
المكونات العجائبية ووظائفها الاجتماعية في رواية “حاموت” لوفاء عبدالرزّاق
The Fantasy elements and their social functions in the novel “Hamut” for Wafa Abdul-Razzaq
طالب الدکتوراه سيامک ظفري زاده: کلية اللغات. جامعة أصفهان. إیران.
الأستاذ المشارک أحمدرضا صاعدي (الکاتب المسؤول): جامعة أصفهان. إیران.
الأستاذة المشارکة نرگس گنجي: کلية اللغات. جامعة أصفهان. إیران.
Siamak Zafarizadeh – Ahmadreza Saedi – Narges Ganji University of Isfahan. Iran.
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 64 الصفحة 9.
الملخّصالروائيون المعاصرون نظراً إلی الحیادیة والظروف المؤسفة الاستبدادية التي سيطرت علی بعض المجتمعات الشرقية، يوظفون الأسلوب العجائبي لتعبير عن نواياهم وأغراضهم. في هذا السياق، اتخذت هذه الدراسة رواية “حاموت” لـ”وفاء عبدالرزاق”، لتدرس الوظائف الاجتماعية للمکونات العجائبية. قد توصلت الدراسة، مستعینة بالمنهج الوصفي التحلیلي، إلی أن الروائية اختارت العجائبية في تقديم عديد من عناصر الرواية، لتبرز خلالها الظروف المأساوية الراهنة في الزمن الديكتاتوري، صدام حسين، والأحداث التي تلت بعدها بالحرب المدمرة الأمريکية، واحتلال العراق بواسطة القوات الأمريکية، الذين صنعوا من العراق مدينة مستوحشة غريبة، تعاني من البلايا والانکسارات والمصائب.
الکلمات الرئيسة: العجائبية، وفاء عبد الرزّاق، الوظائف الاجتماعية ، العراق، حاموت.Abstract:
The Fantasy elements and their social functions in the novel “Hamut” for Wafa Abdul Razzaq.
The contemporary novelists, due to the unfortunate and authoritarian conditions that was dominated on the some eastern societies, used the fantasy method, to express their intentions. in this context, this study chose the novel “Hamout”for “Wafa Abdul Razzaq”, to study the social functions of the fantasy elements. this study realize, using the descriptive analytical method, that the novelist, chose the fantasy to show many elements of the novel, to highlight the current tragedy conditions, of dictatorial time, Saddam Hussein, and the events after the occupation of Iraq, by the american forces, those who turned Iraq, into a scary and strange city, suffers from disasters and breaks and calamities
Keywords: The Fantasy, Wafa Abdul Razzaq ,The social functions, Iraq, Hamut.
- المقدمة
إن الروایة بعد أن سجلت حضورها في الساحة العربیة، لم تنفصل عن الحرکة الروائیة العالمیة، بل سارت جنبا إلى جنب معها، واستمدت الأشکال والمفاهیم العالمیة الجدیدة، واقتربت من رسالتها الاجتماعیة والسیاسیة، بحیث تأثرت من الظروف التاریخیة التي مرت بها المجتمعات العربیة، فشاهدت منذ الستینات الأشکال والأنماط الجدیدة کالتجریب، وتجاوزت الأسالیب التقلیدیة المألوفة، لتعبر عن القضایا المتعددة الجدیدة في تلک المجتمعات، فأصبحت علی رأي شعیب حلیفي «مرآة المجتمع المدني الصاعد، وسلاحه الإبداعي في مواجهة نقائضه».[1]
والرواية العراقية وفقا لرسالتها الاجتماعیة، رصدت کل الأحداث التي عرفها الواقع العراقي منذ ظهور الاستعمار والاستبداد حتی الاحتلال والحرب والدمار الذي شاهدته العراق في العقود الأخيرة. واتخذت مؤشرات، وتقنيات جدیدة للتعبير عن المعاناة والمأساة الجماعية الکبری، ومن هذه التقنيات، هي الأسلوب العجائبي/ الفانتاستیکي الذي، بعلاماته المتعددة وعناصره المتنوعة، وبحيادته التي يختفي الروائي ورائها، أصبح وسيلة ناجحة في تجسيد الأحداث والقضايا الاجتماعية . اتخذه الروائیون العراقییون الجدد – نظراً لطبیعة الظروف التاریخیة الخاصة التي مرّت بها العراق – کأداة تعبیریة یعبرون بها عن انفعالاتهم وتفاعلاتهم مع واقعهم الألیم والغریب.
«إذن أصبح العمل الروائي، تحت مؤثرات ضاغطة، تدفع به للجوء إلی الفانتازيا، ليجسّد فيها الروائي رؤيته لمواجهة هذا التعالق بين الواقع واللاوقع، ورفد العمل الأدبي بالمزيد من الرؤی الإبداعية، لذلک نجد الروائي يعتمد الفنتازيا في عمله ليجسّد بها الواقع ويغوض في أغواره ليکشف خباياه».[2]
وفاء عبد الرزاق، الکاتبة والروائیة العراقیة الشهیرة، تعد من أهم الروائيات الاجتماعیات الناجحات، في تجسيد الوقائع، والثيمات الاجتماعية المعروضة في المجتمع العراقي. بما هي هربت من أيدي الدیکتاتورية الصدامية إلی لندن، وکانت آملة أن يعود بعد سقوط الدیکتاتورية، الاستقرار والهدوءُ إلی الوطن، لکن الظروف أصبحت أکثر مأساوياً بعد الاحتلال الأمريکي سنة 2003 للميلادي؛ والأعوام التي قضاها الشعب العراقي بعد سنوات الاحتلال، تکون متزامناً بالوحشیة وبالخيبة. ففي مثل هذه الظروف، استخدمت الروائیة، العجائبیة في روایاتها کتقنیة جدیدة للتعبیر عن قضایا مجتمعها السیاسیة والاجتماعیة، وما یعانیه الإنسان العراقي من ألم وعنف وقهر وقتل ونهب.
تعد رواية “حاموت”، من أبدع أعمالها الروائية، فاتخذت وفاء عبد الرزاق الأسلوب العجائبي، کأسلوب ناجح في هذه الإبداعية القصيرة، حیث تتاولت القضايا الاجتماعية المتعددة، والمعاناة الکثيرة التي واجهها الشعب العراقي، بعد الاحتلال الأمريکي، عبر العناصر العجائبية والرمزیة الخيالية المتعددة؛ وهذه الدراسة ترمي أن تقوم إلی تحليل أهم المکونات العجائبية السردية، ووظائفها الاجتماعية المستخدمة في رواية حاموت خلال الإجابة عن السؤالين التاليين:
1- ما هي المکونات العجائبية في رواية حاموت لوفاء عبد الرزّاق؟
2- ما هي الوظائف الاجتماعية المکنونة وراء استخدام هذه المکونات العجائبية؟
1ـ 1. خلفية البحث
ثمة دراسات قلیلة حول الأعمال السردية لوفاء عبد الرزاق، رغم أهميتها ومکانتها الکبری في المنجز السردي العربي الحدیث، لا تتجاوز عن ملاحظات وحوارات وکتابات، في المواقع والمجلات الإلکترونيکية، ونزر قليل من المقالات العلمية والرسائل الجامعية. من هذه الدراسات التي أجریت حول رواية حاموت، هي: رسالة الماجستير (2017)، “سيمياء الشخصية في رواية حاموت لوفاء عبدالرزاق”، بقلم طالبتين: “حياة بلجاني، حياة سباق محمد”. و:مقالة (2018)، “المفارقة السردية في رواية حاموت .. دراسة سيميائية”، بقلم جاسم زبيدي، المنشورة في مجلة المثقف. و: مقالة (2015)، “الفانتازيا في الرواية العراقية النسوية بعد عام، 2003، دراسة في روايتي لوفاء عبدالرزاق، وإيناس أثر”، بقلم عباس رشيد الدده وسعيد حميد کاظم. و: مقالة (2016) “جدليةُ الحاءِ في سرديات وفاء عبد الرزاق: رقصةُ الجديلة والنهر، وحاموت كأنموذجين للدراسة والبحث”، بقلم د. أسماء غريب. لکن هذه الدراسة، بما تتحدث عن المکونات العجائبیة السردية، ووظائفها الاجتماعية ، تکون دراسة جديدة،لم يتطرق إليها أحد.
