
الموروث الثقافي الأمازيغي في الشرق الجزائري: مدينة سوق أهراس أنموذجا
Amazigh cultural heritage in the Algerian East :The city of Souk Ahras is a model
ط.د.سمية بن جبار/ جامعة بن يوسف بن خدة، الجزائر 1
Soumia Bendjebbar/ Ben Youssef Ben Khedda University, Algeria
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 67 الصفحة 35.
ملخص:
سوق أهراس تلك المدينة التي تختزن موروثا أمازيغيا عريقا، قد انطمست فيها روح هذا الموروث بتفاصيله الدقيقة عبر أزمنه متباعدة و بفعل عوامل عديدة متظافرة، من دخول الاسلام إلى العولمة انسلت من أمازيغيتها شيئا فشيئا حتى أصبح وصفها بالأمازيغية عند أهلها غريبا وعند غيرهم أغرب، لهذا جاءت هذه الدراسة لتكشف عن أهم الممارسات الثقافية الأمازيغية في مدينة سوق أهراس، وتصف واقع الحياة الأمازيغية فيها في قرون مضت، وملاحظة الثابت منها والمتغير في الوقت الحاضر اعتمادا على الرواية الشفوية وعلى ملاحظة الباحثة كفرد من مجتمع الدراسة
الكلمات الدالة: سوق أهراس- الموروث الثقافي الأمازيغي –عادات وتقاليد.
Abstract:
Souk Ahras, a city that stores an ancient Amazigh heritageThe spirit of This inheritance has been entangled in its precise details through its far-flung times and due to many concerted factors. From the introduction of Islam to globalization, it gradually slipped from its Amazigh until it became described as Amazigh when its people are strange and others strangest, so this study came to reveal the most important cultural practices Amazigh in the city of Souk Ahras, describing the realities of life Amazigh in centuries ago, and note the constant and changing at the present time based on oral novel and on the observation of the researcher as a member of the study community
Keywords: Souk Ahras – Amazigh cultural heritage – customs and traditions.
مقدمة :
بما أن لكل مجتمع خصوصيته الاجتماعية والثقافية والدينية المشكلة لهويته الذاتية، فإن للمجتمع الجزائري خصوصية شكلتها عوامل قوية، ساهمت بدورها في تكوين هويته وهي الدين الإسلامي واللغة العربية والأصل الأمازيغي، والعامل الأخير لاتزال ثقافته بارزة في أغلب المدن الجزائرية وعلى رأسها مدن الشرق الجزائري باعتباره منطقة تمركز قوي لصنف معين من الأمازيغ وهم القبائل والشاوية، وللحفاظ على هوية المجتمع الجزائري ومكوناتها المتميزة وجب الحفاظ على الأصل الأمازيغي فيها لغة وثقافة من الاندثار والضياع والتماهي في الثقافات الأخرى.
يهدف المقال للتعريف بالثقافة الأمازيغية في الشرق الجزائري، والكشف عن مظاهرها، وإبراز دورها في المحافظة على الهوية الجزائرية المتكاملة، ولتحقيق الهدف والوصول إلى نتائج واقعية اخترت مدينة سوق أهراس كواحدة من مدن الشرق الجزائري لما تمتلكه من مخزون ثقافي وتراثي عريقٍ، تمتد جذوره إلى ما قبل الميلاد، موروث تراكم عبر المراحل التي مرت بها، وبتعاقب الحضارات عليها كالحضارة الفينيقية والرومانية وكذلك الحضارة الإسلامية التي طغت ثقافتها على حساب الثقافة الأمازيغية للمدينة بحكم الدين واللغة أكثر من غيرها من الحضارات، لذلك يمكن طرح التساؤلات التالية: إلى أي مدى تحافظ مدينة سوق أهراس على الموروث الأمازيغي فيها؟ ما هي المجالات التي يبرز فيها هذا الموروث؟ ماهي مظاهر تأثر الثقافة الأمازيغية في المنطقة بالثقافات الأخرى؟
وللإجابة عن هذه التساؤلات حاولت إعطاء صورة متكاملة عن الموروث الشعبي الأمازيغي في منطقة سوق أهراس باعتباره الوعاء الأكبر الذي يشمل عادات الناس وتقاليدهم التي توارثوها جيلا عن جيل، كما يضم كل ما له علاقة بآرائهم وأفكارهم وإبداعاتهم كالشعر والقصة والرقص والأسطورة وغيرها من الفنون التي تجسد يوميات المجتمع القديم في مجتمع حديث.
- ضبط مفاهيم الدراسة:
1.1.الموروث الثقافي:
1.1.1.لغة:
تدور مادة (و. ر. ث) في المعاجم العربية حول معنى واحد وهو انتقال الشيء من شخص لآخر؛ جاء في مقاييس اللغة أن« الواو والراء والثاء كلمة واحدة وهي الوِرث، وهو أن يكون الشيء لقوم ثم يصير إلى آخرين بنسب أو سبب»([1])، وهذا المعنى يشير إلى انتقال كل ما هو مادي عموما مقيٍدا هذا الانتقال بشرط، وتأتي كذلك مادة (و. ر. ث) بصيغ مختلفة تحمل المعنى ذاته فـ« الوِرث والوَرث والوراث والإراث والتراث واحد…وقيل الورث والميراث في المال، والإرث في الحسب، والتراث ما يخلفه الرجل لورثته»([2])، أما في الكليات الإرث يعني «الميراث والأصل والأمر القديم توارثه الآخر عن الأول»([3])، فالمعنى في كل ما ذكر منحصر فيما يرثه الإنسان من والديه من مال أو حسب.
يبدو أن المعنى المتداول عن التراث في المعاجم يختلف اختلافا واضحا عن معنى التراث المتداول في هذا العصر، فنجد كلمة تراث ترد بشكل أقل من مثيلاتها في المعنى ميراث و وراث، كما أنه يرد توضيح لأصل الكلمة كلما ذكرت؛ فقد جاء في عدّة معاجم “والتراث أصل التاء فيه واو”([4]) وفيه دلالة على عدم تداولها في ذلك العصر بخلاف ما تلاه من عصور فالكلمة حاضرة وبمعنى أوسع من انتقال المال والحسب، ويؤكد الجابري هذا قال« التراث بمعنى الموروث الثقافي والفكري والأدبي والفني وهو المضمون الذي تحمله هذه الكلمة داخل خطابنا العربي المعاصر ملفوفا في بطانة وجدانية وايديولوجية، لم يكن حاضرا لا في خطاب أسلافنا ولا في حقل تفكيرهم، كما أنه غير حاضر في خطاب أي لغة من اللغات الحية المعاصرة التي نستورد منها المصطلحات والمفاهيم الجديدة علينا»([5]) يشير الجابري إلى أن مفهوم التراث في الفكر العربي يتميز عن مفهومه في أي فكر أخر.
