من النقد الأدبي إلى الفن التشكيلي عند عمر عتيق
From Literary Criticism to Plastic Art in Omar Ateeq’s Texts
د. روزلاند كريم دَعيم، الكلية الأكاديمية العربية للتربية، حيفا
Dr. Roseland Karim Da’eem, The Arab Academic College, Haifa
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 74 الصفحة 105.
ملخص:أعرض في الورقة المطروحة إلى سؤال الهامش في نصوص الناقد الفِلَسطيني عمر عتيق، من خلال قراءة ناقدة لحواراته مع الفنون الأدبية- النظرية والتشكيلية.
في العادة، يحاور المتلقّي الكاتب من خلال حواره مع العمل الأدبي. وقد تتطوَّر حوارات موازية ناتجة عن التداعيات في فكر وذاكرة وتجربة المتلقّي، أو من خلال التناصّات المختلفة التي استعملها الكاتب في العمل الأدبي، فيستدعي كل تناصّ حوارًا موازيًا، متقاطعًا أو مستقلًّا بين القارئ والكاتب، قد يأخذ القارئ إلى حوار مع ذاته أيضًا.
في محاورة ما كتب الناقد عمر عتيق عن التعالُقِية بين اللوحة التشكيلية والنص الأدبي يمكن استخلاص عدة حالات حوارية بينهما، تتفرع مجالاتها لتطال: الأدب العربي والفلسطيني، الأدب التراثي الخرافي، مثل ألف ليلة وليلة، الميثولوجيا الإغريقية والرومانية.
بالإضافة لحواره مع الأدباء، حاور عتيق اختيارهم للوحات وأغلفة كتبهم من الفنون التشكيلية العالمية، فتتجلى للمتلقّي ثقافة بحثية واسعة ورؤيا ناقدة لدور الفن التشكيلي في إنتاج وقراءة العمل الأدبي.
من الأسئلة التي يطرحها الناقد عتيق ويناقشها: هل تضافُر الفنون ناتج من البواعث الفكرية والوجدانية المشتركة التي تؤدي إلى تشكيل الإبداع الإنساني، وكيف تؤدي المخرَجات الإبداعية المختلفة رسائل متشابهة؟الجرأة الفكرية والتجديد في نقد عتيق يتجاوز التعامُل مع الصورة أو اللوحة كوسيلة تفسيرية تتطلب تعمُّق المتلقّي وتبصُّره لاستخلاص كل ما تعنيه وما تحويه من رسائل.
يتجلى تجديد عمر عتيق باختياره النصوص الجريئة، التي تطرح قضايا سياسية راهنة وملِحة مثل ثورة يناير المصرية، السياسة الأمريكية وجدار الفصل العنصري. وهي النصوص ذاتها التي اختار أصحابها لوحات فنية جريئة تستدعي التمعُّن العميق والتحليل الجاد، الذي لا يمكن أن يتم دون معرفة شاملة وسِعة اطِّلاع.
يتجلى تجديد عتيق، أيضًا، بأن حاور وقرأ والرموز المبطَّنة في النصوص واللوحات وراءها، من منظار المنهج السيميائي فأتت رسالته متعددة المقاربات السيميائية.
من خلال اختيار الأعمال التي تمتاز بالجرأة الفكرية والفنية والإبداعية يُتيح عمر عتيق للمتلقّي أن يحاور صاحب النص فيجد نفسه محاوِرًا صاحب اللوحة إلى جانب حواره مع ذاته.
Summary:
This paper deals with the texts of the Palestinian critic Omar Ateeq through a meta-critical reading of his dialogues with the poetic and plastic arts.
The reaction between the recipient and the writer is usually based on the recipient’s dialogue with the literary work. Parallel dialogues may develop as a result of the connotations in the recipient’s thought, memory and experience, or through the different intertextualities that the writer uses in the literary work. Each intertextuality calls for a parallel, intersecting or independent dialogue between the reader and the writer, which may take the reader to a dialogue with himself as well.
In my dialogue with Omar Ateeq’s texts about the interrelationship between the plastic arts and the literary texts, several dialogues can be drawn. The dialogues branch out to include Arabic and Palestinian literature, traditional mythological literature such as The Book of the Thousand Nights and a Night, and Greek and Roman mythology.
In addition to his discussions with the writers, Ateeq discusses their selection of illustrations and book covers from the international plastic arts, thus revealing to the recipient a broad research culture and a critical vision of the role of plastic art in the production and reading of literary work.
Ateeq raises and discusses several questions such as: Is the confluence of arts the result of common intellectual and emotional motives that lead to the formation of human creativity? And how do different creative outputs lead to similar messages?
Intellectual audacity and innovation in Ateeq’s critical writing go beyond dealing with the image or the painting as an explanatory means. They require deep reading from the recipient in order to extract all the meanings and the messages that the images and the paintings contain.
Omar Ateeq’s renewal unfolds in his choice of daring and bold texts that address current and pressing political issues such as the 2011 Egyptian Revolution, American politics, and the Israeli West Bank wall. The authors of these texts have chosen daring and bold artistic paintings that call for deep consideration and serious analysis, which cannot be done without comprehensive knowledge and insight.
Omar Ateeq’s renewal also unfolds in the fact that he reads and debates with the hidden symbols in the texts and paintings with a semiotic perspective, so his message comes with multiple semiotic approximates.
By choosing texts that are distinguished by intellectual, artistic and creative audacity, Omar Ateeq allows the recipient to react with the writer of the text, and thus, find himself as an interlocutor with the artist, in addition to his dialogue with himself.
تقديمجلست أليس،[1] التي تبلغ من العمر سبع سنوات، إلى جانب أختها الكبرى التي كانت تقرأ كتابًا، على ضفة النهر. تأملت أليس الكتاب وقالت: ما الفائدة من كتاب إذا كان خاليًا من المغامرات أو من الصور!
هذا ما ورد على لسان بطلة الكتاب الفني، الأدبي، الخيالي، والمصوَّر المغامِرة الجريئة أليس، لتشد انتباه المتلقّي إلى أهمية المغامرات في الحياة، فانطلقت وراء أرنب أبيض في حفرة غريبة لتبدأ سلسلة من المغامرات العجيبة غير المنطقية واللا معقولة، لتستحضر العالم الجميل والمصور بشكله المصغر.
