أسلوب التوكيد في شعر الأخلاق في العصر الأموي: دراسة في البنية والدلالة
Assertion technique in the ethical poetry of Umayyad period:
A structural and semantic study
د. محمد أرشد الحسن، الأستاذ المشارك بقسم العربية، جامعة داكا، بنغلاديش
Dr. Muhammad Arshadul Hassan, Associate Professor, Department of Arabic, University of Dhaka, Bangladesh
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 74 الصفحة 63.
الملخص:
اتسم شعر الأخلاق في العصر الأموي بسمات فنية رائعة ما أبقته على الحياة أمام موجة عارمة من ألوان القريض الأخرى. وقد تبين لنا من خلال البحث أن الأساليب الفنية التي اتخذها شعر الأخلاق وسيلةً للتعبير عن الأفكار والمقاصد منها أسلوب التوكيد. وبالتالي وقع الاختيار في هذا البحث على أسلوب التوكيد. ففي هذا البحث تم الارتكاز على أنواع هذا الأسلوب التي تم استخدامها في شعر الأخلاق مع العناية بدلالاتها المختلفة وفق السياقات المتنوعة؛ وذلك ليتبين مدى التصاقب والتعالق بين بُناها والغايات المعنوية ورائها. لذا، تم تقسيم هذا البحث إلى خمسة نقاط. وهي: التمهيد، ومفهوم شعر الأخلاق، ونبذة عن التراكيب الأسلوبية الواردة في شعر الأخلاق، وتركيب أسلوب التوكيد بنيةً ودلالةً، ثم الخاتمة التي تحتوي على النتائج التي تم التوصل إليها. وبالنسبة للمنهج الذي تم اتباعه في هذا البحث فهو المنهج الاستقرائي والتحليلي والاستنباطي. ومن أهم النتائج التي توصلنا إليها أن فنية شعر الأخلاق لا تقل جمالا من غيره من أضرب الشعر الأموي.
الكلمات المفتاحية: العصر الأموي، شعر الأخلاق، أسلوب التوكيد، البنية، الدلالة.
Abstract
It has appeared to us through the study that, one of the artistic techniques taken by the ethical poetry in the Umayyad period is the assertion technique. Hence, many different forms of this technique which were used in the ethical poetry have been studied and examined in this article with special attention to their various implications in different contexts, to examine the extent of the interrelationship between their structures and the ideas they imply. Therefore, this article is divided into five sections which are: the preamble, the concept of ethical poetry, stylistic structures in the ethical poetry, the structure and implications of assertion technique and, finally, the conclusion containing the findings of the research. This research has been conducted following the inductive, analytical and deductive methods. And one of the most important findings is that the artistic feature of ethical poetry is no less beautiful than the other formes of Umayyad poetry.Keywords: Umayyad period, ethical poetry, assertion technique, structure, implications.
التمهيد:إن الألفاظ لا تتجلى قيمتها الجمالية إلا إذا ترتبت في تركيب أسلوبي حسب ما تقتضيه الحال. فالتراكيب الأسلوبية في السياقات الصحيحة تمنح الألفاظ قمية جمالية حقة؛ وذلك لأن “الألفاظ المفردة التي هي أوضاع اللغة، لم توضع لتُعرف معانيها في أنفسها، ولكن لأن يُضمَّ بعضها إلى بعض، فيعرف فيما بينهما فوائد”([1]). لذا، وقع الاختيار في هذا البحث على أساليب التوكيد التي استخدمها الشعراء الأمويون في أشعارهم عن الأخلاق حتى يتبينَ مدى التناسب بين بُنى هذه التراكيب المتنوعة ودلالاتها المختلفة ويتضحَ، كذلك، كيف تتم الفائدة من خلال العلاقة بين البنى التركيبية وغاياتها المعنوية. وقبل الشروع في دراسة الموضوع يجمل بنا أن نستبين مفهوم شعر الأخلاق وهو فيما يأتي:
أولا: مفهوم شعر الأخلاق:
إن الأخلاق التي نقصدها في هذه الدراسة هي صفات راسخة في النفس فطرية أو مكتسبة، تدفع إلى سلوك إرادي محمود لدى الشرع والعقل جميعا، وتنظم حياة الفرد ليحقق الغاية من وجوده -وهي العبودية لله وحده- على وجه المعمورة بشكل أكمل وأتم. وعليه فيكون مفهوم شعر الأخلاق من وجهة نظرنا المتواضعة:
هو تعبير فني، إيقاعي داخليا أو خارجيا أو جميعا معا، منطوق أو مكتوب، صريح أو ضمني، عن تجربة شعورية وفكرية حصلت لدى الشاعر من خلال العقيدة الإسلامية باتجاه الخالق والإنسان والمخلوقات الأخرى والعلاقات القائمة بينهم، ما يعطي المتلقي خبرةً جديدة أو خبرة قديمة في حُلّة جديدة مرتبطة بالأخلاق الحميدة لدى الشرع والعقل جميعا، ويؤثّر في نفسه بما يتضمن من قوة صدق أو حسن أسلوب أوتصوير أو إيحاء أو إغراب أو جميعا معا، ويحوّله إلى شخصية إسلامية متسلحة بتلك الصفات المعني بها، لتنظيم حياته على نحو يحقق الغاية من وجوده على وجه المعمورة بشكل أكمل وأتم.
ثانيا: نبذة عن التراكيب الأسلوبية الواردة في شعر الأخلاق في العصر الأموي
إن من أبرز التراكيب الأسلوبية التي اسخدمها الشعراء الأمويون فيما يتعلق بشعر الأخلاق للتعبير عن رؤاهم الإصلاحية والقيم الأخلاقية هي: تركيب أسلوب التأكيد، وتركيب أسلوب الأمر، وتركيب أسلوب النفي، وتركيب أسلوب النهي، وتركيب أسلوب الاستفهام، وتركيب أسلوب التمني والترجي، وتركيب أسلوب النداء. وهذه التراكيب الأسلوبية المتنوعة ساعدت الشعراء على صناعة سياق “يتسم بالحيوية، ويتميز بالبكارة، كما أنه إذا تحقق تنظيم محكم للصلات الداخلية بين الكلمات، فإن الصورة المعطاة تكتسب فعالية تكسر سكونية البناء النحوي في نسقه المتسم بجهامة ثباته ورتابة نظامه”([2]). فلكل من هذه التراكيب الأسلوبية دور فعال في جعل المألوفية غير المألوفية التي يقوم عليها التفاضل بين الشعراء. لكننا نركز في هذا المقال المتواضع على أسلوب واحد من تلك الأساليب الفنية، ألا وهو: أسلوب التوكيد؛ وذلك للحصول على المعرفة المتعمّقة في القضية من جهة ولأجل التوصل إلى نتائج صائبة وموضوعية ودقيقة من جهة أخرى.
ثالثا: تركيب أسلوب التوكيد بنيةً ودلالةً
مال الشعراء الأمويون في التعبير عن الأفكار والمضمونات الأخلاقية إلى أسلوب التوكيد؛ وذلك لـ “تقوية المؤكد وتمكينه في ذهن السامع وقلبه”([3]) ولإماطة شبهة ربما خالجته أو لإزالة ما توهم المتكلم غفلةً أو ذهابا عما كان بصدده.([4]) وقد ورد هذا الأسلوب في شعر الأخلاق في العصر الأموي بأنماط متنوعة منها: (إنّ) و(أنّ) من الحروف المشبة بالفعل. “فالحرف الأول والثاني (إنّ) المكسورة، و(أنّ) المفتوحة، وهما لتوكيد النسبة بين الجزئين، ونفي الشك عنها، و نفي الإنكار لها، بحسب العلم بالنسبة والتردد فيها، والإنكار لها، فإن كان المخاطب عالما بالنسبة، فهما لمجرد توكيد النسبة. وإذا كان مترددًا فيها، فهما لنفي الشك عنها وإن كان منكرًا لها، فهما لنفي الإنكار لها، فالتوكيد لنفي الشك عنها مستحسن، ولنفي الإنكار واجب، ولغيرهما لا”([5]).
