أقام مركز جيل البحث العلمي تحت اشراف رئيسته أ.د. سرور طالبي ندوة افتراضية احتفاءا بعضو اللجنة العلمية بمجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية البروفيسور عبد الوهاب شعلان، حيث تمت فيها مناقشة كتابه الموسوم “هواجس النخب العربية وقضاياها الفكرية” وذلك بمشاركة كل من أ.د.الشريف حبيلة من الجزائر، أ.د. عمر عتيق من فلسطين، أ.د. محمود خليف الحياني من العراق، وبحضور أساتذة وباحثين وطلبة من عدة أقطار عربية.
بداية رحبت د.غزلان هاشمي بالحضور بقولها:” بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أسعد وأتشرف اليوم باستضافة علم من أعلام النقد الجزائري وقامة من قامات جامعة سوق أهراس عرف بمؤلفاته ذات الاتجاه الفكري والأدبي وبمساؤلاته وتفكيكياته التي تسعى إلى تحرير العقل العربي من أوهامه وتحيزاته، عضو اللجنة العلمية بمجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية الأستاذ الدكتور عبد الوهاب شعلان من أجل مناقشة كتابه الموسوم بـ”هواجس النخب العربية وقضاياها الفكرية”، كما أتشرف باستضافة أهم الأسماء النقدية والفكرية في الوطن العربي شاكرة لهم قبول دعوتي: أ.د. الشريف حبيلة ، أ.د.عمر عتيق، د. محمود الحياني، هذا وأرحب بالحضور الكريم: السادة الأساتذة والباحثين والطلبة والمهتمين، وبادئ الأمر أحيل الكلمة إلى أستاذنا الكريم من أجل تقديم ملخص حول كتابه”.
شكر د.شعلان مركز جيل على إتاحة الفرصة لمناقشة الكتاب وكذا كل الدكاترة ،وبين أنه كتب في سياقات مختلفة فإشكالاته رهن سياقات معينة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار،هذا وقدم كبرى محاوره، حيث بين أنه جملة من المقالات والدراسات ذات الطابع الفكري الذي يدور في الفكر العربي المعاصر خاصة مايخص النخب العربية.
ففي الماركسية طرح إشكالية إخفاق النهضة العربية ،وقد تم التسليم بعدم وجود نهضة لأنها نهضة مفروضة من الخارج ،وخارج قوى التغيير ، حاول د.شعلان أن يقرأ بعض التجارب الناقدة لمشروع النهضة في عرض تجربتين: تجربة المفكر مهدي عامل التي انطلقت من كتابه” أزمة الحضارة العربية أم أزمة البرجوازيات العربية” ، وهو الذي رد فيها على ندوة الكويت التي عقدت في السبعينات ،قدم أطروحته ملخصا أنها ليست أزمة حضارية وإنما أزمة طبقية، أزمة برجوازية، إذ التماس الحل في مشكلة الحضارات يكون في إيجاد حل في مشكلة الطبقية، أما الأطروحة الأخرى تتمثل في أطروحة الماركسي المصري سمير أمين التي اعترف لها أنها حملت لواء التغيير رغم أنها وسمت بالخيانة، مقاربة كذلك عبد الله العروي يرى أنها مشكلة النهضة وإخفاقها يرجع إلى غياب النزعة التاريخانية، ختمت المطارحة بتوجيه جملة انتقادات لهذه الأطروحة الماركسية وتعلقها بالمادية الأرثودوكسية، الدراسة الثانية كانت بعنوان “أطروحة الإصلاح الديني في الفكر الليبيرالي العربي المعاصر”… وإن كنا لا نستطيع الحديث عن ليبيرالية عربية حسب الباحث فإننا نستطيع التحدث عن ليبيراليين عرب مثل فرح انطوان وطه حسين …طرح إشكالية مفادها أنها ليبيرالية تطورت في ظل الفكر الإصلاحي أكثر منها في الفكر العلماني كما يبدو في نموذج محمد عبده وابن باديس.
