
الأسرة، صورة الجسد واشكالية التنشئة الاجتماعية في الجزائر:
من الصراع إلى التفاوض أي تغيير وتحوير؟
د. بن عبد الله زهية، دكتوراه دولة في الانثروبولوجيا،
أستاذة بحث بالمركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ علم الانسان والتاريخ CNRPAH بالجزائر العاصمة.
بحث نشر في كتاب أعمال المؤتمر الدولي المحكم حول التفكك الأسري الأسباب والحلول الصفحة 15 .
ملخص باللغة العربية:
بفعل المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتكنولوجية، أفرغت الحياة العصرية المجتمعات العربية والمغاربية من محتوى العائلة التقليدية. إلا أنه في الجزائر، من ناحية المناهج التربوية، لا تزال أغلبية الأسر تحتكم إلى الأعراف والتقاليد، خصوصا فيما يتعلق بالمحافظة على مجالات الهويات الجنوسية (ذكورة/ أنوثة) ومسألة الممنوع والمتاح في العلاقة بالجسد. الأمر الذي يجعل من صورة الجسد ذاتها، مسألة اشكالية ضمن مختلف مسارات مؤسسات التنشئة الاجتماعية، ابتداء من الأسرة ذاتها.
بالرغم من أن مساعي الأسرة ترمي إلى مُثل الاستقرار والمحافظة على تقاليد السلطة الأبوية، غير أن الشباب قد يتجهون بحكم تطورهم النفسي والاجتماعي نحو رفض هذه المناهج والتصورات، وأحيانا ما يتخذون منها موقفا عدائيا، فتظهر الأزمة وتتفاقم بؤر الصراع ما بين الأولياء والناشئة ليحدث التفكك. إن كان الطلاق، من أبرز أسباب التفكك الأسري، إلا أن هنالك عدة أسباب وعدة متغيرات أخرى غير مباشرة قد تصل بالأسرة إلى متاهات غير منفرجة وإلى نقطة اللاعودة.
Résumé :
En raison de changements économiques, sociaux, culturels et technologiques, la vie moderne a vidé les sociétés arabes et maghrébines du contenu familial traditionnel. Cependant, en Algérie, quant à la fabrication des identités sexuées (Masculin/ Féminin) et à la question du rapport au corps, la majorité des familles continuent de faire références à la tradition patriarcale, ce qui rend l’image du corps lui-même problématique dans les différents institutions de la socialisation, à commencer par la famille.
Bien que les efforts de la famille visent à stabiliser et à préserver l’autorité parentale et le droit coutumier, les jeunes en raison de leur développement psychologique et social et selon leurs aspirations à la modernité et au renouveau vont se retrouver dans un rapport de forces et d’hostilité. Cette crise fait émerger le conflit qui s’installe et s’exacerbe envers la dissolution et la désintégration.
Bien que le divorce soit l’une des causes les plus importantes de la désintégration familiale, il existe plusieurs causes notamment d’une manière indirecte, qui peuvent pousser la famille vers l’inconnu ou vers le point de non-retour.
مقدمة:تعد الأسرة أولى أعمدة مؤسسات التنشئة الاجتماعية وقاعدتها. فهي اللبنة الأولى في حياة الفرد ومن أهم المؤسسات الاجتماعية التي تنظم العلاقات بين أفراد الجماعة الواحدة، حيث من خلالها تتم أولى عمليات التربية والتعليم عن طريق تلقين النشء مقومات الحياة العامة من معارف وآداب وقيم. وما عدى كونها المؤسسة الأولى التي تعلم الطفل احترام المقدس[1]، تدعم الأسرة الأواصر العاطفية، فتقدم للأبناء الرعاية والأمان من جهة، ومن جهة أخرى تقدم لهم الخبرة والمعارف بدون تقصير، من الأكثر بساطة إلى الأكثر تعقيدا، مما يساهم في خلق الشعور بالتوازن والاستقرار لديهم. فالأسرة لا تكل ولا تمل من تقديم التوجيه لأبنائها لتضمن لهم الحماية ما دامت قائمة عليهم، خصوصا فيما يتعلق بالاستعمالات الأولى للجسد.
لا يلتزم الدور المناط “بالأسرة” بمرحلة معينة من عمر أفرادها، بل هو مسار كامل يشمل جميع الفئات العمرية، فهو يسهر على تلقين مناهج التربية والتعليم وعلى عمليات الرعاية والصون… من الولادة حتى الوفاة[2]. ومن خلال ذلك، فهي تسعى إلى تأهيل الناشئة، لما تغرسه في نفوسهم منذ الطفولة من قيم ومثاليات وأنماط سلوك تسهم في تكوين الذات الاجتماعية السوية لديهم. إلا أن هذه المعارف الملقنة والضوابط المؤطرة، قد تلاقي بعض التمرد والعصيان في فترة من فترات التكوين النفسي والجسدي للناشئة. حيث قد لا توافق أوامر وتوجيهات الآباء التربوية تطلعات وطموحات الأبناء، فيحدث الخلاف وينشأ الصراع المؤدي إلى القطيعة والتفكك، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمجالات الهويات والحريات الشخصية وبهندسة الأدوار الجنساوية والجسدية في الوقت المعاصر.
إن الاشكال الذي يطرح نفسه اليوم هو، إذا كانت الأسر الاسلامية العربية والمغاربية لا تزال تحافظ على بعض ملامح العوائل التقليدية في توجيهها وتربيتها للأبناء، كيف تستطيع المحافظة على استقرارها وعلى نظامها أمام متغيرات الحداثة والعولمة وأمام مقتضيات العصر؟ كيف تنجح الأسر الجزائرية مثلا اليوم في تطبيق مناهجها التربوية مع العلم أن مرجعتيها القيمية وحتى التشريعية ترتكز على التقاليد والاعراف الدينية؟ في ماذا الجسد هو موضوع صراع بين الأبناء وأوليائهم؟ كيف ذلك وكيف يكون التجاوب؟ للإجابة على حاجاته اليومية المعاصرة، هل يمكن القول أن الشباب الجزائري المتعلم اليوم، هو فعلا في مواجهة حقيقية لهذه التقاليد عندما يتعلق الأمر بحرياته الجسدية والجنوسية أو أنه مجرد محوّر لها، أي مستعيد لها بصياغة أخرى؟
الفرضيات:
- إن تقديم الأولياء لأبنائهم صورا جسدية غير موافقة لزمانهم، هو الذي يجعل بؤر الصراع تحتد بينهم ومساحاتها تتوسع والأرضيات المشتركة تتقوض وتتضيق بينهم.
- ما دام سلسلة التناقل القيمية والدينية مشدودة الوثاق من خلال الحبل الأسري، فلا يمكن الجزم أبدا بأن الشباب الجزائري اليوم هو فعلا في مواجهة حقيقية للتقاليد، لأن ليس لديه الإطار البديل الذي يسمح له بالثورة والتغيير. لذلك، فهو ليس خالق حداثة، بل هو مستعيد للتقاليد ربما مغير لشكلها مبقي على جوهرها حسب ما يسمح له تفكيره.
1/ العائلة الممتدة والسلطة البطريركية:
يعتبر المجتمع العربي التقليدي، من المجتمعات التي تنتهج النظام البطريركي« le Patriarcat » ، ذلك أنه مجتمع يقوم بالأساس على مفهوم الشرف والقواعد التقليدية للزواج وعلى علاقات المصاهرة، كما يرتكز على القيم الدينية والعصبيات القبلية التغالبية”[3]. فالسلطة في شكلها العام داخل العائلة العربية كانت توكل للذكور عامة وللأب بصورة خاصة، وبالتالي فإنها كانت تقوم على أساس “الهيمنة الذكورية”[4].
في هذا الشأن يقول “سمير عبده” أنه في السابق، لم تكن العائلة العربية تربي أبناءها على التصرف المستقل وإنما على التبعية الكاملة للأب”[5]. ويلاحظ في هذا الصدد أن الأب كان يزاول رقابة صارمة على أبنائه الصغار ويتحكم حتى في أخص شؤونهم كاختيار أسلوب اللباس وشلة الأصدقاء، … كما لم يكن يسمح لهم البتة بالنقاش أو بإبداء الرأي، بدعوى أنهم جهلة وعديمي الوعي، لا يستطيعون التمييز بين الخطأ والصواب أو بين الحسن والقبيح أو بين الضار والنافع.
إلا أن العائلة العربية شهدت تغيرات عميقة وتحولات داخلية، جعلتها تتقلص في ذاتها وفي أعداد الأفراد الذين يعيشون تحت ظلها، لتمر من المفهوم الجماعي الكبير الممتد، إلى المفهوم الجماعي المحدود أو ما يعرف بالنووي. أي من مفهوم العائلة إلى مفهوم الأسرة. حيث أصبح الوالدان أصحاب القرار المباشر على الأبناء والمسؤولان المباشران على تربيتهم والنفقة عليهم. وبالتالي، تخلصت الأسرة النووية من القرارات غير المباشرة لباقي أفراد العائلة الكبيرة كالجد والجدة والعم… ومن بعض ثقل النظام البطريركي. وهذا لا يعني بالضرورة القطيعة التامة مع العائلة الكبيرة، فالأسرة النووية، لا تزال مرتبطة بالعائلة التقليدية من حيث المرجعيات الثقافية والعادات والتقاليد”[6] وخصوصا من خلال المحافظة على بعض ملامح التربية الجسدية للأبناء والمبنية على ترسانة من القيم والصور والتمثلات.
2/ من مفهوم العائلة إلى مفهوم الأسرة: أي تغير في الموازين؟
بدخول العالم في حداثة ما بعد الحربين العالمتين وجراء الدمار الذي لحق معظم الدول فأدى إلى تدهور البنى الاجتماعية فيها، ظهرت صورة جديدة للعائلة، حيث تقلصت في حجمها وتغيرت في أشكال روابطها وأدوارها، ذلك أن المصالح والهويات التي كانت تقوم عليها، قد تغيرت. وقتها، لعب العامل الاقتصادي دورا كبيرا في تفكك الروابط الاجتماعية الأمر الذي كان له بالغ الأثر في توجه المجتمعات نحو “النزعات الفردية” والمطالبة بالحريات حتى ضمن تلك المجتمعات التي كانت تقوم على العصبيات .
