
شعرية الأساليب التركيبة في ديوان السفر إلى القلب للأزهر عطية
The combination of the poetic methods of travel to the heart of Al-azhar atiya
عباد عبلة، جامعة العربي التبسي – تبسة – الجزائر
Abbad Abla University of Arab Tebsi –Tebessa- Algeria
مقال منشور في حمل من هنا: مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 59 الصفحة 25.
ملخص :
يهدف هذا البحث إلى الكشف عن الأساليب التركيبية في ديوان السفر إلى القلب للأزهر عطية, والغرض من هذه الدراسة هو الكشف عن الفعالية الجمالية و البنائية لهذه الأساليب منها: أسلوب الوصل, الشرط, التقديم والتأخير, النفي, وغيرها من الأساليب التي لها دورا فعالا في بناء النص الشعري من خلال جماله وتناسقه.
الكلمات المفتاح : شعرية التراكيب؛ أسلوب الوصل ؛ الشرط ؛ التوكيد.
Abstract :
This research aims to reveal the synthetic methods in the divan travel to the heart of Azhar Attia, the purpose of this study is to reveal the aesthetic and structural effectiveness of these methods including: the method of communication, condition, presentation and delay, exile, and other methods that have an active role in the construction of the text poetic through its beauty and consistency.
Keywords : poem structures; approach linking; stipulation; underlined.
**شعرية الأساليب التركيبة**
تمهيد:
يعتبر التركيب عنصرا مهما في بناء الخطاب الشعري، ومن أبرز العلماء الذين اهتموا بالتركيب (جاكبسون رومانRoman- Jackobson ( الذي أكد أن الظواهر التركيبية في كل نص شعري نابع من الدلالة، لأنها تتحقق في التركيب اللغوي من توحد العلاقات الركنية بالعلاقة الاستبدالية.
أما عن العلاقات القائمة في« التراكيب تخلقها أدوات نحوية مألوفة ، ولكن استعمالها في كل جنس أدبي يقدم عطاءً فنياً جديداً، وتثري العمل الأدبي بمفاهيم ودلالات لا تكتسب إلا عن طريق إمكانات النحو ، فهو الطريق الأمثل لدراسة المستويات اللغوية المختلفة»[1].
كما يمثل النحو بمعناه التركيبي ، من أهم القواعد التي تهتم بها الدراسات الأسلوبية في تحليل النصوص الشعرية،إذ توجد هناك علاقة تكاملية بين الأسلوبية وقواعد النحو، هذا ما أكده أحد النقاد بقوله: « إن النحو يحدد لنا ما لا نستطيع قوله من حيث يضبط قوانين الكلام ، في حين تقف الأسلوبية ما بوسعنا أن نتصرف فيه عند استعمال اللغة ، فالنحو ينفي ، والأسلوبية تثبت »[2].
والنحو بوصفه تنظيما للقوانين أو تحقيقا لها ضمن شروط حيث يمثل« الصورة المجردة والمنظمة المستخلصة من النموذج اللغوي للبنية الوظيفية، وصفا كاملا وصحيحا إلى حد ما»[3].
أما العلاقة بين الأسلوب والنحو هي علاقة ترابط، حيث أن« الأسلوب لا يمكن أن يعرف بوضوح ما لم يرجع الباحث إلى النحو»[4].
ومن خلال رصد الظواهر الأسلوبية ضمن مستوى التركيب في شعر الأزهر عطية، كشف البحث عن مجموعة من الخصائص الأسلوبية طبعت أسلوبه الشعري، ، ومن أهم هذه الأساليب: أسلوب الوصل ، أسلوب الشرط، أسلوب التوكيد ، أسلوب النفي، أسلوب الاستفهام، أسلوب النهي، أسلوب التمني، أسلوب التقديم والتأخير.
1– أسلوب الوصــــــــــــــل :
الوصل هو أحد مقومات الجمال في النص الأدبي ، بل هو الجمال الأدبي في ذاته ، فنحن « حينما نفهم الكلام ، فإننا نفهم فيه علاقات فقط ، وحينما نحكم بجمال هذا الكلام فإننا نحكم في الواقع بجمال هذه العلاقات ، وكلما كانت هذه العلاقات مطابقة للقوانين العقلية كانت أجمل » [5] ، والوصل في النص يؤدي دور التماسك السياقي المبني على علاقات متشابكة في أجزاء السياق [6].
كما عرفه ( جان كوهن Jean Cohen- ) ،على أن : « الوصل بمعناه الأعم يعني الجمع، وهذا شيء يمكن أن يحصل داخل الخطاب ، كما يمكن أن يحصل خارجه …كما يتحقق الوصل في اللغة العادية في صورتين ، إحداهما : ظاهرة ، بفضل أداة الربط التركيبية ، التي يمكن أن تكون أداة ربط ( الواو ) … والثانية مضمرة ، وتتحقق بمجرد القران ، ودون أداة … إن القران يعد في الواقع الطريقة الشائعة للربط » [7]، ومعنى القران أي اللفظ الجامع المعنوي.
كما أكد عبد القاهر الجرجاني على تحقق الوصل، بوجود جامع معنوي بين الوحدات اللغوية، حيث« لا يتصور إشراك بين شيئين حتى يكون هناك معنى يقع ذلك الإشراك فيه … ثم إنا وإن قلنا : زيد قائم وعمرو قاعد ، فإنا لا نرى ها هنا حكما نزعم أن ( الواو ) جاءت للجمع بين الحملتين فيه ، فإنا نرى أمراً آخر نحصل معه على معنى الجمع ، وذلك أن لا نقول : زيد قائم وعمرو قاعد ، حتى يكون عمرو بسبب من زيد ، وحتى يكونا كالنظيرين ، والشريكين ، وبحيث إذا عرف السامع حال الأول عليه أن يعرف حال الثاني»[8] ؛أي أن الجامع المعنوي هو رابط تركيبي للصيغ.
وإذا بحثنا عن أدوات ” الوصل” ودلالته ، لوجدناها كثيرة في شعر الأزهر عطية، إذ تمثل نسبة تواترها خمسة وتسعون حرفا، وهذا دليل على غنى شعره، لأن أسلوب الوصل له ميزة خاصة، حيث يعكس حيوية الشعر وتجديده ، ومن أهم الأساليب التي المتواجدة في الديوان:
أ- الوصل بالواو : لقد وظف أسلوب الوصل بـ ” الواو” عند الأزهر عطية ، في سياقات شتى ، وفي أغراض متنوعة ، منها ما يتعلق بذات الشاعر ، وفي وصف الرحلة والمغامرات والأحباب ، وفي وصف الممدوحين ،… ومن سياقات الوصل بــــ : “الواو” قوله في وصف حبيبته من خلال قصيدة ” مازلت أبحث عنك “[9] :
ولما سألتك طير الشتاء
متى ترحلين إلى قلبها
وكان الربيع، أجبت
وغيرك غادر هذا المكان.
