
مارسات التفكير اللغوي والنقدي في مؤلفات عمر عتيق
Linguistic and Critical Thinking Practices in the Works of Omar Ateeq
د. حسين عمر دراوشة، باحث ومحاضر غير متفرغ بجامعة غزة- فلسطين.
Hussein Omar Darawsheh, University of Gaza – Palestine.
مقال منشور كتاب أعمال ملتقى المنجز النقدي الفلسطيني وخصوصيته عند عمر عتيق في اصفحة 31.
الملخص:اللغة وسيلة من وسائل التعبير والتفكير والإبداع، يستعملها الكتاب والمؤلفون وغيرهم في ترجمة أفكارهم وأطروحاتهم، وتنقل لنا الاستدلالات والتصورات حول المنجز النصي وحقله وسياقه الذي ينتمي إليه؛ لذا يدرس البحث ممارسات التفكير اللغوي والنقدي في مؤلفات عمر عتيق، وذلك من خلال بيان طبيعة المنجز التخصصي، والأبعاد المعرفية والثقافية الكامنة فيما قدمه من معالجات لغوية ونقدية، والكشف عن اتّجاهات التفكير في اللغة والأدب والنقد على مستوى تراثي وحداثي، والتعامل السياقي والنصي والتكاملي مع مسائل اللغة وقضاياها، والحديث عن آفاق ما طرحه عتيق في مؤلفاته، وتوضيح ما سبق بالمنهج الوصفي، ومن ثم الخاتمة، وفيها النتائج والتوصيات وفهرس المصادر والمراجع.
الكلمات المفتاحية: (ممارسات، التفكير اللغوي، النقدي، مؤلفات، عمر عتيق).
Abstract:
Language is one of the means of expression, thinking and creativity that writers, authors and others use in translating their ideas and theses. It conveys inferences and perceptions about the textual achievement, its field and context to which it belongs. Therefore, the research studies the linguistic and critical thinking practices in Omar Atiq’s writings, by clarifying the nature of the specialized achievement, the cognitive and cultural dimensions inherent in his linguistic and critical treatments, and revealing the trends of thinking in language, literature and criticism at the level of heritage and modernity, and contextual, textual and integrative dealing with issues The language and its issues, talking about the prospects for what Ateeq presented in his books, clarifying the foregoing using the descriptive approach, and then the conclusion, which includes the results, recommendations, and an index of sources and references.
Keywords: (practices, linguistic thinking, critical literature, Omar Ateeq).
مقدمة:
تمثل اللغة وسيلة من وسائل الإبداع التي يُترجم بها ويُستعرض من خلالها الأفكار والعواطف، كما أن اللغة عنوان لهويتنا وثقافتنا، وهي التي توصل ما نريد للآخرين وتعبر عمّا نفكر به، فيكون بمقدور المبدع أن يوظفها في إظهار إبداعه أمام جمهور المتلقين، ولم يكن هذا الاستعمال أو الطرح بدعاً من القول إنما هو منجز هادف يعبر عن محتوى ومضمون يتحدث عنه المبدع أو الكاتب لكي يستطيع أن يوصله إلى الآخرين، وتتخذ اللغة شكلاً وظيفياً وحدثاً تواصلياً في نقل الخبرات والرؤى والانطباعات حول الظواهر والأشياء التي تستعرضها، ويستحضر مستعمل اللغة من أجل ذلك وسائل الإقناع وبني الحجاج في موضوعاته التي يتناولها ويداولها في منجزه لكي يتفاعل معها جمهوره.
ويتميز العصر الحديث بوفرة المعرفة وانتشار المعلومات والبيانات في مختلف المجالات والحقول، ويحتم ذلك على المبدع والكاتب أن يكتب بلغة عصرية تتوافق مع روح العصر ومتطلباته، علاوةً على السياق المعرفي والثقافي وإفرازاته التي تؤثر في الدرس اللغوي والنقدي في الثقافة العربية؛ نظراً لكثرة التأويلات السائدة في الساحة اللغوية والنقدية، وكثير من المحدثين أصبحوا متلقين للمعرفة وليس منتجين لها، وهذا يطرح تساؤلات جوهرية حول طبيعة الفعل المعرفي والثقافي، وآليات التفكير واستعمالاتها في حقل اللغة والأدب.
ومن المتابعات الحثيثة حول اجتهادات المحدثين وممارساتهم في اللغة والنقد، نجد الكاتب والأكاديمي الفلسطيني عمر عتيق، الذي أبدع في حياكة المشهد الثقافي بأطروحاته الفكرية وتنويراته في الأدب والنقد العربي، فزوّد المكتبة العربية بكثير من المؤلفات والمصنفات العتيدة في بابها، والتي تحمل في محتوياتها ممارسات لغوية ونقدية تنم عن وجود مقومات لفكر نيّر وواعٍ له آثاره في المشهد الثقافي والساحة اللغوية على مستوى محلي ودولي، ومن هذا المنطلق عقد الباحث فكرة البحث ومشكلته وأفكاره ومحاوره.
مشكلة البحث:
تتمثل مشكلة البحث في السؤال الرئيس الآتي:
ما ممارسات التفكير اللغوي والنقدي في مؤلفات عمر عتيق؟
ويتفرع من السؤال الرئيس الأسئلة الفرعية التالية:
- ما طبيعة ممارسات التفكير اللغوي والنقدي في مؤلفات عمر عتيق؟
- ما الأبعاد المعرفية والثقافية في ممارسات التفكير اللغوي والنقدي بمؤلفات عمر عتيق؟
- ما اتّجاهات ممارسات التفكير اللغوي والنقدي عند عمر عتيق؟
- ما آفاق ممارسات التفكير اللغوي والنقدي في مؤلفات عمر عتيق؟
أهداف البحث: يبيّن البحث المنجز التطبيقي التخصصي وما يتفرع منه في حقول اللغة والنقد، ويحلل تمثلات المعرفة ومضامين الثقافة في الجوانب اللغوية والنقدية التي يتطرق إليها عمر عتيق، والكشف عن الاتجاهات المنهجية والإجراءات التي سار عليها عتيق في التعامل مع مسائل اللغة وقضايا النقد، والعمل على سبر أغوار الطرح اللغوي والنقدي وما يشتمل عليه من تجليات تخصصية فيما أنجزه عمر عتيق.
أهمية البحث: مناقشة ممارسات التفكير اللغوي والنقدي في إحدى التجارب الفلسطينية المتقدمة التي يمثلها عمر عتيق، والتعمق في فهم طبيعة ما أبدعه عمر عتيق في اللغة والنقد من ممارسات متنوعة المشارب والتطبيقات، وتقديم دراسة جديدة ومستقلة تُسلط الضوء على الإنتاج اللغوي والنقدي في فكر عمر عتيق.
منهج البحث: يتبع البحث المنهج الوصفي التحليلي القائم على الوصف والتحليل والدراسة والاستقراء لمكونات البحث ومحاوره، مع الاعتماد على مؤلفات عمر عتيق التي أنتجها واستجلاء معالم موضوع البحث من خلالها.
أولاً: طبيعة التفكير اللغوي والنقدي في مؤلفات عمر عتيق.