- المهاد النظري للبحث
1 ـ2. تعريف الغرائبية أو العجائبية
یعد السرد العجائبي من أبرز الأشکال التجریبیة الجدیدة، الذي تجاوز الأشکال التعبیریة القدیمة، وأصبح ظاهرة فنیة هامة في الروایة العربیة، لجأ إلیه الروائیون العرب، کتعبیر عن هموم مجتمعهم الحدیث، وعن واقعهم المریر والغریب. فالظروف السیاسیة والاجتماعیة للمجتمعات العربیة، استطلبت شکلا جدیدا للتعبیر عنها، ومن هنا ظهر العجائبي في الروایه العربیة. إن أهم ما يميز الروايات العراقية المکتوبة بعد الاحتلال، هو مزج الواقع العراقي الألیم بالعجائبي (الفنتازیا)، لأنها کتبت في زمن العنف، و«قد امتزجت هذه الواقعیة بالفنتازیا لتجسد الحالة العراقیة في أجواء من الإرهاب، والقتل والخطف والجثث المجهولة».[3] جاء في المعاجم الاصطلاحیة الغربیة، أن أصل العجائبیة، یعود إلى المفردة اللاتينيّة (Phantasticus)، التي تخصّ المخيّلة، [4]وإنه «نابع من المخیلة، غیر واقعي کقولنا رؤیة عجائبیة أي غیر طبیعیة أو قصة فوق طبیعیة».[5] یرجع الفضل في تعزيز مفهوم العجائبي، بالتحلیل والتصنیف والتبویب، إلی تودروف (Todorov)، حیث جاءت دراسته في کتابه تحت عنوان “مدخل إلى الأدب العجائبي عام 1970، ویعد هذا الکتاب من أبرز الآثار النقديّة المنظرة لموضوع العجائبي. یعرف تودروف العجائبي بأنه «هو التردد الذي یحسه کائن لا یعرف غیر القوانین الطبیعیة، فیما یواجه حدثا فوق طبیعي حسب الظاهر» .[6] فالعجائبي في رأي تودروف هو «لحظة التردد المشترک بین الشخصیة والقارئ»[7] ویعتقد أنه نوع أدبي یتحدد مفهومه قیاسا إلی الحقیقة والخیال، وأنه لیس وجودا قائما بذاته، بل إحساس لا یدوم سوی الوقت الذي یستغرقه تردد القارئ بین التفسیر العقلاني والتفسیر الغیبي، وهذا الوقت الذي یکون قبل الجواب، هو زمن العجائبي. وحین یختار أحدهما، یخرج من العجائبي، ویدخل إلی نوع مجاور له، هو الغریب أو العجیب.[8] وتناول کثیر من الدارسین الجدد العربي، موضوع العجائبي، وبخاصة بعد ترجمة کتاب تودروف بواسطة صدیق بوعلام عام 1994، وظهر الاضطراب والاختلاف في ترجمة المصطلح الغربي (Fantastiqe)، من دارس إلی دارس آخر، حیث نجد زهاء عشرین مصطلحا للمصطلح الغربي،[9] لکنه غلب مصطلح العجائبي في السنین الأخیرة و«انتشر انتشارا واسعا، وراح معادلا لا مناص منه لفنتاستیکي (fantastique/fantastic)».[10]
إن الطابع الغرائبي في السرد، هو أن القارئ «يفاجئ بوقائع وصور ومحکيات عجيبة، تذهل المتلفظ، فيستعصي علی العقل أمر استیعابها، مما يفتح مجال التأويل للقراء، فيختلف فهم النص من قارئ إلی آخر، وما يزيد غرابة الدلالة إشراقاً وإيحاءاً، هو أن الکاتب يعتمد في صياغتها لغة راقية، وجميلة تؤنثها مختلف المجازات والاستعارات والتعابير البلاغية البديعية».[11] والعناصر الغرائبية والعجائبية، تلعب دوراً مهماً في السرد العربي، حيث «تتشابک مع المظاهر الواقعية، وتداخلت معها لإحترام المرجع الخارجي، ومنطق الأحداث، فالواقعية من جهة واقعية، بتفصيلها ومرجعيتها، وسحرية بأفقها الخيالي والغرائبي من جهة أخری».[12] وثمة أقوال مأثورة کثيرة، تريد أن تبين الفروق الجزئية بين هذه المصطلحات، لکنها تکون أبحاث عديمة الجدوی، بما أن الأدب العجائبي، والفانتازي والغرائبي وإلخ، ألفاظ مختلفة لمسمی واحد، ولا نجد فرقاً هائلاً بينها، والولوج في هذه الجزيئات والمفارقات، لايتنهي إلی نتيجة. بل الأهم لدينا أن نتناوله کتيار أدبي وتقنية سردية هامة، لها وظائف اجتماعية ورؤی، وهي وسيلة للإطلاع علی الظروف الاجتماعية ، والخصائص الأسلوبية والفکرية للأديب.
2 ـ2. وفاء عبد الرزّاق
وفاء عبد الرزاق، شاعرة، وروائیة عراقیة، قد حدت بها البیئة العراقیة إلی أن تعرض أفکارها وفق الأسلوب العجائبي، فهي للتعبیر عن الواقع العراقي المرّ الذي لا یمکن التعبیر عنه بشکل واقعي، اختارت العجائبي (الفانتازیا)؛ وهي تعدّ من أهم روّاد هذا الاتجاه علی المستوی العربي الحديث، والوطن العراقي الراهن، إذ قدمت خطابا روائیا غنیا بالقیمة الفنیة والموضوعیة، فیضم أهم القضايا السياسية، والاجتماعية ، والتاریخیة للمجتمع العراقی، منذ ستينيات القرن الماضي، حتی الآن، وحفلت رواياتها، بعجائبي اعتمد علی التراث العراقي والإسلامي والمیثولوجیا. فجاء توظیفها للعجائبي، إمتاعا وإدهاشا للقارئ، وتعریة لواقع مليء بالتناقض، والفوضی والتشظي، في آن واحد. نجد الکاتبة، توظف الخیال، والعجائبي في خدمة أهداف سیاسیة واجتماعیة، وبالعکس. له عدة مجموعات شعرية، وقصصية، وسردیة، ومقالات نقدية؛ أما رواياتها، فهي علی التوالي: بيت في مدينة الانتظار، تفاصيل لا تسعف الذاکرة، السماء تعود إلی أهلها، أقصی الجنون الفراغ يهذی، الزمن المستحيل، حاموت، رقصة الجديلة والنهر، عشر صلواتٍ للجسد، دولة شين، وآخرها هي رواية ابن ثنوة.
3ـ 2. ملخّص الرواية
تقع روایة، “حاموت” في 135 من القطع المتوسط، صادرة عن مؤسسة المثقف العربي، سيدني، سنة 2014م، وتعدّ هذه الروایة، السادسة في تسلسلها الزمني الکتابي، وتتألف من خمسة عشر فصول، لا تحمل الفصول أسماء وصفات، بل تتسم بعناوين رقمية. ولعنوان هذه الرواية ،إيحاءات ودلالات غرائبية، «إن ما تحمله الرواية في مضمونها، عبارة عن حوار فلسفي بين الحياة والموت، وقد قدم هذا الحوار في مشهد فانتازي، نسجته الروائية بين شخصيتين رمزيتين، تداولتا الحوار داخل الرواية، وهما الرواي، «محمد»، أخذ دور الحياة، و«عزيز»، الذي أخذ دور الموت؛ في هذا الصّدد صرّحت الروائية لإحدی المجلات، بأن رواية حاموت، هي عن فلسفة الحياة والموت، ليس القصد کتابة فلسفة جامدة، إنما الدخول في حوار فلسفي عن الحياة والمعادلة الصعبة لها، الموت، والموت الکوني کلياً».[13] إن الحوار في الرواية، سائد بين الحياة والموت، والروائية تطرح قضية إنسانية، هدفها الأول والأخير، هو الإنسان وقضاياه ومعاناته. وحسب تقدیر أحمد فاضل، حاموت هي أطول حوارية سردية، بنيت على الفانتازيا المكانية بين الروايات العربية الصادرة، وهي فتح جديد في عالم الرواية، تذکرنا بالروائي البريطاني الأشهر “تولكين” الذي عد بأبي الخيال الأدبي الحديث.[14]
- التحليل والدراسة:
نسعی لدراسة المکونات العجائبية التي تختص بالنص السردي، کشفا عن الوظائف الاجتماعية التي تکمن وراء هذه الأشکال السردية العجائبية المتمايزة، فهي علی التوالي:
1 ـ3. تشظي الحدث وتفککه
الرواية في سياق قرائتها الجديدة، والمتمايزة للواقع العربي الجدید المؤسف، وللأزمات والکوارث المتعددة التي أصیب بها، استعارت الأسلوب الفانتستيکي/ العجائبي، لسرد أحداثها ووقائعها. وتجلت إحدی سمات الامتزاج بين السردية والعجائبية، في تشظي الحدث وتفککه؛ الروائي يريد أن ينقل ثيماته الاجتماعية ، ومضامينه الرئيسية عبر هذا الميزة العجائبية السردية، حيث تنمو العملية السردية فيها بدون قواعد محددة أو إطار معين. من الواضح أن الرواية هي «تعبير عن حدة الأزمان المصيرية التي تواجه الإنسان، فالذات المبدعة تحسّ غموضاً يعتري حرکة الواقع ومجراها، کما تشعر بأن الذات الإنسانية، مهدّدة بالذّوبان أو التلاشي، وفي ظل تفتُت القيم، واهتزاز الثوابت، وتمزق المبادئ والمقولات، وتشبب الذات الجماعية وحيرة الذات الفردية، وغموض الزمن الراهن والآتي وتشظي المنطق المألوف والمعتاد، في ظل هذا کلّه، تصبح جماليات الرواية الحديثة وأدواتها، غير ناجحة في تفسير الواقع وتحليله وفهمه، وعاجزة عن التعبير عنه، وتصبح الحاجة ماسة إلی فعل إبداعي، يعيد النظر في کل شيء، ويدعو إلی قراءة مشکلات العصر قراءة جديدة، ولهذا کله تسعی الرواية الجديدة إلی تأسيس ذائقة جديدة أو وعي جمالي جديد».[15] إذاً الرواية الجديدة تقوم بتفسير الأحداث الاجتماعية ، وتحليلها من خلال هذا السياق، وتحمل في ثناياها النقد الاجتماعي المرّ الذي يقدمه عبر الأسلوب الفانتستکي، المتشظي والمفکک.
تکمن إبداعية رواية “حاموت”، بصورة عامة، في استخدام هذا الأسلوب، هي بدل أن تقوم بتجسيد الواقع معتمدة علی أساليب الرواية التقليدية، أو تعتمد علی أسلوب الواقعية البحتة، تختار اسلوباً رائعاً جديداً، حطمت به حاجز الواقع، والأحداث العادية، وتجاوزت عن النمطية والمألوف، لتقدم أحداث الرواية، خلال الحکي المتشظي، والمفکک، القريب إلی الأسلوب العجائبي، لأنه يعد طريقة وحيدة، مفيدة للتفاعل مع المجتمع وقضاياه الجديدة المتنوعة الغايات؛ کما يعد طريقة سليمة لانتباه الجمهور، وإثارة انفعالاتهم وهواجسهم نحو غرض مطلوب، أو تجاه الأحداث المدهشة التي وقعت، أو تقع نصب أعينهم.
