النظريّة الدّلاليّة في السياق المعرفيّ: مبادئ وقيود
Semantic theory in a cognitive context: principles and constraints
أحمد راسم خولي، مختبر اللسانيات العربية والإعداد اللغويّ، جامعة ابن طفيل- القنيطرة- المغرب
Ahmed Khouli Ibn Tofail University- Kenitra- Morocco.
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 73 الصفحة 47.
ملخص:
تحاولُ هذه الدِّراسةُ مناقشة مجموعة من المبادئ والقيود التي تهم النظريّة الدلالية في السياقِ المعرفيّ (الإدراكيّ)، وذلك انطلاقا من افتراض قاعديّ مفادُه أنّ موضوع النّظريّة الدلاليّة مفتوح علميّا بِما أنَّه يَسْتَلْزِمُ التَّعامُلَ مَعَ مُعْطَياتٍ غَيْرِ مُتَجانِسَةٍ: لِسانِيّة، وَإِدراكِيّة، وَمَعْرِفِيَّة، وَعَصَبِيَّة، وَمَنْطِقِيَّة، وَاسْتِدلاليّة، وَثَقافِيَّة، وَاجتماعِيَّة. وذلك ما تَفْرِضُه، بِبَساطَة، طَريقَةُ اشْتِغالِ الذِّهْنِ البَشَرِيّ، حَيْثُ على النظريّة التي تَتَغَيّا البَحْثَ في اشتغالِه، وَدِراسَة سيرورات إنتاجه المَعْنى، أَنْ تَكونَ نَظَرِيَّةً ذاتَ استراتيجيَّةٍ عِلميَّةٍ مَفْتوحَةٍ. وعليه؛ تسعى هذه الدّراسة إِلى تَنْظيمِ النظرية الدلاليّة في إِطارِ دِراسَةِ التَّصَوُّراتِ، وذلك من خلال الاعتناء بنظريّة الدلالة التصوّرية لراي جاكندوف، فَترصد، أولا، طائفة من المبادئ والقيود للدلالة التصوّرية، ثُمَّ تحدّد، ثانيا، مفهوم البنية التصوريّة، وعلاقته بالنظريّة الدلاليّة.
الكلمات المفتاحية: الدلالة التصورّيّة، البنية التصوّرية، القيد المعرفيّ، الوجاهات.
Abstract:
This study attempts to present a set of principles and constraints related to semantic theory in the cognitive context. This is based on a basic assumption that states that the subject of semantic theory is a scientifically open topic that deals with various data: linguistic, cognitive, perceptual, logical, social, and cultural. Based on the foregoing, this study seeks to organize the semantics within the framework of the study of concepts. By focusing on the conceptual semantics of Ray Jackendoff. The study first identifies a set of principles and constraints for conceptual semantics, then defines secondly the concept of conceptual structure and its relationship to semantic theory.
key words: conceptual semantics, conceptual structure, cognitive constraint, interfaces.
تمهيد:
كان للثَّوْرَةِ المَعْرفِيَّةِ (cognitive revolution) التي شَهِدَها العالَمُ في بِدايَةِ النِّصْفِ الثّاني مِنَ القَرْنِ العشْرينَ الأثَرُ الحاسِمُ في الانْهِيارِ التَّدْريجيِّ للإمبراطوريَّةِ السّلوكيَّةِ في عِلْمِ النَّفْسِ بَيْنَ عامَي (1960 – 1950)، تلك الإمبراطوريَّةُ التي شَيَّدَتْ تَفْسيراتِها للسُّلوكِ البَشَريِّ بِناءً عَلى المُلاحَظَةِ الخارجِيَّةِ عَبْرَ مِعْيارَيِ المُثيرِ والاسْتِجابَةِ، وَبِنَحْوٍ تَسْتَبْعِدُ فيه كُلَّ ما يَحْدَثُ داخِلَ الفَرْد، بِحُجَّةِ أَنَّه لا يُمْكِنُ مراقَبَتُه، أو بالأحْرى، لا يُمْكِنُ أَنْ يُصْبِحَ مَوْضوعًا للمُقارَبَةِ العِلْميَّةِ، وَمِنْ ثَمَّ؛ أَسَّست السُّلوكِيَّةُ للتَّصَوُّرِ الآليِّ للسُّلوكِ القائِمِ عَلى حَتْمِيَّةِ الاسْتِجابَةِ للمُؤَثِّرِ، كما لَوْ أنَّ رَدَّةَ فِعْلِ الإِنْسانِ لا تَجْري حَسْبَ فَهْمِه الدّاخِلِيِّ للمُؤَثِّرِ بِشَكْلٍ يَجْعَلُ الاسْتِجاباتِ تَخْتَلِفُ مِنْ شَخْصٍ لآخَرَ.
وَعَلَيْه؛ شَهِدَتِ الانْتِقاداتُ التي وَجَّهها عُلَماءُ النَّفْسِ المَعْرِفيّونَ للسّلوكيَّةِ عَلى أُفولِ الأَخيرَةِ لِيَحِلَّ مَحَلَّها عِلْمُ النِّفْسِ المَعْرفيِّ إمْبراطورِيَّةً جَديدَةً تَبْني تَفْسيراتِها للسُّلوكِ البَشريِّ بالاسْتِنادِ إلى فَهْمِ العمليّاتِ المَعْرفِيَّةِ الدّاخليَّةِ عَبْر جَعْلِها مَوْضوعًا للمُقارَبَةِ العِلْمِيَّة.
بَيْدَ أنَّ الحَديثَ، في المُقابِلِ، عَنْ مُقارَبَةٍ عِلْمِيَّةِ لِعالَمِ الذِّهْن لَيْسَ بالأَمْرِ المُتَناوَلِ، خاصَّةً وَأنَّ العَمَليّاتِ المُتَعَلِّقَةَ بذلك العالَمِ عَصِيَّةٌ – بالأَساسِ- عَلى المُلاحَظَةِ المُباشَرَة؛ الأَمْرُ الذي “جَعَلَ الثَّوْرَةَ المَعْرِفِيَّةَ تُرَكِّزُ عَلى فِكْرَتَيْنِ رئيسَتَيْنِ: الأولى أنَّ العلومَ النَّفْسِيَّةَ لا تَسْتَطيعُ دِراسَةَ عالَمِ الذِّهْنِ مُباشَرَةً، والثّانِيَة أنّه يَنْبَغي على العلومِ النَّفْسِيَّةِ دِراسَةُ عالَمِ الذِّهْنِ إِنْ هِيَ أَرادَتْ الذَّهابَ إِلى فَهْمِ السُّلوك”[1].
تَأْسيسًا عَلى ما تَقَدَّمَ؛ نجد من الضروريّ الحَديثَ عَنْ سِمَتَيْنِ تَهُمّان، بالأَساس، النَّظرِيَّةَ الدلاليّة في السِّياقِ المَعْرِفِيِّ، قبل تخصيص الحديث عن بعض تلكم النظريّة وقيودها: تَتَعَلَّقُ السِّمةُ الأولى بِتَصَوُّرِ مَوْضوعِ النَّظريَّةِ اللِّسانيَّةِ، فيما تَخَصُّ السِّمَةُ الثّانِيَة النَّسقَ الصّورِيّ، وَبِناءَ النّماذِجِ التَّفْسيريَّة.
لَيْسَتِ اللُّغاتُ الطّبيعيَّةُ – مَوْضوعُ النَّظريَّةِ اللِّسانيَّةِ- ظاهِرَةً بَسيطَةً، أو واضِحَةً، بَل إنَّها، عَلى العَكْسِ تمامًا، ظاهِرَةٌ جدّ مُعَقَّدَةٍ سَواءٌ أَتَصَوَّرْناها مَوْضوعًا اجْتماعيًّا (اللُّغَة الخارجيَّة) أَمْ نَفْسيًّا (اللُّغَة الدّاخليَّة)، عَلى نَحْوٍ بيئيٍّ أَوْ أَحْيائيّ. وَعَلى كُلِّ حالٍ، ما يَهُمُّنا في هذا السِّياقِ هُوَ أنَّ النَّظَرِيَّةَ اللِّسانِيَّةَ قَدْ تَصَوَّرَتْ مَوْضوعَها، في إِطارِ العُلومِ المَعْرِفِيَّةِ، بِأنَّه المَلَكَةُ اللُّغَوِيَّةُ بِما هِيَ مَلَكَةٌ أَحْيائِيَّةٌ، وَقُدْرَةٌ مَعْرِفِيَّةٌ مِنْ قُدُراتِ الذِّهْنِ/ الدِّماغ. وَمِنْ ثَمَّ؛ أَصْبَحَتِ اللِّسانيّاتُ عِلْمًا مَعْرِفِيًّا يَسْعى إِلى تَحْقيقِ فَهْمٍ أَفْضَلَ للسُّلوكِ البَشَرِيِّ؛ ممّا يَعْني أنَّ النَّظرِيَّةَ اللِّسانيَّةَ مُطالَبَةٌ بِتَحْقيقِ الكِفايَةِ المَعْرِفِيَّةِ (cognitive adequacy)، “وَهِيَ كِفايَةٌ مِنْ مُقْتَضَياتِها الذَّهابُ إِلى أَبْعَدَ مِنَ التَّخْصيصِ الوَصْفِيِّ للبِنْياتِ الدِّلالِيَّةِ والخِطابِيَّة وَتَأْويلِها، بِوَضْعِها في إطارٍ أَعَمّ يُحَدِّدُ الأُسُسَ المَعْرِفِيَّةَ للتَّصَوُّراتِ التي تُشَكِّلُ هذه البنيات، وَيَقومُ عَلَيْها هذا التَّأويل، وَمِنْ ثَمّ المُساهَمَة في الإجابَةِ عَنْ سُؤالِ الكِفايَةِ التَّفْسيريَّةِ (explanatory adequacy) في النَّظَرِيَّةِ اللِّسانِيَّة: لِماذا التَّصَوُّراتُ المَذْكورَةُ تَحْديدًا، وَلَيْسَ تَصَوُّراتٍ أُخْرى”[2].
هكذا؛ كانَ عَلى اللِّسانِيّاتِ أن تَفْتَرِضَ أَنَّ عَلاقَتَها تَكامُلِيَّةٌ مَعَ باقي العُلومِ المَعْرِفِيَّةِ كالذَّكاءِ الاصْطِناعِيِّ، وَعِلْمِ النَّفْسِ المَعْرِفِيِّ، وَعِلْمِ الأَعْصابِ المَعْرِفِيِّ، وَفَلْسَفَةِ الذِّهْنِ، مِنْ جِهَة، وَأَنْ تَسْتَتْبِعَ، مَنْهجيًّا، كُلَّ ما هو ضَرورِيٌّ بالنِّسْبَةِ للنَّظَرِيَّةِ المَعْرِفِيَّةِ، مِنْ جِهَةٍ أُخْرى. وَذلك ما يَقودُنا لِلْحَديثِ عَن السّمة الثّانيةِ للنَّظَرِيَّةِ اللِّسانِيَّةِ.
