سيّاق الحال وأثره في دلالة المصطلح الفقهي – نماذج من مصطلحات التَّرِكة –
The context of the situation and its impact on the connotation of the jurisprudential term – Examples of the terminology of the estate –
الدكتور حساني حبيب أستاذ متعاقد جامعة ابن خلدون – تيارت – الجزائر
Dr. Hassani Habib is a contract professor at Ibn Khaldoun University – Tiaret – Algeria
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 74 الصفحة 53.
ملخص:سيّاق الحال: سياق خارجي يشمل كل ما يحيط بالمعنى من العناصر غير اللّغوية التي تَمُتُّ بالصلّة بالمتكلم والمخاطب، والظروف الملابسة التي نشأ فيها هذا المعنى، إذ اللّفظة في إطارها المعجمي تظلُ أسيرة للدلالية الحرفيّة خاليّة من الأبعاد الاجتماعية والتاريخية المصاحبة للدلالة، ومن هنا كان هدفنا في هذا المقال بيان صلّة المقام باعتباره معطى غير لغوي يتأسيس دلالة المصطلحات الفقهيّة الإسلامية التي تتعلّق بالمواريث والترّكات، وفي إطار المنهج الوصفي التحليلي راح المقال يبحث في الحدود المعجميّة والاصطلاحيّة للمقام، ثم إبراز أثره في تأسيس المصطلحات الفقهية ذات الصلة بفقه التّركة، مبينين القرائن الحاليّة وملابسات التأسيس لهذه المصطلحات.
الكلمات المفتاحية: سِيَّاقُ الحال، المصطلحُ الفقهي، التَّرِكة، الأكدريَّة، الحِماريّة، المِنبريّة.
Abstract:
Context of the case: an external context that includes all that surrounds the meaning of non-linguistic elements that are related to the speaker and the addressee, and the circumstances in which this meaning arose. This article is a statement of the relevance of the Maqam as a non-linguistic given that establishes the significance of Islamic jurisprudential terms related to inheritance and inheritance. for these terms
Keywords: context, jurisprudential term, legacy, Akkadian, Hamaria, Minbar.
مقدمة:
في خضم الثورة التي أحدثها الدّرس اللّساني العربي، بات توظيف المقام لسياق الحال في فهم المعنى الشغل الشاغل للدّارسين والباحثين، فالسيّاق اللّغوي محكوم عليه بالنقصان وعدم الإحاطة بالدلالة، فأضحى للأول الأثر البالغ في تحديد المعاني وتقريرها، وتشكيل محددات المعنى وتأسيس المصطلحات خارج السياق الذي تتيحه المعطيات اللغويّة ولا سيّما عند الأصوليين والمشتغلين بالفقه، إذ من المآخذ التي عَلقت بالسياق اللّغوي قصوره عن الإلمام بدلالة الحدث الكلامي اِتكاءً على المعطى الوظيفي، والمعنى العُرفي، فتحليل المعنى يستند إلى الإحاطة بمعطيات خارج السيّاق اللغوي، معطيات اِجتماعية وثقافيّة ونفسيّة لإنجاز الخطاب، ومن هنا أمكن النظر في البعد التداولي؛ حيث بَلور فيرث (ت 1960م) ومالينوفسكي (ت 1942م) فكرة السياق ضمن هذا البعد القائم على الإحاطة بعناصر الخطاب: المُرسِل، الرِسالَة، المُسْتَقبِل «إذ يبدو أنّ العناصر التي تشكّل المعنى في ذهن المتلقي متنوعة، ومن هذه العناصر معطيات المقام، والمقصود بها جملة العناصر غير اللّغوية المكوّنة للموقف للكلامي» [1].