استطاع عمر عتيق أن يقدَّم ممارسات لغوية ونقدية تواجه الواقع وإشكالياته، وتحمل فكراً علمياً له مصادره وأبعاده في الدرس الثقافي المعاصر، ويمثل عمر عتيق إضافةً نوعيةً للواقع اللغوي والنقدي في فلسطين، وتميَّز فكره بالشمولية والوعي المستنير بخصوصية الفعل اللغوي والنقدي عند العرب، ويتجلى التفكير اللغوي والنقدي في قدرة عمر عزيز على تنظيم المعرفة اللغوية ومشكِّلاتها التي تتكون منها، وعمق التطبيقات النقدية التي تكشف عن قيم النصوص وتطلق الأحكام عليها، ويتسم التفكير اللغوي والنقدي عند عمر عتيق بتفاعلاته مع واقعه المعرفي والثقافي، فكانت لعمر عتيق إسهاماته ومشاركاته في التظاهرات العلمية على مستوى محلي ودولي، ولم يكن عبئاً على تلك التنظيمات المعرفية والثقافية؛ إنما كان يمعن فكره في أطروحاته ويستفيد من مناقشات المؤتمرات ومحاوراتها الثقافية والمعرفية، إذ يقول في مقدمة كتابه “معجم مصطلحات العروض والقافية”:” وتتقاطع أهداف الكتاب مع المفاصل الرئيسة لكلمة ألقاها كمال محمد بشر في ندوة “قضايا الشعر المعاصر” في قوله:” تصبح دراسة العروض مجدية إذا تمت في ضوء شرطين: أن تكون وسيلة لتحقيق غرض، وليست في ذاتها، وإذا درسنا هذه القواعد جيداً بوعي، ليس القصد منها أن يعرف الدارس البيت عروضياً، ومعرفة البحر الذي جاءت القصيدة فيه؛ لأن مثل هذه الغاية إذا اتّخذناها هدفاً لا تساوي في قيمتها أكثر مما تساويه حل الكلمات المتقاطعة في الصحف والمجلات. نعم، من المهم في المرحلة الأولى أن نُعنى بمصطلحات العلم، وأن نتعرف إلى البحور وقواعد القافية، ولكن الغرض من الدراسة لا يتحقق إلا حين تستطيع الأذن إلى جانب التركيز الذكي، أن تقوم بكل هذا في سرعة ودقة، وأن تتعرف آلياً إلى الوحدات النغمية، عن طريق التمكن من معرفة البحور، وما يدخلها من زحافات وعلل”[1]، ويدل ذلك على الفكر اللغوي المتفاعل الذي يضيف للمستوى اللغوي والنقدي مستجدات يستفيد منها في تأويلاته وتطبيقاته وتنظيراته؛ لتحقيق الغايات والمقاصد من حركة اللغة والنقد في المسار المعرفي والثقافي العربي والإسلامي.
وتفاعلت أفكاره مع أفكار غيره، واستطاع توظيفها لما يحقق الأهداف العلمية التي تتوافق مع المنطق المعرفي والثقافي الذي يتحدث من خلاله كوسط علمي يخدم المعطى اللغوي والنقدي ويكشف عن مكوناته وما يؤثر فيه، ويبيّن عن آليات تطوير التعامل مع التكوينات اللغوية والمعطيات النقدية التي أنتجها العقل العربي المعاصر؛ لذلك نجد أن عمر عتيق من أصحاب الأفكار الجديدة التي تعطي انطباعاً تقدمياً وقراءة واعية حول المنتج اللغوي والنقدي بمختلف أجناسه وتوجيهاته، وزمن إنتاج المعطى اللغوي والنقدي سواء أكان قديماً أم حديثاً، فهو ينظر إليه من منظور شمولي يخدم الحاجات اللغوية والنقدية المعاصرة، ويوسع الآفاق أمامها.
وارتكز عمر عتيق على الأصول والمصادر المعتبرة في بابها، فعقد دراساته على مدونات نصية لها مكانتها في تاريخ التآليف العربية بمجال اللغويات والنقد، فاعتمد على نصوص القرآن الكريم والكشف عمّا تحتويه في بنيتها اللغوية وتمثلاتها المعرفية والثقافية، بالإضافة إلى إثارة التساؤلات التي تطلب مزيداً من الفهم والتأويل حول نصوص الشعر العربي، الذي يعدُّ ديوان العرب، ولم يهمل عتيق الجوانب التراثية الحية التي يتداولها الناس، وهو بذلك بيّن مكونات الدلالة الاجتماعية لطبيعة النصوص ومفرداتها وما تتشكل منه، فيمثل ذلك دافعاً في حقول التطبيق والممارسة اللغوية بعيداً عن التنظير والخطوات الإجرائية، فلولا عمق التفكير ونباهة ممارسات عتيق لما استطاع أن يطرق هذا الباب ويدلي بدلوه فيه، فهو قارئ واعٍ لمجمل التكوينات النصية وما تشتمل عليه من معطيات ومرتكزات، ويشير ذلك إلى عملية الفهم الأولى التي تستقيم معها عملية التفسير والتحليل وطرح الأفكار والآراء ووجهات النظر حول المنتج اللغوي، وتطرح الأحكام وتقوم النصوص في علمية الممارسة النقدية المستبصرة التي تنبئ عن تنويرات على مستوى المضمون والشكل وما يتعلق بها من روابط تزيد من بيان المقومات التواصلية والوظيفية حول نصوص الخطاب المنجزة.
حقق عتيق تواصلاً جيداً مع التراث الأدبي العربي، فلم ينقطع عن ماضي أمته وأدبها الحضاري، فبرم علاقات وثيقة مع الأدب وظواهره في الحقب التاريخية الماضية، وساعد ذلك على تكوين الصورة الكلية حول المنجز الأدبي وتطوراته، وفهم ظروف الإبداع ومآلات فضاءاته التي ينطلق منها، فيمثل ذلك في فكر عتيق تعاملاً منطقياً في استنطاق النصوص ومحاورتها والوقوف على مضامينها وما تشتمل عليه من قيم ومبادئ وأسس، والكشف عن أسرار الجمال والبيان في أبنيتها وتراكيبها وأنسجتها، فقال في كتابه ” دراسات أسلوبية في الشعر الأموي”:” ويهدف الكتاب إلى إقامة جسر من التواصل بين التراث البلاغي والمنهج الأسلوبي، وتجاوز القراءة الوصفية التقليدية للنص الشعري، ورصد أبرز الظواهر الأسلوبية في شعر الأخطل، وبيان القيمة الجمالية لكل ظاهرة”[2]، استعمل عتيق التعامل المنهجي بشكل واعٍ وعميق للمنتج النصي وما يتعلق به من تجليات معرفية وثقافية تجدد الموروث اللغوي والنقدي بإجراءات تطبيقية حديثة، تعيد إنتاج ثقافة اللغة من جديد بما يتناسب والتحليل اللغوي والنقدي المعاصر بلغة مفهومة وواضحة عند تلقيها والتعامل معها.
وتمتاز طبيعة التفسير والتحليل بجهد تراكمي تظهر فيه آراء ووجهات نظر متعددة، ويعزز ذلك سمة الموضوعية في ممارسات عتيق بمجال اللغة والنقد، فما أنتجه الآخرون ساعد عتيق في توسيع مداركه وإنتاج فعل معرفي وثقافي رصين في بابه واختصاصه، وما توصل إليه يمثل قراءات غير مألوفة زودها عتيق بفكرة وقدمها لجمهور القرّاء بشكل علمي رصين، فبرز ذلك بشكل واضح في كتاباته ومؤلفاته في البحث العلمي المحكم، الذي تنوعت موضوعاته وأطروحاته وقضاياه ومسائله التي تمثل إشكاليات في حد ذاتها، اجتهد فيها عتيق وأعمل فكره في إيجاد البدائل والحلول لها، فلذلك تمتلك مؤلفاته قيمة تخصصية وفيها أطروحات مستجدة تخدم الواقع اللغوي والنقدي وتؤكد على محورية بين علوم الأمم ومعارفها.
شهدت طبيعة التفكير اللغوي والنقدي في مؤلفات عمر عتيق تعددات صوتية يبحث من خلالها عتيق عن مقاصد منطقية تجيب عن تساؤلات تستهدف قطاعات اللغة وحقول النقد وما يتعلق بهما من مجالات تخصصية وغير تخصصية، ويمتاز تفكير عتيق اللغوي والنقدي بالانتظام والوعي الحاذق الذي يقوم على استجلاء معالم المعطى اللغوي والنقدي وتشابكاتهما المعرفية والثقافية، ومهما يكن من أمر حول الإجادة والرداءة فيما نظمه عتيق من نصوص شارحة، فهو شاهد معرفي وثقافي له طبيعته ووسطه التخصصي وتشعباته التي أنتج من خلالها.
ثانياً: الأبعاد المعرفية والثقافية في ممارسات التفكير اللغوي والنقدي بمؤلفات عمر عتيق.