تحكي الصورة المرافقة لأي عمل أدبي حكاية وأكثر، تتناص مع صور أخرى وحكايات وخرافات وميثولوجيات وقصائد وأدبيات اجتماعية، لتشكل إنتاجًا فنيًّا جديدًا، أو أقله لتنسج حوارًا بين حكاية قديمة وحكاية جديدة.
ويؤكد أهمية البعد الفني البصري القول المنسوب إلى الفيلسوف الصيني كونفوشيوس، قبل حوالي 2500 سنة، “الصورة تساوي ألف كلمة”. من هنا يتفاعل القارئ مع رسوم القنديل الصغير التي رسمها غسان كنفاني بنفسه، مستعملًا ألوانًا شمعية، وقدمها متداخلة مع النص الذي كتبه بداخلها، دون أن يفصل بين الشكل والمضمون، فخرجت القصة تحفة فنية متكاملة. وكذلك الأمر مع تراث جبران خليل جبران الذي رسم لوحاته أولًا ليسطر فكره وفلسفته لاحقًا، فأتت اللوحات ملائمة لجميع الثقافات بجميع اللغات، ملائمة للفكر الإنساني والفلسفة الكونية التي كتبها جبران.
بين النص الأدبي والنص التشكيلي
تتمتع صور ورسوم العمل الأدبي بمكانة مهمة، كونها تنسج علاقة جمالية ثقافية إنسانية بينها وبين المتلقّي. وقد تأتي الصورة مرافقة للنص الأدبي؛ مفسِّرة مكمِّلة، متوازية أو مزينة له.[2] وقد تحدث ليسينغ عن الفرق بين النحت والرسم من ناحية، والشعر من ناحية أخرى؛ فالفن التشكيلي هو فن في الحيِّز، بينما الفن الشعري والأدبي عمومًا هو فن على محور الزمن، ففي حين تستخدم اللوحة الألوان والشخصيات في الفضاء أو الحيِّز لتعرض صورة ثابتة، يستعمل الشعر (الأدب) صوتًا واضحًا في الوقت المناسب، يتحرك على محور الزمن ليكمل الصورة. يتطلب وقتًا لتصل الرسالة إلى المتلقّي، أقله مدة القراءة.[3]
قد تكون الصورة قد رسمت خصيصًا لنص ما، أو نص قد كتب على أساس صورة ما، وقد يكون المنتِج لكليهما واحدًا أو أكثر. قد يكون الكاتب قد انتقى نصًّا وحاول أن يصوره بشكل بصري أو العكس، وفي جميع الحالات الناتج هو نص إبداعي شمولي متكامل يجمع بين الفن الأدبي والفن المرئي، ليؤكد التعالقات التواصلية والنصية بين الفنون، ويؤكد أن احتياجات الإنسان متشابهة في الحقب والأماكن المختلفة، لأن الإنسان هو الإنسان.
يشكل كل من الشكل والمضمون قيمة إيجابية مهمة داخل العمل الفني، ولا يكون كل منهما منفصلًا عن الآخر، بل نراه متداخلًا معه وذائبًا فيه.[4] لذلك قد نجد بين النص الشكلي والنص الأدبي تناغمًا وتلاحمًا عضويًّا، نابعًا من التفاصيل الصغيرة التي تشكل اللوحة ومن التفاصيل الدقيقة التي لا يجرؤ عليها إلا مؤلف العمل الأدبي.
لجميع هذه الأفكار والإمكانيات أسّس عتيق في مقاله،[5] كما سيتضح فيما يلي، مقاربًا بين النظريات والأعمال الأدبية والفنية المختلفة، ليصل إلى نتيجة مفادها أن الناقد الحقيقي هو الذي يلم بجميع الأمور الظاهرة والمبطنة، وهو الذي يستطيع أن يجمع بين نقد الفن الأدبي والمرئي معًا.[6]
حوار مع المادة النقدية: التأثر والتأثير بين اللوحة التشكيلية والنص الأدبي
التأسيس
طرح عتيق في تأسيس مقاله النقاط التالية:
- تضافر الفنون والمشترك الإنساني؛ ينبع تضافر الفنون من وحدة البواعث الفكرية التي تؤدي إلى مخاض فكري ونفسي متشابه لدى المبدعين، فيكون التعبير عن مشهد إنساني من خلال رؤية ذاتية تنسجم مع الثقافة الجمعية إلى حد ما.
- تقاطع النصوص والمفاهيم؛ تطرح نظرية النقد مسائل مهمة حول النص والقارئ والمتلقّين والعلاقة بين العمل الفني والثقافة، وعلاقة القضايا الثقافية بالمجتمع والسياسة. والنقد الثقافي لا يدور حول الفن والأدب فقط، بل حول الثقافة، لأن للثقافة نتائج وثمارًا. في الباب الرابع تحدث عن سيميوطيقا الثقافة، تحدث عن العلامات والرموز والدلالات الرمزية والاستعارة والكناية والتناص.[7]
- المصطلحات النقدية؛ يشير عتيق إلى مصطلحات متداوَلة في النقد الفني والأدبي لتأكيد التعالق بين الفن الأدبي والفن التصويري، مثل إيقاع البناء، معيار الرواية وتصوير الكلمة وموسيقاها، مع شرح لكل مصطلح وإحالة علمية، لمن يرغب بالاستزادة، فكأنه يقدم للناقد الشاب أدوات مسانِدة توجهه في دراسته.
- استنطاق الفنون وإتاحة المجال للحوار؛ يتيح مجالًا للحوار، لحوار المبدعين على أنواعهم مع النص الإبداعي.
- الرؤية التكاملية؛ كلما كان النص أكثر جرأة فإنه يستنطق حوارات أكثر، في حالة النص المكتوب والمرئي غالبًا ما تكون حالة تعزيز، أما في حالة النقد الفني فقد تكون أبعد من ذلك بكثير.
