
الفضاء العام : سيرورة تشكّل المفهوم
Public Space: the process of the concept
جمال بوطاهري، طالب باحث/ جامعة محمد الخامس الرباط، المغرب
JAMAL BOUTAHRI/ University of Mohammed V
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 67 الصفحة 19.
ملخص:يهدف هذا المقال التأريخ لمفهوم/مقولة الفضاء العام خلال العديد من المحطات الفكرية والعلمية الهامة التي ساهمت في بلورة وتشكيله. سيتم ذلك عبر تقديم بعض المقاربات النظرية الفلسفية والسوسيولوجية التي عالجت الفضاء العام، وذلك بالبحث في تعريف هذا المفهوم عند هابرماس وبورديو ولوفيفر وميشال دو سارتو. يرمي هذا المقال إلى التأكيد على أن مفهوم الفضاء العام يتقاطع مع عدد كبير من التخصصات العلمية، وهو ما يجعل المفهوم ذا أهمية خاصة.
الكلمات المفتاحية: الفضاء العام، المحادثة، المجال، الحق في المدينة.
Abstract:
This article amisto dicuss the chronology of the concept/notion of public space in the significant intellectual and scientific stations that contributed to shaping its main features. In order to illuminate the orignis of this concept, the paper emphasises the philosophical and sociological writings of Habermas, Bourdieu, Lefebvre, and de Carteau. The article argues that public space requires a multidisciplinary approach, as the concept is very complex and merits a particular concern.
Keywords: public space, conversation, space, right in the city.
مقدمة:
يعتبر موضوع الفضاء أو “المجال” (l’espace) موضوعا مشتركا تتقاسمه العديد من العلوم، وبذلك يمكن أن نتحدث عن مجال الجغرافيين؛ والذي يتم التركيز فيه على التهيئة، ثم هناك مجال الاقتصاديين؛ (الإنتاج، التسويق، الاستهلاك…) ثم هناك ما يسمى “المجال الاجتماعي” الذي يشغل بال السوسيولوجيين؛ وما يميز هذا الأخير هو البحث في الخفي من الرهانات الاجتماعية حول موضوع “السلطة” في المجال.
إذن، يبدو واضحا أن هناك اهتمام من مختلف المشارب العلمية تجاه هذا الموضوع، وهذا ما يمكن ملاحظته مع الرواد الأوائل المؤسسين لعلم الاجتماع (ماركس، دوركايم، فيبر، زيمل…)، كذلك رواد مدرسة شيكاغو والذين يعود لهم الفضل هم الآخرين في إنتاج تراكم نظري ومنهجي لا يستهان به حول جل الإشكالات المتعلقة بمفهوم المجال.
وبالتالي، سنحاول من خلال هذا المقال الوقوف على بعض من تلك الأطروحات والأفكار التي حاولت أن تسائل ظاهرة المجال، على اعتبار أن المجال بالمعنى المتداول في علم الاجتماع هو “المجال الإنساني” لأن حياة الإنسان لا يمكن أن تتصور إلا في المجال.
على المستوى المنهجي، سنعتمد في معالجتنا لهذا الموضوع على مقاربة تاريخية، من خلال قراءة الأدبيات الفلسفية والسوسيوتارخية ذات الصلة بالموضوع، لكننا لا نسعى فقط إلى التصنت على هذه المحادثة، بل إننا نريد أن نخلق لأنفسنا مكانا لكي نقدم مساهمتنا الخاصة، وذلك عن طريق ممارسة نوع من التفكر (la réflexion) تجاه هذا المفهوم.
أولا: الإطار الإبستيمولوجي
الإبستيمولوجيا (Epistémologie) علم العلوم أو الدراسة النقدية للعلوم. يعرفها لالاند Lalande)) في معجمه الفلسفي؛ بأنها فلسفة العلوم[1]. وهي الدراسة النقدية لمبادئ العلوم وفروعها ونتائجها، فهي علم الأصول[2]-على حد تعبير جورج غرفتش– لأنها علم العلم وتبحث في الأصول الأولى لنشأة المعرفة. إذن؛ فالغرض من هذا الإطار المعرفي، هو المساءلة العلمية للموضوع اعتمادا على الأدوات المعرفية والأطر المنهجية التي تتيحها سوسيولوجيا المعرفة.
مبدئيا، يجب استحضار الشروط السوسيوتاريخية لهذه المعرفة والوعي بها. لهذا يرى ريمون لودريت (RaymondLedrut) أن المجال هو إن شيئنا كل شيء ولا شيء في نفس الوقت. أو بتعبير أخر شيء آخر قليل وشيء كثير معا. وهذه المفارقة نجد تفسيرها بوضوح في كون جميع الكائنات هي في علاقات مجالية محضة[3]. إن دلالات مفهوم المجال متعددة؛ فالمجال يمكن أن يكون هو المجال الفيزيقي الطبيعي والجغرافي، ويمكن أن يكون هو المجال المبني أو المكيف بحسب رغبات وتمثلات الإنسان. وهو ما يمكن نعته بالمجال السوسيو-جغرافي. ثم هناك المجال الاجتماعي الذي يعيش فيه الناس والذين يتراوح إدراكهم له بين الذاتية والموضوعية.
وبالرغم من الاهتمام المتواصل للعلوم الإنسانية والاجتماعية وعلم الاجتماع تحديدا بقضايا اجتماعية متصلة بشرائح معينة مثل الطبقات العمالية وشرائح المهمشين والمقصين في المجتمعات الحديثة والمعاصرة، فقد ظل الخوض في إشكالية المجال و الفضاء العمومي بشكل أعم موضوعا علميا لم تجرأ العلوم الإنسانية على خوضه إلا مؤخرا[4].
انطلاقا من هذا التقديم الإبستيمولوجي، سنسعى في هذا الإطار إلى الوقوف عن بعض من الأسس النظرية والتاريخية المؤسسة لمفهوم المجال. فنحن في إطار مرجعية موضوعها الأساس؛ الفضاء العام.
إذن، عرف موضوع الفضاء العام اهتماما علميا كبيرا يعود إلى ما قبل ظهور السوسيولوجيا ذاتها، فقد كان البعد الفضائي حاضرا في الهندسة الأوقليدية منذ ما قبل التاريخ، وظلت مختلف الدراسات العلمية والتأملات الفلسفية تتأطر داخل نطاق مسلمات هذه الهندسة إلى غاية القرن التاسع عشر، الذي عرف العديد من التحولات والمنعطفات العلمية والفكرية، خاصة تحقيق العديد من الاختراعات العلمية[5]، إلى جانب ظهور العلوم الإنسانية والاجتماعية.
وفي سياق تشييد العلوم الإنسانية عموما، تم تسجيل ملاحظة أساسية مؤداها: تهميش البعد الفضائي في البناء النظري لهذه العلوم، فقد كانت مسيطًرة بتصور يسقط الفضاء في أحسن الأحوال يعتبره “شرطا بيئيا”، بينما كانت مقولة الزمن هي الأكثر حضورا كوسيلة لبناء الحقيقة الاجتماعية، مما أدى إحداث ما سمي بالمنعطف المجالي، الذي جاء في كتاب “Sociologie de l’espace” للباحثة مارتينا لو Martina Löw)) على أنه “الوعي أن جميع الفضاءات بما فيها المعمار الحضري، الجهات المجالية، الدول الوطنية، غرف النوم، ساحات الترفيه، مناطق الأنهار…إلخ”؛ كلها إبداعات اجتماعية، بمعنى آخر؛ فتشكيل الفضاءات هو فعل أدائي (un acteperformatif)[6] فالفضاء حسب الباحثة لا يولد أو يوجد لذاته، ولكنه يخلق أثناء الفعل.
