
الكتابة بلغة “الآخر” :صيرورة تجاذب وتفاعل.
Writing in the language of the “other”: A process of interaction and attraction
عبد العزيز ضويو، أستاذ باحث بجامعة السلطان مولاي اسماعيل ببني ملال ـ المغرب
ABDELAZIZ DOUIOU,Research Professor in Univirsity of Sultan Moulay Slimane in Beni_Mellal. Morocco
مقال منشور في حمل من هنا: مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 59 الصفحة 47.
ملخص تطرح هذه الدراسة قضايا الكتابة الأدبية بلغة ” الآخر”. وهي قضايا قديمة تجد مسوغات طرحها من جديد في تجدد النقاش حول أسئلة العلاقة المعقدة مع “الغير” الثقافي، وما يرتبط بذلك من قضايا الهوية، والثقافة الوطنية، والحوار الحضاري . وللأمر دوافع سياسية وثقافية ترهن الذات الكاتبة لاتجاه لغوي لا يخلو من تجاذبات وتوترات وتفاعلات، ترتبط في مجملها بأسئلة الهوية، وما تثيره ذلك من هواجس توقها للخروج من التبعية الثقافية التي كرسها التاريخ الاستعماري .لجأ الكثير من الكتاب في الأزمنة الحديثة إلى الكتابة بغير لغتهم الأصلية . وقد يعود ذلك إلى انحسار دائرة إشعاع هذه اللغة، فتغدو لغة “الآخر” أمرا حيويا تفرضه سياقات الهيمنة الثقافية، خاصة إذا كانت هذه اللغة لغة المستعمر أو المهيمن ثقافيا واقتصاديا . ولنا في تجربة الكتابة الأدبية باللغة الفرنسية في منطقة المغرب العربي نموذجا لرصد الذات الكاتبة، وهي تخوض صراع إثبات الذات والجماعة بلغة المستعمر ذاتها، مع ما صاحب ذلك من توترات سيكولوجية عصيبة. الكلمات المفتاح : اللغة ـ الاخر ـ الهوية ـ الهيمنة. التجاذب.Abstract
This study presents the issues of literary writing in the language of the “other”. These are old issues that are justified in renewing the debate on the questions of the complex relationship with “others” cultural, with what relates issues of identity, national culture and civilizational dialogue. This matter has politically and culturally motivations obliging the writer’s self to choose linguistic direction not without tugging , tensions, and interactions, which are a link in its entirety with questions of original identity, with what arouses obsessions of its tendency to emerge from the cultural subordination consolidated by colonial history.
A lot of writers in the contemporary era have had recourse to writing in the others’ language . that may be linked to the limitation of the native language outreach, the other’s language remains vital, being by the context of cultural domination, especially when this language is the colonist’s or culturally and economically dominant. Concerning the experience of writing in French we have an example for tracking the writing self in the Arab Maghreb. It struggles to assert the self and community in the language of the colonist itself with what the accompanying Stressful psychological tensions..
Keywords: language _ Other – Identity – Domination- Attraction
1 ـ تأطير الموضوع
لعل إعادة طرح سؤال “الكتابة الأدبية بغير اللغة الأصلية” يجد مسوغاته في تجدد النقاش حول القضايا التي ترتبط بالهوية والثقافة والحوار الحضاري، ولا يخفى الزخم المعرفي الذي حف بهذا السؤال ضمن ما عرف بالدراسات الكولونيالية، أو الدراسات “ما بعد الاستعمار” التي أسس دعائمها المعرفية المفكر ادوارد سعيد([1]) والتي انشغلت، إضافة إلى تفكيك الأنساق الثقافية في النتاج الأدبي الفكري والغربي حول الشرق عموما، بوضعية الثقافات المحلية وتأثرها بالثقافات الاستعمارية وبأشكال مقاومتها لها . غير أن ما يغرينا بعمق في هذا السياق يرتبط باستعادة مواقف “الأنا” الكاتبة ونظرتها لذاتها ومجتمعها وللعمل الثقافي بشكل عام، وهي واعية بإشكال التعبير بلغة “الآخر”، ضمن بنية تواصلية شكلتها شروط سياسية واجتماعية وثقافية معقدة، يرتبط بعضها بظروف هيمنة لغة “الآخر”، وبعضها الآخر بإمكانيات استثمار قوة هذه اللغة وإشعاعها العلمي والثقافي بشكل عام لإثراء ثقافة الأنا الخاصة. ويظل، أيضا، هاجس إثبات الذات والمنافحة عن أصالتها وانتمائها إلى المجموعة الثقافية أحد الأصعدة البارزة لرصد هذه الظاهرة الثقافية .
والواقع أن الكتابة بلغة الآخر هي ظاهرة قديمة جدا. ويبدو أن أسباب هذا “اللجوء اللغوي” تعود إلى هيمنة لغة الغازي، لكونه المسيطر سياسيا واقتصاديا، ولا يجد الكاتب وسيلة أهم منها للتعبير عن انشغالاته، غير أن لغة “الآخر” وفرت للعديد من الكتاب إمكانات مهمة للاندماج الثقافي والوصول إلى القراء، أو تحقيق رغباتهم في تنويع أساليب التعبير، واستكشاف إمكانات “السكن الجديد” . ويكاد حصر لائحة المهاجرين إلى لغات غير لغاتهم يكون مستعصيا، ونكتفي هنا بذكر الكاتب البولوني جوزيف كونراد الذي استقر في بريطانيا بعد عودته من حملة افريقية، فكتب باللغة الانجليزية روايته قلب الظلام ، والكاتب الروسي نابوكوف الذي حرر روايته الشهيرة لوليتا باللغة الانجليزية بعد كتابته تسع روايات باللغة الروسية، وصامويل بيكيت الكاتب الايرلندي الذي كتب نصوصه بالانجليزية قبل أن يجد “منفاه” في اللغة الفرنسية، فألف بها أشهر أعماله المسرحية، ومنها مسرحيته في انتظار غودو، والكاتب التشيكي ميلان كونديرا، والكاتب الصيني فرانسوا شينغ، ومهاجرون عرب استقروا بفرنسا وكتبوا باللغة الفرنسية كألبير قصيري وأمين معلوف، والطاهر بن جلون، وياسمينا خضرا، عبد الوهاب المؤدب، ورشيد بوجدرة، وعبد اللطيف اللعبي وغيرهم ، دون ذكر جيل الجديد الذي يكتب الآن بهذه اللغة، وحصل بعضهم على جوائز قيمة، كالكاتبة المغربية الأصل ليلى السليماني التي حصلت على جائزة الكونغور لعام 2016 عن روايتها أغنية هادئة .
نجد في سياق الثقافة العربية كتابا عديدين ممن ليسوا عربا أبدعوا أو فكروا باللغة العربية، بل خدموا هذه اللغة وثقافتها، وما تزال الظاهرة مستمرة، حيث يكتب الكثير من الأكراد والأمازيغ مثلا بغير لغتهم الأم . ونظرا لاتساع مجال الإشكال المطروح، فأننا رصد تمثلات الذات لنفسها و للآخر وهي تبني عوالمها التخييلية والمعرفية بغير لغتها الأم, وهو ما يمكن بلورته من خلال التفكير، تحديدا، في الكتابة الأدبية العربية باللغة الفرنسية .