تجرعت كأسا، وكأسا، وأخرى
نظرت لعينّي دهرًا
ومزقت قلبي، وعانقني
تنهدت، أبحرت في زورق من عذاب.
وحدثني عن بلادي
نلاحظ من خلال هذه الأبيات الشعرية أن الشاعر وظف “الواو” في سبعة مواضع، إذ أفادت الواو الوصل بين الشاعر والطير الذي سيتولى مهمة توصيل سلامه إلى حبيبته المفقودة.
كما تصف جانباً آخر من معاناة الشاعر في علاقته مع الحبيبته، تلك المعاناة قائمة على صراع نفسي بين تعلق القلب بها، ومحاولة الشاعر البحث عنها ، تلك الحبيبة التي لم يستطع الشاعر أن يقف على حقيقة مشاعرها نحوه ، وتأتي في هذا السياق وظيفة “الواو”،
بوصفها أداةً لضم مجموعة من الدلالات التي تصف ظروف الشاعر . إن الشاعر من خلال وصل تلك الدلالات وضمها إلى بعضها بواسطة” الواو” استطاع أن يوصل نوعا من إحساساته النفسية ، ومشاعر قلبه تلك المشاعر المتناقضة المتصارعة ،الموحية بالحيرة التي كانت تكتنف الشاعر ، وعلى الرغم من التقريرية التي اتصفت بها تلك الأبيات ، فإنها اتسمت بسمة اللغة الشعرية« من حيث إن كلماتها ترقى إلى المستوى الجمالي الاستطيقي الذي لا يبلغه سواها » [10].
ب- “الواو ” الحالية : إن المتأمل في شعر الأزهر عطية، يجد ظاهرة أسلوبية أخرى لها علاقة بالوصل بـ ” الواو”، وتتمثل في تكرار ” واو ” الحال ، وهي فرع عن ” واو ” العطف ، إذ إن عملها ووظيفتها هي عين وظيفة ” واو ” العطف ، وتتمحور وظيفة ” واو” الحال ، في كونها وسيلة من وسائل التصوير ، إذ إنها تتصدر جملة لتصلها بسياق ما، وقد استخرجنا من قصيدة ” أغنيات للزمان” بعض من النماذج [11]:
أيها الرائح ، عرج قد تراني
أظلم الليل وطالت غربتي
متعبا، صرت كيومي
ليس لي الا كلاما
كل ما صار كلام
فالشاعر يصف حالته النفسية المؤلمة، المتعبة المليئة بالأحزان يتحسر من هذا الزمن الذي يمر دون أن يسأل عن حاله هذا المتعب .
وفي قوله أيضا[12]: يذهــــــــــب الليــــــــــــل ويـــــــــــأتي
مــــــــن يــــــزيل الـــــــــهمّ عــــــــــني
نلاحظ أن الشاعر يتحسر من الأيام التي قضاها وحده ، فيتمنى أن يزول هذا الهم الذي بقي ساكنا في قلبه دون أن يرحل منه.
وفي قصيدة ” حبيبتي وشم على صدري” قوله[13] :
لو كان لي جمل
لسابقت الزمان وأهله في رحلتي
فالشاعر يتمنى أن يسبق الزمن، لكي يصل إلى حبيبته البعيدة، الذي تمنى أن يراه قبل أن يفارق الحياة، رغم حزنه فقد رسمها كوشم على صدره كي لا ينساه طول حياته، وإن مات سوف يدفن ذلك الوشم معه.
لقد استطاع الشاعر أن ينقل الانفعالات النفسية لأشخاص، سواء كان هو صاحب التجربة النفسية ، أم غيره من صحبة المرافقين له ، المفترضين في اللوحة الشعرية حيث يبث مضامينه الشعرية في جانب الانفعالات النفسية بكل دقة ، ويركز خاصة على المتلقي الذي يتشوق لقراءة هذا النص الشعري.
جـ- الوصل بـ “الفاء” :فرق علماء المعاني بين دلالة ” الواو ” العاطفة ، وبين دلالة “الفاء” ، إذ إن ” الفاء” العاطفة تحرك الزمن في الفعل الماضي ، وتمده و تمطله ، حتى تبلغ به أول الزمن الذي يليه، أي إن ( الفاء ) تؤدي دور الوصل بين نهاية زمن الفعل السابق وبين بدء زمن الفعل اللاحق ، فثمة فرق بين قولنا : نام وأفاق ولبس ثيابه ، وبين قولنا : نام فأفاق فلبس ثيابه[14].
لقد تجسدت الفاء في موضع واحد فقط في قول الشاعر وهو يصف حاله في قصيدة ” وما زلت أبحث عنك” [15] :
وما زلت تبحث عني
تداركني الليل في غفوتي
فاغرقني
وأغرقني
وأغرقني
أما في قصيدة “على شاطئ الحب” فقد ذكرت الفاء مرتين في قوله[16]:
إلى من يموتون جوعا
فشعري غذاء لهم رغم أنفي
فما قلت شعرا
لغير الحيارى
إذن، فدلالة الفاء في هذه القصيدة هي دلالة الإهداء حيث أن الشاعر يهدي شعره إلى الذين يموتون من أجل الحب، رغم ما حدث لهم من ألم وفراق.
من خلال هذه الأبيات الشعرية، فإن الفاء جاءت في مواضع مختلفة ، وكذلك لها مواضع أخرى تحمل دلالات السرعة في الحدث ، وتسهم في تجسيد معاني الانتقال الخاطف من حال إلى حال.
ومن خلال ما سبق ، نستنتج أن الأزهر عطية استطاع أن يجسد القاعدة العامة في الوصل ، وبمقتضاها يكون الوصل قد حقق دلالته من خلال العناصر الموظفة داخل الديوان، ولاسيما في التعبير الفني. ـ
2– أسلوب الشـــــــرط: يعتبر أسلوب الشرط من أبرز المؤشرات أسلوبيا تركيبياً ، فقد أطلق بعض منظري الأسلوبية على الملامح الأسلوبية ذات الدلالة مصطلح ” المؤشرات الأسلوبية” ، وذلك لكونها عناصر لغوية تظهر في مجموعة سياقية محددة بنسب تتفاوت في معدلاتها كثرة وقلة من حالة إلى أخرى[17] .
كما أنه« تعليق شيء بشيء ، بحيث إذا وجد الأول وجد الثاني ، وقيل : الشرط ما يتوقف عليه وجود الشيء ويكون خارجاً على ماهيته »[18]؛ إذن هناك تعليق في الأسلوب الشرطي، وهذا التعليق إما معنوي ، أو نظمي لفظي بأداة الشرط ، والأداة : مبنى تقسيمي يؤدي معنى التعليق ، والتعليق بالأداة أشهر أنواع التعليق في العربية[19].