من جانب آخر عرف الفضاء جدالا علميا كبيرا بين اتجاهين فلسفيين كبيرين حسب الباحث كارل فريدريك فان فيزاكر؛ هما الاتجاه النسبي (relativiste) الذي يمثله كل من نيكولاي دو كوي (Cues)، بيلارمين، ليبنيز، ماش، وآخرون. والاتجاه المطلق (absoluste) الذي يضم بطليموس، كوبيرنيك، يوهان كيبلر، جاليلي، نيوتن… ويَعتبر هذا التقليد أن الفضاء له وجود مستقل عن الأجسام، فيما يَعتبر التصور النسبي أن الفضاء هو نتيجة للوضعية النسبية للأجسام.
بناءا على هذا التمييز الإبستيمولوجي؛ ترى الباحثة مارتينا لو أن جل الأعمال السوسيولوجية المعنية بالفضاء تأسست على احدى الفرضيتين: سواء التي تحقق الانفصال بين الفضاء والاجسام (الأفعال)، أو التي تسلم بمنحى الحقيقة العضوية الوحيدة. بمعنى؛ أن التناول السوسيولوجي للفضاء تم انطلاقا من مقدمات فلسفية وأخرى مرتبطة بالعلوم الرياضية والفيزيائية. فمثلا يرى عالم الفيزياء البريطاني ستيفن هوكينغ أنه قبل 1915 كان ينظر للفضاء والزمن على أنهما حلبة جامدة لوقوع الأحداث بدون تأثرها هي نفسها لما يحدث (…)، ولكن الوضعية مختلفة تماما مع النظرية النسبية التي أرسى انشتاين دعائمها، فالزمن والفضاء هم كميات دينامية.
من هنا تأثرت العديد من النظريات السوسيولوجية بهذا التصور، فالحياة الاجتماعية دينامية ومتغيرة باستمرار. والدليل في ذلك حسب الباحثة هو استحضار العديد من الباحثين في حقل العلوم الإنسانية أمثال: جن بياجي، نولبيرت الياس، ليك سيومبي، ديتر لابل، ريتشارد سينيث، اليزابيت كروز من خلال تجديده لتصور المجال عند نيوتن، إذ يرى انشتاين أن المجال هو سياق وبناء نظري يمكن من فهم العالم. أما على المستوى الفلسفي فقد دارت نقاشات كثيرة بخصوص الفضاء. مثلا يحاجج فيلهيام ليبنيز ضد الفكرة القائلة بوجود مجال مستقل أما إمانويل كانط (Immanuel kant) فهو الآخر درس مفهوم الفضاء انطلاقا من تصوريي ليبنيز ونيوتن، وحاول التوفيق بين الطرحين، لكنه بدأ يميل بعد ذلك إلى الطرح النسبي لليبنيز، لكن تأثره بعالم الرياضيات السويسري ليونارد أولير جعله يقترب أكثر من التصور المجرد للفضاء، ضد الوجه النسبي لليبنيز، في أطروحته سنة 1770 التي اعتبرت تمهيدا لعمله الشهير “نقد العقل الخالص“، وضع كانط تصورين للمجال الأول باعتباره وعاء مجرد بدون حدود الأشياء الممكنة (…) أو هو العلاقة بين الأشياء الموجودة التي تُفتقد حين يتم حذف الأشياء، ليتوصل إلى أن المجال هو مبدأ صوري للعالم المحسوس، فهو في نظره البعد الذي يخلقه الناس بتمثلاتهم، ويوافقه في ذلك العالم الرياضي والمهتم بتاريخ الإبستيمولوجيا والفلسفة ارنست ماش الذي طور تصور المجال نسبيا مستلهما أفكار ليبنيز ضد التصور الميتافيزيقي للمجال كحاوي/وعاء ((contenat متعالِ، فهو بالنسبة إليه الفضاء ليس شيئا آخر سوى مجموع العلاقات المجالية.
انطلاقا من هذا الطرح النظري الفلسفي والعلمي تأسست “سوسيولوجيا المجال”، وحسب الباحثة مارتينا لو فمختلف الأعمال السوسيولوجية، لا تخرج عن نطاق البراديغمين الأساسين كما سبقت الإشارة إليهما (الإطلاقي والنسبي).
فمثلا أقام انتوني غيدنز (Anthony Giddens) نظريته حول البنينةla structuration) ) انطلاقا من مقولتا الزمن والمكان، كما عارض اعتقاد العديد من الباحثين في العلوم الاجتماعية، الذين يعتبرون الزمن والفضاء كشروط بداهية وهامشية في الفعل، لذلك دعا استفهام مقولتي الزمن والفضاء conceptualisation)) كأبعاد أساسية ومركزية، وفي قلب النظرية الاجتماعية.
في تفكره للمجال اعتمد غيدنز على العديد من المراجع النظرية من بينها: سيديوس تورستين هاجير ستراند وإرفين غوفمان إضافة إلى أفكار الفيلسوف مارتين هايدغر؛ فهذا الأخير يعتبر الفضاء هو “ما هو عليه أساسا” (l’espace est essentiellement ce qui été) أي ما أدخلنا في حدوده، انطلق غيدنز من هذه الفكرة وعالج المجال كما هو لو كان موجودا في ذاته، يتحدث عن “أنطولوجيا الزمان والمكان” وهي غاية الأهمية بالنسبة إليه في نظريته البنينة.
ثانيا: القراءة السوسيوتارخية
إنّ البحث في موضوع الفضاء العام يقتضي التسلح بأكثر من مجال معرفي واحد، وقد اقتصر عالم الاجتماع والفيلسوف الألماني يورغن هابرماس (Jürgen Habermas) على التاريخ والسوسيولوجيا معتبرا أن مفهوم الفضاء العمومي مفهوم تاريخي ومقولة تاريخية تستوجب البحث في شروط قيامها وتطورها التاريخي. وقد وضف هابرماس مفهوم “الأركيولوجيا” في عنوان كتابه الشهيرl’espace public)([7] لرصد دلالة مفهوم الفضاء العمومي من خلال:
- تكونه التاريخي.
- تحولاته المرتبطة بالوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
- وظيفته الأساسية: الحوار، الحجاج، الاقناع؛ أي دوره تواصلي.
إن معالجة هابرماس لمقولة الفضاء العمومي واكبه البحث في تشكّل العناصر الأساسية للفضاء العمومي ما بين القرنين السابع والثامن عشر بالموازاة مع ميلاد دولة حديثة، وانتصار الثورة الفرنسية، بحيث أصبح المجتمع الأوروبي ولأول مرة قائما على مبدأ “العمومة” وعلى ثقافة الحوار والمداولات العمومية حول الشأن العام، أي مناقشة القضايا العامة في المقاهي وعلى صفحات الجرائد والمجالات والأماكن العمومية والمؤسسات البرلمانية[8].
إذن، إنّ نموذج الدائرة العمومية في نظر هابرماس لم يعرف أوجه إلا مع الدولة الحديثة، ولم يتحقق التواصل بالمعنى السياسي إلا في العصر الحديث والانقسام الفعلي بين الدائرة العامة والدائرة الخاصة، بحيث تشكل المجتمع الرأسمالي الجديد وتشكلت الطبقة البرجوازية على هامش النظام الاقطاعي.
وفي كتابه الفضاء العمومي، قدم هابرماس دراسة سوسيوتاريخية لتحولات بنية الفضاء العمومي البرجوازي منذ بدايته إلى يومنا هذا. فلقد حدثت تغيرات في المجال العام مقارنة مع القرون الوسطى[9]. ولا يقتصر هابرماس في بحثه عن أركيولوجيا الفضاء العمومي على هذه المرحلة لوحدها، بل يعود إلى الفكر السياسي اليوناني الذي ميز بين الحياة الخاصة والعامة، بين نمط الوجود الخاص بالأسرة وبين نمط الوجود العام الذي يتمظهر في دائرة المدينة، أي الفضاء المشترك بين المواطنين الأحرار؛ فالحياة العامة تتحدد في الساحات العمومية وفي مجال الممارسة اليومية وفي المدينة وفي الأسواق وفي “الآغورا“(l’Agora) أي الساحات العمومية التي كانت تنعقد فيها المجالس البلدية في اليونان القديمة، وكما أن أرسطو قد ميز بين فضاء الأسرة وفضاء المدينة[10]، فالمدينة هي الفضاء أو الميدان الذي يلتقي فيه المواطنين الأحرار التقاء على أرضية سياسية وإيتيقية لتحقيق خير أسمى على حد تعبيره.