2 ــ اللغة وتمثل و”الأنا” و”الآخر”
تعتبر اللغة مبحثا معرفيا أثيرا للعديد من الفروع الفكرية المعرفية، ويهمنا في هذا السياق أن نرصد دورها في تفاعل “الذات” مع “آخرها”، وما يستدعيه ذلك من أشكال بنائه لهوية الخاصة وسبل إثرائها. والحال أن اللغة تظل، بالرغم من كونها نظاما تجريديا، أهم مسالك وعي الإنسان بوجوده وتمثله للعالم. ولذلك تصورها الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر(1889ـ 1975) بيتا يسكن الموجود فيه ويسكن إليه : وعبر عن ذلك بقوله ” في الفكر يتوجب على الوجود أن يأتي إلى اللغة . واللغة هي مأوى الوجود، حيث يقيم الإنسان . المفكرون والشعراء هم أولئك الذين يسهرون ويحرسون على هذا المأوى. إن حراستهم وعنايتهم هما الانجاز التام لتجلي الوجود، إذ يحملون إلى اللغة من خلال قولهم وبه ذلك التجلي ويحتفظون به هناك”.([2]) وضمن السياق ذاته يستعيد حسن حنفي، اعتمادا على تصور هايدغر هذا، تلك العلاقة المعقدة بين اللغة والهوية، ويرى أنه إذا كانت الهوية تعبر عن نفسها من خلال اللغة لإيصال رسالتها إلى الآخرين، وكون “الوجود يسكن فيها”، فان” الوجود يغدو “هو الهوية ودلالته هي الماهية، واللغة هي الحامل لها والمؤثر فيها”. ([3])
ولا تخفى أهمية اللغة في بلورة مخططات تمزيق الهويات القومية، وزعزعة تمثلات المجتمعات لذاتها وتاريخها الحضاري، ودفعها إلى عجز حضاري يعيق تجديد هويتها بما لا يمس بمقوماتها الحضارية التي تجعلها متفاعلة مع غيرها على نحو طبيعي ومثمر . ومن ثم أتت الدراسات الفيلولوجية، كما فكك إدوار سعيد آلياتها، لتبرير تسليط لغة الغازي على احتلال حقل التداول اللغوي العام، ودفع اللغة إلى التشكيك في مقوماتها، ومن تم ممارستها تدميرا ذاتيا بصفته أحد مسالك الخطاب المهيمن .
ولأن “الآخر” بصفته المقابل الموضوعي للذات، وله تأثير عميق في تشكيل هويتها، فقد خضع مفهومه لتحديدات، تتسع أو تضيق حسب الموضوع المطروق وزاوية النظر والمقاربة . ويعتبر جان بول سارتر من أهم المفكرين الذي أثاروا قضايا “الأناط و”الآخر”، ويهم . في هذا المقام، إشارته إلى أن “الغير” محايث وجودي في المكان والزمان وهو يقول :” ليس صحيحا أني أوجد أولا، وأنني أبحث بعد ذلك عن موضعة الغير وتمثله، لكن بالقدر الذي (ينبثق به) وجودي بالقدر الذي (ينبثق به) في حضرة الغير “.([4]) ومن ثم، يكون “الآخر” هو المنفصل جسديا “الأنا” والمحدد لها وجوديا، مما يجعل هذا المفهوم يخرج من دائرة الاختلافات الكبرى المرتبطة باللغة والدين والعرق والحضارة بشكل عام، وهو ما أعاد سارتر تأكيده في كتابه الوجودية مذهب إنساني بقوله :”وأنا لو شئت أن أعرف شيئا عن نفسي، فلن أستطيع ذلك إلا عن طريق الآخر، لان الآخر ليس فقط شرطا لوجودي، بل هو كذلك شرط لمعرفة التي أكونها عن ذاتي . وهكذا.. يكون اكتشافي لصميم ذاتي اكتشاف للآخر من حيث هو حرية موضوعية تقف في مواجهتي، ومن حيث هو كائن لا يفكر ولا يريد، إلا إذا كان فكره وإرادته إما ضدي أو معي، وهكذا نجد أنفسنا فجأة ـ في عالم ـ ولنقل إنه مجموعة من الذوات المتبادلة الوعي ببعضنا البعض Inter-subjectivité . وفي هذا العالم يجد نفسه ، ولا بد أن يقرر ماهيته وماهية الآخرين .”([5])
أما حين تضيق دائرة مفهوم “الآخر” فتنحصر في المختلف حضاريا بأسسه اللغوية، والتاريخية، والعقائدية والإثنية، وهنا يذهب التفكير في “الآخر” خارج الحدود الجغرافية الذي تستوجب هذه الأسس، ويكون هو المفارق للذات والذي يشعرها دوما بهذا الاختلاف، وعليه تبنى تمثلات تقوي هذا الاختلاف وتعززه في منظومتها الثقافية العامة. ولعله التصور الذي تستند إليه هذه الدراسة وهي تفكر في “الآخر” الاستعماري كما جاء في أحد التحديدات المفهومية التي صاغها أشكروفت وجاريت كريفيت وهيلين تيفن في كتابهم الدراسات ما بعد الكولونيالية، باعتباره تصورا يرتبط بالدائرة الاستعمارية، حين يثبتون أن هناك إمكانية “مقارنة هذا الأخر بالمركز الامبريالي أو الإمبراطورية نفسها، بطريقتين : الأولى أنه يوفر الشروط التي تكسب من خلالها الذات المستعمَرة إحساسا بهويتها كـ”آخر”(OTHER) تابع، والثاني، أنه أصبح قطب الخطاب المطلق” أي الإطار الإيديولوجي الذي يمكن أن تَفهم من خلاله الذات المستعمَرَة العالم من حولها”.([6])
وبناء على ذلك تظل اللغة نظاما رمزيا مركزيا لتمثل نوعية العلاقة المفترض بناؤها مع “الآخر”، فمن خلالها يحدث تسميته وتحديد صورته في الفكر والوجدان ومن ثم تظهر أهميته للوجود الخاص، فليس جزافا أن تعتبر اللغة حاملا للهوية، وليس اعتباطا أن يدمج “الآخر” اللغة خطط تأثيره على هوية الذات الجماعية وتغيير ثقافتها .
2 ـ رؤية الكتاب إلى لغة “الآخر”: تفاوت في المواقف والتمثلات .