استند عمر عتيق في منطلقات تفكيره اللغوي والنقدي على المعطى المعرفي وما يرتبط به من استدلالات تعبير عن النواحي المنطقية للقصايا والمسائل التي يتكلم عنها، بالإضافة إلى الحديث عن الاستعمالات غير التخصصية التي تكلم عنها عمر عتيق في مؤلفاته، واستطاع عتيق بفكره أن يستوعب المعطى المعرفي التراكمي عبر الزمن والتاريخ، والذي أبدع في صياغته وإنتاجه علماء اللغة والتراث من العرب والمسلمين، ولم يتنكر لذلك أو يتناساه إنما عرضه بطريقة وظيفية تواصلية تعيد خلق التراث من جديد عبر القراءة اللغوية والنقدية الواعي التي توازي النصوص المنتجة في زمانها، وتبعث فيها روح الحداثة والتجديد، فلم تكن الأدوات المعرفية والثقافية بمعزل عن ما يقدمه عتيق من مقولات لغوية ونقدية، إنما امتزجت المعرفة والثقافة بأوجه التفكير وتجلياته فيما أبدع في كتابته عمر عتيق، ولم يحصر نفسه في بوتق معرفي أو ثقافي معين، إنما كان يطرح الفعل المعرفي والثقافي بكل جرأة وصراحة، ومنبع ذلك التوجه العلمي الرصين الذي يعالج من خلاله الأفكار والمحاور والقضايا التي دارت تحليلاته حولها ومناقشته عنها، ويمثل عمر عتيق بفكره خليطاً معرفياً يتصف بالقدرة التبليغية العالية والمقاصد المحورية التي تجسد الموضوعات والمحتويات التي يريد إيصالها لجمهور المتلقين من خلال إبداعاته وتطبيقاته وتنظيراته وممارساته.
ويتجلى أداء الفعل المعرفي والثقافي في التفكير اللغوي والنقدي بمؤلفات عمر عتيق في طبيعة التطبيقات والممارسات التي ارتكز عليها عمر عتيق، وقدَّم حوالها المعالجات والتحليلات وما يتصل بها من نماذج لغوية ومقاولات فكرية لها تمثلاتها في طبيعة الإنتاج اللساني ودوائر اختصاصه، ويساعد ذلك على ثراء المشهد اللغوي والنقدي، ويضمن التفاعلات المعرفية والثقافية التي يمتلكها عتيد من منظور تطبيقي خالص، يرصد أهم التحولات على الساحة اللغوية والأدبية والنقدية، ويسهم في التعامل معها بنهج علمي يتسم بالتفاعلية والتأثير في توجيه المعطيات التخصصية وتشعباتها في شتى حقول العلم والمعرفة، ويمثل ذلك سمة أساسية في المعالجات المنهجية المعاصرة، وما يجتهد العلماء في التنظير له، فامتزاج التمثيل اللغوي والنقدي بغيره من العلوم يدلل على عالمية اللغة العربية وقوة رسالتها المعرفية والثقافية بين لغات الأمم والشعوب، ويبرهن على عمق التفكير اللغوي والنقدي وتأثيراته في التوجيهات والتأويلات اللغوية والنقدية الرَّاهنة التي تحدث عنها عمر عتيق، واستعرضها من خلال مؤلفاته.
واهتم عتيق بمجمل الأنشطة والتوجهات التخصصية وتشعباتها الثقافية التي تتصل بالوجود العربي، واستطاع أن يقدم صورة عامة عن منتج لغوي وممارسات نقدية تبرز الجوانب الثقافية العربية، وتستجلي معالمها ومكوناتها وقيمة ما يملكه الإنسان العربي من ثقافة، تمكن من المشاركة الحضارية الفاعلة في إنتاج المعرفة ونشر الثقافة وتداولها بين الأفراد والجماعات، فلم تنقطع الدراسات اللغوية والنقدي عند عتيق عن القيم الثقافية التي يؤمن بها الإنسان العربي ويؤكد مضامينها دوماً، فكل ذلك يرسم صورة معرفية متكاملة حول المعطى الثقافي وتمثلاته فيما تحدث به عمر عتيق، ويؤكد على التفاعلات التخصصية والتشعبات المعرفية التي تبرز في النشاط اللغوي والنقدي وممارساته الثقافية؛ فيوحي ذلك بعمق ما تشربه عتيق من ثقافة أصيلة وفكر رصين ساعد في تقديم منجز له قيمته في سياق الخطاب التأصيلي المتداول حول واقع اللغة والنقد والآمال المنشودة بهذا الصدد.
وعبر عمر عتيق في مؤلفاته عن المنتج التراثي ، وبالأخص عندما تعرض إلى القضايا اللغوية والنقدية التي استطاع أن يتحدث عنها ويبرع في مناقشتها وتحليلها، فهو لم يشكك في التراث أو يهاجمه أو يتجهمه إنما تذوق المعطى التراثي وما يتعالق به من تراكمات معرفية وفنية وثقافية تسهم في توليد جبهة عمل معرفي وثقافي تغرس قيم تأصيلية تعيد إحياء التراث وتستشير عيونه في التعامل مع القضايا والمسائل المعاصرة التي تتعلق بمسيرة التأليف اللغوي وحركة النقد، فلجوء عتيق إلى التراث القديم من المقومات الأساسية التي شيَّد عليها أفكاره وبنى عليها جهوده في اللغة والنقد، فمزج فيما قدمه بين المعالجة التاريخية والراهنة للمعطى الأصيل والحداثي، واعتمد على المدونات التراثية في كثير من مؤلفاته، وأجرى حولها ممارسات واعية بأسلوب حداثي جديد، يعيد إنتاج التراث بثقافة ومعرفة تشتمل على ممارسة جديدة تضمن استمرارية فعالية المنتج وتكامل دوائره عبر ممارسات الاختصاص وتشعباته في عوالم الفكر والمعرفة، ويتطلب ذلك وعياً وعمقاً في التخصص والممارسة.
إن ممارسة الجمال الإبداعي من الأولويات الضرورية للفعل الثقافي والمعرفي وتجلياته في مجمل الممارسات التي قدَّمها عتيق، والذي اهتم بالقيم الجمالية التي اشتملت عليها المدونات النصية، وسلط الضوء على تجلياتها في سياق التعبير الأدبي والقضايا النقدية، ومن خلال أوجه الاستعمال المجازي وإسقاطاته ما ينتج عن ذلك من تصورات جمالية تخاطب العواطف الإنسانية وتثير حولها الاهتمامات وتستقطب عالم الوجدان وتفاعلاته مع الأطروحات والمضامين، فالفعل الجمالي يستهوي المبدعين، ولم ينفك التنوع الجمالي عن مؤلفات عمر عتيق، والتي ظهرت في أبعاد ثقافية ومعرفية استند إلي التفاعل الجمالي ومعطياته في محتوى الدرس اللغوي والأدبي والنقدي المعاصر، واستطاع أن يعبر عن دور الصور البصرية في تشكيل الجمال، فتكلم عن دور الفن التشكيلي والكراكاتير في تأدية الرسائل وتبليغ الموضوعات الفنية والثقافية والمعرفية التي يريد الكاتب أن يوصلها لجمهور المتلقين من خلال الممارسات اللغوية والنقدية، ويمثل الاستعمال الواعي لطبيعة الأدوات والتقنيات والأشكال والفنون ميزة حداثية تخاطب المتلقي بلغة لفظية وغير لفظية تتكامل من خلالها المعرفة ويتعمق الوعي وممارساته؛ بما يشكل كلاً متكاملاً في المعطى وأطروحاته، ويؤدي ذلك إلى إنتاج جبهة ثقافية ذات عمق تخصصي يتفاعل مع مختلف السياقات والعلوم الأخرى.