أَنْ تُصْبِحَ المَلَكَةُ اللُّغَوِيَّةُ مَوْضوعَ النَّظَرِيَّةِ اللِّسانِيَّةِ يَعْني أنَّ اللِّسانيّاتِ عِلْمٌ يَدْرُسُ اللُّغَةَ التي هِيَ، في مُعْظَمِها، عَمَلِيّاتٌ ذِهْنيَّةٌ/ عَصَبِيَّةٌ تَجْري داخِلَ بيئَةِ الذِّهْنِ/ الدِّماغ، وَمِنْ ثَمَّ لا يُمْكِنُ أَنْ تَخْضَعَ تِلْك العَمَلِيّاتُ للْمُراقَبَةِ المُباشَرَةِ؛ ممّا يُوَلِّدُ، بالنِّسْبَةِ للنَّظَرِيَّةِ اللِّسانِيَّةِ، إِشْكالًا مُتَّصِلًا بِكَيْفِيَّةِ تَفْسيرِ تِلْك العَمَلِيّاتِ الذِّهْنِيَّةِ داخِلَ المَلَكَةِ اللُّغَوِيَّةِ – وَالمُتَفاعِلَةِ أَساسًا مَعَ باقي المَلَكاتِ المَعْرِفِيَّةِ- وَتَمْثيلِها، كَعَمَلِيَّةِ بِناءِ التَّصَوُّراتِ، والمَقْوَلَة، والتَّأْويلِ في سِياقاتِ التَّفاعُلِ اللُّغَوِيّ المُتَمَثِّلَةِ مَعْرِفِيًّا، إلخ. هكذا؛ تَظْهَرُ الحاجَةُ إِلى النَّسَقِ الصّورِيِّ لِبِناءِ النَّماذِجِ بِما هِيَ قُدْرَةٌ تَفْسيرِيَّةٌ يُعْطي تَشْغيلُها نَتائِجَ مُشابِهَةً لِتِلْكَ المُعْطَياتِ اللُّغَوِيَّةِ المُشاهَدَةِ. وَبِنَحْوٍ أَوْسَعَ، “لا توجَدُ عُلومٌ مَعْرِفِيَّةٌ دونَ نَماذِجَ، إِنَّها وَسيلَةٌ ضَرورِيَّةٌ للتَّمَكُّنِ مِن اخْتِبارِ الفَرَضِيّاتِ المُتَعَلِّقَةِ بِنَشاطاتٍ عَصِيَّةِ أَصْلًا عَلى المُلاحَظَةِ المُباشَرةِ”[3]. وَعَلَيْه؛ يَكونُ كُلُّ نَموذَجٍ مَحْكومًا بِمَبْدَأِ التَّفْسير، تَفْسيرِ السُّلوكِ البَشَرِيِّ مِنْ جِهَةِ الظّاهِرَةِ التي يُقارِبُها.
وَبِالجُمْلَةِ، يَهْدِفُ النَّسَقُ الصّوريُّ إِلى أَنْ يُعَزِّزَ التَّحْليلَ اللِّسانِيَّ المُتَّبَعَ بِطائِفَةٍ مِنَ القَواعِدِ المُقْتَرَحَةِ والحدودِ المَضْبوطَةِ لِيُصْبِحَ واضِحًا وُضوحًا تامًّا، وَمُتَحَكَّمًا بِمَفاهيمِه، واسْتِدْلالاتِه، وَبِنَحْوٍ يَجْعَلُه، أي التَّحْليل اللِّسانِيّ، تَجْريدِيًّا يُفَسِّرُ العَناصِرَ اللِّسانِيَّةَ بِمَعْزِلٍ عَنْ المُسْتَعْمِلِ، أو المادَّةِ المَدْروسَةِ*.
تَأْسيسًا عَلى ما تَقَدَّمَ؛ نَفْهَمُ أنَّ ما جَعَلَه جاكندوف في تَصْديرِ كِتابِه “الدِّلالَة والمَعْرِفَة”(Semantics and Cognition) 1983 اسْتِتْباعاتٍ ضَروريَّةً تُخَلِّفها نَظَريَّةُ الدِّلالَةِ التَّصَوُّريَّة إنَّما هو تَرْجَمَةٌ، بِطَريقَةٍ مِنَ الطُّرُقِ، لِتَيْنِكَ السِّمَتَيْنِ: تَصَوُّرُ اللُّغَةِ وَمُسْتَعْمِليها مَوْضوعًا مَعْرِفِيًّا، والاسْتِعانَةُ بالنَّسَقِ الصّوريِّ للتَّعْبيرِ عَنْ علاقاتِ المَعْنى. فَنَبَّه “أَوَّلًا، إِلى أنَّ مَفْهومَ الفَرْد الذي غالِبًا ما عُدَّ أَوَّليَّةً منْطقيَّةً (logical primitive) هو مُرَكَّبٌ مُعَقَّدٌ مَعْرفيًّا (cognitively complex)، بالإِضافَةِ إِلى أَنَّ صِنْفَ الأَفْرادِ الذي يَجِبُ أَنْ تَتَضَمَّنَه النَّظَريِّتانِ الدّلالَيَّة والمَعْرفيَّة، لا يَحْتوي عَلى أَشْياء فَقَط، بَلْ عَلى كَياناتٍ (entities) مثل الأَماكِنِ، والمَسارات، والأَحْداثِ، والأَعْمالِ، والكَمِّيّات. وَثانِيًا، أنَّه يَجِبُ – كَيْ نُعَبِّرَ بِطَريقَةٍ مُلائِمَةٍ عَنِ العَلاقاتِ بَيْنَ تِلْك الكَياناتِ- إِقامَةُ تَرْكيبٍ صُوريٍّ لِلْمَفاهيم (formal syntax of concepts) يَكونُ مِنْ بَعْضِ جوانِبِه أَكْثَرَ ثَراءً، وَمِنْ بَعْضِ جَوانِبِه الأُخْرى أَكْثَرَ إِلْزامًا مِنَ المَنْطِقِ الكلاسيكيّ”[4].
هكذا؛ تَنْشَغِلُ النَّظَرِيَّةُ الدِّلالِيَّةُ في السِّياقِ المَعْرِفِيِّ في قَضَيَّةِ المَعْنى بِوَصْفِها قَضِيَّةً نَفْسِيَّةً بالأَساس، فالمَعْنى لا يوجَدُ في الواقِع، أو في عَلاقَةِ اللُّغَةِ بالواقِع، إِنَّه تَمْثيلٌ ذِهْنيٌّ، أَوْ واقِعَةٌ نَفْسِيَّةٌ (psychological reality) يُمْكِنُ التَّحَقُّقُ مِنْها عَنْ طَريقِ النَّظَرِيَّة. وَتَصَوُّرُ المَعْنى مَوْضوعًا نَفْسِيًّا فكرةٌ سَبَقَ وَأنْ عَبَّرَ عَنْها فِتغنشتاين في إِطارِ الفَلْسَفَةِ، قَبْلَ أَنْ تُصْبِحَ مَعَ المُنْعَطَفِ المَعْرِفِيِّ مَوْضوعًا للْمُقارَبَةِ العِلْمِيَّةِ. يَقولُ: “إِذا أَرَدْتَ أَنْ تَفْهَمَ القَضِيَّةَ، يَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَصَوَّرَ الدّلالَةَ النَّفْسِيَّةَ، الحالاتِ النَّفْسيَّةَ التي تَتَضَمَّنُها”[5].
نَجِدُ أَنْفُسَنا الآن مَدْفوعينَ أَمامَ مُناقَشَةِ السُّؤالِ التّالي: ما نَظَرِيَّةُ الدِّلالَةِ التي تَلْزَمُنا في مُقارَبَةِ المَعْنى؟
حسنًا، لَو افْتَرَضْنا المَعْنى مَوْضوعًا نَفْسيًّا، أَلا يَقْتَضي ذلك أَنْ نُفَكِّرَ بِإِشْكالَيْنِ مَعًا: أَحَدُهما لُغَويّ، والآخرُ نَفْسيّ؟. فَما دامَتِ اللُّغَةُ تُمَكِّنُنا مِنَ الحَديثِ عَمّا نَفْعَلُه وَنُدْرِكُه، فَذلِكَ يَعْني أَنَّ المَعْلوماتِ التي نَلْتَقِطُها عَنْ طَريقِ اللُّغَةِ تَتَفاعَلُ، في الذِّهْنِ، وَالمَعْلوماتِ التي تُقَدِّمُها باقي الأَنْساقِ الإِدْراكِيَّةِ والمعرفيّة، مِمّا يَقْتَضي، مَنْهَجِيًّا، أَنْ لا نَفْصِلَ دِراسَةَ المَعْنى اللُّغَوِيِّ عَنِ المَعْرِفَةِ البَشَرِيَّةِ عامَّةً.
داخِلَ المَنْظورِ السّابِقِ في مُقارَبَةِ المَعْنى، يُمْكِنُ أَنْ نُدْرِجَ الدِّلالَةَ التَّصَوُّرِيَّة لجاكندوف، فَهِيَ نظريَّةٌ تَشْتَغِلُ بِإشْكالَيْنِ مُتَلازِمَيْنِ يُعَبِّرانِ عَنْ مَنْظورَيْنِ مُتَكامِلَيْنِ: مَنْظورُ اللِّسانيّاتِ وَفَلْسَفَةِ اللُّغَة، والذي يَطْرَحُ الإشْكالَ التالي: “ما طَبيعَةُ المَعْنى في لُغَةِ البَشَرِ حَيْثُ نَسْتَطيعُ أنْ نَتَحَدَّثَ عمّا نُدْرِكُه بِحواسِّنا، وَعَمّا نَفْعَلُه؟”[6]. وَمَنْظورُ عِلْمِ النّفْس، والذي يَطْرَحُ الإشْكالَ التالي: “ماذا تَكْشِفُ البِنْيَةُ النَّحْوِيَّةُ للُّغَةِ الطَّبيعِيَّةِ مِنْ طَبيعَةِ الإِدْراكِ والمَعْرِفَة؟”[7]. وَمِنْ ثَمَّ؛ نَسْتَطيعُ أَنْ نَفْهَمُ قَوْلَ جاكندوف: “أَنْ نَدْرُسَ دَلالَة اللُّغَةِ الطَّبيعِيَّةِ يَعْني أَنْ نَدْرُسَ عِلْمَ النَّفْسِ المَعْرِفِيِّ to study semantics of natural language is to study cognitive psychology”[8].
نَخْلُصُ ممّا تَقَدَّمَ إِلى أنَّ الدِّلالَةَ التَّصوُّريَّةَ، بالنِّسْبَةِ لجاكندوف، فَرْعٌ مِنْ عِلْمِ النَّفْسِ المَعْرِفِيِّ، وبتوصيف أدقّ، فهي “نَظَرِيَّةً للْمَعْرِفَةِ في صيغَتِها البِنيويَّةِ (theory of cognition in the structure mode)”[9].
وَعَلَيْه؛ فَإنَّ النَّظريَّةَ الدِّلالِيَّةَ التي تَلْزَمُنا في مُقارَبَةِ المَعْنى هي نَظَرِيَّةٌ في القُدْرَةِ تَسْمَحُ بِاسْتِقْراءِ ظَواهِرِ الإنْجازِ اللُّغَوِيّ، وَبِتَوْصيفٍ أَدَقّ، فَإنّ “المعنى يُشَكِّلُ، في الحَقيقَةِ، هَدَفًا لِكُلِّ مَنْ يَهْتَمُّ بالكُلِّيّاتِ المُجَرَّدَةِ. وَهذا شَبيهٌ بِمَنْ يُريدُ تَفْسيرَ تَجَلِّياتِ ظاهِرَةِ الكَهْرَباء، فَتَجَلِّياتُ المَعْنى لا يُمْكِنُ أنْ تُفَسَّرَ وَتُفْهَمَ إِلّا مِنْ خِلالِ نَظَرِيَّةٍ مَضْبوطَةٍ حَوْلَ المَعْنى تُتَوِّجُ الاسْتِقْراءَ الجدّي للظَّواهِرِ”[10].
إنَّ تَعْريفَ الدِّلالَةِ التَّصَوُّرِيَّةِ، بِأَلْفاظِ جاكندوف، بِأنَّها “نَظَرِيَّةٌ قَوِيَّةٌ لِبِنْيَةِ المَعْلوماتِ”[11]، هو في الواقِع، إِنْجازٌ يُحْسَبُ لَه، إنّه يُعيدُ للنَّظَرِيَّةِ اللِّسانِيَّةِ مَكانتَها بَيْنَ كلِّ العُلومِ المَعْرِفيَّةِ، فبِالنِّسْبَةِ لَه، “فَإنَّه مِنْ بَيْنِ العُلومِ المَعْرِفيَّةِ جَميعًا، قامَتِ اللِّسانيّاتُ وَحْدَها بالتَّدْقيقِ المَنْتَظَمِ، وَبِشَكْلٍ صَريح، في مُحْتَوى البِنياتِ الذِّهْنيَّةِ التي تَقومُ عَلَيْها القُدُراتُ البَشَرِيَّةُ (human capacity)”[12].
