
من القص إلى الميتاقص: نحو وعي الرواية لذاتها
From storytelling to Métafiction : towards the self-consciousness of the novel
أ.بوبكر النية، قسم اللغة العربية وآدابها – جامعة الجزائر 2 – الجزائر
Boubakeur nia, Département of arabic language and de literature – University Alger 2 – Algérie
مقال منشور في حمل من هنا: مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 59 الصفحة 59.
الملخص:
تودّ هذه الدراسة الإحاطة بالأطر النظرية والمرجعيات الفلسفية والتجارب الجمالية التي دفعت السرد المعاصر نحو وعي ذاته، والابتعاد عن الغايات التقليدية التي كانت تهدف إليها الرواية، وهي تمثيل ووعي العالم وعيا مطلقا، إذ يبتعد السرد المعاصر عن كل تلك الغايات ليهتم بتمثيل ذاته قبل أن يكون انعكاسا لواقع ما، وقد مهدت المقولات النظرية الخاصة بما بعد الحداثة لهذا الانتقال من سرد العالم إلى سرد السرد، من القص إلى الميتاقص، ليكون النص الروائي منشغلا بذاته، ومقدما طريقة تشكله تفسيرا ونقدا، وتعدّ هذه الانعكاسية الذاتية أهم تحول جاءت به رواية ما بعد الحداثة، واعتنت به جماليا ونقديا، لكن من دون أن ننكر المحاولات الأولية في الكتابة الميتاقصية التي سبقت فترة ما بعد الحداثة بكثير، وسنبيّن كل ذلك في هذه الدراسة من خلال تحديد مجموعة من النقلات من القص إلى الميتاقص، بدءا بالمهاد الفلسفي، إلى التجلي الجمالي، ثم الوعي النقدي، لنصل إلى التحديد الإجرائي الذي يخص مصطلح ومفهوم الميتاقص.
الكلمات المفتاحية: ما بعد الحداثة، الانعكاسية الذاتية، التمثيل، الميتاقص، النقد.Summary :
This study would like to take note of the theoretical frameworks, philosophical references and aesthetic experiences that have pushed the contemporary narrative towards the same consciousness, and to move away from the traditional aims of the novel, namely, the representation and awareness of the world at all, as the contemporary narrative departs from all those ends to take care of the representation Itself before it is a reflection of a reality, the postmodernism theoretical sayings of this transition from the narrative of the world to narrative narratives, from storytelling to Métafiction, have paved the narrative to be self-preoccupied, and advance the way it forms an explanation and criticism,This self-reflection is the most important transformation of the post-modern novel, and I take care of it aesthetically and critically, but without denying the initial attempts at métafictionnicsm writing that preceded the very post-modernism period, we will show all this in this study by identifying a range of moves from storytelling to Métafiction, beginning The philosophical preface, the aesthetic manifestation, then the critical consciousness, to arrive at the procedural definition of the term and concept of Métafiction.
Keywords: post-modernism, self-reflective, acting, Métaficiton, critique.
تمهيــد:
تميزت رواية ما بعد الحداثة شكلا ومضمونا، وحاولت أن تحدد لنفسها تجليا يبعدها عن كل القوالب السردية السالفة، وهذا ما يذهب إليه “مالكوم برادبري” (Malcolm Bradbury) حينما يضع الرواية المعاصرة في موضع بعيد عن التصنيفات والمرجعيات السابقة، حيث قامت الرواية في السابق على مصدرين أساسيين هما: الجمالية الواقعية لرواية القرن التاسع عشر التي تؤكد على المرجعية والتعبيرية التاريخية للرواية، متمثلة في خطاب يعتمد على (الحبكة) و(الشخصية)، والآخر الجماليات الحديثة لرواية أوائل القرن العشرين التي تؤكد على المصادر الشكلية والرمزية للعمل الروائي، متمثلة في إعطاء أهمية كبرى للقالب والشكل والأسطورة والخلق الروائي. الرواية المعاصرة تبتعد عن كل هذا نحو نص من إنتاج وعي مؤلفه، ليس مشروطا أو محكوما بالشخصيات، أو بأبعاد مخططة مسبقا، ولا بأنساق من القيم والعواطف، ولكن بإيقاع الإنشاء نفسه بحيث يصبح النص مكتفيا بذاته، ومن ناحية أخرى الافتتان بالعملية الروائية كمحاكاة تهكمية للشكل – بحيث يصبح شبيها ببنية اللعبة يمكن أن تقوم بها بالإبدال والتبديل – ويصبح الكاتب والشخصية والحبكة والقارئ جزءا من موضوع الرواية[1]، هكذا يكون السرد مكتفيا بذاته ومنعكسا على فعل الحكي ذاته، وقد تحول السرد لهذا الشكل النرسسي انطلاقا من معطيات عديدة مثلما سنوضح في ما يلي.
من الناحية الفلسفية يمكن القول أن الرواية تحولت من “القص” إلى “الميتاقص” عبر فكرتين رئيسيتن:
- تحول الفكر من السؤال الابستمولوجي إلى السؤال الأنطولوجي، ومن ثم تحولت الرواية لتعيي ذاتها ولتجيب عن سؤال وجودها، وبذلك لم ينشغل السرد بتقديم العالم بقدر ما انشغل بتقديم ذاته وعالمه الخاص.
- نقد التمثيل والمحاكاة التي خضعت لها الرواية، ووصفت أدبيتها من خلالها، مثلها مثل سائر الأجناس الأبية الأخرى.
حاولت الأبستمولوجيا ضبط أساليب الوصول إلى المعرفة وطرق التوصل إلى الحقيقة بمختلف أنواعها، لكن حينما أظهر الفكر ما بعد الحداثي زيف هذه الحقائق تحول إلى الانطولوجيا، بالاستناد إلى أفكار الفلاسفة والنقاد الذين ساروا في هذا الاتجاه، خاصة (هايدغر ودريدا)، وصاحبه الانتقال من التفسير إلى التأويل، فهذا الأخير يُفعّل اللحظة الوجودية للذات المؤولة التي تتحكم في وصف الأشياء وبث المعنى فيها، ثم نفي المعنى عنها، لأن الأهم هو الوعي بأن هناك ذات تعي ذاتها ووجودها.
تبدو المسألة الأنطولوجية في الرواية عبر «التحكم الظاهر ذاتي الوعي الذي تمارسه شخصية راوٍ – مؤلف مدرج (…) يتطلب، عبر تلاعبه، فرض منظور مفرد، في الوقت الذي يقوض كل فرص بلوغه. إن هذا النوع من كسر الألفة، والتبعيد يتحدان مع انتقال عام للبؤرة من الاهتمامات الابستيمولوجية، والأخلاقية للحداثة إلى الحيرات الأنطولوجية لما بعد الحداثة (ما الفن؟ الحياة؟ المتخيل؟ الحقفيقة؟ ) مع الأخذ في الحسبان (على صعيد الممكن) واعيا ذاتيا أيديولوجيا أوسع من الأدب»[2].
في كتابه “رواية ما بعد الحداثة” يقرّ “برايان ماكهيل” (Brain Mc Hale) أن الاستجواب الأبستمولوجي كان هو النوع المهيمن في الحداثة، ويتضمن التنقيب عن المعرفة والأهم عن من يمتلك تلك المعرفة، هذا الاستجواب مشابه لطريقة جمع الأدلة على النحو الوارد في الرواية التقليدية البوليسية، حيث تبحث الشخصية عن المعلومات خلال النص، تتحرك وراء القرائن، وتستنتج حلا محددا، لا يهتز إيمانها أبدا بأن مفتاح حل اللغز موجود في مكان ما. القارئ بدوره لن يترك النص دون أن يعرف الحل، إن هذه الممارسة التقليدية المعرفية في البحث عن الجواب هي من سمات القصة الحداثية[3]. إن الأسئلة هنا حسب ماكهيل تدور حول: «ما الذي يتوجب معرفته؟ وما الذي يعرفه؟ وكيف يعرفونه؟ وبأي درجة من درجات اليقين؟ وكيف تنتقل المعرفة من عارف إلى آخر؟ وبأي درجة من المصداقية؟ وكيف يتغير موضوع المعرفة بانتقاله من عارف إلى آخر؟ ماهي حدود القدرة على المعرفة؟ وهكذا…»[4].