حاولت وفاء عبد الرزاق، أن تقدم هذه الظروف المأساوية في روايتها هذه؛ فهي تحزن من الکوارت التي أصیب بها الواقع العراقي، المشحون بالاستبدادية، والکبت والدیکتاتورية التي وفّرها صدام حسين، طوال حکمه علی العراق؛ کما ترکز علی الواقع الذي یکون أکثر مريراً فيما سبق، وهو الواقع المریر الذي شاهدته العراق منذ الاحتلال الأمريکي. فالرواية تسعی أن تجسد الصراعات، والمشاکل الاجتماعية والنفسية التي سیطرت بعد هذا الاحتلال علی المواطن العراقي؛ فشبحية الموت التي هيمنت علی مدينة حاموت، وهي مدينة استعارية عن بغداد وظروفها المأساویة، تخبرنا عن هذه الظروف المأساوية في مدينة بغداد. والرواية بهذا الطريقة تريد أن تجسد هيمنة الموت ومأساويتها في الواقع العربي، کما نجد نماذج کثيرة لها في طيّات الرواية، حينما تقول: «من عُذبوا بوحشية، والتحقوا برعشة الموت، تنزلق الآهات، وتبقی العظام شاهداً علی جرم الأوسمة العاقر. هنا أو هناک… بين الطرقات الحجارة، أو المنفی قسراً».[16] أو في موضع آخر حينما تقول: «لستُ أدري کيف أو متی، لکن ما أدرکه أن الموت، سيخيم عليهم في لحظة ما».[17] وهکذا دواليک أصبح الموت سائداً في ثنايا الرواية، وأضحی دلالة أساسية في تشکيل الأحداث وتفککها. «بما أن الموت من القضايا التي تحتّم علی کل إنسان مواجهتها، والاعتراف بحقيقة وجودها، فإن الموت في العراق اتخذت مسارات مرعبة، بل أصبح مشاعياً وفوضوياً، تفاقمت آثاره علی الفرد والمجتمع، ولأن الرواية ابنة الواقع والبيئة، فقد اختطت الرواية العراقية بعد عام 2003م، واقعها الخاص المبني من مجموع المعطيات، والمسارات التي ميزت البيئة والمناخات العراقية، فتشکلت في مفاصلها السردية، ملامح هذا الواقع المغاير، تعالجه بشتی الأساليب والتقنيات الفنية، تصوّره، وتعيد إنتاجه، وتشرح أساب ما جری، وما يجري فيه بوسائل متنوعة».[18] ثنائية الموت والحياة التي قدمت بصورة عجائبية، تعد من أهم الأسباب في تفکک الحدث في رواية حاموت.
هذا الغرض والخطة التي تتابعها عبد الرزاق في إبداعيتها الجديدة المسماة بـ”حاموت”، تساهم في تفکک الحدث، حيث لا نجد ترابطاً، ولا ترتيباً للأحداث التي ترويها الروائية، لتجسد الزمن المأساوي، والصراعات الطائفية الموجودة بعد الاحتلال؛ إذن الرواية کإسمها العجائبية تشتمل في طياتها أحداث عجائبية غير متنسقة. فالرواية قامت علی أساس الإزدواجية بين الحدث، والشخصية والثيمة والفکرة. وفيها تظهر شخصيتان، هما “محمد” و “عزيز”، الأولی منهما، تمثل الحياة، والثانیة، تمثل الموت. وهذه الثنائية في صعيد الشخصيات والثيمات، انتهت إلی الثنائية والإزوداجية في تقديم الأحداث، وتفککها، والتشظي في صعيد الحدث هو أهم وسيلة لتجسيد العالم العجائبي الحاموتي الذي تنويها الروائية العراقية.
إن الأحداث في الرواية، متناثرة، ولا نجد تطوراً وتنسيقاً في تقديمها،کما نجد في الفقرة التالية: «إلی غايتي أمضي کل ليلة، فأدفن نفسي في الکتابة، أحرض عزيز علی البوح، وأسجل حتی أنفاسه، لهاثه السريع والساکن… أحاول الوصول إلی جذوري بين السطور، فلا أجدها واضحة، اعتلاها الغبار وصدأت. الأرض رحبة کما أطلقها خالقها بساطاً، فلماذا تصبح الأشبار فيها طنيناً، النهار والليل هما ذاتهما، لم يتبدلا، الظل، والخضرة، المياه، شواهد القبور والأحياء، الأوفياء الخونة، القبلة والتيه… کل هذا أکتبه، وأسترجع الذکريات الجميلة، حين کانت حاموت، ملاذا وحضناً لطفولتنا، مدرستي الابتدائية، شقاوة الأولاد وکتبهم، أقلامهم وحصص الإملاء، علم بلادي المرفوع علياً کل خميس، أي ولي کل هذا النقاء؟ أين أصبحنا».[19] کما وجدنا أن الروائية، هکذا تسرد الأحداث، متجاوزة عن الخطية، وتعتمد علی المفارقات والتناقضات السردية المتنوعة؛ کل ما یمضي في الفکرة، تصبها الروائية في المتن الحکائي. وکذلک تدل المقاطع الخالية المنقوطة عبر ثلاث نقاط (….) في الرواية، وفي الفقرة السابقة، وبالنسبة إلی الرواية کلها، علی تشظي الحدث والانفصال بينها، فالتشظي أصبح ميزة هامة في سردية رواية حاموت، له دلالة اجتماعية واضحة، کما يدل علی تشتت الشؤون في المجتمع الحاموتي، فلا يوجد نظم في العلاقات الاجتماعية في هذا البلد المتمزق والمتشعب، إذاً لا يسير السرد علی الخطية والاتساق، فهو تلبية للحاجة السوسيولوجية المعروضة.
الرواية تشتمل علی حکايات صغيرة، لا نجد ترابطا بينها؛ وإن هذه الفقرات القصصية الموجزة، متسقة بصورة جزئية، لکن لا نجد تناسقاً زمنياً درامياً بينها، وبين الأحداث السابقة، واللاحقة بصورة کلية. الروائية تسعی أن تجسد الأحداث الکارثة، وانعدام النظم والعدالة، عبر هذا التشظي والتفکک؛ فالأشياء والأحداث غير مترابطة ومتناقضة، تشاهدها العراق، فهي لم تکن ذات توالٍ ونظم، لتدل علی السکون والهدوء، بل متناثرة متحولة، تقفز من واحدة إلی أخری، ولا تستقر علی حالة واحدة، والروایة تظهر الفوضوية والاضطراب والتفرق في الواقع العراقي بعد الاحتلال الأمريکي. والتشظي هو الشيء الذي أخرج الرواية عن نمطها المألوف والواقعي، وقرّبها إلی البنية العجائبية. إضافة علی تفکک الحدث، وتشظيها في رواية حاموت في سبيل استعارة الأسلوب العجائبي، نجد أن الرواية تفتقر إلی الحدث، وتفقدها تماماً، بل هي في مواضع کثيرة، تشتمل علی حشد من الصور، خالية من الزمن والحدث. من الفصل الأول، حينما تقول: «حاموت، مدينة الظلام والکابوس، کأنها غيمة سوداء، تحاصر سماء أبنائها، وتصهرهم واحداً تلو الآخر، ما هي إلا صدی أسلحة، شکوی مؤلمة، صوت العتمة الخافت والحزن والوقور».[20] کما نجد في الفصل الأخير من الرواية، حينما يقول: «الکل هنا يتحکم في الکل، والکبير يأکل الصغير، حياة حمقاء، هل علينا أن نعيشها، أو تستحق العيشَ فعلاً؟ حق علينا العيش مع الأخطار، ومنادمة الخوف وکل أنماط الجحيم، أجسادنا وليمة الموت غير ملحّها؟ أيخاف الموت الظالم، فيتواطأ معه علينا».[21] وهکذا دوليک. أصبحت الرواية کتلة من الأحداث الجزئية، والأوصاف الرائعة القصيرة، فهي في حالة التوصيف، تعتمد أيضاً علی التناثر، والتفکک في صعيد الحدث، ولا تهتم النمو المساري، ولا التطور المدرج، وتشير إلی عالم عجائبي یمتص الآهات والآلام؛ وتحتلُ الإیدیولوجیا والشعارات ساحة السرد، والرواية أصبحت بهذا الشکل، أداة مانفيستية وإعلانیة في تقديم الإیدیولوجیا، تقدم مدينة بغداد، وظروفها السئية والمدهشة بصورة رمزية. المدينة التي أصبحت مدمرة، ویطير الغراب في سمائها، وتسقط أوراق أشجارها، وتستبدل الحياة فيها إلی الموت، وتتحول الشخصيات إلی الأشباح؛ وتبعاً لهذه الظروف المتناقضة، أصبح الحدث مفککاً محطماً، ويضعف عنصر الحدث والحکي في ساحة الرواية، وتقوي الأوصاف والومضات والخطابات.