وَعَلَيْه؛ تَكْتَسِبُ اللِّسانيّاتُ، بِأَدَواتِها المَنْهَجِيَّةِ، وَضْعًا فَريدًا مِنْ بَيْنِ كُلِّ العُلومِ المَعْرِفِيَّةِ، يُبَوِّئُها دَوْرَ الاشْتِغالِ بِدِراسَةِ ما تَنْهَضُ عَلَيْه المَعْرِفَةُ البَشَرِيَّةُ، حَتّى وَإنْ أَحْجَمَ اللِّسانِيّونَ عَنْ ذلك. يَقول (2002): “إِذا أَحْجَمَ اللِّسانِيّونَ عَنْ دِراسَةِ المَعارِفِ والمُعْتَقَداتِ ذاتِ المَوْضوعاتِ العامَّة، مَنْ يُفْتَرَضُ فيه أَنْ يَدْرُسَها؟ لا عِلْمَ مِنَ العُلومِ المَعْرِفيَّةِ الأُخْرى يَمْلِكُ أَدواتٍ أَفْضَلَ للْقِيامِ بالعَمَلِ بِتَفاصيلِه التَّأْليفِيَّةِ الكامِلَةِ”[13].
- الدلالة التصوّريّة: مبادئ وقيود:
بَعْدَ أنِ اسْتَعْرَضْنا – في هذا التمهيد- المَلامِحَ المَرْكَزِيَّةَ للنَّظَرِيَّةِ اللِّسانِيَّةِ في السِّياقِ المَعْرِفيِّ، بِشَكْلٍ عامّ، والنَّظَرِيَّةِ الدِّلالِيَّةِ، بِشَكْلٍ خاصّ، وَنَظَرِيَّةِ الدِّلالَةِ التَّصَوُّرِيَّةِ، بِشَكْلٍ أَخَصّ، نَنْتَقِلَ إِلى تَحْديدِ المَبادِئِ العامّةِ للأَخيرَةِ، البند (1.1.1)، والقُيودِ المَفْروضَةِ عَلَيْها، البند (1.1.2).
- مبادِئُ لِنَظَرِيَّةِ الدِّلالَةِ في السِّياقِ المَعْرِفيِّ:
لَيْسَتْ نَظَرِيَّةُ الدّلالَةِ النَّفْسيَّةِ بِالمُقارَبَةِ ذاتِ الصّيغَةِ الواحِدَةِ، بَلْ إِنَّها إِطارٌ عِلْميٌّ يَضُمُّ مَجْموعَةً مِنَ النَّظَرِيّاتِ التي تَخْتَلِفُ في نَماذِجِها، لكنَّها تَتَّفِقُ، عُمومًا، عَلى مَجْموعَةٍ مِنَ المَبادِئِ الأساسيَّةِ، نُجْمِلُها في هذا البَنْدِ مُرَكِّزينَ عَلى نَظَرِيَّةِ الدِّلالَةِ التَّصَوُّرِيَّةِ. حَتّى إِذا فَرَغْنا من ذلك؛ نَطْرَحُ مَجموعَةً مِنَ القُيودِ (constraints) التي تَضَعُها الأَدَبِيّاتُ اللِّسانِيَّةُ، بِنَحْوٍ عامّ، والدِّلالَةُ التَّصَوُّرِيَّةُ، بِنَحْوٍ خاصّ، عَلى النًّظَرِيَّةِ الدّلالَيَّةِ. وذلك لِإِقامَةِ الاسْتِدْلالِ العِلْمِيِّ عَلى وُجودِ مُسْتوى عامّ للتَّمْثيلِ الذِّهْنيِّ، هو مُسْتَوى البِنْيَة التَّصَوُّرِيَّة، حَيْثُ تَلْتَقي فيه المَعْلوماتُ التي تَلْتَقِطُها اللُّغَةُ، والمَعْلوماتُ التي تُقَدِّمُها باقي الأَنْساقِ الإِدْراكيَّةِ (perceptual systems) بِنَحْوٍ يُفَسِّرُ كَيْفَ يَعْكِسُ الشَّكْلُ التَّركيبيُّ للُّغَةِ الطَّبيعِيَّةِ طَبيعَةَ الفِكْرِ البَشَرِيِّ، أَوْ إنْ شِئْتَ قُلْتَ: يَجْعَلُ “اللُّغَةَ نافِذَةً عَلى الفِكْر”[14].
شَيَّدَ النَّحْوُ التَّوْليدِيُّ المُنْعَطَفَ النَّفْسِيَّ/ الدّاخِليَّ في النَّظَرِيَّةِ اللِّسانِيَّةِ، وذلك بَدْءًا مِنْ إِعلانِ شومسكي في كِتابِه مَظاهِر مِنْ نَظَرِيَّةِ التَّرْكيب (Aspects of the Theory of Syntax) (1965) بِأنَّ النَّظَرِيَّةَ اللِّسانِيَّةَ هِيَ نَظَرِيَّةٌ ذِهْنِيَّةٌ تَرْتَبِطُ بِدِراسَةِ القُدْرَةِ اللُّغَوِيَّةِ، بِما هِيَ إِحْدى القُدُراتِ الذِّهْنِيَّةِ التي تَقْبَعُ خَلْفَ السُّلوكِ البَشَرِيِّ. لِيَتوالى، مِنْ بَعْدُ، ظُهورُ نَظَرِيّاتِ الدّلالَةِ النَّفْسِيَّةِ في سِياقِ ما أَعْلَنَه المَشْروعُ التَّوْليدِيُّ نَفْسُه، فاسْتَقَتْ مِنْه مَجْموعَةً مِنْ مَبادِئِه المَرْكَزِيَّةِ التي نَهَضَ عَلَيْها كالمَوْقِفِ الذهنيّ (Mentalism)، والتَّأْليفيَّةِ (Combinatoriality)، وَاخْتَلَفَتْ مَعَه في مَبادِئَ أُخْرى كَمَرْكَزِيَّةِ التَّرْكيب (Syntactocentrism)[15].
وَعَلَيْه؛ فَإِنَّه مِنَ الخَطَأِ أَنْ نَفْتَرِضَ أَنَّ هُناك قَطيعَةً ابستمولوجيَّةً كُليَّةً بَيْنَ نَظَرِيّاتِ الدّلالَةِ النَّفْسِيَّةِ وَالنَّحْوِ التَّوْليدِيِّ، بَلْ مِنَ الأَحْرى أَنْ نَفْتَرِضَ أَنّ هناك نَماذِجَ تَفْسيرِيَّةً عِدّةً تُؤَلِّفُ بَيْنَها – بالرَّغْمِ مِن اخْتِلافِها- طائِفَةٌ مِنَ المَبادِئِ الأَساسِيَّةِ.
يَفْتَرِضُ المَوْقِفُ الذِّهْنيُّ، في إِطارِ الدِّلالَةِ النَّفْسِيَّةِ، أَنَّ المَعْنى مَوْضوعٌ نَفْسيٌّ، وَأنَّ هدفَ نَظَرِيَّةِ الدّلالَة هو أَنْ تُوَضِّحَ الكَيْفِيَّةَ التي يُنَظِّمُ بِها الذِّهْنُ البَشَرِيُّ التَّجْرِبَةَ، أي تِبْيانُ الطَّريقَةِ التي يُمَثِّلُ بِها الذِّهْنُ اللُّغَةَ، والعالَمَ الخارِجيَّ، ثُمَّ صُوَر رَبْطِه بَيْنَهما. وَمِنْ ثَمَّ؛ جُعِلَتْ دِراسَة المَعْنى- كما سَبَقَ وَأَنْ أَكَّدَ جاكندوف- فَرْعًا مِنَ النَّظَرِيَّةِ النَّفْسِيَّةِ، وَعِلْمِ النَّفْسِ المَعْرِفيِّ.
وَمِمّا لا شَكَّ فيه أنَّ المَوْقِفَ الذِّهْنيَّ أَسْهَمَ في إِغْناءِ البَحْثِ في نَظَريَّةِ الدِّلالَةِ بِنَحْوٍ مَكَّنَها مِنَ الاشْتِغالِ في اتِّجاهَيْنِ مُتَلازِمَيْنِ[16]:
- مِنَ الذِّهْنِ إِلى اللُّغَة: أي البَحْثَ في طَبيعَةِ التَّمْثيلِ الذِّهنيِّ البَشَرِيِّ. وهذا التَّمْثيلُ، إِذا نَظَرْنا إِلَيْه في اسْتِقْلالٍ عن اعْتِباراتِ المَعْنى، كَفيلٌ بِأَنْ يُقَيِّدَ النَّظَرِيَّةَ الدّلاليَّةَ أو يُغْنيها.
- مِنَ اللُّغَةِ إِلى الذِّهْن: أي البَحْث في النّتائِجِ التي يَتِمُّ التَّوَصُّلُ إِلَيْها في إِطارِ النَّظَرِيَّةِ الدّلالَيَّةِ، وَمُحاوَلَة رَبْطِ ذلك بِمَسائِلَ تَخُصُّ الإِدْراكَ البَشَرِيَّ، والْتِقاطَ التَّجْرِبَةِ عنْدَ الإِنْسانِ بِصِفَةٍ عامّة.
وَيُمْكِنُ أَنْ نُجْمِلَ المَوْقِفَ الذِّهْنِيَّ بالنِّسْبَةِ لِنَظَرِيَّةِ الدِّلالَةِ التَّصَوُّرِيَّةِ على النَّحْوِ التّالي: “إنَّ المَعْنى في اللُّغَةِ الطَّبيعِيَّةِ بِنْيَةُ مَعلوماتٍ مُرَمَّزَةٍ في الذِّهْنِ البَشَرِيِّ، أَوْ هو تَمْثيلٌ ذِهْنيٌّ، وَمِنْ ثَمَّ فَإنَّ المَعْلوماتِ التي تَحْمِلُها اللُّغَةُ مَصوغَةٌ بالطَّريقَةِ التي يُنَظِّمُ بِها الذِّهْنُ التَجْرِبَةَ، ولا يُمْكِنُ لِهذه المَعْلوماتِ المُتَجَلِّيَةِ في تَعابيرِ البِنْيَةِ التَّصَوُّرِيَّةِ أنْ تُحيلَ على العالَمِ الواقِعيِّ، كما في نَظَرِيّاتٍ أخرى، وَإنَّما عَلى عالَمٍ مُسْقَطٍ ناتِجٍ عن هذه البِنْيَةِ، وَوَليدِ التَّنْظيمِ الذِّهْنيِّ المَذْكور”[17].
وَعَلى كُلِّ حال؛ فَإنَّ القَوْلَ بِتَنْظيمِ الذِّهْنِ البَشَرِيِّ للتَّجْرِبةِ المَعيشَةِ يَعْني أنَّ هناكَ الكَثيرَ مِنَ العَمَلِيّاتِ الذِّهْنيَّةِ التي تُعْزى إِلى عَوامِلَ وِراثِيَّةٍ، وَإِدْراكِيَّةٍ، وَمَعْرِفِيَّةٍ، وَثَقَافِيَّةٍ تَجْعَلُ لَنا طَريقَةً نُجَزِّئُ بِها العالَمَ، وَنُنَظِّمُ تَجْرِبَتَنا داخِلَه، بِحَيْثُ لا نَسْتَطيعُ الحَديثَ عَنِ الأَشْياءِ إِلّا إذا كانَ لَها تَمْثيلٌ ذِهْنيٌّ خِلالَ عَمليّاتِ التَّنْظيمِ تلك. وَمِنْ ثَمَّ؛ تَطْرَحُ الدِّلالَةُ التَّصَوُّرِيَّةُ مُشْكِلاتِ الإِحالَةِ، والواقِعِ، والحَقيقَةِ، والصِّدْقِ، وَكَيْفِيّةِ التَّواصُل في سِياقٍ نَظَرِيّ جديد يَخْتَلِفُ، كُلِّيًّا، عَنْ نَظَرِيّاتِ الدِّلالَةِ التَّقْليديَّةِ.