يقول:”ثمة رؤية أخرى إذا سلمنا بوجود ليبيرالي في السياق الإسلامي وهو غياب الوعاء السوسيولوجي، حاولت قراءة بعض التجارب مثل محمد أركون الذي يربط الإصلاح بالثورة…، أيضا حاولت قراءة تجربة نصر حامد أبو زيد الذي ربط الإصلاح الديني بالنص القرآني باعتباره نصا لغويا ..، وكذلك تجربة علي حرب عندما قدم قراءة أخرى حينما نقد إيديولوجيا الإصلاح ، القراءة الأخرى كانت عن كبرى مشاريع قراءة التراث ،بدأتها بالحديث عن موجة العودة إلى التراث: الدوافع النفسية والحضارية والسوسيولوجية، توقفت عند السوري جورج طرابيشي ،مع كتابه “المثقفون العرب والتراث” الذي يرى أن الخطاب العربي المعاصر ينتظم حول عقدة العصاب التي تبحث عن الأب السياسي ممثلا في جمال عبد الناصر، ومحمود أمين العالم الذي يربط التراث برهان العقلانية والتاريخية.. وكذا عبد الإله بلقزيز عندما تحدث عن أن التراث أصبح معركة إيديولوجية ، … ويؤكد على خصوصيات المقالة الإيديولوجية التي يرى أنها ذات بعدين:انتقائية ،ينتقي من التراث مايتماشى مع رؤيته ،التحزب التراثي:لا يكتفي المثقف بالتخندق بالتراث وإنما يعتبر معارك التراث معاركه، فهو فقيه ضد المتصوفة أو متصوف ضد الفقهاء وغيرها من الصراعات الإيديولوجية، ثم تحدثت عن مناهج طه عبد الرحمن وعبد الرحمن بدوي وأركون والجابري، حاولت أن أطرح إشكالية النص القرآني فتوقفت عند تجربة أكون في نقد العقل الإسلامي وعودته للإسلاميات التطبيقية وقراءته النص القرآني وفق منظومة مصطلحية معينة، ونصر حامد أبو زيد وإشكالية العلاقة بين النص القرآني والتراث والتاريخ، وطه عبد الرحمن حينما طرح مسألة الحداثة الإسلامية وقدم تنظيرات حول العقل المجرد…ونقد بعض الحداثات المقلدة، ودعا إلى الحداثة المبدعة ..”.
هذا وقدم الدكتور شعلان في كتابه أطروحة حول المفكر التونسي هشام جعيط الذي ظل متواريا في أصقاع العالم العربي ،خاصة ما قدمه حول الكوفة وتأسيس المدينة العربية ،يقول:”لكن قرأته في سياق قراءته للاستشراق، فهو يجد أنه لا يمثل لب الثقافة الغربية ، ويطرح قضية تراجع الاستشراق الكلاسيكي المتبحر وظهور الاستشراق الجديد الأمريكي ،وهو أقرب إلى الاستشراق الأمني الاستخباراتي ،لذلك قدم نقدا لاذعا لكتاب إدوارد سعيد وبين أنه لم يقدم جديدا ،القضية الأخرى الانتلجنسيا ومهامها الثقافية ،وفكرة النخب عند الغرب مثل فوكو وغيره ومع العرب عند علي حرب وبيطار …وختاما للكتاب توقفت عند مسلك النخب الجزائرية وسؤال اللغة الذي برز منذ تأسيس الدولة ،إذ ظل معركة إيديولوجية حول الهوية واللغة مع ظهور جيل جديد مثل بختي بن عودة …،”.
أحالت رئيسة الجلسة الكلمة إلى أول محاضر وهو أ.د. الشريف حبيلة، من جامعة تبسة / الجزائر حيث قدم مداخلة موسومة بـ ” المنطلقات والإشكالات ـ قراءة في كتاب عبد الوهاب شعلان”.