الأحداث المروية في رواية حاموت، لا تسير علی الخط الواقعي، والمتواصل ولا تجري علی المسار الواحد البطيء، بل نجد خلخلة في الأحداث، وبنائها وصياغتها. في بعض الفقرات والفصول المسماة بالأرقام، نجد نظماً ومنطقاً في السرد، لکن لا يمضي وقت طويل لهذا النمو البطي، إلا أن تأتي الروائية بالعناصر العجائبية، تحطم مسیرة الحدث، وتخرجها عن حالتها المتسقة الوجيزة، وتخللها تماماً، کما نجد في الفقرة الأخيرة من قسم التقديم حينما تقول: «مکثتُ وحيداً هناک، أتدثرُ لأسئلتي الحائرة، أطوف بين الأشجار والوديان، بين الجبال والسهول، الأنهار والضفاف، الأزقة الضيقة، والشوراع الأنيقة، الدور الخربة والعمارات، الأرض المثقلة بالفاکهة والأرض البور، الأمکنة التي دبت فيها الحياة والميتة،.. من هناک وهنا لا أری سوی شبح يظهر فجأة، ويغيب بلمح البصر».[22] إذن حينما نجد في الرواية، نمواً بطيئاً للحدث، لايتسمر هذا النمو، ولا تستمر هذه الحرکة، إلا أن تأتي الروائية بعنصر عجائبي يکسر عمود الحدث وتوالده، ولا تسمح أن يواصل الحدث حرکته، بل یتبدل إلی حدث آخر غير مرتبط بها.
لاتتوخی الروائية بهذه المفارقات الحکائية والتفککات المتفرقة، إلا لتجسد الواقع العراقي المرير، والاختلافات الطائفية والحزبیة، والتشعبات المتناقضة التي وفّرها الاحتلال الأمريکي في ساحة العراق، وأصبحت المدينة، ساحة للتعارضات والصراعات والنزاعات الإرهابية والشعبية والدينية. الروائية، نظرة إلی هذه الواقعية الثنائية القائمة علی التفکک القومي، والديني، والحروب التي جعلت بغداد، ساحة للأحداث الفجائية المتکررة، تميل نحو التشظي الحکائي والسردي، وهي تريد أن تنبّه القارئ اليقظان، أن العالم الحاموتي علی رغم أعجوبتها وخياليتها، يشبه عالمنا الواقعي الراهن؛ وهو يحاکي العالم العراقي المتفرق، في عصر الاحتلال الأمريکي المدمر. کما تتغير آليات السرد في الرواية الحاموتية بسهولة، ولا تقيد الحدثَ والحکي علی بنية متواصلة متنسقة، وتبعاً لها، یکون المجتمع العراقي المحتل کذلک، فهو يعاني من التحول والانکسار والولوج في المأساة والموت، ولم يذق طعم السکون والاستقرار. إذن نجد تحاورا بين الأحداث الواقعية في بغداد، والأحداث المجرية العجائبية في مدينة الحاموت، فکلاهما بصمات لألم واحد، وأصداء للنکسة الإنسانية المؤلمة التي هيمنت علی الواقع العراقي الحديث.
2 ـ 3. تحطيم الزمن والمکان
من أهم الخصائص السردیة العجائبية الأخری، هو تحطيم الزمن والمکان، وغيابهما في صعيد النص السردي. الزمن في هذه التقنیة السردية، «لم يکن زمن خطياً سرمدياً يجري حسب الساعة، بل کان يعتمد علی الأزمنة المتداخلة والوهمية».[23] کما هو يهرب من النظم، والوضوح والتحديد، «دائماً ما يخلق النص العجائبي في أزمنة المجهول، کما يحاول الفکاک من القيود الزمنية التي تشده إلی عالم الواقع».[24] کذلک المکان، فهو في النص العجائبي ظل متخيلاً، يميل نحو عالم الرؤيا والوهم، «وهو الفضاء المصطنع من خيال السارد، مع إبراز الجوانب فوق الطبيعية بداخله»،[25]، ولا یتخذ الروائي العجائبي أبعاد المکان العجائبي من الحيز الواقعي، والجغرافيائي المحدد في الکرة الأرضية، بل يغوص في عوالم خيالية غير محددة لیختار مکانا خیالیا مدهشا. فأصبحت هذه الآلية، بخصائصها الذاتية والأسلوبية، إحدی الطرائق والمؤشرات، لدخول الروائية العراقية إلی ساحة المجتمع العراقي، وتحليله وتقييمه حسب أذواقها وهواجسها. فهي ليست آلية مستخدمة لتجسيد العجائب، مثلما نجد في القصص الخرافية القديمية، أو کما نجد في عجائب المخلوقات للقزويني وسائر الأعمال الأدبية العجائبية، فالروائية تترکز علی تحطيم الزمن والمکان، کأيقونتين هامتين لتجسيد الظروف الاجتماعية وأحداثها المؤلمة.
نجد مجالات واسعة في رواية الحاموت، قدمت فيها الروائية، الزمان والمکان بشکل عجائبي وفانتازي. وفاء عبد الرزاق تشير إلی أن هذه الأزمة المؤلمة والتراجيدية، قد راهنت العراق، فهي تعاني حالياً منها، فلا تستخدمها بغية الوصول إلی مجرد استعارة بنية فانتاستيکية، وعرضها عرضاً سطحياً خالياً من الدلالة الاجتماعية . هذه الرواية تتسم بالزمان والمکان اللذان کانا أکثر تحطيماً وغرابة، فلا تحافظ علی الزمان الواقعي المعلوم، کما لا تحافظ علی المکان الحقيقي المحدد، لأنها تريد أن توظف دلالات اجتماعية کثيرة عبر هذه التحطيمات. علی سبيل المثال فهي في تصويرها المفتتح حول مدينة حاموت کرمز رئيسي لمدينة “بغداد”، ترشدنا إلی الظروف المأساوية في بغداد، حينما سمتها بـ«مدينة الظلام والکابوس»، کما تتعامل معها أکثر وضوحاً، حنيما تصفها بکلمات أکثر مباشرة علی دلالات اجتماعية متمايزة، حينما تقول: «کأنها غيمة سوداء تحاصر سماء أبنائها، وتصهرهم واحداً تلو الآخر».[26] وقد تم استخدام کلمة سوداء، بعد استخدام کلمتي الظلام والغيمة التي تدلان علی الفضاء المخيف والضبابي أکثر بشاعة وظلماً. إذن نجد هنا أن هذا اللون بشکل جلّي ومباشر، يدل علی الظروف الاجتماعية السيئة. لأن «اللون الأسود رمز الحزن والألم والموت، کما أنه رمز الخوف من المجهول، والميل إلی التکتم، ولکونه سلب اللون، يدل علی العدمية والفناء؛ حيث أنّه رمز خيبة الأمل، ولذلک فإن المتعاملين معه عادة ما يتصفون بالسلبية».[27] والأهم من ذلک، أن الروائية لم تقم باستخدام هذه الکودات والرموز في صعيد النص الواقعي، بل تم استخدامها علی صعيد النص العجائبي، لتجذب القارئ، ولتجعله في فضاء عجائبي، يتمتع من أوصافها المدهشة، لکنها لم تغفل عن الوظيفة السوسيولجية التي کانت علی عاتقها، فهي جعلت هذا الفضاء العجائبي، وسيلة إلی التحليل الاجتماعي للمجتمع العراقي.
قد ربطت الروائية هذه المدينة العجائبية، إلی الواقع العراقي الراهن، عبر ربطات کثيرة، کما قامت بأدق التفاصيل وأکثرها مباشرة علی الدلالة الاجتماعية ، حينما اهتمت بتحديد هذه المدينة العجائبية الرمزیة: «أن تصبح المدينة، بئراً تستقبل الخطوات الوئيدة، کأنما ورق يتساقط في انزلاق الظلمة، لتستقلبهم الأشباح…. لهوَ عُري الأمکنة وصلب الروح».[28] في المرحلة الثانية، تقوم الروائية إلی توصيف مدينة حاموت، والأحداث المدهشة والمجرية فيها، مشيرة إلی الحرب المدمرة التي کانت سيطرت علی مدينة بغداد، «بيوت تنهار، حرائق ونيران تلتهم کل شيء،… أحسستُ بنفسي جزءاً من هذا الحشد، لم أکن محصناً مثلهم، کانوا يضعون الخوذ علی رؤوسهم، ويرکضون. سيارات الإسعاف تطوف الشوارع، سيارات نقل الجثث، تملأ المکان».[29] تجسيد المدينة بصورة مدمرة، يدل بالوضوح علی الظروف المأساویة لبغداد في زمن الاحتلال، وثمة عديد من الأماکن العجائبية في النصوص العجائبیة، تمتاز بالروعة والجمال، لکن الروائية، تجاوزت عن هذا النمط المألوف، وصوّرت حاموت، مدينة مستوحشة، وهي تتخذ عجائبيتها عن تحطيمها وتلاشيها.
إن الروائية أصبحت متحیرة مترددة تجاه هذه المدينة المدهشة، وهذا هو التردد الذي یرکز تودورف علیه «التردد الذي یحسه کائن لا یعرف غیر القوانین الطبیعیة، فیما یواجه حدثا فوق طبیعي حسب الظاهر».[30] وحاموت هو المکان العجائبي المدهش والمجهول الذي لا يمکننا تحدید مواصفاته، لأنه لم يکن حيزاً خاصاً محدداً؛ فهذه الميزة المتميزة للمکان، هي ما تشير إليها الروائية، فهو تقول: «هذا يعني أن حاموت ليست مدينتي، إنما مدينة کونية والموت، هو قمع للحياة التي تتفاعل مع الموجودات في الکون، ثم يأتي ليفسخ هذه العلاقة».[31] وفي موضع آخر، نجد أنها تنتمي نفسها إلی هذه المدينة، حيث يقول: «أطل کإنسان عادي غمار الحياة وسط سکان حاموت، ولدتُ لأبوين، عشقهما بعضهما، لحد أن أصبحا واحداً، وأنجابني في شتاء قارص».[32] إذن تحولت الحاموت من النبرة الأسطورية النوستالوجية، إلی مدينة تفوح بالموت والظلام والظلم والکابوس، فهذا التحول المکاني بميزتها العجائبة، يدل علی تحول الظروف والأوضاع الراهنة بعد الاحتلال الأمريکي، والروائية تکشف عن رؤاها الاجتماعیة، عبر استخدام تحولات مکانية.