ظَهَرَ مَبْدَأُ التّأْليفيَّةِ مَعَ إِطارِ العَمَلِ الذِّهْنيِّ في النَّحْوِ التَّوْليديِّ (1965)، والذي يَنُصُّ عَلى أنَّ مُسْتَعْمِلي اللُّغَةِ يَسْتَبْطِنونَ طائِفَةً مِنَ المَبادِئِ أو القَواعِدِ المَحْدودَةِ اللّاواعِيَةِ، والتي تُمَكِّنُهم مِنْ إِنْتاجِ عَدَدٍ لا مَحْدودٍ مِنَ الجُمَلِ وَفَهْمِها[18].
هكذا؛ يُوَضِّحُ دّمْجُ مَبْدَأِ التَّأليفِيَّةِ في إطارِ المَوْقِفِ الذِّهْنِيِّ مَظْهَرَ الإبْداعِ المُتَعَلِّقِ بالمَعْرِفَةِ اللُّغَوِيَّةِ، والتي يَتَطَلَّبُ رَصْدُها، بِطابِعِها الإِبْداعِيِّ، مُكَوِّنَيْنِ اثْنَيْنِ: “الأوَّل لائِحَة مَحْدودَة مِنَ العَناصِرِ البِنْيَوِيَّةِ الصّالِحَةِ للتَّأليف، وهي المُسَمّاةُ عادَةً “مُعْجَمًا”، والثّاني مَجْموعَة مَحْدودَة مِنَ المَبادِئِ والقواعِدِ للتَّأليفِ بَيْنَ العَناصِرِ المَذْكورَةِ، أو ما يُسَمّى “نَحْوًا”[19].
سَتَحْتَفِظُ نَظَرِيّاتُ الدّلالَةِ النَّفْسِيَّةِ بِمبادِئِ النَّحْوِ التَّوْليديِّ السّابِقَةِ، وَفي الوَقْتِ نَفْسِه، فَإنَّها سَتَتَخَلّى عَنِ افْتِراضات أُخْرى كَالقَواعِدِ الاشْتِقاقِيَّةِ ومَرْكَزِيَّةِ التَّرْكيب لِتُحاجَّ بِوُجودِ نَسَقٍ دِلالِيٍّ مُسْتَقِلٍّ بِخَصائِصِه التَّأْليفِيَّةِ[20]، أي أَنْ يُصْبِحَ النَّسَقُ الدّلاليّ، شأنه شأن النَّسَقِ التَّركيبيِّ، نَسَقًا تَوْليديًّا مُسْتَقِلًّا، لا نَسَقًا تَأْويليًّا كَما يَفْتَرَضُه النَّحْوُ التَّوْليديُّ*.
- قُيود على نَظَرِيَّةِ الدِّلالَةِ في السِّياقِ المَعْرِفيِّ:
والآنَ؛ يُمْكِنُ الانْتِقالُ، مَنْهَجِيًّا، مِنَ وَضْعِ المَبادِئِ الأَساسِيَّةِ للدِّلالَةِ النَّفْسِيَّةِ إِلى وَضْعِ طائِفَةٍ مِنَ القُيودِ عَليْها. وَفي هذا السِّياق؛ تَقْتَرِحُ النَّظَرِيَّةُ اللِّسانِيَّةُ، مِنَ المَنْظورِ المُعْجَمِيِّ، مَجْموعَةً مِنَ القُيودِ على النَّظَرِيَّةِ الدِّلالِيَّةِ حَتّى تَرْصُدَ مَعاني الكَلِمات. مِنْ تِلْك القُيودِ، يَنْتَخِبُ جاكندوف أَرْبَعَةً[21]:
- التَّعْبيرِيَّة (Expressiveness): فَعَلى نَظَرِيَّةٍ تَعْنى بالبِنْيَةِ الدّلالِيَّةِ أَنْ تَكونَ كافِيَةً مُلاحَظِيًّا، وَأَنْ تَكونَ قادِرَةً عَلى التَّعْبيرِ عن كلِّ التَّبايُناتِ الدّلالِيَّة (semantic distinction) التي تَنْتَهِجُها لُغَةٌ طَبيعِيَّةٌ ما. بَيْدَ أَنَّه، لا يُمْكِنُ، عَمَلِيًّا- بِطَبيعَة الحال- لِأَيِّ نَظَرِيَّةٍ، أَنْ تَروزَ كلَّ الجُمَلِ المُمْكِنَة، وَلكِنَّ كلَّ النّاسِ يَفْتَرِضونَ أنّ هناك بَعْضَ الظَّواهِرِ الدّالّة في اللُّغَةِ، هِيَ التي يَجِب أَنْ تُؤْخَذَ بِعَيْنِ الاعتِبار.
- الكُلِّيَّة (Universality): كَيْ نُبَيِّنَ أنَّ اللُّغاتِ قابِلَةٌ للتَّرْجَمَةِ، بِنَحْوٍ كَبير، يَجِبُ أنْ يَكونَ مَخْزونُ البِنْياتِ الدَّلاليَّة القابِل للاسْتِعمال مِنْ لَدن اللِّغاتِ الخاصَّةِ كُلِّيًّا. فَأيْنَما تَكُن التّرجَمَةُ الحَرْفِيَّةُ لِجُمْلَةٍ ما مِنْ لُغَةٍ إِلى أُخْرى مُمْكِنَةً تَكُن الجُمْلَتانِ مُشْتَرِكَتَيْنِ بالبِنْيَةِ الدَّلالِيَّة. غَيْرَ أنَّ ذلك لا يَعْني، مِنْ جِهَةٍ أُخْرى، أنَّ كُلَّ لُغَةٍ تَسْتَطيعُ، بالضَّرورَةِ، التَّعْبيرَ عَنْ أيِّ مَعْنى، لِأنَّه مِنَ المُمْكِنِ للُغَةٍ ما أنْ تَكونَ مَحْدودَةً في مُعْجَمِها، أو بِنْيَتِها النَّحْوِيَّة، أو قواعدِ التّوافُق (correspondence rules) [القواعِد التي تُقْرِنُ المَعْنى بِالشَّكْلِ التَّرْكيبيّ، أو تُسْقِطُه فيه].
- التَّأليفِيَّة (Compositionality): على نَظَرِيَّةِ الدِّلالَةِ أَنْ تُوَفِّرَ طَريقًا مُقَعَّدًا بالمَبادِئِ لِمَعاني أَجْزاءِ الجُمْلَةِ لِتُؤَلِّفَ مَعْنى الجُمْلَةِ العامّ، وَيُمْكِنُ تَبَنّي هذا الشَّرْطِ بِصيغَتِه القَوِيَّةٍ أَو الضَّعيفَةٍ حسب ما إِذا أُريدَ أنْ يَكونَ كلُّ مُكَوِّنٍ (وكذلك كلّ كلمة) في الجُمْلَةِ مُزَوَّدًا بِتأْويلٍ مُسْتَقِلٍّ [مَعْنى مُسْتَقِلّ] أم لا.
- السِّمات الدَّلالِيَّةِ (Semantic Properties): عَلى نَظَرِيَّةِ الدّلالَة أنْ تَكونَ قادِرَةً عَلى تَعْليلِ ما يُعْرَفُ بـ”السِّماتِ الدَّلالِيَّة” للمَلْفوظاتِ، مثل التَّرادُف[22]، والانحراف، والتَّحْليليَّة[23]، والافْتِراضِ المُسْبَق[24]، وَعَلَيْها، خاصَّةً، أنْ تُفَسِّرَ مَفْهومَ “الاسْتِدْلالِ السَّليم”[25] (valid inference).
وَعَلى الرّغْمِ مِنْ أَهَمِيَّةِ القُيودِ السّابِقَةِ، إِلّا أَنَّها تَظَلُّ قاصِرَةً عَنْ تَوْضيحِ الكيْفِيَّةِ التي يَعْكِسُ بِها الشَّكْلُ التَّركيبيُّ للُّغَةِ الطَّبيعِيَّةِ طَبيعَةَ الفِكْرِ البَشَرِيِّ، ممّا يَعْني أَنَّها لا توصِلُنا، مُباشَرَةً، إلى الاسْتِدْلالِ عَلى مُسْتَوى البِنْيَةِ التَّصَوُّرِيَّة، وهذا شيءٌ طَبيعيٌّ ما دُمْنا نَتَغَيّا نَظَريَّةً دلالِيّةً لِبِنْيَةِ المَعْلوماتِ عامّة، لا اللُّغَوِيَّةِ مِنْها فَحَسْب. وَمِنْ ثَمَّ، وَلِتَحْقيقِ ما تَقَدَّم؛ يُضيفُ جاكندوف قَيْدَيْنِ جَديدَيْنِ هُما: القَيْد النّحوي، والقَيْد المَعرِفيّ.
يَقولُ القَيْدُ النّحْويّ (The Grammatical Constraint) إنَّه يَجِبُ تَفْضيلُ نَظَرِيَّةٍ دلالِيَّةٍ تُفَسِّرُ، بِطَريقَةٍ مُخْتَلِفَةٍ، التَّعْميماتِ الاعْتِباطِيَّةَ في التَّرْكيبِ والمُعْجَم، وَهو قَيْدٌ يُمْكِنُ تَبْريرُه لَوْ فَكَّرْنا في مُهِمَّةِ مُتَعَلِّمِ اللُّغَةِ الذي يَجِبُ عَلَيْه أنْ يَتَعَلَّمَ الرَّبْطَ (mapping) بَيْنَ الشَّكْلِ التَّرْكيبيِّ والمَعْنى، إذْ يَبْدو أنَّ مُتَعَلِّمَ اللُّغَةِ غَيْرُ قادِرٍ على اكْتِسابِ تَرْكيبِ لُغَةٍ ما مِنْ دونِ اسْتِعْمالِ قَواعِدِ التّوافق. وَيَجِبُ عَلَيْه أنْ يَتَكَهَّنَ، بِصورَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ بِمعاني المَلْفوظاتِ انطلاقًا مِنَ السِّياق، وأنْ يَسْتَعْمِلَها في تَرْكيبٍ يُجَدِّدُ شَكْلَها… وَعَلى كُلِّ حال، يَهُمُّ القَيْدُ النَّحْويّ البَحْثَ عَنْ نَسَقِيَّةِ العلاقَةِ بَيْنَ التَّرْكيبِ والدّلالَة، وَتَقْليلَ الاخْتِلافاتِ بَيْنَهما، وَمِنْ ثَمَّ؛ يُعْطي فَرْضُه على نَظَرِيَّةِ الدّلالَة الإمكانيَّةَ في أنْ تُصْبِحَ الدِّلالَةُ مَشْروعًا تَجْريبيًّا مُهمًّا[26].