لقد كان لهذا التغير وقعه على خريطة العالم بأسرها وليس على الدول الغربية فقط. وبما أن أغلبية المجتمعات العربية كانت تقبع تحت الهيمنة السياسية والاقتصادية لهذه الدول، فهي الأخرى، قد أصابتها حمى التحوّل. وسط هذه الظروف، أصبحت هذه المجتمعات المعروفة بنظامها البطريركي، هي الأخرى تبحث عن سياقات لنفسها وعن قيم جديدة من أجل تحقيق النمو الاقتصادي وتعديل المستوى المعيشي لأفرادها، حيث أفقد الوضع الجديد النظام التقليدي شرعيته[7].
بحدوث تذبذب قيمي في المجتمع التقليدي، تنتهز المشاكل التي تشوش الحياة اليومية من أجل استبدال النظام القديم بآخر يقود الممارسات الاجتماعية من جديد. في مشروعها التطوري، تتمكن هذه الأجهزة الراغبة في التغيير، من قيادة عمليتان خطيرتان: فهي تسعى أولا إلى إخلاء جزء من محتوى النظام القديم والذي أصبح من وجهة نظرها غير نافع، ثم تباشر تأصيل متغيرات جديدة (…) بعد ذلك، توظفها في المجتمع، من أجل خلق ديناميكيات اجتماعية مختلفة. فتستطيع بالموازاة مع هذا المشروع التطوري، فرض تقسيم استراتيجي للفضاء… فتجعل مثلا، من العلاقات المجنسة، أساسا للتحول الاجتماعي”[8]. وعلى هذا الأساس أصبح النظام الأبوي حاليا في هذه المجتمعات يتعرض لتحولات جوهرية بسبب التغييرات البنيوية الحاصلة في عدة ميادين، خصوصا بانتشار الاعلام وعولمة الاقتصاد وازدهار التكنولوجيات الحديثة… الأمر الذي سمح بظهور قيم جديدة تشدد على حقوق الفرد ومن ذلك قيم المساواة والحريات الجماعية والفردية…”[9]
تحمل الأسرة النظام القيمي، لذلك فهي تعد عاملا أنثروبولوجيا مهما لفهم تطورات المجتمع وهذا العامل، إما يخلق الحداثة – (حالة الغرب اليوم) أو الحداثة الخارجية عنه، هي من تخلقه كعامل أنثروبولوجي”[10]. وهذا يعني بأن الأسرة الحالية في طموحها للتغيير والتجديد، تحاول خلق حداتثها الخاصة أو أنها تستهلك حداثة محيطها الخارجي لتصل إلى التحوّل بكل ثقله الاشكالي والقيمي.
3/ الأسرة الجزائرية: بعض المعطيات الاحصائية
لقد عرفت الأسرة الجزائرية صورا اجتماعية متعددة قد تعبر عن مدى التحولات العميقة التي مست مختلف بناها. فبعدما كانت أسرتان أو أكثر تنضويان تحت ظل عائلة واحدة (إحصائيات 1987)، أصبحت اليوم أغلبية الأسر مستقلة في إقامتها، الأمر الذي أدى إلى تغيّر في المنظومة الاجتماعية، وإلى إعادة النظر في مفهوم الجماعة وفي مفهوم القيم والمعايير التي تسير سلوكات الأفراد. فقد جاء في “دراسة كمية” للمركز الوطني للدراسات « CENEAP » حول تحولات الأسرة الجزائرية، “أن ظهور الأسر النووية وارتفاع نسب التمدرس والهجرات الداخلية ومؤخرا الأزمات الاقتصادية…، قد أدى إلى تنامي نزعة الفردنة ” وإلى إضعاف تأثير العادات والتقاليد وإلى إضعاف الوحدة. كما سهل تآكل القوى القيمية للسلوكات الاجتماعية الممارسة من قبل الأسرة لحد الآن”[11]. لذلك، فالأسرة اليوم، أصبحت تتضمن واقعا معقدا”[12]. وعليه، فإن دراسة موضوع تحولات البنى الأسرية، هي ذات أهمية كبرى، لمعرفة المسائل المتعلقة بالنمو والتطور داخل المجتمع”[13].
يذهب » « Emmanuel Todd إلى أن كل نظام أسري من الناحية الأنثروبولوجة، يولد بقدرات ثقافية ويحرك متغيران: قوة السلطة الأبوية ومكانة المرأة. لذلك فمن أجل أن يتغير هو ذاته، لا بد عليه من تغير وتفعيل هذان المتغيران”[14]. إذ من خلال عامل “الخصائص-الجنسية” لمؤشر التطور الانساني، يمكن تقدير درجة تطور البلاد”[15]. فمن خلال درجة السماح بتمدرس الفتيات مثلا، يمكن معرفة واقع التغيرات في مجتمع ينتمي إلى تقاليد البطريركا. من هذا المنطلق، نلاحظ أنه في الجزائر سنة 2000، ومن خلال عينة تحتوي على 1933 فردا، وجدت النتائج التالية:
من نسبة %87, 6 من المستجوبين، يوجد%38 يعتقدون بأن الفتاة لابد عليها أن تقوم بدراسات عليا من أجل فرض نفسها في المجتمع ولأجل تحصيل منصب شغل مستقبلا. أما 13 % من النسبة الأولى، فيعتقدون أنها لا يجب أن تتعدى المستوى الدراسي الثانوي، لغرض الاسراع والتمكن من الزواج. وهنا، يتضح جليا التغير الذي طرأ على منظومة الذهنيات. فبعدما كانت الأسرة البطريركية تعتقد أن البيت هو السبيل الوحيد للمرأة، وأنه لا داعي من تمدرسها، أصبح ينظر إليها اليوم على أنها فاعل اجتماعي واقتصادي مهم. فتقبل فكرة وصول المرأة إلى مستوى تعليمي عالي، دليل على أنه هنالك تغير في الذهنيات وفي أنماط التنشئة الاجتماعية في اعتباراتها للجسدي وللجنساوي.
4/ الأسرة، صورة الجسد والصناعة التمايزية للهويات الجنوسية :
بالرغم من التطور المحقق في قوانين المساواة والعدالة الجنوسية، إلا أن تمثلات الذكورة والأنوثة وعلاقاتها على مستوى الأوطان العربية والاسلامية، ليس معاشا بنفس الطريقة. في ذلك تلعب التربية الأسرية دورا جوهريا وحساسا في خلق التقاربات والتباعدات في صناعة كلا المفهومين.
استنادا على القيم المؤسسة والذهنيات المتوارثة تختلف مناهج التربية الجسدية للأنثى عن مناهج التربية الجسدية للذكر، كما تختلف هذه المناهج التربوية من طور حياتي لآخر ومن حيز فضائي لآخر. وفي ذلك تختلف الأدوات والأساليب التربوية التي تحاول بناء وصياغة صورة أكثر مثالية عن الجسد. فما وراء تأثيرات النظرة الفلسفية للذات، ترجع قاعدة هذا الاختلاف بالدرجة الأولى في المجتمعات الذكورية إلى التمايزات والفوارق البيولوجية بين الجنسين وإلى الاعتبارات والقيم الثقافية والدينية المتوارثة والمؤطرة لتمثلات وممارسات الأبناء. حيث يحيلنا هذا المعطى إلى الحديث عن التربية كوعاء قيمي للضمير الجمعي أين تتبلور وتتطور مراحل الوعي بالجسد: جسد مرحليٌ تطوريٌ، مختلفٌ وقابلٌ للعطب. فإدراك كل واحد لجنسه إن كان ذكرا أو أنثى، تسبقه مرحلة بداية وعيه الاجتماعي بمفهوم “الجسد” ومدى اختلاف جسده عن الجسد المغاير. يرى « P. Bourdieu » أن هذا الوعي لدى الأفراد الطبيعيين، يترسخ منذ السنوات الأولى للطفولة، فيقول:”… يتم ذلك ابتداء من سن أربع سنوات، حيث يبدأ كل واحد يتصرف حسب ما تمليه عليه بنيته الجسدية”[16]. وتبعا لذلك توجيهات وملاحظات أفراد أسرته.
عند الأسر المحافظة، يشجع الطفل الصغير منذ سنواته الأولى على استشعار الافتخار بذكورته وهو يلاحظ مع تقدمه في السن أن للرجال عدة امتيازات في الهيمنة على المرأة كتعنيفها أو الامارة عليها. وذلك ما ينمي لدى الفرد الإحساس بأن المجتمع رهن إشارته لإرضاء حاجاته”[17]. فهو ينشأ على أن يكون الملك، السيد، القوي، ولا يستطيع التنازل عن هذه الخاصيات التي هي بالنسبة له من بديهيات الحقوق”[18] والتي سوف تساهم في تحديد صورته الجسدية والنفسية مستقبلا.
1.4/ مفهوم “صورة الجسد” من المنظور العلمي الأكاديمي
يعد مفهوم “صورة الجسد” l’image du corps » « ، مفهوما عريقا في حقول العلوم الاجتماعية وفي ذلك علم النفس وعلم النفس التحليلي ومن أكثر المفاهيم تداولا في العلوم العصبية « Neurosciences ». حيث يعرف « Paul Schilder » هذا المفهوم على أنه التمثل الواعي واللاواعي للجسد. في حين تعني «Françoise Dolto » بالصورة اللاواعية للجسد”، مفهوم الشخصية”. وتعرفها على أنها التجسد الرمزي اللاواعي المرغوب فيه للفرد“[19]. عند Schilder » « P. صورة الجسد تتبلور من خلال التجارب الحسية والحركية والنفسية، وتتجلى من خلال البعد الاجتماعي. يقول: “إن صورة الجسد تصنع من طرف الآخرين وبالعلاقة معهم. فالصورة التي نتمثل بها أجسادنا تتأثر كثيرا بما يوحيه الآخرون لنا عن أنفسنا: في نظراتهم وكلامهم، ومواقفهم تجاهنا. فإذا كنا نحس بأن الآخر يرسل لنا أشياء ايجابية عن أجسادنا، تكون عندنا صورة ممتازة عن أنفسنا وقريبة جدا من الواقع[20] الذي نتخيله.