والناظر في ديوان الأزهر عطية لا يكاد يجد قصيدة ، تخلو من ذلك الملمح الأسلوبي حيث جاءت نسبة تواترها مئة وثلاثة حرفا دالا على الشرط.
*أدوات الشرط :
أ- ” مَنْ ” : تكون “من” اسم شرط جازما فعلين الأول فعل الشرط والثاني جوابه أو جزاؤه وتسمى من الجزائية[20]، وقد استخدم الشاعر ” من ” تركيبا ودلالة في الجمل الفعلية المصدرة بفعل مضارع وهذا دال على دور ” من” في القصيدة ،وما تركته من أثار في نفسية الشاعر وهذا من خلال قصيدة ” تذكر” وفي قوله[21]:
تذكر… تذكر….
تذكر ،ولا تستحي
فمثلك لا يستحي
ومثلك من يتذكر.
لم يستعمل الشاعر بكثرة ” من ” رغم أهميتها، حيث أن الشاعر يرغم نفسه على أن يتذكر ذكريات الماضي الحزين، ذكريات خالدة في ذهنه لا تنسى.
ب- ” متى ” : ومن أدوات الشرط التي وردت في شعر الأزهر عطية ( متى ) ، وهي اسم شرط ظرف زمان ، وتستعمل في الشرط المترجح بين أن يكون أو ألا يكون [22]، وقد وظفها الشاعر في سياقات متعددة .
وفي قوله في قصيدة ” أغنيات للزمن” :[23]
فمتى يأتي الصباح؟
ومتى الشمس تعود؟
تسكت الريح.
يخرس الرعد.
يذهب الليل.
يولد الحب.
والعصافير تعود.
وظف الشاعر “متى” مرتين فقط في هذه القصيدة، وهذا دال على أن متى لها دلالة التمنى، حيث أن الشاعر يتألم من الزمن البعيد يتمنى أن تشرق الشمس لكي تذهب هذا الظلام الأسود الذي احتل كل أيامه .
أما في قصيدة ” وما زلت أبحث عنك” قد وردت ( متى ) مرة واحدة وفي قوله:[24]
ولما سألتك طير الشتاء
متى ترحلين إلى قلبها
وكان الربيع، أجبت.
فالشاعر يسأل الطيور عن رحيلها، لكي يرسل معها سلامه إلى حبيبته المتغربة متى يرحل لكي يرسل سلامه لحبيبته، فـ “متى” حملت دلالات مختلفة في القصيدة من التساؤلات والحيرة والتحسر إلى غير ذلك.
جـ- ” لو ” : تفيد ” لو” أكثر من دلالة في سياق الشرط، وهي من الحروف الهوامل ، وفيه معنى الشرط ، ومعناها امتناع الشيء لامتناع غيره، ولا يليها إلا الفعل مظهرا أو مضمرا [25]، كما تدل على ثلاثة أمور :عقد السببية والمسببية، وكونهما في الماضي، وامتناع السبب، ثم تارة يعقل بين الجزأين ارتباط مناسب وتارة لا يعقل[26].
أما في شعر الأزهر عطية ، فنجده قد وظف لو في سياقات متعددة .
وفي قصيدة ” رسائل السندباد الصغير” قد وردت ” لو” مرة واحدة فهي دالة على التعب والغربة، وفي قوله [27]:
أنا عائد لو تراني
شراعي ممزق
جسمي ممزق
أما في قصيدة ” حبيبتي وشم على صدري” قد وردت ” لو” مرتين ،وفي قوله[28]:
لو كان لي وتر
لأطربت الذي في قبره في محنتي
لو كان لي ما ليس ،يا صاحبي
استعمل الشاعر لو الشرطية ليتمنى أشياء لا يملكها في هذه الدنيا غير الوتر الذي يحمله بين أحضانه وهدفه أن يطرب به كل حزين ومقهور من هذه الدنيا.
لقد أدت أدوات الشرط دورا هاما في قصائد الأزهر عطية، كالربط والمعلق لجزئي الجملة الشرطية ” فعل الشرط وجوابه “،وقد وفق في استعماله لهذا الأسلوب .
3- أسلوب التوكيـــــــد :التوكيد تابع يعيد المعنى الحاصل قبله بما يفيد تقويته وتثبيته، أو تعيينه وشموله، وهو يتبع المؤكد في إعرابه المتجدد وهو نوعان: توكيد لفظي، وتوكيد معنوي[29].
كما أن التوكيد يتعلق بالمعنى ويختص به قبل كل شيء ،وأن مصدره والدافع إليه هو حرص المتكلم على تقرير المعنى الذي يريد أن ينقله إلى السامع، ويرى ضرورة تقوية هذا المعنى وتوكيده، فمن المعنى عند المتكلم تبدأ فكرة التوكيد[30].
وقد جاء تواترها في الديوان أربعون مرة ،وهذا دال على اهتمام الشاعر بهذا الأسلوب، إذ قسمه إلى نمطين: التوكيد بالحرف، التوكيد بالقسم،
أ- التوكيد بالحرف : لقد استعمل الأزهر عطية معظم الحروف التي تفيد معنى التوكيد ، وهي : ” قد ” ، و “إن”، و ” الباء” الزائدة ، و ” ما ” الزائدة الداخلة على ” إذا ” الظرفية ، و ” لا” الزائدة بين العاطف والمعطوف.
1- ” قد “: قد تفيد التحقيق إذا دخلت على ماض ، أي : تحقيق وقوع الفعل ، وهذا التحقيق مفض إلى معنى التوكيد[31]، وتوجد بنسبة كبيرة في قصائده.
من ذلك قول الأزهر عطية في قصيدته ” تذكر” [32]:
أمازلت تذكر؟
أيا ماضيا قد مضى
ويا سيدا قد قضى
كذا كنت بالأمس يا سيدي
من خلال هذه الأبيات نلاحظ أن حرف توكيد ” قد “، اتصل بالفعل الماض وقد دل على أيام حزينة مضت ولم تعد.
كما نجد الشاعر وظف ” قد” في قصيدة ” رسائل السندباد الصغير” وفي قوله [33] :
وأبحرت يا أصدقائي
وفي زورقي قد حملت السلام
رفعت الشراع
سرحت الحمام .
وسافرت في مركبي
أطوف البحار
أجوب القفار.
نلاحظ من خلال هذه الأبيات ،نجد ” قد” أفادت تبليغ السلام والأمان، الذي يريد تحقيقه الشاعر من خلال سفره البعيد.
وفي قصيدة ” مقاطع إلى حبيبتي ” يقول الشاعر[34]:
لا تلمني
كنت طفلا
إنما الصبر جميل.