أما في رواية ما بعد الحداثة فكل شيء يرتد ليُسائل حالته الانطولوجية حتى يدرك عالمه الخاص المختلف عن بقية العوالم، لذلك نجد أن «الاستجواب الوجودي يتألف من إدراك عالم واحد من بين العديد. إن الفضاءات النصية والتي يجد البطل نفسه فيها تكون في قلق وتوتر دائما. لا تفترض الشخصية هنا وجود شرح أو تفسير، كل ما تفعله هو استجواب مكانها في عالمها المدرك»[5]، ونجد أن الأسئلة هنا «تعول على أنطولوجية النص الأدبي ذاتها، أو أنطولوجية العالم الذي يتم الإسقاط عليه. مثال ذلك: ما هو العالم؟ وما هي أنواع العوالم المتوفرة؟ كيف تتشكل وتختلف؟ وما الذي يحدث حين توضع عددا من العوالم المختلفة في تجابه؟ أو أن تغدو الحواجز بين تلك العوالم مخترقة؟…»[6].
لكن هذا لا يعني أن قص ما بعد الحداثة ينفي جدوى التساؤلات المعرفية وإنما يجعلها في الخلف ليستخدمها في سياقات خاصة، و«مؤثرا عليها التساؤلات الأنطولوجية، التي تحتل الصدارة كصفة غالبة، بل إن الجوانب الأبستمولوجية في قص ما بعد الحداثة يتم تحويرها لتلائم أهدافه المغايرة، فاللايقين (Uncertainty) الابستمولوجي، يغدو – مثلا – تعدّدا (Plurality)، أو عدم الاستقرار (Instability) أنطولوجيين، تسهل الإشارة إليهما في غالب الروايات الميتاقصية»[7]. أي أنّ التصورات المعرفية أو قضايا الواقع التي يتناولها السرد تركن في الخلفية، لتظهر على السطح قضايا السرد، قضايا البناء واللغة والشكل. لأنّ هذه القضايا هي التي تمثل الجانب الوجودي للسرد.
إنّ الاستجواب الوجودي يطرح حالات متعددة لفهم الوعي الوجودي، والتعدد يمنع إدراك الحقيقة في كليتها، ويعني من ناحية أخرى إدراك الوجود باعتباره حالة من الحالات الممكنة، وهذا ما يعول عليه سرد ما بعد الحداثة، «فالتفكير الروائي يقوم على مقولة أن الوعي لا يعبر عن الواقع بإطلاق، بل يعبر عن عملية إدراك ملتبسة، تتسم بالاحتمالية الشديدة، وتعول على التجربة الخاصة، وتتعدد تعددا لا نهائيا بتعدد أشكال التذهن والفهم»[8].
إن التركيز على الذات بصفها حالة خاصة جعل الأسئلة ترتد على الكتابة عموما بصفتها تجربة خاصة، وعلى السرد بالتحديد الذي يرتد إلى ذاته ليسردها، وهذا ما يذهب إليه “محمد برادة” في سياق حديثه عن تحول مفهوم الأدب والذي يراه «انتقل من الجمعي إلى الذاتي الخاص (والرواية نموذج للاحتفاء بالذاتية والفردية)، ثم الانتقال من التسليم بتعريفات الأدب الموروثة إلى التساؤل عن ماهية الأدب ومكوناته وجدواه، وغاياته (ما الكتابة؟ كيف نكتب ؟ ماذا نكتب ؟ لمن نكتب ؟ …)، وبتأثير من هذه التساؤلات أصبحت النصوص الأدبية تنحو إلى المرجعية الذاتية، معرضة عن وهم القبض على الواقع وجاعلة الكتابة على الغياب أكثر مما تجسد الحضور»[9]، لأن الكتابة بقدر ما تحاول أن تعي ذاتها ووجودها وحضورها فإنها تصل في النهاية إلى إدراك الأشياء التي تحول دون أن يكتمل وجودها، وذلك هو الغياب الذي تحاول الرواية دائما ملامسته عبر السؤال عن كينونتها، وحينما يتناول السرد قضيته الأنطولوجية، أي حينما تتعلق الرواية بالإجابة عن سؤال (ما السرد؟) فهذا يعني أنها تشتغل على ذاتها، مما يجعلنا بطريقة مباشرة أننا أمام سرد ميتاقصي.
إذا بحثنا عن الأصول لفكرة التمثيل يرجع بنا السياق التاريخي إلى الفلسفة اليونانية، إذ نجد صورة لها في “المحاكاة” عند أرسطو، والتي تعني خلق عوالم فنية تشابه الواقع وتماثله، ومن ذلك نجد القصص تقوم على فكرة الحبكة إذ «لابد للقصص الجيدة أن تكون لها بداية ووسط وخاتمة، وأن تقدّم اللذة بفعل إيقاع ترتيبها»[10]، لأنه يشترط في هذا الترتيب أن يماثل العالم الواقعي في السيرورة الزمنية، لذلك فمنطق التمثيل يعني أن «الوعي الانساني يتمثل موضوعات العالم الخارجي ويخلق بداخله صور ذهنية عنها، هذه الصورة تتعرض لتحولات معرفية عديدة بحيث تصبح مكون رئيس من مكونات الإنسان المعرفية، وتتحكم بالتالي في رؤيته للعالم ومن ثم في آرائه وتصوراته عنه»[11].
امتد هذا النمط من الرؤية ومن الكتابة حتى فترة الحداثة، لكنه قوّض بعد ذلك مع جهود بعض فنانو الحداثة من أمثال: “صمويل بيكيت” (Samuel Beckett) و “برتولت بريخت” (Bertolt Brecht) في نزعتهم “ضد السردية” (anti narrative) (نقد التقاليد السردية الموروثة)، «فقد رفض كلّ منهما الخطاب الواقعي وازدراه، وتعامل معه بوصفه كما يقول “بيكيت” “زمنا مسروقا”.. يقف ساكنا ميتا كلما عنّ لسارقه أو لقاتله هوى استدعائه. أو كما يقول برخت؛ نوعا من “النمو الخطي التقليدي” ثنائي الأبعاد»[12]، ويعتمد نموذج )ضد سردي) على اللاخطية واللانسجامية واللابنائية كأساس له ويتخذه مُعبرا عن مبادئ كتابية وفنية تقاوم البنائية أو السردية، لكن هذه المقاومة ليست مقصودة في ذاتها، أي لا يعني ذلك أن الهدف هو تخريب السرد، وإنما محاولة صوغ رؤية جديدة للبنية وللحبكة وللسرد وللعالم ككل.
يؤكد “جون فاولز” (John Fowles) هذا التوجه، من منطلق أن «ليس بمقدور المرء وصف الواقع، وكل ما يستطيعه هو تقديم إستعارات (Metaphors) تشير إليه. كل أنماط البشرية،،،،هي أفعال استعارية في النهاية، وحتى أكثر التوصيفات العلمية دقّة لجسيم أو حركة ما هو في النهاية إلا نسيج من الاستعارات»[13] قابلة للتشكيل مرارا وتكرارا، وهكذا يتم التصدي للمقولة التي قامت عليها الواقعية، والتي تقول أن «العالم قابل للمعرفة (The World can be Known)، التي رفضها روائيو القرن العشرين عامة، وكتاب الميتاقص خاصة، واستبدلوها بتصور آخر مفاده أن معرفة العالم لا يمكن أن تتم بشكل تلقائي، بل يجب أن تُصفّى بما يشبه “التخطيط الذهني” الذي يقرر بدوره كيف تتشكل المعرفة»[14].