بالإضافة إلى ذلك، ثمة عوامل أخرى، ساهمت في تبلور مفهوم الفضاء العمومي باعتباره فضاءا نقديا. فقد ساهمت الصالونات الأدبية في توسيع هامش المناقشة النقدية، الشيء الذي جعل الفضاء العمومي “البرجوازي” كما هو فضاء نقدي تحرري، فضاءا ضد السلطة السياسية، باعتبارها تمثل معارضة للنظام السياسي القائم. ومع ظهور مؤسسات ووسائط إعلامية أخرى تجدرت هذه الروح النقدية في المجتمع الأوروبي، فكان لظهور الصحافة عنصر ثانِ في التحول الذي عرفه المجتمع الأوروبي بعد العلاقات التجارية ما قبل الرأسمالية وهي العلاقات التي كان لها تأثير وانعكاس على النظام السياسي والاجتماعي في أوروبا[11]. ومع تطور الصحافة وبروز المجالات في تعزيز هذا الفضاء، وفي نفس السياق ظهور المسرح الذي لعب دورا هاما في بلورة الفضاء العمومي النقدي، باعتبار الجميع قادرا على متابعة المسرحيات لأن القاعات الملكية أصبحت أماكن عمومية متاحة للجميع[12].
بعد هذا التوضيح التاريخي _ الإبستيمي حول تشكّل مفهوم الفضاء العمومي في ضوء الفكر الفلسفي والسياسي، يحق لنا، على ما يبدو، الانتقال إلى رصد مقولة الفضاء العمومي في عصر التنوير، كما تكّون مع الفيلسوف الألماني إمانويل كانط باعتباره في رأي هابرماس المؤصل والمؤسس للفضاء العمومي في الفلسفة السياسية الحديثة.
لقد بلور كانط في فلسفته مفهوم العمومية الذي ارتبط عنده بمفهوم النقد، وقد مثل هذا التأسيس الكانطي منطلقا للمراجعة الهيجيلية لفلسفة الحق والتاريخ ودفاعا لنقد الماركسي لمقولات الدولة البرجوازية، والخطاب الأيديولوجي ومفهوم حقوق الإنسان[13]. ولقد تجلت قراءة هابرماس لـكانط في كتابه الفضاء العمومي في إجابة كانط عن سؤال ما التنوير؟que est-ce que les lumières)) وتركيزه على التمييز الكانطي بين الاستعمال الخاص والاستعمال العمومي للعقل.
إن مبدأ “العمومية” وفقا لـكانط هو المبدأ الضامن لحرية الأفراد داخل المدينة وتمثل العمومية شرط الحق ومن دونها لا يمكن أن تحقق العدالة، لأنها حق لكل المواطنين ولا توجد حدود للعمومية إلا ما يحدّده العقل ذاته[14].
إذن، وحتى لا نغرق في هذا الحوار الفلسفة التاريخي، نرى كذلك أنه في الآن نفسه، أن هذا النقاش الفلسفي ليس متجاوزا بل عاملا مساعدا للتحليل في العلوم الاجتماعية، على اعتبار أن هذا النقاش يساعدنا في الانتقال من فلسفة المجال إلى “علم المجال”[15].
بناء على ذلك، وبالرغم من التوضيحات التاريخية السابقة، يبدو أن مفهوم المجال أو الفضاء العام تعرض للتهميش من طرف العلوم الاجتماعية، ولم يتم أشكلة نظرية الفضاء العمومي -على حد قول الفيلسوفة نانسي فريزر(Nancy Fraser)- إلا في العقود الأخيرة بفضل تنامي أهمية الظواهر العابرة للأمم، والمرتبطة بالعولمة، أو ما بعد الاستعمار أو بالتعددية الثقافية، حيث أصبح من الضروري بحث إمكانية وضرورة إعادة تشكيل نظرية الفضاء العمومي على أسس عابرة للأمم (دولية-عالمية). وهذا مردُّه إلى التحولات البنيوية للفضاء العمومي، والتي ستنتقل بنا إلى الحديث عن نظرية المجال الاجتماعي وعلم المجال.
إن النقاش، حول نظرية المجال الاجتماعي شغل ولا زال يشغل العديد من علماء الاجتماع والجغرافيين الذين يهتمون بالمجال كظاهرة اجتماعية.
فقد سبق لعالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركايم Emile Durkheim)) أن تطرق لمسألة المجال، حيث تناول المورفولوجيا الاجتماعية لغاية توضيح العلاقة بين الظاهرة الاجتماعية وبين المجال. وهنا ينبغي التذكير بأن دوركايم سبق وأن نبه من قبل “أن المجال أو بالأحرى استعمال المجال يعتبر من الوقائع الاجتماعية القليلة التي يمكن لعالم الاجتماع أن يحللها ويقسمها بشكل مباشر ذلك أن استعمال المجال ليس سوى محصلة للصراعات التي تتم على مستوى التنظيم الاجتماعي وأيضا نتيجة من نتائج تنزيل الإيديولوجيات والتمثلات الجماعية. ومن ثم فإن المجال و”المجال الحضري” بالخصوص يشكل الحقل الأفضل للملاحظة بالنسبة لعالم الاجتماع[16].
بهذا يمكن القول على أن هناك علاقة بين المسافة المجالية والمسافة الاجتماعية التي نبه دوركايم إلى ضرورة توضيحها.
ثالثا: التناول السوسيولوجي للمجال
الآن، ما هو المجال في حقل العلوم الاجتماعية والإنسانية؟
يعتبر مفهوم المجال من أكثر المفاهيم إشكالية، لما يحمله من غنى في الدلالة والإحياء، ولما يتصف به من تعقيد ومفارقة. ولعل أنجع السبل لمقاربة مفهوم المجال، المنهجية الشمولية الدينامية وحذر تعدد المحتوى، انطلاقا من أولية كون مفهوم المجال بؤرة تقاطعات لعدة معارف، من فلسفة ورياضيات وعلم النفس وجغرافيا واقتصاد، بل وأنثروبولوجيا وسوسيولوجيا، دون إغفال الفن والعمارة وعلم الجمال…[17] وهذا ما يضفي البعد الإشكالي العميق للمفهوم انطلاقا من تساؤلات متمفصلة حول دلالته العميقة والسطحية، ومدى مردودية توظيفه واستعماله نظريا وعمليا.
وإذا كان الفضل يعود إلى البحث الجغرافي والجغرافيين، في دراسة المجال أو الفضاء الحضري وإبراز خصوصياته ومشاكله، فإن باقي العلوم الاجتماعية الأخرى وعلى رأسها السوسيولوجيا فقد اهتمت هي الأخرى بمفهوم المجال، وفي هذا الإطار يميز عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو (Pierre Bourdieu) بين المجال الجغرافي (الفيزيقي) وبين المجال الاجتماعي وعلاقة الإنسان بهما وفيهما من خلال قوله: “إن الناس باعتبارهم أجسادا (أي أفراد بيولوجيين) وكائنات إنسانية مثلهم مثل الأشياء يتواجدون دوما في مكان ما ويحتلون جزء من المجال، ومن ثمة فإن مجال الإنسان هو المجال الاجتماعي الذي يتجلى بنيته في سياقات شتى إما في شكل تناقضات مجالية. أو في شكل مجال ممتلك يشتغل كتعبير عن رمزية تلقائية للمجال الاجتماعي. فكل مجتمع تراتبي ينتج بالضرورة مجالا تراتبيا يعبر عن الفوارق والمسافات الاجتماعية”[18].