يرتبط الإشكال المطروح هنا بالشروط العامة التي هيأت لظهور الكتابة الأدبية باللغة الفرنسية في المنطقة العربية ذات التنوع الإثني والعقائدي . ويظهر أن اللجوء إلى الكتابة بلغة الآخر” تزامن مع مرحلة التحديث التي دشنها محمد علي باشا بمصر، وهي، تحديدا، بداية التغلغل الاستعماري بالمنطقة العربية بشكل عام، حيث سيعرف القرن التاسع عشر وجود الفرنسيين بشمال لإفريقيا وبلاد الشام، وما رافقه من مخططات توظيف اللغة مدخلا للغزو الثقافي كما يثبت قاسم محمود في كتابه الأدب العربي المكتوب بالفرنسية يقوله إن”الكثير من الباحثين يرجعون أسباب وجود اللغة الفرنسية في مصر مثلا” إلى عدة أسباب من أبرزها الحملة الفرنسية التي جاءت لثلاث سنوات في أواخر القرن الثامن عشر . ثم لأن محمد علي قد توجه إلى فرنسا من خلال مشروعه الحضاري وليس إلى انجلترا . فقد أرسل البعثات الأولى خاصة ما يرتبط منها بالتعليم والثقافة، إلى فرنسا”.([7]) لعل ذلك ما يفسر ظهور الكتابات الأدبية باللغة الفرنسية بمصر أولا، بظهور كتابات يعقوب آرتين(1842ـ 1919) منها الحكاية الشعبية بوادي النيل والكاتب، ثم تلتها كتابات كتاب عديدين، أغلبهم مسيحيون، مثل فوزية أسعد (ولادة عام 1929)، جورج حنين (1914ـ1973)، واندريه شديد وواصف بطرس غالي (1978ـ1958) قوت القلوب(1992ـ1962)، وألبير قصيري (1913ـ 2008) الذي يعتبر أهم كاتب مصري باللغة الفرنسية، وكل رواياته تستعيد حياة المهمشين ببلده مصره التي غادرها مبكرا . غير أن البلدان العربية التي ابتليت بالاستعمار الفرنسي، قد خضعت، على متفاوت، لهيمنة لغوية جعلت اللغة العربية، تتراجع، إنما بشكل متفاوت، لتحتل اللغة الفرنسية مواقع التواصل الإداري والاقتصادي والحياة التعليمية بشكل خاص، هكذا ظهرت فئة من الكتاب في سوريا ولبنان كتبوا باللغة الفرنسية، نذكر من القوائم التي وضعها محمود قاسم في كتابه الذكور أعلاه، أحدب جمانة، وجورج شحادة، ومشيل شيحة، غانم خليل، وشكري قرداحي، وأمين معلوف وغيرهم . والواقع أن التجربة السياسية التي أطرت تواجد الأدب المكتوب بالفرنسية في البلاد العربية قد حكمت طبيعة هذا الأدب، وعلاقة الذات بلغة الكتابة، وأثر ذلك على الإحساس والازدواجية والغربية اللغويتين وصلتهما بقضايا الانتماء القومي والهوية الثقافية . ولكوننا سنخصص المحور المقبل من هذه الدراسة للحديث عن أبعاد الصراع الداخلي التي اذكت جذوته هذه الهجرة اللغوية الاضطرارية، فيجدر تثبيت أن المناطق العربية التي عرفت هذا النوع من الكتابة متفاوتة من حجم الأعمال الأدبية والعلاقة بالوطن الأم والرؤية إلى لغة الكتابة بشكل عام، وحجم حضور اللغة العربية في الحياة العامة . فإذا كان التواجد الفرنسي بمصر، جراء الحملة العسكرية، تواجدا “ثقافيا”، قد كان في الشام وبلاد المغرب العربي تواجدا استعماريا مباشرا. ويظهر أيضا أن حجم الإنتاج الأدبي وطبيعة تمثل لغة “الآخر” الفرنسي يتفاوتان بتفاوت المدد الزمنية للتواجد الاستعماري وخطط تغلغله الثقافي في هذه البلاد. فقد جاء استعمار المغرب متأخرا عن احتلال الجزائر وتونس، إذ لم يمكث في المغرب، رسميا، إلا أربع وأربعين سنة، ودام في تونس خمسة وسبعين سنة، بينما ظل بالجزائر مئة واثنين وثلاثين سنة . ومن ثم كان للإطار الزمني لتنفيذ المشروع الاستعماري اثر بالغ في تهييئ شروط الاختيارات اللغوية، وهو مشروع ممهور بنظرة دونية إلى اللغات والثقافات الوطنية، وما استدعاه ذلك، وفق تعبير ادوار سعيد، من جعل الرهان الثقافي جوهر عمليتها الاستعمارية بتأكيده :أن العنصر الأساسي في الثقافة الأوروبية هو اعتبار هويتها الثقافية هوية مهيمنة “داخل أوروبا وخارجها، أي فكرة الهوية الأوروبية باعتبارها هوية تتفوق على جميع الشعوب والثقافات غير الأوروبية “([8]) . ولعل لذلك ارتباطا وثيقا بنظرة أوروبا الاستعمارية للغات الشرقية وتحديدا السامية بصفتها لغات ميتة كما ذهب إلى ذلك المستشرق رينان في دراساته اللغوية، هو يرى، وفق استنتاجات ادوار سعيد، أن اللغات الشرقية “لغات غير عضوية، توقف نموها، وتحجرت تماما، وأنها عاجزة على تجديد ذاتها، وبعبارة أخرى عمل على إثبات أن اللغة السامية ليست لغة حية، وأن الساميين أيضا ليسوا مخلوقات حية”.([9])
وبمثل هذه المنظومة الفكرية، سعى المستعمر إلى بناء ثقافة جديدة على أنقاض ثقافة ضاربة في الزمن، وتكوين جيل جديد لا يمكنه التعبير عن مشاغله إلا بغير لغته القومية، لتنشأ عملية “مثاقفة”([10]) معطوبة، لم تنجم عن انفتاح تلقائي اختارته الجماعة لتخصيب ثقافتها، وخلق أواصر التواصل الحضاري مع الآخر، بقدر ما هي حمل الثقافة الأصلية على التعامل مع الثقافة الاستعمارية بمبررات التحضر والتمدن، مما خدم مصالح المهيمن، و سبب، في المقابل، للثقافة المحلية أو الوطنية عوائق بنيوية نجمت مما نعته طوماس إليوت بالإشكالات الثقافية في المستعمرات، حيث صارت “مشكلة المستعمرات هي العلاقة بين ثقافة وطنية أصيلة وثقافة أجنبية، وعندما تفرض ثقافة أجنبية أعلى على ثقافة أدنى، كثيرا ما تتخذ القوة وسيلة لذلك، وهذه مشكلة لا يمكن حلها، وتتخذ أشكالا كثيرة : فثمة مشكلة عندما تتصل بثقافة أدنى للمرة الأولى : وليس في العالم إلا أمكنة قليلة لا يزال ذلك ممكنا فيها. وثمة مشكلة ثانية عندما تبدأ الثقافة الوطنية تتحلل فعلا تحت التأثير الأجنبي، وحيث يكون السكان الأصليون قد تشربوا من الثقافة الأجنبية فعلا أكثر مما يمكنهم طرده في وقت من الأوقات”.([11])
والواقع أن اللغة كانت مدخلا رئيسيا لتركيز هذه الثقافة الأجنبية، وهو ما جعل السيطرة عليها بالصياغة التي جاءت في كتاب الإمبراطورية ترد بالكتابة، لأشكروفت وآخرين، “أحد المتطلبات الأساسية للقمع الامبريالي، فنظام التعليم الامبريالي يثبت نسخة “نموذجية” من اللغة الميتروبوليتانية معيارا، ويهمش كل البدائل بصفتها بدائل غير صافية (وهكذا) تصبح اللغة هي الوسيط الذي تَتَأَبَّدُ البنية الهيراركية من خلاله، والوسيط الذي تتأسس من خلاله مفاهيم “الحقيقة” و”النظام” و”الواقع”.([12])
3 ـ هواجس الكتابة في السياق المغاربي:
لاشك أن الكتابة الأدبية بلغة الآخر، وهي ــــ في هذا المقام ـــ اللغة الفرنسية، قد خضعت الذات الكاتبة لوضعيات ثقافية وسيكولوجية، تفاوتت حدتها وإلحاحيتها من سياق ثقافي إلى آخر حسب الشروط السياسيىة التي حكمت التجارب السياسية في كل منطقة . ويظهر أن الشرق العربي لم ينظر إلى هذه الكتابة رؤية تراجيدية كما هو الشأن في الغرب الإسلامي، وخاصة بالجزائر، حيث خلقت هذه الكتابة جدلا ثقافيا طويلا سنتوقف بعد قليل على بعض مظاهره . ويكفي في هذا الصدد أن نورد موقف بعض الكتاب المشارقة من الكتابة الفرنسية وعلاقتهم بالثقافة الفرنسية بشكل عام كما أوردها صاحب كتاب الأدب العربي المكتوب بالفرنسية . فهذه الكاتبة المصرية أندريه شديد تقول إنها تنمي إلى الشرق والغرب، ولا غضاضة أن تعبر بلغة أجنبية عما يمور بداخلها، بل أكدت أنها لا تعاني من أي تمزق أو صعوبات التكيف، بل لا تجد ذاتها إلا في التعدد الثقافي([13])، أما التوتر الذي يشعر به جورج شحادة، فلا ينجم من اضطراره بالتعبير باللغة الفرنسية، بل هو شعور تحدي إتقان لغة “الآخر” لتعويض خسارة لغته الأصلية خسارة لا يبدو أنه أشعرته بغربة أو تمزق. ([14]) أما الموقف الأكثر وضوحا من الكتابة باللغة الفرنسية فيهم الكاتب اللبناني أمين معلوف الذي يرى أن الكتابة باللغة قد جلبت إليه مكاسب عديدة، ويقول “رأيت أنني من الأفضل، كعربي، أن أعبر عن موضوعاتي بلغة أجنبية، فأنا افرض على الفرنسية بعض الكلمات والمعاني العربية(…) أعتقد أن على الكاتب أن يكتب باللغة التي تعبر عن أفكاره، سواء كانت العربية أو الفرنسية، أو البرتغالية أو الروسية . هناك اعتبار قومي أو وطني للغة تتحول فيه اللغة إلى رمز وشعار . وأنا لا يهمني هذا الشعار . ليست اللغة في النهاية أكثر من حامل للأفكار ووسيلة تعبيرية”.([15])
إن ما كان موضوع تعدد ثقافي مثمر، وخسارة يمكن تعويضها بأهم منها سيصبح موضوع توتر مضن، وتمزق هوياتي، وفقدان مستمر أفرز مواقف صعبة لدى جيل كتاب المغاربيين خاصة، جيل فترة الاستعمار والمقاومة. ومهما كان الاعتقاد بان اللغة ليست إلا وسيلة تعبير، وأن المضمون هو الذي يشكل جوهر الأدب، وأن هذا الأدب يبقى أدبا قوميا وان كتب بلغة “الآخر” كما يرى الكاتب عبد الله الركيبي،([16]) فإن الكتاب المغاربيين، وخاصة الجزائرين، لم يفرقوا بين الشكل والمحتوى، ورأوا في اللغة الفرنسية حاجزا يحول دون مشاغل شعوبهم مهما غاصوا في هموممها، ولاسيما حين احتد الجدل الذي رافق هذه الكتابة وتجاوز خطاب اللوم والتبرم إلى تخوين هذه الكتابة واتهامها بتدمير الهوية الوطنية.
والحال أن القول بكلام عبد الكبير الخطيبي بكون “الأدب المغاربي المكتوب بالفرنسية هو أدب جزائري”،([17]) يجعل من تسليط الضوء على حجم الصراع الداخلي للذات الكتابة واحتداد وضعيتها الجدالية في مواقف الكتاب الجزائريين وآرائهم ووضعياتهم الاعتبارية المتمخضة عن ذلك سياقا أثيرا لرصد التشققات الثقافية والتوترات السيكولوجيبة التي حفت بتجربة الكتابة بلغة “الآخر” في فترة الأربعينات والخمسينيات من القرن الماضي. إلا أن هذا التجاذب اللغوي، وإن خفت تحدته، عند جيل الاستقلال المغاربي، فجذوته استمرت في الاتقاد في الأقطار المغاربية من خلال مواقف الكتاب وأرائهم حول تجربة الكتابة باللغة الفرنسية.
بناء على ذلك، يمكن القول إن قوة التجاذب الداخلي بين “الأنا” و”الآخر”، تضاعفت حين تأطرت لغة التعبير الرئيسية ضمن علاقات تاريخية معقدة، انخرطت مشاعر الانتماء والهوية ومخاطر الاستلاب في تشكيل أهم محاورها، دون أن ننسى بحدوث إبدالات وتحولات اعترت هذه العلاقة موازاة مع تحول الواقع السياسي ذاته، ومستويات المثاقفة بين الأطراف اللغوية المتجاذبة . ذلك أن الكتابة المغاربية بالفرنسية لم يكن يرافقها في بداياتها ذلك الشعور بالتمزق الهوياتي كما حدث خلال مواجهة العنف الرمزي الاستعماري تجاه اللغة والثقافة الوطنيتين في أزمنة التحرير، على أن الجدل اللغوي، وإن عرفته جميع الأقطار المغاربية، كان لظروف تاريخية وسياسية خاصة، أكثر احتدادا وحساسية في القطر الجزائري . ومن ثم، يفترض ربط تمثل “الآخر”، ولغته، وثقافته بالواقع السياسي المعقد وتحولاته. بيد أنه، وبالرغم من اعتبار الكتاب على الدوام اللغة الفرنسية لغة المستعمر، فإنهم وجدوها، نظرا لطبيعة تكوينهم، الخيار الأمثل لإبراز مواهبهم والتعبير عن واقع مجتمعاتهم . والحال أنهن نبغوا في ذلك باعتراف الأوساط الفرنسية نفسها التي رحبت بإنتاجهم الأدبي، وعملت على طبعه ونشره، إذ “استقبل هذا الأدب بحماسة وتهافت عليه الناشرون، إلى درجة أن كل دار للنشر كانت تملك “عربيا في خدمتها” على حد الاعتراف الصريح لأحد الشعراء الجزائريين… “([18]). وإذا كان الكتاب الجزائريين قد وجدوا في هذا الترحيب أفقا واسعا للتعبير عن ذواتهم وتعميق تجربتهم، فإنهم قد شعروا بعد ذلك بالخذلان، بل شعر البعض منهم بالعار وهم يجدون أنفسهم لا يتقنون إلا لغة المستعمر([19]) . غير أن للأمر ما يبرره، لان التعبير باللغة الفرنسية لدى الرعيل الأول تحصيل لشروط موضوعية، انكمش فيها، بتعبير حكيمة سبيعي “دور اللغة العربية في المجتمع، وحرمت أجيال متعاقبة من الجزائريين من تعلم لغتهم، وهذا ما يفسر أن جيل ما قبل الاستقلال من الروائيين الجزائريين لم يكن يمتلك إلا اللغة الفرنسية وسيلة للتعبير”.([20]) ومن ثم، حضر هذا التجاذب الثقافي والنفسي نقاشا حادا حول دوافع الكتابة باللغة الفرنسية وحول ما سيق في المقابل من مسوغات من أجل العودة إلى اللغة القومية، فجاءت ردود الفعل تجاه هذه الوضعية اللغوية متباينة في حدتها ونغمتها وتبريراتها، بل وجد الكتاب في هذا الاغتراب اللغوي موضوعا أثيرا للتعبير عن استلابهم الثقافي وشوقهم المضني إلى حضن اللغة الأم. والواقع أن هذا الصراع مع “الآخر” عبر الكتابة بغية التخلص من هيمنته الثقافة قد خضع لصيرورة متنامية، ديدنها الانتقال من “تطبيع” العلاقة مع لغة الغير وثقافته إلى الرغبة الملحة في تكوين شخصية أدبية مستقلة وأصيلة، وهي إحدى السمات الأساسية “للآداب المحلية” بشكل عام وفق ما تصوره أشكروفت في قوله أن هذه الآداب قد تطورت عبر”مراحل عدة يمكن القول إنها مماثلة لمراحل الوعي القومي أو الإقليمي، ولمراحل السعي لاكتساب التمايز عن المركز الامبريالي . كانت الكتابة بلغة المركز الإمبريالي أمرا لا مفر منه بطبيعة الحال، في الفترة الامبريالية، وهي الكتابة التي أنتجتها صفوة متعلمة كانت هويتها متطابقة مبدئيا مع القوة الاستعمارية” .([21]) ثمة تلازم بين نمو الوعي الوطني لدى الكتاب والوعي بإشكالية اللغة، فبقدر ما تسللت لغة :”الآخر” إلى الفجوات التي انحسرت فيها اللغة الأم، بقدر ما ازداد الاغتراب اللغوي، وازدادت الرغبة في استعادة اللغة الأصل . غير أن اعتبار الأدب والعمل الثقافي بشكل عام إحدى الجبهات الأساسية لمقاومة وجود المستعمر وثقافته، يفترض مخاطبة عموم الشعب بلغته القومية، وهو ما كان متعذرا لكر العديد من الكتاب الذين لا يستطيعون مواصلة إبداعهم بلغة غير لغة “الآخر”.