وضح فيها أن الكتاب المناقش خلاصة مركزة يقدم تجارب هي مشاريع استغرق أصحابها سنوات في إنجازها ،فهو يطرح إشكالات كبرى ،وهو ما يضطرنا للعودة إلى تلك الأطروحات في حد ذاتها ،يقول:”أجدني متورطا أبحث عن طريقة أوفي بها هذه القراءة العميقة ،ركزت على بعض الإشكالات دون توسع في جميعها لأنها تحتاج إلى عمق حتى لا تتحول القراءة إلى ملاحظات عابرة ،ننبه لوحدة السياق التي تجمع تلك الأطاريح ،فهي تنطلق منه وتشتغل عليه ،في الوقت نفسه وجدت أنها أطاريح يفصل بينها وقتا ،فهي ليست ذات سياق موحد ،مما يجعلها تختلف في بعض التفاصيل ،المنطلق الثاني وهو المستوى النظري وهي التي وضعت المفكر العربي في مأزق ،فهذه المقاربات غارقة في النظري عكس القدامى الذين كانوا يشتغلون على الواقع ،إذ ركز على نقطة مهمة من بين المعوقات التي تعطل النهضة وتجعل المثقف في عزلة وهي الاشتغال على النظري فقط ،ربما أشار إلى مسألة التعالي، فالمفكر العربي متعالي على الجماهير ،إذ لا يعايش الواقع وإنما يعيش على المستوى النظري ويستعير المناهج وهو مايضعه في مأزق…
يؤكد على طرائق القراءة وهذا المستوى النظري منع هؤلاء من إيجاد قراءات من صلب الواقع ،فهذا الراهن يمكن تغييره نظريا لأننا سنبقى نعايش فرضيات وليس واقعا معاشا …
المنطلق الآخر أنه حدد الإشكالية التي جمعت بين هؤلاء ،وهي محاولة تأسيس نهضة والمساهمة في عملية التنمية والمنطلق الآخر يتمثل في النخب ،والمنطلق الأهم حسب د.الشريف هنا تركيزه على التناقضات ،حيث نبهنا إلى وجود مفارقات في هذه الأطاريح “.
أول الإشكالات: النهضة والتنوير عند اليسار ،الذي أراد أن يؤسس نهضة من منطلقه ،وهنا يبدأ التناقض الذي أشار إليه ..هناك تباين في تشخيص الأزمة واتفاق في منطلقات اليسار ،لكن غاب عليه أن الطرح تعسفي، فهو استعارة لواقع ثقافي مختلف ،إذ يجب أن يكون ذاتيا ،من أجل التحرر من الهيمنة الغربية ،الإشكالات تتمثل في الأدوات التي تبناها الكاتب ،فهي بحثت عن أدوات خارج حدود الذات ،مما جعل البنى الاجتماعية المختلفة لا تتفاعل مع هذه المشاريع ،ومن هنا فالنخب لم تحفر في معوقات التغيير، لذلك هو يحمل الطبقة الأزمة ،إذ هي لا تستطيع مخاطبة الجماهير بماتفهمه أو بما يتماشى مع ثقافتها ،فالجماهير قدست التراث في كليته وشموليته ولفرزه لابد من روية حتى لا يدخل في صدام مع الآخر ،لابد من خلخلة المتلقي العربي ،لكن نحن لم نتقدم خطوة واحدة ،فالبرجوازية أصبحت أداة ووسيط لهيمنة القوى الرأسمالية والقوى الغربية التي تعنتت في فرضها لمشروع اليسار،المشكلة الأخرى أننا أسرى المفاهيم ،وأسير مع مصطلح الحضارة الذي تم استعارته ولم يولد طبيعيا داخل البيئة العربية ،والتي كرست هيمنة الآخر ،فلم نحدد مفهوما يمكننا من تأسيس حضارة ذاتية، لذلك يصبح مأزق اليسار متمثلا في أحادية الرؤية “.