أولاً: المصطلح الفقهي – قراءة في المفاهيم وملابسات التأسيس
1- قراءة في مفهوم المصطلح: في أثناء الحركة العلميّة الواسعة، والنضج الحضاري الذي شهدته الإنسانيّة حديثًا في شتى العلوم والآداب والفنون، كانت الحاجة مُلحّة إلى وضع علم المصطلح الذي يضبط المفاهيم، ويحدّد الدلالات، ويضع الفواصل بينها، ومن هذا المنطلق ساد الاِتفاق بين الباحثين في تصوّر مشترك يحدّد لفظَّا لمفهوم خاص بمدلول علمي، أو أدبي، أو فنّي، أو غير ذلك واِشترطوا في ذلك دقّة العلاقة بين اللّفظ ومدلوله حتّى لا يقع اللّبس وتتداخل المعاني، فتنتج دلالات غير مقصودة إذ «إنّ المصطلح لفظ موضوعي تواضع عليه المختصون بقصد أدائه معنى معيّنًا بدقّة ووضوح شديدين، بحيث لا يقع أي لبس في ذهن القارئ أو السامع لسياق النّص العلمي، فالمواضعة هي أساس إنشاء المصطلح»[2].
«فالمصطلح كلمة أو مجموعة من الكلمات من لغة متخصصة علميّة أو تقنيّة موروثًا أو مفترضَا، يستخدم للتعبير بدقّة عن المفاهيم، وليدل على أشياء ماديّة محدّدة»[3]، «ومن سِماته أن يكون كلمة أو عبارة، ضيّق الدلالة، دقّة الوضوح، وَوُروده في سياق النظام الخاص بالمصطلحات»[4].
2- الحدود المعجميّة والاصطلاحيّة للجذر فَقِه:
جاء في لسان العرب لابن منظور (ت 1311م): « فَقِهَ الفِقْهٌ، العلم بالشيء، والفهم له، وغلب على علم الدّين لسيادته وشرفه وفضله على سائر أنواع العلم، كما غلب النّجم على الثريا، والعُود على المندل، وفَقِهَ فِقْهًا: بمعنى عَلِمَ عِلمًا، وهو فقيه من قوم فقهاء، والأنثى: فقيهة»[5].
أمّا في الشق الاصطلاحي :
جاء في كتاب التعريفات للشريف الجرجاني (ت 1413م): «الفقه في الاصطلاح هو العلم بالأحكام الشرعيّة العملية من أدلّتها التفصيلية، وقيل هو الإصابة والوقوف على المعنى الخفي الذي يتعلق به الحكم، … وهو علم مستنبط بالرأي والاجتهاد، ويحتاج فيه إلى النظر والتّأمل، ولهذا لا يجوز أن يسمّى الله فقيهًا لأنّه لا يخفى عليه شيء»[6].
أمّا من دواعي التأسيس للمصطلح الفقهي فهي دعوة العامة إلى تنظيم الحياة العملية التي وجدت لأجلها الرسالة المحمدية، فقد اِستنبطت الأحكام الفقهيّة من الآي الكريم، كونه المصدر الرّائد في التشريع الإسلامي، وقد تأسست مصطلحات فقهيّة تحيل إلى أحكام تتضمن مجالات الشريعة من عبادات ومعاملات، فكان الفقهاء يأخذون الحكم فهمًا واستنباطًا وتطبيقًا، وتبيّن مقاصدها « ويستمد المصطلح الفقهي قوته من النّص الشرعي، فالقرآن الكريم، والسنّة النبويّة الشريفة هما اللّذان فتحا باب الاصطلاح على مصراعيه، وكان القرآن الكريم، والسنّة النبوية هما أوّل من أرسى قواعد المصطلح الإسلامي »[7]، كما يقول محمد رواس قلعجي (ت 2014م) في معجمه لغة الفقهاء «وللمصطلح الفقهي علاقة وطيدة بمعناه اللغوي، فجميع المصطلحات الفقهيّة نلحظ فيها الاِشتراك الواضح بين معانيها اللّغوية والمعاني التي اِصطلح على إطلاقها عليها، والفقهاء وضعوا شروط لنقل المصطلح من معناه اللّغوي الأصلي إلى المعنى الجديد الاصطلاحي»[8] .
