مسار نمو السكان في مدينة ندرومة العتيقة إبَّان الفترة الاستعمارية وبعد الاستقلال
The path of population growth in the ancient city of Nedroma during the colonial period and after independence
د. بن زغادي محمد/جامعة تلمسان، الجزائر
Dr. Benzeghadi Mohammed / University of Tlemcen, Algeria
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 77 الصفحة 79 .
Abstract:
The ancient city of Nedroma is one of the most prominent urban areas that was a pioneer in the field of urbanization in the Islamic Maghreb during the middle period, It was established by the Almoravid Sultan Yusuf bin Tashfin among the mountain peaks overlooking the Mediterranean Sea, which was not far from it, only about 06 km, according to a straight line,Not to mention that, the social worker also had a role in qualifying the city to the prestigious metropolis, Like the cities of this world, the ancient city of Nedroma was not only a political entity that is subject to the authority of the ruler only, Rather, it was an architectural unit in which life was brought about through the interaction of its residents with their buildings that they constructed, such as housing, mosques, fences, bathrooms, etc. Including what has completely disappeared, and some that are still visible as a very accurate record of what ancient ancestors created in the field of architectural art, and the extent of their inclination towards giving it aesthetic value.
The truth that we recorded in our research marked by the path of population growth in the ancient city of Nedroma is the human being is the axis of urbanization, It does it for and for it, This is what the Algerian thinker Malik bin Nabi went to in his definition of civilization, presenting it in the form of a mathematical equation as follows: civilization = human + earth + time, Through the data provided in the article, we found that the more the city expanded in scope, the greater the population, and vice versa, that is, there is a mutual relationship.
key words: Nadroma- population-urbanization-colonial period- after independence.
ملخص:
تعد مدينة ندرومة العتيقة أحد أبرز الحواضر التي كانت رائدة في مجال التمدن بالمغرب الإسلامي إبّان الفترة الوسطى، وذلك لما توفَّر لها من مقومات طبيعية تمثَّلت أساساً في الموقع المحصَّن الآمن، حيث أسَّسها السلطان المرابطي يوسف بن تاشفين بين قمم الجبال المطلة على البحر الأبيض المتوسط الذي لم تبعد عنه إلاَّ حوالي 06كلم وفق خط مستقيم، وغير ذلك من المؤهلات، وناهيك عن ذلك، كان للعامل الاجتماعي أيضاً دور في تأهيل المدينة إلى مصف الحواضر المرموقة، فعلى غرار مدن هذا العالم لم تكن مدينة ندرومة العتيقة مجرَّد كيان سياسي خاضع لسلطة الحاكم فقط، إنما كانت وحدةً معمارية تدُّب فيها الحياة عبر تفاعل ساكنيها مع عمائرهم التي قاموا بتشييدها كالمساكن والمساجد والأسوار والحمامات …إلخ، منها ما اندثر تماماً، ومنها ما لا يزال ماثلاً للعيان كسجلٍ بالغ الدِّقة عمَّا أبدعه الأسلاف قديماً في مجال الفن المعماري، ومدى ميولهم نحو إضفاء قيمة جمالية عليه.
الحقيقة التي سجلناها في بحثنا الموسوم بمسار نمو السكان في مدينة ندرومة العتيقة أن الإنسان هو محور التحضر، وهو الهدف الأول من نجاح هذه العملية، فهي تقوم به ومن أجله، وهو ما ذهب إليه المفكر الجزائري مالك بن نبي في تعريفه للحضارة مقدِّماً ذلك على شكل معادلة رياضية كالآتي :الحضـــارة =إنسـان+ تـــراب+ زمن، ومن خلال المعطيات الواردة في المقال وجدنا أنه كلَّما ازداد اتساع المدينة مجالياً ازداد عدد السكان، والعكس صحيح، أي هناك علاقة متبادلة.
الكلمات المفتاحية: مدينة ندرومة، عدد السكان، التحضر، الفترة الاستعمارية، بعد الاستقلال.