مثل المکان، نجد أن الزمان أکثر تحطيماً وتکسيراً، فهو أيضاً غير محدد، لا نعرف أوائله ولا أواخره، فيکون زمناً ضبابیاً، لتصور الروائية عبرها انکسار الحاجز بين الزمن الواقعي والمتخيل، وتعرّف العراق ظرفاً لحدوث الأحداث المفاجئة المکررة، حينما تقول: «هذا الظرف الزمني المجهول، ويشرح لي أيضاً موقفه مما حدث وسيحدث، وجهة نظره الشخصية».[33] أو حينما تقول: «لاعليک، سأقودک يوماً إلی هناک، أخترق الأزمان، بأريک هذه الساعة، وأعود بک».[34] أو في موضع آخر: «فقد اخترقنا أزماننا منصرمة، وسنخترق أزماناً لاحقة».[35] کما تصف الزمان هکذا: «زمنکم زمن القسم الکاذب».[36]
فهکذا الروائية لا تتخد زمناً محدداً کظرف للأحداث المسرودة، بل قدمت زمنا مجهولاً کاذبا ومفککاً؛ والزمن بما يلعب کالمکوّن الخطي الهام في تجسيد الأحداث، أضحی في رواية حاموت، متنقلاً مجهولاً، فحاموت لا تعتمد علی زمن خاص. وهذه النبرة الزمنية المخترقة العجائبية، تدل بوضوح علی الظروف الحربية العراقية. والشخصيات في رواية حاموت کالمواطنين العراقیین، فقدت الزمن، فهم يحطمون الزمن الحالي ويکسّرون حاجزه، باحثين عن زمن مثاليّ یختفي وراء هذا الزمن الکاذب، وتشترک الشخصیات العجائبیة في الروایة والشخصیات الواقعیة في المجتمع العراقي أي المواطنون، في هذه المغامرة العجائبیة في تکسیر الزمن الراهن لنظرة علی بصیص نور من زمن مثاليّ آخر. إذن الزمن أصبح وسيلة لتجسيد نوايا الروائية السياسية، فهي عبر تحویل الزمان، إلی زمن عجائبي مجهول، ربطت بينه وبين الواقع العراقي المعيش.
إضافة إلی تحطيم الزمن في الرواية العجائبية، نجد أن الزمن والمکان في رواية حاموت، صارا بنية متضافرة واحدة، يطلق عليها في السرديات العنصر الزمکاني. لأن «في الحکاية العجائبية يتضافر الزمان والمکان، ليشکلا معاً فضاء زمکانياً يخلق الشکل، مثلما يخلق المضمون، فالزمن بوصفه عنصراً هلامياً لا يمکن القبض عليه، يتداخل مع المکان، بوصفه الشکل الأکثر محسوسية وواقعية، لينتجا معاً زمکانيات الحکي العجائبي الذي يهيم في أزمنة المجهول، وفوق الأرض الخرافية»[37] ونحن نجد في فقرات من رواية حاموت، تلبية علی هذه الميزة العجائبية، في أنها توظف الزمان والمکان معاً، وتمزجهما في السرد، بحیث لا يمکن تفککهما، کما نجد في الفقرة التالية: «استطال الزمان أو قصر، غير أسلوبه أو بقي عليه، يبقی للمکان سطوته وحضوره، المطاعم والأسواق، باعة الخضار والفاکهة، محلات بيع الملابس الجاهزة والأقمشة».[38] أو کما نری: «سأقفز إلی صهوته ذات يوم، وأرجوه الانطلاق بي إلی حيث يشاء هو، أترک له حرية المکان والزمان، فالواضح أن بَصمته متوغلة إلی الخليقة الأولی».[39] الزمان والمکان بوسعتهما، هيمنا علی السرد الحاموتي، وأصبحا شيئاً لازباً، کما أضحا مفتوحاً واسعاً، حيث عمّ الظلام فيهما، يدخل في کل ناحية ووقت، وعندما الناس مشغولون بمأساتهم اليومية التي یعانون منها دائماً، أصبح المکان ميتاً، کما أن الزمان في بعض المواضع من الرواية يعود إلی زمن سقوط القنابل في هيروشيما، يرتبط إلی هيمنة القنابل العنقودية في العراق الحالي، فالروائية دائماً تفر وتهرب من التحديد والتوصيف، وتوحي الموت والکابوس والفوضی عبر الزمن المحطم، والقارئ بقراءة المکان يتذکر الزمان، وبقراء الزمان يتذکر المکان، فهما أصبحا عنصراً واحداً يتسمان بالخراب والدمار.
3ـ 3. احتکاك الواقع والخيال
المکون السردي العجائبي الآخر في رواية حاموت، هو احتکاک الواقع والخيال، وتداخلهما وتمازجمها، حيث لا نستطيع أن نفکک بينهما بسهولة. يجدر الذکر أن الرواية الجديدة لا تسخدم هذه الميزات للتنويع والتنفیس فقط، أو لتخلق عالماً عجائبياً ليدهشنا ويعجبنا، مثلما نری في الحکايات الشعبية کسیرة عنترة بن شداد، وألف لیلة ولیلة، بل جاء استخدامها تعبیرا عن الظروف السیئة والمؤلمة، وکشفا عن الدلالات الاجتماعية والسياسية المتعددة؛ والروائية العراقية، هي التي اعتمدت في روايتها الإبداعية المسماة بـ”حاموت”، علی أرضيات واقعية وخيالية معاً، ونجد احتکاکاً وتداخلاً بينهما، ولم یحدد الثغور بينهما بوضوح، حيث «تضيق المسافة أحيانا بين الواقع والخيال إلى درجة يصعب معها التمييز بين ما هو خيالي، وما هو واقعي؛ وقد تتسع بينهما، حتى يصبح كل منهما مفارقا للآخر، ومقابلا له، كما أن الواقع أحيانا قد يصبح أكثر خيالية من الخيال نفسه، وفي كل الحالات التي تتخذ فيها علاقة الخيال بالواقع، بعدا مركبا ومعقدا، سنجد الخيال يستمد أهم مقوماته، مما هو واقعي، وقد تجرد منها ليتحول إلى مدى يصعب القبول به، على أنه وليد الواقع».[40] والسرد العجائبي الحديث أکثر احتکاکاً وارتباطاً بالواقع، بما أنه يستخدم العجائبية وسيلة للدخول إلی الواقعية والظروف الاجتماعية ، ولا تتوخی إلی استخدام العجائبية استخدماً بحتاً. إذن يتم فيه استخدام العجائبية والظروف الواقعية الاجتماعية معاً.
ثمة مقاطع کثيرة في رواية حاموت، فعلی رغم عجائبيتها، تتخذ مکوناتها وأجزائها من الواقع اليومي العراقي، أو من التاريخ العربي الفاشل، فنجد أن أحداث واقعية تستبدل إلی بنيات عجائبية صغيرة أو کبيرة. فرواية حاموت، أصبحت عملية سردية تداخلت فيها المقاطع الخيالية والواقعية، حيث يتداخل الخطاب الواقعي، واليومي بالخطاب العجائبي، بما تحاول الروائية لتسجيل التناقضات والثنائيات في الواقع العراقي بعد الاحتلال الأمريکي، کما نجد ذلک في الفقرة التالية من الصفحة الأولی: «مکثتُ وحيداً هناک، أتدثر بأسئلتي الحائرة، أطوف بين الأشجار والوديان، بين الجبال والسهول، الأنهار والضفاف، الأزقة الضيقة والشوارع الأنيقة، الدور الخربة والعمارات، الأرض المثقلة بالفاکهة والأرض البور، الأمکنة التي دبت فيها الحياة والميتة، من هناک وهنا لا أری سوی شبح يظهر فجأة، ويغيب يلمح البصر».[41] کما نشاهد الروائية، دمجت بين الساحة الواقعية التي يمثلها محمد، بعالم عجائبي وخيالي يمثله عزيز، فهو شبح يظهر في السرد، ثم يختفي سريعاً، فهذه الشخصية الشبحية، هي التي أعطت السرد، أکثر عجائبية، وما تزال تقطع أواصل السرد الواقعية. الروائية عبر استخدام هذا الشبح الخيالي الذي یترک بصمات في خلف الشخصيات، وتؤديهم إلی الموت، کما يترک الاحتلال الأمريکي، بصمات في المجتمع العراقي، تنتهي إلی الخراب والدمار. فهو ممثل الموت والخراب، کما يمثلهما الاحتلال. لکن الروائية لا تتعامل الخراب والفوضی والفقر والنکسة التي واجهها الواقع العراقي، علی حسب النمط الواقعي، بل تتعامل معها عبر استخدام شخصية شبحية تترک بصمات الموت في ظهر الأشخاص والمواطنين، هذه هي التي تؤدي إلی احتکاک الواقع والخيال.