يَهُمُّ القَيْدُ المَعْرِفيّ (The Cognitive Constraint) الرَّبْطَ بَيْنَ النَّظَرِيَّةِ اللِّسانِيَّةِ والنَّظَرِيَّةِ المَعْرِفيَّةِ، وَيَرى أَنَّه “لا بُدَّ مِنْ مُسْتَوياتٍ للتَّمْثيلِ الذِّهنِيّ تَكونُ فيها المَعْلومَةُ التي تُؤدّيها اللُّغَةُ مُنْسَجِمَةً والمَعْلوماتِ الآتِيَةَ مِنْ باقي الأَنْساقِ المُحيطَةِ (peripheral system)، مثل الرُّؤْيَةِ والسَّماعِ غَيْرِ اللُّغَوِيِّ، والشَّم، والشُّعورِ بالحَرَكَةِ، وَغَيْرِها، وَإِذا لَمْ توجَدْ مثل تلك المُسْتَوياتِ يَكونُ مِنَ المُسْتَحيلِ اسْتِعْمالُ اللُّغَةِ في الإِخْبارِ عَنِ المُدْخَلات الحِسِّيَّةِ، وَلا نَسْتَطيعُ الحَديثَ عَمّا نَرى وَنَسْمَعُ، وَيَنْبَغي، على نَحْوٍ مُماثِلٍ، أَنْ يوجَدَ مُسْتوى تَكونُ فيه المَعْلوماتُ اللِّسانِيَّةُ والمَعْلوماتُ التي يُحْتَمَلُ أَنْ يَنْقُلَها النِّظامُ الحَرَكِيُّ مُنْسَجِمَتَيْنِ كَيْ نَتَمَكَّنَ مِنْ تَمْثيلِ قُدْرَتِنا عَلى تَنْفيذِ الأَوامِرِ والتَّعْليماتِ”[27].
هكذا؛ تُصْبِحُ القُيودُ جاهِزَةً لافْتِراضِ مُسْتَوى واحِدٍ مِنَ التَّمْثيلِ الذِّهْنِيّ، هو البِنْيَةُ التَّصَوُّرُيَّةُ، حَيْثُ تَكونُ المَعْلوماتُ اللُّغَوِيَّةُ وَالمَعْلوماتُ الحِسِّيَّةُ والحَرَكِيَّةُ مُتَناغِمَةً، إنَّها، بِاخْتِصار، بِنْيَةٌ مَعْلوماتِيَّةٌ عامّة، وَفَرَضِيَّةٌ قَوِيَّةٌ جامِعَةٌ تَهَمُّ بِنْيَةَ الذِّهْنِ، بِحَيْثُ تَجْعَلُها الوَظائِفُ التي تَضطَّلِعُ بِها على دَرَجِةٍ مِنَ الثَّراءِ والتَّعْقيد.
- في مَفْهومِ البِنْيَةِ التَّصوُّريّة:
نُعَزِّزُ، في هذا الفرعِ، مَفْهومَ البِنْيَةِ التَّصَوُّرِيَّةِ؛ وذلك عَبْرَ الوُقوفِ عَلى الطَّريقَةِ التي يُمْكِنُ بِوَساطَتِها رَبْطُ البنية التَّصوُّرِيّة بالنَّظِرِيَّةِ الدِّلالِيَّة، البند (1.2.1)، حَتّى إذا فَرَغْنا من ذلك؛ نَتَحَوُّل إلى مُناقَشَةِ طائِفَةٍ مِنَ القَواعِدُ الوِجاهِيَّةِ اللُّغَوِيَّة، والإِدْراكِيّة، والمَعْرفيّة، والتي تُبَلْوِرُها الدِّلالَةُ التَّصوُّرِيَّةُ للرَّبْطِ بَيْنَ التَّصَوَّراتِ واللُّغَةِ، وبَيْنَ التَّصَوُّراتِ وباقي الأنْساقِ المعرفيَّة، والإدراكيَّة، والحَركيَّة، البند (1.2.2).
إنَّ البِنْيَةَ التَّصَوُّرِيَّةَ نَسَقٌ مُسْتَقِلٌّ بِخَصائِصِه التَّأليفيَّةِ عَنِ النَّسَقِ التَّرْكيبيّ، إنّها جُزْءٌ مِنَ الفِكْرِ، وَلَيْسَتْ جُزْءًا مِنَ اللُّغَة في حَدِّ ذاتِها، بِذا؛ فَهِيَ أَكْثَرُ ثَراءً مِنَ النَّسَقِ التَّرْكيبيِّ، إنَّها تَتَشَكَّلُ مِنْ طائِفَةٍ مِنَ المَقولاتِ الأنطولوجيّةِ الكُبْرى، فيما تَرْتَكِزُ على طائِفَةٍ مِنَ المَقولاتِ الفطريّةِ، والتَّطَوُّرِيَّةِ، والثَّقافِيَّةِ، والإِدْراكِيَّةِ. وَباخْتِصار، إنَّها “المَحَلُّ الذي يَتِمُّ فيه فَهْمُ الأَقْوالِ اللُّغَوِيَّةِ سياقاتِها، بِما في ذلك الاعْتِباراتُ الذَّريعِيَّةُ والمَعْرِفَةُ المَوْسوعِيَّةُ، إِنّها البِنْيَةُ المَعْرِفِيَّةُ التي يَنْبَني عَلَيْها التَّفْكيرُ والتَّخْطيطُ، فَيُعْتَبَرُ هذا المُسْتَوى المُفْتَرَضُ للْبِنْيَةِ التَّصَوُّرِيَّةِ المُقابِلَ النَّظَرِيَّ لِما يُسَمّيه الحِسُّ المُشْتَرَكُ (مَعْنى)”[28].
- البِنْيَةُ التَّصوُّريّة والنَّظَرِيَّةُ الدِّلالِيَّةُ:
بَعْدَ اقْتِراحِ فَرَضِيَّةِ البِنْيَةِ التَّصَوُّرِيَّةِ، يَظَلُّ السُّؤالُ مَعْروضًا عَلى النَّحْوِ التّالي: كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ تُؤَثِّرَ فَرَضِيَّةُ البِنْيَةِ التَّصَوُّرِيَّةِ في النَّظَرِيَّةِ الدّلالِيَّة؟، وهو ما يُمْكِنُ تَرْجَمَتُه بِصيغَةٍ أُخْرى: كَيْفَ يُمْكِنُ رَبْطُ البِنْيَةِ التَّصَوُّرِيَّةِ بالنِّظامِ اللُّغَوِيّ؟.
توجَدُ طَريقَتانِ لِرَبْطِ البِنْيَةِ التَّصَوُّرِيَّةِ بالنِّظامِ اللُّغَوِيّ: الأولى أنَّ البِنْيَةَ التَّصَوُّرِيَّةَ يُمْكِنُ أَنْ تَكونَ مُسْتَوى أَعْمَقَ مِنَ البِنْيَةِ الدِّلالِيَّةِ، تَرْتَبِطُ بِها بِوَساطَةِ مُكَوِّنِ يُدْعى، في الغالِب، الذّريعيّاتِ (pragmatics) وهذا المُسْتَوى يُخَصِّصُ العَلاقَةَ الموجودَة بين المَعْنى اللُّغَويّ والخِطاب، أو الخَلْفِيّاتِ غَيْرِ اللُّغَوِيَّةِ (extralinguistic setting). تِلك هي وِجْهَة نَظَر كاتز وفودور (1980)، ووجهة النظر التي تبنّاها جاكندوف (1972). وهي ما سَيَتَخَلّى عَنْها لِصالِحِ الطّريقَةِ الثّانية، والتي تُفيدُ بِأنْ تَكونَ البِنْيَةُ الدّلالِيَّةُ مَجْموعَةً فَرْعِيَّةً مِنَ البِنْياتِ التَّصَوُّرِيَّةِ التي يَحْصُلُ التَّعْبيرُ عَنْها لَفْظِيًّا، وَتَذْهَبُ وِجْهَةُ النَّظَرِ هذه إِلى أنَّ قَواعِدَ التَّوافُقِ تَرْبِطُ مُباشَرَةً بَيْنَ البِنْيَةِ التَّرْكيبيَّةِ والبِنْيَةِ التَّصَوُّرِيَّةِ، وَأنّ كِلا المَجْموعَتَيْنِ منْ قَواعِدِ الاسْتِدلالِ (rules of inference)، والقَواعِدِ الذَّريعيَّةِ (rules of pragmatics) تُؤَدِّيانِ الرَّبْطَ انْطِلاقًا مِنَ البِنْياتِ التَّصَوُّرِيَّةِ، وَعَوْدَةً إِلى البِنْياتِ التَّصَوُّرِيَّةِ. تلك هي وجهة النّظر التي تَعْتَمِدُها أَغْلَبُ الأعمالِ في الذَّكاءِ الاصْطِناعِيّ عندَما تتناوَلُ التَّرْكيب مُسْتَقِلًّا عن أَيِّ شيء آخَر. وهي وجهة النظر التي دافع عنها فودور، وفودور وغاريت (1975)، وَتبنّاها شومسكي (1975)[29].
لِنَتَذَكَّر افْتِراضَ القَيْدِ المَعْرِفيِّ، وَما يُفيدُه، في وَجْهٍ مِنْ وُجوهِه، بِأنْ يَكونَ هناكَ مُسْتَوى واحدٌ للتَّمْثيل الذِّهْنيّ تَكونُ فيه المَعْلوماتُ اللُّغَويَّةُ، والمَعْلوماتُ التي تُقَدِّمها باقي الأنْساقِ الإدْراكيَّةِ مُنْسَجِمَةً، أو إنْ شِئْتَ قُلْتَ مُتَساوِقَة، وهذا ما يُمَكِّنُنا، بالتَّحْديد، مِنَ الحديث عمّا نَرى وَنَسْمَع، وَمِنْ الحَرَكَةِ وتَنْفيذ الأوامِر، إلخ. إنَّ البِنْيَةَ التَّصَوُّرِيَّةَ “تَقْتَرِحُ وُجودَ مُسْتَوى واحِدٍ للتَّمْثيلِ الذِّهْنيّ حَيْثُ يَجْري الرَّبْطُ مِنَ المَعْلوماتِ المُحيطَةِ وَإِلَيْها. وَيَتَمَيَّزُ هذا المُسْتَوى بِنِظامٍ فطْرِيٍّ لِقَواعِدِ سَلامَةِ البِنْيَةِ التَّصَوُّرِيَّةِ”[30].
الشكل1: العَلاقَةُ بَيْنَ البِنْيَةِ التَّصَوُّريَّةِ والنِّظامِ اللُّغَوِيّ
يُوَضِّحُ (الشَّكْل [31](1ما نَعَتْناه، في السّابِقِ، بالطَّريقَةِ الثّانِيَةِ للرَّبْطِ بَيْنَ البِنْيَةِ التَّصَوُّرِيَّةِ والنِّظامِ اللُّغويّ، وهو ما يُتَرْجِمُ، أيْضًا، بَعْضَ مَشْروعاتِ الدِّلالَة التَّصَوُّرِيَّة: البَحْث في طَبيعَةِ المَعْنى مِنْ خلالِ مَفْهومِ قواعِدِ سلامَةِ التَّكْوينِ التَّصَوُّرِيَّة، والبَحْث في العَلاقَةِ بَيْنَ المَبْنى والمَعْنى، أو إنْ شِئْتَ قُلْتَ بَيْنَ البِنْيَة التَّركيبيَّةِ والبِنْيَة التَّصَوُّرِيَّة مِنْ خلال مَفهومِ قَواعِد التّوافِق، وَإِجْراء تَقاطُعاتِ بَيْنَ البِنيَة التَّصَوُّرِيّة وَنَظريّاتِ الحواسّ، وَكَذلك نظريّاتِ العَمَل، إلخ. وَبِعِبارَةٍ واحِدَة، تَسْتَغِلُّ الدّلالَةُ التَّصَوُّرِيَّةُ النَّظَرِيَّةَ المَعْرِفيَّةَ لِإِثْراءِ النَّظَرِيَّةِ اللِّسانِيَّة، كَمَا تَسْتَغِلُّ النَّظَرِيَّةَ اللِّسانِيَّةَ لإثْراءِ النَّظَرِيَّةِ المَعْرِفيَّة.