يسير التمثيل حسب فكر ما بعد الحداثة وفق نهج أيديولوجي، لذلك فهو تكوينات بشرية خالصة ترتبط بذات الممثِل في علاقة معقدة، تقول “ليندا هتشيون” (Linda Hatcheon) عن مشروع ما بعد الحداثة في هذا الشأن: «هو نقدٌ لوجهة النظر التي تقول إن التمثيل هو انعكاس فكري (وليس تكوينا) للواقع وللفكرة المقبولة عن (الانسان) بوصفه مركز للتمثيل»[15]. وحجة هذا النقد أن التمثيل ينقل لنا صورة الواقع مشوهة، لذلك تلغي ما بعد الحداثة التمثيل وتعتبره وسيلة لترسيخ أنماط تمثيلية محددة، ولا تتوقف عند هذا الحد وإنما أيضا تلغي الحقيقة التي يحاول التمثيل إظهارها (العدمية).
يربط “دولوز” التمثيل بالذات إذ يرى أن قبول التمثيل يعني إعطاء سلطة للذات على الأشياء، ويتضح ذلك من خلال تعريفه للتمثيل «بأنه أولوية الهوية في عملية التفكير وبأنه ملائم لمولد الميتافيزيقا الذي واكب الفلسفة الأفلاطونية»[16]، وحضور الذات يعني غياب المختلف، لذلك فالتمثيل يحمل ما يفككه لأنه لا يمثل كل شيء بقدر ما يمارس الاقصاء للمختلف، لذلك فنقد التمثيل عند “دولوز” يعني تفكيك الهويات التي تعطي المعنى وتجسده، والإقرار بأن «الاختلاف سابقا على تحديد أي هوية، فهو الذي يؤسس الهويات ولا يتأسس عليها. أولوية الاختلاف على الهوية تجعل الوجود صيرورة وتجعل المعنى مرتبطا بالحدث وليس بالشيء، بمعنى آخر، إن الفعل هو الذي يحمل المعنى وليس الصفة»[17]، وفي الرواية نجد أن فعل السرد هو الذي يُــكوّن المعنى حينما يسرد ذاته، باعتبار السرد (حدثا) بالمعنى الدولوزي، لا أن يكون المعنى في الصفة التي يحملها السرد والتي تحيل إلى واقع أو تمثل واقع معين.
ثم أن تمثيل الواقع لا يعني الامساك بالحقيقة، لأن الواقع مثل التمثيل هو صورة لوعي معين ليس بالضرورة هو الوعي في كليته حسب “جون بوديار” (Jean Baudrillard)، وهذا مما تركز عليه رواية ما بعد الحداثة، كون أن «الواقع – في حقيقة الأمر – هو وعي الواقع، لأنه يتعالى دوما على التمثيل، وما يقوم به الروائي لا يعدو أن يكون تمثيلا لوعي الروائي واقعه، وشتان بين الأمرين»[18]، وتركز ما بعد الحداثة هنا على مسألة الوعي، يعني أن يطرح التمثيل نفسه بشكل واع باعتباره صورة من الصور المتعددة للواقع، وليس صورة كلية له، تقول “هتشيون”: «ليست القضية أن التمثيل يسيطر الآن على المرجع أو يلغيه، بل إنه الآن يعي وجوده كتمثيل – أي كمفّر (وفعليا، كخالق) لمرجعه»[19].
وبما أن الوعي بالواقع هو وعي خاص، ليس هو الواقع ذاته تبتعد الرواية الميتاقصية عن الايهام بالواقعية، بل وتقوم بتعرية ونقد كل كتابة تدّعي بأنها تمثيلا حقيقيا للواقع، وكلما انفصلت الكتابة عن الواقع اقتربت أكثر إلى تمثيل ذاتها، حيث يكون القارئ على وعي تام أنه أمام عمل متخيّل لا أكثر، وذلك عبر خصائص فنية ميتاقصية: «يتمركز السرد حول ذاته، ويصبح داخل النص الروائي موضوعا لنفسه، فيقوم الرواة بتحليل مستويات السرد، وطرائق تركيب الحكاية، ومنظورات الرواة، والعلاقة بين المادة الواقعية والمادة التخيلية، وأثر النص على المتلقي، والصراع الناشب بين الرواة أنفسهم لاستئثار الاهتمام، وانتزاع الاعتراف من المتلقين بأهمية أدوارهم ووظائفهم»[20].
لكن ذلك لا يعني أن الرواية تنفصل انفصالا تاما عن الواقع، بل أكثر التصاقا به، وهذا ما يعيه كُتاب الميتاقص جيدا، لأن المتخيّل، وحتى صناعة الخرافة «لا تعني التنحي عن الواقع، بل هي محاولة لإيجاد مطابقة أكثر دقة بين الواقع الذي هو خيال، والخيال الذي هو الواقع»[21]، وذلك عبر التغريب وإعادة إنتاج الواقع في صور جديدة، لأن «الانعكاس الذاتي في النص يشير إلى أن الفن لا يعكس الواقع بسذاجة، بل إنه يبدعه أو يؤشر عليه، أي يجعل له دلالة معينة. والتغريب يقوم بتحويل دور القارئ من متلق خامل كسول يتأثر بكل ما يراه أويسمعه، إلى متلق مستطلع دائم التساؤل حول ما رآه أو سمعه، وبذلك يصبح دور العمل الفني إثارة الأسئلة»[22]، وهذه مهمة الأدب عموما.
التفتت رواية ما بعد الحداثة جماليا ونقديا إلى تقنية الميتاقص، فالنصوص الروائية الكثيرة التي تهيئت وفق هذا الأسلوب، والكتابات النقدية التي تعمقت فيه دليلٌ قاطعٌ على الاهتمام الذي نالته هذه التقنية، لكن هذا لا يكفي لنسلم بفرضية أنّ ما بعد الحداثة هي الفترة التي شهدت ميلاد الميتاقص، لأن النصوص التي سبقت هذه الفترة بكثير يحمّلنا على الاقرار بأن ظهور الميتاقص سابقٌ لأسلوبيات ما بعد الحاثة جماليا ونقديا.
إنّ الرصد التاريخي لنشأة تقانة الميتاقص يعود بنا إلى ميلاد الرواية بوصفها جنسا أدبيا، مع “لوكيوس أبوليوس” في روايته “الحمار الذهبي”، حيث يفصح لنا الكاتب منذ البداية عن الطابع التخييلي للرواية، ويخاطب القارئ بشكل مباشر: «أريد أن أضفر لك بأسلوب مليزي باقة من الحكايات المتنوعة، تدغدغ أذنك الصاغية برنين عذب – إذا كنت ممن لا يأنف من النظر في أوراق البردي المصرية، التي كتبتها بقصب النيل – إلى درجة أنك ستعجب كيف يتخذ بعض الناس أشكالا غريبة ثم يستعيدون صورهم الأصلية على وجه مغاير.
وها أنا ذا أبدأ حكايتي، لكن أراك تتساءل
- من هذا يا ترى؟»[23]
ومع مواصلة قراءة الرواية نلاحظ أن السارد يقوم بتعرية السرد عبر تقديم توضيحات لفهم سير الحبكة، كما أنه «لم يكتف بالحديث عن الرواية التي يكتبها وإنما كان يقدم التعليقات والشروحات عن الصعوبات التي يواجهها مع اللغة التي يكتب بها ومع القارئ أيضا»[24]، وهنا نشير إلى أن العديد من التقنيات السردية التي استحدثتها رواية ما بعد الحداثة مبثوثة في رواية “الحمار الذهبي” وبصيغ مكثفة، ما يضفي الطابع ما بعد الحداثي على هذه الرواية.
خصوصا إذا ما اعتبرنا أن ما بعد الحداثة هي حالة فكرية وفنية لا ترتبط بزمن معين، فالنصوص السردية ما بعد حداثية وما تمتاز به من تشظي في السرد وتقطعه، ومن تهجين ومحاكاة ساخرة وبناء ميتاسردي…نجد كل هذا متضمن في نص أبوليوس الذي يُدرج في روايته العديد من القصص الثانوية التي تقطع مسار حكي القصة الإطارية المركزية فتؤدي إلى تشظي السرد، والشخصيات التي تتمظهر في أكثر من صوت فتنتج أصوات مهجنة، بالإضافة إلى تلك القصص الهزلية المضحكة التي تقترب من الهجاء المينيبي الاغريقي الساخر، والظاهرة الميتاسردية الطافية لسطح الرواية والتي تجعل من السرد واع لذاته، أي يصرح للمتلقي بكونه محض حكي وتخييل.
