تأثير الذكاء الاصطناعي على الجانب الوظيفي للأفراد في ظل التغير الاجتماعي مقاربة نظرية
The impact of artificial intelligence on the career side of individuals in light of social change A theoretical approach to artificial intelligence
د. بن عابد فاطمة (جامعة عمار ثليجي)
Dr. Ben Abed Fatma (University of Ammar Tilji)
د. زغودي عمر (المركز الجامعي أفلو، الجزائر)
Dr. Zghoudi Omar (University Center Aflou, Algeria)
مقال منشور في كتاب اعمال ملتقى الاستثمار المالي والصناعي في الذكاء الاصطناعي الصفحة 45.
Abstract:
The modern era is characterized by the emergence of a number of changes in different aspects of social, cultural, economic and technological life…etc, and this change requires development and progress, and it is worth noting that the social change that we are living and witnessed by successive generations is a rapid, continuous, deep-rooted, broad-based and purposeful change. Which necessitated the need to use and use artificial intelligence to keep pace with this change and technological development, and the phenomenon of social change has attracted the attention of scientists, especially psychology, sociology, economics, as well as media and communication sciences, and they have given it great importance in terms of study and understanding, and this research paper aims to identify the importance of the role of Artificial intelligence as one of the important topics, especially in our current era, which was the result of the contemporary industrial revolution represented by smart behavior, technologies and various programs and the extent of their impact on the career side of individuals with its various results and dimensions in directing behavior, behavior and capabilities and achieving stability in order to adapt and adapt to these various social and economic changes.
Key words: Artificial intelligence; – technology -Jobs; – Individuals- Social change.
الملخص:
إن العصر الحديث يتسم بظهور عدد من التغيرات في النواحي المختلفة من الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتكنولوجية…الخ، وهذا التغير يقتضي إلى التطور والتقدم، وجدير بالذكر أن التغير الاجتماعي الذي نعيشه وتشهده الأجيال المتعاقبة هو تغير سريع ومستمر عميق الجذور واسع النطاق هادف المقصد، مما استوجب ضرورة استعمال واستخدام الذكاء الاصطناعي لمسايرة هذا التغيير والتطور التكنولوجي، ولقد جذبت ظاهرة التغير الاجتماعي اهتمام العلماء، خاصة علماء النفس والاجتماع والاقتصاد وكذا علماء الإعلام والاتصال وقد أولوها أهمية كبرى من حيث الدراسة والفهم، وتهدف هذه الورقة البحثية الى التعرف على أهمية دور الذكاء الاصطناعي باعتباره من المواضيع المهمة خاصة في عصرنا الحالي الذي كان نتيجة الثورة الصناعية المعاصرة المتمثلة في السلوك الذكي والتقنيات ومختلف البرامج ومدى تأثيرها على الجانب الوظيفي للأفراد بمختلف نتائجه وأبعاده توجيه السلوك والتصرفات والقدرات وتحقيق استقرار بغية التكيف وتأقلم مع مختلف هذه التغيرات الاجتماعية والاقتصادية.
الكلمات المفتاحية : الذكاء الاصطناعي ، التكنولوجيا ، الوظيفة ، الأفراد،التغير الاجتماعي.
تمهيد :
ان التغير الاجتماعي خاصية أساسية تتميز بها الحياة الاجتماعية فهو سبيل بقائها ونموها وعن طريقة تواجه الجماعات متطلبات أفرادها وحاجاتهم المتعددة ،حيث يمكن أن نصل إلى حقيقة مفادها أنه لا يوجد مجتمع لا يتغير، فالتغير يمس كل شيء : الأفراد ،العادات ،التقاليد الأعراف ،الاتجاهات والفنون وحتى الايديولوجيات، فقد يبدو المجتمع مستقرا وسائرا في إنجاز وظائفه في هدوء طوال أجيال متعاقبة ولكنه حين يصل إلى درجة من التجمع الحضاري يبدأ في التغيير بسبب وجود تحول في أعماقه لتجديد الأنساق أو لتأسيس نظم جديدة ،ومن هنا تبدو حركية المجتمع، وتغير ظواهره خاصة فيما يتعلق بالنمو الحضاري أو التغير العمراني المصاحب للتغير السكاني.[1]
مما لاشك فيه اننا اليوم نتجه الى عصر مختلف تماما في ملامحه ومعطياته ،عصر تكنولوجي ومعلوماتي بامتياز ومن المتوقع أن تختلف حياة الانسان في المستقبل اختلافا جذريا عن كل ما عرفته البشرية من قبل ، في كل الجوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والصحية والتربوية ،ستنعكس اثاره على الانسانية جمعاء، سواء شاركنا في صناعته أو اكتفينا بدور المتفرج السلبي المنفعل ،عصر سيكون فيه للذكاء الاصطناعي دور كبير في تسيير وتوجيه قسم كبير حياتنا وخياراتنا[2] .
ويبرز الذكاء الاصطناعي كأحد أهم التوجهات الحديثة خلال السنوات الحالية في جميع مجالات الحياة، التي لم تعد كافية أن يعيشها الانسان وفقط إنما من المهم ان يعيشها بذكاء ،ويأتي مفهوم الذكاء الاصطناعي ليشير الى برمجة الحاسوب أو الالة وفق مجموعة من الخوارزميات والعمليات الذكية التي تحاكي تلك العمليات التي تحدث داخل العقل البشري ،من فهم وتحليل وإدراك وتفسير، فالذكاء الاصطناعي يهدف الى معرفة أو مجاراة الذكاء الانساني من خلال صنع برامج خاصة بالحاسب الالي في إمكانها محاكاة السلوك الانساني الذكي ،أي قدرة الحاسوب على حل مختلف المسائل والمشاكل المطروحة أمامه واتخاذ قرار بشأنها من خلال العديد من العمليات الاستدلالية المتنوعة التي غذي بها هذا البرنامج ،تعد هذه التقنية بالكثير مستقبلا بل تكاد تشكل هي ذاتها المستقبل المنشود[3] .
ويعد الذكاء الاصطناعي من المواضيع المهمة والمتداولة بشكل كبير في الآونة الاخيرة ،حيث تتسابق الدول لاستقطاب الابتكارات والتطبيقات المختلفة له ،إذ يعتبر الذكاء الاصطناعي من أحد المحركات الاساسية للتنمية المستدامة في كل القطاعات ويساهم الذكاء الاصطناعي في حل مشاكل اتخاذ القرار المختلفة من خلال إدخال التقانة والتكنولوجيا المتقدمة للدولة واستعمالاتها والأساليب الحديثة المتبعة في الإدارة والحياة العامة للمواطنين، مما يجعل الاستفادة من العارف ومعالجتها بذكاء يفوق القدرة البشرية على المعالجة اللحظية لها[4].
أولا: الذكاء الاصطناعي:
تقدم الأبحاث استخدامات الذكاء الاصطناعي في مجالات متعددة حيث يتم استخدامه لنمذجة وتوقع سلوك الأنظمة المكونة من مليارات الجسيمات ،ففي مجال الطب يتم استخدامه لتشخيص المرضى بناء على البيانات الجنينية في الصناعة ،كما يستخدم لاكتشاف الاحتيال الى تحسين خدمة العملاء من خلال التنبؤ بالخدمات التي سيحتاجها العملاء في التصنيع ،ويتم استخدامه لإدارة القوى العاملة وعمليات الانتاج وكذلك للتنبؤ بالأعطال قبل حدوثها ،وبالتالي تمكين الصيانة التنبئية في عالم المستهلك ،أصبح المزيد من التكنولوجيا التي نعتمدها في حياتنا اليومية مدعومة بالذكاء الاصطناعي بدءا من مساعدي الهواتف الذكية الى السيارات ذاتية القيادة التي يتوقع الكثيرون أنها ستفوق عدد السيارات التي تقاد يدويا في حياتنا ،مرورا بدور الذكاء الاصطناعي في عملية اتخاذ القرارات في المنظمات المختلفة[5] .
فالذكاء الاصطناعي المعروف أيضا باسم ذكاء الالة، هو فرع من فروع علوم الكمبيوتر يركز على بناء وإدارة التكنولوجيا التي يمكنها تعلم اتخاذ القرارات بشكل مستقل وتنفيذ الاجراءات نيابة عن الإنسان [6].
ويهدف علم الذكاء الاصطناعي إلى فهم طبيعة الذكاء الإنساني عن طريق عمل برامج للحاسب الالي قادرة على محاكاة السلوك الإنساني المتسم بالذكاء ،وتعني قدرة برامج الحاسب على حل مسألة ما، أو اتخاذ قرار في موقف ما بناء على وصف لهذا الموقف أن البرامج نفسه يجد الطريقة التي يجب أن تتبع لحل المسألة ، أو للتوصل الى القرار بالرجوع الى العديد من العمليات الاستدلالية المتنوعة التي غذي بها البرنامج ،ويعتبر هذا نقطة تحول هامة تتعدى ما هو معروف باسم ” تقنية المعلومات “التي تتم فيها العملية الاستدلالية عن طريق الإنسان ،وتنحصر أهم أسباب استخدام الحاسب في سرعته الفائقة[7] .