في هذا المجال، يختلف مفهوم “صورة الجسد” عن مفهوم “المخطط الجسدي”، والذي هو عبارة عن معرفة تصورية لأبعاد الجسد البيوميكانيكية والتي بموجبها تحديد الجسد في الفضاء المعاش. حيث يعتبر مفهوم “مخطط الجسد” من خلال حركية الجسد لاحق لمفهوم “صورة الجسد”[21]. وفي حين “المخطط الجسدي” هو ادراك الفرد على أنه ممثل لنوعه الإنساني، وهو ذاته بالنسبة لكافة الأفراد، تتبلور “صورة الجسد” وتتطور خلال حياة الفرد منذ سنواته الأولى. وهي بذلك ملخص حي لتجاربه الانفعالية، أين تنبني هذه الصورة من خلال الاتصال ما بين الأفراد وتنتسب إلى المخيال الجماعي. يقول علم النفس التحليلي، المخطط الجسدي السليم بإمكانه أن يتماشى مع صورة نفس متذبذبة، بما أن كلاهما مترابط. إلا أن هذه الوضعية، قد تخلق تذبذب يمنع الفرد من استعمال مخططه الجسدي بطريقة سليمة.
تجد المختصة النفسانية « Ruth Hartley » أن الطفل الصغير عندما يبدأ يحدد هويته، فهو يبدأ يحددها من خلال نفي كل ما لا يتعلق بها. تقول: “فالذكور يتعلمون عموما ما لا يجب أن يكونوا عليه من أجل أن يكونوا ذكورا، وقبل أن يتعلموا ماذا يمكن أن يصيروا إليه… والكثير من الذكور يعرفون “الذكورة” بنفي “الأنوثة”[22]. فمن أجل أن يمثل هويته الذكورية، يجب عليه أن يقنع نفسه ويقنع الآخرين بأنه أولا ليس امرأة، ليس طفل وليس مخنث. وهذا ما يدفع من لا يستطيعون البرهنة على هذه المنفيات الثلاثة، إلى الشعور بالإحباط وفقدان الأمل”[23]. أو العنف. كما تجد أن “الذكورة” ليست مرحلة أولية وطبيعية، لأن الذكورة مجال للتنشئة الاجتماعية في العموم، وللتربية الأسرية بالخصوص. تقول: “… إلا أننا تأكدنا بأنها مرحلة ثانوية لاحقة للأنوثة، وهي صعبة الاكتساب وسريعة العطب. إن ذكورة الولد أقل استقرارا وأقل تبكيرا من أنوثة الفتاة. وبالخصوص، الذكورة أشد أهمية عند الذكور، من الأنوثة عند الإناث”[24]. وفي حين يكون البلوغ بالنسبة للأنثى ومحيطها بداية للقلق والخوف والسلبية، يكون بالنسبة للذكور، أمان وايجابية، حيث تنبني “الذكورة” بدون خوف وبدون تقويم مماثل للأنوثة. حسب “نورمان ميلر” “أن تكون رجلا، هي معركة بدون نهاية طيلة الحياة[25]“. فالرجل من يجاهد نفسه أبديا لكي لا يرضخ لضعفه ولسلبيته. إن هذا القول مفاده أن التربية الأسرية تعنى بها البنت، كما يعنى بها الولد، إلا أنها في حالة الأنثى، تكون أكثر صرامة وتقويضا، لأن جسدها هو مدعاة للفتنة حسب الأعراف وحسب بعض الخطابات الدينية.
2.4/ الجسد المقلق: رهان التنشئة الاجتماعية وقلق النمو السليم للأبناء
إن اختلاف أساليب التربية في المجتمعات التقليدية أو المحافظة، ما بين الولد والبنت تكتسي صبغة قيمية، مع أن مبدؤها واحد. فالأولياء يحرصون على أن يكون أولادهم (بغض النظر عن جنسهم)، هم الأذكى والأسلم والأحسن والأقوى، لكنهم يميزون بينهم في الآداب المتعلقة بالجسد مثلا. ففي حين قد لا يبالي الآباء بطريقة جلوس أبناءهم الذكور، قد ينشغلون بكيفية جلوس بناتهم وقد يصل ذلك إلى حد التشديد والتعنيف، إذا لم يؤخذ هذا الأمر بعين الاعتبار. ففي حين نلاحظ “تسامحا” في توجيه آداب تعامل الذكر مع جسده، نلمس نوعا من الصرامة في توجيه جسد الأنثى، وقد تقترن هذه التوجيهات بالتعنيف الجسدي أو الرمزي[26]، إن هي خولفت أو انتهكت. هذه المحظورات والنواهي، هي المقومات الأولى للسلوك الجسدي الأنثوي، إنها القوالب الضابطة التي يجب أن تنمو فيها الفتاة، لتحديد مجالات حرياتها. إن المجتمع يعتقد أن المرأة المتحررة فكريا وسلوكيا، خطر، لأنها تتوفر على جاذبية قاهرة تهزم إرادة الرجل الممتنعة حيث يمكنها أن تحيل دوره إلى دور سلبي خاضع لا خيار له، فلا يملك إلا أن ينقاد لجاذبيتها[27]. هذه الورطة الاجتماعية، هي ما يسعى المجتمع إلى تفاديها من خلال تحصين وتقوية مشارف الذكورة”[28].
إن الساهرون على تربية البنت يحرصون على تلقينها أدب المعاملات. فيحرصون على تعليمها ماهية الأشياء الجيدة والخاطئة في التعامل مع الذات ومع الغير ويحثونها كثيرا على احترام آداب الانصياع للجماعة وللرجل وهم بذلك يعتقدون أنهم يصنعون زوجة الغد. هذه التربية التي تشمل بين جنباتها قيم التربية الجسدية، تشمل آداب الأكل والكلام والمشي والجلوس وكيفيات ممارسة عمليات العناية بنظافة الجسد وحسن اختيار شكل ونوع اللباس وحتى طريقة الحركة والإشارة. كما تُحث على واجب تعلم اقتصاديات البيت والعناية به، وتحذر من خفة الرجل للخروج منه… وبذلك يتم تلقينها ثقافة الجسد وثقافة التعامل معه وبه حسب السلم القيمي للجماعة.
3.4/ هي والتنقل المقلق:
إن خروج المرأة للفضاء العام في مجتمع معروف بقيمه اتجاه الذكورة والأنوثة، يصبح إشكاليا وقت اصطدامه بالعرف والتقاليد والدين، لأنها المصادر الأساسية لمنظومة القيم التي تغذي الذهنيات الاجتماعية. فالمتداول في الجزائر وحتى في بعض المجتمعات المغاربية حاليا أنه لا يقال للمرأة “خرجت بَرَى” أي “خرجت للشارع”، وإنما يقال لها: “خرجت تقْضِي”، أي “ذهبت لتتسوق”، ويعللون حتى ماذا ذهبت تشتريه. ففي حين يقال بكل بساطة أن الرجل “خرج برى” بدون البحث عن تفاصيل أخرى، يقال للمرأة “فلانة راحت تشري الخبز، مثلا”. كأن خروجها للشارع بدون قصد أو مبرر، يجر القدح في شرفها والتشكيك في حسن سيرتها.
فبالرغم من تمدرس المرأة ودخولها سوق العمل، وبالرغم من مساهمتها في الحركات السياسية والاجتماعية العابرة للأوطان، وبالرغم من اعتياد سفرها وتنقلها لوحدها، إلا أنها تبقى دائما، رهينة الفضاء الخاص، لأن العرف يقتضي أن تكون كل متنقلة، خارج المكان وبالتالي فهي خارج الرقابة وخارج السيطرة، ولأنها امرأة، فهي قد “تخلق الفوضى”[29].
إن هذه التربية تجعل من الفتاة، “تحت وصايا دائمة” ومهما كبر سنها، فلا يمكن رؤيتها خارج المثاليات، حيث لا يقبل بها خارج دائرة الآداب العامة وحسن التصرف. إذن فصورة الأنثى في المجتمعات التي تشدد على قيم العفة، هي بالأساس صورة متعلقة بالطابو الجسدي وبمفهوم “الحشومة”، المتعلق في ذاته بمفهوم “السكون والسكوت والقرار في الفضاء الخاص”.
هذا الاهتمام المتميز بجسد الفتاة الصغيرة، نجده يتحدد ويتكرر حتى لسنوات متأخرة من حياتها بذريعة “الخوف من العيب والعار” الذي يمكنها أن تجره لعائلتها بصورة عامة، ولأبيها وإخوتها الذكور بصورة خاصة “[30]. إنه الخوف من جسد تحفه المخاطر. جسد مغر ومؤد إلى التهلكة عن قصد أو عن غير قصد. جسد لا بد أن تغرس فيه قيم أخلاقية وأخرى ردعية، من أجل المحافظة على سلامته وقيمته الجمالية والاجتماعية. لذلك يصبح حجبه بقطع من قماش بديلا عن حجبه في الفضاء الحميمي. إن ارتداء الفتاة للحجاب عند البلوغ، يصبح “طقس مرور”، على شكل تعاقد ضمني بين الأسرة وبين الفتاة التي ولجت عالم الأنوثة. فيصبح مسموحا لها بالخروج من البيت وارتياد المجال العام، مقابل ارتدائها للحجاب، فهو يمثل بالنسبة للآباء حدا أدنى من الضمانات التي لا يمكن التنازل عنها في سياق مجتمعي ضعفت فيه آليات المراقبة الاجتماعية وتكاثرت فيه المنزلقات. إنه بالنسبة للمجتمع الذكوري شهادة لحسن السلوك والانصياع، مع أن الواقع قد يكون غير ذلك تماما.
5/ تأثير مؤسسات التنشئة الاجتماعية وصقل الهوية الجسدية للناشئة:
كأولى الاستجابات لعمليات التلقين، تبدأ الفتاة بالتعرف على جسدها وتميز جنسها عن الجنس الآخر، أي الذكر. فيستقيم لها التمثل بالأنثى الأكثر حضورا وقربا منها، وغالبا ما تكون هي الأم. فتعمد الصغيرة لتشبه بوالدتها وبالأدوار التي تؤديها أمامها. فتقوم بتقليد أمها في مظهرها، فتلبس ملابسها وتضع كعبها العالي وتلطخ وجهها ببدرات ماكياجها”[31]… إنها تحلم أن تكون الدمية التي طالما مشطتها وتجسستها. وببلوغها سن المراهقة تزداد لديها الرغبة في التشبه بالآخرين، عن طريق أساليب التقليد والمحاكاة، معتمدة في ذلك على أذواقها الجمالية المتطورة منذ الصغر. إنها تريد أن تكون مثل المعلمة في دورها ومثل صديقتها في مشطتها وثيابها الجديدة ومثل الممثلة في جمالها وأناقتها… إن في حب التماهي بالآخرين، بحث دائم عن نموذج تحتذي به، مما يساهم في اعادة توجيه تمثلاتها حول الجسد، وعليه إعادة رسم معالم صورتها الجسدية[32]“.
