروق ذات دلالة إحصائية تعزى لمتغير السن والوضعية مع الأسرة والحالة الاقتصادية، ) وذلك باستخدام اختبار T-test . وقد جاءت النتائج كالتالي :
الجدول (5): سوء التوافق النفسي لدى مدمني الحبوب المهدئة والمنومة (القرقوبي) بفروق ذات دلالة إحصائية تعزى لمتغير السن :
| مقياس |
تبين نتائج الجدول (5)، وجود فروق بين المتوسطات الحسابية لدرجات المدمنين على الحبوب المهدئة والمنومة (القرقوبي) على مقياس التوافق النفسي حسب متغير السن، حيث حصلت فئة المدمنين المتراوحة أعمارهم بين 12 إلى 19 سنة؛ والذين يبلغ عددهم 14 مدمنا على الحبوب المهدئة والمنومة على متوسط حسابي بلغ 185.07 وهي درجة عالية تدل على سوء التوافق النفسي وبانحراف معياري 8.25، في حين حصلت فئة المدمنين المتراوحة أعمارهم من 20 إلى 28 سنة وعددهم 6 مدمنين على متوسط حسابي يدل أيضا على سوء التوافق النفسي لكن بشكل أقل مقارنة مع الفئة الأولى وبلغ هذا المتوسط 173.50 وبانحراف معياري6.83 أما مستوى الدلالة فهو 0.000 وهو دال لأنه أقل من 0.05.
الجدول (6 ) : يبين نتائج سوء التوافق النفسي لدى مدمني الحبوب المهدئة والمنومة (القرقوبي) بفروق ذات دلالة إحصائية تعزى لمتغير الوضعية مع الأسرة :
| مقياس |
نلاحظ من خلال نتائج الجدول رقم (6) الفروق بين الأفراد المدمنين في درجات سوء التوافق النفسي تبعا لمتغير الوضعية مع الأسرة، حيث أفرزت النتائج أعلى متوسط حسابي لدرجات الأفراد لفائدة المدمنين الذين لا يعيشون مع أي من والديهم حيث بلغ 191.80 بانحراف معياري 3.11 وعددهم 5 مدمنين، تليه فئة 6 أفراد من المدمنين الذين يعيشون مع أحد والديهم بمتوسط حسابي بلغ 187.66 وبانحراف معياري 7.73 وهذين المتوسطين عاليين مقارنة مع المتوسط الحسابي للمدمنين الذين يعيشون مع والديهم، والذي بلغ 169.33 وبانحراف معياري 6.88 ،وعددهم 9 أفراد . ما يدل على أن المدمنين يعيشون سوء التوافق النفسي لكن بدرجات مختلفة، ويستدل على هذا الاختلاف بمستوى الدلالة الذي بلغ 0.000 المبين في الجدول وهو أقل من (0.05) .
الجدول (7) : نتائج مستوى التوافق النفسي لدى مدمني الحبوب المهدئة والمنومة (القرقوبي) بفروق ذات دلالة إحصائية تعزى لمتغير الوضعية الاقتصادية (الدخل الشهري للفرد أو الأسرة) :
| مقياس |
يوضح الجدول (7) الفروق بين المدمنين في مستوى سوء التوافق النفسي تبعا لمتغير الدخل الشهري للفرد أو الأسرة، وقد بلغ المتوسط الحسابي للفئة التي دخلها أقل من 2000 درهم والبالغ عددها 15 مدمنا على الحبوب المهدئة والمنومة (القرقوبي) 185.93 بانحراف معياري 7.75 وهي درجة مرتفعة مقارنة بالمتوسط الحسابي لدرجات الأفراد الذين لهم أيضا درجة تدل على سوء التوافق النفسي ثانوي ب 173.60 وبانحراف معياري قدر ب 7.63، أما مستوى الدلالة فهو
0.000 وأقل من 0.05 بمعنى أنه دال.
وبالتالي نقبل الفرضية التي تقول أن المدمنين على الحبوب المهدئة والمنومة لديهم سوء التوافق النفسي بفروق ذات دلالة إحصائية تعزى لمتغير السن والوضعية مع الأسرة والحالة الاقتصادية .