والحال أن التجاذب الصاخب الذي صاحب هذا الجدل اللغوي قد تشخص ضمن ردود فعل تباينت بين أصوات رغبت في إعادة تنظيم العلاقة بلغة “الآخر” ووضعها في سياقها السياسي والثقافي، في توافق واضح بين شرعية المضمون القومي وشرعية التعبير اللغوي الفرنسي، وبين الرفض التام للغة الآخر ، وبين تبرير مواصلة التعبير بها لكونها إحدى وسائل محاربة المحتل بـأدواته الخاصة . ويمكن أن نسوق، بهذا الصدد مواقف وآراء، تجلي مختلف أوجه هذا الصراع والتوتر اللغويين، فهذا الكاتب المغربي ادريس الشرايبي(توفي2007) يدافع ــ وإن تراجع عن ذلك ــ عن أفضلية التعبير باللغة الفرنسية وقوة ثقافتها، حيث يقول :” لست استعماريا، بل ولست حتى معاديا للاستعمار. إلا أنني مقتنع بأن الاستعمار كان ضروريا ومنقذا للعالم الإسلامي. ذلك أن مبالغات الاستعمار مضافة إلى القيم الأكيدة لأوروبا، كانت هي الخميرة التي أنضجت النهضة الاجتماعية التي نشاهدها اليوم”([22]).
لم يكن الدفاع عن الكتابة باللغة الفرنسية أمرا مقبولا، فآثر الكتاب الالتفاف حول الاستهجان المعمم للكتابة باللغة الفرنسية بتبريرهم المتواصل لهجرتهم الاضطرارية هاته إلى موطن لغوي آخر، والتي جعلت الكاتب يعيش حسب تعبير ادوار سعيد ، في “وضعية عدم الانتماء” : ” وضع المنفى، أي عدم التكيف الكامل، والإحساس دائما بأنه يعيش خارج العالم الذي يحس فيه أبناء الوطن بالألفة ويتبادلون الأحاديث دون كلفة …”([23]) . ونجد من بين هؤلاء الكتاب الكاتب الجزائري مالك حداد (توفي 1978)، الذي عبر عن هذا الانفصال التراجيدي عن لغته بقوله في مقدمة روايته سأهديك غزالة (1957) : “اللغة الفرنسية حاجز بيني وبين وطني أشد وأقوى من حاجز البحر الأبيض المتوسط، وأنا عاجز أن أعبر بالعربية عما أشعر به بالعربية، إن الفرنسية لمنفاي” . بل سيعتبر أن ما كتبه بالفرنسية كان سيكون أجل تعبيرا وأعمق تفكيرا لو كتب باللغة العربية بقوله : ” إن الكتاب الذين من أصل بربري عربي، عند تعبيرهم بالفرنسية، يترجمون فكرا جزائريا نوعيا، وهو فكر كان بالإمكان أن يصل إلى ذروة التعبير لو أنه صيغ في لغة وكتابة عربيين “([24])، لم يجد مالك حداد لفك هذه العقدة اللغوية وتخفيف وطأة “تشرده” الهوياتي إلا بإعلانه بعيد الاستقلال عن التوقف عن الكتابة في رد فعل وجداني يشبه التكفير عن ذنب اقترفه في حق وطنه.
أما كاتب ياسين(توفي 1989) الذي اعتبر من أهم الكتاب الجزائريين باللغة بالفرنسية، ومن أشد المدافعين عن الثقافة الوطنية فقد أعلن أن اللغة الفرنسية “غنيمة حرب” وأنها” ليست فقط لغة للاستعمار، بل إن الجزائريين، إبان حرب التحرير، استعملوا هذه اللغة من أجل استمالة الشعب الفرنسي لقضيته التحريرية . فالاستعمال المتقن للغة الفرنسية هو في حد ذاته فعل محرر، لكونه سيجعل فرنسا ذاتها تتطهر من الجرائم التي ارتكبت باسمها، مادامت فرنسا ليست فرنسا الاكاديمية الفرنسية، بل فرنسا الثورة عام 1789، وكمونة باريس، وماي 1968، ودجنبر 1986 ، وهي فرنسا حقوق الإنسان”.([25]) والحال أن عقدة الكتابة بلغة المستعمر قد أحكمت طوقها على كاتب ياسين، وافضى به التوتر الداخلي إلى التخلي نهائيا بالكتابة باللغة الفرنسية لكونها رمزا للمستعمر، وليس الاستمرار بالتعبير بها إلا خدمة جارية لهذا الرمز وتأبيد تواجده الثقافي . وبذلك يكون هذا الرفض خروجا نهائيا من مجال “الآخر”، ومحاولة لاستئصال امتداداته الثقافية داخل الذات، غير أن معاناة كاتب ياسين و”تراجيدية تمزقه” تتعمق عند تعذر إجادته التعبير المضني بغير اللغة التي يتقنها وكون فيها شخصيته كأحد أهم كتاب الرواية الجزائرية باللغة الفرنسية([26]) . وفي مقابل هذا الخروج، عاش محمد ديب (توفي 2003) تجربة التمزق اللغوي هذه بالبقاء في منفى اللغة الفرنسية، في وضعية مثقف الضواحي والهوامش، يمارس صراعا رمزيا لتبرير هذا المنفى وتعويض الخسارة الثقافية المفترضة ، وكأنه بذلك يغيض هذا “الآخر” الذي أضحى بدوره متضايقا من إتقان آخره (العربي عموما) للغته الخاصة. ([27]) وينقل محمد ديب هذه الاستبدالات المتوترة بكثير من السخرية التي تعتبر حسب ادوار سعيد أحد ميولات المثقفين المهاجرين([28])، وهو يظن أن الكاتب العربي باللغة الفرنسية قد “استحوذ على نصيبه من اللغة الفرنسية والذي لا يمكن لأحد أن ينتزعه منه، وما كان الفرنسيون لينتظروا أن نشكرهم . ومن عليه أن يشكر الآخر؟ فإذا كنا نقتات نحن أيضا من هذا الكعكة (اللغوية) فإننا نمنحها طعما خاصا، لا يعرفونه . إن بعض الفرنسيين يغضبون وينزعجون حينما يروننا نكتب بلغتهم الخاصة… بل ينتظرني الجمهور دائما أن أبرر كتابتي باللغة الفرنسية، إنه أمر طبيعي أن أكتب بالفرنسية، وإلا ما العمل؟ إننا جزء من هؤلاء المهاجرين الذين يخيمون في ضواحي المدينة ويشتبه بهم دائما بسرقة دواجن المحليين ..سأظل دائما رابضا في الأرض الشاسعة لهذه اللغة”([29]).