طرح مشكلة الدوغمائية فتأويل التراث يرفض التأويلات الأخرى ،ونحن نخلط بين الديني والخطاب الديني ،لذلك لابد من التفرقة بينهما ،فهو يطالب أن نقارب الإسلام بالنقد التاريخي :هل يمكن الفصل بين الدين والخطاب الديني؟
أعود للإشكال الثاني وهو الإصلاح الديني والليبيرالية وهو نفس المشكل أي مشكلة المفهوم ،حيث نتجت عن القراءة الليبيرالية للدين ،فهو ليس دقيقا وما يصلح هو الخطاب الديني ،وكذا قراءة التراث والإيديولوجيا ،هذا وختم بالتحليل النفسي للفكر العربي كما جاء عند جورج طرابيشي الذي انتقل من أحكام متزمتة ..”.
أما أ.د. عمر عتيق من جامعة القدس / فلسطين فقدم مداخلة موسومة بـ ” هدم ثقافة الطبقات الحزبية، وبناء ثقافة الإنسان ـ قراءة في كتاب هواجس النخب العربية وقضاياها الفكرية”.
قال فيها:”أعتقد أن إخفاق المشاريع النهضوية ناجم عن الخيبات التي يتسبب بها الخطاب السلفي الذي يستمد سلطانه من النظام السياسي. وإذا كان التفسير الماركسي يرى أن طغيان الخطاب السلفي يعد سببا محوريا في تراجع المشروع النهضوي التنويري ، فلا يعني أنني أتبنى رأيا أيدولاوجيا ماركسيا ، لأن منطلقاتي الفكرية تأبى أن تكون أسيرة حزب أو فلسفة ، لأنني أزعم أن الفكر الحر هو الفكر الذي لا يعترف بالأبوة الفكرية.و أرى أن التشكيك في تاريخ النهضة العربية كما ينقل مؤلف هذا الكتاب عن محمود العالم لا يخدم المشروع التنويري المنشود ، بل إن التشكيل فيها يجسد طاقة سلبية تسلب المثقف العربي ثقته بنفسه وقدرته على التغيير . أما تشخيص مهدي عامل لأزمة الحضارة ونسفه للمناهج المعرفية التي سعت إلى معاينة الأزمة الحضارية أو الإخفاق الحضاري وتمسكه بمقولة ” المادية التاريخية ” وما ينجم عنها من مفاهيم ونظريات ، وتحليلات ، ورؤيته لنمط الإنتاج المغترب عن التاريخ بسبب تغييب الطبقة الثورية فلا يخرج عن الثقافة الطبقية التي تدين البرجوازية وتطالب بنشوء طبقة جديدة.
أتفق جزئيا مع طرح سمير أمين في عدم إدانته للطبقة البرجوازية ، ولكني في الوقت نفسه لا أنحاز للطبقة البرجوازية ولا لأي طبقة أخرى ، لأن الفكر الحر يأبى الاختزال في طبقة أو الانطلاق الفكري من تصورات طبقة مهما كان انتماؤها الفكري ، ومهما كان انتشارها الجغرافي ، ومهما كان الامتداد الزمني لجذورها الفكرية. إن الدعوة إلى قراءة التراث وإنتاج المعرفة قراءة علمية تعد دعوة واعية واعدة ، ولكن دون ربطها بالماركسية اللينينية كما يرى مهدي عامل ، لأن القراءة العلمية لم تبدأ في زمن لينين ولم تنته بعد لينين.