فخير مثل لاستخدام (إنّ) المكسورة لتوكيد النسبة أو لتأكيد “مضمون الجملة”([6]) قول أبو الأسود الدؤلي (ت 69ه) ([7]) حيث ينشد [ ب. الطويل؛ ق. المتدارك]:
وَشَتَّاْنَ مَـاْ بَيْنِيْ وَبَــــــيْنَكَ، إنَّنِــيْ عَلَىْ كُلِّ حَــــاْلٍ أسْتقيْمُ وَتَظلَعُ([8])
تَصِيْحُ وَتَسْتَشْلِيْ كِــــــلَاْباً تَهُرّنِيْ وَتُشْرِعُنِيْ فِيْمَاْ أرَدْتَ وَتَشْرَعُ([9])
فالشاعر أبو الأسود يتحدث في هذين البيتين عن الأخلاق مع الذات (الشاعرة) والآخر (الجار) جميعا ويؤكّد ثباته ومواظبته على القيم الأخلاقية الرفيعة في مواجهة أذى الجار([10])، مزيلا بذلك أي تردد وشك في نفس الجار حول قدرته على الالتزام بالحلم والأناة أمام مكائده وشروره. فورود (إنَّ) في البيت الأول إنما يدل على أن المخاطب –وهو الجار المؤذي- كان مترددا شاكا في قدرة أبي الأسود على التحلي بالحلم والاستقامة. لذا، أتى أبو الأسود هنا بأداة (إنّ) فقط دون أي أداة أخرى من أدوات التوكيد؛ لأن حالة المخطاب ههنا حالة التردد والشك لا الإنكار. فالخبر هنا خبر طلبي محض ما جعل التوكيد بـ (إنّ) مناسبا لسياق الكلام تماما. هذا إلى أن هذه الجملة المبدوء بـ (إنّ) مستأنفة بيانية، كأن المخاطب يسأل أبي الأسود كيف تكون هناك هذه المسافة البعيدة بيني وبينك كما تزعم بقولك: (وَشَتَّاْنَ مَـاْ بَيْنِيْ وَبَــــــيْنَكَ) ؟ فأجاب عنه أبو الأسود بأنه يستقيم في كل حين وهو –المخاطب- ينحرف دائما لا يستقيم. والسبب في الإتيان بالجملة المستأنفة البيانية في هذا السياق هو أن المقام مقام الفخر بالذات من جهة وتوبيخ المخاطب من جهة أخرى. ومقام الفخر يقتضي كثرة الجمل وإطالة الكلام. فلو ذكر أبو الأسود –مثلا- (لأنَّنِــيْ) بدلا من قوله: (إنَّنِــيْ …إلخ) لكانت الجملة جملة واحدة، ولكان توكيده –الذي هو غاية الكلام ههنا-جزءا من الجملة الرئيسة مما لا يؤدي المعنى بحيث يحسن السكوت عليه. لكن أبا الأسود جعل الجملة (إنَّنِــيْ…إلخ) مستقلة كي تؤدي فائدة يحسن السكوت عليها وتتعلق الجملة مع مضمونها بأذُن المخاطب كمثل سائر. فلو لم يورد الشاعر هذا الأسلوب في هذا السياق لخلا البيت من هذه الجمالية التي فيها الآن.
وأما فيما يتعلق بالتوكيد بـ (أنّ) المفتوحة فمن ذلك قول ذي الرمة (ت 117هـ )([11]) [ب. الطويل؛ ق. المتواتر]:
فَلَا تَيْأَسَنْ مِنْ أنّنِيْ لَكَ نَأصِحٌ وَمَنْ أنْزَلَ الفُرْقَانْ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ
فهذا البيت يحتوي على خلق إسلامي رفيع متعلق بالأخلاق مع الآخر، ألا وهو النصح والإخلاص. فالشاعر هنا يؤكد بأنه ناصح لممدوحه([12])، وذلك باستخدام حرف (أنّ) المفتوحة الألف حتى لا يبقى في نفس الممدوح أي تردد أو شك في كونه ناصحا له، إلا أن هناك فرقا بين جملة ما بعد (إنّ) المكسورة الألف وجملة ما بعد (أنّ) المفتوحة الألف وهو: أن الأخيرة تجعل الجملة التي تليها في حكم المصدر أو حكم المفرد. كما “تُحوِّل المحسوس إلى معقول والمتشخص إلى ذهني”([13])؛ ذلك لأن “المصدر معنى ذهني غير متشخص. فـ (أنّ) على هذا تجعل الأمر معنويا ذهنيا.”([14]) وبالتالي هناك فرق بين قولنا “أرى محمدا واقفا وأرى أنَّ محمدا واقف. فالأول موقف متشخص ورأيُ بصيرةٍ، والثاني موقف عقلي ورأي عقلية، أي أرى أنه فاعل ذلك وأحسبه.”([15]) لذا، لو لم يأت الشاعر بأسلوب “أنّ” في هذا السياق لكان أنسب وأفضل؛ وذلك لأن المقام مقام التردد والشك من جهة الممدوح حول نصح الشاعر له، وعلى الشاعر أن يزيله. فلو جعل الشاعر معنى النصح حسيا ومتشخصا غير عقلي ولا ذهني لكان أقوى تأثيرا في نفس الممدوح. على أن الشاعر ربما أحس بهذا الضعف المعنوي في هذا السياق مما جعله يأتي بجملة قسمية لتوظيف مزيد من التوكيد في المصراع الثاني حتى لا يبقى في نفس الممدوح أي شك في نصحه له فقال:
وَمَنْ أنْزَلَ الفُرْقَانْ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ
هذا إلى أن المصراع الأول يحتوي على تأكيد آخر من تقديم ما حقه التأخير وهو: تقديم الجار والمجرور. فكان الأصل ” فَلَا تَيْأَسَنْ مِنْ أنّنِيْ نَأصِحٌ لَكَ”، لكن الشاعر قدّم الجار والمجرور لإظهار التوكيد والاهتمام بالممدوح لكي يرتاح الممدوح له ويطمئن إليه.
وكذلك استعمل بعض الشعراء (لام الابتداء) للتعبير عن التوكيد كما جاء في قول هدبة بن الخشرم (ت 50 هـ)([16]) [ب. الطويل؛ ق. المتواتر]:
وَإنِّــيْ وَإنْ قَاْلُوْ أمِيـــــْرٌ وَتَاْبِـعٌ وَحُرَّاْسُ أبْوَاْبٍ لَهُنَّ صَرِيـــــرُ
لَأعْلَمُ أنَّ الْأمْـــرَ أمْـرُكَ إنْ تَدِنْ فَرَبٌّ وَإنْ تَغْفِرْ فَأنْتَ غَفُـــــوْرُ
فهذا الشعر يمثل الأخلاق مع الذات الإلهية حيث يُظهر الشاعر حسن الظن بالله. أما لام الابتداء المستعملة في بداية البيت الثاني فتفيد “تأكيد مضمون الجملة”([17]) أو”تحقيق معنى الجملة وإزالة الشك”([18]). فالشاعر هنا يؤكد بلام الابتداء أنه يعلم بأن العقوبة أو المغفرة جميعا بيد الله. فالأمر يصير إليه وحده، إن غفَر فإنه غفور، وإن جزى فإنه رب العباد. ومما يلفت النظر إليه أن الشاعر جمع بين ثلاثة تأكيدات جاعلا لام الابتداء في الوسط. فبما أن لام الابتداء لا تدخل على الخبر إلا إذا دخلت (إنّ) على المبتدأ،([19]) فقد بدأ الشاعر البيت الأول بقوله: “وَإنِّــــيْ -وَإنْ قَاْلُوْ…-إلخ”. ثم أتى بلام الابتداء تتلوها (أنّ) المفتوحة الألف. فبكل هذه التأكيدات الثلاث حاول الشاعر أن يظهر إيمانه القوي برحمة الله ويرجو منه سبحانه العفو والمغفرة.