والواقع أن هذا المنحى الذي اتخذه النقاش اللغوي الذي وازى التعبير اللغوي والهوية الوطنية، لا يمكن فصله عن السياق السياسي العام، وعن تزايد قوة النزعة التطهيرية للحياة الثقافية الوطنية والوجدان الشعبي مما تعتبره شوائب ثقافة المستعمر . ذلك أن تيار “الممانعة” الذي قاده دعاة تأصيل الهوية العربية للبلدان المستعمرة ترى أن شرط الاستقلالية الثقافية تفترض تأصيل التعبير اللغوي ذاته، ولن يكون ذلك إلا بالتعبير باللغة الأم ، بيد أنه إذا كانت قيادة تيار الممناعة اللغوية لهذه النزعة الثقافية، أمرا منتظرا ، على الرغم من الخفوت التدريجي للصخب اللغوي الذي رافق سنوات التحرير وبعيد الاستقلال، فان أطرافا حداثية واصلت طرح هذا الإشكال اللغوي، وجابهت به قوى جديدة أفرزها الاستعمار التقليدي ذاته، مما ألزم “الأنا” أن ترسم علاقتها بهذه القوى وتتفاعل معها دون السقوط في الاستلاب وامحاء الهوية، مع الحرص على استشراف تجديد بنياتها الاقتصادية والثقافية المتوارثة . ويمكن اعتبار الوضعية اللغوية لجيل الاستقلال (أواخر الستينيات والسبيعنيات) الذي اختار الكتابة بالفرنسية سياقا آخر لرصد امتدادات هذا التجاذب اللغوي، ومتابعة خيوط تمثلاته لدى تيار تصارعت فيه نزوعات التحديث وأصداء الثقافة الوطنية الشعبية التي لا يمكن تجاوزها . إلا أن هذا الجيل لم يكن يعيش الازدواجية اللغوية بذات الحدة عند جيل الرواد، إنما جاء اختياره اللغوي واعيا بتعقد هذه الظاهرة التي تخاطر بتسليم الذات إلى تمزق لغوي، والى حنين مضن ومتواصل إلى اللغة الأصلية . ويمكن أن نذكر من هذا الجيل الكاتب المغربي عبد الكبير الخطيبي(1938ـ2009) الذي لم يكف في كثير من أعماله عن العودة إلى الصراع اللغوي كما يعيشه ذاتيا، فقد أعلن مبكرا عن موقفه من الفرانكفونية ومخاطرها على الهوية الوطنية واستقلال قرار الشعوب، ففي إشارته إلى النقاش الوطني حول أهلية اللغة العربية في تربية النشء والتعليم عموما، أثبت” أن قصر اللغة العربية على مجال “الإنسانيات” وحده، معناه إرغامها على أن تكون ذيلا ملحقا بالثقافة الفرنسية وعلومها .”([30]) بيد أن كتابته بالفرنسية التي تستعيد دوما هذه الازدواجية اللغوية المضنية، تظل في بعيدة عن الشعور بالتمزق أو الاغتراب والاستلاب، وقريبة من فكر التعدد والاختلاف المثري للشخصية، إذ أنه تصور الأمر لعبة مد وجزر بين ذاكرة “موشومة” بالهوية الثقافية وفعل ثقافي مفتوح لا يؤزم “الأنا” أو يدفعها إلى تأنيب الذات، هكذا يقول : ” حينما أكتب بالفرنسية تتراجع لغتي الأم، وتنسحق…غير أنها تغدو(كما يقال) هي الأم، والأرض والقانون المنتهك . ولا أكف حين افتقدها عن استعادتها، وهي كما قلت تعود دوما وحيدة ومتشظية، ومتناثرة”([31]). أما الكاتب المغربي عبد اللطيف اللعبي (ولد 1942) فقد تمثل هذا الإشكال اللغوي وفق إرغامات تكوينية وايديولوجية سلمته لتحوطات نظرية لا تخفي مأزق ممارسته الثقافية والسياسية، فهو الآتي من أفق ماركسي لينيني، مناهض للامبريالية العالمية، وتشبعه بالثقافة الفرنسية واختياره لغتها لغة للتعبير في الكتابة الإبداعية والجدل السياسي، لم يكن ليصهر تناقضا مفترضا بين الثقافة الوطنية وثقافة أجنية يعتبرها مستلِبَة، دون التأكيد على إمكانية التعايش اللغوي والثقافي بين الثقافة الأصلية والثقافة الفرنسية، مع تحذيره، كما جاء في مجلة أنفاس ([32]) إلى ضرورة إبقاء اللغة الفرنسية أداة تواصل مؤقتة، مع وجود يقظة تنأى بالتعايش اللغوي عن المهادنة والتبعية الثقافية، فنحن يضيف”واعون على الدوام بالخطر المحدق بنا إذا ما تبنينا الفرنسية أداة ثقافية “. من هنا، انبثق هذا التنازع لدى هذا الجيل من رغبته الملحة في تأسيس حساسية جديدة ديدنها، حسب تعبير لوسيت هيللر[33]، البحث عن الهوية المغربية، وتعرية القيم البورجوازية والكلونيالية الجديدة ومجابه الظلامية الاجتماعية والسياسية، مع وجود وعي حاد بانعدام إمكانية تأسيس ثقافة أصيلة بأشكال مستعارة أو تقليدية أو حتى أكاديمية.
والحال أن حضور “الآخر” اللغوي في تمثل “الأنا”، عبر الكتابة، لذاتها ولوضعها داخل المجتمع، لا ينفك عن قضايا الهوية بشكل عام، ذلك أن متخيل الكاتب الذي تشكل في سنوات التكون والإنضاج الذهني والفكري في سياقات اجتماعية خاصة، هو الذي سيتحكم في الصوغ اللغوي عند التعبير الفني والفكري . ومن ثم، فالربط الميكانيكي بين الاختيار اللغوي والموقف من الهوية، هو ما سيصبح محور النقاش المتجدد حول أثار التعبير بغير اللغة الأم، إذ اتجهت الأجيال اللاحقة، في حركة عكسية لتنامي الدعوات الاستئصالية للغات الأجنبية من التداول، إلى اعتبار لغة الآخر المدخل الرئيسي لبناء تصور واضح لشكل العلاقة المفترض ربطها معه . وما ما جعل التجاذب اللغوي يأخذ منحى تفاعليا، وقبولا توازيا مع إفرازات العولمة ذاته، وما تفرضه من تعلم لغات “الآخر” و عبر ذلك تجديد فهم “الأنا” لذاتها . فـالأنا”، والحالة هاته،لا يمكنها، بالرغم من اعتقادها أن اللغة ليست سوى أداة تواصل، أن تتغاضى عن امتزاج الأفق اللغوي والثقافي، حيث لا يحضر للشكل اللغوي فقط قوالب محايدة نعبؤها بهواجسنا وقضايانا الذاتية، بقدر ما هو مقولات تلون طرق طرح الواقع الذاتي وأبعاده الحضارية .