وخاطب عمر عتيق في ممارسات التفكير اللغوي والنقدي الواقع المحيط به، فلم يكن منعزلاً عن واقع أو يبحث في موضوعات فلسفية تنتمي إلى عالم اللاهوت والمقدس، إنما استطاع أن يجري دراسات لغوية ونقدية تنبثق من طبيعة الفعل الثقافي الذي يمارسه أبناء المجتمع الفلسطيني، فاستوعب بفكره المنتج الثقافي وطقوسه مع مختلف الطوائف الدينية على اختلاف اعتقاداتها ومشاربها الثقافية والمعرفية، فتحدث عن العادات والتقاليد في الأعياد المسيحية، والشعبونة بين التقاليد والدين في مدينة نابلس، والأغنية الشعبية في المواسم الزراعية، وتقنيات أسلوبية في الزجل الشعبي، ومقبرة مأمن الله بين التقديس والتدنيس، فاشتملت هذه المؤلفات على معالجات تطبيقية من الواقع الثقافي، وأبدع في تقديم ممارسات لغوية ونقدية ذات فكر عميق وواعٍ، ويستجلي ذلك طبيعة الاختصاص وتفاعلاته على مستوى الشكل والقيمة والمضمون، ويبيّن حقيقة التحصيل الثقافي الذي أتقن فصوله عمر عتيق في مؤلفاته التي عاينت الواقع وعايشته وكتبت حوله، ونقلت للآخرين معلومات وافية عمَّا توصل إليه عبر ممارساته وما بها من موضوعات وأفكار ومسائل، تزيد من التعرف على قيمة المخزون الثقافي والفكري الذي يختزله الشعب الفلسطيني عبر التاريخ والزمن، ويبيّن موروث الحالة الحضارية في أرض فلسطين مهبط الديانات وملتقى الأنبياء، والتي تتجلى فيها معالم السماحة ورسائل المحبة والسلام، فالحديث عن الجانب الديني يتصل بعالم المقدس في ذوات المريدين، واستكشف عتيق ذلك بممارساته التنويرية حول القيم والمعتقدات والمضامين التي عبَّر عنها في دراسته بحسه اللغوي والنقدي المرهف، فاستوقفته تلك الإثارات والتساؤلات؛ مما جعله يعقد مؤلفات لتوضيح أو تقرير أو زيادة فيهم، وفي كل معالجات وممارسات علمية هادفة ترتبط بالمقاصد التي يريد أن يبلغها عبر المنجز اللغوي والنقدي والثقافي والمعرفي الذي أنتجه في خطابات البحث العلمي ولغته التخصصية وما يشتبك فيها من معانٍ، وتأتي الكتابة عن الثقافة الشعبية والتقاليد والعادات الدينية في ظل وجود احتلال إسرائيلي يستهدف الوجود الفلسطيني حتى على مستوى الرواية التاريخية، فهو يشوه الحقائق ويهاجم الثوابت العربية والإسلامية على ثرى فلسطين ويحاول إحداث تغيرات جذرية بهذا الخصوص؛ من أجل بناء لغة ودين وتاريخ وثقافة تحل محل الشعب الفلسطيني العربي الإسلامي الأصيل صاحب الحق والأرض؛ ولكن الطغيان يتطلب مواجهة فكرية وثقافية لها أدواتها التنويرية والتثويرية الواعية التي تستنهض الهمم وتستقطب الكفاءات في بوتقة واحدة ذات رسالة ونهج موحد.
وبرزت الأبعاد المعرفية والثقافة بشكل تكاملي في ممارسات التفكير اللغوي والنقدي عند عمر عتيق، فاستحضر المنظور التكاملي والشمولي الذي يخدم الدرس اللغوي وما يتعلق به من منجزات ومعطيات تخصصية لها تشعباتها، إذ يقول في كتابه “نوافذ ثقافية”:” يفتح الكتاب عشر نوافذ تطل على آفاق ثقافية متنوعة متكاملة، ويُضمر عنوان الكتاب دعوة لتحقيق مقولة “تضافر الفنون”، ويشكل مساحة لتكامل المعارف انطلاقاً من أن الثقافة كل لا يتجزأ اعتماداً على أن الاقتصار على التخصص الدقيق يُشير إلى خلل ثقافي بنيوي، ونقصاً في الدراسات الأكاديمية التي تجنح إلى الانزواء في ركن واحد لا تغادره من البناء الثقافي العام”[3].
فيهتم عمر عتيق بالانفتاح المعرفي وعدم التقيد بوحدة التخصص وسكب النفس المبدعة في داخلها، فهو يشتبك مع مختلف فروع العلم والمعرفة، وهذا في حد ذاته ممارسة واعية ذات عمق تخصصي لها تفرعاته في التطبيق وآليات التفكير وإعمال العقل في الوصول إلى النتائج والتجليات المقنعة.
شهدت ممارسات التفكير اللغوي والنقدي تنوعات معرفية وثقافية تتعلق بالواقع والمتغيرات والتحديات الراهنة، فكانت أطروحات عمر عتيق في مؤلفاته تعالج الحاجات اللغوية الراهنة ومتطلباتها من خلال التأصيل الرصين والتعامل الحداثي الواعي الذي يرسم ملامح الثقافة العربية المعاصرة وأطروحاتها الحداثية في التوجيهات والتأويلات اللغوية والنقدية.
ثالثاً: اتّجاهات ممارسات التفكير اللغوي والنقدي عند عمر عتيق.
إن تحديد الاتجاه في حد ذاته من أولويات التعرف على منجزات عتيق في ممارسات ونماذج وتطبيقات اللغة والأدب والنقد، فاتجهت ممارسات التفكير اللغوي والنقدي عند عمر عتيق في مسارات تخصصية تمثل أسس ومعطيات الحقل العلمي ومنجزاته؛ بالإضافة إلى التفاعل الأدائي مع المنجز المقدم والمطروح أصلاً، وإنتاج قراءة شمولية واعية حول القضايا والمسائل اللغوية والنقدية، ويمكن رصد أبرز الاتجاهات العامة التي ظهرت في مؤلفات عمر عتيق، وذلك على النحو الآتي:
- اتجاه تراثي تأصيلي: يهتم بمعالجة قضايا اللغة والأدب والنقد، وتفسير المسائل التي تُثار حول المدونات النصية التراثية عند العرب والتي يمثلها القرآن والحديث وكلام العرب المنظوم والمنثور، واهتم عمر عتيق من خلال هذا التوجه بالتراث في لغته المعيارية بالأخص في الدرس اللغوي، والاهتمام بالنواحي الجمالية ومقاييسها عند العرب القدماء، وتميز قراءات عمر عتيق للتراث بالعمق في الطرح والمناقشة والمعالجة والتحليل؛ بما يدلل على فاعلية التأصيل ومعطياته في ممارسات التفكير اللغوي والنقدي عند عتيق.
- اتجاه حداثي تجديدي: يقوم على التعامل مع المدونات النصية القديمة والجديدة من خلال المناهج والأساليب والإجراءات الحديثة التي تستقرِئ النص بوسائل جديدة مختلفة عمّا قدمته القراءات اللغوية والنقدية حول النصوص، فالقراءة الحداثية فيها إضافات ترتكز في مجملها ومنبع معالجاتها على النص وبنيته العميقة التي يتشكل منها، واستطاع عمر عتيق أن يتحدث عن عوامل التغريب في التعامل مع الإشكاليات المصطلحية وتأثيراتها على الهوية الثقافية الفلسطينية[4]، وتكرس مؤلفاته فكره التجديدي الذي يطرح من خلاله معطيات حداثية ترتقي بالجانب التكويني ومحاوره في المنجزات الخطابية وأطروحاتها.
ويتضح مما سبق أن مؤلفات عمر عتيق وممارسات تفكيره اللغوي والنقدي، ارتكزت في أساساتها على إثارة التساؤلات المنهجية للمسائل والقضايا اللغوية والنقدية على اختلاف توجهاتها، فيقول في مقدمة كتابه ” في قضايا المصطلح”:” يتضمن الكتاب ستة أبحاث تعالج إشكالية المصطلح في حقول متعددة، وتتوزع الأبحاث على أربعة فصول في النقد والبلاغة والعروض والإعلام، فالفصل الأول يعاني المصطلح النقدي من حيثُ الأصالة والتغريب، ويسعى إلى الإجابة عن سؤالين، الأول: هل تأصيل المصطلح النقدي: ضرورة علمية أم ترف فكري؟ والثاني: ما أسباب اغتراب المصطلح وتعدده واضطرابه؟”[5]، ويتصل هذا القول بفكرة منهجية مركزية وهي الجهاز المفاهيمي للممارسات اللغوية والنقدية، فلا يستقيم المنهج بدون مصطلحات تدل عليه، وتبيّن معالم قراءاته وخصوصية تفاعلاته، فالعمل المصطلحي هو مفتاح للعلوم والآداب والفنون والمعارف، وبه تكتمل دائرة الاستعمال وتستبان خصوصية المعطى التكويني للتخصص المطروح، فابتكر عتيق مصطلحات نقدية مستجد نحو مصطلح النقد المقاوم.