2.1.1.اصطلاحا:
تعددت تعاريف الموروث وتنوعت بتنوع المجال الذي يستخدم فيه، ويصب أغلبها في إطار التراث الثقافي، فهو« شكل ثقافي متميز يعكس الخصائص البشرية عميقة الجذور، ويتناقل من جيل إلى جيل آخر ويصمد عبر فترة زمنية متفاوتة نوعيا، ومتميز بيئيا وتظهر عليه التغيرات الثقافية الداخلية، ولكنه يحتفظ دائما بوحدة أساسية مستمرة»([6]) ، ويعرفه الطيب تيزيني على أنه «الماضي مستمرا وممتدا حتى الحاضر»([7]) وهو المعنى ذاته الذي يشير إليه الجابري حيث عرّفه بأنه:« كل ما هو حاضر فينا أو معنا من الماضي سواء ماضينا أو ماضي غيرنا سواء القريب منه أو البعيد»([8])، هذه التعاريف تؤكد على ركيزتين أساسيتين في التراث هما الانتقال والاستمرارية، وهما شرطان مهمان في الحفاظ على التراث أما عن:
-الموروث الثقافي: فقد جاء عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة أنه: «التقاليد وأشكال التعبير الحية الموروثة من أسلافنا التي تداولتها الأجيال الواحدة تلو الأخرى وصولا إلينا مثل التقاليد الشفاهية والممارسات الاجتماعية..» ([9]) وأغلب تعاريف الموروث الثقافي لا تخرج عن هذا الإطار وهو ما انتقل إلينا من عادات وتقاليد وفنون، فهو «حصيلة خبرات أسلافنا الفكرية والاجتماعية والمادية، المكتوب والشفوي، الرسمي والشعبي، اللغوي وغير اللغوي الذي وصل إلينا من الماضي البعيد والقريب»([10])، ويعد أسلوبا مميزا من أساليب الحياة بانعكاسه في مختلف جوانب الثقافة، فهو ينبع من عمق وعي المجتمع بذاته وهويته، و يتمركز في اللاشعور المجتمعي حيث يعبر عنه بشتى الأشكال ومن غير تكلف.
2.1.الموروث الثقافي الأمازيغي:
استنادا لما جاء من معان في التعريفات السابقة لغوية واصطلاحية يمكن أن نعرف الموروث الثقافي الأمازيغي بأنه: كل ما بقي حاضرا من عادات وتقاليد وفنون ولغة وممارسات اجتماعية وثقافية ضاربة في قدم الحضارة الأمازيغية، اعترتها تغيرات مختلفة لكنها بقيت مستمرة إلى اليوم بتناقلها من جيل لأخر. وقد كثر الجدل حول الموروث الأمازيغي هوية ولغة وثقافة، لكن كل يناقشه حسب ايديولوجيته أو سياسته أو عاطفته، وفيما يلي أكشف بمنهج وصفي عن جزء صغير من الإطار الجغرافي الأمازيغي الكبير، لمعرفة طبيعة الثقافة الأمازيغية الكائنة بمنطقة سوق أهراس، لأن أغلب ما يتجلى في هذه الرقعة الأمازيغية من مظاهر ثقافية متنوعة يماثل ما يمارس من الثقافة نفسها في أغلب التراب الأمازيغي الجزائري.
3.1. نبذة تاريخية عن مدينة سوق أهراس([11]):
أدت المدينة منذ القديم دورا تاريخيا سياسيا واقتصاديا من عهد الأمازيغ والفينيقيين والقطاجيّن وال وندال والرومان، وسميت بطاغست في فترة العهد الروماني، فهي أقدم مملكة أمازيغية تأسست شرق الجزائر على يد الملك “زال إلسان” في القرن الثالث قبل الميلاد، وكانت مسقط رأس العديد من الكتاب والمفكرين والقادة العسكريين والقساوسة أمثال تكافرينا س ، ماكسيم يوس العالم بقواعد اللغة، والقديس أوغاستين وغيرهم كثير، وتعتبر من أهم المدن النوميدية في شمال إفريقيا التي ساهمت في التطورات التي شهدها حوض البحر الأبيض المتوسط، ومع مرور الزمن تحولت إلى سوق كبير ترد إليه القوافل التجارية من الجنوب الشرقي إلى الشمال الشرقي الجزائري لكونها نقطة تقاطع تجارية لقربها من الحدود التونسية.
أما عن تسميتها بسوق أهراس فقد تعددت الروايات عن أصل هذه التسمية، فقد ورد في بعض الروايات أنه بدأ استخدامه في الفترة العثمانية لأن الفرنسيين عند دخولهم المنطقة لأول مرة وجدوا هذا الاسم متداولا، كما أوردت التقارير الفرنسية عدّة معاني للتسمية منها سوق الثياب، وورد اسم آخر في بعض الخرائط العثمانية وهو” تاجيلت” وهو اسم أمازيغي وقد استعمله الفرنسيون، ورواية أخرى تقول أن اسم سوق أهراس اسم لمدينة نوميدية قامت على أطلالها المدينة الحالية واسمها “ثاكاست أهراس” وهي تسمية أمازيغية مركبة وتشير إلى الأسود البربرية التي كانت تتواجد في الغابات المحيطة بالمنطقة إلى غاية انقراضها في 1930، ولذلك فإن معنى اسم سوق أهراس هو سوق الأسود.
وقد نشأت أغلب المناطق في المدينة حوالي القرن الخامس قبل الميلاد على يد الفينيقيين بعدما أرسلت قرطاج جالية بُنيقيه لبناء المدينة وتهيئتها، ويعتبر البربر أو النوميديون السكان الأصليين للمنطقة فقد وجد بها قبل حلول البُنيقيّن تجمعات سكانية نوميدية ، وقد ارتبط النوميديون بالبُنيقين حسب المؤرخ هيرودوت في ميادين التجارة كما تأثروا بلغتهم وفنونهم وثقافاتهم وكذا معتقداتهم الدينية .
والملاحظ مما سبق أن أغلب الروايات تُرجع التسمية إلى الأصل الأمازيغي وهذا دليل على بقاء أشكال أخرى من الحضارة الأمازيغية في المنطقة غير اسمها وأسماء بلدياتها التي تعود إلى أصل أمازيغي، إلا أن تأثر الأمازيغ بالحضارات الوافدة إلى أرضهم يجعل من الصعب انتقال الموروث الأمازيغي الصرف من جيل لآخر من غير أن يكون قد أخذ وتأثر ولو بشكل بسيط بما في الحضارات التي عايشها من فكر وفن وثقافة.