أعتقد أن نزع القداسة عن الدين والمرجعية التي دعا إليها محمد كامل الخطيب لا تعني قداسة العقيدة ومقومات الإيمان ، وإنما تعني نفي القداسة عن النص الديني البشري ، ونفي الصحة المطلقة عن مرجعية التاريخ الديني. أما رؤية أنور عبد المالك فأرى فيها مراوغة فكرية ، إذ تُضمر رؤيته وصفا يفضي إلى أن الإسلام كان مطية لبلوغ مرحلة الثورة الاشتراكية. ولا يخفى أن القراءة العلمية العميقة للإسلام تؤكد أن الإسلام عزز جل ما تدعو إليه الثورة الاشتراكية وإذا كان الماركسيون العرب يؤمنون أن الحقيقة المطلقة قائمة في الفكر الاشتراكي فهم واهمون أيضا ، لأن المطلق لا يمكن أن يوجد في فكر بشري ، ولهذا أنا لست مصدقا للحقيقة المطلقة في فكر الخطاب السلفي وليت مصدقا للحقيقة المطلقة في الفكر الماركسي .
يبدي المؤلف قلقه من تيار الليبرالية العربية الجديدة التي تسعى إلى الإصلاح الفكري ، ويرى أنها تستمد منهجيتها من الفكر الأوروبي المرتبط بخصوصيته الاجتماعية والفكرية . وأعتقد أننا لا نزال نعاني من أزمة ثقة حينما يكون الطرح الفكري من خارج السياق العربي ، وأرى أن علاج هذه الأزمة الثقافية النفسية يقتضي تجاوز الحدود الجغرافية والاختلافات العرقية والتنوعات الثقافية لدى الشعوب كافة إذا نجحنا في تبني ثقافة كوزموبولتية تقوم على نبذ التباينات الجغرافية والعرقية والتمسك بالقواسم الفكرية المشتركة التي تعزز ثقافة الإنسان. من المرجح أن الفكر الليبرالي الذي يسعى إلى تفكيك الخطاب الثقافي العربي بهدف تفكيكه وتقويضه كله دون التمييز بين الأصيل والدخيل ، وبين ما هو قابل للحياة والبقاء وما هو غير صالح للاستمرارية ..أعتقد أنه فكر يخون رسالة الليبرالية نفسها ، فالتفكيك ينبغي أن يرتبط بغاية ولا ينبغي أن يرتبط بالعبثية.
يحتاج الخطاب الفكري لدى نصر حامد أبو زيد إلى إعادة قراءة وفق شروط منهجية متجردة من العاطفة الدينية وواعية للمقاصد الربانية وبعيدة عن المسلمات الناجمة عن اجتهادات دينية بشرية ، فحينما دعا أبو زيد إلى قراءة النص القرآني بوصفه نصا متحققا في مجال تاريخي ثقافي لم يكن يقصد حصر مقاصد القرآن الكريم بسياقه التاريخي والزمني ، وإنما كان يقصد القراءة التاريخية العلمية للنص القرآني لفهم التعالق بين النص القرآني والسياق التاريخي في زمنه.”.
هذا وقدم د. محمود خليف الحياني من الجامعة التقنية الشمالية/العراق مداخلة تحت عنوان ” الخطاب والخطاب المضاد : إساءة قراءة في كتاب هواجس النخب العربية وقضاياها الفكرية “.تطرقت إلى ما طرحه الكتاب من إشكاليات متعددة ارتبطت أساسا بإشكاليات فلسفية ومنهجية ونظرية ،فضلا عن التداخل مابين الخطابات المختلفة والمتضادة ،وكيفية التعامل معها في الفكر العربي،حيث ركز الكتاب على مجموعة من الخطابات المتناقضة التي عملت على تكوين حالات متعددة من الاغترابات :اغتراب اجتماعي ،وتاريخي وثقافي وحضاري وسياسي ،إذ حاول كل مفكر أن ينظر إلى التنوير وآلية بنائه وفقا لمنطلقاته الفلسفية ،منها إعادة بناء المجتمع وإعادة بناء النص وتأويله والقطيعة مع التراث أو مايطلق عليه إشكالية المعاصرة والتأصيل ،مفصلا القول في تجارب نقدية عربية متنوعة المرجعيات ،مقدما كل كاتب أو مفكر جملة حلول ،فمنهم من رفض الموجه الخارجي للتنوير،ومنهم من رفض الوصاية التراثية على الحاضر العربي ،فالكتاب إذن يحاول انتقاد الخطاب الهجين/الخطاب اللاتاريخي لكل المفكرين الذين تعرض إليهم بالنقد والمساءلة.