- نظرية التلقّي؛ بالرغم من وجود تفاوت في مستويات التلقّي للفنون الإبداعية، إلا أن الرؤية المنهجية لقراءة النص ستتيح إمكانية الجمع بين قراءة النص المكتوب والنص المصوَّر.
الأعمال الأدبية التي تحاور معها عتيق:
- أثقل من رضوى، مقاطع من سيرة ذاتية.[8]
- البيت الأندلسي.[9]
- حكايات ألف ليلة وليلة.
- ملحمة الإنيادة.
- ديوان تلاوة الطائر الراحل.[10]
- أعلنت عليك الحب.[11]
- سهرة تنكرية للموتى.[12]
الجانرات الأدبية التي عالجها عتيق:
- الأدب الاجتماعي العربي والفلسطيني؛ النثر والشعر.
- الأدب التراثي الخرافي.
- الميثولوجيا الإغريقية والرومانية.
اللوحات الفنية في حوار عتيق:
تحاور عتيق مع عدة أنواع من النصوص الشكلية، بعضها كان من اختيار أصحاب النصوص الأدبية، وبعضها من اختيار عتيق الناقد.
قراءة في الحوارات بالتسلسل وَفق ورود النصوص الأدبية عند عتيق:
يحلق قارئ نص عتيق النقدي في تيارات أدبية وأساليب فنية وقنوات تحليل، فنراه يجتهد ليجمع كل ما حفر به عتيق، ويحفر بنفسه في النصوص واللوحات المنتقاة، داعمًا إياها بما علم وما حفر من نظريات وأسس المقارنة والمقاربة بين اللوحة والنص، لتأتي المقاربة، في هذا السياق الميتا نقدي، بناء على ما توصّلت إليه “الميتا ناقدة” – أي كاتبة هذه السطور – وبين ما أسّس له عتيق بكل ما جمع من حوارات داخلية مع أصحاب النصوص الأدبية والبصرية.
- أثقل من رضوى، مقاطع من سيرة ذاتية، رضوى عاشور.
يُدرج عمل رضوى عاشور الأدبي ضمن الأدب النثري الاجتماعي العربي والفلسطيني، الذي يصور واقعًا اجتماعيًا سياسيًّا قاسيًا وحرجًا، تحت وطأة ما يسمى الربيع العربي. وهي التي اختارت اللوحات الفنية التي قاربتها مع نصها الأدبي وتناصّت معه.
عبرت رضوى عاشور عن استحضارها للوحة الجرنيكا[13] لبيكاسو،[14] التي تذكرها في كتابها، وتقارب بينها وبين الأحداث الدموية التي يعيشها الشعب المصري خلال أحداث يناير المصرية (2011) وبعدها. تحدثت عاشور عن الأحداث الدامية ومشاهد الدمار الناجمة عن قصف الطائرات لقرية الجرنيكا في إقليم الباسك عام 1937. وفي هذا يقول عتيق: تعتمد الكاتبة على التحليل السيميائي للمقاربة بين مجزرة محمد محمود في القاهرة، ومجزرة قرية الجرنيكا في لوحة بيكاسو التي تقسمها إلى ثلاثة مقاطع… إن رصد الكاتبة لدلالات المقاطع الثلاثة في لوحة بيكاسو يعبر عن مقاطع الصور المخزونة في ذاكرتها. وأن الشعور بالحزن والفجيعة الناجم عن مشاهد القتل في ثورة يناير هي الشعور المضمر في لوحة الجرنيكا.”[15]
برأينا، اختيار عاشور لبيكاسو يدل هو الآخر على وضوح في الفكر، ورؤية ثاقبة لما ستتداوله وتحاوره. حيث أن بيكاسو في إنتاجه بدا واعيًا بالبناء الأساس للعمل الفني، والقائم على التوافق الدقيق بين الشكل والمضمون.[16] قام بيكاسو بإضفاء مزيد من الحرية وكثير من الوعي بمفهوم الشكل ودوره في الفن الحديث،[17] كما أسس لمفهوم علاقة المضمون بالشكل.[18]
عبرت عاشور عن اللوحة بكلماتها، من خلال إجراء مقاربة سيميائية بين أحداث قامت بتوثيقها وبين تفاصيل اللوحة؛ وبما أن الرسام يرسم ما يراه ليؤسس تاريخ ما كتبه المؤرخون، فإن المقاربة قابلة للتنفيذ، بحسب رأينا.
مضمون لوحة الجرنيكا وغيرها، وتعالقها النصي مع كتابها ليس هو الأهم في هذا السياق، فرضوى هي من حاورت بيكاسو وحاورت قراءها، أو حاورت قراءها من خلال مقاربة مع محاورة بيكاسو لعصره. الأهم هو أن عتيق قام بالدمج بين كل الحوارات في سِنتيزا متينة، ليؤسس طريقة في قراءة الحوار بين النصوص وأصحابها ومتلقّيها.
أما لوحة الجرافيتي تروبيكال أمريكا[19] للفنان المكسيكي سيكييروس،[20] فقد وظفتها رضوى للمقاربة بين فضاء الاستعمار الاستيطاني الذي طمس حضارة الهنود الحمر والفضاء الاستعماري الذي يسعى إلى طمس عروبة فلسطين”،[21] وفي موقع آخر تقول “حيث غدا سكان البلاد أقلية في أرضهم.”[22] وفي هذا يقول عتيق “تهدف الكاتبة من المقاربة بين المشهدين إلى إبراز قدرة الفن التشكيلي على إسقاط قناع التزوير الإعلامي السياسي.”[23] يستنتج عتيق أن التحليل السيميائي لدى رضوى يُضمر خطابًا قوميًّا يعبر عن عروبة فلسطين… كما يكشف تحليل اللوحة عن النبض الوجداني بين سيرتها الذاتية وقضيتها القومية.”[24]
أما في إشارة عاشور إلى جدار الفصل العنصري الذي أقامه الكيان الصهيوني للفصل بين الجزء المحتل من فلسطين عام 1984، والجزء المحتل عام 1967، فهي تؤكد بلسانها على الدور الوظيفي الذي يجسد التحدي والمقاومة بواسطة لوحات تتجلى على الجدار العازل، إذ “سيسمح الجرافيتي للثوار والمقاومين والمهمشين وحركاتهم الاحتجاجية بالحضور المرئي في الفضاء العام.”[25] وإن كانت عاشور قد استحضرت في أمثلتها الأولى لوحات قديمة أو بعيدة مكانيًّا وجغرافيًّا، فإنها في استحضار الجرافيتي من جدار الفصل العنصري، قد استمدت فنًّا محليًّا متداخلًا في لحظة الحدث.