إن الروائية عبر الکلمة المفتاحية أي “البصمات”، تربط الواقع بالخيال، وتقدم دلالتها الاجتماعية ، فعزيز يعاين المآسي والفجايع، ويترک بصماته خلف أصحاب المآسي والفجايع، هذه البصمة التي تترکها الشبح «وقت رجوعي من الحشد، تذکرتُ قولها (أقترب من بابها)، أسرعتُ الخطی فاحصاً الباب، تنفستُ الصعداء حين لم أشاهد عليها بصمة الشبح».[42] تصف الروائية الخرابات والانفجارات بهذه الکلمة: «شريعة العصا والحجارة، الخنجر والسيف، شريعة القذيفة والرصاصة، القنابل الذرية واليورانيوم، شريعة القتل الجماعي، غرق السفن والبواخر، شريعة الفيضانات والکوارث، شريعة تسونامي والرياح العاتية، سقوط الطائرات والأوبئة، بالنتيجة کلها بصمات وإبهام».[43] إذن هذه الکلمة، تعد کلمة رئيسية في تقديم الدلالات المقصودة والوقائع، وهي تتواتر في النص السردي، فتمثل الواقعية (حينما ترتبط إلی آثار الحرب والاحتلال)، وإلی العجائبية (حينما ترتبط إلی البصمات التي يترکها عزيز ،کملک الموت)، فالرواي أو محمد، فهو أيضاً الشخصية الرئسية للرواية، ويشعر بالراحة والسکون والطمأنينة، حينما نجد عدم وجود البصمة في خلف الشخصية المقصودة. هذه هي أهم نماذج لاحتاک الواقع بالخيال في السرد العجائبي عبد الرزاقي، حیث نری ترابطا بين هذين العالمين، حسب تمازج فني وسردي، لإیصال الدلالة المقصودة إلی المتلقي.
قد جمعت الروائية عدیدا من المظاهر الواقعية والعجائبیة في مکان “حاموت”، وجعلت هذه المدينة وسيلة لتجسيد رؤاها وانفعالاتها وهواجسها، فهي تقرّب وتربط حاموت، رغم کينونتها متشکلة من مدينة خيالية غير حقيقية، إلی المدینة العراقية، حيث تنثر فيها بذور الواقع العراقي، کما تنثر فيها عديدا من الملامح الخيالية، فکلاهما (المدینتان) تحتلان مساحات عريضة وخاصة في الرواية، فامتزجت وفاء بين الواقع والخيال، وجمعت بينهما جمعاً شیقا، حيث لا يمکن تمييز الواقع من الخيال، وکلاهما يساهمان في تعزير الجزء الآخر، کما نجد في الفقرة التالية: «شجرة حاموت، تتغذی الآن علی الجثث، علی الجرحی والمجلودين وعرق المساجين، المضروبة أعناقهم والشهداء».[44] هنا نجد الروائية، اتخذت الشجرة ،کرمز خيالي مقتبس من قصة آدم وحواء، وتميزت لحاموت أيضاً شجرة کتلک الشجرة، حينما تقول: «هل خلق الله في دواخلنا شجرة أخری ويمتحننا؟ وحاموت ماذا أکلت کي تُعاقب، وما شکل الشجرة؟ النخل، التفاح، وهل أخطأ النسغ أو الأوراق».[45] وبهذه الأرضية الممهدة الخيالية، وبامتزاج الواقع مع الخیال، تسعی الروایة لتقدم قراءتها الاجتماعية . فشجرة مدينة حاموت، کشجرة الجنة، تتغذی من الجثث المعلقة علی أوراقها، وبهذه الشجرة، قدمت الروائية مقارنة ضئيلة بين الجنة ومدينة حاموت؛ بين الجنة التي طرد منها آدم، ومدينة الحاموت التي طرد فيها السکون والإزدهار؛ إذن حاموت کانت جنة، لکن حالياً بعدت کل البعد عن أصالتها وطبيعتها.
عبد الرزاق في سبيل امتزاج الواقع بالمتخيل، تسعی أن تقدم الاشياء معاکسة ومتناقضة، ولا تسرد الأشياء علی نمطها الحقيقي، وشکلها الواقعي والأساسي، فهذا ما نسمیه الواقع المقلوب، لأن في حاموت، نری انقلابا للقیم الایجابیة، وتبدلها بقیم سلبیة کما جاء في الفقرة التالية: «صار الفاسد سيداً، والمعتوه اماماً، والحاقد مرشداً، والقاتل ورعاً… التهمت الشوارع أبنائها الحفاظ والکادحين والنسوة الضائعات، وصارت الأرض حفراً مترعة بالثقوب والفساد».[46] إذن نجد الروائية اعتمدت علی طريقتها الأساسية، بما هي لا تقوم بوصف هذه الظروف والأوضاع السیئة حسب الخطوط الواقعية والحقيقية، بل تسردها علی طريقة السرد العجائبي وتلوین الدلالات والأحداث الواقعیة بلون العجائبیة. فهي صنعت عالماً عجائبیاً يشبه بالعالم الخيالي، کمدينة الضحاک التي یصنعها فردوسي في الشهنامه، عبر تصویر الواقع المقلوب، حينما يقول: «نهان گشت کردار فرزانگان، پراکنده شد کام ديوانگان و …».[47] لکن حاموت وأحداثها العجیبة، لیست أغرب من الواقع العراقي الألیم، الغریب، المتناقض.
إن الروائية عبر صياغة عالم عجائبي باسم مدينة حاموت، وتصویر جميع أرکانها، کحاراتها ومقابرها وشوارعها وأزقتها وبيوتها، بصور عجائبية متناقضة، قصدت أن تنبه علی هذه الدلالة الرئيسية، «أغوص في قاعد حاموت، في کل جوانبها واتجاهاتها الأربع، لا أجد غير الحرب والغضب».[48] إذن الغرض من هذا التجوال السردي، والعجائبي في حاموت، أن تصل إلی هذه النقطة. والروائية بعد وصف المدينة، وتناقضاتها وسماتها العجائبية التي تخالف الواقع السائد المألوف، توصلت إلی أن حاموت، وتدمیرها، والأشباح والشياطين والعناصر الأجنبية السحرية التي سيطرت علی المدينة، هي نتيجة الحرب والغضب، أو بصورة واضحة هي نتيجة الاحتلال الأمريکي.
4 ـ 3. وهمية الشخصيات والذوات
المکون العجائبي الآخر الذي اهتمت به وفاء عبد الرزق في تقديم تفسيرها السوسيولوجي وعمليتها السردية، هو تقنية “وهمية الشخصيات والذوات” في الرواية. من الواضح أن الشخصية تعدّ مکوناً سردياً هاماً، وکل روائي، حينما يريد أن يتحول سرده إلی سرد عجائبي فنتازي، يميل نحو عجائبية شخصیاته وتزويدها بصياغة سحرية شيقة، لأن «الشخصية هي مصدر إفراز الشر في السلوک الدرامي، داخل العمل القصصي، فهي بهذا المفهوم فعل أو حدث، وهي التي في الوقت ذاته، تتعرض لإفراز هذا الشر أو ذلک الخير وهي بهذا المفهوم وظيفة أو موضوع، ثمّ إنها هي التي تسرد لغيرها، أو يقع عليها سرد غيرها، وهي بهذا المفهوم أداة وصف، أي أداة للسرد والعرض، تبعاً للخيط، غير المرئي والذي يسيرها ويتحکم فيها، والذي يکون وراءه شخص نطلق عليه المؤلف».[49] بالنسبة إلی رواية “حاموت”، نجد أن الروائية لم توظف شخصيات واقعية أو سطحية، ذات الکودات الواضحة في المجتمع، بل قامت بتوظيف شخصيات تحمل في طياتها دلالات سوسيولوجية کثيرة، لکن الروائية لم تناولتها بصورة واقعية مباشرة، بل تزودها بالرمز والإشارة، والعجائبیة، متجاوزة عن الصعيد المألوف الممل. إذن وفاء تختار الوهمية والعجائبية، کأداة للتعبیر عن القضايا الاجتماعية ، کما يعتمد کثير من الأدباء والمبدعين إلی أسلوب الهزل، لمعالجة الأحداث الاجتماعية .
عبد الرزاق في سبيل اهتمامها إلی الشخصيات الوهمية کوسيلة ناجحة لبيان القضايا الاجتماعية المأساوية السائدة علی المجتمع العراقي، کالخيبة والإنکسار والدمار والخراب وإلخ، تختار شخصيات ذات مرجعية أسطورية، مستقاة من التراث الديني والخرافي، فهي تريد أن تبين تفسيرها الاجتماعي، عبر هذه الاستخدامات، فاستخدمت شخصية “آدم” وقصته الشهيرة المسماة بـ”التفاحة الممنوعة”، وأکلها بواسطة آدم الذي انتهی إلی هبوطه إلی الأرض، کما تقول: «تفاحة واحدة غيرت مسيرة آدم، هل للشيطان وحواء دور في ذلک، أية غِواية هذه، أو لم يقدر الله لآدم ذلک، وهو الذي خلقه؟ هل کان يلقنه درساً في الطاعة وقوة الإرادة؟».[50] الروائية استخدمت البنية العجائبیة، لتمهيد الولوج إلی عالمها الأرضي الحالي، فهي تقول: «هل خلق الله في دواخلنا شجرة أخری ويمتحننا».[51] إذن «لقد أرادت الروائية من وراء هذه الشخصية (آدم) أن تبين لنا أن ما يعيشه البشر الآن من حروب وأزمات، هو امتحان من الله عزوجلّ. فکلنا بنو آدم، نرکض خلف من أعطاه الله بصمة الموت، ولم يعطه مفتاحه، لعلنا نجد بعض الإجابات عن الأسئلة التي تشغل أذهاننا، وقد قامت الروائية بخلق مواجهة افتراضية في روايتها بين سيدنا آدم، أو محمد هو الإسم الذي نعت به بطل الرواية، وأعدّت لقاءا مباشراً بينهما عبر حوارات عدیدة، ملئية بأسئلة معقدة، ومحيرة حول فلسفة سر الوجود».[52] فهي تناولت في النهاية، بصورة إبداعية، ومبتکرة شجرة حاموت، وخلقت الصلة بين البنية القصصية الأسطورية وشخصيتاتها، والبيئة الحالية العراقية، کأن حاموت أيضاً أکلت تفاحة لتعاقب؛ حينما تقول: «حاموت، ماذا أکلت حتی تعاقب»، إذن، وفاء بإشارات لطيفة رمزية تنتقد هذه القضية، لأنها وأبناء الشعب يعاقبون للإثم الذي ارتکبه الآخرون، أي آدم وحواء وحاموت. إذن لا يمکن استشمام نکهة التسليم في إبداعية عبد الرزاق الاجتماعية ، بل هي کاتبة اجتماعية ثائرة، تريد أن تثير انتباه القارئ، وأبناء شعبها، إلی هذه القضايا، وتصرح بأنهم بریئون، بل الآخرون جنوا، ولکنهم يعاقَبون بدلا منهم، إذن يجب أن تثور الروائية مثل کاوة آهنکر(کاوة الحداد، أسطورة فارسية)، تجاه هذه القضايا والأحداث المأساوية، ونحن في هذا الاستحضار والتداعي، نستطيع استشمام نهکة اجتماعية ثائرة بوضوح.