تمهيد:
تميَّزت مدينة ندرومة بقيم حضارية متشبعة بالثقافة الإسلامية التي تحلَّت بها من كونها جزء لا يتجزأ من العالم الإسلامي، ولاشك أن ما تبقى بها من عمائر مختلفة بالإضافة إلى التصميم العمراني، لنماذج ناطقة عن مدى ارتباطها الوثيق مادياً ومعنوياً بالدين الإسلامي، وكذا بالبيئة التي وجدت فيها، ولـمَّا كان الإنسان المحرك الأساسي للحضارة منذ القدم، كان لأفراد المجتمع دور مباشر في تحديد مورفولوجية البيئة التي يعيشون فيها بُغية الحصول على وضع أفضل يمكن لهم من خلاله فرض شخصيتهم والقيام بجميع نشاطاتهم في ظروف مريحة، ومن تم توفير جميع متطلباتهم، هذه العلاقة القائمة بين الإنسان والمكان قديمة ومتبادلة، فكما تمكن للإنسان أن يؤثر على المكان، تمكن هذا الأخير أيضاً أن يؤثر عليه عبر ما يفرضه من مواد وطريقة بناء، ونظام غذاء.
لقد عاشت مدينة ندرومة العتيقة تحولات عميقة في تركيبتها الاجتماعية، نجم عنها ظهور ضغوط حضرية على تراثها المادي بفعل المتطلبات الجديدة للسكان، بدأت أولى التغيرات تطفو على السطح بعد تعرضها للاحتلال الفرنسي فقد قام بجلب المعمرين من أوروبا للعيش فيها منتهجةً بذلك نفس النهج الذي قامت به في باقي المدن الجزائرية.
1-مسار النمو السكاني لمدينة ندرومة العتيقة في الفــــترة الاستعمارية:
استنـادا إلى وثائق من الأرشيف الفرنسي أشار الباحث الفرنسي “جيلبار جراند غيوم ” إلى أن مساحة مدينة ندرومة سنة 1867م قدرت بـــ 2154 هكتار مقسَّمةً على النحو الآتي:
مساحة الملكية الخاصة | مساحة ملكية الأوقاف | مساحة الأراضي الزراعية | مساحة الملكية العامة | المجموع |
15.24 هآ | 1.50 هآ | 4.62هآ | 1.8هآ | 23.16هآ |
الجدول رقم01:يبين مساحة مدينة ندرومة العتيقة سنة 1867ونوعية الملكية الموجودة بها.
يتضح من الجدول أعلاه أن مساحة المدينة العتيقة كانت أقل مساحةً مقارنةً بمدينة تلمسان العتيقة عاصمة الزيانيين وهو أمر طبيعي بالنظر إلى كون مدينة ندرومة العتيقة من المدن الثانوية ولم تكن عاصمة، السبب المباشر الذي يجعل المدن عامة نقاط جلب للسكان ومن تم تزداد مساحتها.
نفتح قوساً للإشارة فقط أن العدد الذي ذكره “جلبار جراند غيوم” لم يمكن هو الحاصل الناتج عن جمع المساحات التي ذكرها، فقد وجدنا مجموعها هو 23.16 هكتار كما هو وارد في الجدول، ونشير أيضا إلى أنه قد تقلَّص حالياً حيث أصبح لا يتعدى 09 هكتارات وفقاً لما تم ذكره في المرسوم التنفيذي رقم 09/402 ([1])، لقد كانت أكبر مساحة بالمدينة خاصة بالملكية الخاصة المتمثلة أساساً في المساكن وورشاتهم الحرفية ودكاكينهم، ثم يأتي بعدها مساحة الأراضي الزراعية، وبالنسبة لملكية الأوقاف فقد بلغت مساحتها 1.50هكتار، وهي الأخرى مساحة معتبرة، إذ ما قورنت بالدور الذي تؤديه، أغلب الظَّن أن أكبر جزء منه كان عبارة عن أراضي فلاحية أو بساتين تخصص ريعها لصالح المساجد وغيرها على النحو الذي كان معمولاً به في المدن الإسلامية، وما تبقَّى كان عبارة عن ملكية عامة كالمقابر وغيرها، بالموازاة مع المساحة المتعلقة بالملكية الخاصة المقدَّرة بـ 15.34هكتار بلغ عدد السكان فيها في أول إحصاء قام به المستعمر الفرنسي سنة 1867م ما يعادل2545 نسمة، وقد كانوا منقسمين إلى فئتين الأولى فئة السكان الأصليين والثانية لليهود موزعين حسب الجدول الآتي:([2])
السكان الأصليين | الذكور | الإناث | الأطفال | المجموع الجزئي | المجموع الكلي |
455 | 665 | 1085 | 2205 | 2545ن | |
اليهود | 78 | 90 | 172 | 340 |
الجدول رقم02:يبين عدد الذكور والإناث والأطفال في فئتي السكان الأصليين واليهود بمدينة ندرومة العتيقة سنة 1867م.
