
خطاب التّبسيط العلمي: محاولة في التّعريف ـــ مسوّغات إبستيمولوجيّة
Towards scientific popularization discourse definition : an essay in epistemological considerations
د. يوسف مقران أستاذ التعليم العالي / جامعة مرسلي عبد الله ــ تيبازة
Dr. Youcef MOKRANE, Professor / University of Abdellah Morsli, Tipaza (Algeria)
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 63 الصفحة 33.
ملخّص:
تعرِض هذه المحاولة المفهوم المطلق عليه بالفرنسية (vulgarisation scientifique) والذي يتعثّر دون بزوغه ــ أو وضوحه ــ في الثقافة العربية (نسبة إلى اللغة). إنّ هذا الاتّهام يومئ بحقّ إلى ركامٍ من الحقائق التي ستفصل فيها هذه المقالة: إذ تشرع أوّلاً في تبرير هذا الاتهام. فتعرِّج على بعض التعريفات الواهية. ثمّ تخلص إلى وضع جملة من مقترحات قابلة للنقاش والنقد. وعليه، تصحب هذه المحاولة نزعة تحليليّة صارمة تستهدف إعادة تشكيلة التسميات والمفاهيم المتعلِّقة ضمنيّاً أو الموثّقة رسميّاً ضمن سنن تعامل الثقافة المعنية بمجموع الخطابات الناتجة عنها بما فيها النمط الذي يخصّنا ههنا.
كلمات مفاتيح / خطاب ــ تبسيط ــ علم ــ معرفة ــ إعلام ــ تعليمي ــ تكييف ــ نشر ــ ثقافة ــ تحسيس.
Abstract
This essay seeks to explore the concept known as “scientific vulgarization” which struggles to come into sight, if not to become clear, in the culture with an Arab tradition (with reference to language). It’s made here all sorts of accusations: first, the article reviews the explanation of the assumed “accusation”. A detour of floating definitions goes without saying. Then our essay will be assigned an upsurge of suggestions whose product is not going to be immune from criticism. So must go with the character of analysis and reconfiguration of denominations and concepts that are implicitly or formally cataloged in the rituals of discourse specific to the culture in question.
Keywords / Discourse – Popularization – Science – Knowledge – Media – Didactic(‘s) – Adaptation – Disseminating – Culture – Awareness.
مقدّمة
تحاول هذه المقالة اختبار مفهومٍ فضفاضٍ لم يأخذ حقَّه من الدّراسة والمعالجة الجادّتيْن على مستوى الفكر العربي. وهو ما سنطلق عليه أدناه ” التّبسيط العلمي التّعميمي ” كمقابل عربي لما شاع في الفرنسيّة ــ مثلاً ــ تحت تسمية (Vulgarisation scientifique). لقد همّنا هذا المفهوم بعدما لاحظنا القفر الذي أصابه في الكتابات العربية: مقالاتٍ وكتباً ومعجماتٍ لغويّة أو مصطلحيّة أو مفهوميّة أو موسوعيّة ..الخ، ومِن منطلق لفت الانتباه إلى أهميّته؛ ولاسيما أنّ المكتبات الحافظة للتّراث المدوَّن والمسجَّل بالفرنسية والإنجليزيّة والإسبانية ..الخ، عامرة كلّها بنصوص وخطابات ومراكز تبثّ أنماطاً متنوِّعة من هذا الوسيط وهي تنبض حياةً. كما أولينا اهتماماً لهذا الموضوع في سياق تفكيرنا حول الخطاب التعليمي. وأيّ مفارقة كتلك التي مؤدّاها أنّ الدّارسين لهذا الأخير قلّت إشاراتُهم إلى النّمط الذي يعنينا في هذه المحاولة ؟
ربّما تندرج هذه التعمية ضمن طبيعة الثقافة العربيّة التي يعاني فيها النّمط الآخر مِن الخطاب “ العلمي ” ــ هذه المرّة ــ أنواعاً من التهميش، فما بالك بما ينزل منزلة الخطاب المبسِّط لهذا الأخير والمعمِّم له. مِن هنا نستطلع مسوغات الإجابة الابستيمولوجيّة التي نريد التّركيز عليها خلال العرض والتّحليل. لعلّ القارئ يدرك حينئذ أنّ تلك الثقافة (العربية) لا تزال في عهد لَمِّ شتات الموضوع لإنشاء تعريفٍ يمكن تبنّيه على الأقلّ لدى الباحثين الذين يتلقّون المحاولة بحفاوة النّقد والاسترسال في الرّد.