فتحت الأستاذة غزلان باب النقاش أمام الحضور ،حيث بدأ الباحث بدر الدين درارجة النقاش بقوله: “يعد الاستشراق مجالا رحبا وخصبا للدرس و التمحيص ،و إعمال النظر، ففي مكتبته الزاخرة العامرة بكل أضرب الدراسات الإنسانية من لغة وأدب وتاريخ وفن يقف الباحث على أسئلة وقضايا لا مناص من تقبلها لمصداقيتها،وأخرى لمعارضتها ودحضها لكونها جرعة مخدرة تهدف إلى هدم الحضارة العربية والإسلامية ،فهو مؤسسة من مؤسسات الغزو الفكري الغربي التي تهدف إلى تعريف الغرب بنقاط القوة في العالم العربي ونقاط الضعف للدخول منها ،لذلك أصبح لزاما على كل دارس عربي أن يهتم بهذه الكتابات وأن يخضعها للبحث والدراسة والتمحيص حتى يستبين ويكشف له النقاب عن الحقيقة التي دفعت هؤلاء المستشرقين إلى الكتابة عن العرب ويرفع الشبهات والدسائس والأباطيل.
ولقد كان للدراسات القرآنية شأن كبير حيث كانت ميدانا للتنافس بين كل المستشرقين باعتبار أن القرآن أحد أهم مقومات الأمة الإسلامية ،فلذلك ضرب المستشرقون سهام التشكيك والتحريف والتزييف ،خاصة في ما يخص إشكالية الخطاب الديني المعاصر في صراعه بين الموروث الديني واجتهاداته وارتباطه بالواقع الاجتماعي وإنتاجاته مع مايحمله من قضايا ومسائل جديدة ومتجددة لم يحوها ولم يناقشها الموروث الديني مما فتح المجال واسعا أمام مختلف التيارات والاتجاهات الدينية والفكرية للمزايدة على بعضها في كيفية إصلاح الخطاب الديني وتجديده،فأنتج ذلك خطابات متعددة ومتنوعة تصل إلى حد التعارض والتباين في أحيان كثيرة حاملة معها مواقف ومطامح وإيديولوجيات مختلفة تتخذ من تأويلها للقرآن والسنة متكأ على مشروعيتها وحاملا لقيمها،وهكذا يظهر أن التنوع في الخطابات الدينية واختلاف مضامينها يستمد مشروعيته من تساؤل مرجعي يتأسس على العلاقة بين النص الديني والواقع الاجتماعي ومن هنا فإن التساؤل الذي يقحم نفسه في هذا الجانب هو كالتالي : هل يجب إخضاع المجتمع للنص الديني وفق تفسيراته التراثية أم يجب علينا تقديم قراءات وتأويلات جديدة للنص الديني تساير وتواكب مختلف التطورات والتغيرات الاجتماعية ؟ ومن هنا فهل التجديد في الخطاب الديني يعني تغييرا في مضامينه أم أنه تجديد يتعلق بالأساليب والوسائل؟.
أما عن التعقيب الثاني فكان كالتالي :
كان عبارة عن وجهة نظر أردت من خلالها معرفة تعليق عريس الندوة عليها وتتلخص في مايلي:الاستشراق ليس خيرا كله وليس شرا كله أي فيه شقين شق إيجابي وشق سلبي ،الشق الإيجابي : أنه يحاول أن يدرس تراثنا مما دفع به للنهوض من جديد لأنه كان مطمورا مغمورا بفعل الاستعمار.