هكذا جئتك، والقلب جريح.
عندما كنت أحبك.
غير أني قد هجرتك .
غير أني قد هجرتك .
غير أني قد هجرتك .
نلاحظ أن حرف “قد ” تكرر عدة مرات، وهذا راجع إلى أن الشاعر، قد أكد لنا أنه قد غادر حبيبته دون عودة.
2- ” لام ” التوكيد: هي « التي تكون زائدة لتأكيد معنى الجملة وتقع إما بين الفعل ومفعوله أو بين فعلين» [35]، من ذلك قولـــــــــــه الشاعر في قصيـــدة ” رسائل السندباد الصغير”[36]:
لقد صرت يا صاحبي
سندبادا كبيرا
وأصبحت أدعى وزيرا
وأعطي الأوامر.
بقصر الأمير
نلاحظ أن الشاعر بدا منفعلاً مع مضمون رسالته التي أراد إبلاغها لصاحبه ، فالتوكيد في هذا السياق مثل قوة ضغط على نفس صاحبه بأنه سوف يصبح وزيرا وفخورا بنفسه.
وفي قوله أيضا في قصيدة ” حبيبتي وشم على صدري ” [37]:
ولقد نسيت متاعبي
ونسيت صوت حبيبتي
وسأسهر الليل الطويل،
مداعبا وتري الحزين، معذبا.
من خلال هذه الأبيات نجد اللام مقترنة بـ ” قد “، فهذا دال على أنه نسى أيامه الحزينة التي قضاها مع حبيبته ،التي أصبحت في الأخير وشم على صدره .
3- إنّ : وقد وظف الشاعر حرف التوكيد ” إن ” لدلالة على مبتغاه، كما يوضح لنا من خلال قصيدة ” على شاطئ الحب ” في قوله[38]:
غنائي وشعري أنا لقمة لا غناء
لكم يا رفاقي
كلوا منه دوما
فلن تدفعوا فيه فلسا
كلوا واضحكوا رغم أنفي
فاني هنا، ليس لي غير شعري
وقلبي وحبي
لكم يا رفاقي
استعمل الشاعر حرف التوكيد “إن” ، ليؤكد أن شعره ليس له فقط، وإنما يشاركه كل من أحبه ومخلصا له.
أما في قصيدة ” أحزان مسافر” فتظهر لنا أداة التوكيد ” إن ” على هذا الشكل في قوله[39]:
أيها الناس اتبعوني
إنني أحرق ذاتي
لأهاجر.
إنني أحمل نفسي
لأسافر .
فالمتأمل لهذه الأبيات ،يلاحظ أن هناك حزن كبير حل بالشاعر، فقد وظف أدة التوكيد “إن” دليل على حزنه حيث قال” إنني أحرق ذاتي” أي أنه موجع ومجروح من كلمات محزنة، لهذا لا يوجد شفاء لهذا الجرح إلا السفر بعيدا بلا عودة.
4-” لا ” الزائدة المقترنة بالعاطف: المسبوقة بـ “لا ” النافية ، وتفيد في هذه الحالة معنى التوكيد[40] .
وفي قول الشاعر من خلال قصيدة ” رسائل السندباد الصغير” [41]:
أخيرا، حللنا بقصر الأمير
رأينا كلاب الأمير
وجدنا شيوخ القبائل
شيوخ ولا يفهمون
سباع ولا يهجمون
جياع ولا يأكلون
شيوخ، كلاب ،
ولا ينبحون .
نلاحظ من خلال هذه الأبيات أن الشاعر وصف لنا قصر الأمير، وأنه وظف ” لا ” الزائدة الدالة على التوكيد،لأنها المناسبة لوصف قصر الأمير.
ب- التوكيد بالقسم: قد عرفه علماء المعاني أنه الحلف ،« على شيء بما فيه فخر أو مدح أو تعظيم ، أو تغزل أو زهو ، أو غير ذلك ، مما يكون فيه رشاقة في الكلام وتحسين له»[42]، كما هو اليمين ، والجمع أقسام ، وأقسمت حلفت وأصله من القسامة[43]، إذ إن القسم في حقيقته ، وسيلة من وسائل الإبداع عند الأديب والمنشئ ،وفي الإقسام على الشيء لدى الشاعر «يكون له مدحاً ، وما يكسبه فخراً ، أو أن يكون هجاءً لغيره ، أو وعيداً له أو جارياً مجرى التغزل والترقق »[44].
ومن السياقات التي تضمنت ( القسم )، في قصيدة ” على شاطئ الحب “[45]:
سأدعو لكم يا رفاقي
وأبكي…وأبكي….
وغيري يغني
وفي نفسه فرحة لا تظاهي
فصبرا رفاقي
فعما قريب
ستأتي طيور السلام
من خلال هذه المقاطع وظف الشاعر حرف التوكيد” السين ” ،الدال على الوعد الذي قطعه الشاعر لأصدقائه أنه سوف يدعو لهم ، ولن ينساهم.
وفي قوله في قصيدة ” ما تيسر من كتاب الحب ” [46]:
معاتبتي
سأقرأ ما تيسر من كتاب الحب
في عينيك يا بلدي
وأشرحه
أعلمه
أقدمه بلا ثمن
لمن كفروا .
يأكد لنا الشاعر في هذه الأبيات أنه سيقرأ كتاب الحب بأكمله، بلا توقف ولا ملل .
وفي قصيدة ” حبيبتي وشم على صدري”[47] :
قمري، سأرقبه، وأحمله
وأحضنه، وأنشره، شموسا
في زمان متاعبي
يا أيها المتنسكون بدار لقمان اخرجوا
إن الزمان تغيرت أحواله
وتري، سأعزفه أنا
قمري، سأحضره أنا
زمني، سأصنعه أنا
وقلوبنا جرح، على زمن المغيب .
فالشاعر يؤكد لنا أنه سيكون سيد المقام ، باستعماله حرف التوكيد ” السين” الدالة على أنه سوف يستمر بحبه لحبيبته، رغم العذاب الذي ألحق به .
وفي قصيدة ” لعينيك حبيبتي ” يقول الشاعر:
عندما يستيقظ الحب بقلبي
أضرم النار بجسمي
ولعينيك أصلي
ولعينيك، لعينيك أغني[48]
وأغني مثل طفل .
وكنور الصبح أمشي
ثم أمشي ، ثم أمشي .
ويجيء الصبح والفجر، يجيء النور والحب ،
يجيء السهل والصعب، يجيء السلم والحرب،
يجيء.