وبالمثل جاء بعض الشعراء الأمويين بأسلوب التوكيد بالقصر كما جاء في قول جحدر([20]) بن معاوية العُكْلي (ت 100 هـ) ([21]) الذي استعمل أداة (إنَّمَا) وهو يعترف بأن القدَر يختص بعلمه تعالى وحده، وذلك في قوله [ب. الكامل؛ ق. المتواتر]:
تَقْضِيْ وَلَاْ يُقْضَىْ عَلَيْكَ وَإنَّمَاْ رَبِّـــــيْ بِعِلْمِـكَ تَنْزِلُ الْأقْدَاْرُ
فهذا البيت يحتوي على خلق من الأخلاق مع الذات الإلهية، ألا وهو الإيمان بالقضاء والقدر. أما فيما يتعلق بأصل (إنَّمَا) فهو “أن تجيء لخبر لا يجهله المخاطب ولا يدفع صحته، أو لا ينزل هذه المنزلة”([22]). وكان من عادة الشعراء القدماء أنهم “إذا أدخلوا إنما جعلوا ذلك في حكم الظاهر المعلوم الذي لا يدفع ولا يخفى”([23]). وعلى عادة الشعراء ساق جحدر بن معاوية (إنَّمَا) في أمر ظاهر معلوم لا يخفى على أحد من المجتمع المسلم. فالقدر لا ينزل إلا بعلمه سبحانه؛ لأنه هو المقدِّر. لكن الشاعر لم يكتف بهذا التوكيد بل أتى بتوكيد آخر، وذلك عن طريق تقديم المتعلق على الفعل والفاعل. فقدّم “بِعِلمِكَ” على “تَنْزِلُ الأقْدَارُ” لإفادة الحصر والتوكيد جميعا؛ وذلك لإن القضاء والقدر من الأهمية بمكان في الإيمانيات والمعتقدات الإسلامية.
كما أن بعض الشعراء أتوا بأسلوب التوكيد عن طريق النفي والاستثناء أو الإثبات مثلا: قول سابق البربري (ت نحو 100 هـ) ([24]) [ ب. البسيط؛ ق. المتراكب]:
فَمَاْ صَفَاْ لِامْرِىءٍ عَيْشٌ يُسَرُّ بِهِ إلَّاْ سَيَتْبَعُ يَوْمـــاً صَفْوَهُ كَدَرُ
فمضمون هذا البيت يطرق باب الأخلاق مع الذات؛ لأن الشاعر أتى بحقيقة من حقائق الحياة البشرية وهي: أن الإنسان لا يستمتع بالسرّاء دائما كما أنه لا يذوق مر الضرّاء دائما. فمرة هذه وأخرى تلك. لكن الشاعر استخدم للتعبير عن هذه الحقيقة المعلومة أسلوب النفي والإثبات. والأصل في الخبر بالنفي والإثبات أن يكون “للأمر ينكره المخاطب ويشك فيه”([25]). فالمفروض أن يُستخدم هذا الأسلوب إذا كان المخاطب ينكر أن يكون الأمر على ما قاله المتكلم.([26]) لكن الشاعر لم يخطئ في توظيف هذا الأسلوب؛ ذلك أن هذه الحقيقة لا يتنبه إليها الناس كثيرا وكأن هذه الحقيقة المعلومة صارت مجهولة وظهر على الناس شيء من أمارات الإنكار. وقد ورد هذا النوع من الاستعمال كثيرا حيث ينزّل الخالي منزلة المنكر. ومن خير مثل له قوله تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ﴾([27]). فكان الصحابة –رضي الله عنهم- على علمٍ ويقين بأن النبي-صلى الله عليه وسلم- “مقصور على الرسالة لا يتعداها إلى التبري من الموت…لكن لاستعظامهم موته لشدة حرصهم على بقائه –صلى الله عليه وسلم- نُزّلوا منزلة من لا يعمله”([28]). فلو لم يأت الشاعر هذا الأسلوب لخلا البيت من هذه الجمالية.
هذا إلى أن بعض الشعراء وظّفوا القصر بالعطف لإفادة التوكيد مثلا: قول رابعة العدوية (ت 135 هـ) ([29]) [ب. المتقارب؛ ق. المتواتر]:
فَلَا الْحَمْدُ فِيْ ذَاْ وَلَاْ ذَاْكَ ليْ وَلَكِنْ لَكَ الْحَــمْدُ فِـيْ ذَاْ وَذَاْكَاْ
فالشاعرة ههنا نفت الحمد والثناء والإجلال عن ذاتها وخصَّصت وأكدت بأن كل ذلك لله سبحانه. فالأمر المؤكد والمخصوص هو ما بعد (ولكن) وهو: لك الحمد…إلخ. وقد حسن استعمال (لكن) في هذا المقام؛ لأن “مقام بل ولا ولكن لرد السامع عن الخطأ في الحكم إلى الصواب”([30]). وقد أرادت الصالحة ألا يبقى في ذهن السامع أي لبس أو شبهة حول معرفة ذات الممدوح الحقيقي في سياق الكلام. وبالنسبة لـ (ذا) فقد أشارت بها إلى حب الهوى وأما (ذاك)” فقد أومأت بها إلى حب الإجلال.
كما وظّف بعض الشعراء الحروف الزائدة من أجل إفادة التوكيد؛ “لِأَنَّ الزَّائِدَ مَا أُتِيَ بِهِ لِغَرَضِ التَّقْوِيَةِ وَالتَّوْكِيدِ”([31]). وإنما سُمي الحرف الزائد زائدا من وجهة نظر الإعراب، لا من وجهة نظر المعنى. بمعنى أن أصل المعنى يتحقق بدون الحرف الزائد، لكنه لا يفيد فائدة التوكيد حينئذ.([32]) فمن خير مثل لاستخدام الحروف الزائدة للدلالة على التوكيد قول الأعور الشني (ت 50 هـ) ([33]) حيث ينشد [ب. الوافر؛ ق. المتواتر]:
إذَاْ مَـا الْمَرْءُ قَصَّرَ ثُمَّ مَرَّتْ عَلَيْهِ الْأرْبَعُوْنَ مِنَ الرِّجَـاْلِ
وَلَمْ يَلْحَقْ بِصَاْلِحِــهِمْ فَدَعْـهُ فَلَيْسَ بِلَاْحِقٍ أخْرَى اللَّيَاْلِـيْ
فهذان البيتان يتعلقان بالأخلاق مع الآخر خاصة فيما يخص سياسة الدعوة والإصلاح. ففحوى البيتين أن أي شخص يلحّ على التشبث بالغيّ والضلال ويختار لنفسه صحبة أهل الفسق والعصيان بعد أن أتيحت له فرص كثيرة لنيل صحبة الصالحين من الرجال لتغيير سلوكه السيء إلى السلوك الحسن، لا يتغير أبدا بالتأكيد. فـحرف (ما) في المصراع الأول من البيت الأول “حَرْفٌ زَائِدٌ يُؤَكِّدُ مَعْنَى مَا قَبْلَهُ فَهِيَ تَوْكِيدٌ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ”([34]) اللفظ الذي قبله، وهو (إذا) الظرفية التي تفيد معنى الشرط في المستقبل. فالنسبة التي حصلت في الجمل الشرطية الثلاثة كلها مؤكد بـ )مَا(؛ إذ إن كلا من الجملة الثانية وهي: (ثُمَّ مَرَّتْ…إلخ)، والجملة الثالثة وهي: (وَلَمْ يَلْحَقْ…إلخ) مرتبطة بالأولى عن طريق العطف. فتعبير (إذَاْ مَـا ( تم حذفه قبل كل من هتين الجملتين؛ وذلك لوضوح الدلالة عليه. فالملاحظ هنا أن كلمة (مَا) الزائدة في الجملة الأولى لا تعطي معنى التوكيد في النسبة الحالصة بين المسند إليه والمسند فحسب، بل تضفي ألف المد الموجودة فيها – أي مَا- على الجملة بُعدا تأمليا يوفّر للمتلقي مجالا للتفكير فيما سيقرع سمعه. كما أن (مَا) بعد (إذَا) تفيد “قلة حدوث الفعل الذي بعدها”([35]). بمعنى أنه قليلا ما يحدث أن أحدا قصّر في إصلاح نفسه ثم وجد أربعين من الرجال ولم يختر منهم لنفسه صالحهم لتوجيه سلوكه نحو الفضيلة. هذا إلى أن الشاعر لم يكتف بالإتيان بالتأكيد بواسطة حرف زائد قبل فعل الشرط فحسب، بل أتى بحرف زائد آخر للتوكيد في جملة في إثر الجملة الجزائية أيضا، وذلك في قوله: (فَلَيْسَ بِلَاْحِقٍ أخْرَى اللَّيَاْلِـيْ). فالحرف الزائد هنا (بِ) الداخلة على خبر (لَيْسَ). والسبب في الإتيان بـ (بِ) الزائدة هنا هو إقرار النفي في نفس المتلقي عن وجود أي نوع من الأمل في نيل هذا الرجل أي فرصة في المستقبل ليكون مع صحبة من الصالحين؛ ذلك لأن المتلقي قد يفوته سماع (لَيْسَ) في مقدّم هذه الجملة أو يتوهم الغلط، فإذا سمع (بِ) في الخبر تأكّد من أنها أتت لنفي النسبة.([36]) على أن هذا التوكيد هو توكيد النفي في حين أن التوكيد الأول كان توكيد الإثبات.