وللوهلة الأولى يبدو أنّه بعدما يتمّ هذا التحديد، سيعلم القارئ بعض مبرِّرات ما يساوِرنا من القلق إزاء هذه الوضعيّة المتردية. ولكن، في الحقيقة، يجب الاصطلاح بدايةً على أيّ تبسيطٍ يتعلّق الأمر به، وقبله: على أيّ علمٍ ننشده في حدود هذه الثقافة التي إن تتجرّأ النّفس على جسّ نبضها، فقد تتحرّج بما تسوّله مِن عتابٍ وينازعها من تنديدٍ بعد وضعها حقّ موضعها.
1 تعريف “ التّبسيط العلمي ”
1.1 في التسمية المحلَّلة المعلَّلة وإيحاءاتها السّلبيّة
1.1.1 مِن ناحية المعجم
يُسمّى التّبسيط العلمي بالإنجليزية (“Scientific Vulgarization” / Popularizing Science)، ويُدعى بالفرنسيّة (Divulgation, popularisation, vulgarisation de la science / Vulgarisation scientifique), ، ويُطلق عليه بالإسبانية (La divulgación científica / Divulgación de la ciencia) وبالإيطالية (Divulgazione scientifica / Divulgazione della scienza)[1]. وكذلك تُسنَد إليه في العربيّة ــ علاوةً على تسميّة (التبسيط العلمي) ــ سِمة التّثقيف العلمي نسبةً إلى (الثقافة العلمية) و(الثّقافة العلمية الشّعبية)؛ وهو ما يمكن وسمه أيضاً بالتّعميم العلمي. وهناك مَن ينعت (المعرفة) بكونها عالمة[2] وهي ما يتكفّل بها الخطاب العلمي؛ وثمّة مَن يصفها بكونها تعليميّة[3] ويُشرِف عليها كلٌّ من الخطاب التعليمي ــ في شقّها المؤسّساتي الرّسمي، والخطاب التّبسيطي ــ في شقّها الآخر الذي يمكن توصيفه بالجماهيري (الشّعبي).
وإلى المعنى الأخير تنصرف جميع التّأثيلات اللّفظيّة التي أحلنا إليها في اللغات المذكورة أعلاه والمشتقّة من أصليْن هما: (populus -) و(vulgus -) بوضوح صلة (Populirisation) بعموم الشعب والجمهور الواسع. وليس هذا فحسب، بل حتى الكلمة (vulgarisation) المؤصَّلة لاتِينِيّاً (vulgus) حيث تندرج الدلالة السلبيّة كدأب اللغة في احتمالها لحمولات إيديولوجيّة[4]، كانت تدلّ على حشدٍ من السواد الأعظم من الرعيّة في مقابل الشعب السيّد الذي يستأثِر بالإدلاء بصوته ويملك حقّ الانتخاب.. ومع اقتفاء تفرّعاتها يطفو هذا المعنى بالطّبيعة حتى لتكاد تتعزّز الفكرة في اللغة العربيّة ولاسيّما إذا أسقطنا المفهوم على الثنائية (الرسمي ــ الفصيح / الشعبي ــ العامي) أو ثنائيّة (المثقّفين / الجماهير)[5].
وكذلك أصبحنا نعتاد اقتران تسميّة التّبسيط العلمي سياقيّاً وتركيبيّاً ــ معجماً أو صرفاً أو دلالةً ــ بمصطلحاتٍ مِن قبيل (مجتمع الثّقافة) و(مجتمع المعرفة) و(اقتصاد المعرفة)، حرصاً على بناء جسور بين العلماء والمجتمع بفضل التّبسيط العلمي. وكذلك ترتبط التّسمية بكلٍّ مِن (التحرير العلمي) و(التوثيق العلمي) و(تعليميّة العلوم) و(الإعلام العلمي) و(الخيال العلمي) بل أحياناً (الثّقافة الشّعبيّة / العرفيّة)؛ وأكثر مِن ذلك، نُلفي إضافات ذات صلة تدلّ بالزيادة على الطموح كمركّب (دمقرطة الثّقافة) مِن باب توسيع آفاق التبسيط العلمي وتشريع أبوابه أمام جمهور فسيح ومتنوّع.