وَعلى كُلِّ حال؛ ما يَهُمُّنا في هذا السِّياقِ الإشارَةُ إلى أنَّ جاكندوف سَيَتَخَلّى لاحِقًا (في الفَصْلِ السّادِس مِن كتابِه الدِّلالة والمَعْرِفة) عَنِ التَّمْييزِ القائِمِ بَيْنَ البِنْيَة الدّلاليّة والبِنْيَةِ التَّصوريَّةِ بِما هُما مُسْتَوَيانِ مِنَ التَّمْثيلِ الذِّهْنيِّ، وَأنَّ البِنْيَة الدّلالِيّة هي فَرْعٌ مِنَ البِنْيَةِ التَّصَوُّرِيَّة يَجْري التَّعْبيرُ عَنْها لُغَوِيًّا؛ حَيْثُ إنَّ كُلَّ ما لَه تَمْثيلٌ ذهنيٌّ يُعَبَّرُ عَنْه باللُّغَةِ، وَمِنْ ثَمَّ؛ تُعَدُّ البِنْيَةُ الدّلاليَّةُ البِنْيَةَ التَّصَوُّرِيَّة، أوْ، بالأَحْرى، تَعْني البِنْيَةُ الدّلاليّةُ والبِنْيَةُ التَّصَوُّرِيَّةُ مُسْتَوى التَّمْثيلِ الذِّهْنِيِّ نَفْسَه. وفي هذا الصّدَدِ، يَقول جاكندوف: “إنَّ مَعاني الكَلِماتِ هِيَ تَعْبيراتٌ مِنَ البِنْيَةِ التَّصَوُّرِيَّةِ، ما يَعْني أَنَّه لا يوجَدُ شَكْلٌ للتَّمْثيلِ الذِّهْنِيِّ مُخَصَّصٌ للْمُسْتوى الدّلالِيِّ لِمعاني الكَلِماتِ وَحْدَها يَكونُ مُتَمَيِّزًا مِنَ المُسْتَوى الذي تَتَناغَمُ فيه المَعْلومَةُ اللُّغَوِيَّةُ والمَعْلومَةُ غَيْرُ اللُّغَوِيَّةِ. وَهذا يَعْني أَنَّه إِذا كانَ التَّمْييزُ قائِمًا، كما يُدَّعى في الغالِبِ، بَيْنَ القاموسِ والمَعْلوماتِ المَوْسوعِيِّة، فَإِنَّه لا يَكونُ تَمْييزًا بَيْنَ المُسْتَوَياتِ، بَلْ إِنَّ هذا الضَّرْبَ مِنَ المَعْلوماتِ مُقْتَطَعٌ مِنَ القِماشِ نَفْسِه”[32].
- البِنْيَةُ التَّصوُّريّة وَبَعْضُ وِجاهاتِها:
نُخَصِّصُ هذا البَنْدَ لِمُناقَشَةِ أَحَدِ الافْتِراضاتِ المَرْكزيَّةِ في الدِّلالَةِ التَّصَوُّرِيَّةِ، وَأَعْني القَواعِدَ الوِجاهِيَّة (rules interface) بِوَصْفِها طائِفَةً مِنَ القَواعِدِ التي تُسْقِطُ بِنْياتِ النَّسَقِ التَّأليفيِّ للْفِكْرِ/ المَعْنى/ التَّصَوّراتِ عَلى البِنْياتِ اللُّغَوِيَّةِ التَّرْكيبيَّةِ والصِّواتِيَّةِ، مِنْ جِهَة، وَهوَ ما يُسَمّى عادَةً “دلالَة لُغَوِيَّة”، وَتوصِلُ العَمَلِيّاتِ المَعْرِفِيَّةَ، وَالأَنْساقَ الإِدْراكِيَّةَ والحَرَكِيَّةَ إِلى الأفْكارِ/ التَّصَوُّراتِ لِنَتَمَكَّنَ مِنَ التَّفْكيرِ وَالتَّخْطيطِ وَالاِسْتِنْتاجِ والحَديثِ عَمّا نَراه وَنَسْمَعُه، إلخ، مِنْ جِهَةٍ أُخْرى. وَباخْتِصار، فَإِنَّ القَواعِدَ الوِجاهِيَّةَ فَرَضِيَّةٌ جدّ مُهِمَّةٍ لِوَضْعِ دِراسَةِ المَعْنى داخِلَ مَشْروعِ ما يَدْعوه جاكندوف (2002) دِراسَةَ الذِّهْنِ الوَظيفِيِّ (functional mind).
بَيَّنّا، سابِقًا، كَيْفَ تَخَلَّتِ الدِّلالَةُ التَّصَوُّرِيَّةُ عَنْ بَعْضِ الافْتِراضاتِ المُهِمَّةِ في النَّحْوِ التَّوْليدِيِّ خاصَّةً تِلْك المُتَعَلِّقَةَ بِمَرْكَزِيَّةِ التَّرْكيبِ، وَالقَواعِدِ الاشْتِقاقِيَّةِ، لِتُحاجّ بِأَنَّ المَعْنى نَسَقٌ تَوْليدِيٌّ مُسْتَقِلٌّ بِخَصائِصِه التَّأْليفِيَّةِ عَن التَّرْكيبِ والصِّواتَةِ، وَأَنَّ دِراسَةَ ذلِك النَّسَقِ التَّأْليفِيِّ لا بُدَّ وَأَنْ تُدْمَجَ في إِطارِ نَظَرِيَّةٍ أَوْسَعَ للذِّهْنِ. وَبِتَعْبيرٍ آخَرَ، “فَإِلْقاءُ نَظْرَةٍ عَلى المَجالاتِ المَعْرِفِيَّةِ التي تَمَّتْ دِراسَتُها حَتّى الآن يَبْدو أَنَّه يَكْشِفُ عَنْ نَتيجَةٍ هامَّةٍ مَفادُها عَدَمُ وُجودِ قُدْرَةٍ مَعْرِفِيَّةٍ أُخْرى تَقْبَلُ أَنْ توصَفَ على أَساسِ اشْتِقاقاتٍ خَوارِزْمِيَّةٍ، بَلْ يَظْهَرُ أنَّ الأمْرَ يَتَعَلَّقُ عمومًا بِأنْساقٍ مِنَ القُيودِ المُتَفاعِلَةِ. وَهذا ما تُبَلْوِرُه نَظَرِيَّةُ الدِّلالَةِ التَّصَوُّرِيَّةِ القائِمَةُ على تَقانَةِ القُيودِ عوَضَ القَواعِدِ الاشْتِقاقِيَّةِ”[33].
هكذا؛ تُعَدُّ الوِجاهاتُ أداةً صورِيَّةً يَتَفاعَلُ بِموجَبِها نَسَقانِ مُسْتَقِلّانِ في بيئَةِ الذِّهْنِ/ الدِّماغ، لِتُصْبِحَ مِنْ ثَمَّ أَداةً واصِلَةً بَيْنَ المَلَكَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَباقي المَلَكاتِ المَعْرِفِيَّةِ والإِدْراكِيَّةِ، وَهوَ ما يُمْكِنُ التَّعْبيرُ عَنْه مٍن خِلالِ الفَرَضِ التّالي: إنَّ هُناكَ وِجاهًا ذا بِنْيَةٍ هِيَ ج، يَتَفاعَلُ بِواسَطَتِه نَسَقانِ مُسْتَقِلّانِ هُما أ وب، بِناءً على ما يَلي:
- هًناكَ اخْتِلافاتٌ بِنَوِيَّة وارِدَة بَيْنَ أ وب.
- يَشْتَرِكُ أ وب في النَّسَقِ ج الذي يُمَثِّلُ تَشاكُلًا مُقَيَّدًا بًيْنَ بِنياتٍ وَعَمَلِيّاتٍ جُزْئِيَّةٍ تَنْتَمي إلى أ وب.
- تَتَفاعَلُ أ وب مِنْ خِلالِ ج، أي أنَّ أ تُؤَثِّرَ نَسَقِيًّا في ب (وبالعَكْس) عَبْرَ تَوَسُّطِ ج[34].
تَأسيسًا عَلى ما تَقَدَّم؛ تَبْدو القَواعِد الوِجاهِيَّةُ فَرَضِيَّةً صالِحَةً للْفَهْمِ: فَأَنْ نَفْتَرِضَ المَعْنى نَسَقًا مُسْتَقِلًّا بِخَصائِصِه التَّأْليفِيَّةِ، يَعْني، أَنْ نَسْأَلَ:
(1) “كَيْفَ يُمْكِنُ تَخْصيصُ الإِرْسالِيّاتِ/ الأَفْكارِ/ التَّصَوُّراتِ التي يُعَبِّرُ عَنْها/ يَنْقُلُها المُتَكَلِّمونَ عَنْ طَريقِ اسْتِعْمالِ اللُّغَةِ؟“[35].
وَأَنْ نَفْتَرِضَ، في المُقابِلِ، بِأَنَّ اللُّغَةَ يُمْكِنُها التَّعْبيرُ عَنْ ذلِك النَّسَقِ التَّأْليفِيِّ، يَعْني أَنْ نَسْأَلَ:
(2) “كَيْفَ تُعَبِّرُ اللُّغَةُ عَنْ/ تَنْقُلُ هذه الإِرْساليّاتِ؟“[36].
هكذا؛ يُعَبِّرُ كِلا السِّؤالَيْنِ عَنْ مَشْروعَيْنِ مُتَكامِلَيْنِ يَهمّانِ الدِّلالَةَ التَّصَوُّرِيَّةَ بِوَصْفِها نَظَرِيَّةً في دِراسَةِ المَعْنى تَتَمَوْقَعُ في دِراسَةِ الذِّهْنِ الوَظيفيِّ: حَيْثُ يَشْتَغِلُ السُّؤالُ الأوَّلُ بِتَخْصيصِ النَّسَقِ التّأْليفيِّ للمَعْنى، وهو ما سَتُمَثِّلُه في (الشَّكْلِ2)[37] قَواعِدُ تَكْوينِ الأَفْكار، في حينِ يَتَّجِهُ السؤالُ الثّاني إِلى البَحْثِ عَنْ طائِفَةِ القَواعِدِ الوِجاهِيَّةِ المُرْتَبِطَةِ بالتَّعْبيرِ اللُّغَوِيِّ عَن المَعْنى، وَهِيَ ما دَعَوْناها في (الشكل1) قَواعِدَ التَّوافُق التي تَرْبِطُ البِنْيَةَ التَّصَوُّرِيَّةَ بالنِّظامِ اللُّغَوِيِّ وَبِنْياتِه التَّرْكيبيَّةِ والصِّواتِيَّةِ، وَهِيَ ما يُمَثِّلُها الجُزْءُ الأيْمَنُ مِنَ (الشَّكْلِ2)، حيث يَجْعَلُ الصِّواتَةَ والتّركيب في وِجاه واحدٍ يَرْبِطُ الأَفْكارَ في الذِّهْنِ الوَظيفِيِّ بِضَجيجِ العَالَمِ، وذلك لِنَقْلِه مِنْ مُتَكَلِّمٍ إِلى آخَرَ.
الشكل 2: مَوْقِعُ الدّلالَةِ التَّصَوُّرِيَّةِ في الذِّهْنِ الوَظيفِيّ
غَيْرَ أنَّ القَواعِدَ الوِجاهِيَّةَ المُرْتَبِطَةَ بالتَّعْبيرِ اللُّغَوِيِّ – والتي يُسَمّى البَحْثُ فيها عادَةً “دلالَة لُغَوِيَّةً”- لا تَكْفي وَحْدَها لِجَعْلِ الدِّلالَةِ التَّصَوُّرِيَّةِ مَشْروعًا في دِراسَةِ الذِّهْنِ الوَظيفيِّ، وَمِنْ ثَمَّ نَحْتاجُ إِلى وِجاهاتٍ أُخْرى توصِلُ العَمَليّاتِ المَعْرِفيَّةِ والأَنْساقِ الإدْراكِيَّةِ، والحَرَكِيَّة إِلى الأفْكارِ/ التَّصَوُّرات، وذلك ما يُمَثِّلُه الجزءُ الواقِعُ عَلى يَسارِ الصِّواتَةِ والتَّرْكيبِ في الشَّكْلِ السابق.