أما فيما يخص بالتوكيد بالنون الثقيلة فمن خير مثله له قول عبيد الله بن قيس الرقيات (ت 85 هـ) ([37]) [ب. مجزوء الكامل؛ ق. المتواتر]:
لَاْ يَعْجَـبَنَّكَ صَاْحِـــــبٌ حَتَّىْ تَبَيَّنَ مَاْ طِبَـــــــــــاْعُهْ
فهذا البيت يمثّل باب الأخلاق مع الآخر خاصة فيما يتعلق بمعرفة الطبيعة الأصلية لشخصية صديق أو صاحب ما. فبما أن صحبة الأخيار أمر مهم للغاية للمؤمنين فقد جاء الشاعر بالنون الثقيلة تعبيرا عن شدة رغبته في عدم اغترار المتلقي بظاهر طبيعة صاحبه؛ لأن اللبن الفصيح لا يكون إلا تحت الرغوة. فالمسارعة بتكوين الصداقة دون التأكد من طبيعيته الحقيقية مَهلكة البتتة. كما أن الإتيان بالنون الثقيلة أيضا تقتضيها تصرفات المتلقي؛ ذلك لأن تصرفاته تُشعر بأنه ليس في وعي ولا حذَر من هذا الشأن،كأنه في حالة التردد والشك في أهمية تجريب طبيعة الشخصية قبل تكوين الصداقة. فأتت النون الثقيلة لإزالة ذلك التردد من نفس المتلقي حول نفعية تجريب الأصحاب قبل تقريبهم. هذا إلى أن الشاعر اختار نون التوكيد الثقيلة ههنا ليقع التوكيد في المعنى المرتبط بالزمن المستقبل. فورود (لَا) قبل الفعل المضارع يدل على ذلك. كما أنه اختار نون التوكيد الثقيلة خاصة لتدل على التوكيد الشبيه بـتوكيد أداة (إنّ)؛ ذلك أن (إنّ) قريبة الشبه بنون التوكيد الثقيلة من حيث النطق والثقل والدلالة إلا أن (إنّ) آكد منها لزيادة الهمزة قبلها.([38]) لكن أداة (إنّ) لا تدخل على الفعل مما جعل الشاعر يختار أداة أخرى عوضا عنها قريبة الشبه بها، وهي نون التوكيد الثقيلة. فناست نون التوكيد الثقيلة لإيصال الغاية المعنوية للشاعر وحسن استعمالها في البيت.
وبالنسبة للتوكيد عن طريق نون التوكيد الخفيفة فمثله قول ذي الرمة([39]) [ب. الطويل؛ ق. المتواتر]:
فَلَا تَيْأَسَنْ مِنْ أنّنِيْ لَكَ نَأصِحٌ وَمَنْ أنْزَلَ الفُرْقَانْ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ
ففي هذا البيت أتى الشاعر بنون التوكيد الخفيفة لأداء معنى التوكيد ولم يأت بنون التوكيد الثقيلة مع أنه يبدو للقارئ أن المقام –وهو إسداء النصح للممدوح- يقتضي ذلك. لكن الشاعر لم يترك المكان رهوا؛ بل أكمل الفجوة واستعاض عن نون التوكيد الثقيلة بإيراد (أنَّ) في حشو المصراع الأول وجملة قسمية في المصراع الثاني. وكل ذلك ليدل على مزيد من التوكيد. ولعل السبب في عدم استعمال نون التوكيد الثقيلة في هذا السياق أن الصيغة صيغة المخاطب. وإلحاق نون التوكيد الثقيلة بصيغة المخاطب في مقام النصح للممدوح والذي يقتضي اللين والاحترام في الكلام ألهم الشاعر تركها فخفّف النون وأتى بتوكيدات أخرى لرفع درجة التوكيد.
ومن أمثلة التوكيد اللفظي قول عبد الله([40]) بن عوف الأحمر([41]) الأزدي على النحو الآتي [ب. الوافر، ق. المتواتر]:
قَتَلْتُ أَخَــــا بَنِي أَسَدٍ سَفَاهَـا لَعَمْرُ أَبِي فَمَا لُقِّيتُ رُشْـدِي
قَتَلْتُ مُصَلِّيًا مِحْيَاءَ لَيْـــــــلٍ طَوِيلَ الْحُـزْنِ ذَا بِرٍّ وَقَصْدِ([42])
قَتَلْتُ أَخَا تُقًــــى لَا نَالَ دُنْيَا وَذَاكَ لِشِقْوَتِـي وَعِثَارِ جَدِّي([43])
فَهَبْ لِـي تَوْبَةً يَا رَبِّ وَاغْفِرْ لِمَا قَارَفَتْ مِنْ خَطَــأٍ وَعَمْدِ
فوظّف الشاعر هنا التوكيد اللفظي للتعبير عن شدة حسرات نفسه على سوء فعْلٍ فعَله وهو: قتل مسلم تقي صالح من بني أسد. فكلما قال ذلك أحس بأنه لم يُذهب من تلك الحسرة شيئا فكرّر ذلك للتخفيف على النفس المتلهفة الباكية الصائحة. كما أن المقام مقام طلب المغفرة من الله العفو الكريم. فيقتضي الاعتراف بالذنب الذي ارتكبه. فبتكرار قوله: (قَتَلْتُ) عبّر الشاعر عن توكيد صدق اعترافه بالذنب؛ ذلك أن كثرة الاعتراف بالذنب أمام الله تزيد نسبة الأمل في العفو. كما أن تكرار قوله: (قَتَلْتُ) تُشعر بصدق عاطفته التي حملته على الاستغفار، ألا وهي الشعور بالذنب والذلة والخوف من عذاب الله القهار. وهذا أيضا تزيد نسبة الرجاء والأمل في العفو من الرحمن. فحسن اختيار التكرار اللفظي في هذا السياق وتزداد به بلاغة الأبيات.