4ـ استنتاج:
يبدو أن الشعور بالخذلان الذي صاحب التعبير بالفرنسية لدى جيل اكتوى بنظرة “الوطن الثقافي”، لم يفتأ أن خفت أواره، وحل محله نقاش متجدد لا ينفي دور لغة “الآخر” في تعلمه وتكونه. فكلما صعدنا في الزمن، كلما برزت مبررات جديدة لاستعمال “الأنا” للغة “الآخر”، مع تجديدها لتحوطاتها وحذرها من المساس بهويتها وثقافتها القومية . غير أن تطور علوم الإنسان بما فيها اللسانيات، وتقنيات التواصل، وفكر الاختلاف الذي يرى ان الهوية ليس مقولة ثابتة، مكن “الأنا” المعبرة بلغة “الآخر”، من تحقيق مجاوزة النقاش التقليدي حول الظاهرة نمط العلاقة التي حكمت تماسهما، وبرزت تحليلات جديدة بتأثير من فلسفة “ما بعد الحاثة”، فككت ميتافيزاقا اللغة الأصلية وعلاقتها بالهوية، إلى مستوى جعلت جاك ديريدا، يعلن أننا ” لا يمكننا أن نتكلم أبدا لغة واحدة فقط أو لا أتكلم إلا لغة واحدة ولكنها ليست لغتي”([34]). ومن ثم، بدأت تكتسب الكتابة بلغة “الأخر” شرعيتها الثقافية باسم التفاعل اللغوي والمثاقفة وحوار الحضارات، إلى أن غدا القول بالاقتصار على لغة واحدة ووحيدة هو الاستلاب الحقيقي، ورمزا من رموز الانغلاق والإرتكاس الهوياتي . غير أنه إذا كان للعولمة منطق جديد، وميل الى تنميط الثقافات، والعمل على توحيدها، بدل تفاعلها والبقاء المثمر على اختلافها، فاللغة الوطنية تظل مكسبا ثقافيا وحضاريا لا غنى عنه لحفظ الشخصية الوطنية، وترسيخ قيمها وابقائها خارج لجج التبعية والتنميط . وتمكينها في الآن ذاته من فرص الإشعاع والاغتناء، مما يجعل التجاذب اللغوي فعلا مؤسسا لهوية ثقافية تتجدد باستمرار، مع حفاظها على ملامحها الأصلية في ممارستها لفعل الاختلاف.
المراجع :
العربية :
1 ـ الخطيبي عبد الكبير ، في الكتابة والتجربة، ترجمة محمد برادة، منشورات الجمل ، بغدادـ بيروت 2009
2 ـ أشكروفت وجاريت كريفيت وهيلين تيفين، دراسات ما بعد الكولونيالية، ترجمة احمد الرومي وأيمن حلمي وعاطف عثمان، منشورات المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2010.
3 ـ أشكروفت، جريفيتز جاريت، تيفين هيلين ، الامبراطورية ترد بالكتابة ، آداب ما بعد الاستعمار : النظرية والتطبيق، ترجمة خيري دومة، ازمنة للنشر والتوزيع، عمان ، 2005.
إليوت، ت. س. ملاحظات نحو تعريف الثقافة، ترجمة شكري عياد، دار النشر التنوير، الطبعة الأولى، 2014، ص. 83ـ84 .
4ـ بعلي حفناوي ، مدخل في نظرية النقد الثقافي المقارن، منشورات الاختلاف، الجزائر العاصمة، 2007
5 ـ ديريدا جاك، أحادية الآخر اللغوية أو في الترميم الأصلي، ترجمة عمر مهيبل، منشورات الاختلاف ، الجزائر، 2008
6 ـ كليطو عبد الفتاح، لن تتكلم لغتي، دار الطليعة، بيروت، 2002
7 ـ سارتر جان بول ، الوجود والعدم ، بحث في الانطولوجيا الظاهراتية، ترجمة عبد الرحمان بدوي ، منشورات دار الآداب ، بيروت، 1966
8 ـ سارتر جان بول ، الوجودية مذهب إنساني، ترجمة عبد المنعم الحفني، مطبعة الدار المصرية للطبع والنش والتوزيع، القاهرة،1964.
9ـ سعيد ادوار ، الاستشراق ، المفاهيم الغربية للشرق، ترجمة محمد عناني، رؤية للنشر والتوزيع، 2008.
10 ـ سعيد ادوار، المثقف السلطة، ترجمة محمد عناني، رؤية للنشر والتوزيع ، القاهرة، 2006 .
11 ـ سبيعي حكيمة ، “هوية الادب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية”، مجلة العلوم الانسانية، جامعة محمد خضير ببسكرة، العدد34/35، 2004.
12 ـ قاسم محمود، ا لأدب العربي المكتوب باللغة الفرنسية، منشورات الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة، 1996
13 ـ نجيب التلاوي جمال، المثاقفة، عبد الصبور واليوت ، دراسة عبر حضارية، ترجمة ماهر مهدي وحنان الشريف، دار الهدى للنشر والتوزيع، الطبعة الاولى 2005، المنيا .
13 ـ قادة مبروك،”اشكالية الإنتماء القومي للأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية” المرجع الالكتروني لمجلة إنسانيات، المجلة الجزائرية للانتروبولوجيا والعلوم الانسانية، العدد 9، 1999. http://journals.openedition.org/insaniyat/8261
الأجنبية :
1- Dib Mohamed, RUPTURES n° 6,Alger , 1993.
2-Goldenberg -Lucette Heller; « La littérature francophone au Maroc. L’acculturation », Cahiers de la méditerranée, n°38 ; 1989 pp. 59-68.
3 -Khatib Abdelkebir i,« Repères », Revue Pro-culture (numéro spécial :khatibi)n° 2 ,1978,pp.48-52.
4 – Khatib Abdelkebir, Maghreb pluriel, ed .Denoel,Paris ; 1983 .
5_Heiddeger Martin; Lettre sur l’humanisme, Traduit par Roger Munier
www.forde.ch › uploads › 2018/06 › Heidegger-ettre-ur-l-umanisme-1946
[1] ـ ” لقد شكلت التجربة الاستعمارية التي لم تزل آثارها بزوال الاستعمار المباشر وتحقيق الاستقلال، الخلفية أو الأساس الذي ترتكز إليه مصطلحات “الادب ما بعد الكولونيالي”، و”النقد ما بعد الكولونيالي” . وهذا مجال آخر، يمكن أن يدخل ضمن فضاءات النقد الثقافي المقارن، وهو نظرية الخطاب ما بعد الاستعمار، وكذلك دراسة الاستعمار وأثر الاستعمار على المجتمعات المستعمرة . لقد اجري الكثير من البحوث النظرية، التي تنطلق أساسا من عمل ادوار سعيد الذي حاول أن يصهرالخطاب عند فوكو وفرانز فانون في حوصلة الكتابات السياسية لانطوان غرامشي” .
أ.د. حفناوي بعلي، مدخل في نظرية النقد الثقافي المقارن، منشورات الاختلاف، الجزائر العاصمة، 2007، ص.12.
[2]. Martin Heiddeger ; Lettre sur l’humanisme, Traduit par Roger Munier
www.forde.ch › uploads › 2018/06 › Heidegger-ettre-ur-l-umanisme-1946
[3] ـ ينظر حسن حنفي ، اللغة والهوية في الوطن العربي، إشكاليات تاريخية وثقافية وسياسية، مؤلف جماعي ،المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسات، الدوحة ، 2013، ص.187
[4] ـ جان بول سارتر، الوجود والعدم ، بحث في الانطولوجيا الظاهراتية، ترجمة عبد الرحمان بدوي ، منشورات دار الآداب ، بيروت، 1966 ص, 586
[5] ـ. جان بول سارتر، الوجودية مذهب إنساني، ترجمة عبد المنعم الحفني، مطبعة الدار المصرية للطبع والنش والتوزيع، القاهرة،1964، ص.46ـ47
[6] ـ أنظر اشكروفت وجاريت كريفيت وهيلين تيفين، دراسات ما بعد الكولونيالية، ترجمة احمد الرومي وايمكن حلمي وعاطف عثمان، منشورات المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2010، ص.264
[7] ـ محمود قاسم ، الادب العربي المكتوب باللغة الفرنسية، منشورات الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 1996، ص. 19
[8] ـ ادوار سعيد ، الاستشراق ، المفاهيم الغربية للشرق، ترجمة محمد عناني، رؤية للنشر والتوزيع، 2008، ص. 51.