الشق السلبي : يكمن في أنه لا يمكن أن نقرأ لمستشرق مالم تكن لنا خلفية ،لأن الاستشراق الذي يدرس تراثنا بجانبه السلبي (فبعض المستشرقين يقدم ثقافة الشرق في صورة نمطية مازال أثرها باقيا حتى الآن رمزا للجمود والتخلف والشهوانية وعدم العقلانية والقهر والاستبداد في حين تمثل ثقافة الآخر الغربي الديناميكية والتنوير والتحضر والعقلانية والديمقراطية )لذلك علينا تمحيص وغربلة مثل هذه الدراسات .
كون البعض من النقاد والباحثين يرى أن الاستشراق كلمة حق أريد بها باطل وقد تم حصره في أنه كل مايصدر عن الغربيين من إنتاج فكري وإعلامي وتقارير سياسية واستخبارية خفية حول قضايا الإسلام والطوائف والعقائد الدينية والعقل العربي الإسلامي واللغة والهوية والتفكير والكتابات العربية والثقافة العربية وعادات وتقاليد وفن وتاريخ الإسلام والمسلمين واجتماع وسياسة عربية و…بمعنى لم تكن دراسة بريئة بل هو تيار فكري حاول تكوين تصور غربي عن العالم الإسلامي .فالاستشراق وليد الاحتكاك بين المشرق الإسلامي والغرب النصراني وعن طريق السفارات والرحلات يلاحظ دائما أن هناك تقاربا وتعاونا بين الثالوث المدمر : التنصير،الاستشراق،الاستعمار ,والمستعمرون ( المستدمرون)
يساندون المستشرقين والمنصرين لأنهم يستفيدون منهم كثيرا في خططهم الاستدمارية ،وبالتالي فإن حركة الاستشراق مسخرة في خدمة الاستدمار وفي خدمة التنصير وأخيرا في خدمة اليهودية والصهيونية التي يهمها إضعاف الشرق الإسلامي وهدم مقوماته من لغة ودين وثقافة وفكر …وإحكام السيطرة عليه بشكل مباشر أوغير مباشر .
كان سؤالي الأخير عن قضية التعدد اللغوي والذي كان فحواه:”كيف يمكن للتعدد اللغوي أن يحقق انسجاما مجتمعيا ووعيا حضاريا ؟ خصوصا وأن تجسيد هذا الوعي الحضاري المؤسس على التعدد ضمن فضاءات المجتمعات العربية خصوصا وأن هذا يقع بين قطبي حب المعرفة وهاجس الانسلاخ ؟”.
أما د.شهرة بلغول من جامعة أم البواقي فقد أشارت إلى المتعة التي تثيرها نصوص د.شعلان من خلال تفكيك النصوص والمرجعيات دون انحياز ،كما بينت أن سر فشل هذه المشاريع النهضوية هو هذا النظر الأحادي مغيبا البعد المحاوري ومغيبا الجماهير ،هذا وطرحت جملة تساؤلات من بينها:
ماسر غياب الأصوات النسائية ضمن هذه الأصوات ؟هل مازالت النهضة العربية في ظل هذا التشظي ؟وهل يمكن أن تتحقق نهضة خارج مشروع سياسي جامع؟ ،هذا وتساءلت كذلك عن الواقع اللغوي في الجزائر …
أما د.بشير سعايدية من جامعة سوق أهراس،فطرح جملة تساؤلات للدكتور شعلان وللدكتور عمر عتيق ، حيث تحدث عن الخطاب الديني المطلق ، وكيف أن المفسرين نصبوا أنفسهم أوصياء وحراسا لكلمة الله بعد أن حاولوا الاقتراب من القرآن الكريم على أساس قناعاتهم الروحية والفكرية. ..ثم تساءل:كيف يمكن طرح مثل هذه القضايا والإشكاليات في ظل الانغلاق العقائدي ،و الفوضى المعرفية التي تطارد العقل الإسلامي؟ كما تساءل عن الحلول للمضي بهذا المشروع أو الثورة المعرفية في مثل هذه الظروف المعادية للتغيير؟.
هذا وتحدث د.محمد كاديك عن تأثير المستشرقين ومآمراتهم، لكن من جهة نتحدث بضراوة عن ضعف المقروئية عندنا،حيث تساءل:كيف يؤثر المستشرقون في أمة لا تحترف القراءة ؟.