ولعينيك أصلي
ولعينيك أغني، وأغني
ومعي القلب يغني
واللام الداخلة على ” عينيك ” هي ( لام ) التوكيد، وقوله ( لعينيك ) ، من أنماط القسم، وهذا اللفظ يستعمل في القسم ، إذن الشاعر أقسم على شيئين ، الأول أقسم على الصلاة، والثاني: للغناء، فهنا الصلاة عكس الغناء الصلاة عبادة الله وتنهى عن الفحشاء، والغناء محرم وليس مباح ، ومما يدل على تلك المكانة أيضاً أنّ ( الكاف ) في ( لعينيك ) ـ في هذا السياق ـ عائدة إلى الممدوح ، فهو يقول له : ولعينيك أصلي ،ولعينيك أغني، وأغني ، ومن البديهيات أن المقسم إنما يقسم بما يكون مقدس عنده ، عزيز على نفسه ، كما أقسم الله ـ
ومن خلال ما سبق ،فإن أسلوب القسم بوصفه أحد أنماط التوكيد أسلوبياً في شعر الأزهر عطية ، فقد جاء كالرسالة يريد الشاعر إيصالها إلى المتلقي ، وإقناعه بها ، سواء أكان في مواضع المدح أم الفخر ، أم التعظيم .
4-أسلوب النفــــــــي : النفي في اللغة يعني عكس الإثبات، وهو أن ينفي القائل أمرا وجملة خبرية، حيث تحمل الصدق و الكذب، ويكون النفي بالاسم: أنت غير مقيم، وبالفعل مثل: أنا لست مقسما وبالحروف التالية: لم/لما(الجازمتان للمضارع)،لـن/أخوات ليس، ما/إن/لا/لات. وتقوم أدوات النفي بتحديد الزمن الفعل في السياق الكلامي.[49]
وقد استعمل الأزهر عطية أسلوب النفي بشكل قليل حيث قدرت نسبة تواتره عشرة مرات ومن بين الأمثلة التي اخترناها من الديوان [50]:
كيف لا أحرق ذاتي
لأهاجر.
كيف لا أركب نفسي
لأسافر.
فوراء الليل يوم لم يصل.
ووراء الغيم نجم لم يطل.
ووراء البعد وقت لم يحن.
فالشاعر جد حزين لغربته عن وطنه الحبيب، فتوظيف أداة النفي تدل على أنه ينفي نفسه من الوجود لأنه يحي غريبا في مواطن الغربة.
وفي قوله أيضا :
حدثوني عن نجوم الليل،
قالوا:
-ليس فيها ما تريد.
نجمة الصبح تراءت
من بعيد.[51]
ليس فيها ما أريد.
ليس فيها ما أريد.
لعبة الطفل تداعت.
فأداة النفي لعبت دورا فعالا في أبيات القصيدة، فهي تنفي ما يريد الشاعر وتكراره دليل على حزنه على حبيبته التي هاجرته دون وداع.
5-أسلوب الاستفهام : هو أحد الأساليب الإنشائية الطلبية فهو« طلب الفهم، وأما الاستفهام في النحو فهو أسلوب يطلب به العلم بشيء مجهول»[52].
كما أنه« أوفر أساليب الكلام معانيا، وأوسعها تصرفا، وأكثرها في مواقف الانفعال ورودا، ولذا ترى أساليبه تتوالى في مواطن التأثر، وحيث يراد التأثير، وهيج الشعور لا استمالة والإقناع، فإذا صح القول: إن للكلام قمة عليا في البلاغة، كان أسلوب الاستفهام محتلا أعلى مكان في تلك القمة » [53].
وقد وظف الشاعر الاستفهام بكثرة في قصائده حيث كانت نسبة تواتره خمسة وثلاثون مرة ، وكان هدف الأزهر من استعمال هذا الأسلوب لسبب عشقه، وحزنه لفراق حبيبته، وكذلك تأثره بالقضية العربية وما كان يحدث في لبنان، والجزائر ، من أوضاع سياسية، واجتماعية خاصة في فترة الثمانيات، ومن بين النماذج التي اخترناها من الديوان:
سحب على بلدي
فهل سلك الشراع طريقه
سحب وأمطار،
فهل عرف الرفاق دروبهم؟[54]
وفي قوله أيضا:
كيف لا ألهب نفسي
كيف لا أغرقها
كيف لا أحرق ذاتي
وفي قوله وهو يعاتب حبيبته على فراقه[55]:
أين يا أيتها العذراء قلبك؟
أين وجهك؟
أين يا أيتها الحسناء حبك؟
يبتغيه الضعفاء.
أين صوتك؟
يفتديه الفقراء.
6- أسلوب التعجب : وهو نداء يقصد به التعجب من شيء جميل، كما يستخدم هذا الأسلوب لتوضيح حالة نفسية خاصة، بالنسبة للمتكلم. والباعث على هذا الأسلوب هو:
-رؤية شيء عظيم فينادى إعجابه
-أن ينادى من له صلة وثيقة بذلك الشيء
-يكون هذا الأسلوب في البغض[56]
فنلاحظ في ديوان الأزهر عطية أسلوب التعجب بنسبة قليلة حيث ذكره مرتين فقط ،ومن بين الأمثلة التي اخترناها من الديوان وهو متعجبا من موقف الأمير:
وسقنا لقصر الأمير
وقفنا أمام القضاة [57]
ويا للعجب!..
بأمر الأمير
وحكم القضاة.
7-أسلوب المدح والذم: وهو من الأساليب الإنشائية ،يستعمله الشاعر لتعبير عن شيء يحبه أو يحتقره، ومن بين المقاطع المستوحاة من الديوان [58]:
يا صاحب الوجه الجميل.
يا صاحب الرمح الطويل.
يا أيها العربي، من قحطان،
أو عدنان، جدك كان،
في زمن المصاعب عاشقا
والناس تعرفه.
أما في ذم المستعمر الصهيوني الذي احتل لبنان، وفي قوله[59] :
فاضحكي بيروت،
هذا زمن العهر وحكم الببغاوات.
فاضحكي بيروت،
هذا وطن القحب وبيت المومسات.
اضحكي، لا تحزني اليوم.
فنلاحظ من خلال هذه الأبيات، أن أسلوب الذم له دلالة خاصة لدى الشاعر، رغم أنه لم يستعمله بكثرة في ديوانه، فكره الشاعر للمستعمر الصهيوني وحكامه جعله يذمهم بكل قوة .
8-أسلوب النهــــي: ” وهو طلب الكف عن الفعل على وجه الاستعلاء والإلزام”[60]، كما يمكن أن يخرج النهي عن معناه الحقيقي لأغراض أخرى مثل التمني التوبيخ التهديد….الخ، وقد جاء بنسبة قليلة ،ومن بين الأمثلة التي نستشهد بها من الديوان في وصفه لقصر الأمير وحاشيته[61]:
أخيرا، حللنا بقصر الأمير
رأينا كلاب الأمير
وجدنا شيوخ القبائل
شيوخ ولا يفهمون
سباع ولا يهجمون
جياع ولا يأكلون
شيوخ، كلاب،
ولا ينبحون.