ويكون الخلاص والعودة والانتصار من خلال استدعاء لوحة وحيد القرن،[26] فتقول “أترك للقارئ أن يفسر الأمر كما يهوى، أن يربط بين الطراد والحصار والطعنة الدامية، وما يعن له من وقائع حياتنا، أو يرى في هذا المخلوق النبيل حلمًا نواصله على الرغم من المعيقات والمخاطر.”[27]
تعلن عاشور، بشكل أو بآخر، عن استدعاء القراء لمحاورتها، ونصوصها، ومقارباتها، مما جعل مَهمة الحوار السيميائي لدى عتيق أكثر تحديًا، ومغايرًا عن المقاربات النصية والسيميائية في الأعمال التالية التي عالجها في طرحه النقدي.
لم يغب عن الناقد عتيق الحديث عن نظرية التلقّي، ودور المتلقّي بين النص وصاحبه الذي يدخل في حوار مع النص ليؤكد عتيق في قوله إن المعرفة أمر أساسي في فهم النص، وليس فقط المعرفة الأولية بل المعرفة الشاملة والتكاملية، ليسير المتلقّي في غور النص، ويحفر في بواطنه ويستكشف أدواته… وفي هذا الحديث لا يسعنا تجاهل أهمية ثقافة صاحب النص الفنان، ومستواه الثقافي والمعرفي، وفنه ومهارته، التي تشكل الأساس لإنتاج جيد.
ترافق سيرورة القراءة حوارًا بين القارئ والمتلقّي، وفجوات قد تنشأ لتتيح مجالًا لفكر القارئ، لمخيلته ولحواره مع المبدع،[28] وهنا حاور عتيق أصحاب النصوص التي انتقاها، لا بل حاور الرسوم مستعملًا أدوات مقاربة متبعة في النقد الأدبي، وهذا من التجديد.
من المتعارف عليه، بحسب نظرية الاستقبال أو التلقّي، أن القراءة تُعنى بالعلاقة الجدلية بين النص والقارئ. إلا أن هذه العلاقة تخلق جدلية جديدة وهي “من هما طرفا الحوار؟” علمًا بأن القارئ المتلقّي هو أحد الطرفين، فمن هو الطرف الثاني! هل هي عاشور بنصوصها الأدبية وحواراتها مع النصوص الشكلية التي تناصت معها، أم هو عتيق بحواره مع عاشور ومحاوراتها؟ من المؤكد أن تكون اللوحات المختارة قد تحاورت مع متلقّين مختلفين في فترات وأماكن مختلفة، ومن المؤكد أن التعالقية النصية بين نصوص عاشور الأدبية والشكلية تخلق حوارات جديدة، فأين يقف عتيق من هذا؟ عمليًّا نحن أمام علاقة مركّبة ومعادلة مزدوجة من عملية التلقّي، حين يصبح المتلقّي -أي عتيق- مرسلًا للنص الأصلي، المتناص والمحاور أصلًا لنصوص أخرى، وحين يستقبل القارئ المادة النقدية التي كتبها عتيق. وهذا يقودنا إلى الواقع الجديد بحسب نظرية التأثير والاتصال، حين يجتهد القارئ – وفي هذه الحالة عتيق – لسبر أغوار النص واستكناه معالمه الباطنة، يبحث عن نص غير صريح. ومن خلال المقاربة والبحث والتنقيب يخرج بنص نقدي وفكر جديد.
ما كان لينجح عتيق في مهمته هذه لولا سعة اطلاعه وأسلوبه البحثي، وإدراكه أهمية المعرفة في فهم النص، أو كما قال صاحب اللسان “الأدب = ثقافة”.
يتم فعل القراءة أو سيرورة القراءة، بحسب آيزر، بأن ينجز الكاتب النسيج اللغوي، بينما يتحقق القطب الجمالي لدى القارئ، من خلال التفاعل بينهما. وفي هذا يوظف عتيق نقدًا على نقد على مقاربة نقدية، ثالوثًا نقديًّا لخلاص الإنسان الفلسطيني.
من أجل نقد مقالة عتيق وفكرته التي يأتي بها، لا بد معرفة تفاصيل كتاب رضوى وليس فقط، بل معرفة تفاصيل وتاريخ كل لوحة ومقارنتها مع الفترة التي أُبدعت فيها، ومقاربتها مع الفترة التي وثقتها رضوى، وهذا يتطلب معرفة وسعة اطِّلاع للدمج والتشبيك وإتقان النسيج النقدي المطروح.
أما على مستوى النص الأدبي لعاشور، فقد اتبعت المنهج الاجتماعي؛ ويشمل الجوانب السياسية للأحداث في الوطن العربي، بما في ذلك الأحداث في فلسطين. يتحدث هاوزر الاشتراكي عن العلاقة بين الأدب والمجتمع ويقول إنه لا يوجد سبب واحد فقط للظاهرة الأدبية، بل توجد عدة تفاعلات وأسباب اجتماعية وسياسية،[29] فالأديب الاجتماعي لا يُنتج أدبًا لنفسه وإنما ينتجه لمجتمعه، منذ اللحظة التي يفكر فيها بالكتابة إلى أنْ يمارسها وينتهي منها.[30] من هنا تتضح العلاقة بين النظرية الاجتماعية والنقد الثقافي، وهو أقرب إلى النقد الاجتماعي وتطبيقه في النقد الثقافي.[31]
بما أن السيميائيات علم يبحث دلالة الإشارات في الحياة الاجتماعية وأنظمتها اللغوية، والخطاب الواقعي يركز على القول الأيديولوجي للنص، وكما أن النقد البنيوي والشكلي تجاهلا النقد الاجتماعي، والعكس صحيح، فكان لا بد من تأسيس خطاب يدمج بين الشكل والبنية والأيديولوجيا وهو الخطاب السيميائي.