1-تعريف الذكاء الاصطناعي :
ترجع جذور الذكاء الاصطناعي الى الاربعينيات مع انتشار الحاسبات وعلى الرغم من غياب تعريف شامل للذكاء الاصطناعي بأنه استجابة المكائن أو الحاسبات بعد برمجتها من قبل الانسان بصورة يعتقد البعض بأنها ذكية[8] .
و تعددت التعاريف التي صيغت بخصوص مصطلح الذكاء الاصطناعي وتنوعت كل حسب زاوية نظر الباحثين والدارسين ،ويتشكل مفهوم الذكاء الاصطناعي من كلمتين: الاولى اصطناعي ARTIFICIAL وتشير إلى شيء مصنوع أو غير طبيعي ،الثانية ذكاء INTELLIGENCE ويعني القدرة على الفهم أو التفكير، ويعتبر العالم الأمريكي جون ماركارثي JOHN MCCARTHY أول من استخدم مصطلح الذكاء الاصطناعي سنة 1956،حيث عرفه على “أنه علم وهندسة صناعة الآلات الذكية”.
وتبرز حقيقة أن تعريف الذكاء أكثر صعوبة من تعريف الاصطناعي، حيث يمكن تعريف الذكاء بأنه القوة المعرفية للأفراد على التعلم من خلال تجاربهم باستخدام عقولهم ،مع القدرة على تخزين المعلومات الهامة واستحضارهم ،بما يحقق لهم تكيفا مع حياتهم اليومية ،ويأتي علم الذكاء الاصطناعي ليوجد برامج وخوارزميات ذكية تعمل بنفس الشكل الذي يعمل به العقل البشري أي تمليك الالة نفس خصائص الذكاء التي يمتلكها الانسان ،وعلى الرغم من اتساع مفهوم الذكاء الانساني وعدم القدرة على تحديده تحديدا دقيقا إلى أن هناك معايير يمكن الحكم من خلالها ومن تلك المعايير :
-القدرة على التعميم والتجريد
-التعرف على أوجه الشبه بين المواقف المختلفة
-التكييف مع المواقف المستجدة[9] .
فالذكاء الاصطناعي (AI) هو فرع واسع النطاق لعلوم الكمبيوتر يهتم ببناء آلات ذكية قادرة على أداء المهام التي تتطلب عادةً ذكاءً بشريًا[10].
وجاء في تعريفه في البحث المتخصص الصادر عن الاكاديمية العربية البريطانية للتعليم التعالي بأنه اسم يطلق على مجموعة من الأساليب والطرق الجديدة في برمجة الأنظمة المحاسبية ،التي تستخدم لتطوير أنظمة تحاكي بعض عناصر ذكاء الإنسان ،وتسمح لها بالقيام باستنتاجيه عن حقائق وقوانين يتم تمثيلها في ذاكرة الحاسب.
أما صاحب كتاب الذكاء الاصطناعي د. عادل عبد النور ،فقد عرفه بأنه ،علم يهتم بصناعة آلات تقوم بتصرفات يعتبرها الانسان تصرفات ذكية ،فهو علم هدفه الأول جعل الحاسوب وغيره من الآلات تكتسب صفة الذكاء ،فيكون لها القدرة على القيام بأشياء مازالت إلى عهد قريب حصرا على الانسان ،كالتفكير والتعلم والإبداع والتخاطب .
ويعرفه اندرياس كابلان ومايكل هاينلين بأنه :قدرة النظام على تفسير البيانات الخارجية بشكل صحيح، والتعلم من هذه البيانات ،واستخدام تلك المعرفة لتحقيق أهداف ومهام محددة من خلال التكيف المرن[11].
والذكاء الاصطناعي هو محاكاة عمليات الذكاء البشري بواسطة الآلات ، وخاصة أنظمة الكمبيوتر تشمل التطبيقات المحددة للذكاء الاصطناعي الأنظمة الخبيرة ومعالجة اللغة الطبيعية والتعرف على الكلام ورؤية الآلة[12].
2-العمليات التي يعتمد عليها الذكاء الاصطناعي[13]:
- التعليم :اكتساب المعلومات والقواعد التي تستخدم هذه المعلومات .
- التعليل: استخدام والقواعد السابقة للوصول الى استنتاجات تقريبية أو ثابتة .
- التصحيح التلقائي أو الذاتي.
ولتطبيق الذكاء الاصطناعي نحتاج الى :
-خوارزميات :نحتاج اليها لرسم طريقة استخدام هذه المعلومات .
-لغة برمجة :تستخدم لتمثيل كلا من المعلومات والخوارزميات.
2-خصائص الذكاء الاصطناعي :يقوم الذكاء الاصطناعي “Artificial Intelligence” على أساس صنع آلات ذكية تتصرف كما يتصرف الإنسان ويستخدم أسلوب مقارن للأسلوب البشري في حل المشكلات، بالإضافة إلى أنه يتعامل مع الفرضيات بشكل متزامن وبدقة وسرعة عالية.
ويتمتع الذكاء الاصطناعي بالعديد من الخصائص والمميزات منها[14] :
-استخدام الذكاء في حل المشاكل المعروضة مع غياب المعلومة الكاملة.
-التفكير والإدراك واكتساب المعرفة وتطبيقها.
-التعلم من التجارب القديمة وتوظيفها في مواقف جديدة.
– الاستجابة السريعة للمواقف والظروف الجديدة.
-التعامل مع الحالات الصعبة والمعقدة.
-التعامل مع المواقف الغامضة مع غياب المعلومة.
-تمييز الأهمية النسبية لعناصر الحالات المعروفة .
-التصور والإبداع وفهم الأمور المرئية وإدراكها.
-تقديم المعلومة لإسناد القرارات .
يلخص الجدول التالي أهم الاختلافات بين البرمجيات الذكية والبرامج العادية :
الجدول رقم 1″:الفرق بين البرمجة الذكية والبرمجيات غير الذكية
البرمجة بدون الذكية | البرمجة مع الذكاء الاصطناعي |
يجيب الكمبيوتر العادي عن الأسئلة المحددة فقط | يجيب الكمبيوتر المزود بذكاء اصطناعي عن الأسئلة المحددة |
أي تعديل في البرنامج يؤدي إلى تغير في الهيكل العام | أي تعديلات على البرنامج تستوعب بشكل عادي دون تغيير في الهيكل |
يتأثر البرنامج بأي تعديل ،كما أن التعديل المدخل يكون بطئ وصعب في أغلب الحالات. | تجرى التعديلات بسرعة وسهولة تامة |
المصدر: سارة خرشي،أحمد المهدي الزواوي ،مرجع سابق ، ص159.
3-أهمية الذكاء الاصطناعي:
تتمثل أهمية الذكاء الاصطناعي في النقاط التالية :
-يسهم الذكاء الاصطناعي في المحافظة على الخبرات البشرية المتراكمة بنقلها الى الآلات الذكية
-يؤدي الذكاء الاصطناعي دورا مهما في كثير من الميادين الحساسة.
– تخفف الآلات الذكية عن الانسان الكثير من المخاطر والضغوطات النفسية ،وتجعله يركز على أشياء أكثر أهمية وأكثر إنسانية ،وذلك بتوظيف الآلات للقيام بالأعمال الشاقة والخطرة ،والمشاركة في عمليات الإنقاذ في أثناء الكوارث الطبيعة ،كما وسيكون لهذه الآلات دور فعال في الميادين التي تتضمن تفاصيل كثيرة تتسم بالتعقيد، والتي تحتاج الى تركيز عقلي متعب وحضور ذهني متواصل وقرارات حساسة وسريعة لا تحتمل التأخير أو الخطأ.
-الذكاء الاصطناعي قد يكون أكثر قدرة على البحوث العلمية ،ويسهل الوصول الى مزيد من الاكتشافات، وبالتالي يعد عاملا مهما في زيادة تسارع النمو والتطور في الميادين العلمية كافة[15].
4-أهداف الذكاء الاصطناعي[16] :
- جعل الآلات أكثر ذكاء ،وذات تعلم وفهم من خلال الخبرات الموجودة.
- اتخاذ قرارات أفضل بشكل أسرع ،حيث توفر تقنية الذكاء الاصطناعي ميزة تنافسية ،تدركها الشركات بشكل متزايد ،وتسعى لتطبيق رؤى الذكاء الاصطناعي على أهداف الاعمال وجعلها أولوية على مستوى الأعمال ،مما سيؤدي الى خفض التكاليف وتقليل المخاطر وتسريع الوقت للوصول الى السوق وغير ذلك الكثير.
- التوفير وتحسين الأسعار استنادا الى سلوك العميل و تفضيلاته .
- جعل الآلات ذات قدرة عل حل المشكلات التي تواجهها ،بعدة أساليب منها استخدام الاستنتاج والتحليل، مع القدرة على الاستجابة لأفضل الحالات الجديدة .
- مراقبة مركز البيانات :يمكن لفرق عمليات تكنولوجيا المعلومات توفير كميات هائلة من الوقت والطاقة المهدرة على مراقبة نظم البيانات وبيانات السجل في نظام أساسي واحد للبيانات ،يعمل على مراقبة الحدود القصوى تلقائيا واكتشاف العيوب .