- – عرض نتائج الفرضية الثانية المتعلقة بمقياس الاغتراب النفسي :
أفترض أن هناك فروق ذات دلالة إحصائية بين الأفراد المدمنين على الحبوب المهدئة والمنومة في مستوى الإغتراب النفسي تبعا لمتغير السن وعدد سنوات الإدمان .
- الجدول (8 ): يوضح الفروق الفردية بين المدمنين في مستوى الإغتراب النفسي تبعا لمتغير السن :
| مقياس |
نلاحظ من خلال النتائج الواردة في الجدول (8)، وجود فروق بين المتوسطات الحسابية لدرجات الاغتراب النفسي لدى المدمنين حسب متغير السن، حيث حصلت فئة المدمنين المتراوحة أعمارهم بين 12 إلى 19 سنة والذين يبلغ عددهم 14 مدمنا على الحبوب المهدئة والمنومة على متوسط حسابي قدر ب 172.14وبانحراف معياري 9.9، في حين حصلت فئة المدمنين المتراوحة أعمارهم من 20 إلى 28 سنة وعددهم 6 مدمنين على متوسط حسابي 160.66وبانحراف معياري 7.18 أما مستوى الدلالة فهو 0.000 وهو أقل من (0.05) وبالتالي فهو دال.
الجدول (9): الفروق الفردية بين المدمنين في مستوى الإغتراب النفسي تبعا لمتغير عدد سنوات الإدمان :
| مقياس |
| مقياس |
12 – تحليل ومناقشة نتائج الفرضيات :
بعد عرض نتائج الفرضيات المحصل عليها من خلال المعالجة الإحصائية لبيانات المقياسين المعتمدين في موضوع البحث، فيما يلي مناقشة النتائج الخاصة بكل فرضية.
- تحليل ومناقشة نتائج الفرضية الأولى المتعلقة بمقياس التوافق النفسي :
لقد أظهرت النتائج أن المدمنين على الحبوب المهدئة والمنومة (القرقوبي) لديهم سوء التوافق النفسي بفروق ذات دلالة إحصائية تعزى لمتغير السن والوضعية مع الأسرة والحالة الاقتصادية.
اتضح لنا من خلال الجدول (5) أن هناك فروق ذات دلالة إحصائية بين المدمنين على مستوى التوافق النفسي، حيث أظهرت أن لديهم سوء التوافق لكن مع وجود فروق بين متوسطات درجات الأفراد حسب السن. وتتفق هذه النتائج مع نتائج دراسة مصطفى فهمي (1982) في دراسته ” سيكولوجية التعاطي” والتي أكدت أن المدمنين تغلب عليهم سمة اللاتوافق في الأبعاد التالية: التوافق الأسري والتوافق الصحي والتوافق الانفعالي كما يشعرون بالضياع ويتمردون على السلطة بكافة أشكالها. في حين تختلف هذه النتيجة مع ما توصل إليه عبد الرحمن عبيد العازمي[6] (2008) في دراسته حول ” التوافق النفسي والاجتماعي وعلاقته بالإدمان لدى عينة من نزلاء المصحات النفسية بالمملكة السعودية “، حيث أظهرت عدم وجود فروق ذات دلالة إحصائية في مستوى التوافق النفسي والاجتماعي تعزى لمتغير السن لدى المدمنين على المخدرات.