ثانيًا: السياق في اللغة والاصطلاح
قال ابن فارس (ت 1004م): «السّين والواو والقاف أصل واحد وهو حَدْوُ والشّيء ،يقال: ساقه يسوقه سوقًا، والسّلّيقة ما اِستيق من الدّواب، ويقال: سُقت إلى اِمرأتي صداقها، وأسَقته، والسّوق مشتقة من هذا، لما يُساق إليها من كلّ شيء، والجمع أسواق، والسّاق للإنسان وغيره، وإنّما سُميّت بذلك لأنّ الماشي ينساق إليها»[9]، وقد فرّع ابن منظور في لسان العرب الجذر سَوَقَ إلى أصول شتى: «يقال سَاق بنفسه سيّاقًا نزع بها عند الموت، ونقول: رأيت فُلانًا يًسُوقُ سَوْقًا؛ أي يَنْزَعُ نَزْعًا عمد الموت، ويقال: فلان في السيّاق أي في النزع»[10] وقد يحيل هذا الجذر إلى دلالة أخرى مُؤداها: «يقال ساق إليها الصًّداق والمهر سياقًا وأنساقه، وإن كان دراهم أو دنانير؛ لأنّ أصل الصَّداق عند العرب الإبل، وهي التي تُساق فاستعُمل ذلك في الدّرهم والدينار وغيرها، وسَاق فُلان من اِمرأته؛ أي أَعطَاهَا مهرها والسيّاق المهر» [11].
أمّا صاحب القاموس المحيط فيروز آبادي (ت 1415م) فقد أَدْلَى بمعنى آخر يتعلق هنا الجذر «تساوقت الإبل: تتابعت وتَعَاوَدت، وتساوقت الغنم: تزاحمت في السّير» [12] .
أمّا السّياق في الاِصطلاح فقد تَباينت تعريفاته بين القدماء والمحدثين، غير أنّ الاختلاف الجوهري حاصل بين الغربيين والعرب: «السّياق بمفهومه العام النّظم اللّفظي للكلمة وموقعها من ذلك النظم»[13]، ويعرّفه محمود السعران (ت 1963م) بقوله: «هو جملة العناصر المكوّنة للموقف الإعلامي أو للحال الكلاميّة»[14]، أمّا في المعاجم المتخصّصة فتعرفه باستيعاب كلّ فروعه؛ حيث يقصد بالسيّاق «تلك البنية اللّغوية المحيطة بالوحدة الصوتيّة أو الوحدة البنيوية الصغرى، أو بالكلمة أو الجملة، ويعني الوحدات التي تسبق وتلي وحدة لغويّة محدّدة، كما يعني مجموعة العوامل الاجتماعية التي يمكن أن تأخذ بعين الاعتبار دراسة العلاقات الموجودة بين السُّلوك الاجتماعي، والسُّلوك اللّغوي» [15] .
وإذا بحثنا في حيثيات العناصر الدّاخليّة والخارجيّة المكوّنة للسيّاق، وهو بإيجاز خمسة أركان: الخطاب، مصدر الخطاب، متلقي الخطاب ،المساق، ألفاظ الخطاب .
وفي حديث ذي صلَة فإنّه تقسيمات السّياق بناءً على اِعتبارات منها ما يتعلق بالبنيّة الدّاخلية للنّص، ومنها ما يتعلَّق بالظروف الخارجيّة عن النص، وعلى هذا كان للسياق تقسيماته «السّياق الدّاخلي: ويسمى السّياق، أو سيّاق النّص، ويشمل السيّاق الصوتي، والصرفي، والنحوي والمعجمي والقصصي»[16]، ويشمل السيّاق اللغوي كل العلاقات: «وهي كل العلاقات التي تتخذها الكلمة في داخل الجملة، وهذه العلاقات الأفقية على عكس العلاقات الجدوليّة: جلس الطالب على الكرسي، جلس الأستاذ على الكرسي، جلس المدير على الكرسي»[17].