لذلك، وعلى الرغم من أن عناقيد السمات المتأصلة فرضيا في سريات ما وراء القص قد نزعت إلى الارتباط بما بعد الحداثة، كما لاحظت “باتريشيا واو”، إلا أن ما وراء القص وتطبيقاته قديم قدم الرواية ذاتها. إنه ميل متأصل في كل الروايات، بسبب الطاقة الحوارية للنوع[25]، وهناك رأيٌ آخر يعود إلى منتصف القرن الثامن عشر، ليجعل من رواية “تريسترام شاندي* لـــــ”لورانس ستيرن” (Laurence Sterne) – التي ألهمت روائيي ما بعد الحداثة – بداية هذا النوع من القص، حيث «أدهشت كُتّاب الميتاقص المعاصرين، لا سيما النقاد منهم، بريادة صنعتها الروائية، وجعلتهم يؤصلون كتابتهم في ضوء اختلافها عن السائد الروائي في القرن الثامن عشر»[26]، وذلك نظرا للثورة التي أحدثها في الكتابة الروائية وعلى النظام السردي.
من مظاهر تلك الثورة نجد السارد يقوم بــ«تعرية بنية الرواية، وبذلك يخربها، و(ينزع عنها أوتوماتيكيتها) أمام إدراك القارئ الذي يدفع على هذا النحو إلى التأمل بشأن طبيعة الموضوع اللفظي الذي يقدَم إليه، وإلى أن يتخذ موقف المشاركة النقدية»[27]، ويذهب ماك كافري إلى أبعد من ذلك، حيث اعتبر أن هذه الراوية «لا تؤشر بداية هذا النوع من الأدب، والذي كان على سبيل المثال بارزا في القرن السابع عشر لدى كتاب أمثال (لوب دي فيغا) و(سرفانتس)»[28]، وهذا ما ذهب إليه “امبرتو ايكو” معتبرا أن الميتاقص أو كما أسماه «التسارد (Metanarrativité) – باعتباره يحيل على تأمل النص لنفسه من خلال إمكاناته الذاتية، أو اقتحام صوت المؤلف الذي يفكر فيما يرويه ويستدعي قارئا يشاركه أفكاره- سابق في الوجود على تيار ما بعد الحداثة»[29].
لذلك فتقنية الميتاقص في وجودها الجمالي سابقة لما بعد الحداثة، إلا أنّ ذلك السبق لم يضع لها تحديدا نقديا، وأمام هذا اللا تحديد نُصّب الميتاقص ليدل على «كل شيء بدءاً من دون كيشوت سيرفانتيس حتى تلك الروايات المتباينة لــــموريل سبارك وكريستين بروك روز إلى تخييلات بورخيس وواقعية غاربيال غارسيا ماركيز السحرية وقص فيندلي التعليمي الآن»[30]، ويبدو أن تعدد خصائص الميتاقص وتنوعها من الأمور التي جعلته بعيد عن كل تحديد، فقد يظهر في تجاوز الحبكة التقليدية، أو نقد الايهام بالواقعية، أو التأكيد على الطابع التخييلي للرواية، أو القيام بالعملية النقدية داخل المتن السردي، أو استدعاء القارئ بشكل مباشر، أو الاشتغال على رواية الرواية…الخ.
بالحديث عن رواية “دون كيشوت” لـ”ميغيل دي سرفانتس” (Miguel De Cervantes)، تلك الرواية التي تروي قصة انكتابها ويدخل راويها في نزاع مع مزوّر إحدى أجزائها ليعزم في النهاية على أن يختتم المغامرة بوفاته حتى لا تظهر أجزاء أخرى تدّعي أنّها تكملة لمغامرات “الفارس ذي الوجه الحزين”، يتوقف ميخائيل باختين عند هذه الخصوصية السردية في الجزء الثاني من كتابه “نظرية الرواية وجماليّتها” والذي وضعه تحت عنوان “الخطاب الروائي”، أثناء حديثه عن “نقد الخطاب الأدبي” وقد حدّدها بدقة من خلال عبارته “رواية عن الرواية” (Le Roman sur le roman)[31].
لذلك فتحديد نشأة الميتاقص لابد أن يؤخذ بعين الاعتبار كل هذه اللحظات التاريخية، لأنّ – وكما سبق ذكره – الميتاقص يكون في تلك اللحظة التي تعي فيها الرواية وجودها، في هذا السياق ترى “ليندا هتشيون” أن «العالم الميتاقصي، عالم يعود فيه الروائي إلى أفق الحرية الأول، الذي نشأت فيه الرواية، وخلقت عبره قوانينها ونظرياتها، معيدا تقويم روايات الماضي، لأن تاريخ الرواية، وفق “كيرمود”، هو تاريخ الأشكال المرفوضة أو المعدلة عبر الباروديا، أو البيان النقدي[32]، ورواية دون كيشوت تجسد هذه الرؤية بعمق رغم سبقها الزمني، فهي «تُزاوج السرد بالتفكير النظري في جنس الرواية، وتجعل في صلبها الإنجاز النصي والتنظير، وتتدثّر بالالتباس وتشكك في السارد وفي صاحب النّص، فإنها قد دشّنت، في آن، زمن الرواية الحديثة وأفقها»[33]. هكذا يكون الميتاقص وفيا لماهية الرواية ومتأصلا فيها عبر تاريخها الطويل.
بخصوص الرواية الحديثة نجد الميتاقص حاضرا في العمل الروائي لــ”فرجينيا وولف” (Virginia woolf) “رواية لم تكتب بعد”، حيث تشرح الرواية – كما يشير عنوانها – عملية إخبار القصة بدلا من التركيز على القصة ذاتها[34]، وكل هذه المحطات التاريخية تؤكد أن الميتاقص سابق لما بعد الحداثة، لكن ما يربط هذه النوع من القص برواية ما بعد الحداثة – كأحد أبرز خصائصها السردية – هو أن الوعي النقدي به ظهر مع نقد ما بعد الحداثة مثلما سنوضح فيما سيأتي.
من الناحية النقدية يبدو أنّ مشكلة التحديد أقل تعقيدا مقارنة بالجانب الجمالي، فعموما يتّفق النقاد على أن الوعي النقدي بتقينة الميتاقص كان في فترة ما بعد الحداثة، لكن من دون أن يعني ذلك إنكار المحاولات الأولية التي كانت في هذا المجال.
فقد بدأ الاهتمام بالميتاقص منذ مطلع القرن العشرين، مع الناقد موريتز كولدشتاين (Moritz Goldstein) الذي قدم سنة (1906) دراسة نقدية حول: “ألف ليلة وليلة” في الفترة نفسها نجد الحديث عن الميتاقص متضمنا الجهود النقدية للشكلانيين الروس، من ذلك ما قام به “فيكتور شكلوفسكي” (Victor Chiklovski) الذي درس مجموعة من القصص التي تستعمل التضمين مثل: “قصص ألف ليلة وليلة”[35]، بالإضافة إلى اهتمام النقاد البنيويين بهذه التقنية: “جيرار جينيت” (Gérard Genett) في حديثه عن النص الواصف، و”رومان ياكبسون” (Roman Jackobson) في تنظيره لوظائف اللغة، وفي الوظيفة الميتالغوية بالتحديد، و”جيرالد برانس” (Gerald Prince) في كلامه عن المروي عليه وتموضعه النصي، و”رولان بارت” (Roland Barthes) في رؤيته للنص المفتوح الذي يمتزج فيه الإبداع بالنقد.