ويمكن تفسير هذه النتيجة بالرجوع إلى خصوصية كل فترة عمرية، فالمدمنين الذين حصلوا على درجات مرتفعة ودالة على سوء التوافق النفسي هم المتراوحة أعمارهم من 12 إلى 19 سنة. وهذه الفترة تحيل إلى مرحلة المراهقة، التي يسعى فيها الأفراد إلى إشباع حاجاتهم النفسية والاجتماعية، بالإضافة إلى أنها مرحلة تكوين الذات ومحاولة جعل الآخر يعترف بأن لهم ذات مستقلة و مسؤولة لها هويتها الخاصة، وهذا ما قصده أيضا سفيان نبيل حين أبرز أهمية ” إشباع الفرد لحاجاته النفسية، وتقبله لذاته، واستمتاعه بحياة خالية من التوترات، والصراعات والاضطرابات النفسية، واستمتاعه بعلاقات اجتماعية حميمة، ومشاركته في الأنشطة الاجتماعية، وتقبله لعادات وتقاليد وقيم مجتمعه” [7]. وبالتالي فالمراهقون الذين لا يشعرون بالانتماء واعتراف الآخر والأمن، ويشعرون بغياب النظرة الايجابية لذاتهم خاصة إذا كانت من طرف المحيطين بهم كالأسرة، فهذا ما يدفعهم إلى سوء التوافق النفسي مع الذات ومع الأسرة ومع المجتمع. وأشير أيضا إلى أن الجانب الانفعالي يلعب دورا هاما في سوء التوافق، فالمدمنون على الحبوب المهدئة والمنومة (القرقوبي) المتراوحة أعمارهم من 12 إلى 19 سنة كانت درجاتهم على العبارات الدالة على التوافق الانفعالي مرتفعة مقارنة مع المتراوحة أعمارهم من 20 إلى 28 سنة والذين كانت درجاتهم أيضا تشير إلى أن لديهم سوء التوافق النفسي لكن بشكل أقل من الفئة الأولى، و يمكن إرجاع ذلك إلى أن لديهم نضجا في بعض القدرات التي لم تتشكل بعد لدى المدمنين المراهقين خاصة في علاقتهم مع ذاتهم. وبالعودة إلى نظرية ألبرت إليس Albert Ellis نجد أنه تحدث عن دور المعتقدات اللاعقلانية في ظهور الاضطرابات والانفعالات حيث يرى ” أن المشاعر السلبية لا تسببها الأحداث أو حتى الأعمال السيئة ولكنها تحدث نتيجة للأفكار اللاعقلانية التي لدينا عن تلك الأعمال ” [8] ، وهذا ما يمكن أن أفسر به أيضا النتائج التي توصلنا إليها ، فالمدمنون على الحبوب المهدئة يلجأون إلى تعاطي العقاقير كمحاولة هروب من واقعهم ومن مشاكل حياتهم مع محيطهم، وهذا ما أسماه أليس بالانسمام مع مواد الإدمان.
من جهة أخرى أظهرت النتائج أيضا أن المدمنين على الحبوب المهدئة والمنومة (القرقوبي) لديهم سوء التوافق النفسي بفروق ذات دلالة إحصائية تعزى لمتغير الوضعية مع الأسرة. لفائدة المدمنين الذين لا يعيشون مع أي من والديهم، ثم يليهم الذين يعيشون مع أحد والديهم، ثم الذين يعيشون مع والديهم. ما يبين أن الأسرة تلعب دورا في توازنهم وتوافقهم، وهذا ما أكده النموذج الاجتماعي من خلال النسق النمائي للأسرة، حيث اعتبر نمو الفرد قرين بالنمو السليم للأسرة فهي مرجعية الفرد في سلوكاته وتصرفاته. بالإضافة إلى أن الأسرة التي تعرف تفككا نتيجة غياب أحد الوالدين أو الموت أو الطلاق