أقام قسم الدراسات الأدبية والفكرية بمركز جيل البحث العلمي أمسية يوم الجمعة 31 ديسمبر ندوة دولية افتراضية احتفاءً بعضو لجنة التحكيم بمجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية الباحث والناقد الجزائري الدكتور حمازة محمد الطاهر (جامعة عنابة)، حيث تمت فيها مناقشة كتابه الفائز بالجائزة الدولية لدار الأصالة للنشر والتوزيع: “تعدد المنهج في مقاربة القرآن: أركون مجددا منتقدا”، وذلك بمشاركة أسماء علمية عربية وهي: أ.د. عمر عتيق (جامعة القدس المفتوحة، فلسطين) ـ أ.م.د. وسام البكري (الجامعة المستنصرية، العراق) ـ د. طارق بوحالة (جامعة ميلة، الجزائر) ـ د. محمد كراكرية (جامعة عنابة ، الجزائر).
وبعد ترحيب رئيسة تحرير مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية د. غزلان هاشمي بالحضور، أحالت الكلمة إلى الدكتور محمد الطاهر حمازة من أجل تقديم ملخص حول كتابه، حيث بين أن كتابه تضمن مدخلا وفصلين.
أما الفصل الأول فاهتم بالمناهج الحداثية، بينما اهتم الثاني بمناهج ما بعد الحداثة، بكل ما تحمله من مفاهيم التشكيك والريبة والإبهام، ووضح أن العمل فائز بالجائزة الدولية لدار الأصالة للنشر والتوزيع، إذ ناقش فيه أهم إشكاليات المفكر الجزائري محمد أركون، وهو الرجل الذي يوهم قارئه بأن في سورة الكهف ما يشبه الأساطير، ثم يتركه وهذه الإشكالية دونما إجابة، فأركون حسب رأيه باحث تلفيقي، يقارب النصوص حتى باللسانيات رغم أنه لا يحسن ذلك، وخير دليل أنه في السبعينيات شارك في ملتقى عن السحر الخلاب أو ما يتعلق بالأساطير والقرآن، وقد تعرض للانتقاد كونه عاد إلى التاريخ، رغم أن اللسانيات البنيوية لا تقر بماهو خارج النص. هذه نماذج فقط حسب د.حمازة توضح خطورة الفكر الأركوني، ناهيك عن تطبيقه التفكيكية على نص مقدس رغم أن مؤسسها دريدا ذكر أنها ليست منهجا ولا نقدا ولا تخليلا ، إذ تساءل الباحث: كيف يطبق المجهول على المعلوم المقدس؟
بعده قدم أ.د. عمر عتيق من جامعة القدس المفتوحة/فلسطين مداخلة تحت عنوان” إشكالية النقل والعقل في منهج كتاب تعدد المنهج في مقاربة القرآن أركون مجددا منتقدا” حدد فيها منطلقاته الفكرية التي تشكل فضاء لمداخلته ، ومن أبرزها : لا يوجد نص مقدس إلا القرآن الكريم، والحديث النبوي إذا كان متطابقا نصا أو روحا مع القرآن الكريم . وأن كتب التفاسير كلها جهود فردية واجتهادات شخصية أنجزها أصحابها في سياق ثقافي اجتماعي سياسي قابل للتغير. والقرآن الكريم لا ينتهي تفسيره وتأويله عند رأي شخص أو مجموعة من المفسرين . أكد أن الأصول المعرفية تتغير وتتطور بفعل تغير الزمن والتجديد الثقافي والرؤى الفكرية ، لهذا يمكن أن نعتمد في أبحاثنا بعضا مما ورد في كتاب تفسير ، وننتقد بعضا آخر من الكتاب نفسه ، ولا يُعقل أن نحكم على منجز بشري بالصحة المطلقة أو الخطأ المطلق ، فالمنجز البشري قابل دائما للأخذ والرد ، وعليه فإن اعتماد محمد أركون على بعض النصوص من كتب التفاسير التراثية ورفضه لبعض النصوص لا يعد عيبا في منهجه. أشار إلى أن القاعدة التي انطلق منها أركون في علاقة المفسر عموما بالسلطة الحاكمة صحيحة إلى حد ما . ولا نزال نشهد في عصرنا الراهن غير مفسر يلوي عنق الآية الكريمة ليتماشى معناها مع السلطة الحاكمة في بعض الأماكن، ولا يخفى على أحد مواقف علماء السلاطين في تعزيز سلطة الحاكم الظالم.