- الممارسات الاجتماعية الأمازيغية في سوق أهراس:
قبل الحديث عن الموروث الأمازيغي في المنطقة أشير إلى أنها تقع ضمن المجال الجغرافي المتسع للأوراس الذي يبدأ من« تونس، تبسة، سوق أهراس امتدادا إلى قالمة واد زناتي وجنوب قسنطينة لخروب إلى غاية شلغوم العيد، ويمتد الخط إلى سطيف ثم يمتد جنوبا عبر بريكا واد سلسو إلى بسكرة ليحتوي منطقة الزاب الشرقي إلى غاية تونس وهذا حسب جغرافية دي بوا»([12]) لأن التميز الجغرافي يعطينا بالضرورة تميزا ثقافيا بين الفئات الأمازيغية المتعددة في الجزائر، كما أن هذا الاطار الجغرافي يبيّن الفرع الأمازيغي الذي ينتمي إليه سكان المنطقة وهو فرع الشاوية “ايشاوين” منهم المحافظون ومنهم المعربون، هذا في ما يخص التمركز الجغرافي أما العادات والتقاليد فهي متشابهة إلى حد كبير.
1.2.عادات وتقاليد متعلقة بالزي والغذاء:
تعد العادات والتقاليد من المكونات الأساسية في الثقافة الأمازيغية” الشاوية” للمنطقة كغيرها من الثقافات الأخرى، حيث ينشأ عليها أفراد المجتمع، فهي تساهم بشكل كبير في التكوين الفكري والنفسي لهم، كما أنهم يتشبثون بها اجتماعيا فيسعون لتطبيقها والعيش بها في حياتهم اليومية، وهناك من يخلطها بأمور عقدية ويوصلها حد التقديس، إلا أن مع التطور التكنولوجي والانفتاح العشوائي على الثقافات الأخرى لم يعد يُتقيد بهذه العادات كما تقيد بها الأجداد، بل أصبحت أغلب العادات والتقاليد لا تمارس إلا في المناسبات مع أنها كانت عادات يومية في أصلها، فهناك من العادات ما ندثر ولم يبق له أثر وذلك لتغير الزمن وتداخل الثقافات والتقليد للغرب وغيرها من الأسباب، وعادات أخرى استمرت المنطقة في الحفاظ عليها منها:
1.1.2. المأكل:
تشتركمدينة سوق أهراس مع غيرها من المدن الشرقية الشاوية بصفة خاصة والمدن الجزائرية بصفة عامة في أطباق وتتميز عنهم بأطباق أخرى
-الكسكس: كسكسي(أسكْسو): طبق مشهور في الشمال الإفريقي كله وخاصة في المغرب الجزائر ليبيا وتونس، ويطهى بطرق متنوعة تختلف من بلد لآخر، ففي مدينة سوق أهراس يطبخ بطرق مختلفة فيقدم بالمرق الأحمر والخضار واللحم في الأيام العادية، ويعد تقليدا ثابتا عند بعض العائلات يوم الجمعة حيث يطبخ بالطريقة التي يطبخ بها في الأعراس وهي مرق أبيض ولحم وبعض التوابل وبنوع واحد فقط من الخضر وهو صغير القرع “الكوسة” مع حبات من الحمص، أما في فصل الخريف فيكثر تناوله بفاكهة الرمان ويسمى مسفوف أو محمصة، ولا يزال في بعض الأرياف يستعملون اليد في تناوله وهم قليل جدا، ويقدم أيضا باردا باللبن الرائب والسكر.
وحسب بعض الروايات أن هذه الأكلة في قرون مضت تطبخ يوميا إما بالمرق الأحمر أو بالحليب والبصل أو بالزبدة والزبيب والسكر (مسفوف) وهي الغذاء الأساسي الذي لا بديل لهم عنه([13])، وهنالك من يرى أن هذا الطبق أصله عربي لأن أصل الكلمة –كسكس- عربية[14]) وكذلك خطوات إعداده المحص والفتل عربية أيضا، نقول أن أصل الكلمات ليس دليلا كافيا على عربية الكسكس «فالأمازيغ تأثروا بلغة الوافد فتكلموا بها وتعاملوا بها لأن الأرض التي سكنوها كانت هي مركز العالم القديم الذي يفد إليه كل من هو قوي حضاريا فتبنوا لغته على حساب لغتهم» ([15]) ودليل ذلك أن مؤلفات الأمازيغ الأوائل كانت باللغة اللاتينية لا بالحرف الأمازيغي ومثال ذلك مؤلفات أبول يوس([16]) ومن أشهرها الحمار الذهبي كتبت باللاتينية مع أنه أمازيغي، كما أن الواقع يقر أن هذا الطبق معروف ومشهور فقط في المناطق الأمازيغية وقد انتقل أيام الاحتلال الفرنسي من الجزائر والمغرب إلى فرنسا ومنه إلى أوروبا.
-العيش أو البركوكس: هو طبق مشهور جدا في مدينة سوق أهراس يشبه الكسكس لكن حباته أكبر قليلا من حبات الكسكس، طريقة إعداده أصعب لأن الحصول على كرات صغيرة وسميكة من دقيق القمح والماء يتطلب جهدا كبيرا، أما طبخه ومذاقه فيختلف تماما عن الكسكس فيطهى باللحم والقديد والفول الجاف والحمص وبعض الخضر والمرق الأحمر بإضافة الحليب وهو يطبخ غالبا في فصل الشتاء
-الشخشوخة: تشبه الثريد وهي عبارة عن ورق رقيق من عجينة القمح ينضج على طاجن من الطين دائري مخصصة لها، حيث تمدد كريات العجين بالزيت إلى أن تصير ورقة كبيرة وتوضع الورقات فوق بعض مع التقليب وبعدها تفتت كل ورقة إلى قطع صغيرة ويسقى بالمرق المصنوع باللحم والطماطم والفلفل الحار، وهناك من يضيف إلى المرق المشمش المجفف ويسمي(الفرماس) مع عجينة التمر فيتغير اسم الأكلة من شخشوخة إلى:
– مْفَرمسة: التي تعد من الأكلات الغريبة حيث تجمع بين المذاق الحار والحلو والحاذق وهي مما تتميز به منطقة سوق هراس، وهي أكلة شبه مندثرة، بقيت عائلات قليلة جدا محافظة عليها.
ويتميز المطبخ الشاوي في مدينة سوق أهراس عموما باستخدام التوابل والدسم واللحم والعسل بكميات معتبرة في اعداد الوجبات .