أو عدم الاهتمام بالأبناء … يؤثر سلبا على الفرد ويعيق ذلك إشباع حاجاته النفسية والاجتماعية ما يجعله يحس بسوء التوافق فيلجأ إلى الإدمان كآلية للتعويض. وأفسر أيضا نتيجة هذه الفرضية، بأهمية حضور صورة الأب والأم في مراحل نمو الفرد، فالمدمنين الذين لا يعيشون مع أي من والديهم كانت درجاتهم تدل على سوء توافق نفسي مرتفع، ويرجع ذلك إلى الحرمان العاطفي وأنهم لم يتلقوا الرعاية الكافية خاصة في ظل غياب الأم والأب أو غياب أحدهما. فغياب الأم يؤثر كثيرا على الجانب العاطفي الانفعالي وغياب الأب يعني غياب عنصر هام في تكوين البنية النفسية للمدمنين، فكما أوضحت نظرية التحليل النفسي على أن تقمص صورة الأب بالإضافة إلى الصراعات الأوديبية لها دور في تشكل هذه البنية، بمعنى أن الأب في مراحل معينة يكون عدوا ولكن في مراحل أخرى يكون نموذجا. وبالتالي فغياب أحدهما يحيل إلى فقدان حلقة من حلقات سلسلة النمو المتوافق. حيث بين فينكل أن الإدمان : ” عصاب اندفاعي ناشيء عن ظروف أسرية صعبة، أدت إلى نشوء إحباطات فمية في الطفولة؛ لذا فإن الشخص الذي يصبح مدمنا هو في أساسه التكويني شخص يتصف بالنرجسية والمطالبة. حيث يكون التعاطي بالنسبة له وظيفيا يحقق من خلاله أدوار متعدد، فالتعاطي يعمل بمثابة مسكن ومخفف للإحباط والغضب وكوسيلة للتخلص من احتقار الذات الماسوشي؛ وإشباع رمزي للحاجة إلى الحب والعطف. وتلك كلها أعراض وظيفية تتناسج مع بعضها في الدائرة المفرغة العصابية”[9]. من هنا يمكننا أن نضيف أنهم يحسون أمام الحرمان الذي طالهم من قبل الأسرة ووضعيتهم معها؛ أنهم بلا مرجعية انتمائية ولهذا نجد العديد منهم ينخرطون في جماعة أصدقاء تحكمها معايير وقوانين وهوية جماعية لها نفس الأهداف والاهتمامات، فذلك يجعلهم أكثر تعاطفا وتلاحما بينهم. وتتفق نتائج هذه الفرضية مع نظرية ودراسات إريك إريكسون Erik Erikson ، الذي أولى أهمية كبرى لخبرات الطفولة السابقة ومدى تأثيرها في توجيه وتكوين شخصية الفرد، وذلك من خلال ضرورة توفير الحب فالذين لا يتلقون ما يكفي منه يكونون غير قادرين على مواجهة الأزمات في مسيرة حياتهم وبالتالي يقعون في بؤرة سوء التوافق النفسي. ولتجاوز العجز وعدم القدرة على المواجهة فإنهم يلجأون إلى الحبوب المهدئة والمنومة (القرقوبي) لتمنحهم القوة والحماية ولتسد الثغرات النفسية التي خلفها غياب الوالدين في مراحل من مسار حياتهم. وما رعى انتباهي أيضا أن حتى المدمنين الذين يعيشون مع والديهم حصلوا على درجات تدل على سوء توافقهم النفسي لكن بشكل أقل من الفئة المذكورة سلفا، وأفسر ذلك بوجود مشاكل مع الآباء وصراعات بين أفراد الأسرة، خاصة من حيث أساليب التنشئة التي عبر العديد منهم من خلال إجاباتهم على عبارات المقياس أنها سلطوية، وآخرون استخلصت من إجاباتهم أنها تتميز باللامبالاة.