لکن الشخصية الوهمية الکبری في الرواية، التي تعد بطل الرواية، هي شخصية عزيز التي تمثل الموت، وتکون أيضاً ذات مرجع أسطوري ديني، وتکافئ شخصية ملک الموت، عزرائيل، في الثقافة الإسلامية؛ استخدمتها الروائية في سبيل إثراء نصها السردي، وتم تزویدها وتجسیدها بالنسق الفنتازي، من خلال توصيفات موجزة متنوعة، تلائم الشخصيات الأسطورية والخرافية والوهمية، فتم أخذ القسم الأول من اسمها، من اسم الشخصية المرجعية، أي عزرائيل. نجدها متلائمة بالشخصية المرجعية من حيث الوظيفة، قد صوّرتها الروائية بصورة سحرية عجائبية متنوعة، فهي لا تمکث علی حالة واحدة، بل تتلون وتتغير دائماً: «خطف الشبح مرتديا ثوباً أسوداً مغطياً رأسه بالسواد… ثم غاب».[53] کما الراوي غير متقين في معرفة اسمه، «بتُ اسمع خطواتک، أيها المحجوب، لا أدري هل أسمّيک الشبح أم المحجوب، اختر اسمک، إن کنت تسمعني»[54] وفي مقطع آخر: «متناهٍ في الغرور بنفسه، طويلُ القامةِ مديدُها، ممشوقُ القوام، ضامرُ البطن، جميل، تُخرسُ الراوي، عيناهُ لمجرد النظر إليهما، فلهُ نظرةٌ تخترقُ الأبدان والقلوب، وتسحبُ الجلدَ من العظم .. ومن عاداتهِ اختراق الحواجز .. ويعرفُ ما في السرائرِ والنّفوس، ويعلمُ ما في ذهنك وتفكيرك قبل النّطق والتطبيق .. لا يعرفُ الشبحُ غير الصراحةِ، وليس من طبعهِ المبالغةُ والكذبُ والتخفي بجلود أخرى ووجوه أخرى، بل هذه أطباع أهل “حاموت” …».[55] هذه التحولات وعدم الثبات والسکون في الشخصیات هي نتیجة عما شاهدناه من الواقع العراقي المتشظي بعد الاحتلال، الواقع الذي ترک أثره وبصماته علی النص البيئي، وحوّله إلی نص متشظٍ مفکک. فشخصیة عزيز، وهي شخصیة رئیسیة، لا تتميز بخصائص البطل، فهي لا تتسم بالصلابة؛ «هذا الواقع الجديد، جعل الرواية الجديدة تتخلی عن مفهوم البطل، ومفهوم الشخصية، کما استقر في أدب القرن التاسع عشر، ولم تعد هذه الشخصية بعد أن تصدّعت في الأدب الحديثِ ورقتّ، سوی الدعامة الهشة، والمتحرکة للمادة الجديدة التي تفيض عنها من کل ناحية، واتجهت الرواية الجديدة في مقابل ذلک إلی الإهتمام بعالم الأشياء، وتصوير الإنسان المغترب في عالم بدا بلا معنی، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية».[56]
هناک أيضاً شخصيات شبحية أخری، استخدمتها الروائية مباشرة في سبيل تکميل نسقها السردي؛ فهي الشخصيات التي تعد إخوة عزيز في الرواية، وتساهمونها في الوظيفة والمدمرة والشريرة والقبض بأرواح الإنسان وإيصالهم إلی الموت والخراب. فهم شخصية “مکي” و”جابر”، و”أشرف”. والروائية قد تقدمها في السرد مباشرة حينما يقول: «لا أحد سيدي سوی عبد المطيع، وأخي مکي، وجابر، وأشرف، أجابه الصوت الصادر من بعيد».[57] لکن الوظيفة التي أعطتهم الروائية، هو نفس الوظيفة التي يلعب بها عزيز في الساحة السردي. الروائية عبر إعطاء هذه الوظيفة إلی الشخصيات الشبحية والوهمية، تتداعي إلی تناقض الأمور وتضادها مرة أخری. فکل الشخصيات الوهمية المقبضة، تتتسم بأسماء طيبة جديرة بالثناء، لکن العمل الذي تقوم بها، هو عمل سيئ، يختلف عن معاني أسمائها، العزيز يدل علی العزة والشرف، کما أشرف يدل علی المعنی نفسه، والمکي يدل علی من يحمل صفات إنسانية طيبة رائعة، کصفات الشخص الذي يعيش في المکة المکرمة، فهو مکي، کما جابر يدل علی اسم من أسماء الله، ويدل علی من يحل الأمور، ويساعد الأيتام والفقراء، لکن الأفعال التي تقوم بها هذه الشخصيات الشبحية، تتعارض مع معاني أسمائهم، وهذه تدل بوضوح علی ثنائية الأمور، وتناقضها في المجتمع. کما أن هذه الشخصيات الشبحية الکثيرة المهمينة، تدل بوضوح علی هيمنة القوات المدمرة علی الوطن العراقي.
- خاتمة البحث
قد توصلت الدارسة بعد البحث عن المکوّنات العجائبية في رواية حاموت ووظائفها الاجتماعية إلی النتائج التالية:
1.قد وظّفت الروائية عدة المظاهر والمکونات العجائبية في سبيل تکميل نسقها السردي الجديد فهي علي التوالي، تشظي الحدث وانفکاکه، تحطيم الزمن والمکان ومفارقتهما وتکسيرهما، واحتکاک الواقع والخيال، ووهمية الشخصيات والذوات. قد اتخذتها الروائية للوصول إلی الغاية المقصودة، أي الغاية الاجتماعية وبيان هواجسها السوسيولوجية، والأهم من ذلک، وظفتها الروائية لنقد الواقع العراقي المرير. بما هي ترصد الأحداث والوقائع المجرية المأساوية بعد الاحتلال الأمريکي، خلال هذه المکونات العجائبية، واعتبرتها کمرآة لتقديم الواقع العراقي.
- الروائية عبر تقديم الأحداث المتشظية والمفککة، تقصد إلی بيان الصراعات والاختلافات الطائفية والحزبية والدينية التي تتحکم علی العراق بعد الاحتلال الأمريکي، حيث لا نجد نظماً ولا تنسيقاً بين شرائح المجمتع العراقي، وکل ما يحدث فيها یکون فجائياً متشظياً، ويفتقر إلی السکون والطمأنينة. إذن الخلخلة التی نجدها في العالم الروائي الحاموتي، هي نابعة من خلخلة الواقع العراقي، والروائية تقصد أن تبرز هذه القضية في إبداعيتها العجائبية. کما هي تقصد بإستخدام تحطيم الزمن والمکان، واعتماد الرواية علی هذين العنصرين الخيالين، لتقدم الفوضی والخراب والقهر الذي هيمن علی الواقع العراقي، کأن المجتمع العراقي أصبح منقطعاً عن عالم الواقع. لم يکن المکان محدداً کما الزمان غير مقيدٍ، وهذا يکون دليلاً علی الخيبة والهجرة التي یواجهها الشعب العراقي طوال الفترة الراهنة. والروائية لم تکتف بتقدیم هذه العناصر العجائبية، بل مزجت العناصر الواقعية والخيالية، بحیث لا يمکن التمييز بينهما، فهذه تدل علی هيمنة الشخصيات الشيطانية والوهمية علی الواقع العراقي، وتدمير کيان المجتمع بواسطة القوات المدمرة، الذین یمثلون الکائنات الأساطيرية الشريرة في مدی خرابها ودمارها. إذن لا فرق بين هذين العنصرين من حيث الوظيفة، فالعناصر العجائبية تماثل التناقضات في المجتمع العراقي. والروائية عصت عن استخدام الطريقة الواقعية لبيان القضايا العراقية، بل قدمّتها في صورة فانتازية شيقة، لتعرض تحاوراً ملموسا بين قوات الخير والشر، فهناک عناصر في الواقع العراقي، تقوم بدور الخراب والدمار والفوضي في المدينة، فهي في مدی الخراب والدمار وسرعة خلق الفوضی والاضطراب، تکون کالکائنات العجائبية التي تهدف الروایة من توظیفها للتعبیر عن الواقع العراقي المتشظي، ونقل ثيماتها الأساسية.
قائمة المصادر والمراجع :
- روایة حاموت، وفاء عبد الرزّاق، مؤسسة المثقف العربي، سيدني، الطبعة الأولی، 2014م.
المراجع:
- الشاهنامه، ابو القاسم فردوسي، تحقيق: جلال خالقي مطلق، دائرة المعارف، تهران: 1397 ه.ش، ج 1.
- العجائبي في الأدب، حسین علام، منشورات الاختلاف، الجزائر، الطبعة الأولی، 2010م.
- سيمياء الشخصية في رواية حاموت، حياة بلجاني، وحياة سباق محمد، کلية الآداب، جامعة الشهيد حمه لخضر، بالوادي، الجزائر، 2017م.
- التجريب في الرواية العربية، خليفة غيلوفي، الدار التونسية للکتاب، تونس، د. ط، 2012م.