كما أن بعض الشعراء استخدموا بعض التراكيب الاصطلاحية الخاصة بالتوكيد. فمن ضمنها –مثلا-: (لَا بُدَّ) و(لَا مَحَالَةَ). فأما (لا بدّ) ففي قول عُروة بن أُذَيْنَة (ت 130هـ)([44]) على النحو الآتي[ب. البسيط؛ ق. المتواتر]:
وَأَنَّ حَظَّ امْرِئٍ غَيْرِيْ سَوْفَ يَأْخُذُهُ لَاْ بُدَّ لَاْبُدَّ أَنْ يَحْــــتَاْزَهُ دُوْنِــــيْ
فتناول الشاعر في هذا البيت موضوعا تتكالب عليه الدنيا كلها وتتسابق وتتصارع وتتقاتل، وكأنه مرتهن بالتهالك والتشاجر؛ لا يحصل ولا يُكسب إلا بالتهافت والتساقط عليه. ألا وهو الرزق الذي قال الله عز وجل فيه:﴿ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾([45]). فهذا النص القرآني يُقصي كل نوع من الشك في أن الرزق تم تقسيمه من جانب ربنا الرزاق ذي القوة المتين. فالرزق الذي خُصص لغير الشاعر لا بد أن يأخذه غيره. فلأجل قمع جموح النفس التواقة إلى الخوض في التنافس في الرزق، ولطمْأنتها على النتيجة التي قُضي الأمر فيها مسبقا، كرّر الشاعر تعبير “لَا بُدَّ” لكيلا تتحير النفس ولا تقلق في هذا الأمر؛ فإنه آت في حينه إذا كان مكتوبا في حظه. فناسب التكيد اللفظي هذا المقام وحسن اختياره في هذا السياق. فلو لم يكرّر الشاعر هذا التعبير لخلا البيت من الدلالة على هذه المعاني المشحونة بالصدق والطمأنة والتأكد البليغ من حسن توزيع الرزق.
وأما مثل (لَا مَحَالَة) فيتمثل ذلك –مثلا – في قول المقنع([46]) الكندي([47]) [ب. الكامل؛ ق. المتدارك]:
وَإذَا رَأيْتَ –وَلَا مَحَالَةَ- زِلَّـــةً فَعَلَى أخِيْكَ بِفَضْلِ حِلْمِكَ فَارْدُدِ
فالشاعر في هذا البيت يشجّع المتلقي على التزين بالحِلم والأناة إزاء زلّة تصدر عن أخ له. ويؤكد بأن المتلقي يرى ويلقى زلة من غيره حتما ولزاما. فاختار الشاعر هنا تعبير (وَلَا مَحَالَةَ) ليؤكد معنى الفعل الذي قبله وهو (رَأيْتَ) ولم يختر –مثلا- (مَا) الزائدة للتوكيد ولم يقل: (إذَا ما رَأيْتَ…إلخ)؛ وذلك لأن الفرق بين جملة (إذَا ما رَأيْتَ…إلخ) وجملة (وَإذَا رَأيْتَ –وَلَا مَحَالَةَ-) أن الجملة الأولى لا تُشعر بأن المتلقى سيلقى في المستقبل زلة من غيره حتما ووجوبا؛ لأن (ما) هنا يرتبط توكيدها بالذي قبلها وهو (إذا) الظرفية المفيدة معنى الشرط. كما أن الجملة الأولى تدل على أن المتلقي يحتمل أن يرى زلة من غيره ويحتمل ألا يراها؛ وذلك لأن (ما) بعد (إذا) تدل على “قلة حدوث الفعل الذي بعدها”([48]). لكن الجملة (وَإذَا رَأيْتَ –وَلَا مَحَالَةَ-) فيرتبط توكيد (وَلَا مَحَالَةَ) بـ (رَأيْتَ). بمعنى أن المتلقي سيلقى الزلة البتّة. وكل هذا يدل على سداد رأي الشاعر ونفاذ بصيرته وطول خبرته حول مكامن الضعف لدى البشر. فإن الإنسان معرّض للخطأ دائما، لا يتنزه عنه أحد أبدا. فلو لم يورد الشاعر هذا الأسلوب ههنا لنقص المعنى واختلت البلاغة.
ومن أمثلة الفعل الماضي المؤكد بـ (قد) فيتمثل ذلك –مثلا- في قول عُروة بن أُذَيْنَة([49]) [ب. البسيط؛ ق. المتواتر]:
وَقَدْ عَلِمْتُ وَمَا الْإسْرَاْفُ مِنْ خُلُقِيْ أَنَّ الَّذِيْ هُوَ رِزْقِيْ سَوْفَ يَأْتِيْنِيْ
فتناول الشاعر عروة في هذا البيت موضوع الرزق. وهو موضوع متعلق بالأخلاق مع الذات الإلهية والذات البشرية معا. لكنه ارتكز ههنا على رزق (أنا) الذات كما كان اتركز على رزق الآخر في بيت سبق ذكره. ([50]) فالرزق الذي كتبه الله للشاعر يأتيه حتما. فلماذا المسارعة والمزاحمة على كسبه؟ فلتأكيد هذا الأمر أتى الشاعر بأداة (قد) وهي إذا دخلت على الفعل الماضي تفيد التحقيق والتوكيد.([51]) كما أن هذه الصيغة تدل على تقريب الزمن الماضي إلى الحاضر. فهذا العلم الذي حصل عليه الشاعر لم يكن في الماضي البعيد الغابر الذي لا صلة له بالحاضر. كما أن هذا العلم الذي وصل إلى درجة اليقين لدى الشاعر هو ما زال بتلك الدرجة من الزمن الماضي القريب حتى زمن الحاضر. فلو لم يختر الشاعر كلمة (قد) لخلا البيت من هذه الدلالة.
وقد تأتي مع (قد) (لام الابتداء) لزيادة التوكيد في الجملة الفعلية. وحينئذ يصبح حكم تلك الجملة مثل الجملة الاسمية المؤكدة بـ (إنّ) و(لام الابتداء) المجاب بهما القسم.([52]) ويتمثل توكيد الجملة الفعلية بـ (لام الابتداء) و(قد) معا في قول النابغة الجعدي (ت نحو 50 هـ)([53]) وذلك على النحو الآتي[ب. البسيط؛ ق. المتواتر]:
يَا ابْنَ الْحَيَاْ إنَّنِيْ لَوْلَا الْإلهُ وَمَاْ قَاْلَ الرَّسُوْلُ لَقَدْ أنْسَيْتُكَ الْخَاْلَاْ
فهذا البيت يتناول موضوع الأخلاق مع الله ورسلوه ومع الذات والآخر جميعا؛ إذ إن فحوى البيت أن الشاعر تنزه عن قتل أخوال ابن الحيا –وهو سّوار بن أوفى القشيري الذي هجا الشاعر وسبّ أخواله([54])– لمجرد إيمانه بالله وبحديث النبي –صلى الله عليه وسلم- فحسب. لكن لو لا وجودهما –الله ورسوله- لحقّا فعل ما فعل. وهذا ما أكّد عليه بقوله : (لَقَدْ أنْسَيْتُكَ الْخَاْلَاْ) أي لقتلتُ أخوالك. وقد ناسب التوكيدان بـ (اللام) و(قد) معا في الدلالة على كامل قدرة الشاعر على الانتقام من ابن الحيا؛ إذ إنه ارتكب جريمتين في آن واحد وهما: هجاء الشاعر وسباب أخواله. وكأني به يقول: قسما بالله! إني كنت استطيع أن أقتل أخوالك بالتأكيد بسبب هجائك إياي كما كنت أستطيع أن أقتلهم بالتأكيد جرّاء سبابك أخوالي؛ لكني لم أفعله؛ وذلك لأني كنت أؤمن بالله وبرسوله-صلى الله عليه وسلم- أي لوجود شريعة الله الغراء التي علّمتنا بالتزين بالحلم والصبر. فناسب التوكيدان من قبل الشاعر في مقابل جريمتين ارتكبهما سوّار بن أوفى. هذا ولم يصرّح الشاعر بقوله –مثلا- (لقد قتلتُ أخوالك)، بل اختار- عوضا عن ذلك- أن يكني عن هذا العمل الشنيع بقوله: (لقد أنسيتك)؛ وذلك احتراما لكلمتي (الإله) و(الرسول) في البيت. كما أن وجود التوكيدين في البيت يشعر بأن المخاطب -وهو سوّار بن أوفى- كان ينكر قدرة الشاعر على أخذ الانتقام منه. وبالتالي جاء التوكيدان ردا على حالة إنكار المخاطب.