من هنا، فإن التوجه السيميائي هو الذي يدمج بين الشكل والمضمون، فتدخل السيمياء في كل مناحي الحياة، ومنها النقد الفني، حيث تفحص في العلاقة بين الشكل والبنية والغاية من كل ذلك.
فيستنطق التفكير السيميائي النص والعلاقة بين أقسامه، وهذا ما قام به عتيق في استنطاق المقاربة بين اللوحات التي اختارتها عاشور، واللوحات التي وقع اختياره عليها.
- البيت الأندلسي، واسيني الأعرج.
يتحدث الروائي الجزائري عن نزوح الموريسكيين من الأندلس باتجاه الساحل الأفريقي وكل ما رافق ذلك من نزوح وتنكيل وتعذيب. وتتناص المشاهد التصويرية مع اللوحة التشكيلية “إبحار المورسكيين من إيل غراو ببلنسية،[32] التي رسمها بيري أروميغ، وتتماهى مع دلالاتها، بالإضافة إلى أنها، بحسب رؤية الباحثة كاتبة هذه السطور، تثير تداعيات لدى القارئ الفلسطيني لتذكره بنزوح عكا وحيفا ويافا عن طريق البحر إلى العالم الواسع، عشية وخلال نكبة 1948، وإن كان قد توقف الفلسطينيون في محطات ومخيمات في الدول الشقيقة، ولكنهم انطلقوا بعدها إلى جميع أرجاء المعمورة حاملين الهم الفلسطيني معه. وكما ورد في تظهير الكتاب “استعارة مرة لما يحدث في كل الوطن العربي من معضلات كبرى تنغلق بصعوبة الحداثة، في ظل أفق مفتوح على المزيد من الخراب والانكسارات.”[33]
وفي هذا السياق يوضح عتيق أنه يكتفي بعرض مشهد سردي واحد في هذه الدراسة.[34]
- حكايات ألف ليلة وليلة والفن التشكيلي الأوروبي.
اختار عتيق أحد نماذج طرحه النقدي الفني من أحد أكبر أعمال الفانتازيا والخيال في الحضارة العربية على الإطلاق، ألف ليلة وليلة. إنتاج به “قليل وكثير من كل شيء”، بحسب قولنا. هذا الخيال الذي حكته وحاكته المرأة الشابة الجميلة شهرزاد، بصوتها الأنثوي، في الليالي لأكثر من ثلاث سنوات. هذه المرأة الشابة التي أخذت على نفسها فدية بنات العرب والمسلمين، بزواجها من شهريار، وَفق خطة مدروسة. حكت شهرزاد ألف حكاية وحكاية، فكانت تصمت في الصباح لتصل حكاية بالأخرى في منتصف الليلة التالية.
حظي هذا الإنتاج بمحاكاة نصوص تشكيلية عربية وعالمية عديدة، وبأساليب فنية مختلفة، حيث أن “النص” يشمل كل أشكال التعبير الممكنة، وقد اختار منها عتيق نموذجين:
أبو صير وأبو قير؛ لوحة للمستشرق الفرنسي ليون كاري.[35]
بيضة الرخ من حكايات السندباد؛ التجار يكسرون بيضة الرخ.[36]
تكمن الخصوصية النقدية عند عتيق في انتقائية النماذج، من عمل عظيم حظي بنصوص موازية عظيمة وكثيرة، عربية وعالمية.
النموذج الأول اجتماعي، وهذا قريب من حياتنا وواقعنا وقد اختار عتيق لوحة واحدة من عدة لوحات صورها ليون كاري للَّيالي العربية، وقرأ اللوحة بلغته ليعد نصًّا موازيًا لنص مواز (اللوحة) لمشهد من نص مواز (القصة). وقد قرأها برؤية الناقد الاجتماعي وليس فقط الفني.
أما اللوحة الثانية فهي الاختيار الجريء، بنظرنا. اختيار عتيق قصة ميثولوجية ولوحة أوليّة،[37] على ما يبدو شكّلت مصدر وحي للوحات عديدة تبعتها، ليشرح ويناقش ويحلل في الحكاية فوق الطبيعية، حول الطائر فوق الطبيعي وقدرته على معاقبة من اعتدى عليه.
تعرض كل لوحة مشهدًا واحدًا من مشاهد كل حكاية، ويتطلب وجود عدة لوحات لفهم القصة كاملة.
تتطلب قراءة لوحات ألف ليلة وليلة دراسة شاملة وعميقة لتطال جزءًا يسيرًا منها، وهنا في انتقاء عتيق هذين النموذجين، لوحتين محدودتين من مجمل ما صدر، ومن تيارين مختلفين؛ الاجتماعي وفوق الطبيعي؛ إننا نرى بذلك رسالة تحمل مفاتيح نقدية للنقاد القادمين يمكن الاستعانة بها في دراسات قادمة.
- ملحمة الإنيادة واللوحة التشكيلية: الحب والرحيل والانتحار.
كما في النموذج السابق اختار عتيق لوحتين من الفن التشكيلي العالمي:
رسم الفنان بيير نارسيس كران؛[38] تجسد لقاء إنياس وعليسة. تضمن الطرح شرحًا لتفاصيل اللوحة.
أما الفنان الإيطالي جيوفاني فرانشيسكو باربيري (1591 – 1666)، المعروف باسم جويرشينو فقد رسم مشهد انتحار عليسة.
وفي الحالتين طرح عتيق نماذج لقراءة اللوحة مقاربة مع النص.
- ديوان تلاوة الطائر الراحل، سامي مهنا.
يختار عتيق في هذا النص نموذجين:
لوحة الغلاف للفنان جون مارتن،[39] وهي من اختيار الشاعر، أتت مع النص الأدبي كواحد من مفاتيحه.
لوحة أسطورة إيكاريوس، وهي من اختيار عتيق، كما سيتضح.
يعالج عتيق في هذه المرحلة من دراسته النقدية الغلاف كأحد مفاتيح النص وعتباته.