لنبدأ بتوضيح هذه الفكرة، فقد ميز بورديو بين مفهوم المجال الاجتماعي (espace social)والحقل (champ)، وهما مفهومين مترادفين أو بمعنى آخر المجال هو امتداد للحقل. ويشتغل المجال الاجتماعي كنموذج علمي للعالم الاجتماعي، ويندمج بشكل نسقي في نظرية بورديو بكاملها. والمجال الفيزيقي لا ينبغي اعتباره يحيل إلى العلاقات والتمثلات المبنية موضوعيا والموجودة في العالم الاجتماعي. ثانيا، إن المجال الاجتماعي مجال واقعي؛ لأنه اجتماعي كباقي الأشياء الواقعية الآخرى[19].
هكذا، إن المجال الاجتماعي واقع اجتماعي يخضع لعملية بناء مزدوجة، أولا من طرف الفاعلين الاجتماعيين أنفسهم الذين يتصارعون من أجل فرض تعريفهم للعالم الاجتماعي؛ وثانيا من طرف الباحث السوسيولوجي الذي يعيد بناء الانتظامات الواقعية للحياة الاجتماعية بأدوات ومفاهيم سوسيولوجية بغية تأويله وتفسيره.
إن الأمر يتعلق هنا بتعريف المجال الاجتماعي من خلال رأس المال تحركه الرغبة في تسليط الضوء على علاقات السلطة بالخصوص، بمعنى أن المجال الاجتماعي ينقسم دوما إلى مناطق مهيمنة وأخرى مهيمن عليها[20]. ويعني ذلك أيضا أن المجال الاجتماعي يمثل في أن واحد مجالا للهيمنة ومجالا لمقاومة الهيمنة. فالمجال الاجتماعي حسب بورديو يشتغل كـ “حقل قوى”.
إن وصف بورديو للمجال الاجتماعي بـ “حقل قوة” يعني أن المجال الاجتماعي مجال سلطة موزعة بطريقة متفاوتة، فلكل فرد ثقل معين من الرأس المال يستعمله لتحسين موقعه، أو للحفاظ عليه. لهذا نجذ بورديو يستعمل الصورة الحربية “حقل الصراع” لتوضيح الفاعلين يتصارعون من أجل الحصول على مكان تحت الشمس. وقد سبق للاقتصادي وعالم الاجتماع الألماني كارل ماركس أن تطرق لهذه المسألة، لكن (كما أشارنا سابقا) أن بورديو طور أطروحة ماركس. فالجديد عند بورديو هو إلحاحه على فكرة أن البنيات، أي المجال الاجتماعي حقل قوة وصراع، هي التي ترغم الفاعلين على القيام بأفعال تنتهي بإنتاج ظاهرة الهيمنة. فهذا الكلام يوضح وبشكل كبير السؤال الذي طرحه بورديو وهو فهم لماذا يتقبل المهيمن عليهم الهيمنة التي يخضعون لها؟
إذن، يتقاطع مفهوم المجال، بشكل ضروري مع مفهومي رئيسين هما السلطة والرمز، إذ امتلاك المجال امتلاك السلطة، كما أن امتلاك السلطة امتلاك المجال، وامتلاك الرمز امتلاك السلطة والمجال، وبذلك يصبح الفعل المجالي فعل سلطة وثقافة رغم كون المجال يبدو غالبا محايدا ولا مباليا وهو سلوك مساعد في اقتصاد الطبيعة والسلطة[21].
وبالتالي، فالمجال الاجتماعي هو شكل من أشكال المجال. إنه المجالالذي يتشكل من العلاقات الاجتماعية. فالمجال الاجتماعي الذي بناه بورديو مجرد بناء فكري، بمعنى أنه واقع لا نراه بالعين المجردة في حياتنا الواقعية الملموسة.[22]
بعد استعراض العديد من النقاط النظرية لعالم الاجتماع الفرنسي بيير بروديو التي تناولت مفهوم المجال كبنية بالمعنى البنيوي للكلمة. ينبغي الآن أن نعيد التذكير بأننا في إطار إخضاع المفهوم للمراجعة ووضعه محط النقد الصارم للتأكيد من صلاحيته ودقته.
والملاحظ هنا، أن عملية التنظير لهذا المفهوم تنطلق من مقاربتين أساسيتين متناقضتين: الأولى من منطلق نظرية الفعل عند ماكس فيبر (Max weber). بمعنى الاهتمام الأكثر بالقيم ووضعية الفاعلين في المجال، هذا المجال هو نتيجة لأنشطة الفاعلين، فالأفراد ليسوا مقيدين بالمجال. وهنا أيضا نكتشف تصورين للمفهوم: “تصور وضعي” و”تصور فهمي”.
إن المقاربة الوضعية والتي تلتقي مع المقاربة الماركسية بصدد هذه المسألة. وتلتقي أيضا مع تصور دوركايم في كتابه “قواعد المنهج السوسيولوجي” إن ما يركز عليه دوركايم هو ضرورة إعطاء الأولية للبنيات الاجتماعية، لأن (المورفولوجيا الاجتماعية) ينبغي أن تكون هي المصدر الأول لتفسير ما يقع في المجال الاجتماعي[23]. وبالموازاة هناك سوسيولوجيا فهمية يتزعمها ماكس فيبر ويلتقي معه كل من رايمون بودون (Raymond Boudon) وجورج زيمل (Goerg Simmel). فرايمون بودون الذي يرى الفرد حر وفاعل عقلاني داخل المجال، ويتمثل هذا الإطار الفكري لرايمون بودون في ما يسمّى الفردية المنهجية(l’individualisme méthodologique)الذي يقول بأنه يجب فهم كل ظاهرة اجتماعية على أنها نتيجة لسلوكات أعمال شخصية[24]. وهذا الموقف نجده حتى إذا عدنا لجورج زيمل “إن المجتمع في رأي زيمل هو الاسم الذي يطلق على عدد من الأفراد المرتبطين في تفاعلات لا تتوقف بين بعضهم البعض. وليست البنيات الكبرى (الدولة، الأسرة، المدينة) سوى تبلورات لهذا التفاعل، حتى وان كانت تحقق استقلاليتها وتمارس إكراهات على الأفراد كما لو آنها قوى غريبة”[25]. وهذا الموقف يضع زيمل في تعارض مطلق مع دوركايم الذي يعتبر المجتمع كيانا فريدا من نوعه ومستقلا بذاته ومتعاليا عن الأفراد.
وعلى غرار جميع علماء الاجتماع السابقيين، يرى هنري لوفيفير (Henri Lefebvre) أن دلالات مفهوم المجال متعددة. إذ يرى أن هناك عدة مناهج وعدة مقاربات لتناول المجال، وذلك على عدة مستويات من التفكير؛ الشيء الذي يجعل من لوفيفر يطرح التساؤل التالي: ما المجال إذن؟ وما هو الوضع النظري لمفهوم المجال؟
نحن كذلك سوف نتساءل: إذا ما كان التناول السوسيولوجي سيقارب المجال أو الفضاء العام في بعده المادي فقط فلا فائدة من هذا التناول السوسيولوجي وما الإضافة التي سيقدمها؟
بناء على هذا التساؤل وانطلاقا من التصور الماركسي، يرى أصحاب هذا الاتجاه أن المجال كمجال محض غير موجود، وأنه ليس إلا منتوجا اجتماعيا. ولذلك نجد أن تحليل المجال يشكل الموضوع الرئيسي بالنسبة للسوسيولوجيا الحضرية عند أصحاب هذا الاتجاه.