وبرزت الاتجاه التأصيلي وأطروحاته التي قدمها عمر عتيق من خلال المناهج السياقية التي تعتمد على المنهج الاجتماعي والتاريخي والنفسي والانطباعي، لقد خلط التحليلات السياقية للمناهج وتطبيقاتها في مؤلفاته من خلال استعماله للمناهج النصية الحديثة، التي طغت على معظم معالجاته وأطروحاته اللغوية والنقدية؛ لأن عتيق يعالج قضايا جديدة، وما ينتجه من عمل يبيّن اجتهاداته في تحليل الإشكاليات وتقديم البدائل والمعلومات والمعارف حولها؛ فهو يستجلي ما يواجهه في بيئته، فاللغوي والنقاد ابن بيئته، فاهتم في ممارساته بسبر أغوار الجمال من خلال الممارسات اللغوية والنقدية الواعية بأساليب تمكنه من السير في خطوات منظمة من أجل الوقوف على طبيعة النصوص وقيمتها الموضوعية والفنية، ولم يتنكر للحداثة ومعطياتها في تعاملات المنهجية، فتعامل مع الأدب الورقي والأدب الرقمي التفاعلي عبر فضاءات الذكاء الاصطناعي، ويحتم استخدام المكون الإلكتروني في بناء النصوص تحولات منهجية على أساليب اللغويين والنقاد، فترك عتيق بصمات واضحة في هذا المضمار، واشتملت ممارسات تفكيره اللغوي والنقدي على تحليلات استهدفت الأدب الرقمي والمستحدثات التفاعلية الإلكترونية في كتابه ” مدارات لغوية من أصالة التراث إلى مواقع التواصل الإلكتروني”، والذي اشتمل على أطروحات تأصيلية تراثية وتجديدية حداثية تُراعي تحولات الراهن الرقمي في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي واتّساع نفوذها وسطوتها وسلطتها في قطاع اللغة وحقول النقد في ممارسات المحدثين من أرباب اللغة والأدب والنقد.
وتأثر عمر عتيق باللسانيات الغربية التي وجدت طريقها في مؤلفاته، فهو على اطلاع دائم وقارئ جيد للسانيات البنيوية التي تحدث عنها سوسير وبلومفيد وتشومسكي وموريس وبيرس ورولان بارت وجاك دريدا وغيرهم من أعلام اللسانيات الحديثة، برز ذلك في ممارساته حول المناهج النصية التي تنطلق من البنية العميقة – كما تحدث عنها تشومسكي –، فذكر عتيق ذلك بشكل صريح في ممارساته، ولم يكن يتبعد عن النص في المعالجة والتحليل المنهجي، فهو يعالج النص من داخله، ويمكن تتبع المناهج النصية التي تركز على النسق اللغوي، والتي سار عليها عتيق، في النقاط الآتية:
– المنهج البنيوي.
البنيوية هي نسق من التحولات له قوانينه الخاصة بوصفه نسقاً، الذي من شأنه أن يظل قائماً ويزداد ثراءً بفعل الدور الذي تقوم به التحولات نفسها دون أن تخرج عن حدود أن النسق أو أن تهيب بأية عناصر أخرى تكون خارجة عنه[6]، يركز المنهج البنيوي على النص وأنساقه التي تشكل في مجموعها جوهره وتقنياته وأساليبه وما يتعلق بهما، فتوظيف عتيق للمنهج البنيوي برز بوضح في استعماله لمنتجات البنيوية والتي يمثلها المنهج الأسلوبي وكذلك إفرازات البنيوية التي تتمثل في المنهج التفكيكي والسيميائي وما بعد البنيوية والحداثة كنقد النقد ونظرية التلقي.
واتبع عتيق المنهج البنيوي في إعمال تفكيره العميق في الممارسات اللغوية والنقدية، إذ يقول:” وتحمل كلمة (نوافذ) في عنوان الكتاب رسالة للقارئ الذي ينبغي ألا يكتفي بقراءة موضوعات نوافذ الكتاب؛ لأن قيمة الموضوع أو النص تقتضي من القارئ الناقد أن يبدأ بالبحث من حيث انتهى المؤلف، إذ إن الأفكار التي انتهى إليها الآخرون هي بداية تفكيري والرأي الذي اتفق عليه الآخرون هو بداية الشك عندي، والإيمان المطلق بأي فكر بشري يعني العبودية للشخص الذي كتب الفكر، لا يمكنني أن أكون عبداً لشخص، لكن يطيب لي أن أكون مخلصاً لحرية التفكير”[7].
يُلاحظ أن عتيق يركز على بنية التعامل مع المضمون والشكل في التحليل اللغوي والنقدي، فهو يحل إشكاليات ويقدم أطروحات انطلاقاً من حيثيات النص نفسه بعيداً عن الإملاءات الخارجية التي قد تحمل النص أكثر مما يحتمل وتلوي عنقه.
- المنهج الأسلوبي.
يعد المنهج الأسلوبي من المناهج التي تدرس النص اللغوي دراسة علمية، فهي تهتم بالنص وجهازه اللغوي، فتصفه وتعلل لظواهر لغته، وترفض الفصل بين دال الخطاب ومدلوله[8]، وذلك بالتركيز على مكونات البنية اللغوية ومشكِّلاتها التي تتكون منها، فيقول عتيق:” يظل الباحث واقفاً على عتبة النص الأدبي، وعاجزاً عن الوصول إلى أعماقه لاكتشاف البنية العميقة على المستويين الدلالي والفني، ما لم يتسلح بمنهج نقدي، يسير على هديه، ومن هنا تأتي الحاجة للمنهج الأسلوبي الذي يمكن المتلقي من الوصول إلى البنية العميقة للنص، وذلك بالكشف عن الطاقة الفنية الخلاقة للنص من خلال المعالجة اللغوية وفق الرؤية الأسلوبية، والمنهج الأسلوبي هو الأقدر من المناهج النقدية الأخرى على تشريح النص للوصول إلى بنيته العميقة لما يتمتع به من مرونة في توظيف مستويات اللغة النحوية والصرفية والموسيقية وغيرها”[9]، ويمثل هذا القول استحضاراً واعياً في التنظير والتطبيق بممارسات التفكير اللغوي والنقدي عند عمر عتيق، والذي استطاع أن يستوعب متطلبات المنهج الأسلوبي وما يعاني منه الناقد العربي في استعمال هذا المنهج وكيفية إجراءه على الدراسات اللغوية والنقدي العربية.
وقال مستعرضاً معوقات البحث الأسلوبي وآليته تلقيه واتجاهاته؛ إذ يقول:” أما معوقات البحث الأسلوبي، فتكاد تنحصر في غياب رؤية نقدية واحدة لمفهوم الأسلوبية في الدرس الأدبي العربي، ولهذا تكثر الاجتهادات والرؤى في الدراسات النظرية والتطبيقية، وليست المشكلة في كثرة الرؤى بل في تنوعها؛ ففريق من الدارسين بغلب الجانب الإحصائي على الجانب الدلالي، وفريق لا يرى في الجانب الإحصائي إلا وسيلة للكشف عن القيمة الدلالية للظواهر الأسلوبية، وفريق يرى أن الأسلوبية رؤية جديدة للبلاغة، وعليه فإن الحاجة تبدو ماسة لتقعيد الأسلوبية في دراسة الأدب العربي وصولاً لوضع تعريف لها، ولتحديد العلاقة بينها وبين التراث البلاغي”[10]، يدعو عتيق في توجهه المنهجي نحو المنهج النصي الأسلوبي إلى تقديم رؤية منهجية موحدة، فهو حصر التخبط في التعامل مع المنهج الأسلوبي خاصةً والمناهج النصية عامةً في غياب الرؤية وعدم توحيد الجهود والمصطلحات في إدارة الممارسات الأسلوبية الحداثية، فيمثل ذلك قراءة منهجية تتسم بالوعي النابع من المسؤولية اللغوية والنقدية تجاه المدونات النصية في الثقافة العربية والإسلامية.
المنهج التفكيكي.