كما وضح عتيق أن وصف الطبري أنه جماع شره ليس وصفا معيبا ؛ لأن كلمة (شره) في المعاجم تدل على اشتداد الطلب والحرص عليه، وجاء هذا المعنى في الشعر العربي. نفى عتيق أن يكون منهج أركون قائما على أن النص القرآني جعلتْ منه كتابتُه مصحفا رسميا مغلقا غير خاضع للنقاش؛ لأن أركون حدد ثلاثة بروتوكولات للقراءة وهي القراءة التاريخية الأنثروبولوجية والقراءة الألسنية السيميائية والقراءة اللاهوتية التفسيرية التي تأتي بعد القراءتين السابقتين. أكد أن ظهور تفسيرات جديدة يعني نقدا صريحا أو ضمنيا للتفاسير التراثية، ولا يعد عيبا في منهج أركون، لأن القرآن الكريم خطاب رباني لغوي يحتاج دائما إلى رؤى لسانية متجددة لمحاولة فهم المقصد الرباني. ونحن بحاجة إلى غربلة بعض كتب التفاسير لتخليصها من الاسرائيليات لفهم المقصد الرباني في القرآن الكريم ولسنا بحاجة إلى انتقاد منهج يكشف عن زيف بعض ما ذهب إليه نفر من المفسرين . يرى عتيق أن أركون لا يعني الدلالة الحرفية للأسطورة في القرآن الكريم . وإنما المشكلة في ترجمة المصطلح ـ وليس في المقصد . وإن كان أركون أو غيره يصف قصة الكهف أو غيرها بالقصص الأسطورية فهو يتفق مع المؤلف في رفض هذا الوصف واستنكاره. أشار إلى أن دعوة أركون إلى قراءة القصة القرآنية وفق منهج ” القراءة التاريخية الأفقية للخطاب القرآني” التي تقتضي قراءة القصة وفق امتداها الزمني في التوراة والانجيل الذي يصل إلى ثلاثة آلاف عام تقريبا وعدم اقتصار قراءتها على القراءة العمودية المحددة زمنيا من نزول الوحي من السماء إلى الأرض، تتفق مع المنهج الموضوعي بامتياز؛ لأنه يتيح للمتلقي فضاءات للمقاربة والموازنة والمقارنة بين مضمون القصة القرآنية والقصة ذاتها في التوراة والإنجيل.
لا يجد عتيق مسوغا منهجيا علميا للحديث عن الانتقادات الغربية للتحليل الأسطوري قبل آراء أركون ، والإسهاب في الحديث عن آراء شتراوس وخاصة ما يتعلق باللاشعور الجمعي، لإثبات علاقة طرح أركون بوجود أساطير في كتب التفاسير. رأى أن ربط تفسير الخطاب القرآني بمقولة أسباب النزول ليس مطلبا مقدسا؛ لأن القرآن الكريم خطاب رباني يتجاوز المكان والزمان ، وهذه الديمومة المكانية الزمانية للخطاب القرآني لا تُبقي لأسباب النزول تأثيرا في فهم المقصد الرباني . لم يجد في كتاب المؤلف اتهاما لأركون في تقويض معتقد ديني أو حكم شرعي في سياق حديث المؤلف عن اعتماد أركون للتفكيكية . وأعتقد أن التفكيك عند أركون لا يتبنى مقولات دريدا كلها ، فالفلسفة التفكيكية ليست جحيما بالمطلق وليست جنة بالمطلق . ولا يجد حرجا في توظيف بعض المقولات التفكيكية في فهم المقصد القرآني ، نحو مفهوم الأثر مع التنبيه أن معنى الأثر لا يجوز أن يُطبق على الآيات المحكمات التي تتعلق بالعقيدة والأحكام الشرعية.
ختم عتيق مداخلته بالتوصيات الآتية :
- فهم القرآن الكريم وتحوله إلى منظومة قيم عليا في سلوكنا وتفكيرنا، وإلى منهج حياة يحتاج إلى تجاوز التفسير الحرفي إلى التفسير الاجتهادي التوليدي القائم على السياق وعدم الاكتفاء بمعنى اللفظ المفرد وعدم الايمان المطلق بكل ما ورد في كتب التفاسير. 2- .
- منهج محمد أركون دعوة صريحة إلى التجديد في تفسير القرآن الكريم. وإذا كان منهج أركون قد وقع في هفوات في بعض المواضع فلم يكن يقصد المساس بالثوابت العقائدية وإنما كان يقصد التنبيه على الفهم الخاطئ للقرآن الكريم الذي يبدو جليا – للأسف – في بعض كتب التفاسير .