2.1.2. الملبس :الملحفة (إيمَلْحْفَثْ):
ثوب يصنع من الصوف الملون أو الكتان يربط في الوسط بخيط من الصوف سميك تصنعه المرأة الشاوية حيث تمزج فيه عدّة ألوان وغالبا يكون باللون الأسود يسمى (أبقّاس) ([17]) وتربط الملحفة في الكتفين بنوع من الحلي الفضية يسمى (إيخلالين) ولا تستغني المرأة الشاوية عن زينتها التي تتمثل في الحلي الفضية منها (إيمشَرفين) وهي حلق تتدلى من الأذنين حتى الكتفين و(أنواش) وهو قطعة فضية تغطي الجبهة وتشد بها مناديل الرأس(إمحرمين)، أما المعصم فيزين بأساور (ايمقياسن) أقلها أربعة في كل ذراع والرٍجل تزين بالخلخال، كما يزين الوجه بالوشم على الجبين والخدين والذقن، وظاهر اليد يزين هو الآخر به، فمن شبه المستحيل أن تجد جدة شاوية يخلو وجهها ويداها من الوشوم، فهو تقليد موغل في الثقافة الأمازيغية عموما وله مدلولات جمالية وأسطورية، هذا بالنسبة للباس المرأة وزينتها أما الرجل فيتمثل لباسه في:
-القندورة (القميص): مصنوعة من الصوف مع غطاء يشد به الرأس ويسمى (الشاش) مع سروال بوقفة أو ما يسمى (أسروالنوعرابن) والحذاء الجلدي المصبوغ بالأخضر والأحمر (إيبلغث) هذا النوع من اللباس لم يعد موجودا إطلاقا
-البرنس (أعلاو): هو لباس الجميع حتى الاطفال يصنع لهم البرنس وعادة يكون أبيض اللون، يلبس في الأعراس والأعياد وعند استقبال الضيوف، أما اليوم أصبح تقليدا؛ برنس العائلة هو واحد متوارث بين عائلة معينة يلبسه كل رجل منها ليلة زفافه، فهو فخر الرجل الشاوي وله قيمة اجتماعية كبيرة.
-القشابية (اقشابيث): هي لباس شتوي بامتياز تصنع من الصوف لونه بني غالبا،« تعد أحد الرموز الثقافية العريقة في المجتمع الجزائري عموما و السوقهراسي بوجه خاص، فلا تزال لباسا تحمل خيوطه المصنوعة من الوبر أو الصوف رموزا لها من الجمالية ما جعل أبناء طاغست يتفاخرون بارتدائها سيما تلك المصنوعة من الصوف فهي الأكثر رواجا بين فئات المجتمع»([18])، والأطفال كذلك لهم نصيب من ارتداء القشابية وهو مظهر من مظاهر اعتزاز عائلاتهم بهذا اللباس، ومن دلائل المحافظة عليه وزرع حب التقاليد فيهم.
3.عادات وتقاليد متعلقة بدورة الحياة:
1.3.المراة وتقاليد الزواج الامازيغي في المنطقة:
يتميز الزواج في المجتمع الشاوي بعادات وتقاليد خاصة، وهي واحدة تقريبا عند جميع الشاوية مع اختلاف أماكن تواجدهم ومن هذه العادات
1.1.3.الخطبة :
تذهب جماعة من الرجالة لخطبة الفتاة المقصودة وإذا تم القبول منح مهر العروس لأبيها ثم يعود الرجال ليبشروا النساء بالقبول، وفي الغد تتجهز النساء لأخذ الكسوة للعروس وهي عبارة عن جرة كبيرة من الطين تملأ بالحناء، وتوضع فوقها ملحفة وغطاء رأس (ايمحرمت) وإلى جانب الجرة تحضّر قفة يوضع فيها التمر والرفيس([19]) تحمل عجوز من أهل العريس الجرة والقفة وتذهب مع بعض النسوة لبيت العروس فيحنون لها يديها ورجليها ويوزعن التمر والرفيس على الحضور ثم يعدن للبيت ليبدأ التحضير للعرس.
2.1.3.الوليمة الخاصة بيوم العرس وإحضار العروس من بيت أبيها:
قبل العرس بأيام يتم شراء وصنع كسوة للعروس من قٍبل أهل العريس، حيث تقوم النسوة بنشر الكسوة على الحبل في ساحة كبيرة ويجتمعن لفتل الكسكس تحت الكسوة وهن يغنين، وعند انتهائهن من فتل الكسكس تؤخذ الكسوة وتوضع في برنس صاحب الدار (أب العريس)، وينحر عدد كبير من الخراف ويتم دعوة كل القرية لحضور العرس.
تحمل عجوز الكسوة على ظهرها وتذهب في وسط موكب من الرجال والنساء إلى بيت أب العروس لإحضارها، يترأس الموكب أب العروس وإخوته، وفي الطريق النساء يزغردن والرجال يغنون وعند الوصول يستقبلهم أهل العروس بالعصي ويبدا الرجال من العائلتين المضاربة بها، وهو طقس يعبّر به أهل العروس على غلاء ابنتهم ومعزتها، وأن أخذها لبيت آخر لا يكون بسهولة، وبعد طقس العصي يدخل النساء يطلبون العروس فيضعون عنها لباسها ويلبسونها اللباس الذي أحضروه لها، ثم يضعون لها الحناء و يغطونها بالحايك وتبيت جالسة في وسط العجائز، وفي الصباح تصنع لها أمها الفطور وتغسل عنها الحناء، ثم تستعد لتخرج من بيت أبيها.
يفرش للعروس برنس أبيها على عتبة الباب وتوضع لها فيه النقود، ثم يتقدم أب العريس ويحملها ليضعها فوق بغلة بيضاء أو حصان لتنقل به إلى بيت زوجها، مرفوق كل هذا بالزغاريد والغناء وطلقات البارود المدوية، وإذا كان بيت العريس قريبا من بيت العروس يتم أخذ العروس إلى زوجها بحملها من طرف أبيه، وعند دخولها ترش بالماء عند عتبت الباب، ورواية أخرى تقول هي من تقوم برشهم بالماء([20]) إذا قدموا لأخذها، ويصنع في غرفة العروس خلوة لها لسترها عن أعين من يقصد غرفتها ولتشعر أيضا بالارتياح والسكينة وتسمى بالحجْبة، كما أن العروس لا تبيت في أول يومها عند زوجها وإنما تبقى في حضرة النساء، فيقدم لها لحم الضأن والشخشوخة وتبيت مع غير المتزوجات وذلك لتألف أهلها الجدد.