ومن جهةٍ أخرى نسجّل إرداف متوالية “ التّبسيط العلمي ” ببعض أحكامٍ سلبيّة تتخلّل الحديث عن التسميات في ظروف تقديمها أوصافاً توحي بالحرج أكثر ممّا يمكِن تبريرُها منهجياً. ومِن هذا القبيل ما يطلَق له العنان في مجال اللّسانيات بالفرنسيّة ــ مثلاً ــ في سياق الإنباء بمعضلات التضخّم والتضخيم التي تشهدها بعض النّصوص التبسيطيّة ولكن بشيءٍ من الاستخفاف، فنقرأ: dans la « littérature » linguistique، أي: في فلسفات أو في أدبيات اللِّسانيات .. فتعليقات مِن جنس عبارات: phraséologie linguistique أو littérature linguistique أو terminologie linguistique de nouvel avatar لا تشرِّف أيّاً مِن الفرقاء العاكفين على إقامة صرح العلوم الإنسانيّة والاجتماعية واللّغويّة التي تعاني مثل هذه النَّظرة الدّونيّة[6]؛ أليس هكذا يُساء إلى الفلسفة والأدب واللّسانيات، ربّما مِن حيث لا يدري الواحِد؛ والغريب أن تصدر الإساءة مِن أبناء وبنات الاختصاص[7] ؟
وعليه، فغالباً ما يُنتقَص مِن الاستعمال الشّائع عبرَ لفظ “ خطاب تعميم العلوم ”، على اعتبار هذا الأخير مِن صميم لغة القاصرين مِن “ الجهّال ” والخاملين مِن “ ضعاف التّفكير ”. ولكن تجاهل أساسيات هذا التّبسيط وفنونه ــ باسم التخصّص الدّقيق وتحت دواعٍ أخرى ــ وكذا عدم ألفته رغم شيوعه، هو ما مِن شأنه أن يخلِّف الظنّ بعجزه وابتذاله بدل تصوّره وسيطاً تواصليّاً معرفيّاً منصِفاً للنُّهى المتدبِّرة بما يُفطِّن العقل ويثري الفكر ويُفيد التّواصل ويُحيي اللغة معاً. ولتوطيد الاعتقاد المضادّ لهذه الفكرة الشّائعة والباطِلة في آنٍ، يحسن مقاربتها كمفارقة مبطَّنة أي بصفتها من الموضوعات السّائدة قديماً مع جوانب الطّرافة الخفيّة التي يهمّنا استكشافها إحقاقاً لحقّ النّسق البديل المذكور ههنا خطفاً. وكذا لأجل التحقّق مِن أنّ آلية التبسيط لغرض التّعميم تعدّ مِن أرقى وأرحب إنجازٍ يقوم به منتِج الخطاب بعيداً ــ شيئاً ما ــ عن دائرة المفاهيم المفعمة بالإبهام والتي تحيط ببعض الخطابات والنّصوص العلميّة، وقريباً بما يستطاع من الجمهور الذي يفكِّر في إفادته على قدر اكتراثه بموضوع خطابه التبسيطي المتخلِّل لكلِّ سيّاقٍ تواصليّ يحدث: فيكفّ عن مسايرة عقدة الزعامة الفكريّة لصالح الشراكة الثقافيّة ويخرج من منطق الجحود بفضائل خدمة البشريّة قاطبة، بما يكثّفه مِن جهودٍ في سبيل تقريب تلكم المفاهيم التي كثيراً ما تُبتلى بأنواع الغموض، فتبدو مستعصية في بعض أشكالها المتراكمة والمنصهرة في العلميّة والمحمولة بلغة المنطق المتقشِّف وبرموزٍ رياضيّة وجداول ورسوم صمّاء إلى حدّ الاستثقال.
هذا ومع مساعي التّعليل المحلَّلة في هذا المطلَب، فقد يهمّ إثارة ــ لاحقاً[8] ــ ما لاحظناه ههنا من بعض العواقب المستفحلة ــ بل المساوئ ــ الناتجة عن آفة تحصيل مقولة “ انطباق الاسم على المسمّى ”. ولكن آن أوان اضمحلال العقبات والصّعاب بتطبيق الجملة الاعتراضيّة “ لا مُشَاحَةَ في الاصطلاح ” ولا تشديد. ومن ثمّ نمضي إلى المطلب الثّاني عملاً بحكمة: إنّما يُخرِج من التّيه والحيرةِ ــ لا محالة ــ التعرّضُ للمفهوم من بابه الواسع بعد بوّابة التسمية الضيّقة[9]، وبعبور عتبة التحليل الصّرفي للمصطلح المكرَّس في العربيّة من وجهة نظرٍ خاصّةٍ معلَّلة ومبرَّرة علميّاً وعمليّاً (مع الحاجة إلى الشّيوع الفعلي[10]).