ونوضح أعداد كِــــلا الفئتين في الأعمدة البيانية الآتية:
الأعمدة البيانية رقم01:تبين عدد الذكور والإناث والأطفال في فئة السكان الأصليين واليهود بمدينة ندرومة العتيقة سنة 1867م.
يتضح من الجدول والأعمدة البيانية الخاصة بتعداد سكان مدينة ندرومة سنة 1867م أنها تكونت من فئتين الأولى فئة السكان الأصليين (المسلمين)والثانية فئة اليهود، ويتبين جلياً أن فئة السكان الأصليين هي الأكثر عدداً، إذ شكَّلوا ما يعادل86.64 % من المجموع الكلي مكونين حسب ما ذكر “جيلبار غراند غيوم”236 عائلة، شكَّل وجود الأطفال والنساء الجزء الأكبر، إذ بلغت نسبة الأطفال في هذه الفئة 47.98% تليها نسبة الإناث بــ 29.47%،أما نسبة الذكور فكانت هي الأقل عدداً في هذه الفئة، حيث بلغت 20.63%، ربما يعزَّى ذلك إلى مقتل العديد منهم في المعارك التي دارت راحاها بين أهالي المدينة بقيادة الأمير عبد القادر حينما انضموا تحت رايته لطرد المستعمر الغاشم.
وبالنسبة لفئة اليهود فقد شكَّلوا نسبة 13.35%من إجمالي السكان، أما عدد عائلاتهم فقد بلغ 70عائلة، نفس الشيء بالنسبة لعدد الذكور، فقد جاء أقل ممن عدد الإناث ولأطفال، إذ شكلوا نسبة 23.94% فقط من العدد الإجمالي في حين شكل عدد الأطفال أكبر نسبة، حيث قدرت بـ 50.58% ثم تليها نسبة الإناث بــ 26.47%.
بقيت مدينة ندرومة محتفظة بتركيبتها السكانية المتكونة من فئتين فقط، لكن من حيث الكَّم يمكن القول أنها تعرضت للنقصان والزيادة تماشياً مع الظروف التي أحاطت بها، لقد زاول سكان المدينة نشاطات حرفية وفلاحية، وقد أظهر إحصاء سنة 1867 أنه وُجد آنذاك 148 عامل في النسيج و17ورشة لصناعة الفخار، هناك بعض الصناعات التي كان اليهود يمارسونها بالمدينة كصناعة الحلي التي كان يمتهنها 06 صنَّاع وصناعة الأسلحة التي امتهنها صانعان وصناعة البلغة التي اشتغل فيها 09 صنَّاع بالإضافة إلى هذه النشاطات امتلك سكان المدينة سوقاً أسبوعياً يقام كل يوم خميس، وهو لايزال يقام لحد الساعة كل يوم خميس بجانب السور المشيد من طرف المستعمر شمال المدينة، وجه الاختلاف فقط في السلع، فقد كانت تباع فيه البهائم فقط، أما بقية السلع كالحبوب والصوف واللحم كانت تباع في ساحة التربيعة داخل النسيج المعماري للمدينة بمحاذاة الجامع مع الكبير، لقد أكسب هذا النشاط التجاري المدينة مكانةً مرموقةً بين البوادي المحيطة بها وجعلها قبلة الجهة الشرقية من إقليم ترارة والغزوات ومغنية وجبالة وحتى مدينة وجدة المغربية([3])، تدل هذه المعطيات على وجود تعايش بين الفئتين، وأن مدينة ندرومة كانت هي الأخرى من الحواضر المرموقة تجارياً عبر ما تجسَّد بها من صنائع ومعاملات تجارية.
لم تبق التركيبة السكانية عمَّا كانت عليه، فدخول المستعمر الفرنسي إليها جلب معه المعمرين إلى المدينة، حيث شهدت سنة 1852 استقرار معمِّر واحد مَنَح له المحتل14هكتار من الأراضي كامتياز على مجيئه للعيش في المدينة، وهي مساحة جدُّ معتبرة، إنَّ الغرض من ذلك هو تحفيز بقية المعمرين، وعمد المستعمر على إنشاء مدرسة فرنسية سنة 1865م تحت إدارة السيد “بودات” لتدريس أبناء المعمرين([4])، وهو ما يدل أن أعدادهم بدأت تزداد، لذلك بدأ بوضع حجر الأساس للمدرسة التي تعد من بين أهم المشاريع التنموية الحضرية ذات الطابع الاجتماعي الأمر الذي يبين علاقة الجانب الاجتماعي بالتمدن المادي.