- تبسيط التعامل مع الذكاء الاصطناعي ،حيث لا تزال تقنية جديدة ومعقدة، فللحصول على أقصى استفادة منها ،تحتاج إلى الخبرة في كيفية إنشاء حلول الذكاء الاصطناعي وإدارتها على نطاق الواسع ،وتحقيق أفضل الممارسات للحصول على أقصى استفادة من الذكاء الاصطناعي باستخدامه لتعزيز الإنتاجية بنفس العدد من الأشخاص ،بدلا من التخلص من موظفين أو إضافة عدد منهم.
وعلى الرغم في كثافة الدراسات و الابحاث التي تجرى من أجل تطوير تصنيع و انتاج برمجيات ذكية الى أن حقيقة الحال تؤكد أن على الإنسان العمل كثيرا لاستنساخ نفسه اليا ،والجدول أسفله يوضح الفرق بين الذكاء الاصطناعي الحالي الضعيف والذكاء الاصطناعي المستشرق القوي[17] .
الجدول رقم2: مقارنة بين الذكاء الاصطناعي القوي والذكاء الاصطناعي الضعيف .
الذكاء الاصطناعي القوي Strong Al | الذكاء الاصطناعي الضعيف Weak Al |
ذكاء عام صناعي | ذكاء خاص (محدد) صناعي |
محاكاة الوعي البشري وسلوكه الحقيقي | يحاكي جانب معين من العقل البشري بدون وعي |
تطبيق البرنامج الذكي على أي مشكلة | تطبيق البرنامج الذكي على مشكلة واحدة محددة |
اتخاذ القرارات وحل المشكلات بشكل عام | اتخاذ قرارات ضيقة وحل مشكلات محدودة للغاية |
المصدر: سارة خرشي ،أحمد المهدي الزواوي، مرجع سابق، ص160.
5- الابحاث في مجال لذكاء الاصطناعي :في القرن الواحد والعشرين أصبحت أبحاث الذكاء الاصطناعي على درجة عالية من التخصص ،مما أسهم في انقسامه إلى مجالات فرعية مستقلة .
معظم هذه المجالات اتفقت في أن الالة الذكية يجب أن يكون لها القدرة على التعلم ،الاستنتاج ورد الفعل على ظروف لم تبرمج عليها ،وهو الامر الذي تتمحور حوله الأبحاث في الوقت الحالي .فإنشاء الة تستطيع حل العديد من المسائل بناء على كميات هائلة من المعلومات واليات اتخاذ القرارات التي زودت بها أثناء عملية البرمجة لم يعد يجعلها الة ذكية.
في كثير من الاحيان لا يرتبط مصطلح الذكاء الاصطناعي بالآلات ككل ولكن ببرامج الحاسوب التي يتم تثبيتها على هذه الاجهزة ، والتي تتسم بسلوك وخاصيات معينة تجعلها تحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها، وهذا الامر منطقي حيث أن الالة أو الجهاز نفسه يشابه جسم الإنسان في الوقت الذي يقوم العقل البشري بكافة الوظائف المتعلقة بالتفكير ،اتخاذ القرارات وحل المسائل [18].
6-أساسيات الذكاء الاصطناعي :يمكن تحديد أساسيات الذكاء الاصطناعي فيما يلي[19] :
1.تمثيل المعرفة
2.طريقة الاستدلال والتحكم
3.قابلية التعلم والتكيف
4.لغات التمثيل والبرمجة الملائمة للتطبيق
5.الأنواع المختلفة للاستنتاج
6.المشاكل ذات الطبيعة الديناميكية
7.تجزئة المشاكل
8.التجربة والاختبار
9.الاستنتاج المتغير الوتيرة
10.التوحيد والإثبات التحليلي
11.تمثيل عدم المصداقية أو عدم الثقة الاستنتاج غير مكتمل
12.تقنيات البحث والموائمة .
7- مبادئ وأنواع الذكاء الاصطناعي :وحصر جهاد عفيفي مبادئ الذكاء الاصطناعي في مبدأين أساسين هما[20]:
- تمثيل البيانات :أي تحديد المشكلة المراد الوصول الى حل لها من خلال تمثيل البيانات في الحاسب الالي قصد معالجتها ،وهذا التمثيل يقتضي وضع المشكلة في صورة ملائمة للحاسوب حيث يفهمها ،ويتمكن من التفكير في حل لها.
- البحث: ويتدخل في هذا المبدأ التفكير، حيث يقوم الحاسوب بالبحث في الخيارات المتاحة أمامه وتقييمها طبقا لمعايير موضوعية له، أو قام هو باستنباطها بنفسه ثم يقرر الحل الأمثل
وانطلاق من هذين المبدأين وبالنظر الى ما يتمتع به الذكاء الاصطناعي من وظائف ،تم تصنيف أنواعه
الى :
- الذكاء الاصطناعي المحدود الضيق :ويعد أكثر الأنواع شيوعا، ويطلق على استخدام البرمجيات لدراسة أو انجاز حل لمسألة معينة ،أو لاستنباط مهام قد لا يدخل ضمنها جميع قدرات التعرف الانساني ،مثل برامج الشطرنج Deep BIue، ولا يمتاز هذا النوع من الذكاء بالوعي الذات ،قد يظهر مدى كبيرا من قدرات التعرف الانساني لحل مسائل محددة
- الذكاء الاصطناعي العام:وهذا النوع يركز على جعل الالة قادرة على التفكير والتخطيط من تلقاء نفسها ،وبشكل مشابه للتفكير البشري ،وتعد طريقة الشبكة العصبية الاصطناعية Neural Network Artificial
من طرف دراسة الذكاء الاصطناعي العام ،إذ تعني بإنتاج نظام شبكات عصبية للآلة مشابهة لتلك التي يحتويها الجسم البشري.
–الذكاء الاصطناعي الفائق: وفي هذا النوع يفوق الذكاء الالي مستوى ذكاء البشر ،فيستطيع القيام بالمهام بشكل أفضل مما يقوم به الانسان المتخصص ذو المعرفة الدقيقة ،وواقعيا لم يتم الوصول بعد الى هذا المستوى من الذكاء الالي لأن الانسان هو من يبرمج .
8-أبرز تطبيقات الذكاء الاصطناعي :للذكاء الاصطناعي مجموعة واسعة من التطبيقات تشمل :النظم الخبيرة ،الاستدلال المنطقي ،الالعاب ،تمثيل المعرفة ،التعلم، الروبوتات، الرؤية، الصورة، التعرف على الكتابة والكلام، التفاعل بين الشخص والآلة ،فهم اللغات الطبيعية ،النظام المتعدد المواهب، التخطيط، 1 التخلص من القيود، اللغويات الحاسوبية، الشبكات العصبية،… وغيرها .
إلا أن الباحثين والمتخصصين في المجال الحاسب الالي ونظم الذكاء الاصطناعي قاموا بحصر تطبيقات الذكاء الاصطناعي في ثلاثة مجالات أساسية هي :تطبيقات العلوم الإدراكية Cognitive Sciences Applications، تطبيقات الآلات الذكية Applications Robotics،تطبيقات الواجهة البينية الطبيعةNatural lnterfae Applications،وفقا لما يوضحه الشكل التالي:
المصدر: أبو بكر خوالد ،خير الدين بوزرب، فعالية استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي الحديثة في مواجهة فيروس كورونا COVID-19: تجربة كوريا الجنوبية نموذجا ،مجلة بحوث الإدارة والاقتصاد ،مجلد 2،عدد2 خاص 2020 ص 38 .
هناك مجموعة متنوعة من تطبيقات وتقنيات الذكاء الاصطناعي والتي تسمى بعائلة الذكاء الاصطناعي والتي تشير الى مجموعة من التطبيقات الجديدة في الحقول العلمية والنظرية المختلفة ،وبذلك فإن الطبيعة هذه العائلة مفتوحة وتستقبل أفرادا جددا وابتكارات ملازمة لاستخدامات غير معروفة سابقا للذكاء الاصطناعي .
ويتفق جل الباحثين والمتخصصين أن للذكاء الاصطناعي أربعة تطبيقات أساسية تشمل :
-الانظمة الخبيرة ES:فالنظام الخبير هو نظام معلومات يعتمد على المعرفة بحيث يستخدم معرفته حول تطبيق معين معقد ويتصرف كاستشاري خبير لصالح المستخدم النهائي .
-نظم الشبكات العصبية الاصطناعية NNS:وهي نماذج في غاية الدقة تحاكي النظام العصبي البشري المخ في أداء مهمات معينة .
-نظم المنطق الغامض FLS:وهي نماذج حاسوبية تختص بمعالجة البيانات غير البنائية والغامضة ،أي أنها تعالج البيانات الوسيطة التي لا يمكن معالجتها عبر برامج الحاسوب التقليدية التي تعمل بالقيم البنائية1,0 ،,No , Yes On, OFF، Right,Wrong…،وغيرها
-نظم الخوارزميات الجينيةGAS : وهي نظم تستخدم برامج المزج بين المفاهيم الداروينية الانتخاب الطبيعي والبقاء للأصلح مع الرياضيات لإيجاد أفضل الحلول للمشكلة أو المهمة المطلوبة .
فيما يضيف عدد من الباحثين والمتخصصين في مجال الذكاء الاصطناعي تطبيقا اخر هو الوكيل الذكي Intelligent Agent والذي يعد من بين أبرز تطبيقات التنقيب عن البيانات من شبكة الانترنت أو من قواعد بيانات الانترنت ،ويعمل الوكيل الذكي من خلال حزمة برمجية تقوم بتنفيذ مهام محددة أو واجبات ذات طبيعة متكررة أو تنبؤية للمستفيد ،ولدعم نشاط أعمال أو تطبيقات برامج أخرى [21].