أمّا بخصوص السيّاق الخارجي: «ويسمى سيّاق أو السيّاق غير اللّغوي ويشمل سيّاق المقام، والسيّاق الاجتماعي والسيّاق التاريخي وسيّاق الموقف» [18] .
وقد عرّف السّعران بشيء من التفصيل سياق الحال بأنّه: «جملة العناصر المكوّنة للموقف الكلامي أو الحال الكلاميّة، وهي شخصيّة المتكلم والسّامع والعوامل والظواهر الاجتماعية، وأثر النّص الكلامي في المشتركين»[19]، فسيّاق الحال يتجاوز الدلالة المعجميّة للألفاظ في الكشف عن المعنى، وتحديد المُراد، فالقرائن غير اللّغوية، وما يتّصل بالموقف الخارجي كلها عوامل هادية إلى تأسيس المعنى لأنّ الأخير مركّب من عناصر لغويّة ،وغير لغويّة إذ «إنّ سيّاق الحال وظروف المقال وملابساته الخارجية تُسيَّجُ المعنى وتنقله من قيمة تعبيرية ومقصد تداولي إلى مقصد آخر، فوقوع الحدث في زمن المتكلم قد يعتمد على قرينة خارجيّة مأخوذة من سيّاق المقام» [20].
ثالثًا: مصطلحات التّركة وملابسات التّأسيس
تتبوأ أحكام المواريث والتّركات في الفقه الإسلامي المكانة الأسمى؛ لأنّها تشريعات تتعلق بحقوق العباد، فموضوع التّركات يتناول التّركة وما تشمل عليه، وكيفية اِنتقالها من المالك إلى الوارث، أمّا مصطلحاتها فهي أوعيّة تحمل شحنات دلاليّة مخصوصة، أو بالأحرى تتّخذ مجالاً رحبًا في تفاصيلها اللّغويّة والفقهيّة، وملابسات تأسيسها، وستتضمن هذه الورقة دواعي ومبررات حمل الكلام على الإفادة، ووضع مدلول لدّال لخّص نماذج من فقه التّركات.
1- الأكدريّة:
الدلالة المعجميّة: ونقصد بها الدلالة الوضعيّة التي تمكّن المتلقي من فك شفرة اللّفظ اِتكاءً على دلالته المعجميّة ووضعه ضمن السياق «وهي كون اللّفظ بحيث متى أطلق أو تُخيّل فُهِم منه معناه للعلم بوضعه، وهي منقسمة إلى المطابقة والتضمُّن والالتزام؛ لأنّ اللّفظ الدّال بالوضع يدل على تمام ما وضع له بالمطابقة، وعلى جزئه بالتّضمن، وعلى ما يلازمه في الذهن بالالتزام»[21]، جاء في لسان العرب لابن منظور: «كَدَر الكَدَر: نقيض الصّفاء، تكدّر وكدّره تكديرًا جعله كَدِرًا، والاسم الكدرة والكدورة، والكُدرة من الألوان ما نَحَا نحو السّواد، والكُدُورة في الماء والعيش، ويُقال :كَدُر عيش فلان وتَكّدرت معيشته»[22]، وقال ابن فارس: « كدر: الكاف والدّال والرّاء أصلان: أصل يدل على خلاف الصفو، والآخر يدل على حركة»[23]، وبانتقالنا صعودًا إلى الدلالة الصرفيّة للمصطلح باعتبارها دلالة تتّحدّد بموجب صيّغ الألفاظ وأبنيتها في إطار علم الصّرف، فلفظ الأكدريّة مصدر صناعي قياسي زِيد في آخره حرف اليّاء المشدّدة والتاء المربوطة، دالاً على صفة في اللّفظ الّذي صُنِعَ منه «المصدر الصناعي هو