أمام غياب المعطيات الإحصائية لهذه الفترة الزمنية لم نستطع ضبط عدد سكان المدينة في السنوات الأخيرة من القرن 19م، إلا أنه يمكن القول تماشياً مع أولى التوسعات العمرانية التي حدثت بعد سنة 1884م أن عدد سكان المدينة بدأ يزداد لأن العمارة تدل على احتياج ضروري ومباشر للسكان.
مع بداية القرن العشرين بالتحديد بين سنتي1901 و1911م نزح من البوادي المجاورة للمدينة ما لا يقل عن 300 فرد من الأهالي، نتيجة لسوء الأوضاع المعيشية واضطهادهم من قِبل المستعمر الفرنسي لوقوفهم إلى جانب الأمير عبد القادر في معاركه التي شنَّها ضده، خاصة أن المدينة تعزَّزت بإنشاء المدرسة وبدأت تتوسع خارج الأسوار جهة الشرق، ومما لاشك فيه أن توافد الأهالي نحو المدينة كان يخدم مصالح المستعمر في إعمارها، وكذا في الحصول على اليد العاملة لإنجاز المشاريع التنموية الموجهة للمعمرين، إضافة إلى أنه وجد فيهم مورداً بشرياً مهماً في الحرب العالمية الأولى بعدما فرض عليهم قانون التجنيد الإجباري، هذا القانون شكل منعطفاً حاسماً في مسار نمو السكان، حيث غادر عدد كبير مع سكان مدينة تلمسان إلى المشرق والمغرب الأقصى، تعبيراً عن رفضهم لذلك القانون، لكن أحد المؤرخين أشار إلى أن الفترة الزمنية الممتدة من سنة 1872م إلى غاية سنة 1921م شهدت ارتفاعاً محسوساً في عدد سكان المدن الجزائرية المتمركزة بالقرب من الساحل، وذلك لتحسُّن بنيتها الحضرية([5])، ويبدو أن مدينة ندرومة كانت من بين المدن التي ازداد عددها في هذه الفترة لكونها هي الأخرى مدينة ساحلية، إذ لا تبعد عن البحر إلاَّ حوالي ستة كيلومترات وفق خط مستقيم.
وفدت إلى مدينة ندرومة موجة ثانية من المهاجرين النازحين من الأرياف المجاورة كبني مسهل وبني منير وجبالة في أربعينات القرن العشرين، وقد بلغ عددهم 859نسمة ليصل التعداد الإجمالي إلى حوالي 7745 نسمة([6])، وذلك راجع لاتساع الهوَّة بينها وبين الأرياف المجاورة لها في مجال السكن والمرافق الضرورية، فمثلاً وُجد بمدينة ندرومة مركز البريد الذي احتاج سكان الأرياف المجاورة لخدماته حتى يستلموا الحوالات المالية التي كان يبعث بها أهاليهم من فرنسا، بعد أن هاجروا إليها في وقت سابق طلباً للعمل ووضع أفضل، لقد عرف عدد المعمرين تراجعاً بعد سنة 1948 مقارنةً بعدد المهاجرين الذي ارتفع بمدينة ندرومة، وهو نفس الأمر الذي عرفته جلُّ المدن الجزائرية، حيث انخفض بها عدد المعمرين بنسبة %60، وبالمقابل زاد ارتفاع عدد السكان الأصليين بنسبة 35 %في السنة، وذلك بالتحديد بين سنتي 1926 و1948.([7])
في الإحصاء الذي قامت به فرنسا سنة 1954م، صُنِّفت مدينة ندرومة من بين المدن المكتظَّة بالسكان مقارنةً بمساحتها الصغيرة، فقد بلغ عدد سكانها 9009 نسمة من ضمنهم 560 معمِّر فقط متمركزين في مساحة قدرها 23.16هكتار([8])، تجدر الإشارة إلى أن مساحتها ازدادت عمَّا كانت عليه بـ06 هكتارات، وعليه بلغت نسبة الكثافة السكانية بها 3.75ن/م ²، وهي كثافة عالية نوعاً ما أمام المساحة الإجمالية السالفة الذكر، الأمر الذي يؤكد أن النمو السكاني لم يتماش في خط واحد مع التنظيم المجالي، حيث لم تتسع مساحتها عمَّا كانت عليه إذا ما قارنها بسنة 1867م إلاَّ بضع هكتارات معدودة، في حين تضاعف عدد سكانها عن تلك السنة بحوالي ثلاث مرات، ومع مجيء سنة 1960م ازداد ارتفاع عدد سكان المدينة إلى 12801 نسمــة (9)، ونقوم بـــتوضيح ما أتينا على ذكـــــره بمنحى بياني وفقا لما تحصَّلنا عليه من معلومات عن ذلك.