كما أن الشعراء وظّفوا أسلوب القسم للدلالة على التوكيد أيضا. فمنهم من وظّف ألفاظا تدل على القسم كما جاء في قول عبد الله بن عوف الأحمر([55]) الأزدي [ب. الوافر، ق. المتواتر]:
قَتَلْتُ أَخَـــــا بَنِي أَسَدٍ سَفَاهَا لَعَمْرُ أَبِي فَمَـا لُقِّيتُ رُشْـدِي
قَتَلْتُ مُصَلِّيًا مِحْيَاءَ لَيْـــــــلٍ طَوِيلَ الْحُـزْنِ ذَا بِرٍّ وَقَصْدِ([56])
قَتَلْتُ أَخَا تُقًــــى لَا نَالَ دُنْيَا وَذَاكَ لِشِقْوَتِـي وَعِثَارِ جَدِّي([57])
فَهَبْ لِـي تَوْبَةً يَا رَبِّ وَاغْفِرْ لِمَا قَارَفَتْ مِنْ خَطَــأٍ وَعَمْدِ
فاستخدم الشاعر هنا أسلوب القسم عن طريق ذكر لفظ من ألفاظ القسم وهو: (عَمْر) مبدوءا بلام القسم، وقد أقسم بعمر أبيه على نفيه لتلقّي أي رُشد يُرشِد وأي هداية تهدي عندما قتل أخي بني أسد. وقد اختار لفظ (عَمْر) في هذا السياق دون أي لفظ آخر للدلالة على القسم؛ لأنه قتل نفسا أو بالأحرى أهلك حياة أخي بني أسد بقتله. فكانت لفظة (عَمر) أنسب لهذا السياق. كما أنه نسب لفظة (عَمْر) إلى أبيه دون نفسه؛ لأنه ارتكب من الجريمة ما حطّ من شأن عمره ورمى به إلى أسفل سافلين. فلا يستحق عمره في هذا المقام أن يقسم به. ففضّل أن ينسب لفظة (عَمْر) إلى أبيه على أن ينسبها إلى نفسه. أيضا نسب لفظة (عَمْر) إلى أبيه لتعظيم لفظة القسم من جهة ولتعزيز المقسم عليه من جهة أخرى. وبالمثل عبّر بهذا الحشد من التعظيم والتوقير والتقوية في قوله: (لعَمر أبي) عن ضعف حالة نفسه وانكسارها أمام الجريمة التي ارتكبها؛ إذ إن ضعف حالة النفس أمام قضية ما يقتضي من المتكلم تقوية معنى كلامه كما أن إنكار المخاطب للخبر يقتضي زيادة من التوكيد. ويلاحظ أن جملة (لَعَمْرُ أَبِي فَمَـا لُقِّيتُ رُشْـدِي) تحتوي على تأكيدين أحدهما: أنها أتت تأكيدا للجمة السابقة وهي: (قَتَلْتُ أَخَـــــا بَنِي أَسَدٍ سَفَاهَا). لذا، لم تذكر الواو العاطفة بينهما؛ وذلك لكمال الاتصال بينهما. والثاني: لفظ قسم (لعَمْر) توكيدا ثانيا يقتضيه المقام الذي بنى عليه الشاعر أبياته وهو: مقام طلب المغفرة من الله تعالى. ومقام المغفرة من الله تعالى يقتضي الصدق في الكلام والاعتراف بذنبه والندامة على فعله. فأكّد ذلك الشاعر هنا بقوله: (لعَمْرُ أبي…إلخ). فلو لم يورد الشاعر كلمة (لعَمْرُ أبي) لخلا البيت من التعبير عن العواطف المختلجة في صدره لهفا وندامة من جهة وتوقيرا وتجليلا من جهة ثانية واعترافا وإقرارا من جهة ثالثة.
كما أن الفرزدق (ت 114هـ)([58]) أتى بأسلوب القسم يذكر فيه لفظة (قسم) في جملة اسمية للدلالة على دوام معنى المقسَم عليه واستمراريته وذلك في قوله [ب. الطويل؛ ق. المتواتر]:
عَلَىْ قَسَمٍ لَاْ أشْتِمُ الدَّهْرَ مُسْلِماً وَ خَاْرِجاً مِنْ فِيَّ زُوْرُ كَلَاْمِ
فهذا البيت لمس موضوع الأخلاق مع الذات (الشاعرة) والآخر جميعا. فقوله: (لَاْ أشْتِمُ الدَّهْرَ مُسْلِماً) متصل بالأخلاق مع الآخر في حين أن قوله: (خَاْرِجاً مِنْ فِيَّ زُوْرُ كَلَاْمِ) يلمس موضوع الأخلاق مع الذات. لكن الذي يعنينيا هنا هو أن الفرزدق لم يقل: (أُقْسِمُ) أو (أحْلِفُ) من أفعال القسم الصريحة؛ وذلك لارتباط ذلك بالزمن. فأتى باسمتية الجملة للدلالة على الدوام والاستقرار. إلا أن الفرق الدقيق في نظرنا بين أسلوب الفرزدق وأسلوب عبد الله بن عوف الأحمر المذكور سابقا([59]) أن أسلوب الفرزدق أكثر توكيدا على الرغم من أن كلا منهما أتى بجملة اسمية التي تفيد الدوام والاستقرار؛ ذلك أن الفرزدق أتى حرف (على) التي تفيد معنى القيام على القَسم للدوام كما أنه نكّر لفظة (قسم) للدلالة على عظيم شأن هذا القسم. فلو لم يستعمل الفرزدق هذا الأسلوب التوكيدي بعينه لخلا البيت من هذه الدرجة من القوة في الحلف والعزيمة المتينة على التنزه من شتم المسلم وقول الزور. فناسب الأسلوب مقام الكلام وزاد البيت جمالا وروعة.
الخاتمة:
وفي الختام يمكننا أن نخلص إلى ما يأتي:
- إن شعر الأخلاق في العصر الأموي يشمل المقلّين من الشعراء والمكثرين جمعيا. فمن المقلّين –مثلا-عبد الله بن عوف الأحمر الأزدي، ومن المكثِرين –مثلا- الفرزدق، وذو الرمة، وعبيد الله بن قيس الرقيات وغيرهم.
- إن شعر الأخلاق في العصر الأموي يستوعب كلا من الأخلاق مع الذات الإلهية، والأخلاق مع الرسول –صلى الله عليه سلم-، والأخلاق مع الذات (الشاعرة) والآخر.
- إن الشعراء الأمويين وظّفوا عدة طرق للتوكيد في شعر الأخلاق، وهي: التوكيد بـ (إنّ) المكسورة الألف، و(أنّ) المفتوحة الألف، والتوكيد بالنفي والاستثناء، والتوكيد بـ (إنما)، والتوكيد بالعطف، والتوكيد بتقديم ما حقه التأخير، والتوكيد بالنون الثقيلة والخفيفة، والتوكيد ببعض العبارات الاصطلاحية، والتوكيد اللفظي، والتوكيد بالحروف الزائدة، والتوكيد بلام الابتداء، والتوكيد بالفعل الماضي المؤكّد بـ (قد)، والتوكيد بأسلوب القسم.
- إن الأساليب التوكيدية المختلفة التي تم استخدامها في شعر الأخلاق في العصر الأموي لها دلالات خاصة ولها تفاوت نسبي في تقوية المعنى.
- جاء أسلوب التوكيد في شعر الأخلاق في العصر الأموي مرةً على وفق حالة الشاعر النفسية، وأخرى نظرا لحالة المخاطَب، وثالثةً اهتماما بحالة الذات الشاعرة والمتلقي جميعا.
- كل من الشعراء الذين تناولوا في أشعارهم الأفكار والمعاني الأخلاقية وُفّق لحسن اختيار الأسلوب التوكيدي حسب غايته المعنوية.
- إن هذه الأساليب المتنوعة والمتعددة تدل على تقصّد الشعراء الأمويين لتوظيفها للتوكيد؛ ذلك أن المضمونات والأفكار الأخلاقية التي قاموا ببثّها في أشعارهم تقتضي أن تُثبَت في قرار نفس المتلقي بحيث يُقدِم على العمل بها مباشرة وبكل اطمئنان.