العنوان كنص مواز
نعني بالنص الموازي، المناص وعتبات النص، كل النصوص المرافقة للمتن والتي تُعتبر مدخلًا لا بد منه للولوج إلى عالم النص. يعرض النص الموازي التفاعل بين دفتي الغلاف والنصوص والإهداءات والتقديم والهوامش، وقد عالج المصطلح العديد من النقاد المعاصرين.[40] ويُعتبر العنوان نظامًا سيميائيًّا ذا أبعاد دلالية رمزية وأيقونية شديدة التنوع والثراء، كونه يتم في اللقاء الأول بين المرسل والمتلقّي، وهو أول ما يواجه المتلقّي من النص والعتبة لتأسيس وعي القارئ.[41] وفي هذه الحالة تمهد اللوحة المرافقة لقراءة العلاقات المختلفة في النص، المضون، التداعيات التوقعات، المعلومات واللوحات الفنية.
فإذًا، العنوان هو المفتاح الإجرائي الذي يمدنا بمجموعة من المعاني، التي تساعدنا في فك رموز النص، وتسهيل مأمورية الدخول في تشعباته الوعرة.[42]
يظهر عنوان ديوان تلاوة الطائر الراحل على غلاف الكتاب مرفقًا بلوحة للفنان جون مارتن، فيقوم عتيق بتحليلها تحليلًا عميقًا ومقاربتها مع النص مقاربة سيميائية شاملة.
ولكن عتيق لا يكتفي بهذا القدر من التحليل لما اختاره صاحب النص، بل قدم للموضوع بمادة نظرية عن علاقة اللوحة التشكيلية بغلاف العمل الأدبي، بشكل عام، مؤكدًا على اختزال صورة الغلاف لدلالات العمل الأدبي، ناهيك عن التعالق الفكري والنفسي العضوي والتكاملي وما يقوم به في فتح قنوات ونوافذ أمام المتلقّي، ليتأمل المقاربة والمناظرة بين الإبداعات المختلفة.[43]
ولعل هذه القنوات التي تحدث عنها عتيق هي التي دعته لأن يقارب بين لوحة الغلاف لجون مارتن وبين لوحة أسطورة إيكاريوس، رمز الإنسان العاشق والمحلق والمغامر.[44] وتمتد مقاربة عتيق ليتحدث عن التعالق السيميائي بين عنوان الديوان واللوحة التشكيلية وجسد القصيدة، فيؤكد أهمية العنوان في أبجديات النقد السيميائي، الذي يوجه المتلقّي إلى التموجات الدلالية في القصيدة، وهو عتبة المتلقّي للتعريج إلى فضاء النص، كما أنه أصغر خلية لفظية تنبض بالجينات الدلالية لجسد الديوان، ويؤكد أهمية اختيار العنوان كعمل عقلي خالص يختاره المؤلف ليكون بؤرة من بؤر النص.[45]
ويسهب عتيق في تحليل التعالق السيميائي بين العنوان واللوحة وجسد القصيدة تحليلًا عميقًا.[46]
6 + 7. رواية أعلنت عليك الحب ورواية سهرة تنكرية للموتى، غادة السمان.
اختار عتيق الحديث عن غلافين لروايتين من روايات غادة السمان.
لوحة غلاف رواية أعلنت عليك الحب “العاشقان” للفنان البلجيكي رينيه فرنسوا مارغريت،[47] ونرى عتيق يضع المتلقّي في مركز الحدث، فإن كانت النماذج السابقة تتطلب من المتلقّي القراءة العميقة والدارسة والجادة، والمعرفة الواسعة، فإنه هنا يتحدث عن المتلقّي الذي يستطيع أن يقرأ اللوحة دون جهد خاص، فيقول “من اليسير الربط بين دلالة عنوان الكتاب ولوحة الغلاف، إذ يشكل العنوان والغلاف فضاء سيميائيًّا واحدًا، وأية ضبابية في هذا الفضاء تفضي بالتلقّي إلى غياب الرؤية الدلالية الواعية؛ لأن العنوان خطاب لغوي مكثف، والغلاف خطاب بصري مُبأر وبين التكثيف والتبئير تكمن مهارة المتلقّي بالتفكيك والربط.[48] وبكلمات أخرى يتحدث عتيق بمصطلحات تربوية سيكولوجية عن عمليات التفكير العليا التي تتمثل بالتفكيك والربط.[49]
لوحة غلاف رواية سهرة تنكرية للموتى “الصرخة” للفنان النرويجي إدفارد مونش،[50] ولا يجد عتيق فرقًا جوهريًّا بين المفاصل الدلالية للرواية، والفضاء النفسي للوحة الذي يعد تجسيدًا للقلق، ويسهب في شرح اللوحة كما أنه يقارب بين اللوحة وبين مقاطع من الرواية تتماهى معها.
نتائج وتوصيات عتيق:
تنطلق توصيات عتيق من قراءته النقدية، ويؤكد على تشابه الجينات الإبداعية وإن اختلفت طرق التعبير، فبدون هذا التضافر يصعب الوصول إلى النقد الفني الشامل.
يؤكد عتيق على أهمية العلاقة بين الفن الأدبي والتشكيلي في إثارة يقظة المتلقّي، وينادي بتعزيز الإفادة من التطور الرقمي، ليضمن تحقيق مقولة “تضافر الفنون”، وجميع ما ورد أعلاه يسهم في تجاوز الفروق والاختلاف اللغوي بين القراء.
نقاش وإجمال
مع تطور الطباعة وتحرر الكلمة من كونها أداة تستعمل في الصلوات، كان لا بد من بحث الكُتّاب عن وسائل وسبل جديدة يعبرون بها عن قوة الكلمة. تطورت العلاقة بين الأدب والصورة في القرن التاسع عشر، علاقة ما زالت مستمرة حتى الآن. عشية الحرب العالمية الأولى تعززت العلاقة بين الفنون المختلفة، ليتم استعمال الفنون كاستعارات واحدها للآخر. في النص الأدبي، ليس كل شيء يمكن رسمه وفهمه بدون تدخل، إذ توجد أمور يصعب رسمها حتى لو كانت غنية بالتفاصيل، لأن الحديث هنا عن لغتَيْ تعبير. قد ينجح الكاتب برسم لوحاته أو العكس، ولكن أن يقوم فنان برسم لوحة لنص غيره أو انتقاء من لوحات قائمة، فهذا يتطلب بعدًا إضافيًّا من الرؤية. في الكتابة يمكن التعبير عن كل شيء، حتى لو كان التعبير غير موفق على المستوى الفني.