المنحنى البياني رقم 01:يوضح المسار التطوري لسكان مدينة ندرومة في الفترة الاستعمارية (1867-1960).
يتضح من المنحنى البياني أعلاه أن عدد سكان مدينة ندرومة تضاعف بشكل تدريجي، منذ أن خضعت للمستعمر الفرنسي بفعل الهجرة الريفية لأصحاب القرى المجاورة، وسياسة الاستيطان التي طبقها المستعمر في جميع المدن، وهو ما أدَّى إلى بروز كثافة سكانية عالية، بلغت أعلى نسبة لها 5.94ن/م² قبل الاستقلال، وبالتحديد سنة 1960 وهي السنة التي سجلت ارتفاعاً كبيراً نتيجة رحيل المعمرين من المدينة، وتزايد هجرة أصحاب القرى المجاورة إليها للسكن في مساكنهم التي بقيت فارغة، وعليه يمكن القول أن المسار التطوري لعدد سكان المدينة سرى وفق منحنى تصاعدي في الفترة الاستعمارية في حين لم يتغير حجم الوعاء العقاري كثيراً، لأن المستعمر لم يقم بإنجاز عدد كبير من المباني بل اكتفى بما هو ضروري فقط.
2- مسار النمو السكاني لمدينة ندرومة العتيقة بعد الاستقلال:
على غرار المدن الجزائرية استقلت مدينة ندرومة من قبضة الاحتلال الفرنسي الذي استعمرها منذ سنة 1842م بعدما عرفت تحولاً في مورفولوجيتها الحضرية والاجتماعية في فترة احتلالها، ودخلت بعد الاستقلال في سبات تنموي أي من جانب إنشاء وحدات صناعية وتجهيزات إدارية وغيرها من المراكز التي تخدم مصالح المواطنين سواء المقيمين بها أو سكان القرى المجاورة، وبالرغم من ذلك فضَّل ساكنيها المكوث بها وعدم الرحيل منها(10)، ولم يكن ذلك مقتصراً على مدينة دون أخرى، بالموازاة مع الوضع الذي مرَّت به ندرومة آنذاك، شهدت توافداً أكبر من ذي قبل لسكان الأرياف بفعل الرحيل المكثَّف للمعمرين الفرنسيين الذين تركوا وراءهم مساكنهم وبقية ممتلكاتهم.
نجم عن هذه الهجرة المكثَّفة بروز الأحياء القصديرية بالمدينة، فلم يعد النسيج المعماري العتيق كافياً لاستيعاب العدد الهائل لسكان الأرياف الوافدين، الأمر الذي دفع بهم إلى بناء مساكن بالجهة الجنوبية على منحدرات جبلها عُرف ذلك التجمع باسم حي سيدي عبد الرحمن، نفس الشيء وقع بالجهة الغربية حيث تكوَّن تجمع سكاني آخر سمي بحي الرملة، (لأن مكانه يتكون من كريات صغيرة تشبه الرمال)، والملاحظ أن هذه التجمعات تمركزت بالقرب من المدينة العتيقة ولم تبتعد عنها، ما يؤكد أنها كانت في تلك الفترة القلب النابض للنواحي المجاورة، وأنها كانت تتضمن جميع المتطلبات التي يحتاجونها سواء الدينية أو الدنياوية، وإضافة إلى عامل الهجرة الذي أدَّى إلى حدوث هذه التوسعات العشوائية، زاد عامل السبات التنموي الذي عرفته المدينة من تزايد حدة الوضع، حيث لم تستفد في فترة الستينيات من أي مشروع سكني، نظراً للوضع الاقتصادي الذي كانت تمر به الجزائر آنذاك، هذه الظروف أدَّت لهجرة سكان المدينة وكذلك النواحي المجاورة إلى المدن الكبرى مثل مدينة وهران والجزائر العاصمة، وحتى فرنسا لضمان مستوى لائق في العيش.(11)
لقد أثَّرت الهجرة التي قام بها المعمرون بعد مغادرتهم للمدينة على العدد الإجمالي للسكان، فقد انخفض عمَّا كان عليه بحوالي 646 نسمة ليصل عددهم في الإحصاء الأول الذي قامت به الجزائر سنة 1966إلى حوالي 12155 نسمة(12)، أي أن أعدادهم تراجعت بنسبة 5.04%.