[9] ـ ادوار سعيد، الاستشراق ، المفاهيم الغربية للشرق نفس المرجع ، ص.241 ــ 242
[10] ـ “هي اكتساب ثقافة مغايرة للثقافة الأصلية للفرد أو الجماعة، وهي هنا تشير إلى الثقافة الأجنبية التي يضيفها الفرد او الجماعة للثقافة الاصلية ، وذلك من وجهة نظر مستقبل تلك الثقافة، حيث تضاف الثقافة الجديدة اليها أو تختلط بثقافة (الفرد او الجماعة) المكتسبة محليا منذ الميلاد .
وهناك فارق ـ إذا أردنا الدقة الشديدة ـ بين المثاقفة لدى الفرد، وهي Trans_ culuration وبين الثقافة لدى مجموعة وتعني Acculturation، غير أن المصطلح الأخير هو السائد في الإشارة إلى المثاقفة، سواء لدى الفرد أو الجماعة. وبالرغم من أن استخدام المصطلح بالمفهوم ما بعد الحداثي قد أثار جدلا واسعا بدلالاته الملتبسة، خاصة في الوطن العربي، فإن تاريخ المصطلح يعود لنهاية القرن التاسع عشر، حيث كان العالم النفسي ج.و.باول أو ل من صك هذا المصطلح عام 1880، ثم طوره عام 1883، وعرفه بأنه يشير إلى التغيرات النفسية الناجمة عن المحاكاة عبر الثقافة “.
جمال نجيب التلاوي، المثاقفة ، عبد الصبور واليوت ، دراسة عبر حضارية، ترجمة ماهر مهدي وحنان الشريف، دار الهدى للنشر والتوزيع، الطبعة الاولى 2005، المنيا، ص. 7 .
[11] ـ ت.س. إليوت، ملاحظات نحو تعريف الثقافة، ترجمة شكري عياد، دار النشر التنوير، الطبعة الأولى، 2014، ص. 83ـ84
[12] ـ بيل اشكروفت، جاريت جريفيتز، هيلين تيفين، الامبراطورية ترد بالكتابة ، آداب ما بعد الاستعمار : النظرية والتطبيق، ترجمة خيري دومة، أزمنة للنشر والتوزيع، عمان ، 2005، ص. 31
[13] ـ ينظر محمود قاسم ، الادب العربي المكتوب بالفرنسية ، مرجع سابق ص . 50
[14] ـ ينظر محمود قاسم، نفس المرجع ، ص . 73
[15] ـ أمين معلوف، مجلة اليوم السابع، نفمبر1986، ص. 37، نقلا عن محمود قاسم ، الأدب العربي المكتوب بالفرنسية، مرجع سابق ، ص.77ـ78 .
[16] ـ وجملة القول فإن الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية، قد أوجد لظروف وأسباب في مرحلة معينة، وهو إن كتب بلغة أجنبية، فإنه عبر عن مضمون جزائري وواقع وطني الأمر الذي يجعل منه أدبا محليا وطنيا”.
عبد الله الركيبي، القصة الجزائرية القصيرة، الجزائر، م.و.ك، ط.1، 1983،ص.249، نقلا عن مبروك قادة،”اشكالية الإنتماء القومي للأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية” المرجع الالكتروني لمجلة إنسانيات، المجلة الجزائرية للانتروبولوجيا والعلوم الانسانية، العدد 9، 1999. http://journals.openedition.org/insaniyat/8261
[17] ـ عبد الكبير الخطيبي ، في الكتابة والتجربة، ترجمة محمد برادة، منشورات الجمل، بغدادـ بيروت 2009ص. 17
[18] ـ عبد الكبير الخطيبي ، في الكتابة والتجربة، مرجع سابق، ص. 10
[19] “التمزق وفقدان الهوية والاستئصال الثقافي تلك هي المصطلحات التي لجأ إليها الكتاب المعبرون بالفرنسية حينما يحللون وضعيتهم الخاصة… واذا كان هؤلاء الادباء يعتبرون أنفسهم محكوما عليهم بأن يكتبوا بالفرنسية لفوات الآوان على تحول محتمل إلى لغتهم، فإنهم في نفس الوقت ينصحون الأجيال الجديدة باستعمال لغتها القومية عند الكتابة “
عبد الكبير الخطيبي، نفس المرجع، ص. 47
[20] ـ حكيمة سبيعي، “هوية الأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية”، مجلة العلوم الانسانية، جامعة محمد خضير ببسكرة، العدد34/35، 2004، ص. 552
[21] ـ اشكروفت، الإمبراطورية ترد بالكتابة، مرجع سابق، ص. 28
[22] ـ عبد الكبير الخطيبي، في الكتابة والتجربة، مرجع مذكور، ص. 30.
[23] ـ ادوار سعيد ، المثقف والسلطة ، رؤية للنشر والتوزيع ، القاهرة ، 2006 ، ص. 100
[24] ـ ذكره عبد الكبير الخطيبي ، في الكتابة والتجربة، مرجع مذكور ص.45.
[25] Katib yacine « la langue de Malek » cite par Lucette Heller-Goldenberg; La littérature francophone au Maroc. L’acculturation Cahiers de la méditerranée ; ;n 38 ; 1989 p.62
[26] ـ ” بدأت بالكتابة العامية منذ خمسة عشرة سنة، وانقطعت بالكتابة بالفرنسية . هذا بالرغم من ان صديقة فرنسية لي، هي جاكلين آرنو التي قامت بجمع أعمالي مؤخرا، كانت تحثني على الكتابة باللغة الفرنسية . كانت تقول أنه يجب علي هذا، إلا أنني لم أستطع “
كاتب ياسين، “المغاربي المتشرد يعود” المجلة ، 27 مايو، 1986، نقلا عن محمود قاسم ، الأدب العربي المكتوب بالفرنسية، مرجع سابق، ص. 109
[27] ـ قام عبد الفتاح كليطو(2002) بتشريح هذه الوضعية الغوية المتصادمة في كتابة لن تتكلم لغتي ، وفيه نعثر على مقاربة سيكولوجية للظاهرة اكثر من كونها موقفا متعاليا : وهو يقول “لكن ماذا يحدث عندما يتكلم هذا الأجنبي تماما كما نتكلم نحن؟ …يتغير حينئذ كل شيء، ينتهي الرفق واللطف، وينشأ شعور بالارتياب. فهذا الشخص الذي برز من مكان قصي بعيد، يثير الارتباك، ليس فقط لأنه يبطل إحساسنا بالرفعة والتفوق، ولكن أيضا لأنه يسلبنا فجأة لغتنا، ينتزع من لساننا ومقومات وجودنا وما نعتقد انه يشكل هويتنا، يسلبنا انفسنا ومأوانا”، لن تتكلم لغتي دار الطليعة، بيروت، 2002 ، ص. 105 .
[28] ـ ادوار سعيد ، المثقف والسلطة ، مرجع سابق، ص. 100
[29] ـ Mohamed Dib, RUPTURES n° 6,Alger , 1993 , p.56
[30] ـ عبد الكبير الخطيبي، في الكتابة والتجربة، مرجع سابق ، 49.
[31] ـ Abdelkebir Khatibi, Repères, Revue Pro-culture(numéro spécial :khatibi) 12 ,1978,p .49
Abellatif Laabi ,Soufles, n 18 p 36 cité par Lucette Heller-Goldenberg,ibid,p. 59 ـ ينظر [32]
Lucette Heller-Goldenberg,ibid,p 64 ـ [33]
[34] ـ جاك ديريدا ، احادية الاخر اللغوية او في الترميم الأصلي، ترجمة عمر مهيبل، ص.58