تقول Pages-Delon » « Michèle: “هذه المقاربة للمظاهر الجسدية بمفهوم التنشئة الاجتماعية تسمح بالدرجة الثانية بالتواجد في قلب تفاعل منطقين: منطق الفاعلين الاجتماعيين الذين يقومون بالممارسة الفعلية للعناية المختلفة بالمظهر، ومنطق الحركات الاجتماعية والإيديولوجية، التي تشجع على ذلك من جهة أخرى، أو لا تشجع “[33]. وتقول: “فالمظاهر الجسدية مثلا والحرص على تحسينها ليست إنتاج ثانوي للحياة الاجتماعية، ولا نتيجة محددات بنيوية وثقافية فقط، وإنما هي كذلك مصدر ورهان أساسي للتنشئة الاجتماعية[34]“.
إن نظرة الأخرين السلبية، تمثل مصدر عنف رمزي، قد يتقاسمه الأطفال فيما بينهم بدون رحمة وبدون مقابل، من خلال الشتائم وتبادل الألفاظ البذيئة، (خصوصا في الشارع وفي الأوساط الاجتماعية الأكثر حرمانا). إن تأثر الفرد بوجهات نظر ومواقف الآخرين ازاءه، تدفع به إلى الاحساس بالإحباط إن هو لم يصبها أو لم يوافقها. والخوف كله من الإقصاء والتهميش من قبل جماعة الرفاق، إن لم يكن “مِثل” أو “أحسن” من أقرانه.
إن ممارسات العناية الصحية والجمالية في المجتمع تغذيها عمليات التأثير والتأثر بين الأفراد في البيت وفي المحيط الجواري واليوم حتى في الفضاءات الافتراضية والسيبيرانية. فقلة تجربة المراهق بجسده مثلا تدفعه إلى الإصغاء والانتباه إلى سلوكيات الأخرين تجاه أجسادهم، خصوصا الأفراد المحيطين به والذين هم محل إعجابه وتقديره. إن الانتماء لنفس الشريحة العمرية ولنفس الجنس، ليس شرطا مهما في عملية التأثير والتأثر. فيمكن أن يتشبه المراهقون بمن يكبرهم في السن بكثير، مثل : العم، الخال…، وممكن للذكور، أن يقلدوا أخواتهم الإناث في حرصهن على العناية بذواتهن من نظافة وحسن تهندم، وممكن للإفريقي التشبه بالأسيوي… وهكذا الغلبة لمن يمثل القدوة والقوة.
إلا أن الشباب قد يتجهون بحكم تكوينهم النفسي والاجتماعي الحديث نحو رفض تلك التوجيهات والممارسات التربوية التي توجهها لهم تنشئتهم الأسرية، وأحيانا ما يتخذون منها موقفا عدائيا. يقول “محمد علي محمد”: ” فمن الملاحظ أن هنالك محتوى مثالي في هذه الذات ينتج مباشرة عن التربية والتنشئة التي يتلقاها الشباب وهذا ما يمكن وصفه بالمحتوى الحقيقي أو الذات الواقعية، والتي غالبا ما لا تكون واضحة تماما”[35]. وهذا ما يترك الشباب يسقطون في صراعات متعددة الأوجه ما بين الواقع الذي تفرضه عليهم مجتمعاتهم، وما بين طموحاتهم ورغباتهم وأذواقهم، وقد تتعمق الفجوة من خلال التنطعات وجفاف أرضيات الحوار والتعبير عن عواطف في الأسرة.
وفقا لدراسة منجزة على مجموعة من الطلبة الجامعيين[36] ، ضمت 37 شاب وشابة ( 19 طالب جامعي و18 طالبة)، وافدين كلهم من مناطق مختلفة من الوطن (مناطق حضرية أو ريفية أو نائية)، ومن خلال تقنية دراسة حالة، أفرزت معطيات هذه الدراسة على عدم وجود فرق كبير ما بين مؤسسات التنشئة الاجتماعية الرسمية والغير رسمية في تعزيز الفروقات والتمايزات ما بين الجنسين. ففي المؤسسات الرسمية القائمة على التربية والتعليم، كالمدرسة، المسجد، النوادي الثقافية والرياضية… وفي المؤسسات الغير رسمية مثل الشارع، شلة الرفاق، مواقع الشبكات الاجتماعية…، لا يخرج الهدف عن إعادة انتاج أدوار جنوسية متمايزة وتفاضلية لصالح الذكورة، كمثل تلك التي تسعى الأسرة إلى ترسيخها. وإن كان الشارع والمحيط الجواري يسعى إلى إعطاء الجسد قيما مترية، وإن كان الاعلام المُعوّلم يروج لحرية الكلام عن الجسدي وحرية التمظهر به، وإن كان الشباب يطمحون إلى تغيير نظرات جيل الآباء حول ماهياتهم الجسدية والسلوكية، إلا أن قبضة العرفي والديني، هي التي لاتزال تتحكم في القرارات المهمة التي تتعلق بمفاهيم الجنوسة والمواقف من طابوهات الجسد، كمسألة المرأة ولباسها… ومسألة الحديث عن الثقافة الجنسية. وهذه بعض التفاصيل:
6/ مواقف وردات فعل أسرية حول الممارسات والأساليب اللباسية: معطيات ميدانية
1.6/ مواقف الأولياء من أساليب أبنائهم في التهندم:
إن مسألة ضبط لباس الأبناء، تعد من بين المسائل التي كثيرا ما يشب حولها الصراع مع الوالدين، وفقا لما هو مسموح أو ممنوع. وغالبا ما تكون البنت على محك التشديد. عشر حالات من بين مجموعة 18 طالبة، كررت أنه توجد رقابة صارمة على أسلوبها في التهندم. هذه الرقابة يمثلها الأب بتردد 08 مرات، الإخوة الذكور بتردد 07 مرات، الأم بتردد مرتين. ومن بين المسائل التي هي محل رقابة في المظهر: وضع الماكياج، لبس القصير والمحجم للجسم، ككشف الساقين وجيوب الصدر. صبغة الشعر، نتف الحاجبان، التغنج في طريقة الكلام واللباس… من بين هذه الحالات، حالتان قالتا بأنهما أمرتا بارتداء الحجاب من طرف الأب والإخوة.
أما عن موقفهن فعادة ما قد يكون سلبي. فبالرغم من الانزعاج والكراهة التي قد تصل إلى حد المناوشات أو القيام بعكس الضابط خفية، إلا أنهن يجدن أن تشديد أولياؤهن عليهن أمر طبيعي، يتضمن معنى الصون. تقول منال ( من منطقة سور الغزلان): ” أحنا الصوارا هكذا”. وتقول أمينة ( من منطقة باتنة): ” نحن الشاويا هكذا“. لكنهن بعيدا عن الأعين، في الجامعة، (7حالات من 17 حالة) تفعل ما يحلو لها حسب قولهن. وعلى العموم، يمكن احصاء ردات الفعل التالية من هذه الطالبات: ردة فعل ايجابية، لكن غير مذعنة، تبحث عن وضعية للتفاوض. ردة فعل سلبية، غير راضية ومعاندة. ردة فعل ايجابية مذعنة. ردة فعل ايجابية معاندة.
بالنسبة للطلبة الذكور، لم يكن أولياؤهم متشددين عليهم في اختيار شكل اللباس وإن كان لديهم اعتراض طفيف على بعض الممارسات المتعلقة بالجسد عامة، كإهمال حلق اللحية وتركها طويلة (محمد1) أو ترك طول الشعر أو تسريحه على الموضة، كتسريحة القزع أو “القنفذ” أو ” البانك- Punk ” (وليد) أو لبس السروال النازل (رضا)… طالب واحد من بين 19 طالب، (ابراهيم من طوارق تمنراست)، قال بأنه مطالب كرجل ترﭬي باحترام لبس البازان والتـﭭلموست في قبيلته، وأمه من تحرص على تنبيهه لذلك.
الملاحظ من ردات الفعل المتفاوتة هذه، السلبية منها والايجابية، أنها لا تشير فعلا إلى مواجهة حقيقية، تصل لحد الصراع والتأزم في العلاقات داخل الأسرة، فهؤلاء الشباب كانوا إما ينصاعون في أغلب الأحيان طوعا وعن اقتناع، بالرغم من الانزعاج والتضايق، أو كانوا يحاولون إيجاد حل وسط للنقاش وللدفاع عن أذواقهم وأفكارهم أو كانوا يهربون من واقعهم ويتهربون. أما غالبية الفتيات ممن كان يشدد عليهن، فكانت تسكت وقد تقوم بما ترغب فيه خفية عن والديها. وهنالك من الطلبة من يقوم بالمواجهة، ويعترض فارضا رأيه دون الدخول في صراع طويل مع والديه. وحتى الوالدين لم يعودوا يلجؤون إلى المشاحنات الكلامية الطويلة حسب آراء بعض الطلبة، بل أصبحوا يفضلون المقاطعات الكلامية كعقاب. إلا أن شح التبادلات التواصلية في الأسرة ما بين الآباء والأبناء، عن طريق قلة المجالسة والحوار، قد تؤدي إلى الاحساس بضعف في التحكم بزمام الأمور، حيث يصبح الفضاء المنزلي مكانا لتسلط كاريكاتوري يخفي في كثير من الأحيان مشاكل وصعوبات لدى الوالدين في منهجية التربية التي من مهامها رفع الغموض عن طابو الجسد “[37]. وذلك قد يكون سببا خطيرا أيضا في تفجر أزمة أسرية، تنتهي بضياع الأبناء وانحرافهم حينما تتراكم المشاكل والمقاطعات وسبل الهروب.