- الاطلاع على مشروع عبد الوهاب المسيري، لأنه يضيء جوانب كثيرة مما ورد في الكتاب المحتفى به ، ويطرح رؤية أخرى يمكن أن تكون مقابلة لرؤية الدكتور حمازة في رده على أركون.
ثم قدم أ.د. وسام مجيد جابر البكري مداخلة تحت عنوان”نظرات في استثمار الرؤى اللسانية في تحليل الخطاب القرآني عند محمد آركون”، بين فيها أن الدكتور محمد الطاهر حمازة يتحدث عن رؤيتين تتعلقان برائدين من رواد التحليل اللساني، الأول: بنفينيست، والثاني تشومسكي، إذ يعتمد أركون – بحسب قول د. حمازة – عليهما، ولكنه يعتمد الأول أكثر من الثاني . وقال:”إذا ما سرنا بمسار د. حمازة منهجياً، فإن د. حمازة يتناول شبكة الضمائر لدى آركون؛ ليبين مدى حضور بنفينيست ورؤيته لديه ـ أي أركون ـ واستثمار الأخير لها في تحليله. وبخاصة تحليل شبكة الضمائر في سورة العَلَق.
يرى د. حمازة أن آركون وصل إلى نتيجة تُعد من البَدَهيات ! فلا يحتاج الأمر إلى إعطاء قيمة كبيرة للضمائر، ولذلك شعر آركون بأن هذا النمط من التحليل لم يكن كافياً، مما اضْطُره إلى الاعتماد على جوانب أخرى في التحليل، كالاستعانة بالسيميائيات.وبتلك الوتيرة نفسها يتابع د. حمازة آركون في حضور تشومسكي في تحليله؛ كتطبيق الكفاءة والإنجاز والنحو الكلي على القرآن.
لذا يعتبر أن د. محمد الطاهر حمازة يحاول جادا الدفاع عن المقدس في ديننا الحنيف، بدءاً من الخالق جل جلاله، ومن ثم القرآن الكريم ونبينا الكريم (ص)، وفضلا عن ذلك دفاعه عن الفكر الإسلامي بعيداً عن المناهج المعرفية والتحليلية الغربية التي قد لا تناسب في نظره تطبيقها أو قسر تطبيقها على المقدس الإسلامي”.
أما د.طارق بوحالة فقدم مداخلة موسومة بـ “آليات التفكير النقدي في اللا مفكر فيه” بين فيها أن مداخلته تندرج ضمن مساءلة أهم الآليات النقدية التي وظفها الباحث الجزائري محمد الطاهر حمازة في مناقشته لأفكار المفكر محمد أركون المتعلقة بمقاربته للنص القرآني، ووضح أنه سينطلق من كتاب الدكتور محمد الطاهر الموسوم بتعدد المنهج في قراءة القرآن ـ أركون مجتهدا منتقدا ، حيث بحث في منهج هذا الكتاب، مركزا على الرؤية النقدية التي أطرت نقد النقد الذي اشتغل ضمنه الباحث،كما أكد على عودته إلى المدونة التي اعتمدها الكتاب وقاربها ونقدها في كثير من مواضعها.
وكان د.محمد كراكرية من جامعة عنابة آخر المحاضرين ، حيث قدم محاضرة بعنوان” بروتوكولات قراءة النص القرآني عند أركون “، بين فيها أن د.محمد الطاهر حمازة كان محقا إلى أبعد حدود ذلك لأن الناظر لما جاء به محمد أركون من تطبيقات على القرآن الكريم فيه ما يشينه لا سيما وأن الرجل لم يأت بمنهج صريح في كل ما كتبه، وهو ينتقد الطبري ويذهب إلى أن عقيدته زيدية مع العلم أننا رجعنا إلى جل كتب الرجال والأعلام ومنها ميزان الاعتدال فلم نجد من يقر ذلك بل إننا وجدنا بعض غلاة الحنابلة ينتقدون الطبري فقط، وبين هذا وذاك فإن أركون لم يرجع لكتب الشيعة فلو كان منصفا لرجع إلى كتب السنة والشيعة معا، ويبقى السؤال المحير: هل جاء أركون فعلا بمنهج جديد. كلا ولا لم يكن ذلك منه بل إنه أشاد بكل طروحات الغرب على علّاتها”.
فتحت د.غزلان النقاش أمام الباحثين وطلبة الدكتوراه ،ثم ختمت الجلسة شاكرة للمحاضرين مداخلاتهم وللحضور إسهاهم في تفعيل النقاش وللمحتفى به سعة صدره.