ثانيا-مفهوم التغير الاجتماعي:
1-تعريف التغير الاجتماعي:
يعرف معجم العلوم الاجتماعية التغير الاجتماعي على أنه “كل تحول يقع في التنظيم الاجتماعي سواء في بنائه أو في وظائفه خلال فترة زمنية معينة ويشمل ذلك تغير يقع في التركيب السكاني للمجتمع أو في بنائه الطبقي ونظمه الاجتماعية أو في أنماط العلاقات الاجتماعية أو في القيم والمعايير التي تؤثر في سلوك الأفراد والتي تحدد مكانهم وأدوارهم في مختلف التنظيمات الاجتماعية التي ينتمون إليها “[22]
ونعرف التغير الاجتماعي بأنه “كل تحول يحدث في النظم والأنساق والأجهزة الاجتماعية ،سواء كان ذلك في البناء أو الوظيفة خلال فترة زمنية محددة “ولما كانت النظم في المجتمع مترابطة ومتداخلة ومتكاملة بنائيا ووظيفيا فإن أي تغير يحدث في ظاهرة لابد وأن يؤدي الى سلسلة من التغيرات الفرعية التي تصيب معظم جوانب الحياة بدرجات متفاوتة[23] .
يعرف(عاطف غيث) التغير الاجتماعي “بأنه أوضاع جديدة طرأت على البناء الاجتماعي والنظم والعادات الاجتماعية وأدوات المجتمع نتيجة لتشريع جديد لضبط السلوك أو كنتائج للتغير”.
ويرى (بارسونز):”أن التغير ظاهرة سليمة ومستمرة ودائمة في حياة كل نظام ،وهناك تغير البناء نتيجة عوامل خارجية وداخلية قوية، والضغط الذي يمارس من الداخل على النظام ،والتغير يستهدف أساسا إحداث تعديل في السلوك الإنساني، كما يعتبر التغير حل توازن محل توازن أخر دون تحول أو تغير النظام، أو ظهور توازن تبعا للتحولات الطارئة على بعض أجزاء النظام”[24].
2-خصائص التغير الاجتماعي:
أ-يحصر روشيه خصائص التغير الاجتماعي في أربع هي[25]:
-التغير الاجتماعي هو أولا و قبل كل شيء ظاهرة اجتماعية أي انه يخص الجماعة .
-يجب أن يكون التغير تغيرا في البنية يشمل التنظيم الاجتماعي في كليته أو بعض مكوناته
يفترض التغير البنية ضرورة تحديده في إطار زمني ووصف مجموع التحولات وتتابعها.
-على التغير في البنية ان يتضمن استمرارية فالتحولات يجب ألا تكون عابرة وسطحية .
ب-أما ويلبرت مور لخصها في النقاط التالية:
-تعتبر ظاهرة التغير صفة ملازمة لأي مجتمع وأي ثقافة يمكن ملاحظتها بصورة مستمرة .
-لا يمكن عزل هذه التغيرات عن البعد الزمني والمكاني كونها تحدث في سلسلة متصلة الحلقات وبالتالي فهي لا تعبر بالضرورة عن مظاهر لازمات انية تتطلب إعادة البناء .
-إن حجم التغيرات المعاصرة سواء كانت مخططة تمثل نتائج ترتيب على التجديدات الحديثة تأخذ طابعا شموليا من حيث درجة التأثير تفوق بكثير تلك التغيرات التي كانت تحدث في فترات سابقة .
-يشير مصطلح التغير الاجتماعي إلى الأوضاع جديدة تطرأ على البناء الاجتماعي والعادات نتيجة لصدور تشريعات جديدة لضبط السلوك أو نتاج لتغير أما في بناء فرعي معين أو جانب من جوانب الوجود الاجتماعي أو البيئة الطبيعة أو الاجتماعية.
3– مراحل التغير الاجتماعي:
ان التغير الحادث لا يحدده عامل واحد كما تم الاشارة سابقا ،وإنما يكون بتداخل مع عدة عوامل أخرى ،هذا ما يقودنا للحديث عن المراحل التي تمر بها عملية التغير الاجتماعي والذي حددها “هربرت ليونبرجر” في أن هناك سلسلة من مراحل يمر بها الفرد قبل أن يأخذ بالنمط الجديد[26]:
-مرحلة الاحساس: وهي تتمثل في أول سماع أو معرفة بالموضوع الجديد.
-مرحلة الاهتمام :وهي مرحلة تجميع المعلومات حول الموضوع الجديد ،بغرض تحديد درجة فائدته .
-مرحلة التقييم :وهي مرحلة اختبار المعلومات المستقاة عن الموضوع الجديد ، وتفسيرها وفق الظروف السائدة ،ودراسة مدى ملائمتها من أجل الأخذ بها.
-مرحلة المحاولة :وهي مرحلة اختبار الفكرة ودراسة كيفية تطبيقها.
-مرحلة التبني :وهي مرحلة التسليم بالموضوع الجديد واعتماده، ليأخذ مكانة في النمط السائد .
إن هذه المراحل الخمس السابقة لا تأتي دائما مرتبة، وإنما قد يطرأ عليها تغيير بإضافة عناصر جديدة ،أو حذف بعضها ،وقد تتداخل بعض المراحل مع الاخرى ،حسب تأثير وتداخل العوامل المؤدية الى التغير الاجتماعي ،فقد تجتمع عدة عوامل محدثة تغير في بنية ووظيفة الأنساق الاجتماعية، كما يمكن أن يكون لتأثير عامل واحد كافية لأحداث هذه التغيرات داخل الأنساق الاجتماعية.
4- مصادر التغير الاجتماعي[27]:
تختلف مصادر التغير الاجتماعي وتتعدد نظرة المفكرين إليها ،ولكن يمكن القول أن هناك مصدرين للتغير هما:
المصدر الداخلي :أي أن يكون قائما في داخل النسق الاجتماعي وإطاره المجتمع نفسه ،أي أنه نتيجة لتفاعلات تتم داخل المجتمع .
المصدر الخارجي: الذي يأتي من خارج المجتمع نتيجة اتصال بغيره من المجتمعات .
وبطبيعة الحال سواء أكان المصدر من الداخل أم من الخارج فإن ذلك يقوم على اليات محددة وهي :
الاختراع والاكتشاف :يبدو في ابتكار أشياء جديدة لم تكن موجودة من قبل ،أو تحسين كفاءة مخترعات سابقة، كل ذلك يؤدي الى تغيرات ثقافية قد تتراكم وتؤدي الى تغيرات اجتماعية .
الذكاء والبيئة الثقافية :الذكاء هو السبيل الى الاكتشاف والاختراع ،ويرى علماء النفس أن الذكاء يكون موروثا أو مكتسبا ،لهذا لن يكتب النجاح للفرد الذكي مالم تتوافر لديه البيئة الثقافية لتساعده على الاكتشاف أو الاختراع.
الانتشار: إن انتشار الاكتشافات بين أفراد المجتمع يؤدي الى عملية التغير والانتشار يعني قبول التجديد من قبل أفراد المجتمع ،وطبيعي أن عملية القبول لا تأتي فجأة وإنما خلال مراحل معينة تتنوع حسب ثقافة المجتمعات وقد تكون إرادية أو مفروضة .
5- عوامل التغير الاجتماعي:
هناك جدل كبير لا يزال قائما بين العلماء في تحديد العوامل والأسباب الموضوعية للتغير الاجتماعي ،وذلك بسبب اختلافهم في نشأته وكذا تأثرهم بمختلف النظريات التي تناولت هذه الظاهرة ،إضافة الى التوجه الإيديولوجي وطبيعة كل مجتمع من المجتمعات ،تجعل الصعب تحديد مختلف تلك العوامل التي تتفاعل مع بعضها البعض في إحداث التغير الاجتماعي ،وبهذا كانت الاراء متعددة حول تحديد وتصنيف مختلف العوامل التي تقف وراء ظاهر التغير الاجتماعي لكنها في نهاية المطاف تمكننا من إعطاء تصور علمي وتكوين نظرة شاملة نستند إليها أثناء عمليات التشخيص والمفارقات بصفة عامة ،ومن هذا المنطلق نستعرض مختلف الاجتهادات في عوامل وأسباب التغير الاجتماعي :
-العوامل الخارجية[28]:ويقصد بها مجموعة العوامل التي تحدث التغير الاجتماعي دون تدخل الإنسان في ذلك أي أن التغير الاجتماعي يحدث من خلال تلقائيا دون تدخل الأفراد ،كالعوامل البيئية الفيزيقية ،والتغيرات الديموغرافية ،والاتصال الثقافي.
-العوامل الايكولوجية البيئية الفيزيقية :وتستعمل كلمة إيكولوجية تركز على دراسة الاثار المباشرة للبيئة على الحضارة المادية والفكرية للشعوب ذات الوسائل التكنولوجية البسيطة وبهذا تشتمل هذه العوامل على كل ما يحيط بالإنسان من موقع جغرافي وتضاريس وتربة ومناخ وطاقات كامنة ومواد أولية ونباتات وجماد وكوارث بيئية وأوبئة وأمراض …الخ تؤثر على الانسان ويتأثر بها.