- إن هذه الكمية الكبيرة من الأساليب التوكيدية في شعر الأخلاق في العصر الأموي زادت الأبيات الأخلاقية بهاء ورونقا لدرجة أنها تمكّنها من أن تماشي أضرب الشعر الرئيسة في العصر الأموي وتُباهيها بجمالية الفن بكل جرأة وإقدام.
المصادر والمراجع:
القرآن الكريم.
ابن أذينة، عروة (1981م). شعر عروة بن أذينة. جمعه: الدكتور يحيى الجبوري. ط 2. الكويت: دار القلم.
ابن الصانع، أبو البقاء موفق الدين يعيش بن علي ابن يعيش (2001مـ). شرح المفصل للزمحشري. قدم له: الدكتور إميل بديع يعقوب. بيروت: دار الكتب العلمية.
ابن عاشور، طاهر (1984م). تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد. تونس: الدار التونسية للنشر.
ابن الأثير، عز الدين أبو الحسن (1997م).الكامل في التاريخ. تحقيق: عمر عبد السلام تدمري. بيروت: دار الكتاب العربي.
ابن منقذ، أسامة (1987م). لباب الآداب. تحقيق: أحمد محمد شاكر. ط 2. القاهرة: مكتبة السنة.
الأنصاري، أبو محمد جمال الدين ابن هشام (2000مـ). مغني اللبيب عن كتب الأعاريب. تحقيق وشرح: الدكتور عبد اللطيف محمد الخطيب. الكويت: المجلس الوطني للثقافة والأداب والفنون.
البربري، سابق بن عبد الله (2004م). شعر سابق بن عبد الله البربري. دراسة وجمع وتحقيق: د. بدر ضيف. الإسكندرية: دار والوفاء لدنيا الطباعة والنشر.
الحموي، شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي (1995م). معجم البلدان. ط 2. بيروت: دار صادر.
الجرجاني، عبدالقاهر (2004م). دلائل الإعجاز. قرأه وعلّق عليه: أبو فهر محمود محمد شاكر. ط 5. القاهرة: مكتبة الخانجي.
الجرجاني، عبدالقاهر (2004م). رسائل وتعليقات (ملحقات دلائل الإعجاز). قرأه وعلّق عليه: أبو فهر محمود محمد شاكر. ط. 5. القاهرة: مكتبة الخانجي.
الجعدي، النابغة (1998م). ديوان النابغة الجعدي. جمعه وحققه وشرحه: الدكتور واضح الصمد. بيروت: دار صادر.
الدؤلي، أبو الأسود (1998م). ديوان أبي الأسود الدؤلي (صنعة أبي سعيد حسن السكري). تحقيق: الشيخ محمد حسن آل ياسين، ط 2. بيروت: دار ومكتبة هلال للطباعة والنشر.
الرقيات، عبيد الله بن قيس (1986م). ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات. تحقيق وشرح: الدكتور محمد يوسف نجم. بيروت: دار بيروت للطباعة والنشر.
الزركشي، أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر (1957م). البرهان في علوم القرآن. تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم. بيروت: دار المعرفة.
الزركلي، خير الدين (2002م). الأعلام، ط. 15. بيروت: دار العلم للملايين.
الزمخشري، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد جار الله (1993م). المفصل في صنعة الإعراب. تحقيق: د. علي بو ملحم. بيروت: مكتبة الهلال.
السامرائي، فاضل صالح (2000م). معاني النحو . الأردن: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
الشني، الأعور (1999م). ديوان الأعور الشني بشر بن منقذ. صنعة وتحقيق: السيد ضياء الدين الحيدري. بيروت: مؤسسة المواهب للطباعة والنشر.
الصعيدي، عبدالمتعال (1991م). البلاغة العالية علم المعاني. قدم له وراجعه وأعد فهارسه: عبدالقادر حسين. ط 2. القاهرة: مكتبة الآداب ومطبعتها بالجاميز.
العذري، هدبة بن الخشرم (1986م). شعر هدبة بن الخشرم العذري، جمع وتحقيق: يحيى الجبوري. ط 2. الكويت: دار القلم للنشر والتوزيع.
الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد (د.ت.). إحياء علوم الدين. بيروت: دار المعرفة.
الفرزدق، أبو فراس همام بن غالب بن صعصعة (1987م). ديوان الفرزدق. شرحه وضبطه وقدّم له: علي فاعور. بيروت: دار الكتب العلمية.
الوقاد، زين الدين خالد بن عبد الله بن أبي بكر بن محمد (2000م). شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في النحو. بيروت: دار الكتب العلمية.
الهاشمي، السيد أحمد (2013م). جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع. تحقيق: د. يوسف الصميلي. بيروت: المكتبة العصرية.
دراوشة، صلاح الدين أحمد (2010م). الرؤى والأدوات عند شعراء القرن الثاني الهجري. إربد- الأردن: عالم الكتب الحديث.
ذو الرمة، أبو الحارث غيلان بن عقبة بن نهيس بن مسعود العدوي (1982م)، ديوان ذي الرمة. حققه وقدم له وعلق عليه: الدكتور عبد القدوس أبو صالح. ط 2. بيروت: مؤسسة الإيمان.
عيد، رجاء (1995م)، القول الشعري-منظورات معاصرة. د.ط. الإسكندرية: منشأة المعارف.
فدا، هيفاء عثمان عباس (2000م). زيادة الحروف بين التأييد والمنع وأسراراها البلاغية في القرآن الكريم. القاهرة: مكتبة القاهرة للكتاب.
لاشين، عبد الفتاح (2006م). المعاني في ضوء أساليب القرآن الكريم. القاهرة: دار الفكر العربي.
[1] عبدالقاهر الجرجاني، رسائل وتعليقات (ملحقات دلائل الإعجاز)، قرأه وعلّق عليه: أبو فهر محمود محمد شاكر، ط. 5 (القاهرة: مكتبة الخانجي، 1424هـ=2004م)، ص. 539.
([2]) رجاء عيد، القول الشعري-منظورات معاصرة، د.ط (الإسكندرية: منشأة المعارف، 1995م)، ص. 146. نقلا عن: صلاح الدين أحمد دراوشة، الرؤى والأدوات عند شعراء القرن الثاني الهجري (إربد- الأردن: عالم الكتب الحديث، 2010م)، ص. 414.
([3]) فاضل صالح السامرائي، معاني النحو (الأردن: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1420هـ=2000م)، 4/131.
([4]) أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد جار الله الزمخشري (ت 538هـ)، المفصل في صنعة الإعراب، تحقيق: د. علي بو ملحم (بيروت: مكتبة الهلال، 1993م)، ص. 146(بتصرف).
([5]) زين الدين خالد بن عبد الله بن أبي بكر بن محمد الجرجاويّ الأزهري المصري المعروف بالوقاد (ت 905هـ)، شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في النحو (بيروت: دار الكتب العلمية، 1421هـ =2000م)، 1/294.
([6]) أبو البقاء موفق الدين يعيش بن علي بن يعيش ابن أبي السرايا محمد بن علي الأسدي الموصلي المعروف بابن يعيش وبابن الصانع (ت 643هـ)، شرح المفصل للزمحشري، قدم له: الدكتور إميل بديع يعقوب (بيروت: دار الكتب العلمية، 1422هـ=2001م)، 4/526.
([7]) أبو الأسود الدؤلي، ديوان أبي الأسود الدؤلي (صنعة أبي سعيد حسن السكري)، تحقيق: الشيخ محمد حسن آل ياسين، ط 2 (بيروت: دار ومكتبة هلال للطباعة والنشر، 1418هـ – 1998م.)، ص. 118.
([9]) تستشلي: تغري؛ هر الكلب: صات بدون نباح؛ تشرعني: تدخلني.
([10] ) هذا الجار كان من بني حِلس بن يَعمَر بن نفافثة بن عدي. وكان دار أبي الأسود يومئذ في بني الدُئل. وكان هذا الجار يؤذيه دائما بطرق شتى. ولأبي الأسود فيه أشعار. [أبو الأسود الدؤلي، ديوان أبي الأسود الدؤلي، ص. 115.]