عرفت مرحلة السبعينيات بالموازاة استفادة المدينة من بعض المنجزات المعمارية، ما أدَّى إلى ارتفاع عدد سكان المدينة بعدما توافد إليها عدد كبير من المهاجرين، وقد ظهر ذلك جلياً في إحصاء سنة 1977، إذ بلغ تعدادها 13489نسمة(13)، أي بزيادة قدرها %10.97.
مع مجيء الثمانينات عرفت المدينة تجسيد مشاريع لها علاقة مباشرة بالمواطن الندرومي ومتطلباته في مجال التعليم والصحة والسكن، وفي سنة 1987شهدت المدينة ارتفاعاً محسوساً في العدد بلغ 17164نسمة(14)، وأمام الوضــع السياسي الذي عاشته البــلاد في بداية التسعــينات هاجرت إلى المدينـــة موجة أخرى مــن السكان بحثاً عن الأمن والاستقرار، وهذا ما أدَّى إلى توسعها نحو الجهة الشمالية التي تكونت بها على غرار حي بن باديس ثلاثة أحياء أخرى، وهي حي عبد المؤمن بن علي، حي داقيوس حي عين الزبدة (15)، شكَّلت هذه المرحلة بداية الانفصال عن المدينة العتيقة في الجانب المادي والمعنوي، لأن التغير الحاصل مسَّ كذلك الجانب التجاري، فقد انتقلت جلُّ النشاطات التي كان يمارسها السكان بالمدينة العتيقة نحو الأحياء الجديدة، وقد غادرها ما يقارب 175 عائلة من مجموع 622 عائلة، أي ما يعادل نسبة 28.13%، وزاد في تحريك رغبتهم في المغادرة ذلك التقسيم العقاري الذي قامت به البلدية في بداية التسعينات، إذ تمَّ توزيع 23قطعة أرضية على المواطنين لبناء مساكن فردية(16)، وقد بلـــــغ عدد سكان المدينة ككل 20324 نسمة في إحصاء سنة 1998م.(17)
بعد هذه السنة زادت مغادرة سكان المدينة العتيقة إلى الأحياء الجديدة، وتجدر الإشارة أنها أصبحت تسمى بالمدينة القديمة في المنطوق المحلي مقارنةً مع الأحياء المنجزة بالجهة الشمالية التي أصبحت تسمى بالمدينة الجديدة، وقد تميزت هذه الفترة بانقطاع الهجرة الخارجية وبقاء الهجرة الداخلية فقط(18)، شهدت هذه الفترة أيضاً هجرة سكان المدينة العتيقة إلى الحد الذي أصبحت فيه لا تأوي إلاَّ حوالي %20 من مجموع السكان الإجمالي لمدينة ندرومة (19)، بالموازاة مع ما ذلك زاد ارتفع عدد سكان المدينة الجديدة بشكل ملفت للانتباه عمَّا كان عليه سابقاً، حيث بلغ العدد الاجمالي أي لساكنيها إضافة لساكني المدينة العتيقة حوالي 32498 نسمة في إحصاء سنة 2008.(20)
عقب هذا الإحصاء، أي في السنوات القليلة الأخيرة اتسعت الفجوة بين المدينة العتيقة والمدينة الجــديدة في جميع الجوانب سواء المعمارية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، فمن جانب المساحة زاد حجم المدينة الجديدة عمَّا كان عليه بمساحة قدرها حوالي 02 كلم² من المباني التي جاءت في معظمها عبارة عن مساكن فردية من طابق أو طابقين ولتوضيح الصورة جيدا نقدم المعطيات الإحصائية في الجدول والمنحنى البياني الآتي :
السنة | 1966 | 1977 | 1987 | 1998 | 2008 |
عدد السكان | 12155ن | 13489ن | 17164ن | 20324ن | 32498ن |
الجدول رقم03:يوضح العدد الإجمالي لسكان مدينة ندرومة بعد الاستقلال(1966-2008).
ونوضح ما جاء في الجدول بالمنحنى البياني الآتي:
المنحنى البياني رقم02:يبين مسار تطور العدد الإجمالي لسكان مدينة ندرومة بعد الاستقلال (1966-2008).