- السرد الغرائبي والعجائبي في الروایة والقصة القصیرة في الأردن من عام 1970 إلی 2002، سناء کامل شعلان، د.مط، د. ت.
- المدارس الأدبية، سيروس شميسا، قطره، طهران، د. ط، 1390ه.ش.
- شعریة الروایة الفانتاستیکیة، شعيب حلیفي، منشورات الاختلاف، الجزائر، الطبعة الأولی، 2009م.
- أنماط الرواية الجديدة، شکري عزيز الماضي، عالم المعرفة، کويت، د.ط، 2008م.
- العجائبي في الروایة العربیة المعاصرة، آلیات السرد والتشکیل، عبد القادر عواد، کلیة الآداب، قسم اللغة العربیة وآدابها، جامعة وهران، الجزائر، 2012م.
- العجائبیة في أدب الرحلات: رحلة ابن فضلان نموذجا، علاوي الخامسة، کلیة اللغات والآداب، قسم اللغة العربیة وآدابها، جامعة منتوری، قسنطینة، الجزائر، 2005م.
- الواقعية السحرية في الرواية العربية، فوزي عيسي، دار المعرفة الجامعية، قاهرة، الطبعة الأولی، 2012م.
- الأدب العجائبي والعالم الغرائبي في کتاب العظمة وفن السرد العربي، کمال أبوديب، دار الباقي، لبنان، الطبعة الأولی، 2008.
العجائبي في السرد العربي القديم، نبيل الشاهد، مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع، بيروت، 2012م.
المجلات:
- تمثلات العنف والموت في الروایة العراقیة ما بعد 2003، لؤي حمزة عباس، وغانم حمید عبودي، مجلة جامعة ذي قار، المجلد 9، العدد ، 2014م.
- الفانتازيا في الرواية العراقية النسوية بعد عام 2003 م ، دراسة في روايتي وفاء عبد الرزاق وايناس أثير؛ عباس رشيد الددة، وسعید حميد کاظم، مجلة كلية التربية الأساسية للعلوم التربویة والإنسانیة، العدد 22، 2015م.
- إيقاع الأزرق والأحمر في موسيقا القصيدة الجديدة، عبد العزيز المقالح، مجلة المعرفة، السنة 24، العدد 2 و3، 1985م.
- إشكالية تلقي العجائبية مصطلحا ومفهوما في النقد العربي المعاصر، بهاء بن نوار، مجلة الکلمة، العدد 91، 2014.
المعاجم :
- معجم مصطلحات نقد الروایة، لطیف زیتوني، دار النهار للنشر، بیروت، الطبعة الأولی، 2002م.
المواقع:
- حكايات الموت في الرواية العراقية، عزيرة السبيني، 2017م، موقع الميادين: https://www.almayadeen.net/books/709132
- رواية الخيال الواقعي، سعيد يقطين، 2017م، موقع جائزة کتارا للرواية العربية: kataranovels.com
- رواية “حاموت” للشاعرة والروائية العراقية المغتربة وفاء عبد الرزاق، أحمد فاضل، 2020م، موقع صحیفة المثقف: http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=86956&catid=211&Itemid=53
- حوار مع الکاتبة العراقية وفاء عبدالرزاق، حميد عقبي، 2018م، موقع رأي الیوم: https://www.raialyoum.com/index.php
[1] . شعيب حلیفي، شعریة الروایة الفانتاستیکیة، منشورات الاختلاف، الجزائر، الطبعة الأولی، 2009، ص12.
[2] – عباس رشيد الددة، وسعید حميد کاظم، الفانتازيا في الرواية العراقية النسوية بعد عام 2003 م – دراسة في روايتي وفاء عبد الرزاق وايناس أثير؛ مجلة كلية التربية الأساسية للعلوم التربویة والإنسانیة، العدد 22، 2015، ص 263.
[3] . لؤي حمزة عباس، وغانم حمید عبودي، تمثلات العنف والموت في الروایة العراقیة ما بعد 2003، مجلة جامعة ذي قار، المجلد 9، العدد ، 2014، ص 1-3.
[4] . بهاء بن نوار، إشكالية تلقي العجائبية مصطلحا ومفهوما في النقد العربي المعاصر، مجلة الکلمة، العدد 91، 2014، ص 1.
[5] . نقلا عن: علاوي الخامسة، العجائبیة في أدب الرحلات: رحلة ابن فضلان نموذجا، کلیة اللغات والآداب، قسم اللغة العربیة وآدابها، جامعة منتوري، قسنطینة، الجزائر، 2005، ص 36.
[6] . نقلا عن: سناء کامل شعلان، السرد الغرائبي والعجائبي في الروایة والقصة القصیرة في الأردن من عام 1970 إلی 2002، د.مط، د. ت، ص 22.
[7] . حسین علام، العجائبي في الأدب، منشورات الاختلاف، الجزائر، الطبعة الأولی، 2010، ص 31.
[8] . لطیف زیتوني، معجم مصطلحات نقد الروایة، دار النهار للنشر، بیروت، الطبعة الأولی، 2002، ص 87 و86.
[9] . ینظر: عبد القادر عواد، العجائبي في الروایة العربیة المعاصرة، آلیات السرد والتشکیل، کلیة الآداب، قسم اللغة العربیة وآدابها، جامعة وهران، الجزائر، 2012، ص 24.
[10] . حسین علام، المصدر السابق، ص 11.
[11] . کمال أبوديب، الأدب العجائبي والعالم الغرائبي في کتاب العظمة وفن السرد العربي، دار الباقي، لبنان، الطبعة الأولی، 2008، ص 9.
[12] . فوزي عيسی، الواقعية السحرية في الرواية العربية، دار المعرفة الجامعية، قاهرة، الطبعة الأولی، 2012، ص11.
[13] . حميد عقبي، حوار مع الکاتبة العراقية وفاء عبدالرزاق، 2018م، موقع رأي الیوم.
[14] . أحمد فاضل، رواية “حاموت” للشاعرة والروائية العراقية المغتربة وفاء عبد الرزاق، 2020، موقع صحیفة المثقف.ع
[15] . شکري عزيز الماضي، أنماط الرواية الجديدة، عالم المعرفة، کويت، د.ط، 2008، ص15.
[16] . وفاء عبد الرزّاق، روایة حاموت، مؤسسة المثقف العربي، سيدني، الطبعة الأولی، 2014، ص3.
[17] . المصدر نفسه، ص 8.
[18] . عزيرة السبيني، حكايات الموت في الرواية العراقية، 2017، موقع الميادين الأدبي.
[19] . وفاء عبد الرزاق، المصدر السابق، ص 49.
[20] . المصدر نفسه، ص 7.
[21] . المصدر نفسه، ص 120.
[22] . المصدر نفسه، ص 4.
[23] . سيروس شميسا، المدارس الأدبية، قطره، طهران، د. ط، 1390ه.ش، ص 253.
[24] . نبيل الشاهد، العجائبي في السرد العربي القديم، مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع، بيروت، 2012، ص282.
[25] . المصدر نفسه، ص 297.
[26] . وفاء عبد الرزاق، المصدر السابق، ص3.
[27] . عبدالعزيز المقالح، إيقاع الأزرق والأحمر في موسيقا القصيدة الجديدة، مجلة المعرفة، السنة 24، العدد 2 و3، 1985، ص 53.
[28] . وفاء عبد الرزاق، المصدر السابق، ص3.
[29] . المصدر نفسه، ص 7.
[30] . نقلا عن: سناء کامل شعلان، المرجع السابق، ص 22.
[31] . وفاء عبد الرزاق، المصدر السابق، ص 14.
[32] . المصدر نفسه، ص 8.
[33] . المصدر نفسه، ص 11.
[34] . المصدر نفسه، ص 35.
[35] . المصدر نفسه، ص 48.
[36] . المصدر نفسه، ص 40.
[37] . نبيل الشاهد، المرجع السابق، ص 281.
[38] . وفاء عبد الرزاق، المصدر السابق، ص 11.
[39] . المصدر نفسه، ص 41.
[40] . سعيد يقطين، رواية الخيال الواقعي، 2017، موقع جائزة کتارا للرواية العربية.
[41] . وفاء عبد الرزاق، المصدر السابق، ص 4.
[42] . المصدر نفسه، ص 12.
[43] . المصدر نفسه، ص 2.
[44] . المصدر نفسه، ص 11.
[45] . المصدر نفسه.
[46] . المصدر نفسه، ص 42.
[47] . ابو القاسم فردوسي، الشاهنامه، تحقيق: جلال خالقي مطلق، دائرة المعارف، تهران: 1397 ه.ش، ج 1، ص 44.
الترجمة: صارت الأفعال التي يقوم بها المبدعون، مخفياً مستوراً، بل نجد أن الحمقاء والمجانين هيمنوا علی کل الأمور والشؤون [الاجتماعية].
[48] . عبدالرزاق، المصدر السابق، ص48.
[49] . عبدالملک مرتاض، في نظرية الرواية، عالم المعرفة، الکويت، 1990، ص 67.
[50] . عبد الراق، المصدر السابق، ص 22.
[51] . المصدر نفسه.
[52] . حياة بلجاني، وحياة سباق محمد، سيمياء الشخصية في رواية حاموت، کلية الآداب، جامعة الشهيد حمه لخضر، بالوادي، الجزائر، 2017، ص95.
[53] . عبد الرزاق، المصدر السابق، ص 17.
[54] . المصدر نفسه، ص 33.
[55] . المصدر نفسه، ص 49.
[56] . خليفة غيلوفي، التجريب في الرواية العربية، الدار التونسية للکتاب، تونس، د.ط، 2012، ص 165.
[57] . عبد الرزاق، المصدر السابق، ص 56.