اٍسم يصنع من اِسم آخر، وذلك بزيّادة ياء مشددّة وبعدها تاء التّأنيث المربوطة، وذلك حتّى يدل على الاتّصاف بصفات الاسم الّذي صُنع منه»[24]، فالدلالة التي أضفتها البنيّة الصرفيّة للمصطلح «أكدر اِسم والأكدر حمير وحش منسبة إلى فحل منها»[25]، والسيّاق اللّغوي لهذا اللّفظ مؤلف من المعنى الوظيفي المعياري الذي أحالت إليه الدلالة المعجميّة، والدلالة الصرفيّة، والدلالة العرفيّة، ومن هذا المنطلق توسّل السيّاق اللّغوي لأجل الإفراج عن المعنى المأسور في المعيارية والعرفيّة، مما أدى باللّغة إلى اِستدعاء القرائن الحاليّة، ملابسات الكلام لفك شفرة المصطلح، فالمعنى المقامي أو سياق الحال كفيل ببلورة وتأسيس مصطلح فقهي فرعي يتعلق بنوازل التّركات، « والمسألة الأكدرية في ميراث ذوي الحقوق، إذا ماتت اِمرأة عن زوج وأمٍّ وأخت وجدّ، وفي تسميتها ثلاثة أقوال مصحوبة بقرائن حاليّة أسّست للمصطلح وفق تداعيات سيّاقية خارجة عن معيارية اللّغة ،فرضها في سياق الموقف، أو سيّاق الحال أحدها أنّها كدّرت على زيد بن ثابت في أصوله ،فإنّه أعالها ولا عَوَل عنده في سهامه، ولا يجمع في غيرها، والثاني أنّ رجلاً اِسمه الأكدر سئل عنها: فأفتى فيها على مذهب زيد فأخطأ فنسبت إليه»[26] .
2- الحمارية:
الدلالة المعجمية: جاء في معجم المقاييس في اللّغة لابن فارس: « حمر: الحاء والميم والرّاء، أصل واحد عندي، وهو من الذي يعرف بالحمرة، وقد يجوز أن يُجعل أصلين: أحدهما هذا، والآخر جنس من الدّواب، فالحمار: معروف ،يقال حمار وحمير وحُمُر وحُمُرات»[27]، والحمار: « النّهاق من ذوات الأربع أهليًا كان أو وحشيًا، وجمعه أحمرة، وحُمُر، حَمِير وحُمْر وحُمُور، وحُمُورات جمع الجميع»[28]، وفي سيّاق ذي صلّة فإنّ لفظ الحمارية مصدر صِناعي صيغ من هذا الجنس للدلالة على الخصائص التي يتفرّد بها، أمّا بموجب الاصطلاح الفقهي فمؤداها: « وهي لقب لمسألة من مسائل الإرث، تشتمل على زوج وأمّ وجدّة وأخوين لأمّ فأكثر، وشقيق وحده أو مع غيره»[29]، ومصطلح الحمارية أفرغ تمامًا من محتواه المعجمي والصّرفي، إذ هناك مكوّن لا كلامي في هذه الوحدة الكلامية يتعلق بملابسات مصاحبة لتأسيس دلالة هذا المصطلح في شِقّه الفقهي، والدّاعي إلى التسميّة بهذا الاسم «ما ورد أنّ المسألة عرضت على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- فقضى بحرمان الإخوة الأشقاء، لأنّ أصحاب الفروض لم يتركوا لهم شيئًا، ثم عُرضت في العام الثاني ،فأراد أن يقضي فيها بما قضي به أولاً، فقال له زيد بن ثابت – رضي الله عنه- هَبْ أنّ أباهم كان حماراً ما زادهم الأب إلاّ قربًا، وقيل قائل ذلك أحد الورثة»[30].