2.6/ مواقف الأبناء من أساليب آبائهم اللباسية:
الاخصائيين في السلوك الإنساني ولاسيما علماء النفس، يتفقون على أن أسلوب اللباس يشكل رمزا خارجيا للشخصية. فهو يشكل بذلك مؤشرا للجيل الذي ننتمي إليه أو الذي نتماهى معه[38]. في بحث للمركز الوطني للدراسات “CENEAP “، ومن خلال عينة ثانوية قدرها 100 شخص، وجد الباحثون أنه في جيل الآباء %63,9 لا يحرصون على اتباع الموضة، بل ألبستهم تقليدية. في المقابل، هنالك نسبة %36,1 من تحرص على مواكبة العصر في اللباس. في حين أنه عند جيل الأبناء 88,8 % من 100 مستجوب يحرصون على اللباس العصري، مقابل نسبة11,2 % ممن يفضلون المحافظة اليومية على اللباس التقليدي. تقول الدراسة: ” وهذا يعني بكل وضوح أن أسلوب السلوك اللباسي مرتبط بالشرائح العمرية”[39]. أي، أنه كلما زاد السن، زاد التمسك بالقيم اللباسية التقليدية وكلما تناقص، كان الاهتمام باللباس العصري، أكثر احتمالا.
أفرزت المعطيات الميدانية التي عرضت على 37 حالة، أنه يمكن تمييز اتجاهان من سؤال موقف الأبناء ازاء لباس الأولياء. فهم إما يوافقون على أساليب أولياءهم في التمظهر ويعجبون بذلك أو أنهم لا يعجبون بها ويرفضونها. والواضح من الموقف الرافض، أن هذا الرفض سلبي. فهم لا يحاولون عمل شيء من أجل تغيير ممارسات والديهم في التهندم وذلك لعدة أسباب منها: اعتقادهم أن جيل الآباء يمثل “العادة، الأصول، الاحترام،…” أو لأن الكبار لا يتقبلون مناقشة هذا الأمر البتة”، أو لأنه ما بالأمر حيلة نظرا للوضع المادي المزري وللبيئة المحلية. نجد هذا الموقف عند (26) حالة من أصل (37 ). مثل تعبير: ” هذا أسلوب (ستيل) والديا بالطبع أنحبو… هذي هي يَمَا وهذا هو بابا”(يوغرطة، نسيمة، بدرو،…) فكل من عبارة “يناسب سنهما”، “تعودت عليه”، ” محافظين على الهوية التقليدية والدينية”، تعني أن هؤلاء الشباب لا يحاولون الدخول في قضايا نقاشية تخص أذواق وممارسات أولياءهم، لأنه في اعتقادهم أن رأيهم غير مؤثر وغير مهم.
فبالنسبة لهؤلاء الشباب، الإعجاب بهندام الوالدين التقليدي، يعني تقدير الانتماء الهوياتي والثقافي لهما، بالرغم من الانزعاج من تقاليدهم اللباسية. فالآخر الذي يمثل (الأب/ الأم/ الولي)، ليس إلا جزء من الذات والذاكرة والدين والضير الجمعي، لذلك هو يستوجب الاحترام. لكن أن ينتهج الشاب أسلوب والديه، فمن المستحيل على حد قولهم. فلا أحد يختار والديه، لذلك يصبح شكلهما، (وإن كان ليس على ذوق الشاب)، صورة للحنان والحنين والوقار والتقدير والاحترام، المعبر عنه بقولهم: “ذلك يناسب سنهما”. إن العلاقة بالأب أو الأم لا تتعلق بالضرورة “بصورة الجسد”، بل تتعلق أكثر بالعواطف، بالشعور واللاشعور وواقع العلاقات الأسرية. أما الحكم على أشكال تغليف هذه الصورة، فمرتبط بمفاهيمنا الخاصة وتمثلاتنا الذاتية المتبلورة منذ الصغر.
إحدى عشرة (11) حالة قالت أنها لا تتقبل شكل والديها اللباسي، منها ست حالات أرجعت السبب إلى عدم حرص الأبوان على تجديد ملابسهما. فملابسهما قديمة وغير مطابقة لأساليب “التمظهر والتهندم” العصرية. إنها تشكل لها الكثير من الحرج والأسف. “أخجل عندما يأتي أبي لنقلي من الاقامة الجامعية نهاية الأسبوع” (حياة). لا يهتمان بلباسهما بسبب التقتير (رضا). ” أبي على عكس أمي غير مهتم بالموضة، هو دقة قديمة” (صارة).
خمس طلبة أرجعوا موقفهم السلبي من أشكال هندام أمهاتهم لعدم موافقته للشرع والدين، لأنهم يجدون فيه الكثير من المسايرة للموضة. فهو غير مناسب لسنها وغير مرتبط أصلا بالعادات والتقاليد. حسب ذكور هذه المجموعة، لا يجب أن تلبس الأم ملابس موضوية، مخافة أن يعايره ويشتمه ويغتابه أصدقاؤه. أو لأن صورة الأم مقدسة، وأي لباس حديث التقاطيع، إهانة لها. أو لأنه من الواجب أن تحافظ على دينها والشرع أمر بتغطية المرأة وحجبها ولا يجب أن تخرج كاشفة لشعرها. بل اللائق أن تلبس الأم العباءة أو الجبة التقليدية داخل البيت والحجاب خارجه. سنها يتطلب الوقار.
7/ فتيل التفكك داخل الأسرة: بعض المتغيرات المعمقة لوجهات الاختلاف بين الآباء والأبناء
وإن كان الطلاق، من أبرز أسباب التفكك الأسري، إلا أن هنالك عدة أسباب وعدة متغيرات قد تصل بالأسرة إلى متاهات الغير المنفرجة وإلى نقطة اللاعودة. ومنها الاحساس بالخطأ في اختيار الشريك وعدم الاحساس بالانسجام مع روحه وقيمه، الأوضاع الاقتصادية المزرية، اختلاف المستوى الثقافي بين الآباء والأبناء وتأثير البيئة الاجتماعية، التعصب إلى الاعراف وإلى الخطابات الدينية الجامدة، تغيب التواصل في الاسرة ومنع الابناء من الحق في ابداء الرأي، واعتبار النقاشات حول الجسد من الطابوهات… فيما يلي نتطرق للنقاط التالية:
1.7/ المرجعية الثقافية والاجتماعية للأسرة وأثرها على التنشئة الاجتماعية:
تؤكد بعض البحوث الاجتماعية على أن اختلاف الممارسات التربوية للأبوين حسب جنس الناشئ، هي أكثر أو أقل وضوحا حسب الوسط الاجتماعي. ففي الأوساط التي تحظى بتَيسُر المستوى المعيشي وعلو المستوى الدراسي والثقافي، درجات الاستقلالية أو التبعية، لا تختلف ما بين الذكور والإناث في درجات المعاملات الجسدية، حيث لا تلاحظ هنالك تمايزات كبيرة ما بين الإناث والذكور، وإن وجدت، فهي تمايزات مطاطية وليست بالفوارق، بعكس الأوساط الشعبية أو الريفية. فالمستوى الثقافي والاجتماعي للوالدين من موجبه اخبارنا إلى حد بعيد عن مجالات الانفتاح أو الانغلاق في الاسرة . إن من موجبه اخبارنا عن نوعية العلاقات والروابط الاجتماعية وعن نوعية النقاشات السائدة.
- يقول يوغرطة (30 سنة، سنة 2 انجليزية، من تيزي وزو، يقطن بالرويبة في ضواحي العاصمة): “وقتها أمي لم تعد تبالي بمظهري، فبالنسبة لها أنا بدأت أكبر. أما أبي الذي هو جيل كوستيم (زمن البدلة) وإدارة، فلم يكن يحب أن أترك قميصي مفتوحا لأظهر صدري…. وكثيرا ما كان يقول لي واش هذي الموضة “mets-toi convenablement“، أي كن كما يليق “.
- وفقا لطبيعة البيئة الاجتماعية: “نحن من أسرة مثقفة لكن نعيش في بيئة ريفية محافظة“. ( مراد).
- وفقا لعادات المنطقة وتقاليدها : “نحن من قبيلة التوارڤ الايفوغاس، نلبس حسب العرف” (ابراهيم).
- وفقا للتوجهات الدينية والايديولوجية: ” نحن من عائلة متدينة. أبي واخوتي سلفيين” (رؤوف).
- ” لم أحس يوما أن هنالك تمييز ما بيني وبين اخوتي… لم يشدد علي أهلي في مسألة العناية الجمالية بالجسد. أنا أحب “. ( نسيمة، 24 سنة، عازبة، سنة رابعة أدب، غير متحجبة، الأب أستاذ جامعي، أصل عائلتها من المدية وتقطن في العاصمة(.
– ” بالنسبة لوالديا أنا وأخي نفس الشيء، ليس هنالك تمييز وأنا أسهر على أن لا يكون هنالك تفاوت… لا، لم يكن هنالك تشديد عليا في اللباس، لكنهم في البداية لم يكونوا يرغبون في أسلوبي الذكوري في التمظهر: في قصة الشعر القصيرة والحركات. ولكن عندما قررت ارتداء الحجاب، أمي لم تمانع. أما أبي، فعارض إلى أن أقنعته. (زولا، 20 سنة، تخصص سنة 2 تصميم ديكور، محجبة على الموضة، الأم معلمة، الـأب اطار سامي، تسكن بحي راقي بالعاصمة(.
من خلال جل الاجابات المتحصل عليها، التي تجد أن هنالك تشديد وتمييز في أسرتها والتي لا تجد، نلاحظ أن هنالك اتجاهان يسيران العلاقة بالأبناء وقد يقترنان بمتغير المستوى الثقافي والاجتماعي للوالدين وهما: اتجاه تطغى عليه القيم المحافظة واتجاه يؤمن بديموقراطية العلاقات الاسرية. حيث يظم الاتجاه المحافظ التربية التقليدية للأبناء والمبنية أساسا على القيم البطريركية والالتزام بالعادات والتقاليد المتماشية مع فكرة الأسبقية والتفوق الذكوري وعدم فتح أبواب النقاش. أما الاتجاه الديموقراطي، فيمثل تلك الأسر التي تؤمن بمبدأ المساواة بين الجنسين ولا تستعمل مبدأ التمييز بين أبنائها، بل تعتبرهم أحرارا في اتخاذ قراراتهم. كما يمتاز منهج هذه الأسر في التربية باللين والتواصل المتبادل والانفتاح على كل ما هو جديد قبل رفضه وبعدم الرجوع إلى المناهج التقليدية كمرجعية لاتخاذ القرارات ولا أساسا للردع.