ويمثل هنري لوفيفر واحد من أعمدة هذا الاتجاه بل واحد من أعمدة الفكر السوسيولوجي الذين اهتموا بالمجال بمختلف تلويناته، حيث حاول إعادة النظر في العديد من الأطروحات التي تناولت المجال باعتباره يحمل طابع فيزيقي أو جغرافي، ثم انطلق من هنا لإعادة الاعتبار للبعد الاجتماعي داخل المجال. وتمثل أطروحة “إنتاج المجال”[26](La production de l’espace)لهنري لوفيفر حجر الأساس في فهم رهانات المجال والفاعلين وكذلك في فهم وضعية المجال على المستوى الإبستيمولوجي، بمعنى معرفة العلوم التي من الممكن أن تكون أرضية خصبة لفهم المجال.
يمكن القول، أن الفكرة الأساسية التي ينطوي عليها الكتاب “إنتاج المجال” هي كون المجال حقل للدراسة لمجموعة من العلوم، وأنه من بين هذه العلوم من تدرس المجال بشكل ذهني تجريدي ولا تقدم طرحا واقعيا للمجال، ولا تخوض في عمق المجال ومعطياته قصد تفكيكه وإعادة بناءه بل تكتفي بتنظير ذهني لا يلامس الواقع. من هذه النقطة سينطلق هنري لوفيفر من أجل دحض هذا الطرح ومحاولة التأسيس لفكرة مفادها أن المجال يجب أن يدرس واقعيا وأن ننتقل من المجال الذهني إلى التطبيق النظري للمجال[27]. ثم سيحاول بعدما رصد كيف انتقلنا إلى علوم المجال أو التعمير الذي يكتسي طابعا إيديولوجيا وسياسيا وعلاقة الرأسمالية بالمجال ورهاناتها انطلاقا من المجال. وارتباطا بكل هذا يوجه لوفيفر نقده للرياضيين باعتبارهم يخلقون مجالا ذهنيا غير متناهي ومجرد وخاضع للهندسة الأوقليدية، من هنا بدأت تتسع الهوة بين الرياضيات والمجال الواقعي، و لا ننسى أيضا أنه آنداك كانت هناك مجموعة من العلوم التي استطاعت التأسيس للمجال كشيء ذهني محض وخلقت العديد من المجالات (مجال الأحلام، مجال التحليل النفسي، المجال الأدبي…).
بصفة عامة، يدعو لوفيفر إلى الشمول دون التجزئة والجمع دون التفكيك، فعندما أصبحت العلوم منقسمة بشكل كبير، وهذا أثر على دراسة المجال، بمعنى أن كل علم يدرس جزء صغير من المجال وهذه النظرة بالطبع تنبع من الخلفية الأيديولوجية لهنري لوفيفر باعتباره ماركسي بنيوي، حيث يستمد أفكاره من النظرية الماركسية من خلال ثنائية “البنية التحتية والفوقية”. لكن لوفيفر تجاوز هذه الثنائية وربط بين الفضاء العقلي و الفضاء الاجتماعي. ويخلص بالقول إلى أن هناك “حقيقة المجال وليس هناك مجال حقيقي“، والذي يدافع عنه لوفيفر هو قلب هذا التصور ولن يتحقق ذلك إلا بتكاثف كل العلوم بما في ذلك الفلسفة والعلوم “الحقة”.
انطلاقا من هذا التصور، وسيرا على نهج النظرية النقدية ينتهي لوفيفر بطرح ما يسمى بـ “الثلاثية المجالية” أو نظرية الترياليكتك:
- الممارسة المجالية: تضم الإنتاج وإعادة الإنتاج، كل شيء اجتماعي وكل مجتمع ينتج مجاله الخاص من خلال الممارسات المجالية.
- تمثلات المجال: لكل مجتمع حسب لوفيفر تمثلات حول المجال، هذه التمثلات لديها وظائف؛ أي مرجعية الأفراد لتوظيف سلوكياتهم داخل المجال الاجتماعي، ويمكن تلخيص هذه التمثلات عند لوفيفر في ثلاث نقاط رئيسية: المعرفة، الرموز والعلاقات.
- مجال التمثلات: ويقصد به؛ المجال الخفي في المجتمع، وهو الجانب الثقافي الذي نعبر عليه من خلال الرموز والفن والعادات والمسرح والموسيقى…
فالمجال بهذا المعنى هو منتوج اجتماعي و أداة للتفكير والفعل، ومن أهم نتائج هذا التصور؛ أن المجال الطبيعي يصبح ثانوي؛ المجال هو علاقات داخل المجتمع؛ ننطلق من المجتمع “كفيزيقي” ونتجاوزه؛ تصبح الأشياء الطبيعية في المجال رموزا؛ كل مجتمع (كل نمط إنتاج ينتج مجاله) وكلما تغير نمط الإنتاج تغير المجال الاجتماعي.
على هذا الأساس، وبالنظر إلى الرغبة التي تحدونا في توسيع النقاش، ثمة مسألة في غاية الأهمية، وهي أن الفضاء العام يمكن النظر إليه كذلك من منطلق “سوسيولوجيا الفضاءات الحضرية العامة”[28]، أي مختلف أنماط المجالات العامة والخاصة التي يمارس فيها “الحضريون” حياتهم العادية. وهذا ليس مجالا مجردا، بل هو مجال “مبني” ماديا وذهنيا في نفس الوقت. ذلك أن “الجماعة ما أن تستقر في جزء من المجال حتى تشرع في تحويله بحسب تصورها الخاص لما ينبغي أن يكون عليه هذا المجال، لكن هذه الجماعة في نفس الوقت تخضع وتتأقلم مع الأشياء المادية التي تقاومها، إنها تتحصن في الإطار الذي بنته (…). إن المكان يتغير تحت تأثير الجماعة كما أنها بدورها تتأثر به”[29].
إذا أردنا، أن نجمل هذه الأفكار، سنقول أن الفضاء العام يتم تعريفه انطلاقا من صعوبة مواجهة رؤيتين رئيسيتين الذي تدافع عنهما العلوم الاجتماعية: المجال العام والفضاءات المتاحة للعموم؛ يمكن تلخيص الرؤية الأولى من جانب مفهوم المحادثة والنقاش العام (Habermas, 1992) في حين أن الرؤية الثانية أفضل ما قيل عنه -المجال العام- بوصفه للحركية. فالأول يثير السؤال المهم المتمثل بالديمقراطية التشاركية، في حين تثير الفضاءات العامة المزيد من الاهتمام لفكرة الحريات الفردية، ولا سيما في شكل “الحق في المدينة” (Lefebvre, 1974). ويتناول كلا المنهجين أو الرؤيتين أيضا مسألة شكل المدينة لكل من السكان، ومن حيث نوعية الحياة الاجتماعية.
ويذهب بعض الباحثين إلى وضع الفضاء العام مع الحق في المدينة[30] بشكل متساوي جنيا إلى جنب. وقد عمم هذا التعبير في الأصل هنري لوفيفير الذي كان يدافع عن سيطرة أو “تملك” أفضل للسكان على إنتاج فضاءاتهم اليومية[31]. وفي الآونة الأخيرة، أخذ الحق في المدينة بعدا أكثر تركيزا حيث يركز على الإمكان البدني البحث للولوج إلى فضاءات معينة من طرف فئات محددة من السكان.
بناء على ذلك، لايزال من الضروري معرفة ما المقصود بالمجال؟ وهذا يدعونا إلى الفحص لاستخدامات المفهوم في العلوم الاجتماعية. واحد منهم هو البحث عن التملك الحصري للفضاء العام؛ عنصر التحكم المادي عندما تمنع الحدود الجماعية الوصول إلى الآخر أو تحظره فعليا. وهذه الاعتمادات المادية مألوفة لإبطال النزاعات الاجتماعية الذين غالبا ما يكون الفضاء موضوعا لعلاقات القوة[32]. وبالتالي، هناك مجموعة من أشكال التملك للفضاء العام؛ الرمزي Symbolique)): عندما تهدف مجموعة ما إلى ممارسة اجتماعية داخل الفضاء (التعليم، الكلام، التبادل التخاطبي، الموسيقى، الفن…). ومن جهة أخرى؛ البعد المادي (Matérielle) الذي يمثل الموقع الجغرافي (مكان، مقر حزب، وغيره…).