كل هذه المحطات ساعدت في صوغ الطرح النظري والنقدي، ليظهر الميتاقص أسلوبا سرديا وإجراءً نقديا في أواخر الستينيات، إذ «ثمة إجماع بين النقاد المشتغلين بمبحث الميتاقص، عند الحديث عن أول من سك المصطلح وأدخله إلى حيز الدراسات النقدية، فمن النادر أن تخلو دراسة – في هذا الإطار – من الإشارة إلى الناقد والروائي الأمريكي “وليام غاس” (William H. Gass)، الذي تناول الميتاقص بالبحث في مقالة بعنوان “الفلسفة وشكل القص”، نُشرت ضمن كتاب ضمّ مجموعة من المقالات عنونه بـــــــ”القص وصور الحياة” (1970)؛ أي أن المصطلح نتاج أواخر عقد الستينات»[36]. وسيأتي الحديث عن المصطلح وتركيبه ومفهومه، لكن ما يهمنا هنا هو رصد الكتابات النقدية التي تناولت تقانة الميتاقص بالشرح والتفسير.
في هذا السياق نلاحظ أن الميتاقص قد حظي باهتمام كبير في أسلوبيات ما بعد الحداثة «حيث استأثرت الظواهر الميتانصية باهتمام النقاد من جهة والروائيين من جهة ثانية، ضمن أطر ومبادئ كتابة ونقد ما بعد الحداثة، خاصة عند “هاري بليك” (Harry Bleack) في دراسته الشهيرة في مجلة “تيل كيل” ( Telle Quelle)في العام (1977) والموسوم بـ “ما بعد الحداثة الأمريكية”، وكذلك في تنظيرات الروائي “جون سيمون بارت” (Jonh Simmons Barth) في دراسته الموسومة بـ: “الاختلاف ما بعد الحداثي”، المنشورة في مجلة “الشعرية” (Poétique) عام 1981»[37].
وقد عدّد “فاضل ثامر” المدونات النقدية التي تناولت الميتاقص، فذكر منها: كتاب “معنى ما وراء الرواية” “لإنغر كرستنسن” (the meaning of Metafiction by Inger Christensen) الصادر في عام 1981، و”السرد النرجسي: المفارقة ما وراء الروائية لليندا هتشيون” الصادر في العام 1980(Narcissistic Narrative: The Metafictional Paradox by linda Hutcheon) و”الإلهام في ما وراء الرواية: أعمال روبرت كوفر، ودونالد بارتليمي ووليم غاس” من تأليف “لاري ماك كافيري” The) Metafictional Muse: The Works of Robert Coover, Donald (Barthelme, and William H. Gass وصدر في العام 1982، وكتاب “التخييل وشخوص الرواية “لوليام غاس” ( Fiction and the Figures of Life by William Gass) الصادر في العام 1970، وكتاب “ما فوق الرواية” لـــــفيدرمان Surfiction by) (R.Federman، وكتاب “باتريشيا واو” الموسوم بــــما وراء الروايةMetafiction by) (P.waugh الصادر في العام 1983[38].
تجدر الإشارة إلى أنّ هذه الأعمال النقدية ليست إلا نزرا ضئيلا من الأعمال التي تعمقت في الميتاقص وتجلياته وعلاقاته، ليس فقط بأدبية الكتابة وإنما بحقول مجاورة، كالتاريخ وعلم النفس، وأمام هذا الامتداد الجمالي والنقدي ظهر الميتاقص بمصطلحات عديدة استقرت على مصطلح (Métafiction)، كما ظهر بمفاهيم عديدة لم تستقر على مفهوم موحد كما سنوضح فيما يلي.
قبل أن نفصل في قضية الميتاقص مصطلحا ومفهوما نشير أولا إلى ذلك التشابه الوضح بين مصطلحي (ما بعد الحداثة) و(الميتاقص)، فكلا المصطلحين مركب من شقين متناقضين، يحمل كلاهها في شكله اللغوي ما يريد أن يتجاوزه، فما بعد الحداثة جاءت ردا عن الحداثة، والميتاقص ظهر ردا على القص وحدوده التقليدية، كما أنّ كلا منهما يؤدي إلى الآخر، فتركيز الميتاقص على اللحظة الوجودية من المسائل التي نادت إليها ما بعد الحداثة بشدّة، ومن جهة أخرى فإنّ نقد أساليب الحداثة هو اشتغال أساسي يمارسه الميتاقص.
استقر النقد الغربي على مصطلح (Métafiction)، بوصفه مصطلحا جامعا وموحدا وواصفا تلك العملية التي يقوم فيها السرد بالاشتغال على ذاته، لكن ترجمة المصطلح إلى العربية تضاربت بين عديد المصطلحات، ويُرجِع “أحمد خريس” هذه الإشكالية إلى جانبين رئيسين:
- الأول: يتعلق بدلالة البادئة “ميتا” (Méta)، الدائمة التشكل وفق اللفظة الأخرى التي تصاغ منها، والحقل المعرفي الذي تشير إليه، فهي تعني العلم المتعالي ذا الطبيعة المشتركة مع المبحث الذي يتعالى عليه، لكنه يختلف عنه في اهتمامه بعلله الأصيلة وأبعاده القصوى كما الأمر في “”الميتاتاريخ” (Metahistory)، و”الميتا أخلاق” (Metaethics)، فالأول مثلا: يعني مساءلة المبادئ التي تحكم الأحداث التاريخية، وطريقة كتابة التاريخ[39].
- والآخر: نابع من إشكالية أخرى تتصل بترجمة مصطلح “Fiction” إلى العربية، وهو يعني – بصورة شائعة – السرود النثرية المتخيلة (الروايات والقصص القصيرة) كنقيض للشعر[40]، وهي تدل في معناها الأكثر تقليدا على المحاكاة، وهذا يحيلنا إلى الجماليات، حيث أخذت المحاكاة نظريتين للعرض: الأولى هي فكرة الانعكاس حينما تكون نسخة طبق الأصل للواقع، حيث يصبح الفن كليشيه وصدى للمألوف، أما الفكرة الثانية فيقوم فيها الفن بعرض العالم المألوف، بوصفه غير مألوف، والفن هنا يصبح نقدا[41]، وهذا المعنى الذي تسرب فيما بعد إلى القص نجده في طبيعة الميتاقص، لكن مع تغير في الرؤية بإضافة البادئة (Méta)، حيث يتعالى الميتاقص عن النظريتين معا، يتجاوز الأولى ويبتعد عن الثانية، أبعد من المحاكاة، ومن السرد، في موضع يجعله «يساءل روائية الرواية، والكيفية التي يتم بها العرض»[42].
إذ حينما يتم الجمع بين (الميتا) بوصفها تشتغل على مبادئ وعلل وطرق الشيء، و(القص) بتوجهاته المتعددة سوء كان محاكاة للواقع أو تجاوزا ونقدا له، فإنّ ذلك يعني تركيز الحكي على عملية القص ذاتها، بسرد مبادئها وطرقها عالمها الخاص، وكذلك تسليط الضوء على محل القص من الواقع ونظرته إليه.
لكن إذا توجهنا صوب الترجمات التي أُعطيت للفظ (Méta) في علاقته بميادين اللغة والأدب، نجد تواترا لكلمة أخرى وهي (الشرح) أو (الشارح) ليغدو الميتاقص هو (القص الشارح). نجد هذا المصطلح في ترجمة “سعيد الغانمي” لكتاب “الوجود والزمان والسرد” لــ”پول ريكور” (Paul Ricoeur)[43]، وكذلك الأمر عند “عبد الوهاب علوب” في ترجمته لكتاب “الحداثة وما بعد الحداثة” لــ”بيتر بروكر” حيث ترجم مصطلح (Metahistoric) بــــ(التاريخ الشارح) ومصطلح (Metalanguage) بـــــ(اللغة الشارحة)[44]، في حين عمم “جابر عصفور” المصطلح على الأدب إذ ترجم “ميتا أدب” (Metaliterture) بـــــــ(الأدب الشارح)[45]. ولعل ذلك كان تأثرا بالترجمة التي قدمها زكي نجيب محفوظ بدايةً لمصطلح (Metalangauge) فأسماه بـــ(لغة الشرح) أو (اللغة الشارحة)[46]. لأن الصورة متقاربة بين الميتاقص واللغة الشارحة، كون أن السرد يتكلم عن ذاته مثلما تشرح اللغة ذاتها، حيث «يدور الكلام على الكلام، وتتحدث اللغة عن نفسها أي تجعل موضوعها اللغة عينها»[47].