2.7/ التعصب الديني والعرفي الغير متفهم والغير مواكب لإشكالات العصر:
يعتبر الدين الإسلامي أحد ركائز الهوية الوطنية الجزائرية وأحد الضوابط المثبتة للقيم[40]. كما يعد أحد الخصائص السسيوثقافية للمجتمع وموضوعا أساسيا للتنشئة الاجتماعية الأسرية. وبالتالي، فهو موّجه مهّم للعلاقات ما بين الأفراد ولممارساتهم وتمثلاتهم الشخصية والجماعية ولرويتهم للأمور. إلا أن ممارسات الدين الاجتماعية تختلف في تفاصيلها من شخص لآخر، حسب المعتقدات وحسب المعارف الشعبية والعالمة له. في هذا الصدد، قد تكفل الأسرة التربية الدينية وإن كانت في بيئة غير دينية، وقد يكفل المجتمع الكبير هذه التعاليم للنشء فيما بعد، إن لم تقم هي بذلك[41]. وعليه، فالتنشئة الدينية، لا ترمى إلا على عاتق الأسرة، لكن هي قيم تسهر عليها العائلة الكبيرة، الكتاب، المسجد، المحيط الجواري، مؤسسات التربية والتعليم، وأحيانا حتى الروضة… حيث تكفلها العلاقات الرحمية أو شلة الأصدقاء والأصحاب، أو يلقنها المعلمون والمربون.
فالأسر المتحفظة على هذه الممارسات حسب المرجعية السلفية، تنشأ أفرادها على الالتزام بالقرآن والسنة وتجبرهم على اتباع المعلوم من العادات والعبادات وتستعمل آليات الاقناع والفرض وحتى القمع كمناهج للإقناع ولتطويع الجسد الناشئ، مثلا من خلال الأمر بإرسال اللحى ولبس القميص الذي لا يتعدى نصف الساق وأمر النساء بالتبرقع. كما تحاول أسر أخرى حث أبنائها على واجب تأدية العبادات الاسلامية، وتحاول أخرى تلقين واجب تأدية الطقوس والتقاليد الدينية… أمام هذا الهدي وحسب درجات الاستيعاب والاقتناع المرحلية، يكون الصراع وقد يكون النفاق أو التفاوض أو المطاوعة.
من خلال المقابلات تبين أنه من (37) حالة، اثنان وثلاثون حالة قالت أنها بالرغم من التغريم والترغيب والتوجيه الأسري، فهي لا تواظب فعلا على تأدية الممارسات التعبدية من صلاة وصيام، إما تكاسلا وتقاعسا وتخاذلا أو لعدم الاقتناع. وهذا ما كان يثير لهم الكثير من المشاكل أو بعضها مع الأولياء. وعادة ما كانت هذه المشاكل تؤدي إلى مقاطعات طويلة وتكدر للجو الأسري.
عند الحديث عن التعاليم الدينية، 12 حالة قالت بأنها لم تحاول أن تصلي أبدا، بالرغم من أن أفراد عائلتها يصلون. 05 حالات قالت بأنها تسأل عن الصلاة كل مرة من طرف أفراد أسرتها، إلا أنها لا تواظب عليها، وردة للفعل، الأمر لا يتعدى المشاحنات العابرة. وعلى غرار تأدية فريضة الصلاة، تظهر فريضة الصوم، كممارسة أساسية لهؤلاء الطلبة، وأحلى أوقات اللمة والوئام لديهم، يوم الالتقاء حول مائدة الافطار أو السحور شهر رمضان. أما فيما يتعلق بكيفيات التقيد باللباس الديني، تجد (12) حالة منها سبع (7) طالبات، أنه بالرغم من حرص عائلتها ككل على اقناعها بفرضية الحجاب، إلا أنها ترى أن الأمر ليس كذلك. وبالتالي، فطالما واجهت العديد من المشاكل العائلية والاجتماعية بسبب عدم اقتناعها بالفكرة. منها: التعدي اللفظي والجسدي المتكرر من قبل الأب، الاخوة، العم…الشارع.
لا يحصر الطلبة المستجوبون تعريفهم للتدين في نطاق المظاهر الجسدية، ولا يجدون البتة بأن التدين يجب أن يكون من خلال المظهر فقط. فاللباس واتباع السلف في العناية بالجسد والمظهر، ليسا أساسا لتقوى الله، على حد قولهم، وإنما هو تضييق يصبح فيه الجسد الغني في تنوعه، جسدا واحدا ضيقا منعزلا، لا معنى له في الانسانية سوى امتداد تاريخي واحد ضيق.
3.7/ تغييب الثقافة الجنسية والتعبير عن العواطف: التغييب الخطير
يعد موضوع الجسد في الأسرة “طابو” متجاهل…إذ تحاول الأسرة إبقاء النقاش في هذا الموضوع في نطاق ضيق… لكنها لا تتورع عن إصدار الأحكام حوله، دونما تعليل ولا شرح، خصوصا إذا ما ارتبط الأمر بالعلاقات ما بين الجنسين. وهذا ما قد يؤدي إلى خلق فجوة ما بين الآباء والأولاد الذين يرون جيل الكبار بعيدين كل البعد عنهم وعن تفهم أفكارهم. “
وفي العموم تتمحور تربية الأطفال في إطار ثلاثة كلمات مفتاحية: “الحرام”، “الحشومة” و”العيب”، بحيث يشكل الممنوع نواة لثلاث وظائف: وظيفة دينية ترتبط بكلمة حرام. وظيفة اجتماعية ترتبط بكلمة “حشومة”. وظيفة أخلاقية ترتبط بكلمة “عيب”[42]. وهذه المتغيرات الثلاث، هي المراجع الأساسية للتنشئة الاجتماعية في الجزائر.
في لحظات مهمة من تكوين حياة أبنائهم الجسدية والنفسية، وبدافع من الحياء الغير المُمَوضع، يغفل ويغيب الآباء تلقين الثقافة الجنسية لأبنائهم حتى وهم في ذروة التغيرات المورفولوجية التي تصاحب مرحلة المراهقة. إنها المرحلة التي سوف تحدد نموهم السوي، بما أنه فيها سوف يتم تحديد توجهاتهم الجنسية ونضوج وظائفهم البيولوجية التناسلية. هذا الوضع قد لا يفقه منه الحدث الشيء الكثير وقد تكون لديه معلومات، لكنها غير صحيحة أو غير تامة أو مغلوطة. إنها لحظات انتقالية يتحول فيها الجسد من جسد محايد الجنس إلى جسد خصب وفعال جنسيا. إنها لحظات خطيرة في عمر الناشئة، لأنها تُصَّيِرُ الطفل، رجلا أو أنثى وتحدد اكتمال صورته الجسدية، ومع ذلك لا تجد المرافقة والتوضيح اللازم.
إن التغيرات الفيزيولوجية التي تحدث على جسد المراهق وقوة الانتباه لها، هي التي سوف تحدد في ما بعد سلوكه الاجتماعي والحميمي. فنمو شعر الجسم عموما وقدوم الدورة الشهرية وبروز النهدين والاحتلام… كلها مسائل طبيعية وحتمية الحدوث لكن مقاربتها في البداية تكون مختلفة، حسب درجة التوعية المكتسبة، إما السليمة أو المغالطة. وبالتالي تتحول العلاقة العفوية بالجسد المعهودة في مرحلة الطفولة إلى علاقة واعية، واجبة وضرورية. وإن لم تجد هذه التحولات التوجيه السليم والمعرفة الناجعة، قد تزيد أزمة هذا الانتقال عند الفرد ذاته وفي علاقته مع أولياءه ومحيطه. تقول بعض الحالات:
- “أنا أول مرة حضت فيها، لم ترد أمي أن تثق بأن هذا شيء طبيعي، بل عنفتني كثيرا وأنا لم أكن أعرف معنى ذلك، فخفت كثيرا وتأزمت ولم أعرف لمن أبوح، فتركت بيتنا وذهبت عند خالتي التي تسكن بجوارنا “. (صارة، 26 سنة، سنة 5 تصميم جرافيك، من عنابة، قاطنة بتيبازة ).
- “ لم أعرف كيف أتعامل مع ما حصل لي ليلا ليلة احتلمت لأول مرة، لم أكن أعرف جيدا كيف أتعامل مع الوضع، ارتبكت كثيرا، لم أعرف كيف أنظف نفسي وثيابي دون أن تلحظ أمي ذلك صباحا… مع أنني كنت على علم بما حدث لي عن طريق الحديث مع أصدقائي”. (رضا، 23 سنة، سنة 3 ترجمة، طالب وافد من منطقة تيزي وزو، يقطن بوسط العاصمة).
مما سلف، نلاحظ أن هناك أسئلة كثيرة تبحث عن أجوبة نتيجة قلة الخبرة بهذا الجسد الجديد الغريب بالنسبة لصاحبه، كيف يلبي حاجياته وكيف يتعامل معه، ليعالج تحولاته البيولوجية وأعراضه الصحية والجسدية. من خلال هذا نجد أن هنالك تماثل في انشغالات كل من الذكور والإناث فيما يخص مواطن التغيرات الفيزيولوجية والاهتمام بأشكال معالجتها، والتي قد تغفل عن توجيهها الأسرة.
بين التساهل الأسري والتشديد، تبقى مسؤولية صناعة أفراد صالحين تقودها وتقومها مناهج التربية. فكل من الانفتاح أو الانغلاق لا يؤديان بالضرورة إلى نتيجة تربوية مبتغاة. فأي أسلوب للتنشئة الاجتماعية خارج عن الانصات والمحاورة والتوجيه والوعظ والحزم في مجالات حرية الأبناء، إلا وقد يقود النشء إما نحو السلبية والتيهان أو نحو الانفلات والانحراف. ذلك أن هذا الأسلوب من التنشئة لا يمتلك أدوات تسليح الأبناء بقدرات مستقبلية للسيطرة على الأوضاع الاعتيادية والاستثنائية ولا يمكنهم من احتواءها ولا يحافظ على اكسابهم معيارية معرفية ديناميكية لتطوير صورتهم الحداثية من أجل مواكبة عصرهم. والنتيجة عندما يكون متغير “التنشئة الاجتماعية” أخف من متغير “رهانات الحداثة”، يحدث الانجراف. وبالتالي، كلا النموذجان (المتساهل والمتشدد)، إلا ويساهمان في التقديم للمجتمع شخصية هشة، غير متزنة، لا تعرف المواجهة ولا تحصي اثبات ذاتها ولا تطويرها.