هكذا؛ يُمْكِنُ الحَديثُ عَنِ الوِجاهاتِ المَعْرِفِيَّةِ والإِدْراكِيَّةِ إِلى جانِبِ الوِجاهاتِ اللُّغَوِيَّةِ، حَيْثُ تُغَطّي الوِجاهاتُ المَعْرِفيَّةُ اسْتِعْمالَ الأفْكارِ/ التَّصَوُّرات لِإنْتاجِ تَصَوُّراتٍ إِضافِيَّةٍ، وَهُو ما يُسَمّى عادَةً “الاسْتِنْتاج” [الاستدلال] أو “التَّفْكير”، وَبِما أنّ الدِّلالةَ التَّصَوُّريَّةَ مَعْنِيَّةٌ بِدِراسَةِ “أُناسٍ واقِعيّين” وَلَيْسَ مِثاليّينَ فَحَسْب، فَيَتَضَمَّنُ هذا الوِجاه – بالإِضافَةِ إلى التّفكير المَنْطِقيّ- رَسْمَ الخُطَطِ وَتَكْوينَ المَقاصِدِ لِغايَةِ الفعل. وهو ما يُسَمّى “تفْكيرًا عَمَلِيًّا”، أو “تَفْكيرًا اجْتِماعيًّا”. كَما تُعْنى الوِجاهاتُ المَعْرِفيَّةُ بما يَتَعَلَّقُ بِإِدْماجِ الأفْكارِ التي تَنْقُلُها اللُّغَةُ في المَعْرِفَةِ الوَظيفيَّةِ كَإِحْساسِنا بالسِّياقِ التّواصليّ، وَإِحْساسِنا بِمَقاصِدِ المُخاطَبِ، أو المُعْتَقَداتِ الوَظيفيَّةِ السّابِقَةِ، وَمِنْ ثَمَّ فَعَمَلُ هذا الوِجاه ذو صِلَةٍ وَثيقَةٍ بما يُدْرَسُ في أَبْوابِ الذَّريعيّاتِ (pragmatics)[38].
أمّا الوِجاهاتُ الإِدْراكِيَّةُ، فَهِيَ ما تَسْمَحُ لَنا بِتَكْوينِ الفِكْرِ المُؤَسَّسِ عَلى مُلاحَظَةِ العالَمِ (بما في ذلك إِحْساسُنا الدّاخِليّ بِأجْسادِنا)، وَبالمُقابِل فَإنَّنا باسْتِعْمالِ هذا الفكْرِ دَخْلًا لِإِنْتاجِ اللُّغَة، يُمْكِنُنا أن نَتَحَدَّثَ عمّا نَراه وَنَسْمَعُه وَنَذوقُه. وتَشْتَغِلُ هذه الوِجاهاتُ في الاتِّجاهِ الآخَرِ كَذلك: فَيُمْكِنُ لِإِدْراكِ اللُّغَةِ أنْ يُوَجِّه الانتِباه إِلى جُزْءٍ خاصّ مِنَ الحَقْلِ الإدْراكيّ: هَلْ ترى ذلك الطّائِرَ هناك فَوْق؟. وَأخيرًا، يَسْمَحُ لَنا الوِجاه المُتَّصِلُ بِنَسَقِ العَمَلِ بِتَنْفيذِ مَقْصِدٍ مُعَيَّنٍ بما في ذلك تَنْفيذ مَقْصَد تَكَوَّنَ للجَوابِ عَنْ أمْرٍ أَوْ طَلَبٍ مَحْمولَيْنِ لُغَوِيًّا[39].
نَخْلُصُ ممّا تَقَدَّمَ إِلى أنَّ القواعِدَ الوِجاهِيَّة تُفَسِّرُ كَيْفَ أنَّ التَّصَوُّراتِ/ الأَفْكارَ التي تَنْقُلُها اللُّغَةُ هي تَصَوُّراتٌ/ أَفْكارٌ/ إِرساليّاتٌ وَظيفيَّةٌ، تَخْدِمُ أغْراضًا أُخْرى، إنّها، في نِهايَةِ المَطافِ، تُسْتَعْمَلُ في العَمَلِيّاتِ المَعْرِفيَّةِ التّالِيَة[40]:
- العَمَلِيّاتُ التي تَدْمِجُ الإِرْساليَّةَ المَنْقولَةَ لُغَوِيًّا في المَعْرِفَةِ الوَظيفِيَّةِ المَوْجودَةِ، بِما في ذلك فَهْمُ السِّياق.
- العَمَلِيّاتُ التي تَقومُ بالاسْتِنْتاجاتِ، وَتُصْدِرُ الأَحْكامَ، والقائِمَةُ عَلى التَّفاعُلِ بَيْنَ الإِرْسالِيَّةِ المَنْقولَةِ لُغَوِيًّا، والمَعْرِفَةِ الوَظيفِيَّةِ الأُخْرى.
- العَمَلِيّاتُ التي تَسْتَعْمِلُ الإِرْسالِيّاتِ المَنْقولَةَ لُغَوِيًّا لِتَوْجيه الانْتِباه إِلى العالَمِ كما تُدْرِكُه الحَواسُّ، وَإِصْدار أَحْكامٍ بِصَدَدِه.
- العَمَليّاتُ التي تَرْبِطُ الإِرْساليّاتِ المَنْقولَةَ لُغَوِيًّا بالأَعْمالِ الفيزيائِيَّةِ التي نُخْضِعُ لَها العالَمَ وَنُمارِسُها فيه.
خاتمة:
حاولنا، في هذه الدراسة، الوقوف على طائفة من المبادئ والقيود التي تهمّ النظريّة الدلاليّة في السياق المعرفي، وذلك من خلال التّركيز على نظرية الدلالة التصوريّة لعالم اللغة الأميركيّ راي جاكندوف، فبيّنا أنّ دراسة المعنى في السياق المعرفيّ، أو طرح الدّلالة مشروعًا ذهنيّا، بألفاظ جاكندوف، إنّما هو مشروع طموح يُعيد الاعتبار للنظريّة اللّسانيّة في العلوم المعرفيّة. وفي هذا السّياق، بيّنت الدراسة كيف أنّ القيد المعرفيّ الذي استحدثته الدلالة التصوريّة، وافتراض مستوى البنية التصوريّة، والوِجاهات تقدِّمُ دَليلًا إِضافِيًّا عَلى أنَّ دِراسَةَ المَعْنى لا تَكونُ عَبْرَ عَدَسَةِ اللُّغَةِ وَحْدَها، بَلْ إِنَّنا مُحْتاجونَ إِلى أنْ نُوصِلَه، أي المعنى، بالاسْتِنْتاجِ، والمَعْرِفَةِ الخَلْفِيَّةِ، والتَّخْطيطِ، والمَعْرِفَةِ الاجْتِماعِيَّةِ، والمُعْتَقَداتِ، والثّقافَةِ، والاعْتِباراتِ الذَّريعِيَّةِ، والإِدْراكِ، والعَمَلِ.
المراجع:
المراجع المترجمة:
- تيبرغيان، غي، وآخرون، قاموس العلوم المعرفية، ترجمة: جمال شحيّد، بيروت، المنظمة العربية للترجمة، ط1، 2013.
- جاكندوف، راي، الدلالة مشروعا ذهنيا، ترجمة: محمد غاليم، ضمن كتاب: دلالة اللغة وتصميمها، الدار البيضاء، دار توبقال، ط1، 2007.
- فِتغنشتاين، لودفيك، تحقيقات فلسفية، ترجمة: عبد الرزاق بنّور، بيروت، المنظمة العربية للترجمة، ط1، 2007.
- هوانغ، يان، معجم أكسفورد للتداولية، ترجمة: هشام إبراهيم عبد الله الخليفة، بيروت، دار الكتاب الجديد المتحدة، ط1، 2020.
المراجع العربية:
- جحفة، عبد المجيد، مدخل إلى الدلالة الحديثة، الدار البيضاء، دار توبقال، ط2، 2014.
- غاليم، محمد، بعض مهام اللسانيات في السياق المعرفي، الدار البيضاء، مجلة فكر ونقد، العدد: 96، 2008.
- غاليم، محمد، بعض مقتضيات الكفاية المعرفية في لسانيات الخطاب وتأويله، ضمن كتاب: في الحاجة إلى التأويل، تطوان، منشورات مختبر التأويليات والدراسات النصية واللسانية، ط1، 2018.
- غاليم محمد (إعداد وتنسيق)، دراسات في الدلالة العربية المقارنة، الرباط، منشورات معهد الأبحاث والدراسات للتعريب، ط1، 2015.
- غاليم، محمد، النظرية الذريعية والكفاية المعرفية، أو نحو تفكيك معرفي للسياق، مجلة أبحاث لسانية، الرباط، العدد: 32، 2016.
- المراجع الأجنبية:
- Ray, Language, Consciousness, Culture: Essays on Mental Structure, MIT Press, 2007.
- Ray, Patterns in the mind: Language and Human Nature, Basic Books, 1994.
- Ray, Semantics and Cognition, Cambridge, MIT Press, (8th ed), 1999.
- Daniel, Cognition: Exploring the Science of the Mind, W. W. Norton and Company, (7th ed), 2018.
[1] Reisberg. Daniel, Cognition: Exploring the Science of the Mind, W. W. Norton and Company, (7th ed), 2018, P8.
[2] غاليم، محمد، بعض مقتضيات الكفاية المعرفية في لسانيات الخطاب وتأويله، ضمن كتاب: في الحاجة إلى التأويل، تطوان، منشورات مختبر التأويليات والدراسات النصية واللسانية، ط1، 2018، ص49.
[3] تيبرغيان، غي، وآخرون، قاموس العلوم المعرفية، ترجمة: جمال شحيّد، بيروت، المنظمة العربية للترجمة، ط1، 2013، ص285.
* إنَّ اعتمادَ النّظريّة اللّسانِيّة على الصّورنة شرطٌ ضروريّ لاكتسابِها صفة العلميّة، وإِذا انْطَلَقْنا ممّا يَدْعوه شومسكي اللِّسانِيّاتِ الدّيكارتيَّة، نَفْهَمُ أنَّ النَّظَرِيَّةَ اللِّسانِيَّةَ إنَّما تَسْتَمِدُّ جُزْءًا مُهِمًّا مِنْ أفْكارِها مِنْ تُراثِ العَقْلانِيّينَ وخاصَّةً ديكارت الذي كانَ يُقِرُّ – خِلافًا للتَّجْريبيّين- بِوُجودِ أَفكارٍ، أو بِنْياتٍ ذِهْنيَّةٍ فطريَّةٍ تَسْبِقُ اللُّغَة، وَأنَّ الذِّهْنَ مِنْ ثَمَّ لَيْسَ صَفْحَةً بَيْضاء. وَعَلَيْه؛ إِذا أَرَدْنا أنْ نَفْهَمَ حقيقَةَ السُّلوك اللُّغَوِيّ البَشَرِيّ لا بُدَّ مِنَ العَوْدَةِ إِلى اسْتِكْشافِ تِلْك البِنْياتِ الذِّهْنيَّةِ الفطرِيَّة التي تَسْبِقُ أيَّ تَجْرِبَة. وفي هذا السِّياق، يَجْري التّمييزُ بَيْنَ اللّسانِيّاتِ غَيْر الصورِيَّة التي تعتَمِدُ بشدّة عَلى حَدْسِ مُسْتَعْمِلِ اللُّغَة، وتهدِفُ إلى أنْ تكونَ مُلْحَقًا لذلك الحدْس، وليْسَ تَفْسيرًا له؛ فهِيَ لا تَهْدِفُ إلى استكشافِ ما يعرفُه، مسبقًا، كلّ متكلّم للغةِ البشريَّة، وَمِنْ ثَمّ؛ تفْتَرِضُ اللّسانِيّاتُ غَيْرُ الصوريَّة وجودَ متكلّم على جانِبٍ كبيرٍ منَ المَعْرِفَةِ اللّغويّة الضمنيّة التي لا تحاوِلُ تَفْسيرَها. أمّا اللّسانِيّاتُ الصوريَّة، فهيَ لسانيّات صوريّة تَسْتَعينُ بالمنطِقِ الصوريّ لِصياغَةِ نماذجَ صوريّةٍ صارمَةٍ للقُدُراتِ الذّهنِيَّة.