وربما هذا ما جعل “عباس حمد جاسم” يربط تطور المصطلح بالجهود اللغوية ل “لويس يلمسيلف” (Louis Hjelmslev) الذي طوّر مصطلح (الميتا-لغة/ ما وراء اللغة) (1961)، وقد عرفه أنه: «اللغة التي بدلا من أن تدل على وقائع ومواقف وأشياء غير لغوية في العالم، تدل على لغة أخرى: أنها اللغة التي تتخذ من لغة أخرى موضوعا لها أي أن مصطلح (ما بعد اللغة) هو اللغة التي تعمل دالا على للغة أخرى، وهكذا تصبح اللغة الأخرى مدلولا بالنسبة لها»[48]. لذلك فالميتاقص مثل الميتالغويّ متعّدد الأصناف والأشكال وكيفيات الحضور: خطابات اللسانّي والمنطقّي وفيلسوف اللغة…
تعددت المفاهيم التي نُسبت للميتاقص، نظرا للتمظهرات المتعددة التي تأخذها هذه التقنية داخل النصوص السردية، لكن حاول وضع تعريفا موسعا للميتاقص، تعريفا يكون قادرا على اختزال أكثر الصور عموما للميتاقص، كما يكون قادرا على الإشارة إلى أكثره صوره تخصيصا، وفي هذا الشأن يحدد “إنغر كريستنسن” (Inger Christensen) مفهوم الميتاقص من خلال تعامل الميتاقص مع العناصر السردية: (السارد، القارئ، القص ذاته…)، وذلك ليكون التعريف شاملا، يقول: «يتعامل الميتاقص مع أسئلة جوهرية تهم أي روائي: كفهم السارد دوره هو، ودور الفن، والقارئ. إنّ الكُتّاب يعون تلك الأدوار بدرجات متفاوتة، لكن الميتاقاص يختلف عنهم حيث تغدو تلك الأسئلة موضوع عمله، وهكذا فإن الميتاقاص يلقي الضوء على مسائل أساسية تتصل بطبيعة الإبداع القصي عامة»[49].
ففي الميتاقص يتماهى السرد بالسارد، بالقدر الذي نعي فيه أننا أمام سرد، نعي كذلك أمام ذوات تسرد، حيث يضع الميتاقص «بصورة نموذجية ساردين يفكرون على الدوام بالطرق التي يمكن لهم بواسطتها إخبارنا بحكاياتهم، وقد يكون هؤلاء الساردون أحيانا هم الكتاب أنفسهم الذين يحاولون كتابة رواية ما ويتأملون على نحو ثابت في المعضلات التي تعترضهم لإنجاز هذه المهمة، وقد ينطوي الميتاقص – في أكثر أشكاله التجريبية تطرفا – على مساءلة عميقة لإمكانية سرد الحقيقة في الرواية، أو قد تكون الميتاقص هوسا لحوحا في تلمّس السطوة التي تمتلكها الرواية على حيواتنا، ومهما كان شكل الانشغالات المسبقة التي تتمحور حولها الميتاقص فإن المؤكد أنها أزاحت بؤرة التركيز من العرض (Showing)، نحو الحكي (Tellig)»[50]، وبشكل أعمق نحو مساءلة الحكي والحكاية، أو أن يكون العرض حول الحكي، هكذا لا يكون الميتاقص بعيدا عن مناقشة السرد وكل عناصره بلا استثناء، كما يبدو الميتاقص قريبا من الواقع حينما يطرح تصوراتنا للأشياء وللأحداث وللواقع في مجرى السرد.
عن تموضع الميتاقص بين الواقع والتخييل يشير “ماك كافري” في مقارنته بين الميتاقص والرواية الواقعية إلى أن الأول لا يعني قطع صلة السرد بالواقع، وإنما يعني بدقة تركيز الوعي على فعل القص في حد ذاته، في حين يتراجع الوعي بالواقع إلى الخلف، هكذا «لا تتنكر (ما وراء الرواية) لمسألة الانشغال بالعالم الخارجي خارج مجال الرواية، لكن وعيها الذهني المفرط بعملية صناعة التخييل الروائي وحدوده الموضوعية تجعل طبيعة هذا الانشغال أو الانهماك مختلفة للغاية عما نجده في الرواية الواقعية التقليدية»[51]، باعتبار أن الحقيقة حسب كاتب الميتارواية (metafictionist) لا توجد خارج النص، والصدق هو صدق التخييل، حينما يقول السرد بأنّه محض تخييل، «هكذا فإن مصداقية التخييل الروائي يتدعم ليس بوصفه تعليقا كاشفا عن الحياة، ولكن بوصفه “ما وراء التعليق” (metcommentary) على التخييل الروائي ذاته»[52] .
مع الاهتمام بما وراء السرد تطفو قضايا إنشاء الرواية إلى سطح السرد، وتظهر على الكتابة الميتاقصية قضايا جديدة هي قضايا «القراءة والقراّء والكتابة والكتاب بوصفها موضوعات اهتماماتها الرئيسية. فضلا عن تضمين الكُتاب والقراء بوصفهم شخوصا في النص والحديث عن الكتب بوصفها جزءا متكاملا مع النص»[53]، فكل شيء يدخل في بنية الميتاقص الذي يُنظر إليه بوصفه «فنا من خلال مقاومة طغيان التثليث – العوالم المعزولة عن بعضها – (المؤلف، القارئ، النص) عن طريق الانفجار المستمر إلى الداخل والخارج محولا داخل النص إلى خارج النص وبالعكس»[54].
لذلك يظهر الميتاقص بأشكال عديدة، فهو يهتم بتصوير الكتابة الإبداعية، ورصد عوالمها التخييلية، كما يعمل على تكسير الإيهام بالواقعية لإبعاد الوهم والاستلاب عن المتلقي، وقد يتأرجح بين التخييل الإيهامي والحقيقة الواقعية، وقد يركز على فضح اللعبة السردية وكشف آلياتها الفنية والجمالية أمام المتلقي.
خاتمة:
على العموم يمكن القول أن الرواية –عبر الميتاقص- تخلصت من إرهاقات الواقع والمرجع الإحالي، كما تخلص الكاتب من الحدود النّوعية للقص، فيغدو مؤلفا وناقدا وقارئا في الآن ذاته، فتعدد المنظورات وزوايا النظر، كما تخلت الرواية عن دور الوسيط الذي بواسطته يمكن أن نرى الواقع أو العالم، وشرعت في مهمة جديدة تكون هي (الوسيط والعالم) معا، مما يشكل سردا نرجسيا يعي نرجسيته٬ ويحاول أن يتيح الفرصة أمام الكاتب لتقمص دور الناقد لنصه، دون أن يلغي حبكته القصصية ولا منطق التتابع فيها، بل يحاول جاهًدا جعل هذه الحبكة تستمد تيماتها وأحداثها من عوالم الميتاأدب. هكذا وجدت رواية ما بعد الحداثة في الميتاقص إمكانات هائلة لمواجهة السرد الكلاسيكي أو حتى السرد الحداثي، وكذا في الانتقال من تمثيل الواقع إلى تمثيل السرد، وطرح كليهما – التمثيل والسرد – كعناصر إشكالية في بنية الرواية.
قائمة المراجع:
- Brain McHale, Postmodernist Ficion,the Taylor & Francis e-Library, London, 2004.
- أحمد خريس، العوالم الميتاقصية في الرواية العربية، دار أزمنة للنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ط1، 2001.