والمجتمع جزء من العالم المادي ،وهو في تطور إنما يتبادل التأثير والتأثر مع الطبيعة التي تعتبر شرطا ضروريا لحياة الناس ولوجود المجتمع وتطوره .
وتجدر الاشارة هنا الى قول كينيث بولدينج k.Boulding في كتابة العلوم الاجتماعية وأثرها في المجتمع يتألف النظام الاجتماعي من جميع الكائنات البشرية ويلتصق هذا النظام الاجتماعي بسطح الأرض ،بحيث تصبح تسمية المحيط الاجتماعي ،وهكذا فإن المحيط يحتل مكانا جنبا الى جنب مع محيط اليابسة والمحيطات المائية والجوية والحياتية التي تغلف الكرة الأرضية ذو علاقة متينة تتشابك بقوة مع المحيطات الأخرى التي يمتزج بها ،والتي لا يمكن أن تكتب له الحياة من دونها ،ولكنه مع ذلك يتمتع بحيوية خاصة به وباستقلال ذاتي .
وثمة علاقة وطيدة ومتلاصقة بين الانسان والبيئة التي يعيش فيها تؤثر فيه ويتأثر بها وتضفي عليه طابعا وتحدث أثرا كبيرا في تطور الحياة الاجتماعية ونظمها ،وهذا ما أكده ابن خلدون في أكثر من موضع في كتابه المعروف بالمقدمة ويفسر كثرة العمران وزيادة السكان بالظروف المناخية ،وفي مواضيع أخرى بين أثر الهواء في أخلاق البشر، ويتبين من ذلك أن ابن خلدون يؤكد على تأثير المناخ على طبيعة الظواهر الاجتماعية والنفسية للسكان وتعتبر البيئة الطبيعية لديه العامل الأساسي في تشكيل نشاط الانسان.
كما بين مونتسكيو أثر المناخ على المعيشة البشرية مبينا أن العوامل الجغرافية ولاسيما المناخ هي السبب الرئيسي في تشكيل المميزات الفيزيقية والثقافية للمجتمعات المتباينة وعن طريق تلك العوامل نستطيع فهم مميزات الشعوب المختلفة وبذلك نستطيع أن نحدد النظم والقوانين الملائمة لكل شعب من الشعوب .
وفي منتصف القرن العشرين قدم دولي دونكان عام 1959نظريته حول الإيكولوجيا الانسانية واضعا البيئة الطبيعية في الاعتبار بجانب السكان والتنظيم الاجتماعي والتكنولوجيا في تأثيرها على التفاعلات الاجتماعية ويتبين من تلك الآراء أن البيئة الطبيعية ذات واضح في عملية التغير الاجتماعي وأن مظاهر عديدة في الثقافة يمكن فهمها على نحو أفضل لو تم التركيز على حقيقة التفاعل بين البيئة الطبيعية والحياة الاجتماعية .
العوامل الديموغرافية :يقصد بالعوامل الديموغرافية الاثار المترتبة عن الوضع السكاني من حيث الزيادة والنقصان ومعدلات النمو والهجرة والخصوبة والوفيات الى غير ذلك من العوامل والمؤشرات الأخرى، كل هذه العوامل لها تأثير على الحياة الاجتماعية بصورة عامة من حيث مستوى المعيشة الذي ينعكس على باقي النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والصحية …الخ ،فالأمراض والأوبئة تؤدي الى زيادة نسبة الوفيات في المجتمع والتقدم في مختلف المستويات الصحية من حملات صحية وتطعيم ضد مختلف الامراض والفيروسات أدى الى تقليل من معدلات الوفاء وأمكن التغلب على الكثير من الامراض والأوبئة ،مما ساعد على حدوث طفرة سكانية، لهذا يعتبر النمو السكاني وسيلة من وسائل التي تؤدي الى التغير الاجتماعي.
-العوامل الثقافية : لقد ركز العديد من العلماء الاجتماعيين ومن بينهم :وليام أجبرن وسوركين ،على العامل الثقافي واعتبروا الثقافة من أهم العوامل في إحداث التغير، كما يرى أنصار هذا العامل أن الثقافة أساس أي تغير أو تطور اجتماعي ،فعندما يحدث تغير ثقافي داخل المجتمع سواء أكان ذلك التغير ماديا أو معنويا تحدث تغيرات اجتماعية فتتغير بعض العادات والتقاليد والأعراف أو تتعدل أو تختفي كليا .
ولقد أدت كثير من الحركات الفكرية الى تغيرات اجتماعية واسعة مثل حركة النهضة الأوروبية وفلسفة الثورة الفرنسية ،وغيرها من الحركات الاجتماعية والسياسية والدينية.
فالأفكار والقيم و الأيديولوجيا وغيرها تعتبر من ميكانيزمات التغير الاجتماعي ،ولما كانت الثقافة تنتشر لذا يعتبر سببا في تغير مجالات عديدة في المجتمع الواحد وفي غيره من المجتمعات الأخرى، فحينما يتبنى مجتمع قيما معينة فإنها تؤثر في نظر أفراده نحو العلاقات الاجتماعية السائدة بينهم وفي اتجاهاتهم عام.
كما تعمل وسائل الاتصال في أغلب بلدان العالم على نشر الثقافات ،ومعظم السمات الثقافية الجديدة تنتقل من خلال الانتشار الثقافي، وبهذا تكون المجتمعات الوثيقة الاتصال بغيرها من المجتمعات أكثر عرضة للتغير السريع ،فالاتصال الثقافي عملية تسهم في إحداث تغير اجتماعي واسع النطاق خاصة في الثقافات المستقلة ،من حيث الأفكار والمعتقدات السياسية والجوانب الدينية وأساليب الحياة والتكنولوجيا وكافة عناصر الثقافة .
ومن مظاهر تأثير العامل الثقافي تطور المجتمعات المنعزلة وتطوير أنظمة واليات التكيف مع البيئة والواقع الاجتماعي والتطلع الى الثقافات الأخرى والسعي وراء الابداعات الحديثة والتي لها تأثير على المجتمع كونها إضافة جديدة على الحياة الاجتماعية في كيفية استخدامها والأثر الذي تتركه وتحدثه في بقية مجالات الحياة .
ولقد أكد لويس مفورد في مؤلفه الطريقة الفنية والحضارة بأن التقدم التقني والآلي الذي ظهر في أوربا عقب الثورة الصناعية جاء نتيجة للتقدم الذي حدث على مستوى العوامل الثقافية ،ومن ثم أدى الى تغيرات اجتماعية جوهرية في بعض النظم الاجتماعية وظهور الطبقات.
-العوامل الاقتصادية: يقصد بالعوامل الاقتصادية أنماط الإنتاج السائدة في المجتمع وأشكال والاستهلاك ونظام الملكية السائدة والتصنيع ،أي جميع النواحي المادية التي تحيط بالمجتمع أو ما يسمى بالبناء الاقتصادي للمجتمع وتأثيره على العلاقات الاجتماعية التي تنشأ بين الأفراد والجماعات، وأي تغير في أحد أجزاء للبناء الاقتصادي ينجم عنه تحول وتغير شكل البناء الاقتصادي ككل ،كما أن البناء الاقتصادي يعتبر مسؤول عن التطورات والأحداث التاريخية وعن توجيه عمليات التغير الاجتماعي في المجتمع إضافة الى أنه مسؤول عن التنظيم السياسي والقانوني والديني والفلسفة والأخلاق في المجتمع.
لذا فإن العوامل الاقتصادية تؤثر الى حد بعيد في تشكيل الحياة الاجتماعية ،فتأثيرها واضح في نشأة الجماعات وتكوينها وفي حياة المجتمع السياسية والفكرية وفي ثقافته عموما وهذا ما يؤكده أنصار النظرية الاقتصادية أمثال ماركس و إنجلر ولينين أن العامل الاقتصادي وراء كل التغيرات الاجتماعية التي تحدث في المجتمع .
-العوامل الداخلية[29]:وتعني العوامل التي يكون مصدرها من داخل المجتمع ،أو بعبارة أخرى المجتمع في حد ذاته وتتضمن العوامل الداخلية العوامل النظامية في إشارة للدور المنوط بالنظام السياسي في إحداث التغير، وكذا الدور الذي تلعبها التغيرات التكنولوجية والتجديدات والاختراعات ،إضافة الى العوامل المرتبطة بالأفراد ذوي التأثير في الاخرين القادرين غبي احداث التغيير كالقادة و السياسيين ورجال الحرب.
-النظام السياسي : أبرز ظهور النظم السياسية المنفصلة عن المجتمع المدني ودورها في إحداث التغير الاجتماعي، فمن الأدوار المنوطة بالنظام السياسي تنظيم العلاقات الخارجية ،كما يؤدي دورا متميزا في رسم استراتيجيات متعددة الجوانب بهدف ضمان الاستقرار والأمن وكذلك تحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية.
وما يمكن الوقوف عنده كنتيجة هي أنه كلما استطاع النظام السياسي أن يحقق درجة من القوة كل ما برزت فعاليته في احداث تغيرات على المستوى الداخلي والتحكم فيها، كما أن النظام لا يقتصر دوره على رسم السياسات أو التدخل في القضايا الاقتصادية وتنظيمها وضبط مسارها بل يتعدى دوره إلى البناء السياسي ذاته ،لأن عملية التنمية الاجتماعية لا تتوقف على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والنفسية بل تتعدى ذلك الى التنمية السياسية .