بينت أيضا نتائج الفرضية في شقها المتعلق بالحالة الاقتصادية للمدمنين المتمثل في الدخل الشهري للفرد أو الأسرة. أن لديهم سوء توافق نفسي بفروق ذات دلالة إحصائية حسب متغير الحالة الاقتصادية لفائدة المدمنين الذين يقل دخلهم عن 2000 درهم. وأفسر هذه النتيجة بأن المدمنين على هذا النوع من المخدر يعيشون مشاكل نتيجة تدني مستوى المعيشة وعدم توفر الحاجات الضرورية لديهم، بل في كثير من الأحيان يواجهنا من جهة ضغط تحمل مسؤولية مصاريف الأسرة، والبحث عن موارد لسد حاجياتها. من جهة أخرى مواجهة مشاكل البطالة وعدم توفر فرص الشغل، ما يؤدي بفئة من هؤلاء المدمنين إلى البحث عن مصادر غير شرعية لكسب المال ولهذا نجدهم يتعاطون عقاقير الحبوب المهدئة والمنومة (القرقوبي) للنسيان والقدرة على مواجهة مشاكلهم، بالإضافة إلى المتاجرة فيها وفي أنواع أخرى من المخدرات بغية الحصول على المال. وبالتالي فهي مصدر المتعة والنسيان ومصدر لحل المشاكل المادية. أما المدمنون الذين دخلهم الشهري أكثر من 2000 درهم، فمتوسط درجاتهم على المقياس يحيل إلى سوء توافقهم لكن بفروق طفيفة مقارنة مع الفئة الأولى. ما يجعلنا نخلص إلى أن توفر الجانب المادي الاقتصادي يلعب دورا هاما في تحقيق التوازن والتوافق النفسي، أي أن كلما تحسنت الوضعية الاقتصادية كلما قل الشعور بسوء التوافق.
- تحليل ومناقشة نتائج الفرضية الثانية المتعلقة بمقياس الاغتراب النفسي :
أظهرت نتائج الفرضية الثانية أن هناك فروق ذات دلالة إحصائية بين الأفراد المدمنين على الحبوب المهدئة والمنومة في مستوى الإغتراب النفسي تبعا لمتغير السن، فالمدمنين الذين يتراوح عمرهم من 12 إلى 19 سنة حصلوا على درجات اغتراب نفسي عالية؛ مقارنة مع المدمنين المتراوحة أعمارهم من 20 إلى 28 سنة الذين حصلوا على درجات متوسطة. وهم نزلاء بمركز علاج الإدمان. ويمثلون الفئة الراشدة وهذا ما يمكن أن أفسر به أن لديهم اغتراب نفسي لكن بشكل أقل من الفئة المتراوحة عمرها من 12 إلى 19 سنة. وهنا لابد من لفت الانتباه إلى أن نسق الشخصية وخصائص الأبعاد النفسية للفرد، ليست آلية جاهزة يمكن للفرد اللجوء إليها وقتما يشاء، ولكنها تتأتى أساسا وتتطور مع العمر ونتيجة للخبرات المتراكمة في حياة الفرد وتفاعلها مع استعداداته وما يطرأ على واقعه من تغيرات، ولذا فإننا قد نلمس بأن المدمنين ذوي الفئات العمرية الكبيرة – نتيجة للخبرات المتراكمة – ربما يكونوا أكثر دراية ونضج في تقبل الحياة وقيم المجتمع التي رفضوها في مرحلة معينة من حياتهم والتي كانت السبب الرئيسي وراء إدمانهم على الحبوب المهدئة والمنومة، بمعنى آخر أنهم أصبحوا يحسون بضرورة إعادة المعنى والاستقرار لحياتهم كما أصبحوا يتمتعون بالوعي بأهمية العلاج ، من خلال مواجهة الأسباب التي أدت بهم إلى الإدمان والعمل على التحكم في مشاكلهم ومواجهتها بدل الاستسلام لها. ما ساعدهم على خفض حدة الشعور بالاغتراب النفسي ونبذ كل مظاهره العدوانية من تمرد على الذات وعلى الآخرين والعمل على إحياء الجانب العاطفي والتفاعلي لديهم خاصة مع أفراد الأسرة والمجتمع، بالإضافة إلى العمل على تحقيق الذات بوضع خطط وأهداف لمسار مستقبلهم. في حين فئة المدمنين صغار السن هم في مرحلة المراهقة، وكما يرى كالابريسKalabres بأن ” المراهقين أكثر عرضة للاغتراب وأنهم لا يملكون الحصانة ضد هذه المشاعر وأن مواصفات الاغتراب هي بمثابة مظاهر