3.1.3. أشكال الرقص:
يتميز العرس الشاوي كذلك بـ: (أجْرار) يتمثل في مجموعة من الرجال مع بنادقهم يطلقون البارود في مكان واحد وفي وقت واحد، وكذلك يكون بصفين من النساء متقابلين يذهبن ويأتين يغنين ويطلقن الزغاريد يسمون(أمربوعاث)، وتقوم البنات غير المتزوجات بالرقص وسط دائرة من الرجال شرط تغطية وجوههن([21])، كما يتميز بطابع آخر وهو( الرّحابة) وهي فرقة متكونة من ثمانية فأكثر من الرجال يغني بعضهم أما البعض الأخر فيعزف ايقاعات على الناي (القصبة) ([22])والدف ترفق برقصهم جميعا ذهابا وايابا ويسمى هذا ترحابا، وكان لهذا الرقص أهمية ايحائية في فترة الاحتلال الفرنسي، فطريقة تركيز القدم بشدة على الأرض رسالة للمستعمر على أن هذه الأرض لنا([23])، وهذا الفلكلور لا غنى للمدينة عنه فهو حاضر في كل الأعراس، بالإضافة إلى طابع إطلاق البارود جماعات وأفرادا ، فلم يبق من عادات وتقاليد العرس الشاوي في سوق أهراس إلا الترحاب وإطلاق البارود ورش العروس أهل العريس بالماء ونحر عدد كبير من الخراف للوليمة.
2.3. عادات الميلاد و الختان:
للميلاد والختان عادات وتقاليد تختلف تماما عن وقتنا الحاضر، فعندما تضع المرأة الشاوية مولودها تقوم النسوة بلفها بعدة ملاحف لمدة شهرين كاملين، ويقدم لها طبق العيش يوميا بالإضافة إلى فطور مميز وهي عبارة عن عجينة التمر مطبوخ بالبيض والسمن يسمى( إيْمشوشت)، أما المولود فيلف هو الأخر بسبع أقمطة تنزع عنه كل يوم ليدلك بزيت الزيتون من رأسه إلى قدمية ثم يغرغر بها ويسقى كذلك منها، ويلف مرة أخرى بسبع أقمطة إلى أن يبلغ السنة من عمره.
و عندما يتجاوز الصبي السنه من عمره يختن، ويكون ذلك في حفل كبير حيث يختن أطفال قرية معينة كلهم في يوم واحد، إذ يجتمع اهاليهم في بيت واحد، النساء يقمن بتحضير الوليمة وهي الكسكس، أما الرجال فيجتمعون بالخارج وينتظرون قدوم الخاتن ليباشر عملية الختان، بعد تمام عملية الختان توضع قُلُفات([24]) الصبية في قصعة كبيرة وتغطى بمنديل كبير وتحملها العجائز لدفنها في مكان بعيد وهن يغنين ويزغردن.
3.3.عادات المأتم:
عند وفاة أي شخص يحضر للعزاء كل من في تلك القرية، وكل عائلة تحضر معها خروف مرفق بكل لوازم إعداد العشاء ويسمي (أمَنسي) ويقوم نسوة من غير هل الميت كل يوم بطهي أكثر من خروف في بيت المتوفى لإطعام كل من يحضر للعزاء، وذلك لمدة أسبوع كامل، وفي نهاية الأسبوع يحضّر عشاء خاص لذلك اليوم يتم دعوة كل من الأقارب والمعارف وكل من حضر العزاء عليه، كما يوزع الطعام على كل أهل القرية، أما بالنسبة لطريقة الحزن فهي تشمل النواح والرثاء وبعض الأهازيج الحزينة من طرف نسوة لا تجمعهم قرابة بالمتوفى.
- الممارسات الفنية الامازيغية في سوق اهراس
1.4.الحكاية الأمازيغية:
يمتاز القالب السردي للحكاية الامازيغية عموما والشاوية خصوصا بصور فنية تكمل بعضها بعض، حيث تعطي جوا للمستمع فيمتزج بما يسمع بخيال عال، فهي تقص غالبا في الليل ومن طرف العجائز، فبعد أن يخلد الجميع إلى فراش النوم تبدا العجوز بالقص بنبرة مؤثرة تتلون حسب الحاجة، فلا يسمع صوت من المتلقين إلا ضحكا أو فزعا أو حيرة يقتضه موقف الحكاية، ولكل حكاية اسم يستمد من حوادث بارزة فيها وغالبا ما يكون أسمها من أسماء شخصياتها مثل حكاية (أيْذي أبركان) الكلب الأسود، وحكاية (أرقاز د فيغر) الرجل والثعبان، وحكاية (بوسبعنمجان) ذو الأذان السبع و حكاية (لونجة د هامزا) الونجة والغولة.
فالحكايات الأمازيغية تقدم شخصيات غير بشرية ذات دور فريد ومتميز، وغالباً ما تكون وفية للإنسان، مخلصة له، تساعده على الخلاص، حين لا يجد المساعدة عند البشر، كما تقدم شخصيات أخرى غريبة، كالغول والعفريت والمارد والجني، وأكثرها يخدم الإنسان ويساعده.
تبدأ الحكاية الأمازيغية بعبارات محددة مثل (نان إمزوورا) قال السابقون أو( يلا شان واس ذ أرقاز) كان ذات يوم رجل…، وتتنوع الحكايات بين الخرافية والاسطورية و الحيوانية فتعطي تنوعا وغنى في العبر والمفاهيم المشكلة بدورها لشخصية المستمع.
للحكاية الأمازيغية خصائص تنبع من الظروف التي ولدتها و تتمثل في: تدافع الخير والشر فتعالج الثنائية الوجودية الخير والشر ، وذلك بالاشتغال على الرموز والعلامات ، حيث ينتصر الخير على الشر في كثير من الحكايات كحكاية “لونجا د هامزا”، كما تتداخل فيها قيم انسانية مشتركة كالكرم و الايثار و حسن المعاملة و الشجاعة و الاقدام ، والتعرض للصفات الذميمة كالغدر و الكذب و النفاق والقسوة بكثير من التوجس، هيمنة أجواء الغرابة والخوف والهلع على مضامينها، وذلك بسبب تداخل المألوف مع الغريب، كما تعطي القصة الامازيغية صورة سلبية عن المرأة فهي غالبا رمز الشر والخديعة والقسوة، أما الرجل فهو بخلاف ذلك، له صورة ايجابية دوما فهو المنقذ والفارس والبطل([25]).
أما في الوقت الحاضر اندثر أسلوب القص، فلم يعد للحكاية الأمازيغية أو غيرها وقت تقص فيها، ولم تعد لها أهمية عند العائلات كما كانت في السابق وهذا من أثار العولمة والانفتاح على الثقافات المتنوعة
2.4. الشعر: الأهازيج والغناء:
أشعار العرس في سوق أهراس تحمل تنوعا شديدا، وما زالت بعض العجائز اليوم تتفنن في إلقاء مقطوعات غنائية باللهجة الشاوية تدور موضوعاتها حول الحب باستعمال رمزية الأرض والوطن والانتماء، أضف إلى ذلك أغاني الرّحابة التي لعبت دورا هاما في الاعلاء من حماسية المجاهدين أيام ثورة التحرير رغم أن موضوعاتها عامة ولا تتصل مباشرة بموضوعات الثورة والاحتلال، وتميزت بالبساطة والتلقائية لأن مبدعيها هم المجاهدون أنفسهم، ومن أشهر مؤلفي الأغنية الشاوية ومغنيها عيسي جرموني الذي يلقب بعميد الأغنية الشاوية، و بقار حدة وهي من أبناء مدينة سوق أهراس.