تبعاً لما هو مبين في الجدول والمنحنى البياني أعلاه، يتضح جلياً أن المسار التطوري لسكان مدينة ندرومة كان يسير وفق منحنى تصاعدي من آخر إحصاء، إلاَّ أنه إذا ما قارنا الإحصاء الأول لسكان المدينة مع ما تقدمه في سنة 1960م، يتضح أن أعدادهم تراجعت بنسبة %5.04، وذلك راجع لتقهقر الوضع الاقتصادي للبلاد عامةً وهجرة بعضهم نحو المدن الكبرى كما لا ننس الفئة الموالية لفرنسا، فقد فرَّت من البلاد ولحقت بها ساعة خروجها ما يلاحظ أن الزيادة الحاصلة في أعدادهم في إحصاء سنة 1977م لم تكن بالكبيرة، إذ بلغت %11.04، في حين كانت أعلى بالضعف في إحصاء سنة 1987حيث بلغت %27.24، وهو ما يعدُّ ترجمةً مباشرة لتحسُّن الوضع الاجتماعي بالمدينة، نظراً لاستفادتها من بعض المشاريع التنموية بعدما تم ترقيتها إلى رتبة دائرة، وهو ما فرض لزاماً على أصحاب القرار تجهيزها بما يتناسب مع ذلك، الملفت للانتباه أن النسيج التاريخي عاش حينها كثافة سكانية عالية لعدم وجود مكان آخر للسكن، وكذا لتوفره على معظم ما يحتاجونه آنذاك، كما أن المستعمر الفرنسي لم يترك إلاَّ عدداً قليلاً من المساكن وتجهيزات أخرى، وهو ما جعل المدينـة العتيقة مكاناً مفضلاً للعيش وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار مساحتها التي لم تتغير عما كانت عليه في الفترة الاستعمارية، أي 2334 هكتار لوجدنا أن كثافتها بلغت 7.94ن/م²، ما يدل دلالة واضحة أنها عاشت نمواً ديموغرافياً بالغ الحدة في الثمانينيات من القرن المنصرم.
ممَّا لاشك فيه أن لهذا الواقع الاجتماعي تأثيراً مباشر وسلبي على مورفولوجية المدينة العتيقة وعلى الوحدات المعمارية لنسيجها العمراني، التي تأتي في مقدمتها المساكن باعتبارها المكان الذي يحتضن وجود أولئك السكان، خاصة في ظل وجود كثافة سكانية عالية كالتي وصلت إليها المدينة العتيقة، إلاَّ أن التوسعات العمرانية التي عرفتها في فترة التسعينات اتجاه الشمال على طول سهلها خفَّف من حدَّة الكثافة السكانية، حيث انتقلت العديد من الأسر إلى هناك بعد استفادتها من السكن أو من القطع الأرضية الصالحة للبناء التي قامت بتوزيعها دائرة ندرومة آنذاك، هذا التحسن زاد من عدد سكانها بنسبة18.41 % عن الإحصاء السابق، وهو ما أدَّى إلى وفود العديد الأسر إلى المدينة العتيقة لتشغل المساكن التي غادرها أصحابها عقب تدهور الوضع الأمني للبلاد عامة ومرورها بعشرية سوداء.
فيما يخص إحصاء سنة 2008، سُجِّل فيه أكبر نسبة في نمو السكان بندرومة بين عمليات الإحصاء السابقة إذ بلغت نسبة الزيادة %59.89، وهو ما زاد في اتساع المدينة نحو الشمال والشمال الغربي، وبروز أحياء جديدة تمثلت في حي عبد المؤمن وحي بن علي وحي داقيوس وحي عين الزبدة إضافة إلى حي بن باديس.
بعد خمس سنوات من الإحصاء السالف الذكر، زاد عدد سكان المدينة، ففي آخر تقدير للبلدية في سنة 2013م وصل تعدادهم إلى حوالي 33295نسمة(21)، أي بزيــــادة قدرها %2.45.
أصبحت مدينة ندرومة حالياً متسعة ومنقسمة إلى جزئيين، جزء يسمى بالمدينة القديمة، والآخر يسمى بالمدينة الجديدة، وهي تشهد توسعاً عمرانياً متزيداً، وإنجاز تجهيزات ومرافق جديدة أهمها المركز الاستشفائي والمقر الجديد للحكمة والضمان الاجتماعي أما المدينة العتيقة فقد عرفت تراجعاً ملحوظاً في قيمتها الفنية والتاريخية لأنها أصبحت هي الأخرى تسير على خطى التمدن العمراني الجديد ذي الطابع الغربي الذي تجسَّدت معالمه على مرئً منها في الأحياء الجديدة.