- أحمد يوسف، الميتاقص وسرد ما بعد الحداثة (دراسة تطبيقية في رواية “الحياة في مكان آخر” لميلان كونديرا)، مجلة التواصل في اللّغات والثقافة والآداب، جامعة باجي مختار، عنابة، العدد 29، ديسمبر 2011.
- امبرتو ايكو، آليات الكتابة السردية، ترجمة: سعيد بنكراد، دار الحوار للنشر والتوزيع، ط1، 2009.
- باتريشيا ووخ، ما وارء القص، ترجمة : عبد الحميد محمد دفار، مجلة الثقافة الاجنبية، العراق، ع1، 1998.
- بدر الدين مصطفى، حالة ما بعد الحداثة (الفلسفة والفن)، الشركة العالمية للطباعة والنشر، أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة، ط1، 2003.
- براندا مارشال، تعليم ما بعد الحداثة (المتخيل والنظرية)، ترجمة وتقديم: السيد إمام، المركز القزمي للترجمة، القاهرة، مصر، ط1، 2010.
- پول ريكور، الوجود والزمان والسرد ، ترجمة: سعيد الغانمي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء/ بيروت، ط1، 1999.
- جابر عصفور، آفاق العصر، دار المدى، دمشق، سوريا، ط1، 1997.
- جميل حمداوي، أشكــــال الخطاب الميتاسردي في القصـــة القصيــرة بالمغرب، شبكة الألوكة: alukah.net، 14/03/ 2019، PM 20:33.
- جميل حمداوي، أشكال الخطاب الميتاسردي في القصة القصيــرة بالمغرب، شبكة الألوكة: alukah.net، 15/04/2019، 07 :11 PM.
- جورج شولز، صناعة الخرافة والواقع، ضمن كتاب المرآة والخارطة (دراسات في نظرية الأدب والنقد الأدبي)، مجموعة من النقاد والمفكرين، ترجمة: سهيل نجم، نينوي للنشر والتوزيع ، سوريا، دمشق، ط1، 2001.
- جوناثان كولر، النظرية الأدبية، ترجمة: رشاد عبد القادر، منشورات وزارة الثقافة، سوريا، ط1، 2004.
- جيسي ماتز، تطور الرواية الحديثة، ترجمة: لطيفة الديلمي، دار المدى للطباعة والنشر والتوزيع، بغداد، العراق، ط1، 2016.
- جيل دولوز وآخرون، سياسات الرغبة، ترجمة وتقديم: أحمد عبد الحليم عطية، دار الفارابي، بيروت لبنان، ط1، 2011.
- حبيب بوهرور، العتبات وخطاب المتخيل في الرواية العربية المعاصرة، مجلة الأثر، كلية الآداب واللغات، جامعة قاصدي مرباح، ورقلة، الجزائر، العدد 24، مارس 2016.
- حسينة فلاح، الخطاب الواصف في ثلاثية أحلام مستغانمي، منشورات مخبر تحليل الخطاب، جامعة تيزي وزو، الجزائر، 2012.
- حمد القاضي وآخرون، معجم السرديات، دار الفارابي، بيروت، لبنان، ط1، 2010.
- زكي نجيب محفوظ، خرافة الميتافيزيقا، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، مصر، 1953.
- سعيد يقطين، الميتاروائي في الخطاب الروائي الجديد في المغرب، مجلة مواقف، دار الساقي، لندن، ع 70/71، شتاء/ربيع 1993.
- سيزار فرناندث مورينو، أدب أمريكا اللاتينية، ج2، ترجمة: أحمد حسان عبد الواحد، مر: شاكر مصطفى، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، فبراير 1988.
- عباس عبد جاسم، ما وراء السرد – ما وراء الرواية، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، ط1، 2005.
- عبد الله إبراهيم، السرد والتمثيل السردي في الرواية العربية المعاصرة (بحث في تقنيات السرد ووظائفه)، مجلة علامات، المغرب، العدد 6، 2001.
- علي حرب، هكذا أقرأ ما بعد التفكيك، المؤسسة العربية للدراسات، بيروت، لبنان، ط5، 2005.
- فاضل ثامر، ميتاسرد ما بعد الحداثة، مجلة الكوفة، دار التنوير، بيروت لبنان، العدد 3، شتاء 2013.
- كاتي وايلز، معجم الأسلوبيات، ترجمة: خالد الأشهب وقاسم البريسم، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، لبنان، ط1، 2014.
- كمال الرياحي، حركة السرد الروائي ومناخاته (في استراتيجية التشكيل)، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ط1، 2005.
- لوكيوس أبوليوس، الحمار الذهبي (رواية)، ترجمة: أبو العيد دودو، الدار العربية للعلوم / منشورات الاختلاف، بيروت/ الجزائر، ط1، أفريل 2001.
- ليندا هتشيون، سياسية ما بعد الحداثية، ترجمة: حيدر حاج اسماعيل، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، لبنان، ط1، 2009.
- مالكوم برادبري، الرواية اليوم، ترجمة: أحمد عمر شاهين، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، ط1، 1996.
- محسن جاسم الموسوي، ثارات شهرزاد (فن السرد العربي الحديث)، دار الآداب، بيروت، ط1، 1993.
- محمد برادة، الرواية أفقا للشكل والخطاب المتعددين، مجلة فصول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، المجلد 11، العدد 4، 1993.
- محمد عز الدين التازي، مفهوم الروائية داخل النص الروائي العربي، مجلة الوحدة، المجلس القومي للثقافة العربية، الرباط، ع 49 ، س 5، 1988.
- نيكولاس رزبرج، توجهات ما بعد الحداثة، ترجمة وتقديم: ناجي رشوان، مراجعة: محمد بريري، المركز القومي للترجمة، القاهرة، مصر، ط1، 2010.
- هيي ساوما وآخرون، جماليات ما وراء القص، ترجمة: أماني أبو رحمة، دن، دط، دت.
[1] مالكوم برادبري، الرواية اليوم، ترجمة: أحمد عمر شاهين، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، ط1، 1996، ص 15.
[2] براندا مارشال، تعليم ما بعد الحداثة (المتخيل والنظرية)، ترجمة وتقديم: السيد إمام، المركز القزمي للترجمة، القاهرة، مصر، ط1، 2010، ص ص 200، 201.
[3] شاون فايدرمان، التجريب في الأدب (يقظة من الافتتان _ دراسة في رواية ما بعد الحداثة)، ضمن كتاب: جماليات ما وراء القص، هيي سوما وآخرون، ترجمة: أماني أبو رحمة، دن، دط، دت، ص 162.
[4] Brain McHale, Postmodernist Ficion,the Taylor & Francis e-Library, London, 2004, p 9.
[5] المرجع السابق، ص 163.
[6] Brain McHale, Postmodernist Ficion, p 10
نقلا عن: أحمد خريس، العوالم الميتاقصية في الرواية العربية، ص 83.
[7] أحمد خريس، العوالم الميتاقصية في الرواية العربية، دار أزمنة للنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ط1، 2001، ص 84.
[8] المرجع نفسه، ص 62.
[9] محمد برادة، الرواية أفقا للشكل والخطاب المتعددين، مجلة فصول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، المجلد 11، العدد 4، 1993، ص 24.
[10] جوناثان كولر، النظرية الأدبية، ترجمة: رشاد عبد القادر، منشورات وزارة الثقافة، سوريا، ط1، 2004، ص 102.
[11] بدر الدين مصطفى، حالة ما بعد الحداثة (الفلسفة والفن)، الشركة العالمية للطباعة والنشر، أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة، ط1، 2003، ص 134.
[12] نيكولاس رزبرج، توجهات ما بعد الحداثة، ترجمة وتقديم: ناجي رشوان، مراجعة: محمد بريري، المركز القومي للترجمة، القاهرة، مصر، ط1، 2010، ص 47.
[13] جيسي ماتز، تطور الرواية الحديثة، ترجمة: لطيفة الديلمي، دار المدى للطباعة والنشر والتوزيع، بغداد، العراق، ط1، 2016، ص ص 298، 299.