وقد ارتبطت الأغنية الشاوية بآلات موسيقية محددة وهي (القصبة) الناي و (البندير) الدف إذ يبدأ الفنان أغنيته بموال مرفق بألة القصبة التي تحاكي تماما كلمات الأغنية، وقبل أن يسترسل الفنان في الأداء يبدأ البندير ليضفي على الأغنية خفة وايقاعات متزنة([26])، وكتبت الأغنية الشاوية باللغتين الأمازيغية والعربية أوصلها مبدعوها إلى مسارح عالمية، ومازالت الموسيقي الشاوية إلى اليوم تحُي بها الحفلات والأعراس والمناسبات.
وهناك أهازيج مشهورة ترددها المرأة الشاوية لرضيعها حتى ينام وتتمحور حول الأرض والعائلة منها أغنية قوق أممي قوق، وكلمة قوق في اللهجة الشاوية تستعمل لتدليل الصغار وتنطق جيم مصرية مثلها مثل كلمة أرقاز وهو حرف اصيل في اللغة الامازيغية وليس اصله قاف ومن كلماتها:
قوق أممي قوق أذسْغ ثيفولا وذيغْث عْلولا بالدُّوح يَتيلولا قوق أممي قوق، قوق أممي قوق أنّالي غَرْ وَذْرار فو غْيول أوسار ماني نَلّا زيك نتٍّيرار قوق أممي قوق. وترجمتها هي : نم يا ابني نم سأشتري حبالا وأصنع لك أرجوحة كمهدك المتأرجح، نم يا ابني نم، نركب الحمار المسن ونذهب للجبل حين كنا نلعب هناك من زمن.
3.4. الفروسية:
من الفنون التي ارتبطت بمنطقة سوق أهراس ارتباطا بارزا منذ القدم، حيث تميز هذا الفن بتقاليد عريقة خاصة ما تعلق بتجهيزاتها كإعداد لوازمها كالسرج، اللجام وما يلبسه الفارس، ولا تعد الفروسية عند الكثيرين من أبناء المنطقة مظهرا من مظاهر الاحتفال والفانتازيا فحسب بل هي جزء لا يتجزأ من نمط حياتهم.
يهتم الخيالة بالحصان البربري (البارب) من حيث زينته فالسرج المطرز بخيوط ذهبية هو كسوته وكذلك بطعامه، ويقدم الفرسان عروضا فنية خلال الحفلات المحلية والأعراس مرتدين حلة خاصة تضفي عليهم مظهر الهيبة والشهامة، ويبقى للفروسية في مدينة سوق اهراس هيبتها وحبها من طرف الجميع فلا يكاد يخلو عرس من الفرسان وهم يتباهون بالبنادق وطلقات البارود.
5.اللهجة الامازيغية بسوق أهراس:
تعد اللغة الأمازيغية أساس الهوية عند الأمازيغ والحديث بلغة غيرها عند بعضهم منقصة وتنكر للأصل الأمازيغي، وبناء على أهمية مكون اللغة في الهوية الأمازيغية وجب توضيح من أين ينحدر سكان المنطقة؟ وأي لهجة يتكلمون؟ وماهي درجة حفاظهم عليها؟
1.5.أصل السكان:
ينحدر أغلب سكان سوق اهراس من أصول بربرية، فقد انتشرت بها قبائل نوميدية منذ فترات غابرة من تاريخ المنطقة حيث استقرت بها منذ القدم قبيلة بابيرية ذات الأصول البربرية وقبيلة كيرينا التي تعرف بقبيلة الأباطرة ([27]). أما اليوم فينتشر بها قبيلة الحرا كته ببطونها ، وقبائل المامشة، وعرش ولاد خيار، وعرش المحاتلة وعرش العمامرة، وعرش سلاوةلخرارب، وعرش السقنية وغيرهم من الأعراش التي تنتمي إلى فرع زناته([28]) من أكبر القبائل البربرية في شمال افريقيا
2.5.لغتهم:
بما أن المنطقة تنتمي إلى الأوراس الجغرافي فهي من الطبيعي أن تنتمي إلى الأوراس الثقافي الذي يمتد على لغتين:
-لغة زناتة: وهي لغة الأواس الغربي تمتد من خنشلة إلى أم البواقي إلى غاية قسنطينة إلى كامل غرب الأوراس إلى غاية سطيف.
– لغة مازيغا: وهي ما يسمى المامشة حاليا، تمتد من القيروان داخل تونس إلى صفاقس لتحتوي جزءا كبيرا من تونس الجزء الجنوبي الوسطي والمركزي ثم الجزء الشرقي للجزائر إلى غاية خنشلة وعين البيضاء، فهاتين اللهجتين من أربعة عشر لهجة كبرى في الشمال الافريقي يكونون اللهجة الشاوية واحدة من أبرز لهجات الشمال الافريقي وهي زانتيه الأصل([29]).
إذن فسكان سوق أهراس يتكلمون الشاوية إلى جانب العربية، فالبعض محافظون على اللهجة الأصلية الشاوية أم البعض الأخر فيعتبرون أنفسهم عربا وينفون عنهم الأصل الأمازيغي بحجة أنهم لا يتحدثون الأمازيغية يقول العربي عقون« فالمنطقة الشاوية تشهد استعرابا حثيثا وأكثر من ذلك اختزل العامة هناك الانتماء إلى الأصل الأمازيغي في اللغة توهما منهم أن البربري هو من يتكلم الشاوية لا غير ظنا أن الوضع الذي هم فيه أرقى ولا يمكن أن تتراجع للوراء بعد أن حققت ذلك الرقي» ([30])، حقيقة هذا ينطبق على أكثر الأعراش الشاوية في منطقة سوق اهراس، فالمنطقة خليط لغوى شاوي -عربي فالأغلب تعرّب لسانه لكن هناك شاوية محافظون على اللغة وهم قليل واكثرهم في كل من بلدية ترقالت([31])، أم العظائم، مداوروش، المشروحة، وقليل من سدراته وفي بلديات المدينة كلها بنسب قليلة جدا« لايزالون يستعملون اللغة الشاوية في حياتهم اليومية تميزا لهم عن الأمازيغ المستعربين الذين تخلوا نهائيا عن استعمالها منذ أجيال في ظروف تاريخية معينة، والملاحظ أن الشاوية المحافظين هم في الواقع مزدوجو اللغة فهم يتكلمون الشاوية إلى جانب العربية الشعبية بلهجاتها المختلفة»([32]).