يتساءل “سليمان مظهر” في محاولة له لمعالجة إشكالية الأصالة والمعاصرة في الروابط الأسرية عن دور النظام التقليدي (البطريركي) في إجهاض الحداثة، يقول: ” أليس من الخطير أن نتمسك بنفس نظام التنشئة الاجتماعية عندما نرغب في تكوين رجل جديد؟”[43] ويضيف: “إن القيم التي تتضمنها التنشئة الاجتماعية التي تجسد النظام التقليدي تعيق بناء مجتمع جديد”. ومن جهة أخرى، فإن إغفال التنشئة الاجتماعية التقليدية، تنجر عنه الفوضى[44]“. فيصبح أي مظهر يخص نظام القيم أو العلاقات بين الجنسين أو التمثلات الاجتماعية أو الدين … ميدانا معقدا ومليئا بالرموز الغير مفهومة.
8/ نتائج الدراسة والخلاصة:
على ضوء هذه الدراسة، تبين أن جو العلاقات الأسرية ما بين هؤلاء الشباب وأولياؤهم، قد يصل إلى التعكر والتأزم، لكنه لا يبلغ حد التفكك والقطيعة. فبالرغم من توجه بعض الأسر اتجاه “ديموقراطية العلاقات” ما بين أفرادها، وبالرغم من التطلع على ثقافات ما وراء البحار عبر وسائل الإعلام، وبالرغم من التغيرات التي طرأت على صورة المرأة في علاقتها بجسدها وعلاقتها بالآخر في قرابة قرن من الزمن، إلا أن القيم المرتبطة بالجنوسة، لم تتغير في عمقها، وإن عرفت تحولات كبيرة في ظاهرها، حيث أن البنى اللاواعية للمجتمع ومنها قيم الزواج والتقسيم الجنسي للعمل وللفضاء…، لا تزال هي ذاتها قائمة على الأعراف والتقاليد والدين وعلى محاولات ضبط انعتاقات الجسد.
يحمل المجتمع الجزائري سمات وملامح مجتمع متذبذب، لم يهضم بعد تحولات الحداثة التي تنتجها البلدان المهيمنة ثقافيا وسياسيا واقتصاديا والتي ترسلها طازجة جاهزة للاستهلاك. ذلك أن هذه الحداثة سليلة عصر الأنوار، لا تعتمد على نفس قيم المجتمعات العربية الاسلامية التي تقدس الدين وتحترم الاعراف والتقاليد وتثمن الروابط القرابية عبر مناهج التنشئة الاجتماعية، حيث لا يزال النسق “الأبوي” يطغى على ملامح التركيبة الأسرية وإن دعت إلى التحديث. ومن جهة أخرى، فالشباب الجزائري ليس خالق حداثة بمفهومها الثوري، وإنما هو مستهلك تحديث أو هو مجدد تقاليد ومحوّر لها ليصل إلى تفاوض مع الحداثة.
9/ التوصيات والاقتراحات:
تتمثل التوصيات لأجل الحد من اشكالية “التفكك الاسري”، في تفعيل شراكة قوية ما بين الخلية الأسرية، المجتمع المدني والمؤسسات القانونية للدولة، وكلاهما له دور في التأثير والغلبة على الآخر. فمثلا يجب:
- يجب أن يخلق المجتمع للناشئة نموذج القدوة والمثال الأعلى. فالنماذج الاجتماعية الناجحة في البلدان القوية اقتصاديا وثقافيا، تقدم وتدعم إلى الأمام نموذجان من القادة: نموذج القائد الشاب ونموذج القائد المثقف، أين يجد باقي الشباب مثلهم العليا وأين يجد الشاب المتعلم مكانة لنفسه. لذلك في الأسرة يجب التأكيد على صورة الأب القدوة والقائد، على أن لا يعيد صورة عقيمة للتقاليد وإنما صورة تفاعلية مع الحاضر وهذا يأتي عن طريق تكوين الشخصية الثقافية للوالدين.
- أن لا ترمى مسؤولية تربية الأبناء إلا على عاتق الأم، وإنما أن تكون من مهام الأبوين معا. وأن يكون للأم الحق في اتخاذ القرارات المهمة المتعلقة بأسرتها كما للأب بالتشاور. وبما أنه عادة ما تكون الأم هي من ينقل الثقافة أولا للأبناء، فإن درجة وعيها بمسؤولية تربية الأبناء حسب مقتضيات عصرهم يجب أن تكون في انسجام مع تطلعاتهم وطموحاتهم.
- يجب توفير جو الحب والحنان والتضامن الذي لابد أن يشمل كافة أفراد الأسرة والالتزام بروح المسؤولية والصرامة متى اقتضى الأمر.
- على الأسر خلق فضاءات للحوار مع الأبناء ومشاركتهم في الأعمال الجماعية إما تلك المتعلقة بالأعمال المنزلية أو تلك المتعلقة بالترفيه، وحثهم على أهمية الالتفاف سوية حول طاولة الغذاء أو العشاء، خصوصا وأن توفر الانترنيت، قد أدى من جهة أخرى إلى خلق فضاءات فردية مستقلة في المنزل الواحد وإلى إصابة كافة أفراد الأسرة تقريبا بالبكم والعمى المؤقت.
- على المجتمع المدني من جمعيات وأشخاص التوعية بقيمة التراث وثمينه من خلال قيادة برامج تحسيسية وتوعوية ودورات تكوينية وتثقيفية لناشئة الأحياء الشعبية، كما الأحياء الراقية، وبالتالي يمكن من خلال ذلك خلق جسور وتقاربات ما بين الاجيال، ما بين شريحة الأجداد والشرائح الأقل سنا. فأن كان صراع الاجيال، حتمية تقدمية لا بد منها، لا يجب أن تكون هذه الحتمية مولدة للكراهية والاحتقار، فجدي مصدر قوتي والهامي وليس هو أنا نفسي.
- تعزيز قيمة القيم الاجتماعية وخصوصا القيم الأخلاقية، من خلال اعطاءها طابع منفعي واجرائي وهذه مهمة مؤسسات التنشئة الاجتماعية جميعها من الأسرة مرورا بالمسجد والمدرسة ووسائل الاتصال… من هذه القيم نذكر الحث على قيم الاحترام والتضامن والحب والتي بموجبها تتثمين عدة قيم أخرى، كتثمين علاقات القرابة والجوار والصداقة، الصدق، الأمانة… وعلى عاتق الدولة يجب التكفل بتكوين الائمة والمربين والمرشدين حتى يكون بإمكانهم توصيل هذه الافكار بطرق سلسة بعيدا عن الديماغوجيا والمنطق المجرد.
- يجب تشكيل مجتمع مدني قوي يفرض على الدولة اطار قانوني مختلف. أي أن يحاول المجتمع المدني بمعية مثقفيه وأرباب الأموال تحريك الأمور لدفع الدولة إلى مراجعة أطرها القانونية من أجل خلق اجراءات فعلية للنهوض بالأدوار الاجتماعية التربوية، ومنها تعزيز مكانة المرأة في كامل قطاعات الحياة الفاعلة، الاقتصادية منها والثقافية، لأن اعدادها يتوقف عليه بناء أجيال طيبة الأعراق. والاهتمام يكون خصوصا بالمرأة الريفية أو المرأة المتواجدة في المناطق النائية.
- يجب تمكين المرأة من مناصب اتخاذ القرار، لأن ذلك يضمن إلى حد بعيد اشراكها في مراجعة القوانين التي أصبحت نوعا ما لا تتماشى ورهانات العصر ومشاكله.
- لاحتواء الفئات الشبانية ولتشربها، وسعيا لكبح جماح شرائح واسعة من المجتمع، يجب وضع استراتيجيات وبرامج اقتصادية وثقافية، لتقليص هوة الفقر والجهل السببان الرئيسيان اللذان يعديان من دوافع كل منزلقات التطرف والانحراف والتفكك. لذلك يجب خلق دور وفضاءات للتقاربات الثقافية والحث على أهمية الانخراط الجمعوي وتوسيع ذلك إلى أصغر التجمعات السكانية لكي يكون لها اطار مؤسساتي للتعبير عن ذواتها. ومن جهة الأسرة والمدرسة يجب المحافظة على الناشئة من التسرب المدرسي والآفات الاجتماعية.
- لوسائل الاتصال دور كبير في تصحيح وتصويب صورة الأسرة وتعزيز مكانتها أو بالعكس، تجريدها من مهامها واعاقتها، خصوصا وأن من أحد الجوانب السلبية للعولمة، خلق فوارق اجتماعية كبيرة بسبب جعل الرأسمالية المكيافلية أساسا لكل التعاملات الاجتماعية. وبالتالي يجب خلق اعلام موجه لتحسيس الشباب والآباء بأهمية الوحدة الأسرية خصوصا وأن معدلات ارتفاع نسبة الطلاق أصبحت مريعة، فهنالك من يطلق أسرته وهنالك من يطلق بلاده وهنالك من يطلق الحياة كاملة عبر قوارب الموت.
سلسلة المصادر والمراجع باللغة العربية :
- الصباغ، ليلى (1975)، المرأة في التاريخ العربي في تاريخ العرب ما قبل الاسلام، دمشق، منشورات وزارة الثقافة والارشاد القومي.
- القصير، عبد القادر، (1999)، الأسرة المتغيرة في مجتمع المدنية العربية“، بيروت، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، الطبعة الأولى.
- المرنيسي، فاطمة، (2009)، ما وراء الحجاب: الجنس كهندسة اجتماعية، فاطمة الزهراء أزرويل (ترجمة)، دار الفنك للنشر، الدار البيضاء، الطبعة الخامسة.
- بن عبد الله، زهية، (2017)، ” المرأة، الاختلاط والديناميكيات المجنسة للفضاء العام: مقاربة جندرية لواقع تمثلات العلاقات الجنوسية في الجزائر لدى الشباب الجامعي”، في مجلة العلوم الانسانية والاجتماعية، جامعة ورقلة، العدد ب /30، سبتمبر.
- بن غبريط، رمعون، نورية، (2008)، “الطفل، المدرسة والشارع فضاء للعب: حالة الجزائر”، في إنسانيات، وهران، عدد 41، السنة الثانية عشر، جويلية – سبتمبر.
- عبده سمير، (1988)، المرأة في المجتمع العربي، دمشق، مطبعة العجلوني، الطبعة الأولى.
- عبد المعطي، حسن مصطفى، (2008)، الأسرة ومشكلة الأبناء، القاهرة، دار السحاب للنشر والتوزيع. في: صالحي بن شريف حنيفة (2008 )، “الأسرة وعنف الطفل: علاقة افتراضية أم حتمية؟ في: “الطفولة والتنشئة الاجتماعية”، في إنسانيات، السنة الثانية عشر، عدد 41، جويلية/ سبتمبر.