-العامل التكنولوجي: ويشير الى التطبيقات العملية ذات الجذور العلمية والمعلوماتية ،وبعد مصدرا وعاملا رئيسيا في احداث التغير الاجتماعي ،وما نلاحظه في واقعنا وحياتنا اليومية من تغيرات و تبدلات على جميع المستويات وفي مختلف الميادين كانت نتيجة مباشرة للأدوات والتقنيات الحديثة فالاكتشافات والاختراعات أساسها معرف علمية حيث أنه كلما كان هناك تغير تكنولوجي ينتج عنه تغير اجتماعي سريع، فالمجتمعات التقليدية تفترض أنه لا يوجد هناك تغيير في عام المجتمعات وتنظر له بعين الشك، عكس المجتمعات المعاصرة التي تقبل التغيير مهما كان شكله وحجمه ،ويبحث الفرد دوما عن الابتكار والتجديد لدرجة أنه يعرف عن المستقبل أكثر مما يعرفه عن الماضي ويتوقع دوما أنه ستحدث تطورات مستمرة في بيئته المادية ،حيث يرى عالم الاجتماع Alvin Tofler بأن المجتمع الانساني الحديث يحيا في حالة مستمرة من الصدمة المستقبلية Ie choc du Futur ،وأكد بأننا نعيش في مجتمع متغير تحدث التغيرات فيه بصورة سريعة يصعب التحكم فيها أو تعديلها.
وفي التراث النظري لعلم الاجتماع نجد العديد من العلماء تنبوا نظرية الحتمية التكنولوجية لمالها من اثار هامة في تحديد الثقافة والبناء الاجتماعي والتاريخ ،حيث كان لهذه الحتمية موقفا مركزيا في أعمال كارل ماركس الذي أقر بأن النظام الاجتماعي هو نتاج العملية الانتاجية والاقتصادية ،كذلك أوضح وليم أوجبرن أن التطورات التاريخية والسمات الثقافية هي نتاج ومحصلة للتكنولوجيا .
ثالثا: تأثير الذكاء الاصطناعي على الجانب الوظيفي للأفراد في ظل التغير الاجتماعي
للذكاء الاصطناعي وتطبيقاته دور مهم وواضح في تحسين وتطوير المجالات الحياتية كافة وذلك من خلال تطوير الأنظمة الحاسوبية ،لتعمل بكفاءة فائقة تشبه كفاءة الإنسان الخبير .
وقد بات الذكاء الاصطناعي باستخداماته وتطبيقاته المتنوعة كأحد العلوم التطبيقية عصب الحياة اليومية ،يمس الجنس البشري في حاضره ومستقبله ،فلم يصبح واقعا ملموسا فحسب ،بل واقعا لا غنى عنه في ظل التطور من الاعتماد الكامل في حياة الانسانية على الحاسوب في أدق تفاصيل الحياة اليومية ،من خلال الثورة المعلوماتية، والاتجاهات التقنية بما تحمله الكلمة من إشارة تضمينية للتواصل الثقافي والاتصال التقني بين البشر في مختلف بقاع العالم[30].
ويتزايد تأثير الذكاء الاصطناعي في جميع جوانب الحياة والعمل ، ومن ذلك تأثيره الواسع على أساليب إدارة الموارد البشرية، فمع تقدم تقنيات الذكاء الاصطناعي ، أصبح في الإمكان محاكاة الوظائف المعرفية البشرية مثل التعلم وحل المشكلات والتنميط والتقييم وصنع القرارات ، وبالتالي أتمتة أجزاءٍ كبيرةٍ من مهام مسؤولي الموارد البشرية كالفحص الذكي للسير الذاتية ، واستخدام أدوات المحادثة التفاعلية للإجابة على تساؤلات الموظفين. وتُخفف هذه التقنيات من المهام المُناطة بمسؤولي الموارد البشرية وتخلّصهم من المهام اليدوية الروتينية التي تأخذ معظم ساعات عملهم، ليتمكنوا من استغلال هذا الوقت في المهام الأكثر إنتاجيةٍ كتحفيز الموظفين وإثراء الحس الثقافي والإبداعي لديهم[31].
حيث يعد مجال الذكاء الاصطناعي أحد العلوم التي نتجت عن الثورة التكنولوجية المعاصرة ،والمثير للاهتمام حقا أن هذه التطورات تحدث خلال فترات زمنية متقاربة للغاية ،تثبت أن برمجيات الذكاء الاصطناعي أصبحت تستطيع أن تطور نفسها بشكل ذاتي لا يحتاج إلى تطوير البشر، ولكن مازال الأمر تحت السيطرة حتى الان ،وقد يكون هذا ما يقلق الكثير من العلماء في مجال البرمجيات ،حول ما إذا فقد البشر التحكم في هذه البرمجيات الذكية في المستقبل ،وماذا سيكون مصير البشرية اذاك [32] .
ومنذ نشأته تطور استخدام الذكاء الاصطناعي (AI) بشكل ملحوظ وشق طريقه إلى عالم الأعمال. وفقاً لدراسة أجرتها شركة Gartner، وجد أن 17٪ من إدارات الموارد البشرية قد بدأت في دمج الذكاء الاصطناعي لدعم وظائفها و30٪ أخرى تخطط لاعتماد الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2022. الازدياد السريع بالاهتمام في استخدام الذكاء الاصطناعي في مجالات الموارد البشرية لا يعد مفاجئ، لأنه يساعد في الحصول على رؤى دقيقة وقائمة على الأرقام والبيانات، وتشبث بعض المتخصصين في الموارد البشرية بالمفهوم الخاطئ بأن الذكاء الاصطناعي يهدف إلى استبدال العنصر البشري في إدارة الموارد البشرية تماماً. في حين أنه لا يمكن إنكار أن التكنولوجيا ستستمر في اختراق المزيد من وظائف الموارد البشرية ، إلا أن الدور الفعلي للذكاء الاصطناعي هو مساعدة مسؤولي الموارد البشرية في توفير وقتهم للتركيز على مهام الموارد البشرية الأساسية ، مما يمهد الطريق لهم ليصبحوا قادة موارد بشرية[33].
ولهذا فالذكاء الاصطناعي كما كان له كبير الأثر في مساعدة الإنسان على تخزين المعلومات بسعة تفوق ما تستطيع قدرات الإنسان وتنظيمها واستحضارها في عصر أصبح من الصعوبة بمكان الإحاطة بجديد جزئيات كل تخصص وتخزينها وخلصته من القيام بكثير من الأعمال الروتينية سواء كان تلك التي تتطلب مجهودا ذهنيا كبيرا أو التي تتطلب مجهودا عضليا قويا ،وهو ما وفر له اليوم الراحة والاقتصاد في الجهد والوقت، وسهل له الحياة كما ساعدته على تطوير الصناعة وتكنولوجيا الفضاء ،والاتصالات والنقل ،وتشخيص الأمراض وعلاجها ،الأمر الذي رفع جودة وكفاءة قراراته وإتاحة البدال والحلول أمامه، وتعريضه في القيام بالكثير من الأعمال الخطيرة على حياته حيث تستخدم الروبوتات في تسيير ومراقبة المفاعلات النووية والتخلص من نفاياتها ،والبحث عن الالغام استكشاف الفضاء… الخ، إلا أنها الوقت ذاته ستشكل مصدر خطر كبير عليه ،لأنها أحالت عقله على التقاعد والراحة والكسل، خاصة بعد أن اكتسحت الالة الذكية مجالات واسعة من حياة الإنسان بعد سلسلة من التنازلات التدريجية لكثير من تخصصات الإنسان وأعماله وتوكيلها لها ،فهي المسؤولة عن تذكيره وإيقاظه وحساباته وأحكامه، وعملياته حتى أن الإنسان في عصرنا أصبح عاجزا على تذكر بضع أرقام هواتف بعدما كنا نستطيع في مرحلة سابقة أن نحفظها بكل سهولة ،كما أحالته على البطالة ورفعت من سقف المنافسة بينها وبين قوى الإنسان ومهاراته وهو ما سيشكل تحديا حقيقيا ستواجهه التربية مستقبلا، وهو الامر الذي أثار مخاوف الكثير من العلماء من تمرد هذه العقول على صانعها، مخافة أن تفلت الأمور من يده ،فيتحول الانسان من كونه مسير من قبلها ،ويتحول من المراكز الاطراف ،أو كونه سيد أمره و قراراته الى عبد مغلوب على أمره ،وهذا معناه أن انسان المرحلة المقبلة عليه أن يكون أكثر ذكاء إذا أراد الحفاظ على موقعه ومركزيته في الكون ،وعليه أن يهيئ نفسه لاكتساب مهارات تفوق بكثير ما كان يحتاج اليه إنسان المرحلة السابقة خاصة وأن العلوم تزداد تطورا وعمقا ودقة يوما بعد يوم، الأمر الذي يضاعف حجم التحديات المستقبلية التي على العقل البشري أن يواجهها[34].