بالرغم استعراب الأمازيغي إلا أن لسانه يبقى مميز عن من استعرب قبله كعرب المشرق، ورغم أن الشعب الأمازيغي يمتاز بالمرونة بطبيعته في التعامل مع الثقافات الاجنبية – استعمالهم للغة الآخر في تعاملاتهم اليومية- فقد تمكن من الاحتفاظ بتقاليده وفنونه إلى حد كبير وبلغته بشكل نسبي يقول العربي عقون «هي معجزة أن تنجو الأمازيغية من عاديات الزمن وتصل إلى القرن الواحد والعشرين رغم عدم وجود سند من الدين أو من السياسة يدعمها»([33])، المعجزة هي اعتزاز الأمازيغي الحقيقي بلغته كاعتزازه بأرضه ينافح عنها ويورثها جيلا بعد جيل، -ومع قلة المتحدثين باللهجة الشاوية في هذا الجيل-وهذا مؤشر قوي على استمرارها والحفاظ عليها كعامل أساسي من مكونات الهوية الجزائرية.
خاتمة:
بالرغم من تأثير الاسلام على المنطقة وتغلب اللسان العربي على اللسان الأمازيغي، ورغم ظهور عادات دخيلة على الموروث الأمازيغي فيها بسبب تأثير عوامل الحداثة والعولمة، إلا أنها منذ عقود طويلة ما تزال تحافظ على أغلب عاداتها وتقاليدها الأمازيغية كما هي رغم منافاة بعضها لتعاليم الإسلام كتقاليد المأتم، و قد كيفت بعض العادات مع الدين بالمحافظة على الموروث الأمازيغي بصبغة إسلامية مثل تحويل ذبح الخراف للمولود الذكر إلى ما يعرف بالعقيقة في الاسلام، فللإبقاء على هذا الموروث والمحافظة عليه وجب نقله للأجيال القادمة عن طريق البحث فيه وتوثيقه، خاصة وأن من يعي هذا الموروث في صدره هم كبار السن وأصحاب الذاكرة القوية وهم قلة، فلن يسلم هذا الموروث من الضياع إلا بتوثيقه.
قائمة المراجع:
- https://www.youtube.com/watch?v=84qutU2Sdcsساسي عابدي، سليمان بخليلي: حوار عن: الفرق بين القبايل والشاوية سنة 2006.
- https://www.youtube.com/watch?v=n4l3n4DONxoمحند ارزقي فراد: محاضرة ملتقى الأنوار للفكر الحر2015.
- ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام هارون، دار الفكر للنشر والطباعة، د.ب، 1989.
- ابن منظور: لسان العرب، دار صادر، بيروت، د.س .
- أبو البقاء الكفوى: الكليات، مؤسسة الرسالة، لبنان، ط2، 1998.
- بخوش أحمد: التراث الثقافي الشاوي بين الثابت والمتغير دراسة لبعض العادات والتقاليد لسنة 1935-1936 ،مجلة العلوم الاجتماعية والانسانية، عدد خاص الملتقى الدولي الاول حولة الهوية والمجالات الاجتماعية في ظل التحولات السوسيوثقافية في المجتمع الجزائري.
- جمال ورتي: طغاست مهد الحضارات، مجلة سوق أهراس محروسة الأسود، تاريخ وآفاق، منشوراتcdsp2012، عدد خاص2012 .
- الراغب الاصفهاني: مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، د.ط، دار القلم، 2009.
- طيب تيزيني: من التراث إلى الثورة، دار ابن خلدون، بيروت، ط2، 1978.
- العربي عقون: الامازيغ عبر التاريخ نظرة موجزة في الأصول والهوية، التنوخي للنشر، المغرب، ط1، 2010.
- فريديريك معتوق: مدخل إلى سيسيولوجيا التراث، دار الحداثة، بيروت، ط1، د.س.
- لوكيوسابليوس: الحمار الذهبي، ترجمة أبو العيد دودو، منشورات الاختلاف، الجزائر2001 .
- محمد حاجي: الموسيقى الشاوية صوت جبال الاوراسhttp://www.hayatweb.com/article/172356
- محمد عابد الجابري: التراث والحداثة، مركز دراسات الوحدة العربية، لبنان، ط1، 1991.
- مداوروش المدينة الدرة، مجلة عن مديرية السياحة والصناعات التقليدية لولاية سوق أهراس، 2011.
- منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة: التراث الثقافي غير المادي.
- نور الدين النوصيري: الحكاية الأمازيغية واشكالية توظيفها تربويا، الحوار المتمدن-العدد: 4344 – 2014 / 1 / 24 – 18:40http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=397421.
- يوسف محمد عبد الله: الحفاظ على الموروث الثقافي والحضاري وسبل تنميته، جامعة صنعاء.
([1]) _ ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام هارون (دار الفكر للنشر والطباعة، د.ب، 1989، ج6)، ص105 ينظر أيضا: الراغب الاصفهاني: مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، د.ط، ( دار القلم، 2009) ص763.
([2]) _ ابن منظور: لسان العرب، (بيروت: دار صادر ، (د.س.ن)، ج2) ص200،201.
([3]) _ أبو البقاء الكفوي: الكليات(لبنان: مؤسسة الرسالة، ، ط2، 1998) ص78.
([4]) _ ينظر ابن منظور: المرجع السابق، ص101و ينظر ايضا: الراغب الأصفهاني: مرجع سابق، ص 763.
([5]) _محمد عابد الجابري: التراث والحداثة، (لبنان: مركز دراسات الوحدة العربية، ، ط1، 1991)، ص23.
([6]) _ يوسف محمد عبد الله: الحفاظ على الموروث الثقافي والحضاري وسبل تنميته، جامعة صنعاء، ص2.
([7]) _ طيب تيزيني: من التراث إلى الثورة، (بيروت: دار ابن خلدون، ط2، 1978)، ص243.
([8]) _ محمد عابد الجابري: مرجع سابق، ص45.
([9]) _ منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة: التراث الثقافي غير المادي، https://ich.unesco.org/ar/-00003.
([10]) _ فريديريك معتوق: مدخل إلى سيسيولوجيا التراث، (بيروت: دار الحداثة، ، ط1، د.س.ن)، ص60.