سار عتيق وفقاً للمنهج التفكيكي الذي سار عليه جاك دريدا، وفكك النصوص وشرحها في ممارساته اللغوية والنقدية؛ وشك في كل ما هو موروث ومألوف[11]؛ إذ يقول:” وإذا فهمت معنى النص المكتوب كما يفهمه الآخرون، فقد فهمت نصف الحقيقة، ولأن أنصاف الحقائق تتعبني وأنصاف المواقف تزعجني… فلا بد من تفكيك الكلمات بحثاً عن نواة الحقيقة… كي تصبح النواة نخلة يتساقط رطبها شهياً على مشاهد التأمل والتفكر والجمال، لا يعقل أن نبقى مقيدين برؤى فكرية نشأت ونضجت في ظروف تاريخية وثقافية قديمة تجاوزتها ثقافتنا المعاصرة، وما دمنا نكتب وفق مقولات ثابتة متوارثة، فلا تستحق نصوصنا القراءة وما دامت اللغة التي نكتب بها خالية من التجديد والابتكار، فلا فائدة بما نكتب. اللغة تجديد والمثقف مجدّد”[12]، يؤكد عتيق على تفكيك الأفكار وتشريحها، فلم يعد هناك نصاً مقدساً، ولا بد من إعمال الفكر في كل ما هو مكتوب، فكان الشك والتفكيك طريقه إلى اليقين وتشكيل الأفكار وبناء الدلالات وتوجيه التأويلات التفسيرية التي تقوم النصوص وتضفي عليها شيئاً من التفاعلات عبر دوائر تخصصية وغير تخصصية متنوعة.
ويرجع الباحث ممارسات المنهج التفكيكي نتيجة قراءات عتيق في عالم البنيوية وما بها من أفكار فلسفية، وما يتصل بذلك من إفرازات ما بعد البنيوية التي أنتجت مقولات هدم للبنية وتشريح لها، وقد أسس هذا الاتجاه جاك دريدا، ووجد طريقه إلى الممارسات اللغوية والنقدية عن طريق الترجمة والتعريب وإجراء مقاربات تفكيكية بفكر عربي، ومن تجارب النقاد العرب في ذلك تجربة عبد الله الغذامي وبسام طقوس وغيرهم[13]، ولعل عتيق تأثر بطقوس أكثر من غيره، فقدَّم عتيق محاضرات حول المنهج التفكيكي وأطروحاته، ولعل اتخذ التفكيك مبدأ للتأليف وتمحيص المسائل اللغوية والنقدية وما بها من تمثلات وتشابكات على مستوى المضمون والشكل في الجنس المطروح وخطابه المنجز.
- المنهج السيميائي.
يحلل المنهج السيميائي النص الأدبي بوصفه يحتوي على بنية سطحية وعميقة، ينبغي تحليلها والكشف عمّا بينهما من علاقات[14]، وتفاعل عتيق مع العلامات اللغوية وغيرها التي تستجلي معالم الدال والمدلول كما في لسانيات سوسير وبيرس وموريس؛ مما يقدم قراءة بصرية واعية لدوال الرموز والإشارات التي يشتمل عليها النص الخطابي المنجز، فوظف عمر عتيق في مؤلفاته المنهج السيميائي، وذلك من خلال مجموعة من الأبحاث تضمنها كتابه “دراسات سيميائية في الفن التشكيلي” والتي تحدثت عن موضوعات متنوعة، تتمثل الحديث عن صورة القدس في اللوحة التشكيلية، وأشكال التناص في صورة الكاريكاتير، وصورة الطفل الفلسطيني في فن الكاريكاتير، وتجليات ما يُسمى ثورات “الربيع” العربي في فن الكاريكاتير، والتشكيل السيميائي لصورة الكاريكاتير التي تعبر عن علاقة المثقف بالسلطة[15]، لقد ركز عتيق على الثقافة البصرية في استعمالاته للمنهج السيميائي، واهتم بدلالات العلامات اللغوية وما توحي إليه وتعبر عنه في أطروحاتها، وانطلق في مدوناته النصية التي استهدفها في تحليله السيميائي من الفن التشكيلي وصور الكاريكاتير، ويبرز ذلك الاستعمالات السياقية التي تنهض بالمضمون الفلسطيني ورواية الحق الفلسطيني في مواجهة الرواية الصهيونية حتى على مستوى الرسومات والأشكال والرموز والهيئات.
- المنهج التكاملي.
يُبني المنهج التكاملي على مبدأ التعددية والتنوع، فهو ضرب مختلف من ضروب النقد لا يتقيد بمنهج واحد خلال العملية النقدي، بل يستعين بجملة من المناهج التي يقتضيها الطابع التركيبي المعقد للنص اللغوي والأدبي[16]، هو من أم المناهج التي اتبعها عتيق في التعامل مع الظواهر اللغوية والتحليل النقدي لنصوص الخطاب الأدبي، ويرجع اتباع عتيق للمنهج التكاملي إلى طبيعة المصادر الثقافية والمعرفية التي وسعت مداركه حول حيثيات الأشياء وطبائع وجودها وما يميز كل ظاهرة عن الأخرى في إدارة الكم المعرفي، على الرغم من المآخذ التي وجهت للمنهج التكاملي، ومزج عتيق بين مختلف التوجهات اللغوية والنقدية وأساليب المناهج والاستراتيجيات القرائية، وتعامل مع نصوص الخطاب من خلال الأطروحات التخصصية وتشعباتها، فهو لا يؤمن بالتقليد في الطرح المنهجي إنما هو يجدد الأساليب والإجراءات التطبيقية عند الحكم على النصوص والوقوف على قيمتها وإجراء المراجعات حولها.
إن مسوغ تعدد المناهج في فكر عمر عتيق يرجع إلى كثافة الفعل المعرفي والثقافي في مجال المنهجيات وأساليب التحيل والمعالجة، ويقود ذلك إلى إجراء مزيد من الدراسات والأبحاث والمؤلفات، وكأن عمر عتيق يسابق الزمن في إنتاجاته العلمية التي تنوعت مصادرها ومختلف توجهاتها، ويُلاحظ أن منهجيته منهجية واعية في التأليف، فهو يحكم أبحاث مؤلفاته ثم يصدرها في كتب رصينة يعتد بها في بابها لكل قاصد لها أو باحث في مجالها، ويثري ذلك الدرس اللغوي والنقدي ويسهم في تنميته والارتقاء به في ضوء معطيات العصر الحديث ومتغيراته في حقول العلم والمعرفة والثقافة، والتداخلات الحاصلة بين العلوم والفنون في الدراسات البينية في الثقافة العربية، فاللغة حقيقة اجتماعية تتأثر بواقع الفرد وبيئته[17].
إن سلسلة الإجراءات المنهجية المنتظمة في فكر عتيق، من العلامات الفارقة التي تميز بها عن غيره من اللغويين والنقاد، فهو يطرح ويعالج بشكل علمي، ويفرد للمسائل جوانب تخصصية تمتاز بالقراءة الواعية والطرح الجديد الذي يفيد اللغوي والنقدي ويوسع دوائر معارفه ومهاراته وكفاياته وأداءاته وبنيته العميقة والسطحية على مستوى المضمون المروح وعلى مستوى النص وأنساقه.
رابعاً: آفاق ممارسات التفكير اللغوي والنقدي في مؤلفات عمر عتيق.
تجلت آفاق ممارسات التفكير اللغوي والنقدي عند عتيق في القدرة التخصصية التي يلم بها في كتاباته وأطروحاته وآرائه التي تعبر عمّا يؤمن به ويطبقه من أفكار تستهدف حقول اللغة والأدب والنقد، ولم يكن تعامله مع النصوص انطباعاً يعبر عن الدهشة والصدمة مع متن اللغة وواقع نصوصها وجمالياتها، إنما حكم الحس العلمي في التعامل مع مختلف الظواهر اللغوية والنقدية في الأجناس الإبداعية؛ لأن عتيق هو رجل أكاديمي متخصص؛ فمن الطبيعي أن تبرز سمة العلمية في ممارساته اللغوية والنقدية، ويؤكد ذلك على عمق الفهم الواعي لطبيعة ما يتناوله، ويشير إلى تفاعلية الكفاية التخصصية وتجددها مع التشعبات المعرفية المعاصرة، وخوَّله ذلك تقديم أطروحات جديدة على صعيد الدرس اللغوي والنقدي، وأدى ذلك إلى تنوع المناهل المعرفية والمكونات الثقافية التي استند إليها عتيق، وقوة المصادر والمراجع التي اعتمد عليها وتفاعل معها؛ بغية الوصول إلى منتج علمي رصين وإضافة كل جديد إلى المعرفة اللغوية والنقدية.