[14] أحمد خريس، العوالم الميتاقصية في الرواية العربية، ص 64.
[15] ليندا هتشيون، سياسية ما بعد الحداثية، ترجمة: حيدر حاج اسماعيل، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، لبنان، ط1، 2009، ص 93.
[16] جيل دولوز وآخرون، سياسات الرغبة، ترجمة وتقديم: أحمد عبد الحليم عطية، دار الفارابي، بيروت لبنان، ط1، 2011 ، ص 30.
[17] المرجع نفسه، ص 31.
[18] أحمد خريس، العوالم الميتاقصية في الرواية العربية، ص 63.
[19] ليندا هتشيون، سياسية ما بعد الحداثية، ترجمة: حيدر حاج اسماعيل، ص 16.
[20] عبد الله إبراهيم، السرد والتمثيل السردي في الرواية العربية المعاصرة (بحث في تقنيات السرد ووظائفه)، مجلة علامات، المغرب، العدد 6، 2001، ص 56.
[21] جورج شولز، صناعة الخرافة والواقع، ضمن كتاب المرآة والخارطة (دراسات في نظرية الأدب والنقد الأدبي)، مجموعة من النقاد والمفكرين، ترجمة: سهيل نجم، نينوي للنشر والتوزيع ، سوريا، دمشق، ط1، 2001، ص 61.
[22] أحمد يوسف، الميتاقص وسرد ما بعد الحداثة (دراسة تطبيقية في رواية “الحياة في مكان آخر” لميلان كونديرا)، مجلة التواصل في اللّغات والثقافة والآداب، جامعة باجي مختار، عنابة، العدد 29، ديسمبر 2011، ص 101.
[23] لوكيوس أبوليوس، الحمار الذهبي (رواية)، ترجمة: أبو العيد دودو، الدار العربية للعلوم / منشورات الاختلاف، بيروت/ الجزائر، ط1، أفريل 2001، ص 41.
[24] حسينة فلاح، الخطاب الواصف في ثلاثية أحلام مستغانمي، منشورات مخبر تحليل الخطاب، جامعة تيزي وزو، الجزائر، 2012، ص 24.
[25] لورا ماريا ولوجور ودري غوز، التهكم وما وراء القص في “رواية لم تكتب بعد لفرجينيا وولف، ضمن كتاب: جماليات ما وراء القص، هيي ساوما، ترجمة: أماني أبو رحمة، ص 127.
* تتألف رواية “ترسترام شاندي” من تسعة أجزاء، تستهل عام 1718 وتنتهي عام 1713؛ أي قبل ولادة بطلها شاندي بخمس سنين، يضطلع شاندي بمهمة السرد بدءاً من لحظة وعيه، وينتقل التبئير السردي من الحديث عن مصيره إلى الحديث عن طبيعة عائلته، وبيئته، وما ورثه من صفات، ويسهم الانتقال السابق في إبراز الاستطرادات والانقطاعات والتدخلات المهيمنة على السرد، التي تشيء بعزلة السارد وشكه في مقدرته على التعرف إلى ذاته، ورفضه أحادية الحقيقة. يكسر ستيرن جل القوانين السائدة في الكتابة الروائية التي شاعت في عصره، فالزمن الروائي لا يتبع نظاما خطيا، وتبدو تندراته الحكائية غير مكتملة، وتمتلئ صفحات الرواية بالحذف والفراغات، ويعدّ إدخال ستيرن نصوصا لا قصية في نسيج الرواية علامة مميزة لكتابته، طارحا على الدوام أسئلة عن الحدود الفاصلة بين العالم والنص الروائي.
[26] أحمد خريس، العوالم الميتاقصية في الرواية العربية، ص 14.
[27] سيزار فرناندث مورينو، أدب أمريكا اللاتينية، ج2، تر: أحمد حسان عبد الواحد، مر: شاكر مصطفى، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، فبراير 1988، ص 115.
[28] فاضل ثامر، ميتاسرد ما بعد الحداثة، مجلة الكوفة، دار التنوير، بيروت لبنان، العدد 3، شتاء 2013، ص 76.
[29] امبرتو ايكو، آليات الكتابة السردية، ترجمة: سعيد بنكراد، دار الحوار للنشر والتوزيع، ط1، 2009، ص 128.
[30] Donna Penne, Moral Metafiction (counter-discours in the Novels of Timothy Findley(, ECW Press, Toronto, Canada, 1991, p15.
نقلا عن أحمد خريس، العوالم الميتاقصية في الرواية العربية، ص 39.
[31] كمال الرياحي، حركة السرد الروائي ومناخاته (في استراتيجية التشكيل)، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ط1، 2005، ص ص 91، 92.
[32] Linda Hutcheon, Narcissistic Narrative, p 40.
نقلا عن: أحمد خريس، العوالم الميتاقصية في الرواية العربية، ص 86.
[33] محمد برادة، الرواية أفقا للشكل والخطاب المتعددين، ص 11.
[34] لورا ماريا ولوجور ودري غوز، التهكم وما وراء القص في “رواية لم تكتب بعد لفرجينيا وولف، ضمن كتاب: جماليات ما وراء القص، هيي ساوما، ترجمة: أماني أبو رحمة، ص 133.
[35] جميل حمداوي، أشكال الخطاب الميتاسردي في القصة القصيــرة بالمغرب، شبكة الألوكة، السعودية، www. Aulokah. Net، 15/05/2016، 07 :11 PM، ص 9.
[36] أحمد خريس، العوالم الميتاقصية في الرواية العربية، ص 35.
[37] حبيب بوهرور، العتبات وخطاب المتخيل في الرواية العربية المعاصرة، مجلة الأثر، كلية الآداب واللغات، جامعة قاصدي مرباح، ورقلة، الجزائر، العدد 24، مارس 2016، ص 37.
[38] فاضل ثامر، ميتاسرد ما بعد الحداثة، ص 71.
[39] أحمد خريس، العوالم الميتاقصية في الرواية العربية، ص 21.
[40] المرجع نفسه، ص 25.
[41] ايرن فيشون، جماليات ما وراء القص، ضمن كتاب: جماليات ما وراء القص، هيي ساوما، تر: أماني أبو رحمة، ص 60.
[42] المرجع نفسه،، ص 60.
[43] پول ريكور، الوجود والزمان والسرد ، ترجمة: سعيد الغانمي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء/ بيروت، ط1، 1999، ص 132.
[44] انظر ثبت المصطلحات في آخر كتاب: الحداثة وما بعد الحداثة، بيتر بروكر، ترجمة: عبد الوهاب علوب، ص 390.
[45] جابر عصفور، آفاق العصر، دار المدى، دمشق، سوريا، ط1، 1997، ص 123.
[46] زكي نجيب محفوظ، خرافة الميتافيزيقا، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1953، ص 209.
[47] علي حرب، هكذا أقرأ ما بعد التفكيك، المؤسسة العربية للدراسات، بيروت، لبنان، ط5، 2005، ص 21.
[48] ينظر: باتريشيا ووخ، ما وارء القص، تر : عبد الحميد محمد دفار، مجلة الثقافة الاجنبية، ع1، 1998، ص 73. نقلا عن: عباس عبد جاسم، ما وراء السرد – ما وراء الرواية، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، ط1، 2005، ص 24.
[49] Inger Christensen, the Meaning of metafiction, p 13.
نقلا عن: أحمد خريس، العوالم الميتاقصية في الرواية العربية، ص 36.
[50] جيسي ماتز، تطور الرواية الحديثة، ترجمة: لطيفة الديلمي، ص 290.
[51] فاضل ثامر، ميتاسرد ما بعد الحداثة، ص 73.
[52] المرجع نفسه، ص 75.
[53] هيي ساوما، ما وراء القص (تقانة واقعية الوعي الذاتي)، ضمن: جماليات ما وراء القص، هيي ساوما وآخرون، ترجمة: أماني أبو رحمة، ص 15.
[54] المرجع نفسه، ص 90.