ورغم الاهتمام الإعلامي بالذكاء الاصطناعي بأنه وصل الى مستويات عالية من القدرات التفوق بشرية من أخبار عن شركات حولت كل يدها العاملة الى آلات وعن خوارزميات تهزم الاطباء في تشخيصهم للأمراض وادعاءات أكبر توحي بان الحاسوب قادر على حل جميع المشاكل والإشكاليات مهما تعقدت إلا ان واقع الذكاء الاصطناعي العلمي والتقني يقول غير ذلك تماما ،ولاشك أن من أكبر العوائق أمام الذكاء الاصطناعي اليوم هو إطاره التطبيقي الذي يعاني صعوبة المتابعة التكنولوجية من جهة التمويل الضخم البعيد والغير واضح الاستثمار من جهة إضافة الى تخوفات الرأي العام وحتى الأوساط الاكاديمية مستقبليه الغير واضح وخاصة مصير البشر في عالم الالة غدا [35]، ويبدو أن المسائل المرتبطة بمستقبل العمل غالبًا ما تبرز لدى الحديث عن الذكاء الاصطناعي. ونعني بـ”مستقبل العمل” أثر الذكاء الاصطناعي على عرض العمل البشري والطلب عليه. ويتركز القلق أساسًا في هذا المجال على المدى الذي تمكّن فيه تطورات الذكاء الاصطناعي الأدوات الاصطناعية من القيام بالمهام بتكلفة متدنية فتستبدل بالتالي العمّال البشر الذين يجنون دخلهم بأداء تلك المهام[36]،وكشفت دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعتي أوكسفورد البريطانية وييل الأمريكية أن هناك احتمالًا بنسبة 50% بأن يتفوق الذكاء الاصطناعي على الذكاء البشري في جميع المجالات في غضون 45 عامًا ، كما من المتوقع أن يكون قادرًا على تولي كافة الوظائف البشرية في غضون 120 عامًا. ولا تستبعد نتائج الدراسة أن يحدث ذلك قبل هذا التاريخ، وتقول كاتيا جريس -الباحثة بمعهد مستقبل البشرية في جامعة أوكسفورد ، ورئيسة فريق البحث- لـ”للعلم”: “نعمل حاليًّا على مقارنة قوة الدماغ بالنسبة لقوة الحواسيب الفائقة، للمساعدة في معرفة ما يكفي من الأجهزة لتشغيل شيء معقد مثل الدماغ” وتضيف : لقد انتهى الملخص التقني الذي توصلنا إليه في دراستنا إلى أن الذكاء الاصطناعي على المستوى البشري سيكون له آثار بعيدة المدى على المجتمع، وتحديدًا خلال القرن المقبل” ، موضحةً أن معظم فوائد الحضارة تنبع من الذكاء ، ومن المهم جدًّا البحث عن وسائل تمكِّننا من تعزيز فوائد الذكاء الاصطناعي دون استبدالها في سوق العمل ،وحول التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية لذلك التقدم ، كما هو الحال بالنسبة للتوقعات المحتملة لارتفاع معدلات البطالة وتنامي الفقر ، تقول جريس: “الآثار الاجتماعية لتطور الذكاء الاصطناعي ستعتمد على كيفية رد فعل المجتمع تجاهه ، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى وجود أعداد كثيرة من العاطلين عن العمل ونقص معدلات الدخل المادي لهم ، أو يمكن أن يؤدي إلى دعم الجميع تقريبًا من قِبَل التكنولوجيا وتحريرهم من أعمال عديدة ، بما يجعلهم قادرين على قضاء أوقاتهم في أداء أنشطة أخرى نافعة بالنسبة لهم[37]“..
الخاتمة :
وفي الاخير يمكن القول أنه بالرغم من أن الذكاء الاصطناعي يعتبر من أهم تقنيات التكنولوجيا الحديثة المساهمة والمؤثرة في عملية احداث التغير الاجتماعي ،اذ ان هذه التقنية يظهر تأثيرها على مختلف التغيرات الاجتماعية وبالتالي فإن أي تغير سيطرأ على المجتمع ككل مما ينعكس على الأفراد بشكل مباشر أو غير مباشر سواء كان هذا التغير في الأشياء المادية مثل التكنولوجية أو الأشياء اللامادية مثل الافكار والمفاهيم والقيم ،حيث ان لها تأثير كبير على العمال على وجه الخصوص الذين كانوا يقومون بأعمالهم من قبل. لكن حدث تعديل جوهري على مستوى الأدوار و المهام و المكانة المهنية ، مما ينتج عنها حدوث فقدان وظائفهم وعدم استقرارهم وانتمائهم للمؤسسة والدليل على ذلك هو زيادة معدلات البطالة و الاحساس بشعور الاغتراب الوظيفي اتجاه عملهم وهذا ما يدل على ان الذكاء الاصطناعي عامل من العوامل التغير الاجتماعي الذي جاء بإيجابيات وسلبيات .
قائمة المراجع:
- أبو بكر خوالد ،خير الدين بوزرب، فعالية استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي الحديثة في مواجهة فيروس كورونا COVID-19: تجربة كوريا الجنوبية نموذجا ،مجلة بحوث الإدارة والاقتصاد، جامعة زيان عاشور الجلفة الجزائر ،مجلد 2،عدد 2،2020
- أحمد الصالح سباع ،واخرون ،تطبيق استراتيجيات الذكاء الاصطناعي على المستوى الدولي الامارات العربية المتحدة نموذجا ،مجلة الميادين الاقتصادية، جامعة الجزائر 3، المجلد 1،العدد 1، 2018.
- أحمد بدوي ،معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، مكتبة لبنان، بيروت ،1978
- الان بونيه ،ترجمة علي صبري فرغلي ، الذكاء الاصطناعي ،واقعه ومستقبله ،سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الكويت ، 1993
- الجموعي مومن بكوش،،التغير الاجتماعي وانعكاسه على القيم الاجتماعية لدى طلاب الجامعة –دراسة ميدانية في بعض الجامعات الجزائرية ،أطروحة الدكتوراه ، العلوم علم النفس تخصص :علم النفس الاجتماعي ،كلية العلوم الانسانية الاجتماعية ،قسم العلوم الاجتماعية ،جامعة بسكرة ،2016-2017 .
- أم الخير بدوي ،التغير الاجتماعي رؤية نظرية ،مجلة التغير الاجتماعي، جامعة بسكرةـ، المجلد 3 ، العدد 5، فيفري 2018.
- جمال بن صبيح الهملان الشراري، أثر الذكاء الاصطناعي على جودة القرار الإداري من وجهة نظر قادة مدارس المرحلة الثانوية بمنطقة الجوف التعليمية، مجلة سلوك، جامعة ابن باديس مستغانم الجزائر، المجلد 8،العدد 1،2021.
- دلال ملحس استيتية ،التغير الاجتماعي والثقافي ،دار وائل ،عمان، ط2 ،2008.
- رحالي حجيلة، التغير الاجتماعي، مجلة كلية الأداب والعلوم الإنسانية و الاجتماعية، بسكرة، العدد السابع، جوان 2010.
- زهرة محمد عمر الجابري ،إسماعيل العيساوي ، الذكاء الاصطناعي ودوره في مشروع الجينوم البشري الإماراتي دراسة في ضوء الفقه الإسلامي، مجلة الصراط، جامعة بن يوسف بن خدة الجزائر ،المجلد 22،العدد 1،2020.
- سارة خرشي ،أحمد المهدي الزواوي ،التكنولوجيا الاتصالية في خدمة التعليم :تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتعليم ذوي الاحتياجات الخاصة ،مجلة الرسالة للدراسات والبحوث الإنسانية، جامعة العربي التبسي تبسة الجزائر، المجلد 6،العدد4،،ديسمبر 2021
- سامية شهيي قمورة، الذكاء الاصطناعي بين الواقع والمأمول دراسة تقنية وميدانية ،الملتقى دولي الذكاء الاصطناعي تحد جديد القانون ؟الجزائر ،26-27 نوفمبر 2018 .
- سليمان يعقوب الفرا، الذكاء الاصطناعي ،مجلة البدر، جامعة بشار، مجلد 4، العدد1.
- شيخ هجيره ،دور الذكاء الاصطناعي في ادارة علاقة الزبون الالكتروني للقرض الشعبي الجزائري الاكاديمية للدراسات الاجتماعية والإنسانية، جامعة حسيبة بن بوعلي شلف الجزائر ،مجلة 10 العدد 2،جوان 2018.
- عباس عمر، التحضر وتغير بنية الأسرة في مدية برج بوعريريج مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية، العام الثاني، العدد العاشر، أغسطس 2015.
- ليلى مقاتل ،هنية حسني ،الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته التربوية لتطوير العملية التعليمية ،مجلة علوم الانسان والمجتمع جامعة محمد خيدر بسكرة الجزائر،المجلد10، العدد4، 2021.
- محمد الدقس التغير الاجتماعي بين النظرية والتطبيق ،دار مجدلاوي ،الأردن ، 1996.
- مريم شوقي عبد الرحمان تره، متطلبات إدخال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في التعليم قبل الجامعي المصري، المجلة الجزائرية للدراسات الإنسانية، جامعة أحمد بلة وهران1 الجزائر ، المجلد 1،العدد2،ديسمبر 2019 .
- مزوزبركو، التنشئة الاجتماعية في الأسرة الجزائرية، الخصائص والسمات، مجلة شبكة العلوم النفسية والعربية، جامعة باتنة الجزائر،العدد21-22، 2009.