وأما الأستاذة سعيدة جلايلية من جامعة سوق أهراس فعقبت بالقول:”الشكر الجزيل للأساتذة المشاركين على هذه الجلسة العلمية القيمة، سؤالي موجه للدكتور الفاضل عمر عتيق، ألا ترون أن فكرة الثقافة الإنسانية هي فكرة طوباوية، ربما وقعت فيها تيارات نهضوية وتنويرية عريبة، وبالتالي نحن لازلنا بحاجة إلى قراءات لا تكتفي بالتفكيك النقدي فحسب، وإنما تطرح رؤى تحوي إجراءات عملية؟.هذا وأريد أن أنوه فقط إلى أن الغرب كان من المبشرين والمعتنقين للفكر الإنساني ، لكن الأحداث السياسية الاأخيرة تكرر فضح نفاق الغرب الذي وقع في فخ المركزية، وربما الأحداث السياسية الأخيرة ووابل العقوبات المسلطة على الشعب الروسي المدني الذي ربما جزء كبير منه يعارض هذه الحرب دليل على طوباوية الفكر الإنساني أو بالأحرى أنه بحاجة إلى طروحات محددة تنطلق من الواقع وتعالجه”.
أحالت رئيسة الجلسة الكلمة إلى د.شعلان الذي رد على مشكلة المثقف العربي ومشكلة الركون للنظرية والابتعاد عن الإنجاز الحضاري كما طرحها الدكتور حبيلة،وأورد مثالا بالمسيري الذي كان يتحرك من أجل تغيير الواقع وكذا الأفغاني ،سارتر في الغرب الذي قاوم في 68 ،حيث آثر أن يذهب مع شيجيفارا ويسجن وكذا فوكو وتشومسكي ،وإذا تحدثنا عن التعلق الأرثودوكسي بالمقولات وهي مشكلة لدى كل المثقفين باختلاف توجهاتهم مع هذه المقولات المطلقة تعجبني هنا أطروحات علي حرب حينما نذر مشروعه لنقد وتفكيك هذا الفكر الذي يدعي الوصاية وامتلاك الحقيقة والمعرفة ،إذ تحدث عن حراس التنوير وقارن بين نموذجين من المثقفين ،وكذا عبد السلام بنعبد العالي وهو يتحدث عن الجذر اللغوي لكلمة الفكر ،وبين أنه لا يمكن أن نسمي فكرا إلا إذا أحدث خللا ،وتعامل مع أصنام وأقانيم ،وميز بين المفكر السطحي الذي يردد المقولات والمفكر العميق الذي يفكك والمفكر العميق جدا الذي يخلخل ويبحث عن المسكوت عنه.
كذا أجاب عما تحدث عنه معظم السادة وهو قضية التأويل الديني ،وهنا تحدث عن كتاب أحدث ضجة في السبعينات وهو كتاب جلال العظم نقد الفكر الديني..، وتحدث عن موجة القراءات المعاصرة للقرآن الكريم من خلال الانفتاح على المناهج المعاصرة خاصة مع نصر حامد أبو زيد،محمد شحرور ويوسف الصديق …”.
رد كذلك د.عمر عتيق على تساؤلات الأستاذة سعيدة جلايلية ود.بشير …ثم ختمت رئيسة الجلسة الندوة بقولها:
في ختام هذه الجلسة الماتعة والرائعة أشكر كثيرا السادة الأساتذة الأفاضل ،قامات الفكر والنقد العربي ،المحتفى به أستاذي الفاضل د.عبد الوهاب شعلان ،السادة المحاضرون :الشريف حبيلة عمر عتيق محمود الحياني ،وكل الحضور الكريم من أساتذة وباحثين وطلبة ومهتمين من كل الأقطار العربية:الجزائر ولبنان والعراق وفلسطين وتونس والمغرب..”.