خاتــــــــمة:
من خلال ما تطرقنا له في هذه الورقة البحثية الموسومة بعنوان مسار نمو السكان في مدينة ندرومة العتيقة إبَّان الفترة الاستعمارية وبعد الاستقلال، تولنا لي فكرة مفادها أن العامل الاجتماعي من الجوانب الخفية التي تؤثر على عمران المدن العتيقة، حيث تبين أن هناك علاقة طردية بين عدد السكان والمساحة المشغولة، فقد كانت مدينة ندرومة في أول بدايات تحضرها مسورة بسور دفاعي لا تتعدى مساحتها 09 هكتارات، واليوم تضاعفت مساحتها بسبع مرات تقريباً، ما يؤكد أن لهذا العامل تأثير كبير على مورفولوجية المدن عامة والعتيقة خاصة، ناهيك عن هذا الأمر اتضح أيضاً أن مدى استفادة المدن من المرافق الضرورية سيزيد من عدد ساكينيها، حتى يكونوا على قرب من هذه المرافق ومثالنا في ذلك مدينة ندرومة العتيقة، فبالرغم من طبوغرافيتها الصعبة، إلاَّ أن ذلك لم يشكل حاجزاً أمام توافد السكان وتكاثرهم بها، وذلك ما لمسناه من الجداول الإحصائية والمنحنى البياني التصاعدي السالف ذكرهما، هذا المسار السكاني و ما نجم عنه من امتداد حضري شكَّل ما يسمى الازدواجية الحضرية، مدينة عتيقة تجاورها مدينة حديثة بميزات حضارية تختلف كل الاختلاف عمَّا تركه الأسلاف قديماً بمدينة ندرومة العتيقة.
قائمة المراجع:
[1].الجريدة الرسمية، مرسوم تنفيذي رقم 09/402،مؤرخ في 12 ذي الحجة 1430هـ الموافق لـ:29نوفمبر2009 متضمن إنشاء القطاع المحفوظ للمدينة العتيقة ندرومة وتعيين حدوده،العدد71،الجزائر2009.
2.الديوان الوطني للإحصاء.
- 3. بلدية ندرومة،المصلحة التقنية.
.2Gilbert Grand guillaume, Une Médina de l’Ouest Algérien : Nedroma,In (R) de de l’occident musulman et de la méditerranéen°10,France,1971,p:64,www.presse.fr/doc/remmm.
3.Kamal Katab, Européenes, Indigénes et Juifs en Algérie(1830-1962) Représentation et réalité des populations, L’institut National d’études démographiques, Paris,2001.
4.Sidi Mohammed Trache, Exurbanisation et mobilités résidentielles à Nédroma (1990-2000), In (R) Insanyat n°28,CRASC,Oran.
5.DjilaliSari, Les villes Précoloniales de L’Algérie Occidentale Nédroma Mazouna , Klâa, 2emme édition, société nationale d’édition et de diffusion,1978,Alger.
[1]-الجريدة الرسمية،مرسوم تنفيذي رقم 09/402،مؤرخ في 12 ذي الحجة 1430هـ الموافق لـ:29نوفمبر2009 متضمن إنشاء القطاع المحفوظ للمدينة العتيقة ندرومة وتعيين حدوده،العدد71،الجزائر2009،ص:5-6
–2Gilbert Grandguillaume,UneMédina de l’Ouest Algérien:Nedroma,In (R) de de l’occident musulman et de laméditerranéen °10,France ,1971, p:64 ,www.presse.fr/doc/remmm.p:63
–3Gilbert Grandguillaume,Op.cit,p:62
–5Kamal Katab,Européenes,Indigénes et Juifs en Algérie(1830-1962) Représentation et réalité des populations, L’institut National d’études démographiques, Paris,2001,p:25
–6Sidi Mohammed Trache,Exurbanisation et mobilités résidentielles à Nédroma (1990-2000),In(R)Insanyat n°28,CRASC,Oran,p:25
9-Djilali Sari, Les villes Précoloniales de L’Algérie Occidentale Nédroma Mazouna ,Klâa, 2emmeédition ,société nationale d’édition et de diffusion,1978,Alger,p:155
10-Sidi Mohammed Trache,Op.cit,p:33
11– ibid,p:33
12-الديوان الوطني للإحصاء،إحصاء سنة 1966.
13-الديوان الوطني للإحصاء،إحصاء سنة 1977.
14-الديوان الوطني للإحصاء،إحصاء سنة 1987.
15-بلدية ندرومة،المصلحة التقنية.
16-بلدية ندرومة،المصلحة التقنية.
17-الديوان الوطني للإحصاء،إحصاء سنة 1998.
18-Sidi Mohammed Trache,Op.cit,p:42.
19-ibid,p:49.
20-الديوان الوطني للإحصاء،إحصاء سنة 2008.
21–بلدية ندرومة،المصلحة التقنية.