[4] Jackendoff. Ray, Semantics and Cognition, Cambridge, MIT Press, (8th ed), 1999, P X.
[5] فِتغنشتاين، لودفيك، تحقيقات فلسفية، ترجمة: عبد الرزاق بنّور، بيروت، المنظمة العربية للترجمة، ط1، 2007، ص381.
[6] Jackendoff. Ray, Semantics and Cognition, P3.
[7] Ibid, P3.
[8] Ibid, P3.
[9] Ibid, P6.
[10] جحفة، عبد المجيد، مدخل إلى الدلالة الحديثة، الدار البيضاء، دار توبقال، ط2، 2014، ص47.
[11] Jackendoff. Ray, Semantics and Cognition, P7.
[12] Jackendoff. Ray, Language, Consciousness, Culture: Essays on Mental Structure, MIT Press, 2007, P4.
[13] جاكندوف، راي، الدلالة مشروعا ذهنيا، ضمن كتاب: دلالة اللغة وتصميمها، ص26.
[14] Jackendoff. Ray, Patterns in the mind: Language and Human Nature, Basic Books, 1994, P184.
[15] Jackendoff. Ray, Language, Consciousness, Culture: Essays on Mental Structure, P26-38.
[16] جحفة، عبد المجيد، مدخل إلى الدلالة الحديثة، ص123.
[17] غاليم محمد (إعداد وتنسيق)، دراسات في الدلالة العربية المقارنة، الرباط، منشورات معهد الأبحاث والدراسات للتعريب، ط1، 2015، ص20.
[18] Jackendoff. Ray, Language, Consciousness, Culture: Essays on Mental Structure, P29.
[19] غاليم محمد (إعداد وتنسيق)، دراسات في الدلالة العربية المقارنة، ص21.
[20] Jackendoff. Ray, Language, Consciousness, Culture: Essays on Mental Structure, P48-53.
ففي إِطارِ ما يَدْعوه هَنْدسةَ التَّوازي (Parallel Architecture)، يَجْعَلُ جاكندوف النَّسَقَ الدّلالِيّ، والنَّسَقَ التَّرْكيبيَّ، والنَّسَقَ الصِّواتي، كلّها أنساقًا تَوْليدِيَّةً مُسْتَقِلَّةً بِقواعِدِها، وَخَصائِصها التّأْليفيّةِ، لِتَرْتَبِطَ فيما بينها بِموجَبِ طائِفَةٍ مِنَ القَواعِدِ الوِجاهِيّة (Interfaces).
* إنْ كانَ طَرْحُ اللُّغَةِ في إِطارِ المَوْقِفِ الذِّهْنِيِّ والتَّأْليفِيَّةِ (وَهُما ما يَسْتَندانِ بطبيعَةِ الحال إِلى تُراثِ الفَلْسَفَةِ العَقْلانِيَّةِ) هُوَ ما أَحْدَثَ انْقِلابًا في النَّظَرِيَّةِ اللِّسانِيَّةِ، فَما أَوَدُّ التَّشْديدَ عَلَيْه هو أنّ جاكندوف، وَإنْ تَمَسَّكَ بِمَبادِئِ مُعَلِّمِه شومسكي العَقْلانِيَّةِ، فَإنَّه ظَلَّ مُنْصِتًا لِعالَمِ التَّجْرِبَة الذي انْفَتَحَ عَلَيْه في بِناءِ مَشْروعِ الدّلالَةِ التَّصَوُّرِيَّةِ، برمّته، وذلك ما سيتبدّى في هذه الدراسة.
[21] Jackendoff. Ray, Semantics and Cognition, P11.
[22] يُعرّفُ التّرادف (synonymy) بأنّه علاقَة مَعْنى تَصَوُّرِيّ يَكونُ فيها لِمُفْرَدَتَيْنِ مُعْجَمِيَّتَيْنِ أو أكْثَر المَعْنى القَضَوِيّ أو الوصْفِيّ نَفْسُه، ولذلك؛ يُسَمّى أيضًا التّرادف القَضَوِيّ أو الوصفِيّ (propositional or descriptive synonymy)، مثل العَلاقَة بَيْنَ (يُخْفي، يَحْجِب، يَسْتُر). وَيَجْري التّمييزُ بَيْنَ المُتَرادِفاتِ المُطْلَقَة، وهِيَ المُتَرادِفاتُ التي تَشْتَركُ المَعْنى المتطابِقِ في كلّ النّواحي والسّياقات، والمترادفات الجُزْئِيّة، وهِيَ مُتَرادِفات، لكنْ لَيْسَ بصورة مُطْلَقَة. إنّ المُتَرادِفاتِ المُطْلَقة نادِرَة جدّا، بل تكادُ تكون غَيْرَ موجودَة، ولذلك؛ فإنّ أغلب المُترادِفات هي مُتَرادِفات جُزْئِيّة.
يُنْظَر: هوانغ، يان، معجم أكسفورد للتداولية، ترجمة: هشام إبراهيم عبد الله الخليفة، بيروت، دار الكتاب الجديد المتحدة، ط1، 2020، ص631.
[23] تُشيرُ التّحليليّة (analyticity) إلى القَضِيَّة التي يَكونُ فيها مَفْهومُ المَحْمول أو المُسْنَد (predicate) مُتَضَمّنا في مَفْهومِ الموضوعِ أو المُسْنَدِ إليه (subject). مَثَلًا: بِما أنّ فكرةَ “الأحمر” مَوْجودَة في فكرةِ “الوَرْد الأحمَر”، فإنّ جُملة “كل الورد الأحمر هو أحمر”، هِيَ تَحْليليّة أو صادِقَة تحليليًّا. والقضيّة التّحليليّة التي تَصدقُ بفضلِ صيغَتِها المنطقيّة تُسمّى “تحصيل حاصل” (tautology).
يُنْظر: المرجع نفسه، ص105-106.
[24] الافْتِراضُ المُسْبَق (presuppositon) هُوَ أحَدُ المَظاهِر الأساسِيّة التي تُعالِجُها الذّريعِيّات (التداولية)، وَهُوَ قَضِيَّة يُسَلَّمُ بِصِدْقِها، كَتَحْصيل حاصل، عندَ النُّطْقِ بالجُمْلَة. والوظيفَةُ الأساسِيَّة للافْتِراضِ المُسْبَق هيَ أنْ يَعْمَلَ بوصْفِه شَرْطًا مُسْبَقًا أو افْتِراضًا من نَوْعٍ ما للاسْتِعْمالِ المُناسِبِ للجُمْلَة. مَثَلا: الجُمْلَة: “زيد نادِم لأنّه صار حادّ الطّبع”، تفتَرِضُ مُسْبَقًا أنّ “زيدًا صار حادّ الطّبع”. وَتَتَمَيَّزُ الافْتِراضاتُ المُسْبَقَة، بالعموم، بسِمَتَيْنِ أساسيّتَيْن هما: الثّبات عندَ النّفْي، وإمكانِيّة الإلغاءِ أو الإبطال. بالنّسْبَةِ للسّمَةِ الأولى، فإنّ نَفْيَ الجُمْلَة السّابِقَة: “لم يَنْدَم زيد لأنّه صار حادّ الطّبع” لا يَنْفي الافْتِراض المُسْبَق: “صار زيد حادّ الطّبع”، أمّا بالنّسْبَة للسِّمَةِ الثّانِيَة (وَهِي سِمَة لكلّ الظّواهِر الذّريعِيّة)، فإنّ الافْتِراضَ المُسْبَق يُمْكِنُ إِلْغاؤُه، مَثَلًا، إنّ الجُمْلَة: “لَمْ يُفْلِح زيد في الحُصول عَلى وَظيفة” تَفْتَرِضُ أنّ: “زَيْدًا حاول الحُصولَ عَلى وَظيفَة”. لكن بالإمكانِ إِلْغاءُ الافْتِراض المَذكور بِقَوْلِنا: “لم يُفْلِح زيد في الحُصولِ عَلى وَظيفَة، بل حتّى إنه لم يُحاوِل”.
يُنْظَر: المرجع نفسه، ص523-524.
[25] الاسْتِدْلالُ، عمومًا، هو عَمَلِيّة قَبول الخَبَر أو القَضِيَّة (التي تُسَمّى النّتيجة) على أساسِ القَبول (المُؤَقَّت ربّما) لِوَاحدٍ أو أكثر مِنَ الأَخْبارِ أو القَضايا (التي تُسَمّى المُقَدّمات). وهوَ يشمَلُ الاسْتنباط (deduction)، والاسْتِقْراء (induction)، وقياسَ الخَطَف (abduction)، وهو يشمَل أيضًا اللّزومَ الدّلاليّ (entailment)، والافْتِراضَ المُسْبَق، والتَّلْويح الحواريّ (conversational implicature). بَعْضُ الاسْتِدْلالاتِ منطِقِيّة بِطَبيعَتِها (مِنْ دون أن تكونَ سليمَةً بالضّرورَة)، وَبَعْضُها الآخر غَيْر مَنطقيّ (يُمْكِنُ إلغاؤُه). مَثَلًا، إنّ اللّزومَ الدّلاليّ واحدٌ مِنَ الاسْتدلالاتِ المَنْطِقيّة التي يُمْكِنُ تحديدُها بِمعاييرِ الصّدق: إنّ القَضِيَّة (أو الجُمْلَة المعبِّرَة عن القَضِيَّة) (ق) تَسْتَلْزِمُ القَضِيَّة (أو الجُمْلَة المعبِّرَة عن القَضِيَّة) (ك) إذا وَفَقطّ إِذا كانَ صدقُ (ق) يَضْمَن صدقَ (ك)، عندئذٍ؛ يكونُ الاسْتِدلال (اللّزوم الدّلاليّ) سليمًا. مَثَلا: “كلّ أساتِذَة الجامعة مُجِدّون في العَمَل” تَسْتَلْزِم “بَعْض أساتِذَة الجامِعَة مُجِدّون في العمَل” بِشَرط أنْ يكونَ في الجامِعَة المَقْصودَة أساتذة. وَعلى العكْس مِن ذلك، إذا كانت (ق) كاذِبَة، فلا شَيْء يُقال بِشأن (ك).
يُنْظَر: المرجع نفسه، ص356.
[26] Jackendoff. Ray, Semantics and Cognition, P13-15.
[27] Ibid, P16.
[28] غاليم محمد (إعداد وتنسيق)، دراسات في الدلالة العربية المقارنة، ص24.
[29] Jackendoff. Ray, Semantics and Cognition, P19.
[30] Ibid, P19.
[31] Jackendoff. Ray, Semantics and Cognition, P21.
[32] Ibid, P110.
[33] غاليم، محمد، بعض مهام اللسانيات في السياق المعرفي، الدار البيضاء، مجلة فكر ونقد، العدد: 96، 2008، ص68.
[34] غاليم، محمد، النظرية الذريعية والكفاية المعرفية، أو نحو تفكيك معرفي للسياق، مجلة أبحاث لسانية، الرباط، العدد: 32، 2016، ص38.
[35] جاكندوف، راي، الدلالة مشروعا ذهنيا، ترجمة: محمد غاليم، ضمن كتاب: دلالة اللغة وتصميمها، الدار البيضاء، دار توبقال، ط1، 2007، ص15.
[36] جاكندوف، راي، الدلالة مشروعا ذهنيا، ضمن كتاب: دلالة اللغة وتصميمها، ص15.
[37] المرجع نفسه، ص16. حَيْثُ يَرْسُمُ الخَطُّ المتقطِّعُ الحُدودَ بَيْنَ الذهن الوظيفيّ والعالَم.
[38] جاكندوف، راي، الدلالة مشروعا ذهنيا، ضمن كتاب: دلالة اللغة وتصميمها، ص17.
[39] المرجع نفسه، ص17.
[40] المرجع نفسه، ص15-16.