لن أتطرق في هذا المجال إلى تدريج أنواع الفنون، فقد يدرجها البعض على النحو التالي: الموسيقا، الفن التشكيلي والفن الأدبي، وهو تدريج يروق لي. ولكن في سياق البحث أو المقاربة يتم التدريج وَفق الاختيارات العينية في النماذج المدروسة. وعلينا ألا ننسى أن النص قد يكون صورة متكلمة، ولكن الصورة هي صورة صامتة، يستنطقها المتلقّي.
تحدث ليسينغ عن قراءة الزمن وقراءة الحيِّز؛ يتكون النص من كلمات مجتمعة تفي بالمعنى والوظيفة، وفي حالتنا هذه الوظيفة النقدية، ما يتطلب من الكاتب انتقاء الكلمات وصياغة الأفكار. واللوحة فكر مجرد، حتى لو كانت واقعية، نقرأها بالتفكير شبه المجرد، فكم بالحري حين تكون سريالية أصلا!
قام كُتّاب الإبداعات التي انتقاها عتيق باختيار لوحات أغلفة كتبهم وَفق رؤاهم الخاصة، إلا أن انتقائية عتيق شملت عدة حوارات، لتخرج بفكرة أو قول.
بما أن الصورة هي “مشهد” يتم استيعابها بنظرة، بتضافر وبتفاعل كل الحواس، فإما أن نعجب بها أو لا نعجب بها. إما أن تجذبنا أو لا تجذبنا. ولكن النص الأدبي يتطلب وقتًا للقراءة.
في المقال المطروح يأخذنا عتيق في رحلة بين اللوحات والألوان والفنون والعصور والأجناس الأدبية، التي تثير الخيال وتستنفر العقل، تجعلنا نبحث عن أصول اللوحات لنفهم كيف انتقى عتيق نصوصه التشكيلية، وكيف قارب بينها وبين النصوص الأدبية.
يطلب من قارئ نقد عتيق الحفر في نص من حفر جيدًا في نصوص غيره، وأجاد إعادة بنائها في قالب نقدي. فينشأ ميتا – نقد يتطلب من صاحبه قراءة النصوص والحفر فيها، والبحث عن مشهد اللوحة (tableau scene)، الصورة البارزة أو صورة الشاشة التي تبقى معه بعد الانتهاء من البحث.
في البحث وراء اللوحات يعرف المتلقّي لماذا اختار عتيق هذه اللوحة دون غيرها من مجمل لوحات العمل الفني الواحد، كاللوحات التي رسمت بأثر أو بتأثير ألف ليلة وليلة أو الإنيادة، على سبيل المثال، فلماذا اختار هذه اللوحة لهذا الفنان وليست لوحة أخرى، وقد يصل من ذلك إلى نتائج تتعلق بأسلوبه النقدي.
من دون شك أن عتيق وضع أدوات مختلفة لانتقاء نصوص من تيارات مختلفة ولانتقاء أعمال أدبية، وطرح مواد نظرية للمقاربة، وللتحليل وللتركيب والتفكيك تُعين القارئ المتلقّي اليقظ النبيه في قراءة المواد وفي المقاربة بدوره مع مواد أخرى.
يدفعنا هذا التفكير النقدي للمقاربة بين النقد الفني ومستويات التفكير أيضًا، حيث يعتمد النقد على التفكيك والتركيب والتقويم، وهي أعلى درجات التفكير. ناهيك عن قراءة الصورة التي تتحلى بمستوى عال من إتقان المفاهيم السيميائية، التي تأتي بالاستقراء والتبصر والتوقع والمقاربة بين جميع المركبات والجزيئات الظاهرة والمضمرة.
المصادر والمراجع
المصادر:
عتيق، ع. التأثر والتأثير بين اللوحة التشكيلية والنص الأدبي. في نوافذ ثقافية، دار دجلة، الأردن.
المراجع:
المراجع المترجمة:
إيزابرغر، آ. 2003. النقد الثقافي – تمهيد مبدئي للمفاهيم الرئيسية. ترجمة وفاء إبراهيم ورمضان بسطاويسي، منشورات المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة.
المراجع العربية:
الأعرج، و. 2010. البيت الأندلسي. ط 2، منشورات الجمل، بيروت.
بسيوني، ف. 1995. قراءة اللوحة في الفن الحديث، دراسة تطبيقية في أعمال بيكاسو، دار الشروق.
حمداوي، ج.1997. السيميوطيقا والعنونة. مجلة عالم الفكر، الكويت، المجلد 25، العدد 3، مارس 1997.
سلامة، ز. 2010. “قصص الأطفال والقصص المصورة بين القراءة والإبداع”، في تعلَّموا العربية وعلِّموها الناس (حقيبة تدريب صوت – مرئيّة). الناصرة: جمعية الثقافة العربية.
السمان، غ. 1976. أعلنت عليك الحب. منشورات غادة السمان، بيروت.
السمان، غ. 1975. سهرة تنكرية للموتى. منشورات غادة السمان، بيروت.
عاشور، ر. 2013. أثقل من رضوى، مقاطع من سيرة ذاتية. ط 2، دار الشروق.
قطوس، ب. 2016. دليل النظرية النقدية المعاصرة – مناهج وتيارات. الأردن: دار فضاءات للنشر والتوزيع.
قطوس، ب. 2001. سيمياء العنوان. عمان: وزارة الثقافة.
كارول، ل. 1865. أليس في بلد العجائب.
مهنا، س. 2012. تلاوة الطائر الراحل. دار الجندي للنشر والتوزيع، القدس.
الموسى، خ. 2000. قراءات في الشعر العربي الحديث والمعاصر. منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق.