- تملك المجال: بأي معنى؟
لفهم أو للإجابة عن هذا التساؤل لابد من الرجوع إلى بعض الإسهامات المهمة حول علاقة الفضاء العام وكيفية تملكه، على سبيل المثال، نجد أعمال الفيلسوف الفرنسي ميشل فوكو (Michel Foucault) التي تمثل حجر أساس في فهم هذا الشق من المقال، دون إغفال أعمال هنري لوفيفير وآخرين، لقد ركزت هذه الإسهامات على كيفية احتلال الفضاء بواسطة القوة، على سبيل المثال، فقد أوضحت هذه الكتابات كيف أن السجن الحديث أو التقسيم المكاني للشوارع والأزقة قد تم للتحكُّم في أجساد البشر (الطريقة التي نتحرك أو نسير بها في الأماكن العامة، وما شابه ذلك)؛ كما أوضحت أن التخصص المكاني داخل المنزل، هو تخصص وظيفي (مثل فصل المطبخ، وحجرات النوم، وحجرات الجلوس) ذلك التخصص الذي يهدف إلى التهذيب والخضوع؛ وأوضحت أيضا كيف أن الشوارع العريضة والمفتوحة (كفضاءات شفافة) تهدف إلى الحد من أحداث الشغب عن طريق كشف المحتجين لرقابة السلطة.
الشيء الذي يجعل الفاعليين الاجتماعيين يعطون معنى للمجال الذي يتعارض مع السلطة. بمعنى آخر؛ أن هناك تضارب الرؤى للمجال بين السلطة والفاعليين. أو حسب ما عبر عنه ميشال دو سارتو(Michel de Certeau) بـ”ثنائية الاستراتيجية والتكتيكية”[33] أي أن هناك استراتيجية من طرف السلطة “لتدبير” و”تسيير” المجال، لكن هناك هفوات من طرف السلطة، والفاعلون الاجتماعيون يستغلون تلك الهفوات لإعطاء معنى للمجال.
يتوجه فكر ميشال دو سارتو نحو بناء تصور للفضاء العمومي وفقا لهذه الثنائية. وتعمل هذه الثنائية -الاستراتيجية والتكتيكية- بوصفها طريقة داخل الممارسات اليومية للفاعلين في “نظم السلوك الاجتماعي”. في عرض وجه التضاد بين عالمين مختلفين في البيئة السوسيولوجية، يحاول دو سارتو أن ينجز مقاربة مقارنة للفضاء العمومي بين استراتيجية السلطة وتكتيكية الفاعلين؛ الاستراتيجية نسق يرصد الممارسات والتمثلات، والتكتيكية فعل مقاومة لهذا النسق.
يستحضر ميشال دو سارتو مفهوم الاستراتيجية(Stratégie)وهو في المقام الأول مفهوما مستعارا من علم الحرب، ويتبنى دو سارتو هذا التعريف، بنقله من علم الحرب إلى الممارسات اليومية الاجتماعية بما أنه يتصور المجتمع بوصفه حقلا للصراع. وبالتالي، يحيل مفهوم الاستراتيجية إلى فكرة وجود نسق أكثر تماسكا أو أقل ومتناظم النسق تخضع له جملة الممارسات والتمثلات. أمام هذا النسق، تقوم التكيتكية(Tactique) كمقاومة في صيغة التردد على الأماكن و”إحتلالها” لهذا النسق.
أخيرا، نفهم التحليل الذي أعطاه كل من ميشال دو سارتو وميشل فوكو وهنري لوفيفر. فعندما نعرض مسألة الممارسات اليومية لهؤلاء الفاعليين، بمعنى العمليات والأنشطة اليومية، فإننا نسلط الضو على مشكل الصراع بين الفاعليين والسلطة. هذا ما تبيّنه مثلا الإبستيمولوجيا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مع ماركس وفرويد. لا يمكن إجراء أي تحليل (علمي أو نقدي) بغض النظر عن الصراع. فالصراع هو أمر أساسي مثل الأبعاد الاقتصادية والأخلاقية والاجتماعية للممارسات اليومية.
يبدو أن أفكار ميشال دو سارتو حول الصراع تتوافق مع ما نجده في الفكر القديم، خصوصا مع هيرقليطس الذي يرى أن الصراع “أب كلّ الأشياء”. وهذا ما نلمسه في هذه الثنائية، فليس للتكتيكية من مكان سوى مكان الآخر. فهي تؤدي أدوارها داخل نص الآخر أو نسقه. فهي تتسلّل فيه تسللا متشظيا دون أن تقبض عليه تماما، بمعنى دون أن تستبعده. أو بمعنى أكثر دقة؛ إن التكتيكية التي يستعملوها الفاعلون الاجتماعيون تلعب في ميدان ما يفرضه القانون -أي قانون الاستراتيجية-. وفي هذا الصدد يقول دو سارتو أيضا: إمكانية أن يستفيد الضعيف Faible)) من القوى (Fort)، فجأة وفي ظرف قياسي، هناك فرصة لقلب الوضع لمصلحته. تقدم التكتيكية كـ “دخيل” يشغل ميدانا ليس ملكه.
فالتكتيكية لا تقدم نظرة شاملة، فهي حركة باطئة وصامتة، في تعارض مع العلو -العلو هنا نقصود به الاستراتيجية- من زاوية تلك النظرة التي تحتضن الحجر الكامل. وتمثل التكيتيكة فضاء دون قاعدة صلبة.
بناء على قاعدة التحليل بين مفهومي الاستراتيجية والتكتيكية، يبُنى “الفضاء العمومي “بالأسلوب نفسه. لكن إذا تقدمنا بفكرة أن الفضاء العمومي يمثل التكيتيكة، أي يمثل الفاعليين الاجتماعيين، ماذا يمكن أن نعدّ الاستراتيجية؟ هل هي الدولة؟ أم الإدارة؟ أم الشرطة؟
يرى أغلب المهتمين بالمجال، أن ما يميز المجال اليوم هو بعده سياسي وحضوره القوي في ذهن الأفراد. وفي هذا الصدد نستحضر واحدة من أهم المقالات التي حاولت أن تسائل المجال الحضري أو “الأيديولوجيا الحضرية” كما عبر عنها هنري لوفيفر. هذه المقالة المعنونة بـ “الأيديولوجيا واليوتوبيا”[34]. استحضارنا لهذه المقالة، يعني استحضار رؤية هنري لوفيفر، هذا الأخير ينتقد ما أسماه بالأيديولوجيا الحضرية المتمثلة في وضع قوانين سلطوية على الأفراد قصد التحكم فيهم في المجال. بهذه الرؤية، وبهذه العين الثاقبة لعالم الاجتماع الفرنسي هنري لوفيفر يمكن لنا قراءة المجال قراءة نقدية، وكذا فهم العلاقات الاجتماعية المتأصلة في المجال، هذه العلاقة الاجتماعية التي توجد بين الفاعليين الاجتماعيين والسلطة، هي علاقة مبنية على المقاومة المجالية والسلطة في الوقت نفسه. ولتوضيح الفكرة؛ فقد ركز هنري لوفيفر على تحليل وانتقاد الدولة لوضعها الإنتاج الرأسمالي والأيديولوجي للمجال الحضري، الشيء الذي جعله يسلط الضوء على الجانب السياسي للفضاء الحضري، ويمكن تلخيص ذلك في المقولة التالي: “الفضاء الحضري؛ كإنتاج سياسي وكأداة ممكنة للتغير”.