3- المنبريّة:
الدلالة المعجميّة: جاء في معجم المقاييس في اللّغة لابن فارس: « نَبَر:النون الباء والرّاء أصل صحيح يدل على رفع وُعُلُوُّ، ونَبَر الغُلام: صاح أوّل ما يترعرع، ورجل نَبّار فصيحٌ جهير، وسمي المنبر لأنّه مرتفع ويرفع الصّوت عليه»[31]، ويقول ابن منظور في لسان العرب: «المنبر مرقاة الخطيب، سمّي منبراً لارتفاعه وعُلوّه، واِنتبَر الأمير اِرتفع فوق المنبر»[32]، وللمصطلح دلالة صّرفيّة معيارية تتكئ على هيئة بِنْيّة المصدر الصّناعي الّذي تمّ بموجبه ترحيل معنى اللّفظ إلى اِستلهام الخصائص الثابتة في المصدر الأصلي، فالمنبريّة نسبّة إلى المنبر الذي يحيل إلى دلالة الارتقاء والعلو، أمّا عن القرائن المصاحبة لملابسات تأسيس هذا المصطلح، فما يعتّد به ويُطمأن إليه من تفحُّص الشواهد والرّوايات التي اِنتزعت منها، وتأسسّت فيها دلالة هذا المصطلح، واِنتفى بموجبها الالتباس « المسألة المنبرية من مسائل المواريث، سميّت بذلك لأنّ علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – سئل عنها، وهو يخطب على المنبر: فأجاب عنها ومضى في خطبته، وهي أنّ رجُلاً مات عن زوجته وبنتين وأمٌّ وأب» [33]، وفي سيّاق متّصل فهذه المسألة تنِمُ عن قوّة بديهة الإمام علّي – رضي الله عنه- وسعة علمه وفهمه، وعميق تفكيره ونضجه، والمسألة أنّ «زوجة سألته وهو على المنبر، عن مسألة في الإرث يحار فيها الفكر وينقطع العقل، فأجاب على الفور: صار ثمنها تسْعًا، والمقصود بقول الإمام صار ثمنها تسعًا، أنّ حقّ الزوجة الذي هو الثمن صار في مذهبكم تسعًا»[34].
خاتمة:
توصّلت من خلال هذا البحث إلى النتائج التالية:
– اللّغة ظاهرة اِجتماعية وظيفتها تحقيق التواصل الإنساني؛ حيث باتت من أشدّ الظواهر الإنسانيّة تشعباً وتعقدًا، باعتبارها نظامًا من الرموز تحمل في طياتها المعاني المختلفة، وعلى هذا الأساس يعدُّ موضوع اللّغة من القضايا الشيّقة في الدراسة والبحث .
– إنّ المصطلح لفظ موضوعي حاصل نتيجة اِتفاق وتواطؤ جماعة لغوية على وضع اللّفظ للمعنى المناسب، أو بالأحرى هو كلمة أو مجموعة كلمات تواضع عليها المختصون لغرض يُحيل إلى مفهوم علمي، أو أدبي، أو فنّي، أو غير ذلك .
– المصطلح الفقهي لفظ مُستحدث يتعلّق بالعلوم الشرعيّة ذات الصّلة بأفعال المكلفين، وهو مصطلح عام يتّسم بكونه إجرائيًا.
– السيّاق الدّاخلي أو السيّاق اللُّغوي، أو سيّاق النّص يضُّم السيّاق الصوتي والصّرفي، والنحوي، والمعجم، وكل فرع من هذه التفريعات يقتضي آليات مخصوصة في كشف المعنى، وتوليد الدلالة .
– سيّاق الحال يستند على الظروف الخارجيّة، باعتبارها آليات غير لغوية في فهم المعنى، إذ يُعدّ سيّاق الحال عند فيرث قمّة العمليات الاجتماعيّة التي يمكن أن تكون مستقلة، فالحدث الكلامي سلسلة من الوقائع في قلب الواقع الاجتماعي .
– الأكدريّة، الحمارية، المنبريّة، مصطلحات فقهيّة تحيل إلى دلالات تتعلق بموضوع التّركات، والمواريث في الفقه الإسلامي، وما يترتّبُ عنها من الأحكام والقواعد الفقهية المفروضة في تركة الهالك .