9-أسلوب التمنـــــــــــي :
هو طلب حصول شيء محبب سواء كان هذا الشيء ممكنا أو مستحيلا، ولفظ الموضوع له ليت [62].
وقد جاء في الديوان بنسبة قليلة جدا ،ومن المقاطع التي اخترناها من الديوان، حيث أن الشاعر يتمنى أن يسابق الزمن ليلتحق بحبيبته التي أصبحت وشما على صدره وفي قوله:
لو كان لي جمل
لسابقت الزمان وأهله في رحلتي
لو كان لي وتر
لأطربت الذي في قبره في محنتي
لو كان لي ما ليس لي، يا صاحبي[63].
10- التقديم والتأخير : إن للتقديم والتأخير يعد مظهراً مهماً من« مظاهر كثيرة تمثل قدرات إبانة ، أو طاقات تعبيرية ، يديرها المتكلم اللقن إدارةً حية واعية ، فيسخرها تسخيراً منضبطاً للبوح بأفكاره ، وألوان أحاسيسه ، ومختلف خواطره ، ومواقع الكلمات من الجملة عظيمة المرونة كما هي شديدة الحساسية ، وأي تغيير فيها يحدث تغييرات جوهرية في تشكيل المعاني ، وألوان الحس ، وظلال النفس » [64]؛أي أنه يعد مظهر من مظاهر تفاعل النفس مع الشيء.
كما يعتبر من أساليب علم المعاني والتقديم،« هو تناسب يتم عن طريق حمل اللفظ على اللفظ في الترتيب حيث تكون معايير التقديم والتأخير تتم عن طريق تركيب الجمل وذلك لأن نظام الجملة يقوم على ترتيب الألفاظ » [65]؛ أي أن هذه الجمل يجب أن تكون متسلسلة ومرتبة لكي لا تنعت بالغرابة وعدم الوضوح.
كما له أهمية في طريقة التعبير، وهذا ما أكده عبد القاهر الجرجاني في قال : « هو باب كثير الفوائد ، جم المحاسن ، واسع التصرف ، بعيد الغاية ، لا يزال يفتر لك عن بديعةٍ ، ويفضي بك إلى لطيفةٍ ، ولا تزال ترى شعراً يروقك مسمعه ، ويلطف لديك موقعه ، ثم تنظر فتجد سبب أن راقك ، ولطف عندك ، أن قدم فيه شيء ، وحول اللفظ عن مكان إلى مكان » [66]؛ أي أن عبد القاهر وضح لنا أن التقديم والتأخير، له أهمية كبيرة بين وسائل التعبير دون أن ينكر جوانب الإبداع الأخرى.
وقد جاء أسلوب التقديم والتأخير عند الأزهر عطية على النحو الآتي:
أ-تقديم الخبر على المبتدأ: الأصل في الجملة الاسمية ، أن يتقدم المبتدأ على الخبر ، أو المسند إليه على المسند ، إلا أنه ثمة سياقات عدلت عن هذا الترتيب ، فجاء المسند أو الخبر متقدماً على المسند إليه.
إن معظم مسوغات العدول التركيب تعود إلى عرض العناية والاهتمام بالمقدم به ، قال عبد القاهر الجرجاني : « وأعلم أنا لم نجدهم اعتمدوا فيه شيئاً ـ أي التقديم ـ يجري مجرى الأصل غير العناية والاهتمام» [67].
والناظر في شعر الأزهر عطية ، وأسلوب توظيفه هذا النمط ( تقديم الخبر على المبتدأ ) ، يجد أنه قد أكثر منه في سياقات مختلفة ، ومثال ذلك قوله في قصيدة ” مقاطع من الحبشة”[68] :
وتمشي خطاها الضليله
على رملة ليس فيها حياة
على مهلها كالضريره .
إذا ما اشتكت، جاءها صوتها، ليس إلا
شعاب كبيره.
بأرض العشيره.
من خلال هذه الأبيات نلاحظ أن الشاعر وصف لنا حالة السنون الحزينة التى مرت بها العشيرة التي عاش فيها، كما نجد أنه قدم الخبر عن المبتدأ ، وأن الخبر جاء شبه جملة ” على رملة ليس فيها حياة” ، ووصف رمل الصحراء على أنه ليس فيه حياة ، وأنه مجرد ذكريات حزينه.
وفي قوله أيضا في قصيدة” من مفكرة متطوع”:
غائب أنت ،وتأتي
كلما عاد القمر[69]
***
منعشا، كان المساء .
مفرحا، كان اللقاء .
زارني يوما وكان .
متعبا كان .
نلاحــــظ من خلال هذه الأبيات أن الشاعر استعمل عنصر التقديم لدلالة على نفسيته المتعبة، فالكلمات التي استعملها في التقديم ” منعشا، مفرحا” دالة على الراحة والرفاهية، و” غائب ، متعبا” دالة على المشقة والحزن .
كما نلاحظ في قصيدة ” أغنيات للزمان” تقديما وظفه الشاعر لدلالة على وصف هذا الأمير المتكبر حيث قال [70]:
شاعرا، كان الأمير .
مثلما كان ابن برد
مثلما كان النواسي
ب-تقديم المبتدأ عن الخبر: وهو« الأصل تقديم المبتدأ وتأخير الخبر ؛لأنه وصف في المعنى للمبتدأ فحقه أن يتأخر عنه وضعا، كما هو متأخر عنه طبعا » [71].
نجد في قصائد الأزهر عطية تقديم المبتدأ عن الخبر، هذا ما نجده في قصيدة ” من مفكرة متطوع “[72]:
وجهه ، كان جميلا
صوته كان لطيفا
قلبه كان .
نلاحظ من خلال هذه الأبيات أن المبتدأ تقدم عن الفعل والخبر وجوبا، وهذه دلالة على أن الشاعر كان يقصد من تقديم المبتدأ، وهذا راجع إلى حالته النفسية التي يمر بها.
ومن ما سبق ذكره، وصلنا إلى أهم نتائج وهي كالآتي :
1-لقد نوع الشاعر في استعمال الأساليب التركيبية، حيث كشفت عن معاني كثيرة تجاوزت المباشرة لتدل على إيحاءات خاصة بها، فمثلا استعماله لأسلوب الوصل والاستفهام والشرط و التمنى والنهي إلى غير ذلك، لإفادة معاني بلاغية ذات دلالات تتعلق بنفسية الشاعر، من تنكير و تعجب ونصح وإرشاد ، وهذا ما أدى إلى إثراء الظاهرة الأسلوبية وجعلها في قالب جديد تتصف بالإيحاءات الجديدة وآفاق واسعة ومتنوعة.