خلاصة تركيبية:
على سبيل الختم، يمكن القول أن الفضاء العام، شأنه شأن الحق في المدينة أو المجتمع، وهذا راجع إلى قدرته على التأثير في صنع السياسات وفي النقاشات العامة ومسارات التغيير الاجتماعي، ومما يزيد الأمر تعقيدا، عودة وظهور مفهوم الفضاء العام في العقد الماضي بكونه مفهوما أساسيا. وعلى سبيل المثال مقالة إمانويل كانط عن التنوير، وهو الأمر الذي يحيل على ما قدمه هابرماس، على الرغم من تطويره للفكرة يستند إلى حد كبير إلى المجتمعات الأوروبية، وهو في نظر الكثيرون مرتبط بظهور شكل معين من المجتمع البرجوازي وبالخطاب العقلاني/النقدي، هذا من جهة. ومن جهة ثانية، إن مقولة الفضاء العام لا تنفصل عن مقولة المجال والحق في المدينة، بل نجدها مكملة لها.
وفي الآخير، نقول، إن علاقة الإنسان بالفضاء العام علاقة معقدة، تلزمنا بالابتعاد عن أي تبسيط أو اختزال. فالفضاء العام هو المشترك بين الدول والشعوب وحدود السماح بالحركة في المعمورة بوصفها ملكا للبشرية وليست لشعب دون شعب آخر، الشيء الذي يدفعنا إلى الختم بأسئلة تبقى مفتوحة مستقبلا: من يشارك في الفضاء العام؟ من له سهم؟ ومن المهمش الذي لاصوت له؟
قائمة المراجع:
1.بن محمد قسطاني: ما هو المجال؟ (الأمم… حيوانات واسعة ينسجم تنظيمها مع بيئتها) بودلير، مجلة فكر ونقد، العدد 22.
2.بيير بورديو: بؤس العالم: أثار المكان، الجزء الأول، ترجمة سلمان حرفوش، مراجعة وتقديم، فيصل دراج، دار كنعان، 2010.
- جورج زيمل: الفرد والمجتمع: المشكلات الأساسية للسوسيولوجيا، ترجمة وتقديم حسن احجيج، رؤية للنشر والتوزيع، مصر، ط1، 2017.
4.حسن احجيج: نظرية العالم الاجتماعي: قواعد الممارسة السوسيولوجية عند بيير بورديو، مؤسسة مؤمنون بلاحدود، الرباط، ط1، 2019.
5.دافيد هارفي: مُدن مُتمرّدة: من الحقّ في المدينة إلى ثورة الحَضَر، ترجمة لبنى صبري، بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والترجمة، ط1،2018.
6.ستيفانتونيلا: سوسيولوجيا الفضاءات الحضرية العامة ترجمة إدريس الغزواني، مجلة إضافات، العدد 46، جامعة محمد الخامس، الرباط، 2019.
- عبد الرحمن المالكي: الثقافة والمجال: دراسة في سوسيولوجيا التحضر والهجرة في المغرب، منشورات مختبر سوسيولوجيا التمنية الاجتماعية، ط1، 2018.
- عبد السلام الأشهب: أخلاقيات المناقشة في فلسفة التواصل لدى هابرماس، دار للنشر والتوزيع، الأردن، ط1، 2003.
9.محمد سبيلا: مدارات الحداثة: مقالات في الفكر المعاصر، منشورات عكاظ، الرباط، 1988.
10.محمد شوقي الزين، الفضاء العمومي المغربي في فرنسا اليوم رؤية مفكر فرنسي: ميشال دو سارتو، ترجمة محمد أمين بن جيلالي، مجلة تبيان، العدد
11.محمد نورالدين أفاية: الحداثة والتواصل في الفلسفة الغربية المعاصرة، إفريقيا الشرق، المغرب، ط2، 1998.
.12هناء علالي مصطفى كيحل: الفضاء العمومي ودوره في تفعيل الفكر التواصلي عند هابرماس قسم الفلسفة، مجلة التواصل، كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة باجي مختار-عنابة-، العدد50، تونس، 2017.5-21، 2017.
.13G.Busquet:” L’espace politique chez henri lefebvre: l’idéologie et l’utopie”, UMR LAVUE (Mosaiques), Univeristé Paris Ouest Nanterre. Archivers-ouvertes, 2012.
14.H. Lefebvre :”La production de l’espace”, In: L’Homme et la société, N. 31-32, Sociologie de la connaissance marxisme et anthropologie, 1974.
15.J. Habermas:”l’espace public: Archéologie de la publicité comme dimension constitutive de la société bourgeoise”, traduit de l’allemand par, Marc B Launay, ed Payot, Paris, 1992.
- L. Raymond : “la forme et le sens dans la société”, Ed. Librairie des Méridiens, Paris, 1984.
- 17. M. Low:”Sociologie de l’espace”, Traduit de l’allemand par Didier Renault, Edition de la maison des sciences de l’home, Paris, 2015.
18.S. Tonnelat:”the sociology of urban public spaces“, In wang Hongyang, Savy michel and Goufang (EDS), Tarraitionail evoulution china and france, Atlantis Press, Paris, 2010.
[1]– محمد عابد الجابري: مدخل إلى فلسفة العلوم: العقلانية المعاصرة وتصور الفكر العلمي، مركز دراسات الوحدة العربية، الدار البيضاء، بيروت،ط2،1982، ص 18.
[2]– الأصولية: مفهوم يطلقها جورج غرفتش على “الإبستيمولوجيا”. للمزيد ينظر:
جورج غرفتش، الأطر الاجتماعية للمعرفة، ترجمة خليل أحمد خليل، الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، 1983، ص 25.
[3]– R.Ledrut:“la forme et le sens dans la société”, Ed. Librairie des Méridiens, Paris, 1948, pp 107-112.
[4]– عبد الرحمن المالكي: الثقافة والمجال: دراسة في سوسيولوجيا التحضر والهجرة في المغرب، منشورات مختبر سوسيولوجيا التنمية الاجتماعية،ط1، 2015، ص 52.
[5]– الحديث هنا عن مجموعة من الاختراعات، منها: أحداث تقنية: 1816 أول صورة؛ 1829 قاطرة بسرعة 52 كلم/س؛ 1867 أول دراجة؛ 1879 اديسون المصباح الكهربائي؛ 1883 أول تراموي كهربائي؛ 1885 أول سيارة؛ 1890 أول مترو في لندن؛ 1894 الصورة المتحركة. أحداث علمية: 1858 داروين أصل الانواع؛ 1867 ماركس رأس المال… للمزيد أنظر:
محمد سبيلا، مدارات الحداثة: مقالات في الفكر المعاصر، منشورات عكاظ، الرباط، المغرب، 1988، ص183.
[6]– M.Löw: “sociologie de l’espace”, Traduit de l’allemand par Didier Renault, Edition de la maison des sciences de l’homme, Paris, 2015,p 19.
[7]– J.Habermas: “l’espace public: archéologie de la publicité comme dimension constitutive de la société bourgeoise”, traduit de l’allemand par, Marc B Launay, ed Payot, Paris. 1992.