النمو والتطور للمراهقين، بالإضافة إلى ذلك وجود التقاليد والعادات الاجتماعية والمثيرات والضغوط التي يتعرضون لها والتي تزيد من مشاعر الاغتراب لديهم “[10] ، فهذه الفئة إذن من المدمنين لهم خصائص تؤثر في قدراتهم خاصة المتعلقة بإرادة التحكم في الانفعال واتخاذ القرار. فكثيرا ما نجد هذه الفئة من المدمنين يعيشون في عالم غير مفهوم، تسود فيه مظاهر التعبير بالعنف والسلوكات العدوانية، أي أن التعاطي يحقق لهم فرصة التعبير بحرية عن رفضهم للصراعات والمشاكل التي يعيشونها، ورفض المعايير والوضعيات التي تقيد حريتهم وتسبب لهم سوء التوافق النفسي . والتعبير عن هذا الرفض يكون عبر مظاهر الاغتراب النفسي؛ المتمثلة في التمرد كإحداث الشغب والفوضى و الاعتداء على الآخرين (وكثيرا ما يتجلى هذا في شغب الملاعب وفي تخريب الممتلكات العمومية والسرقة …)، بالإضافة إلى السلوكات العدوانية تجاه الآخرين. وبالتالي فما لم يستطيعوا التعبير عنه في حالة الوعي يعبرون عنه وهم في حالة اللاوعي، عبر تناول عقاقير الحبوب المهدئة والمنومة (القرقوبي) دون غيرها من المخدرات، فهي التي تنقلهم إلى عالم الاغتراب، وتتفق هذه النتيجة مع ما ذكره إريك فروم Erick frommفي نظريته حول كون ” الإنسان الذي يعاني من الاغتراب النفسي لم يعد كمركز لعالمه أو كخالق لأفعاله، بل أن أفعاله ونتائجها تصبح بمثابة سيدة عليه يطيعها ويعبدها، أي أنه تصبح له ذات زائفة” [11].
تحليل ومناقشة نتائج الفرضية الثالثة المتعلقة بمقياس الاغتراب النفسي :
خلصت نتائج الفرضية الثالثة إلى أن هناك فروق ذات دلالة إحصائية بين المدمنين على مستوى الإغتراب النفسي تبعا لمتغير الوضعية مع الأسرة لفائدة المدمنين الذين لا يعيشون مع والديهم (نتيجة رفض العيش معهم والتسكع مع جماعة الأصدقاء)، ثم تليهم فئة الذين يعيشون مع أحدهما فقط (إما بسبب حالات الطلاق أو موت أحد الوالدين أو غياب أحدهما لأسباب أخرى ).وتتفق هذه النتيجة مع بعض النتائج التي توصل إليها الغامدي (1989) في دراسته “الخصائص العقلية والانفعالية والخلقية لمدمني المنبهات ومدمني المهدئات”، حيث خلص إلى وجود فروق ذات دلالة بين المدمنين في مجموعة من الأبعاد من بينها البعد الأسري ونقد الذات. وأفسر هذه النتيجة بأن هذه الفئة من المدمنين هم الأكثر تمردا وممارسة للعنف على الأسرة ورفض الانتماء إليها وإحداث القطيعة معها، خاصة وكما تبين في نتائج سابقة من هذا البحث أنهم يعانون من سوء التوافق معها، بمعنى أن الأسرة لم تتمكن من إشباع حاجاتهم النفسية خاصة ما يتعلق بالعطف والحنان والأمن في المراحل الأولى من النمو؛ ما أدى بهم إلى عدم تحقيق هويتهم النفسية الاجتماعية، فغياب الأسرة في حياة المدمن يعني غياب الاتجاهات الايجابية تجاه مواقف الحياة وغياب المعايير والقيم والإحساس بالعجز في أن يحيوا أو أن يقيموا علاقات تفاعلية مع المحيطين بهم، وكما قال حافظ أحمد فإن الفرد في هده الوضعية ” يعي بالصراع القائم بين ذاته وبين البيئة المحيطة به بصورة تتجسد في الشعور بعدم الإنتماء والسخط والقلق والعدوانية، وما يصاحب ذلك من سلوك سلبي أو شعور بفقدان المعنى واللامبالاة ومركزية الذات والانعزال الاجتماعي وما يصاحبه من أعراض إكلينيكية”[12] وأيضا عدم القدرة على مواجهة الصعوبات. وبالتالي فإن اللجوء إلى الحبوب المهدئة والمنونة هي التي تلبي لهم ما افتقدوه من حاجات وعناية نفسية.