- مليكة مذكور، التربية المستقبلية والذكاء الاصطناعي ،المجلة الجزائرية للأبحاث والدراسات، جامعة جيجل محمد الصديق بن يحي الجزائر، المجلد 4،العدد 1،جانفي 2021 .
- نجوى فيران، خوارزميات الذكاء الاصطناعي ودورها في التحليل الالي للغة العربية على المستوى الصرفي ،دراسات معاصرة مجلة علمية دولية محكمة نصف سنوية ،جامعة تيسمسيلت الجزائر، مجلد 5،العدد2،
- يزيد عباسي ،مشكلات الشباب الاجتماعية في ضوء التغيرات الاجتماعية الراهنة في الجزائر، دراسة ميدانية على عينة من طلبة جامعة جيجل القطب الجامعي تاسوست جيجل، أطروحة دكتوراه العلوم تخصص علم الاجتماع التنمية، كلية العلوم الانسانية والاجتماعية، قسم العلوم الاجتماعية ،جامعة محمد خيضر بسكرة،2015-2016 .
المراجع باللغة الاجنبية:
- Crevier, Daniel. AI: The Tumultuous Search for Artificial Intelligence. New York, NY: BasicBooks, 1993.
- Knight, Kevin; Rich, Elaine. Artificial Intelligence (3rd ed.). Mc Graw Hill India, (1 January 2010)
- Luger, George; Stubblefield, William. Artificial Intelligence: Structures and Strategies for Complex Problem Solving (5th ed.), (2004).
مواقع الانترنت:
- 26. https://blog.zenhr.com/ar/2021/03/28
27.https://ai-ds.thakaa.sa/post/ai-in-hr
28.https://www.rand.org/content/dam/rand/pubs/perspectives/PE200/PE237/RAND_PE237z1.arabic.pdf
[1] مزوزبركو، التنشئة الاجتماعية في الأسرة الجزائرية ،الخصائص والسمات، مجلة شبكة العلوم النفسية والعربية ،العدد 21-22،جامعة باتنة ،الجزائر ، 2009، ص47
[2] مليكة مذكور، التربية المستقبلية والذكاء الاصطناعي ،المجلة الجزائرية للأبحاث والدراسات، جامعة جيجل محمد الصديق بن يحي الجزائر ،المجلد4،العدد1،جانفي 2021 ص 86.
[3] سارة خرشي ،أحمد المهدي الزواوي ،التكنولوجيا الاتصالية في خدمة التعليم :تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتعليم ذوي الاحتياجات الخاصة ،مجلة الرسالة للدراسات والبحوث الانسانية ، جامعة العربي التبسي تبسة الجزائر، المجلد 6،العدد4 ،ديسمبر2021، ص157
[4] أحمد الصالح سباع ،وآخرون ،تطبيق استراتيجيات الذكاء الاصطناعي على المستوى الدولي الامارات العربية المتحدة نموذجا ،مجلة الميادين الاقتصادية ، جامعة الجزائر3، المجلد 1،العدد 1، 2018، ص32
[5] جمال بن صبيح الهملان الشراري، أثر الذكاء الاصطناعي على جودة القرار الإداري من وجهة نظر قادة مدارس المرحلة الثانوية بمنطقة الجوف التعليمية ،مجلة سلوك، جامعة ابن باديس مستغانم الجزائر، المجلد 8،العدد ،01،2021، ص،ص 18،19
[6]Knight, Kevin; Rich, Elaine. Artificial Intelligence (3rd ed.). Mc Graw Hill India, (1 January 2010). p 23.
[7] الان بونيه ،ترجمة علي صبري فرغلي ، الذكاء الاصطناعي ،واقعه ومستقبله ،سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الكويت ، 1993، ص13.
[8] شيخ هجيره ،دور الذكاء الاصطناعي في ادارة علاقة الزبون الالكتروني للقرض الشعبي الجزائري الاكاديمية للدراسات الاجتماعية والإنسانية، جامعة حسيبة بن بوعلي شلف الجزائر،مجلد10 ،العدد 2،جوان 2018، ص82
[9] سارة خرشي ،أحمد المهدي الزواوي ،مرجع سابق ،ص 158.
[10] Luger, George; Stubblefield, William. Artificial Intelligence: Structures and Strategies for Complex Problem Solving (5th ed.), (2004). p 10.
[11] زهرة محمد عمر الجابري ،إسماعيل العيساوي، الذكاء الاصطناعي ودوره في مشروع الجينوم البشري الإماراتي دراسة في ضوء الفقه الإسلامي، مجلة الصراط، جامعة بن يوسف بن خدة الجزائر ،المجلد 22،العدد1،2020، ص209
[12]Crevier, Daniel. AI: The Tumultuous Search for Artificial Intelligence. New York, NY: BasicBooks, ( 1993). p 07
[13] أحمد الصالح سباع ،واخرون، مرجع سابق ،ص 33
[14] ليلى مقاتل ،هنية حسني ،الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته التربوية لتطوير العملية التعليمية ،مجلة علوم الانسان والمجتمع ، جامعة محمد خيدر بسكرة الجزائر ،المجلد10، العدد 4،2021، ص114.
[15] ليلى مقاتل ،هنية حسني ،مرجع سابق، ص ، ص، 119،120
[16] زهرة محمد عمر الجابري ،إسماعيل العيساوي، مرجع سابق ص ص،210،211
[17] سارة خرشي ،أحمد المهدي الزواوي، مرجع سابق ، ص 160
[18] سليمان يعقوب الفرا، الذكاء الاصطناعي ،مجلة البدر، جامعة بشار، ص3
[19] مريم شوقي عبد الرحمان تره، متطلبات إدخال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في التعليم قبل الجامعي المصري، المجلة الجزائرية للدراسات الإنسانية، جامعة أحمد بلة وهران1 الجزائر ،المجلد 1،العدد2،ديسمبر 2019 ص357
[20] نجوى فيران ،خوارزميات الذكاء الاصطناعي ودورها في التحليل الالي للغة العربية على المستوى الصرفي ،دراسات معاصرة مجلة علمية دولية محكمة نصف سنوية ،جامعة تيسمسيلت الجزائر، مجلد 5،العدد 2، 2021،ص ،ص 464،465
[21] أبو بكر خوالد ،خير الدين بوزرب، مرجع سابق، ص 38
[22] أحمد بدوي ،معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية ،مكتبة لبنان، بيروت ،1978،ص382
[23] دلال ملحس استيتية ،التغير الاجتماعي والثقافي ،دار وائل ،عمان، ط2،2008، ص19
[24] عباس عمر، التحضر وتغير بنية الأسرة في مدية برج بوعريريج مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية، العام الثاني ،العدد العاشر، أغسطس 2015،ص13.
[25] رحالي حجيلة ،التغير الاجتماعي، مجلة كلية الأداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية، بسكرة، العدد السابع، جوان 2010،ص ص،332،333.
[26] أم الخير بدوي ،التغير الاجتماعي رؤية نظرية ،مجلة التغير الاجتماعي، جامعة بسكرة ،المجلد 3 ،العدد 5،فيفري 2018
ص،ص 39،40.
[27] محمد الدقس التغير الاجتماعي بين النظرية والتطبيق ،دار مجدلاوي ،الاردن ، 1996 ،ص ص،21،20.
[28] الجموعي مومن بكوش،،التغير الاجتماعي وانعكاسه على القيم الاجتماعية لدى طلاب الجامعة –دراسة ميدانية في بعض الجامعات الجزائرية ،أطروحة الدكتوراه ، العلوم علم النفس تخصص :علم النفس الاجتماعي ،كلية العلوم الانسانية الاجتماعية ،قسم العلوم الاجتماعية ،جامعة بسكرة ،2016-2017 ص –ص 68-71.
[29] يزيد عباسي ،مشكلات الشباب الاجتماعية في ضوء التغيرات الاجتماعية الراهنة في الجزائر، دراسة ميدانية على عينة من طلبة جامعة جيجل القطب الجامعي تاسوست جيجل ،أطروحة دكتوراه العلوم تخصص علم الاجتماع التنمية، كلية العلوم الانسانية والاجتماعية، قسم العلوم الاجتماعية، جامعة محمد خيضر بسكرة،2015-2016 ص –ص 78-80
[30] ليلى مقاتل ،هنية حسني ،مرجع سابق، ص 119.
[31] https://ai-ds.thakaa.sa/post/ai-in-hr
[32] زهرة محمد عمر الجابري ،إسماعيل العيساوي، مرجع سابق، ص210.
[33] https://blog.zenhr.com/ar/2021/03/28
[34]مليكة مذكور، مرجع سابق، ص، ص91،92
[35]سامية شهيي قمورة ،الذكاء الاصطناعي بين الواقع والمأمول دراسة تقنية وميدانية ،الملتقى دولي الذكاء الاصطناعي تحد جديد القانون ؟الجزائر ،26-27 نوفمبر 2018 ص، ص 16،17
[36]https://www.rand.org/content/dam/rand/pubs/perspectives/PE200/PE237/RAND_PE237z1.arabic.pdf
[37] https://www.scientificamerican.com/arabic/articles/news/al-will-be-able-to-beat-us-in-45-years