– عبد السلام الأشهب: أخلاقيات المناقشة في فلسفة التواصل لدى هابرماس، الأردنية للنشر والتوزيع، ط1، 2003، ص 164.[8]
[9]– هنا لابد من الإشارة إلى أن نفس الملاحظة يمكننا أن نسجلها في العصر الوسيط، هذا العصر الذي لعب دور كبير في اغناء النقاش ليس فقط حول مفهوم الفضاء العام، بل في جميع العلوم. وبهذا، يمكن القول أن المجال أو الفضاء العام أخذ فهم جديد وفق التغييرات والتحولات التي حصلت نتيجة تطور العلوم، فالفضاء في العصر الوسيط كان يتميز بالتراتبية (المقدس/المدنس، مجالات حضرية/قروية…). فالتراتبية هي الميزة لمفهوم الفضاء في العصر الوسيط، وهو فضاء المعرفة الموقعة؛ أي موقع الأشياء في المجال، هذه الواقعة ناتجة عن أعمال الفيزيائي جاليلي. إلا أنه ابتداءا من القرن 17 أصبح المجال ممتد على حد قول ميشل فوكو. هذا التحول ظهر معه شبكة من العلاقات على شكل شجرة وعلاقات الجوار. فالأساسي في هذا الحدث بالنسبة لنا= =هو تغير البراديغم ونزع الطابع المقدس “للمكان”. فالمجال أصبح يقدم نفسه لنا على شكل تراتبيات وليس على شكل مواقع. ورغم هذا التحول إلا أنه ثمة هناك تناقضات، أي حضور ثنائية العام والخاص، هذه التناقضات لا زالت تطغى عليها المقدسات. وبهذا، فتناولنا لمفهوم الفضاء في العصر الوسيط والتحول الذي طرأ عليه بعد القرن 17. سنجد أننا ننتقل تلقائيا إلى تناول مسألة المجال المعاصر، وهو فضاء الادراك الأولي وفضاء الأحلام واليوتوبيات(صور الحياة السعيدة) والشغف والسيولة بالمعنى الصريح للكلمة كما عبر عنها زيجمونت باومان.
[10]– هناء علالي، مصطفى كيحل: الفضاء العمومي ودوره في تفعيل الفكر التواصلي عند هابرماس، مجلة التواصل، عدد 50، 2017 قسم الفلسفة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة باجي مختار-عنابة-، ص 190.
[11]– J.Habermas: op. cit, p 38.
[12]– Ibid., p16.
-عبد السلام حيدوري: الفضاء العام ومطلب حقوق الإنسان: هابرماس نموذجا، دار نهي، صفاقس، 2002، ص 82.[13]
[14]– محمد نورالدينأفاية: الحداثة والتواصل في الفلسفة الغربية المعاصرة، إفريقيا الشرق، المغرب،ط2،1989، ص 100.
[15]– هنا لابد أن نشير، إلى أن هذا الانتقال راجع بالأساس، إلى الإبستيمولوجيا المعاصرة التي أحدثت رجة في تطور المكان، وذلك إثر الثورات الرياضية والفيزيائية، خصوصا مع نظريتي الكوانتا والنسبية. وهي الخلفية المعرفية التي جعلتنا ننتقل من الحديث عن مفهوم المكان إلى مفهوم المجال، وأعطت للمجال وجاهة نسبية… للمزيد ينظر:
بن محمد قسطاني، ما هو المجال؟ (الأمم… حيوانات واسعة ينسجم تنظيمها مع بيئتها) بودلير، مجلة فكر ونقد، العدد 22.
-عبد الرحمن المالكي، المرجع نفسه، ص 57.[16]
-بن محمد قسطاني، المرجع نفسه. [17]
[18]– بيير بورديو: بؤس العالم: اثار المكان(الجزء الاول)، ترجمة: سلمان حرفوش، مراجعة وتقديم، فيصل دراج، دار كنعان، 2010، ص 249.
[19]– حسن احجيج: نظرية العالم الاجتماعي: قواعد الممارسة السوسيولوجية عند بيير بورديو، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، ط1، 2018، ص 102.
-بن محمد قسطاني، المرجع نفسه.[21]
– بيير بورديو، المرجع نفسه، ص 251. [22]
[23]– E.Durkheim: “les règles de la méthode sociologie”, Quadrige (9) Grands Texte, Paris, 1984, PUF,2007.
-محمود الذوادي: علم الاجتماع كعلم، مجلة إضافات، العدد 15، 2011، ص 187.[24]
[25]– جورج زيمل: الفرد والمجتمع: المشكلات الاساسية للسوسيولوجيا، ترجمة وتقديم حسن احجيج، رؤية للنشر والتوزيع، ط 1، 207، ص 19.
[26]– H.Lefebvre: “La production de l’espace”,In: L’Homme et la société, N. 31-32, Sociologie de la connaissance marxisme et anthropologie, 1974 , p 15.
[27]– Ibid., p20.
[28]– ستيفانتونيلا: سوسيولوجيا الفضاءات الحضرية العامة، مجلة إضافات، العدد الرابع، ترجمة إدريس الغزواني، جامعة محمد الخامس، الرباط، 2017.
– عبد الرحمن المالكي، المرجع نفسه، ص 54. [29]
[30]– الحق في المدينة مفهوم يناقشه هنري لوفيفر في أطروحته “الحق في المدينة“، واهتمت بالأمر عدة جمعيات وتنظيمات وعدة مفكرين -ومنهم دافيد هارفي-وظهرت العديد منالكتابات بل والمواثيق الدولية التي تدعم هذا الحق وتكلفه. وتُوّجت هذه الجهود بصدور “الميثاق العالمي للحق في==المدينة” في المنتدى الاجتماعي العالمي الثالث في بورتو أليغري في كانون الثاني/يناير 2003. وفي هذا الميثاق الذي تقع ترجمته العربية في ست صفحات يُعرّف الحق في المدينة بأنه يشمل: “الحقوق الانسانية المعترف بها دوليا للسكن، الأمن الاجتماعي، العمل، مستوى العيش ملائم، الترفيه، المعلومات، التنظيم وحرية التجمع، الماء والغذاء، الثقافة، الخصوصية، والأمن، بيئة آمنة وصحية، التعويض والعلاج القانوني في حالة التعرض للانتهاك وإجمالي الحقوق الإنسانية المتفق عليها والمكفولة التي يتم ضمانها لكل البشر في كافة الظروف”. إنه يهدف إلى الانتفاع العالمي بالمدينة، احترام التنوع بها، حماية التاريخ والهوية الثقافية، وحياة مجتمعية سالمة، إن الحق في المدينة هو إطار عمل لمشاركة المواطنين المتساوية في تحديد تنمية وتطوير البيئة الحضرية… للمزيد ينظر:
دافيد هارفي، مُدن مُتمرّدة: من الحقّ في المدينة إلى ثورة الحَضَر، ترجمة لبنى صبري، بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والترجمة، ط1،2018، ص 9-10.
[31]– Ibid., p 7.
[32]– محمد شوقي الزين: الفضاء العمومي المغربي في فرنسا اليوم رؤية مفكر فرنسي: ميشال دو سارتو، مجلة تبيان، العدد 5/21، ترجمة محمد أمين بن جيلالي. 2017، نص المقالة الأصلية: دراسة نُشرت بالفرنسية في كتاب جماعي هو تتويج لملتقى دولي عنوانه الفضاءات العمومية في البلدان المغاربية، (أيام 15-16-17 آذار/مارس 2011)، بإشراف مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، (وهران، الجزائر) ومختبر دراسات مغاربية (جامعة تونس)، والدراسة بالفرنسية، ينظر:
- M. Chaouki Zine: “L’espace public maghrébin en France d’aujourd’hui. Le regard d’un intellectuel francais: Michel de Certau”, in: Les espaces publics au Maghreb, sous la direction de Hassan Remaoun et Abdelhamid Henia (Oran: CRASC et Diraset), 2013,pp79-91.
[33]– ميشال دو سارتو: ابتكار الحياة اليومية: فنون الأداء العملي، ترجمة محمد شوقي الزين، دار الأمان، منشورات الاختلاف، الرباط، ط1، 2011، ص 250.
[34]– B. Grégory: “L’espace politique chez henri lefebvre: l’idéologie et l’utopie”, UMR LAVUE (Mosaiques), Univeristé Paris Ouest Nanterre. Archivers-ouvertes.fr, 2012,p 3.