خاتمة :
من خلال مناقشة وتحليل نتائج فرضيات البحث، يتبين أن المدمنين كلما كانوا غير متوافقين نفسيا مع ذاتهم وفي علاقاتهم مع الأسرة ومع المجتمع، كلما زادت وتفاقمت مظاهر الاغتراب النفسي لديهم. ثم كلما انغمسوا أكثر في تعاطي الحبوب المهدئة والمنومة. وبالتالي فالدراسة خلصت إلى نتيجة مفادها وجود علاقة سببية بين متغيرات موضوع البحث. آخذين بعين الاعتبار أن النتائج رهينة بالشروط والأدوات الموظفة لجمع البيانات والمعالجة الإحصائية، ما يفتح المجال لمناقشة هذه النتائج والتوسع فيها أكثر في بحوث أخرى باعتماد المتغيرات التي لم تشملها الدراسة.
في الختام أشير إلى أن هذه الدراسة بمثابة لبنة متواضعة من اللبنات المساهمة في إثراء دائرة العلم والمعرفة الأكاديمية التي تسعى إلى خدمة الفرد والمجتمع، غير أن ثمة حاجة ماسة لمزيد من البحث والاستقصاء حول موضوع مستوى التوافق النفسي لدى مدمني الحبوب المهدئة والمنومة (القرقوبي) وعلاقته بالاغتراب النفسي، فالموضوع لا يزال يحتوي على خبايا عدة، ما يفتح أبواب التنقيب أمام الباحثين والأخصائيين سواء بتبني المقاربة النفسية بأنواعها أو المقاربة الاجتماعية أو الطبية.
قائمة المراجع:
- أحمد أوزي، 2013، سيكولوجية الطفل : نظريات النمو النفسي ، الطبعة الثالثة. الرباط
- _ مصطفى حجازي، 2005، الإنسان المهدور دراسة نفسية اجتماعية، الطبعة الأولى، نشر المركز الثقافي العربي الدار البيضاء. المغرب
- محمد التويجري 1998/1999، ظاهرة تعاطي المخدرات من خلال دراسة سيكوسوسيولوجية عن القنب الهندي وآثاره. أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في الآداب تخصص علم النفس الإجتماعي. الرباط. المغرب
- عمران شادية أحمد، 1993، البطالة وعلاقتها بالاغتراب بين الشباب الخريجين، رسالة دكتوراه ، كلية الآداب بسوهاج، جامعة أسيوط. مصر
- فروم أريك (1995) ، الاغتراب ، ترجمة، حسن محمد حماد، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، بيروت .لبنان
- قماز فريدة 2009، عوامل الخطر والوقاية من تعاطي الشباب للمخدرات، رسالة ماستر في علم اجتماع التنمية جامعة قسنطينة. جمهورية الجزائر
- سفيان نبيل،2004، المختصر في الشخصية والإرشاد النفسي المفهوم- النظرية- النمو- التوافق- الاضطرابات، الطبعة الأولى، كلية التربية تعز.
- صلاح أحمد مرحاب، سيكولوجبة التوافق النفسي ومستوى الطموح، دراسة مقارنة بين الجنسين في مرحلة المراهقة بالمغرب، دار الأمان ، الرباط.
- عبد الرحمن عبيد العازمي ، 2008، التوافق النفسي والاجتماعي وعلاقته بالإدمان لدى عينة من المدمنين في المستشفيات الأمل، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية.
- عادل الدمرداش، 1978، الإدمان مظاهره وعلاجه، عالم المعرفة، العدد 56. الكويت
- بيك أرون، 2001،ترجمة عادل مصطفيى وغسان يعقوب، العلاج المعرفي والاضطرابات الانفعالية، دار النهضة العربية، بيروت لبنان
- حافظ أحمد خيري، 1980، سيكولوجية الإغتراب لدى طلاب الجامعة، رسالة دكتوراة، كلية الآداب عين شمس.