Bibliographie en langue française :
- AREZKI, Dalila (2004), Sens et non-sens de la famille algérienne, Paris, Éditions Publisud.
- BADINTER, Elisabeth (2001), XY : de l’identité masculine, Paris, Éditions Odile JACOB.
- Benkhelil, R. (1982), Réflexions sur les structures familiales, Alger, INEAP.
- BLAISE KOPP, Françoise (1997), « les ruptures, les copains et les normes d’adolescents », in EID G. (dir.), La famille, le lien et la norme, Paris, l’
- BONTE, Pierre (1997), « Aux fondements du lien familial : genre et / ou filiation ? ». In EID Georges (dir), La famille, le lien et la norme, Paris, l’Harmattan, p. 15.
- BOURDIEU, Pierre (1991), « Le sexe, catégorie sociale », in Revue actes de la recherche en sciences sociales: Masculin / Féminin, n° 83.
- BOURDIEU, Pierre (1998), La domination masculine, Paris, Seuil.
- BOURQIA, Rahma (2000), «Les jeunes et l’expression religieuse : stratégie de l’ambivalence », In Bourquia R., El Ayadi M., El Harras M., Rachik H. (dir.), Les jeunes et valeurs religieuses, Dakar, Éditions EDDIF- CODESRIA.
- CENEAP, (2009), « Mutations de la famille algérienne et situations de certains groupes vulnérables », in La revue du CENEAP, Alger.
- DOLTO, Françoise (1984), L’Image inconsciente du corps, Paris, Seuil.
- FALCONNET, G. et LEFAUCHEUR, N. (1975), La fabrication des mâles, Paris,
- GUESSOUS, Naoumine (1991), Au-delà de toute pudeur la sexualité au Maroc, Casablanca, Éditions ÈDDIF, 7ème édition.
- HARTLEY, Ruth (1959), « Sex role pressures in the socialization of the male child », in Psychological reports, n° 5.
- LEBSARI, OUARDIA, ((1998, « Traditions et modernisation en Algérie : cas de la famille et de la planification familiale », op. cit ., (version numérique sur CD, bibliothèque du CREAD).
- MEDHAR, Slimane (1992), Tradition contre développement, Algérie, ENAP.
- PAGES-DELON, Michèle (1989), Le corps et ses apparences: L’Envers du look, Paris, l’Harmattan, Coll. Logiques sociales et éducations.
- PAQUIS Christine, http://www.psychaanalyse.com/pdf/l_image_inconsciente_du_corps.pdf
- SCHILDER, Paul (1968), L’Image du corps, Paris, Gallimard.
- TODD, Emmanuel (1984), L’enfance du monde : structures familiales et développement, Paris, Seuil.
[1] BOURQIA Rahma (2000), «Les jeunes et l’expression religieuse : stratégie de l’ambivalence », In Bourquia R., El Ayadi M., El Harras M., Rachik H. (dir.), Les jeunes et valeurs religieuses, Dakar, Éditions EDDIF- CODESRIA, p. 21.
[2] عبد المعطي حسن مصطفى (2008)، الأسرة ومشكلة الأبناء، القاهرة، دار السحاب للنشر والتوزيع، ص 9- 10. في: صالحي بن شريف حنيفة (2008 )، “الأسرة وعنف الطفل: علاقة افتراضية أم حتمية؟ في: “الطفولة والتنشئة الاجتماعية”، في إنسانيات، السنة الثانية عشر، عدد 41، جويلية/ سبتمبر.
[3] صباغ ليلى (1975)، المرأة في التاريخ العربي في تاريخ العرب قبل الإسلام، دمشق، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، ص.5.
[4] BOURDIEU, Pierre (1998), La domination masculine, Paris, Seuil, p. 142.
[5]عبده سمير (1988)، المرأة في المجتمع العربي، دمشق، مطبعة العجلوني، الطبعة الأولى، ص 8/9.
[6] Benkhelil R. (1982), Réflexions sur les structures familiales, Alger, INEAP, p. 48.
[7] MEDHAR, Slimane (1992), Tradition contre développement, Algérie, ENAP, p. 86.
[8] Ibid., p. 287.
[9] القصير عبد القادر (1999)، الأسرة المتغيرة في مجتمع المدنية العربية“، بيروت، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، ص. 201.
[10] TODD, Emmanuel (1984), L’enfance du monde : structures familiales et développement, Paris, Seuil, p. 15.
[11]CENEAP (2009), « Mutations de la famille algérienne et situations de certains groupes vulnérables », in La revue du CENEAP, Alger, p. 28
[12] Ibid., p. 41
[13]Ibid., p. 27.
[14] TODD Emmanuel (1984), L’enfance du monde : structures familiales et développement, op. cit., p. 218.
[15] CENEAP, )2009(,op. cit., p. 77.
[16] BOURDIEU Pierre (1991), « Le sexe, catégorie sociale », in Revue actes de la recherche en sciences sociales : Masculin / Féminin, n° 83, p.3.
[17] المرنيسي فاطمة (2009)، ما وراء الحجاب: الجنس كهندسة اجتماعية، فاطمة الزهراء أزرويل (ترجمة)، دار الفنك للنشر، الدار البيضاء، الطبعة الخامسة، ص. 186.
[18] AREZKI Dalila (2004), Sens et non-sens de la famille algérienne, Paris, Éditions Publisud, p. 60.
[19] أنظر كل من:
SCHILDER, Paul (1968), L’Image du corps, Paris, Gallimard. Et, DOLTO Françoise (1984), L’Image inconsciente du corps, Paris, Seuil.
[20] PAQUIS Christine, http://www.psychaanalyse.com/pdf/l_image_inconsciente_du_corps.pdf
[21] Ibid.
[22] HARTLEY Ruth (1959), « Sex role pressures in the socialization of the male child », in Psychological reports, n° 5, p. 458.
[23] BADINTER, Elisabeth (2001), XY : de l’identité masculine, Paris, Éditions Odile JACOB, p. 57.
[24] Ibid, p. 58.
[25] BADINTER, Elisabeth (2001), op. cit., p. 40.
[26] العنف الرمزي أو “la violence symbolique” هو مفهوم “لبيار بورديو” ويقصد به نوع من العنف الغير مادي والغير جسدي، وإنما يمكن أن يكون لفظي أو معنوي.
[27] المرنيسي، فاطمة (2009(، ما وراء الحجاب: الجنس كهندسة اجتماعية، سبق ذكره، ص. 30- 31.
[28] BADINTER, Elisabeth (2001), XY : de l’identité Masculine, op. cit., p. 40.
[29] بن عبد الله زهية (2017)، ” المرأة، الاختلاط والديناميكيات المجنسة للفضاء العام: مقاربة جندرية لواقع تمثلات العلاقات الجنوسية في الجزائر لدى الشباب الجامعي”، في مجلة العلوم الانسانية والاجتماعية، جامعة ورقلة، العدد ب /30، سبتمبر، ص. 320.
[30]GUESSOUS, Naoumine (1991), Au-delà de toute pudeur la sexualité au Maroc, Casablanca, Éditions ÈDDIF, 7ème édition, p. 9.
[31] FALCONNET G. et LEFAUCHEUR N. (1975), La fabrication des mâles, Paris, Seuil, p.145
[32] AREZKI Dalila (2004), Sens et non-sens de la famille algérienne, op. cit., p. 61.
[33] PAGES-DELON, Michèle (1989), Le corps et ses apparences: L’Envers du look, Paris, l’Harmattan, Coll. Logiques sociales et éducations, p. 69.
[34] Ibid., p.70.
[35] محمد، محمد علي، الشباب العربي والتغير الاجتماعي، بيروت، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، ص. 29.
[36] جزء من هذا المقال، اقتباس من دراسة أنجزتها لأجل التحضير لشهادة الدكتوراه موسومة بعنوان “الجسد والجندر، الحداثة ورهانات الزينة والتزين: دراسة سسيو أنثروبولوجية لتمثلات وممارسات العناية الصحية والجمالية بالجسد في الجزائر” والمناقشة كانت في 2015. حيث دام البحث الميداني فيها أكثر من سنتين من الزمن (من ديسمبر 2008 إلى بداية 2011). ميدان الدراسة يتمثل في البيئة الجامعية بالجزائر العاصمة، ويضم ثلاث كليات: كلية الآداب واللغات، كلية العلوم الطبية، كلية العلوم الإسلامية. بالإضافة إلى مجموعة من طلبة المدرسة العليا للفنون الجميلة.
[37] AREZKI Dalila (2004), Sens et non-sens de la famille algérienne, op. cit, p. 39.
[38] CENEAP, (2009), Mutations de la famille algérienne et situations de certains groupes vulnérables, op. cit., p. 84.
[39] Ibid., p. 84.
[40] يعد الاسلام دين الدولة حسب المادة الثانية من الدستور ودين غالبية الشعب الجزائري. الأغلبية الساحقة من السكان تتبع المذهب السني، باستثناء خمس واحات صحراوية، ما زالت تعتنق المذهب الإباضي. عدد المسيحيين ضئيل يقدر بنسبة تقدر (0.01%) من السكان وأغلبيتهم من الأجانب. أما عدد الملحدين واليهود، فمن الصعب تحديده. وإن كانت القوانين التشريعية تستلهم موادها من القوانين الوضعية، إلا أنه فيما يخص قانون الأسرة، فغالبية المواد، تستلهم نصوصها من الشريعة الاسلامية، فيما يخص مثلا مواثيق النكاح والميراث… فالجزائر دولة يحكم فيها القضاء باسم الشعب وفقاً للقانون الوضعي، إلا في مجال الأسرة.
[41] تحكي لنا إحدى الجامعيات (X) عن علاقة أبناءها بالممارسات الدينية، فتقول: “ولدي وبنتي ملتزمان بالمواظبة على الصلاة وعلى الصوم والبنت محجبة بالرغم من أنني وأبوهما ملحدان ولم نربيهما على ذلك أبدا “.
[42] بن غبريط رمعون نورية (2008 )، “الطفل، المدرسة والشارع فضاء للعب: حالة الجزائر”، في إنسانيات، وهران، عدد 41، السنة الثانية عشر، جويلية / سبتمبر، ص. 19.
[43] MEDHAR Slimane (1992), Tradition contre développement, op. cit., p. 115.
[44] Ibid.