وظهرت الجوانب المنطقية في التعامل مع تمثلات اللغة والنقد وما يتعلق بها من تطبيقات وممارسات، فاستطاع أن يبدع في الكتابة عن اللغة والنقد من منحى تطبيقي يحمل بنية تخصصية عميقة لها تشعباتها المعرفية مع غيرها من العلوم، وبرزت عنده بوضوح الدراسات البينية الواعية التي أجراها، وبالأخص في جانب الثقافة والإعلام، ويرجع ذلك إلى إدراك عتيق لمحورية هذه الجوانب وقدرتها التأثيرية في توجيه معطيات الدرس اللغوي والأدبي، فعالج موضوعات معرفية وثقافية وإعلامية تتشابك مع المكون اللغوي والنقدي في اجتهادات المحدثين بمجال اللغة والأدب والنقد، فأعاد عمر عتيق ترتيب كثير من القضايا والمسائل، وقدَّم قراءات ومراجعات فكرية واعية تخدم الدرس اللغوي والنقدي، فتطرق إلى الشكل والنسق اللغوي في الأطروحات والكتابات على مستوى التنظير والتطبيق، إذ يقول:” ولما كان المنهج الأسلوبي يقوم على دراسة مجموعة من الاختيارات اللغوية التي تفضي إلى إثارة المتلقي، ويكز على المثيرات الأسلوبية التي تعمل على الكشف عن البنية العميقة للخطاب، فقد عالجت ظاهرة الرسم العثماني على اعتبار أنها من المثيرات البصرية التي تنبه المتلقي على ظاهرة الانزياخ الكتابي التي تحفز على ربط الانزياح الكتابي بالدلالة، ولا غرابة أن يكون الرسم أو الخط من الظواهر التي يعتني بها علم الأسلوب، إذ يتجه الأسلوبيون في الوقت الحاضر إلى دراسة كافة أشكال الإبداع الفني سواء كان نصاً لغوياً أو لوحة فنية أو غير ذلك”[18]، وكذلك كشف عن القيم والمبادئ والمعايير والمشكِّلات التي تؤثر في بناء اللغة والنقد وتبرز قيمتها المعرفية والثقافية عبر الإنتاج والإبداع الواعي الذي يقدمه أرباب اللغة وممارسي النقد.
حلق عتيق في فضاء ثقافي متعدد التخصصات له، استطاع من خلاله إنتاج ثقافة لغوية ونقدية متخصصة تخدم في تعددها الدرس اللغوي؛ لأنها تنهل من محاور العلوم والفنون والمعارف والآداب؛ لتضيف جديداً إلى المحتوى التخصصي اللغوي والنقدي، وتوسع من معطياته التي يتشارك فيها مع غيره عبر آليات التكوين وكيفية الاستخدام وتجلياته في المعطى السياقي وإفرازاته مع الانفتاح المعرفي ووفرة المعلومات في العصر الحديث، الذي لم يعد فيه إنتاج المعرفة ذي قيمة باهرة تستقطب أصحاب القدرات، إنما تكمن القدرة والقوة العلمية في إدارة المحتوى المعرفي التخصصي وما يلحق به من تشعبات وتفرعات علمية تتقاطع مع المكون اللساني اللغوي والنقدي، ومثَّل ذلك دافعاً قوياً في ذات عمر عتيق المبدعة؛ لكي يوسع ممارساته اللغوية والنقدية التي عالج فيها موضوعات جذرية برؤى واقعية جديدة، تستند إلى أصول وأهداف واضحة المعالجة فيما قدَّمه، فلم يكن عتيق تقليدياً كلاسيكياً إلى أبعد الحدود؛ إنما هو مجدد لغوي ونقدي بتطبيقاته وأطروحاته وما أنتجه من معارف وما نشره من أبحاث؛ بما يؤكد على مكانته العلمية ومما لا يدع مجالاً للشك أن عتيق مجتهد ومتفاعل مع أبناء أمته وأرباب تخصصه، فشارك في كثير من الفعاليات والأنشطة العلمية الهادفة التي تحاور فيها مع ثقافات غيره، وتلاقت أفكاره النيرة مع أفكار الآخرين من المثقفين والمختصين؛ لتخلق واقعاً لغوياً ونقدياً جديداً، برز بحلة علمية توثق الوقائع الجديدة وتؤصل لها وتأطر دروسها ومعطياتها المعرفية وتراكماتها في الفعل الثقافي اللغوي والنقدي عند العرب.
إن آفاق الممارسات اللغوية والنقدية عند عتيق تحمل تجديدات عبر أطروحاته العلمية والمعرفية والثقافية التي اجتهد في إنتاجها، انطلق عمر عتيق من بواعث وتساؤلات تخصصية وغير تخصصية برزت بوضوح في مؤلفاته التي استهدفت المصطلحات وصولاً إلى التجليات والاستعمالات السياقية، فاشتمل ذلك على معالجة المحاور والأفكار التي تتكون منها القضايا والمسائل التي تتطلب مزيداً من الفهم والتحليل والتفسير وإطلاق الأحكام وإسداء التقويمات والمراجعات للمنتج اللغوي، فهذه التمازجات والتعاملات الوصفية والمعيارية في أتون الممارسات والتطبيقات تخدم الدرس اللغوي والنقدي بصورة أو بأخرى، فأعمل عتيق فكره المنطقي في إدارة المعرفة اللغوية والثقافية، ولم ينفِ الآخر في التعامل الحداثي مع المعرفة والثقافة العربية، فجمع بين الأصالة والمعاصرة فيما قدَّمه وأنجزه من أطروحات معرفية وعلمية تخاطب العقل العربي وتسهم في تنمية القيم النقدية الواعية التي يسعى عتيق إلى تثبيتها في تمحيص الأفكار وإثارة كوامن التأصيل التراثي في ضوء المتغيرات الحاصلة في الواقع اللغوي والنقدي وتنوع التوجهات والتأويلات واختلاف المناهج والأساليب والإجراءات القرائية لعوالم اللغة والنقد.
كل ذلك يبرهن على مركزية آراء عتيق واتّساع آفاقها في ضوء المعارف التراثية والتراكم الذي تشهده الثقافة العربية والإسلامية في العصر الحديث، وما يتعلق بذلك من تساؤلات تحتاج إلى استجابات جوهرية ترتقي بالدرس اللغوي والنقدي، وتبرز خصوصية ما يفكر به عتيق، ويؤكد على قيمة المنجز اللغوي والنقدي في الفكر الفلسطيني المعاصر؛ نظراً لوجود ساحة صراع وتحدي متعدد الجوانب تستهدف القوام اللغوي والنقدي والثقافي للإنسان العربي الفلسطيني؛ مما أنتج خطاباً تقدمياً له تجربته التي ينطلق منها ويعبر عنها برؤية مختلفة عمَّا هو مطروح وموجود في بيئات ثقافية متنوعة بين الشعوب والأمم.
النتائج والتوصيات
تناول البحث ممارسات التفكير اللغوي والنقدي في مؤلفات عمر عتيق، والذي اشتمل على كثير من المناقشات والتحليلات، وتوصل إلى مجموعة من النتائج والتوصيات، من أهمها:
أولاً: النتائج.
- تتميز طبيعة التفكير اللغوي والنقدي في مؤلفات عمر عتيق بالتعامل المنطقي الواعي، الذي يقدم رؤية وتنويرات تتميز بالعمق والانتظام والتجديد في الطرح والمعالجة.
- تعدُّ القراءة الواعية من المشكِّلات الرئيسة للفكر اللغوي والنقدي، والذي قدَّم من خلالها تأويلات جوهرية في التطبيق والأداء.