- محمد ابراهيم ، 1997، مجلة الإرشاد النفسي، مقال بعنوان “دراسة تحليلية للاغتراب وعلاقته ببعض المتغيرات النفسية لدى الشباب” العدد 6.
- سلسلة تشخيص الاضطرابات النفسية: اضطراب التعاطي والإدمان 2000، مكتب الإنماء الاجتماعي، الكويت.
- مياسا محمد، 1997، الصحة النفسية والأمراض النفسية والعقلية، دار الجيل بيروت.
- مصطفى فهمي، 1979، التوافق الشخصي والاجتماعي، مكتبة الخزناجي للنشر، القاهرة.
- المراجع باللغة الأجنبية :
17-Jean BERGRET ; M.FAIN et BANDOULIER. (1981. Le psychanalyste à l’écoute du toxicomane.Paris Dunod،
18-Braconnier A (1973) ، Toxicomanies Juvéniles et suicide، thèse de doctorat en médecine، université de Paris V. Pierre Descartes.
19-Allain (p)، Hallucinogène et société، cannabis et Peyolh، phénomènes culturelles et mondes de l’imaginaire.
20-Jamal TAOUFIK، (2007)، precis de chimie therapeutique. Collection médika université Mohamed V souissi faculté de médecine et pharmacie.
21-N° de contrôle de la présentation : 146277 version s-a 6.0
datée du 13 octobre 2011. Sanofi-aventis Canada Inc.
22-Kineston K،(1965)، The uncommitted : Alienation youth in American society. Harcourt، Brace & world Inc N.Y.
[1] عمران شادية أحمد، 1993، البطالة وعلاقتها بالاغتراب بين الشباب الخريجين، رسالة دكتوراه ، كلية الآداب بسوهاج، جامعة أسيوط. ص. 212.
[2] فروم أريك (1995) ، الاغتراب ، ترجمة، حسن محمد حماد، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، بيروت .ص (37:80)
مصطفى فهمي، 1979، التوافق الشخصي والاجتماعي، مكتبة الخزناجي للنشر، القاهرة ص. 23 [3]
[4] Allain (p)، Hallucinogène et société، cannabis et Peyolh، phénomènes culturelles et mondes de l’imaginaire، p : 12
[5] Jamal TAOUFIK، (2007)، precis de chimie therapeutique. Collection médika université Mohamed V souissi facul té de médecine et pharmacie. P 115
[6] عبد الرحمن عبيد العازمي ، 2008، التوافق النفسي والاجتماعي وعلاقته بالإدمان لدى عينة من المدمنين في المستشفيات الأمل، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية.
[7] سفيان نبيل،2004، المختصر في الشخصية والإرشاد النفسي المفهوم- النظرية- النمو- التوافق- الاضطرابات، الطبعة الأولى، كلية التربية تعز. ص. 153
[8] عبد الهادي عصام عبد اللطيف، 1997، أثر العلاج العقلاني الانفعالي في خفض العدوانية لدى المراهقين. رسالة دكتوراه جامعة الزقازيق مصر. ص. 33.
[9] سلسلة تشخيص الاضطرابات النفسية: اضطراب التعاطي والإدمان 2000، مكتب الإنماء الاجتماعي، الكويت. ص. .94
[10] محمد ابراهيم ، مجلة الإرشاد النفسي، مقال بعنوان “دراسة تحليلية للاغتراب وعلاقته ببعض المتغيرات النفسية لدى الشباب” العدد 6. (1997)، ص 10
[11] فروم أريك (1995) ، الاغتراب ، ترجمة، حسن محمد حماد، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، بيروت .ص (37:80)
[12] حافظ أحمد خيري، 1980، سيكولوجية الإغتراب لدى طلاب الجامعة، رسالة دكتوراة، كلية الآداب عين شمس. ص. 97.