2-أما عن التقديم والتأخير فقد استعمله الشاعر كتقنية للبوح عن أفكاره وأحاسيسه، والظروف التي يمر بها، حيث أنه لم يستعمله بكثرة في شعره،رغم أهميته البلاغية لدى الأدباء والنقاد.
المصادر والمراجع :
المصادر:
1 – الأزهر عطية ، السفر إلى القلب، المؤسسة الوطنية للكتاب، ط1، الجـــــزائر، 1984 م.
المراجع:
2 – أبو الحسن علي بن محمد بن علي الجرجاني ، التعريفات ، مكتبة لبنان ـ، ط2 ، بيروت،1985 م .
3 – أبو الحسن علي بن عيسى الرماني النحوي .كتاب معاني الحروف ، تح : د. عبد الفتاح إسماعيل شلبي ، ط2. دار الشروق، 1981م.
4- أحمد مطلوب ، معجم المصطلحات البلاغية وتطورها ، مطبعة المجمع العلمي العراقي ،ج 3، ط1، بغداد، 1987م.
5- ابن هشام الأنصاري ، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب ، ج2، تح : محمد محي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية ،بيروت ،1991م.
6– ابن هشام الأنصاري ، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب ،ج1، تح : محمد محيي الدين عبد الحميد ، المكتبة العصرية، بيروت، 1991م.
7- ابن أبي الإصبع المصري . تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر وبيان إعجاز القرآن ،تح: حفني محمد شرف ،المجلس الأعلى لشؤون الإسلامية، القاهرة ، 1963م .
8- بان الخفاجي ، مراعاة المخاطب في النحو العربي، دار الكتب العلمية، دط، بيروت، 2008م.
9 – تمام حسان ، اللغة العربية معناها ومبناها ، دار الثقافة ،دط، الدار البيضاء، دت .
10- تمام حسان، مناهج البحث في اللغة ، دار الثقافة ، دط، الدار البيضاء ، دت .
11- جلال الدين السيوطي ،الأشباه والنظائر ، دار المعارف العثمانية، ط2 ـ، حيدر آباد ـ الدكن، 1942م .
12 – جان كوهن ، بنية اللغة الشعرية ، تر : محمد الولي ، دار توبقال للنشر ، ط1 ، الدار البيضاء ، 1986 م.
13- سعد الدين التفتازاني ، المطول شرح تلخيص المفتاح، تح: عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية، ط1،بيروت، دت.
14- صلاح فضل .علم الأسلوب مبادئه وإجراءاته ، مؤسسة مختار للنشر والتوزيع، دط،ـ القاهرة ،دت.
15-صالح بلعيد :الإحاطة في النحو، النحو الوظيفي ،ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1994 م.
16- عبد السلام المسدي ،الأسلوبية والأسلوب ، الدراسات الأسلوبية والبنيوية ، الدار العربية للكتاب ، ط2 ،تونس، 1982 م.
17- عز الدين إسماعيل ، الأسس الجمالية في النقد العربي، عرض وتفسير ومقاربة ، دار الفكر العربي ،دط، 1974 م .
18- عبد القاهر الجرجاني ، دلائل الإعجاز ،مكتبة الخانجي، دط، القاهرة، دت.
19 – عزيزة فوال بابتي، المعجم المفصل في النحو العربي،ج2،دار الكتب العلمية، دط، بيروت، 2017م.
20- عمرو عيلان . خمسون عاما في مديح النساء لنزار قباني مقاربة تركيبية أسلوبية، محاضرة ألقيت في دمشق، 2005م.
21- عبد الكريم محمود يوسف، أسلوب الاستفهام في القرآن الكريم، مطبعة الشام،ط1،دمشق،2000م.
22- عبد الفتاح داود كاك، الحماسة الشجيرية، رسالة دكتوراه ، الجامعة الإسلامية غزة، 2017م.
23- عبد الحليم بن عيسى، القواعد التحويلية في الجملة العربية، دار الكتب العلمية ،بيروت، 2011م.
24- فيلي ساندريس، نحو نظرية أسلوبية لسانية، تر: خالد محمود جمعة، دار الفكر، ط1،دمشق، 2003م.
25 – فهد خليل زايد، التوابع بين الألفية والواقع ، دار يافا ،ط1،عمان ، 2009م.
26- لطفي عبد البديع ، الشعر واللغة ، مكتبة لبنان ، ط1 ، لبنان ، 1997 م.
27- محمد عبد المطلب ،البلاغة والأسلوبية ،دار نوبار للطباعة،ط1،القاهرة ،1994 م.
28 – محمد أبو موسى، دلالات التراكيب ، مكتبة وهبة ،ط2، القاهرة، 1987م.
29- محمد عرفة الدسوقي، حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب ،ج2،تح: عبد السلام محمد أمين، دار الكتب العلمية،بيروت،2012م.
30- محمد أبو موسى، دلالات التراكيب دراسة بلاغية ، مكتبة وهبة ، ط1، القاهرة ، 1979 م .
31- محمد خليف خضر، المعايير البلاغية في الخطاب النقدي العربي القديم، دار غيداء ،عمان، 2011م.
32– وفيق الشعبي، أساليب التوكيد في القرآن الكريم، دار الفلاح للنشر والتوزيع، دط، الأردن، 2016م.
33- يحيى بن حمزة العلوي، الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز ، دار الحديث ،القاهرة ، 133 هـ ـ 1914 م.
[1] – محمد عبد المطلب ،البلاغة والأسلوبية ،دار نوبار للطباعة،ط1،القاهرة ،1994 م، ص:48.
[2] – عبد السلام المسدي ،الأسلوبية والأسلوب ، الدراسات الأسلوبية والبنيوية ، الدار العربية للكتاب ، ط2 ،تونس، 1982 م، ص: 56.
[3] -فيلي ساندريس، نحو نظرية أسلوبية لسانية، تر: خالد محمود جمعة، دار الفكر، ط1،دمشق، 2003، ص:110.
[4] -المرجع نفسه ، ص:109.
[5] – عز الدين إسماعيل ، الأسس الجمالية في النقد العربي، عرض وتفسير ومقاربة ، دار الفكر العربي ،دط، 1974 م ،ص:239.
[6] – تمام حسان، مناهج البحث في اللغة ، دار الثقافة ، دط، الدار البيضاء ، دت ص: 207.
[7] – جان كوهن ، بنية اللغة الشعرية ، تر : محمد الولي ، دار توبقال للنشر ، ط1 ، الدار البيضاء ، 1986 م. ص ص: 157، 158.
[8] – عبد القاهر الجرجاني ، دلائل الإعجاز ،مكتبة الخانجي، دط، القاهرة، دت، ص:224.
[9] – الأزهر عطية ، السفر إلى القلب، ص: 85.