- تنوعت الأبعاد المعرفية والثقافية بمؤلفات عمر عتيق، وارتكزت على المضامين والمحاور التي تمثل الثقافة العربية والإسلامية والشعبية، وما يتصل بذلك من استدلالات وتصورات لها تمثلاتها في عقول الإنسان الفلسطيني ووجدانه.
- اشتملت ممارسات التفكير اللغوي والنقدي عند عتيق على تعالقات وتشابكات تخصصية وغير تخصصية، تؤكد على محورية المنتج المنهجي الحداثي وتنوعاته في فكر عمر عتيق.
- تنوعت اتّجاهات ممارسات التفكير اللغوي والنقدي بين المعطى التراثي والمنتج الحداثي، فاتّسمت مؤلفات عتيق وجهود بالتأصيل التراثي والتفعيل الحداثي الواعي الذي يضيف جديداً للدرس اللغوي والنقدي المعاصر.
- تعددت المعالجات المنهجية في ممارسات التفكير اللغوي والنقدي؛ لتنطلق من الجانب السياقي المتمثل في المنهج التاريخي والاجتماعي الذي برز في التحليلات النصية والنسقية التي استحضرها عمر عتيق في أقواله اللغوية وتوجيهاته النقدية.
- وظف عتيق المناهج النسقية بشكل واعٍ يكشف عن أعماق النصوص ومكوناتها، ويقدَّم حولها تحليلات عميقة تخدم الدرس اللغوي والنقدي، فاستعمل المنهج البنيوي والتفكيكي والسيميائي، ومناهج ما بعد الحداثة نحو نقد النقد ونظرية التلقي.
- ارتكز على المنهج التكاملي في فكره العام، الذي يُبنى على التنوع والتعدد؛ نظراً لكثرة المصادر والموارد المعرفية والثقافية التي استند عليها عتيق في مؤلفاته وكتاباته، وبالأخص في ضوء انتشار وسائل الذكاء الاصطناعي وتحولاتها وتأثيراتها العميقة على اللغة والأدب والنقد.
- تأثر عمر عتيق بشكل مباشر وغير مباشر بالدرس اللساني والنقدي عند الغربيين، ولكنه حوَّر ذلك لصالح الثقافة العربية بما يحافظ على خصوصية هويتها ومشكِّلاتها.
- اهتم عمر عتيق بمعالجة الإشكاليات المنهجية من منظور تخصصي شمولي يخدم الدرس اللغوي والنقدي، وبركز في مؤلفاته على إضافة الجديد للمعرفة الإنسانية.
- تعبر آفاق ممارسات التفكير اللغوي والنقدي في مؤلفات عمر عتيق عن منطلقات ذات بعد تنويري وتطويري يتصل بالكفاية التخصصية وتشعباتها، ويصور التمثلات الأدائية وترابطاتها التي تنطلق من عمق دائرة التطبيق والممارسة.
ثانياً: التوصيات.
- ضرورة الكشف عن معالم التساؤلات والحوارات التي أجراها عمر عتيق في ممارسات التفكير اللغوي والنقدي، والتي تفيد الدرس اللغوي والنقدي بأطروحاتها العميقة والمتقدمة.
- ينبغي التعمق في بيان تجربة عمر عتيق في التوجيهات اللغوية والنقدية وأطروحاتها في الجوانب المعرفية والثقافية وأداءاتها وما يتصل بها من مناقشات وتحليلات وتأويلات.
- يجب تسليط الضوء على التداخلات الحاصلة في الفكر اللغوي والنقدي عند عمر عتيق، والكشف عن قيمة مقولاته اللسانية وبواعثها وقواسمها المشتركة مع غيرها على مستوى النظرية والتطبيق.
- ضرورة تناول القضايا والمسائل الفكرية والثقافية وتوجيهاتها المتعلقة بالذات والتراث والهوية في مؤلفات عمر عتيق.
فهرس المصادر والمراجع
- الاتجاه السيمولوجي في نقد الشعر، غريب إسكندر، الهيئة العامة لشؤون المطابع المصرية، القاهرة 2002م.
- الأسلوب والأسلوبية، عبد السلام المسدي، الدار العربية للكتاب، تونس.
- البنيوية، جان بياجيه، منشورات عويدات، ط4، بيروت 1985م.
- دراسات أسلوبية في الشعر الأموي – شعر الأخطل نموذجاً، عمر عتيق، دار جرير، ط1، عمَّان 2011م.
- دراسات سيميائية في الفن التشكيلي، عمر عتيق، دار دجلة، ط1، الأردن 2017م.
- في القرآن الكريم- التركيب والرسم والإيقاع، عمر عتيق، عالم الكتب الحديث، ط1، إربد 2009م.
- في قضايا المصطلح (النقدي والبلاغي والعروضي والإعلامي)، عمر عتيق مكتبة زهراء الشرق، ط1، القاهرة 2015م.
- اللغة والأسلوب، عدنان بن ذريل، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق 1980م.
- المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك، علد العزيز حمودة، منشورات عالم المعرفة، الكويت.
- المرتكزات اللغوية لتنمية العربية في ضوء معطيات الفكر الحضاري المعاصر، حسين دراوشة، منشورات المؤتمر السنوي لمجمع اللغة العربية الأردني، ط1، عمَّان 2018م.
- معجم مصطلحات العروض والقافية- دراسة دلالية إيقاعية، عمر عتيق، دار أسامة للنشر والتوزيع، ط1، الأردن.
- مناهج النقد الأدبي(مفاهيمها وأسسها، تاريخها وروادها، وتطبيقاتها العربية)، يوسف وغليسي، دار جسور للنشر والتوزيع، ط1، الجزائر 2007م.
- النقد العربي الحديث ومدارس النقد الغربية، محمد العجمي، دار محمد علي الحامي، ط1، تونس 1998م.
- نوافد ثقافية، عمر عتيق، دار دجلة، ط1، الأردن 2019م.
[1] معجم مصطلحات العروض والقافية- دراسة دلالية إيقاعية، عمر عتيق، ص6-7.
[2] دراسات أسلوبية في الشعر الأموي – شعر الأخطل نموذجاً، عمر عتيق، دار جرير، ط1، عمَّان 2011م، ص7.
[3] نوافد ثقافية، عمر عتيق، ص2.
[4] في قضايا المصطلح النقدي والبلاغي والعروضي والإعلامي، عمر عتيق، ص7.
[5] في قضايا المصطلح النقدي والبلاغي والعروضي والإعلامي، ص37.
[6] البنيوية، جان بياجيه، منشورات عويدات، ط4، بيروت 1985م، ص9.
[7] نوافذ ثقافية، ص2.
[8] اللغة والأسلوب، عدنان بن ذريل، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق 1980م، ص140 والأسلوب والأسلوبية، عبد السلام المسدي، الدار العربية للكتاب، تونس ص54.
[9] دراسات أسلوبية في الشعر الأموي – شعر الأخطل نموذجاً، عمر عتيق، ص7.
[10] دراسات أسلوبية في الشعر الأموي – شعر الأخطل نموذجاً، عمر عتيق، ص7-8.
[11] المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك، علد العزيز حمودة، منشورات عالم المعرفة، الكويت ص254.
[12] نوافذ ثقافية، ص7-8.
[13] النقد العربي الحديث ومدارس النقد الغربية، محمد العجمي، دار محمد علي الحامي، ط1، تونس 1998م، ص376.
[14] الاتجاه السيمولوجي في نقد الشعر، غريب إسكندر، الهيئة العامة لشؤون المطابع المصرية، القاهرة 2002م، ص44.
[15] دراسات سيميائية في الفن التشكيلي، عمر عتيق، ص7-9.
[16] مناهج النقد الأدبي(مفاهيمها وأسسها، تاريخها وروادها، وتطبيقاتها العربية)، يوسف وغليسي، دار جسور للنشر والتوزيع، ط1، الجزائر 2007م، ص43.
[17] المرتكزات اللغوية لتنمية العربية في ضوء معطيات الفكر الحضاري المعاصر، حسين دراوشة، منشورات المؤتمر السنوي لمجمع اللغة العربية الأردني، ط1، عمَّان 2018م، ص535.
[18] في القرآن الكريم- التركيب والرسم والإيقاع، عمر عتيق، عالم الكتب الحديث، ط1، إربد 2009م، ص 6.