– الأكدريّة، الحمارية، المنبريّة، مصطلحات فقهيّة، لم توضع هكذا اِرتجالاً ولا عبثًا، وإنّما لها دواعٍ وأسباب تجاوزت دلالة تفريعات السيّاق اللّغوي، إلى السيّاق الخارجي الذي يشمل كل ما يحيط بالمصطلح من عناصر غير لغويّة تتّصل بالعصر أو نوع القول، أو جنسه .
– تأسست دلالة هذه المصطلحات متكئة على عناصر شتى تتّصل بالمتكلم، والمُخاطب، والظروف الملابسة والبيئة .
قائمة المصادر المراجع:
قائمة المعاجم العربية:
– ابن منظور ، لسان العرب ، تح: ياسر سليمان أبو شادي ، المكتبة التوفيقية ، الجزء 10.
– أحمد بن فارس ، معجم مقاييس اللغة ، تح: عبد السلام هارون ، دار الفكر ، دط ، 1979م.
– الفيروز آبادي ، القاموس المحيط ، تح: محمد نعيم العرقسوسي ، مؤسسة الرباط ، ط02، 2005م.
– محمد رواس قلعجي ، معجم لغة الفقهاء ، دار النفائس للطباعة والنشر ، لبنان ، ط02، 1988م.
– الشريف الجرجاني ، كتاب التعريفات ، تح: محمد عبد الرحمن المرعشلي ، دار النفائس ، ط03، 2012م.
المراجع:
– رسمي علي عابد ، مهارات التطبيق الصّرفية والإملاء والتّرقيم.
– علي جابر المنصوري ، الدلالة الزمنيّة في الجملة العربية ، الدّار العلميّة الدولية ، عمان ، ط01، 2002م.
– فوزي عيسى ، رانيا فوزي عيسى ، علم الدلالة النظرية والتطبيق ، دار المعرفة الجامعية ، الإسكندرية ، ط01، 2008م.
– قاسم الشّارة ، تعريب المصطلح العلمي إشكالية المنهج ، عالم الفكر ، دط ، 1989م.
– مبارك مبارك ، معجم المصطلحات الألسنية ، فرنسي ، إنجليزي ، عربي ، دار الفكر اللبناني، بيروت ، ط01، 1995م.
– محسن الأمين ، معادن الجوهر ، ط01، دمشق ، الجزء 02.
– محمود السّعران ، علم اللغة مقدمة للقارئ العربي ، دا النهضة العربية ، بيروت ، دط.
– محمود فهمي حجازي ، الأسس اللغوية لعلم المصطلح ، دار غريب ، القاهرة ، مصر ، ط01، 1995م .
– محمود فهمي حجازي ، مدخل إلى علم اللغة ، دار قباء ، القاهرة ، دط ، 1997م.
المراجع المترجمة:
– ستيفان أولمان ، دور الكلمة في اللغة ، ترجمة: كمال بشر ، مكتبة الشهاب .
قائمة البحوث الجامعية والمقالات :
– بوغنة خالدية ، مظاهر القلق المصطلحي في الترجمة ، دكتوراه ، معهد الترجمة جامعة وهران ، الجزائر ، 2019م .
– خليل خلف بشير العاملي ، السياق أنماطه وتطبيقاته في التعبير القرآني ، مجلة القاديسية في الآداب والعلوم التربوية ، المجلد 09، العدد02.
– محمود حسن الجاسم ، المعنى وبناء القواعد النحويّة ، مقال ضمن مجلة جامعة دمشق ، المجلد 25، العدد 1 ، 2، 2009م.
[1] محمود حسن الجاسم، المعنى وبناء القواعد النحويّة، مقال ضمن مجلة جامعة دمشق ، المجلد 25، العدد 1، 2، 2009م، ص: 70.
[2] قاسم الشّارة، تعريب المصطلح العلمي إشكالية المنهج، عالم الفكر، دط، 1989م، ص: 84.