[10] – لطفي عبد البديع ، الشعر واللغة ، مكتبة لبنان ، ط1 ، لبنان ، 1997 ، ص: 5.
[11] – الأزهر عطية، السفر إلى القلب، ص: 44.
[12] – المصدر نفسه ، ص:52.
[13] – المصدر نفسه، ص:93.
[14] – محمد أبو موسى، دلالات التراكيب ، مكتبة وهبة ،ط2، القاهرة، 1987، ص:344.
[15] – الأزهر عطية، السفر إلى القلب، ص: 89.
[16] – المصدر نفسه ، ص: 9.
[17] – صلاح فصل .علم الأسلوب مبادئه وإجراءاته ، مؤسسة مختار للنشر والتوزيع،دط،ـ القاهرة ،دت، ص: 219.
[18] – أبو الحسن علي بن محمد بن علي الجرجاني ، التعريفات ، مكتبة لبنان ـ، ط2 ، بيروت،1985 م ،ص: 131.
[19] – تمام حسان ، اللغة العربية معناها ومبناها ، دار الثقافة ،دط، الدار البيضاء، دت ،ص: 123.
[20] – عزيزة فوال بابتي، المعجم المفصل في النحو العربي،ج2،دار الكتب العلمية،دط، بيروت، 2017، ص:1060.
[21] – الأزهر عطية ، السفر إلى القلب، ص: 16.
[22] – جلال الدين السيوطي ،الأشباه والنظائر ، دار المعارف العثمانية، ط2 ـ، حيدر آباد ـ الدكن، 1942م .ص:230.
[23] – الأزهر عطية ، السفر إلى القلب، ص:45.
[24] – المصدر نفسه، ص:85.
[25] – أبو الحسن علي بن عيسى الرماني النحوي .كتاب معاني الحروف ، تح : د. عبد الفتاح إسماعيل شلبي ، ط2. دار الشروق، 1981م، ص: 101 .
[26] – ابن هشام الأنصاري ، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب ،ج1، تح : محمد محيي الدين عبد الحميد ، المكتبة العصرية، بيروت، 1991، ص: 258.
[27] – الأزهر عطية ، السفر إلى القلب، ص:29.
[28] – المصدر نفسه، ص:93.
[29] – فهد خليل زايد، التوابع بين الألفية والواقع ، دار يافا ،ط1،عمان ، 2009، ص : 13.
[30] – وفيق الشعبي، أساليب التوكيد في القرآن الكريم، دار الفلاح للنشر والتوزيع،دط، الأردن، 2016،ص:6.
[31] – ابن هشام الأنصاري ، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب ، ج2، تح : محمد محي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية ،بيروت ،1991، ص : 197.
[32] – الأزهر عطية ، السفر إلى القلب ، ص ص: 13، 14 .
[33] – المصدر السابق، ص : 25 .
[34] – المصدر نفسه ، ص:40.
[35] – عزيز فوال بابتي، المعجم المفصل في النحو العربي ، ص : 872.
[36] – الأزهر عطية ، السفر إلى القلب ، ص : 28 .
[37] – المصدر السابق، ص:98.
[38] – الأزهر عطية ، السفر إلى القلب ، ص:10.
[39] – المصدر السابق ، ص :38.
[40] – محمد عرفة الدسوقي، حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب ،ج2،تح: عبد السلام محمد أمين، دار الكتب العلمية،بيروت،2012، ص :92.
[41] – الأزهر عطية ، السفر إلى القلب ، ص:38.
[42] – يحيى بن حمزة العلوي، الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز ، دار الحديث ،القاهرة ، 133 هـ ـ 1914 م. ص: 153 .
[43] – أحمد مطلوب ، معجم المصطلحات البلاغية وتطورها ، مطبعة المجمع العلمي العراقي ،ج 3، ط1، بغداد، 1987م، ص:136.
[44] – ابن أبي الإصبع المصري . تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر وبيان إعجاز القرآن ،تح: حفني محمد شرف ،المجلس الأعلى لشؤون الإسلامية، القاهرة ، 1963م ،ص : 327 .
[45] – الأزهر عطية ، السفر إلى القلب ، ص:11.
[46] – المصدر نفسه ، ص :31.
[47] – المصدر السابق ، ص :98 .
[48] – المصدر السابق، ص ص : 79، 80.
[49] – عمرو عيلان . خمسون عاما في مديح النساء لنزار قباني مقاربة تركيبية أسلوبية، محاضرة ألقيت في دمشق، 2005. نقلا عن : صالح بلعيد :الإحاطة في النحو، النحو الوظيفي ،ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1994 ،ص:11.
[50] – الأزهر عطية ، السفر إلى القلب ، ص:36.
[51] – المصدر نفسه، ص:41.
[52] – عبد الكريم محمود يوسف، أسلوب الاستفهام في القرآن الكريم، مطبعة الشام،ط1،دمشق،2000،ص:8.
[53] – عبد الفتاح داود كاك، الحماسة الشجيرية، رسالة دكتوراه ، الجامعة الإسلامية غزة، 2017، ص ص: 145،146.
[54] – الأزهر عطية ، السفر إلى القلب ، ص:21.
[55] – المصدر نفسه، ص:37.
[56] – عمرو عيلان . خمسون عاما في مديح النساء لنزار قباني مقاربة تركيبية أسلوبية،ص:5.
[57] – الأزهر عطية ، السفر إلى القلب ، ص:28.
[58] – المصدر نفسه، ص:95.
[59] – المصدر السابق، ص:83.
[60] – بان الخفاجي ، مراعاة المخاطب في النحو العربي، دار الكتب العلمية، دط، بيروت، 2008،ص:239.
[61] – الأزهر عطية ، السفر إلى القلب ، ص:27.
[62] – ينظر: التفتازاني سعد الدين، المطول شرح تلخيص المفتاح، تح: عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية، ط1،بيروت، ص:407.
[63] – الأزهر عطية ، السفر إلى القلب ، ص:94.
[64] – محمد أبو موسى، دلالات التراكيب دراسة بلاغية ، مكتبة وهبة ، ط1، القاهرة ، 1979 م ، ص: 175 .
[65] -محمد خليف خضر، المعايير البلاغية في الخطاب النقدي العربي القديم، دار غيداء ،عمان، 2011،ص: 135.
[66] – عبد القاهر الجرجاني ، دلائل الإعجاز ، ص: 106.
[67] – المرجع السابق، ص: 107.
[68] – الأزهر عطية ، السفر إلى القلب ، ص:6.
[69] – المصدر نفسه ، ص ص: 65، 66 .
[70] – المصدر السابق ، ص ص:46، 47.
[71] – عبد الحليم بن عيسى، القواعد التحويلية في الجملة العربية، دار الكتب العلمية ،بيروت، 2011،ص: 48.
[72] – المصدر نفسه ، ص : 67.