([11]) _ ينظر جمال ورتي: طاغست مهد الحضارات، مجلة سوق أهراس محروسة الأسود، تاريخ وآفاق، منشورات cdsp2012، عدد خاص2012 وينظر كذلك: مداوروش المدينة الدرة، مجلة عن مديرية السياحة والصناعات التقليدية لولاية سوق أهراس، 2011
([12])_https://www.youtube.com/watch?v=84qutU2Sdcs ساسي عابدي، سليمان بخليلي: حوار عن: الفرق بين القبايل والشاوية سنة 2006
([13]) _ في فترة الاحتلال الفرنسي وذلك نظرا للظروف المعيشية المزرية التي عاناها المواطن الجزائري فقد كان في كل غذائه معتمدا على دقيق القمح أو الشعير
([14]) _ يقال خبز كسِيس ومكْسُوس ومكسكس: مكسور ينظر: ابن منظور الأفريقي: مرجع سابق، ج5، ص3874
([15])_https://www.youtube.com/watch?v=n4l3n4DONxoأرزقي فراد: محاضرة ملتقى الأنوار للفكر الحر2015
([16]) _لوكيوسابليوسApulée Lucius المعروف بأبليوسالمادوري ثاني أشهر الشخصيات الأمازيغية الجزائرية شهرة بعد وغستين ولد سنة124م في مدينة ما دور -مداوروش حاليا احدى بلديات مدينة سوق اهراس- من قبيلة جدالة سمى نفسه المادوري الأفلاطوني تارة والفيلسوف تارة أخرى تمييزا له عن حكماء الرومان الذين حملوا نفس تسميته، واصل دراسته العليا بقرطاج استكمل ثقافته برحلات قادته إلى ايطاليا واليونان وآسيا الصغرى، ألف كتاب الدفاع سنة155م وذاع صيته بمؤلفه الحمار الذهبي الذي ألفه 170م وهي أول رواية كاملة في الانسانية باللغة اللاتينية توفي 180م. ينظر: لوكيوسابليوس: الحمار الذهبي، ترجمة أبو العيد دودو، (الجزائر: منشورات الاختلاف، 2001،) ص13،12،11
([17]) _ القاف تنطق جيم مصرية وهي حرف أصيل في الأمازيغية.
([18]) _ الصناعة التقليدية والتراث الشعبي أصالة تصارع الاندثار الزربية والقشابية استثناء واعتزاز، مجلة سوق أهراس محروسة الأسود: مرجع سابق، ص123.
([19]) _من المأكولات الشاوية المشهورة لايزال يقدم حاليا في الخطبة ومناسبات كحفلات النجاح وهو عبارة عن كسرة تعجن بكثير من الدهن وقليل من الماء تنضج على النار حتى تحمر وبعد ذلك تهرس وهي ساخنة وتعجن بعجين التمر والسمن.
([20]) _ هو طقس مستمد من الأسطورة الأمازيغية (تّسليث ) عروس المطر وهي فتاة يضرب بها المثل في العفة والشرف، فقد عزفت عن الحب وعن الزواج واتخذت من الأنهار مكانا لها، حيث اهتمت بكل ينابيع الماء فتعمل من أجل ايصال الماء لكل الأراضي، فعلها هذا جعل اله المطر يعجب بها، بأخلاقها وجمالها وحبها للماء فقرر الزواج بها، لكنها رفضت طلبه لأنها لن تفعل هذا من دون علم أهلها حتى لو كان إله المطر، فغضب منها وانتقم بأن أمسك عن قريتها المطر فجفت الأنهار ويبس الزرع مما جعل أهل قريتها يلحون عليها بقبول طلبه ليرسل الأمطار على أرضهم فقبلت، أخذها إله المطر معه إلى السماء وعم الخير ولم تتوقف الأمطار عن الهطول في مواسمها. من ذلك الحين أصبح ارتباط الماء بالعروس دليلا على مجيء الخير وعلى شرفها وعفتها فأصبح تقليدا متوارثا وهو رش العروس بالماء فال خير وأنها قادمة لهم بالخير والرزق ورشها هي لهم بالماء دليل على شرفها وعفتها.
([21]) _ بخوش أحمد: التراث الثقافي الشاوي بين الثابت والمتغير دراسة لبعض العادات والتقاليد لسنة 1935-1936 ،مجلة العلوم الاجتماعية والانسانية، عدد خاص الملتقى الدولي الاول حول الهوية والمجالات الاجتماعية في ظل التحولات السوسيوثقافية في المجتمع الجزائري، ص272.
([22]) _ وهي الآلة الموسيقية التي يطرب لها الشاوية وتكون حاضرة في جميع حفلاتهم رغم ما تحمله موسيقاها من حزن وألم فالناي عندهم مرتبط بالأرض يعبر عن آلامهم التي لاقوها من كل من طمع في أرضهم بداية من الاحتلال الروماني إلى الفرنسي.
([23]) _ مداوروش المدينة الدرة: مرجع سابق، ص55.
([24]) _مفردها قُلْفَة وهي الجلدة الصغيرة التي يقطعها الخاتن من ذكر الصبي.
([25]) _http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=397421نور الدين النوصيري: الحكاية الأمازيغية واشكالية توظيفها تربويا، الحوار المتمدن-العدد: 4344 – 2014 / 1 / 24 – 18:40.
([26]) _ http://www.hayatweb.com/article/172356 محمد حاجي: الموسيقى الشاوية صوت جبال الأوراس.
([27]) _ مداوروش المدينة الدرة: مرجع سابق، ص16.
([28]) _ وهي على طبقتين الأولى التي عرفها العرب منذ دخولهم بلاد المغرب والمتمثلة في قبائل لواته وهوارة ونفوسة وجراوة؛ وهي قبائل بربرية صرفة أسلمت واستعربت بعض الشيء والطبقة الثانية فهي زناته المسلمة المستعربة تأثرت تأثرا عميقا بالعرب الهلاليين وهم المقصودون في هذا المقال لأن قبائل الشاوية يعدون من فروعهم «…وبجبال أوراس بقايا منهم سكنوا مع العرب الهلاليين لهذا العهد، وأذعنوا لحكمهم والأكثر منهم بالمغرب الاوسط، حتى أنه ينسب إليهم ويعرف بهم ويقال وطن زناته» ينظر: ابن الأحمر: تاريخ الدولة الزيانية بتلمسان، تحقيق: هاني سلامة، ط1، ( بورسعيد: مكتبة الثقافة الدينية، 2001)، ص4، ص5، ص6.
([29]) _ساسي عابدي: مرجع سابق.
([30]) _العربي عقون: الامازيغ عبر التاريخ نظرة موجزة في الاصول والهوية (التنوخي للنشر، المغرب، ط1، 2010) ص 26 الهامش
([31]) _ يرجع أصل التسمية إلى واحد من بنات ديهيا(الكاهنة) التي كلفتها بمواجهة الاحتلال الروماني لكن في منتصف المعركة وبداية قرب انهزامها من الجيش الروماني خافت وفضلت الهرب إلى هذه المنطقة وحتمت غابتها فعيّرها أهل المنطقة بوصفها بالفتاة الهاربة وهي باللهجة الشاوية( ثهوثأرقالت) وأصبحت ترقالت.