[3] محمود فهمي حجازي، الأسس اللغوية لعلم المصطلح، دار غريب، القاهرة، مصر، ط01، 1995م، ص :11.
[4] بوغنة خالدية، مظاهر القلق المصطلحي في الترجمة ، دكتوراه معهد الترجمة جامعة وهران، الجزائر، 2019م، ص :20.
[5] ابن منظور، لسان العرب، تح: ياسر سليمان أبو شادي، المكتبة التوفيقية، الجزء 10، ص 339.
[6] الشريف الجرجاني، كتاب التعريفات، تح: محمد عبد الرحمن المرعشلي، دار النفائس، ط03، 2012م، ص: 138.
[7] محمد رواس قلعجي، معجم لغة الفقهاء، دار النفائس للطباعة والنشر، لبنان، ط02، 1988م، ص :18.
[8] محمد رواس قلعجي، معجم لغة الفقهاء ، ص :15.
[9] أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة، تح: عبد السلام هارون، دار الفكر، دط، 1979م، ص 498.
[10] ابن منظور، لسان العرب، تح: ياسر أبو شادي، المكتبة التوفيقية، الجزء 6، ص :484.
[11] المصدر نفسه، ص :167.
[12] الفيروز آبادي، القاموس المحيط، تح: محمد نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرباط، ط02، 2005م، ص: 897.
[13] ستيفان أولمان، دور الكلمة في اللغة، ترجمة : كمال بشر، مكتبة الشهاب، ص 59.
[14] فوزي عيسى، رانيا فوزي عيسى، علم الدلالة النظرية والتطبيق، دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية، ط01، 2008م، ص :59.
[15] مبارك مبارك، معجم المصطلحات الألسنية، فرنسي، إنجليزي، عربي، دار الفكر اللبناني، بيروت، ط01، 1995م، ص: 61.
[16] خليل خلف بشير العاملي، السياق أنماطه وتطبيقاته في التعبير القرآني، مجلة القاديسية في الآداب والعلوم التربوية، المجلد 09، العدد02، ص:42.
[17] محمود فهمي حجازي، مدخل إلى علم اللغة، دار قباء، القاهرة، دط، 1997م، ص: 159.
[18] خليل خلف بشر العاملي، السيّاق أنماطه وتطبيقاته في التعبير القرآني، ص :42.
[19] محمود السّعران، علم اللغة مقدمة للقارئ العربي، دا النهضة العربية، بيروت، دط، ص :311.
[20] ينظر: علي جابر المنصوري، الدلالة الزمنيّة في الجملة العربية، الدّار العلميّة الدولية، عمان، ط01، 2002م، ص :35.
[21] الشريف الجرجاني، كتاب التعريفات، ص: 173.
[22] ابن منظور، لسان العرب، الجزء 12، ص :47.
[23] ابن فارس، معجم المقاييس في اللغة، ص :920.
[24] رسمي علي عابد، مهارات التطبيق الصّرفية والإملاء والتّرقيم، ص :146.
[25] ابن منظور، لسان العرب، الجزء 3، ص :372.
[26] ينظر: محمد رواس قلعجي، معجم لغة الفقهاء، ص :63.
[27] ابن فارس، معجم المقاييس في اللغة، ص :281، 282.
[28] ابن منظور، لسان العرب، الجزء 03، ص :372.
[29] محمد عرفة الدّسوقي على الشرح الكبير، الجزء 04، ص :466.
[30] ينظر: محمد رواس قلعجي، معجم لغة الفقهاء، ص: 349.
[31] ابن فارس، معجم المقاييس في اللغة، ص: 1007، 1008.
[32] ابن منظور، لسان العرب، الجزء 14، ص :18.
[33] محمد رواس قلعجي، معجم لغة الفقهاء، ص :349.
[34] محسن الأمين، معادن الجوهر، ط01، دمشق، الجزء 02، ص :247.