([11]) أبو الحارث ذو الرمة غيلان بن عقبة بن نهيس بن مسعود العدوي، ديوان ذي الرمة، حققه وقدم له وعلق عليه: الدكتور عبد القدوس أبو صالح، ط 2 (بيروت: مؤسسة الإيمان، 1982م)، 2/968.
([12] ) هذا الممدوح هو بلال بن أبي بردة عامر بن أبي موسى الأشعري. كان أمير البصرة وقاضيها. وكان راوية فصيحا أديبا. ولاه خالد القسري سنة 109 هـ فأقام إلى أن قدم يوسف ابن عمر الثقفي سنة 125 هـ فعزله وحبسه. فمات سجينا نحو سنة 126هـ. [خير الدين الزركلي، الأعلام، ط. 15 (بيروت: دار العلم للملايين، 2002م)، 2/72؛
([13]) فاضل صالح السامرائي، معاني النحو (الأردن: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1420هـ=2000م)، 1/295.
([16]) هدبة بن الخشرم العذري، شعر هدبة بن الخشرم العذري، جمع وتحقيق: يحيى الجبوري، ط 2 (الكويت: دار القلم للنشر والتوزيع، 1406هـ – 1986م)، ص. 91.
([17]) الزمخشري، المفصل في صنعة الإعراب، 452.
([18]) ابن الصانع، شرح المفصل للمخشري، 5/146.
[19])) “تدخل [لام الابتداء] باتفاق على موضعين: أحدهما المبتدأ…والثاني بعد إنّ وتدخل في هذا الباب على ثلاثة باتفاق: الاسم…والمضارع لشبهه به…والظرف”. [أبو محمد جمال الدين عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله ابن يوسف المعروف بـ ابن هشام الأنصاري (ت 761هـ)، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، تحقيق وشرح: الدكتور عبد اللطيف محمد الخطيب (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والأداب والفنون، 2000م)، 3/241.]
([20] ) هو شاعر من أهل اليمامة. وكان في أيام الحجاج بن يوسف يقطع الطريق وينهب الأموال ما بين حجر واليمامة، فأمسكه عامل الحجاج في اليمامة وسجنه الحجاج في سجن بها اسمه (دوّار). توفي نحو سنة 100هـ. [ الزركلي، الأعلام، 2/113.]
([21]) شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي (المتوفى: 626هـ)، معجم البلدان، ط 2 (بيروت: دار صادر، 1995م)، 2/479.
([22]) عبدالقاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، قرأه وعلّق عليه: أبو فهر محمود محمد شاكر، ط. 5 (القاهرة: مكتبة الخانجي، 1424هـ=2004م)، ص 330.
([24]) سابق بن عبد الله البربري، شعر سابق بن عبد الله البربري، دراسة وجمع وتحقيق: د. بدر ضيف (الإسكندرية: دار والوفاء لدنيا الطباعة والنشر، 2004م)، ص 109.
([25]) عبد القاهر الجرجاني، مرجع سابق، ص 332.
([26]) المرجع السابق (بتصرف طفيف).
([27]) سورة آل عمران، الآية: 144.
([28]) السيد أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، تحقيق: د. يوسف الصميلي (بيروت: المكتبة العصرية، 1434هـ =2013م)، ص 167.
([29]) أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (ت 505هـ)، إحياء علوم الدين (بيروت: دار المعرفة، د. ت)، 4/311.
([30]) عبدالمتعال الصعيدي، البلاغة العالية علم المعاني، قدم له وراجعه وأعد فهارسه: عبدالقادر حسين، ط. 2 (القاهرة: مكتبة الآداب ومطبعتها بالجاميز، 1991م)، ص. 97.
([31]) أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي (المتوفى: 794هـ)، البرهان في علوم القرآن، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم (بيروت: دار المعرفة، 1957م)، 3/72
([33]) الأعور الشني، ديوان الأعور الشني بشر بن منقذ، صنعة وتحقيق: السيد ضياء الدين الحيدري (بيروت: مؤسسة المواهب للطباعة والنشر، 1419هـ = 1999م)، ص 37.
([34] ) طاهر بن عاشور (1393هـ)، تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد (تونس: الدار التونسية للنشر، 1984م)، 23/219.
([35] ) عبد الفتاح لاشين، المعاني في ضوء أساليب القرآن الكريم (القاهرة: دار افكر العربي، 2006م)، ص. 266.
([36]) هيفاء عثمان عباس فدا، زيادة الحروف بين التأييد والمنع وأسراراها البلاغية في القرآن الكريم (القاهرة: مكتبة القاهرة للكتاب، 2000م)، ص. 479.
([37]) عبيد الله بن قيس الرقيات، ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات، تحقيق وشرح: الدكتور محمد يوسف نجم، د. ط (بيروت: دار بيروت للطباعة والنشر، 1406هـ=1986م)، ص. 185.
([38] ) السامرائي، معاني النحو، 1/289.
([40]) هو عبد الله بن عوف بن الأحمر الأزدي. كان مع أمير المؤمنين علي –رضي الله عنه في معركة صفين وفي معركة الجمل. وكان من الفرسان والشعراء المعدودين. وكان بعد أن استشهد على -رضي الله عنه- التحق بجيش الأمير معاوية –رضي الله عنه-. [عز الدين أبو الحسن المعروف بابن الأثير (ت 630هـ)، الكامل في التاريخ، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري (بيروت: دار الكتاب العربي، 1417هـ=1997م)، 3/10-11]
([41]) عز الدين أبو الحسن ابن الأثير (ت 630هـ)، الكامل في التاريخ، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري (بيروت: دار الكتاب العربي، 1417هـ=1997م)، 3/11.
([44]) عروة بن أذينة، شعر عروة بن أذينة، جمعه: الدكتور يحيى الجبوري، ط 2 (الكويت: دار القلم، 1401هـ = 1981م)، ص. 116-117.
([46] ) هو محمد بن عميرة بن أبي شمر بن فرعان بن قيس بن الأسود بن عبد الله الكندي. شاعر، من أهل حضرموت. مولده بها في (وادي دوعن) . اشتهر في العصر الأموي. وكان مقنعا طول حياته، و (القناع من سيما الرؤساء) كما يقول الجاحظ. وقال التبريزي في تفسير لقبه: المقنع الرجل اللابس سلاحه، وكل مغط رأسه فهو مقنع، وزعموا أنه كان جميلا يستر وجهه، فقيل له: المقنع! وفي القاموس والتاج: المقنّع، المغطى بالسلاح أو على رأسه مغفر خوذة. توفى نحو 70 للهجرة. [الزركلي، الأعلام، 6/319-320]
([47]) أبو المظفر مؤيد الدولة مجد الدين أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني الكلبي الشيزري (ت 584هـ)، لباب الآداب، تحقيق: أحمد محمد شاكر، ط 2 (القاهرة: مكتبة السنة، 1407هـ = 1987م)، ص 25.
([48] ) عبد الفتاح لاشين، المعاني في ضوء أساليب القرآن الكريم، ص. 266.
([49]) شعر عروية بن أذينه، ص 116-117.
([50]) قد سبق أن تناولنا دراسة بيته في الصفحة السابقة.
([51]) أبو محمد جمال الدين عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله ابن يوسف المعروف بـ ابن هشام الأنصاري (ت 761هـ)، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، تحقيق وشرح: الدكتور عبد اللطيف محمد الخطيب (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والأداب والفنون، 2000م)، 2/544.
([52]) مثلا: “والله إن زيدا لقائم”.[ المرجع السابق (الهامش رقم: 8، و9).]
([53]) النابغة الجعدي، ديوان النابغة الجعدي، جمعه وحققه وشرحه: الدكتور واضح الصمد (بيروت: دار صادر، 1998م)، ص 125.
([55]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ ، 3/11.
([58]) أبو فراس همام بن غالب الفرزدق، ديوان الفرزدق، شرحه وضبطه وقدّم له: علي فاعور (بيروت: دار الكتب العلمية، 1987م)، ص 539.