المراجع الأجنبية:
Eric Buffelaut, Anthropozoologica, 54 (12): 111 – 121 (2019), Early illustrations of Aepyornis eggs (1851 – 1887): from popular science to Marco Polo’s roc bird.
Genette, Gerard. 1997. Paratext: Thresholds of Interpretation. Cambridge University Press.
Hauser, Arnold, 1999, Social History of Arts, Routledge.
Iser, W. 1978. The act of reading: A theory of aesthetic response. Baltimore, MD: John Hopkins University Press.
Lessing, Gotthold Ephraim (1887). 1941. Laocoon: An Essay on The Limits of Painting and Poetry. Translated from Germany by E. C. Beasley, introduction by T. Burbidge. London: Longman.
[1] أليس في بلد العجائب (1865)، لويس كارول.
[2] سلامة، زاهي. 2010. “قصص الأطفال والقصص المصورة بين القراءة والإبداع”، في تعلَّموا العربية وعلِّموها الناس (حقيبة تدريب صوت – مرئيّة). الناصرة: جمعية الثقافة العربية.
Lessing, Gotthold Ephraim (1887). 1941. Laocoon: An Essay on The Limits of Painting and Poetry. Translated from Germany by E. C. Beasley, introduction by T. Burbidge. London: Longman.
[4] بسيوني، فاروق. 1995. قراءة اللوحة في الفن الحديث، دراسة تطبيقية في أعمال بيكاسو، دار الشروق، 7.
[5] عتيق، عمر. 2019. التأثر والتأثير بين اللوحة التشكيلية والنص الأدبي. في نوافذ ثقافية، دار دجلة، الأردن.
[6] لا يتجاهل عتيق أهمية الموسيقا، وإن كان لم يتطرق لها في عينات دراسته المطروحة.
[7] إيزابرغر، آرثر. 2003. النقد الثقافي – تمهيد مبدئي للمفاهيم الرئيسية. ترجمة وفاء إبراهيم ورمضان بسطاويسي، منشورات المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة.
[8] عاشور، رضوى. 2013. أثقل من رضوى، مقاطع من سيرة ذاتية. ط 2، دار الشروق.
[9] الأعرج، واسيني. 2010. البيت الأندلسي. ط 2، منشورات الجمل، بيروت.
[10] مهنا، سامي. 2012. تلاوة الطائر الراحل. دار الجندي للنشر والتوزيع، القدس.
[11] السمان، غادة. 1976. أعلنت عليك الحب. منشورات غادة السمان، بيروت.
[12] السمان، غادة. 1975. سهرة تنكرية للموتى. منشورات غادة السمان، بيروت.
[13] الجرنيكا؛ الأرض المحروقة. لوحة جدارية أنجزها بابلو بيكاسو بتكليف من الحكومة الإسبانية، لمبناها في المعرض الدولي الذي كان سيفتتح في باريس (1937). استوحاها من قصف غرنيكا الباسك إبان الحرب الأهلية الإسبانية بطائرات حربية ألمانية وإيطالية مساندة للقوات الإسبانية.
[14] بابلو بيكاسو (1881 إسبانيا – 1973 فرنسا). كان بيكاسو مسالمًا، رفض الاشتراك في الحربين العالميتين، وقد أعلن شيوعيته في أكثر من موقف.
[15] عتيق، 20.
[16] بسيوني، 8.
[17] بسيوني، 18.
[18] بسيوني، 24.
[19] 1932.
[20] 1896 – 1974.
[21] عاشور، 294؛ عتيق، 21.
[22] عاشور، 311؛ عتيق، 23.
[23] عتيق، 21.
[24] عتيق، 22.
[25] عاشور، 311؛ عتيق، 23.
[26] لوحة “صيد وحيد القرن” (The Hunt of the Unicorn) هي سلسلة من أقمشة النجود تتكون من سبع قطع تم نسجها في الفترة من 1495 إلى 1505، وهي معروضة حاليا في متحف الأديرة The Cloisters، بمتحف البروليتان للفنون Metropolitan Museum of Arts، في نيويورك. (الملاحظة رقم 3 في عتيق، 24).
[27] عاشور، 280 – 282.
[28] ينظر: Iser, W. 1978. The act of reading: A theory of aesthetic response. Baltimore, MD: John Hopkins University Press.
[29] ينظر: Hauser, Arnold, 1999, Social History of Arts, Routledge.
[30] قطوس، بسام. 2016. دليل النظرية النقدية المعاصرة – مناهج وتيارات. الأردن: دار فضاءات للنشر والتوزيع.
[31] إيزابرغر، 2003.
[32] 1613.
[33] الأعرج، واسيني. 2010. البيت الأندلسي. ط 2، منشورات الجمل، بيروت.
[34] عتيق، 26.
[35] ليون كاريه، 1872 فرنسا – 1942 الجزائر.
[36] ينظر:Les Magasin Pitoresque, Paris, 1865, p. 147, col. 1.
[37] ينظر بهذا الصدد:
Eric Buffelaut, Anthropozoologica, 54 (12): 111 – 121 (2019), Early illustrations of Aepyornis eggs (1851 – 1887): from popular science to Marco Polo’s roc bird.
[38] 1815، متحف اللوفر باريس، لوحة 2AB8M3G.
[39] جون مارتن 1789 – 1854، إنجلترا، اللوحة بارد، 1817 (The Bard, c. 1817).
[40] ينظر:Genette, Gerard. 1997. Paratext: Thresholds of Interpretation. Cambridge University Press.
[41] قطوس، بسام. 2001. سيمياء العنوان. عمان: وزارة الثقافة.
[42] حمداوي، جميل.1997. السيميوطيقا والعنونة. مجلة عالم الفكر، الكويت، المجلد 25، العدد 3، مارس 1997، 90.
[43] عتيق، 31.
[44] يُنظر: عتيق، 32.
[45] عتيق، 34؛ والموسى، خليل. 2000. قراءات في الشعر العربي الحديث والمعاصر. منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 135.
[46] يُنظر عتيق، 34 – 36.
[47] 1928.
[48] عتيق، 36 – 37.
[49] الأناليزا والسنتيزا عند بلوم.
[50] Edvard Munch, 1910.