2.1.1 مِن ناحية الصّرف (مصطلحاً)
رُبَّ مشكلاتٍ واقعةٍ ــ لا مفرَّ ــ على مستوى الاستعمال اللغوي، يمكن تفاديها أخذاً بمقترَح تسميّة المفهوم المقصود ــ خلال عرضنا هذا ــ ﺑ (التّبسيط العلمي التّعميمي)، بمعيّة ما يقدِّمه مِن بدائل الاستعمال المتأقلِمة في مختلف السياقات، وهي المختصرات المضبوطة في هذا التسلسل العقدي:
- خطاب التّبسيط العلمي التّعميمي Ü الخطاب التبسيطي التّعميمي Ü
- الخطاب التبسيطي ~ الخطاب التّعميمي
- التّبسيط العلمي ~ التّعميم العلمي.
- (التّبسيط) / (التّعميم)
وتتراءى لنا حسنات هذا المقترَح في ما يأتي: 1. يخلِّصنا من وطأة العطف الذي يشتِّت المصطلح (خطاب التبسيط والتعميمي). 2. يختزل موضوع التبسيط ــ أوّلاً ــ وهو العلم / المعرفة / البيانات / النظريات / التطبيقات = مفعولاً به مضافاً إليه كمقولتيْن نحويّتيْن (صرفيّتيْن تركيبيّتيِن) هامة في مسألة العمل النحوي التي تعتمدها الإضافة أو تلغيها (ظاهرة الإلغاء في النّحو العربي). 3. يسبق بمسار التّبسيط الذي يدلّ عليه مصدر فعل بسَّط المزيد الدّال كما رأينا على البسط / النّشر (العلاقة الرّياضيّة المنشودة ثنائيَّةً تقابليّة تحمل قيّماً مفهوميّة غزيرة وعزيزة على حيث العامل المشترك هو المفعَّل وليس القاسم الفاصل = علاقة التّنافر). من أمثلة المشكلات اللغوية التواصلية التركيبية المخلّة بالنّظام المعرفي والتي يحلّها هذا المقترَح: أ. مشكلة الإضافة مع الاحتفاظ على العطف. في العربية = خطاب التبسيط والتعميم. ب. مشكلة. وعلى الرغم من كلّ ما سبق، فإنّ المقترح لا يخلو من بعض العيوب وعلى رأسها كون التّسمية مركَّباً إضافي نعتي يتكوّن من ثلاثة لفظاتٍ (مونيماتٍ). أمّا التعقيب على هذه السمة السلبيّة، فبالذّكر أنّ المصطلح بسيط ومركَّب في العربية. حسبنا اعتياده لكي نتقبّله. ولا نعدم التراجع عن مقترحنا هذا في حال عثورنا على استعمالٍ أنجع.
2.1 في المفهوم ورواجه الذّرائعي
بعد هذه الوقفة في محراب التّسمية نستخلص نفحاتٍ لصالح المفهوم. وفي مستَهَلِّ هذا التّعريف ـــ ولتفادي مشكلاتٍ مرتَقَبة على مستوى الاستعمال اللغوي ــ التّركيبي خاصّةً[11]، نقترح تسميّته (التّبسيط العلمي التّعميمي) عملاً بما جاء أعلاه (1.1). ولفائدة التبسيط ننطلق من التّعريف الوارد في القاموس الفرنسي (Le petit Robert) الذي يعتبره « عملاً يقوم على تكييف معارف تقنيّة وعلميّة بحيث تصبح في متناول القارئ العام »[12]. ولكي نستبين معالم هذا التّكييف أكثر ننطلِق من بسط التعريف نحو نشره من ثلاثة مناظر منهجيّة: 1 ــ منظور شركاء هذا التبسيط 2 ــ غاياته 3 ـــ المستفيدون منه. وفق التّفصيل الآتي.
1.2.1 مِن منظور شركاء التبسيط العلمي
يُقصد بالتّبسيط العلمي التّعميمي العملية التّحسيسيّة التي يمارسها ــ بشكلٍ أو بآخر ــ كلٌّ مِن المعلِّمين في الصّفوف المدرسيّة، والإعلاميين عبر وسائل الإعلام، والخبراء بما يصدرونه مِن الكتب العلميّة ويحرّرونه من المقالات التّبسيطيّة التّعميميّة التي تضطلع بنشر المعرفة وبتوعيّة الرأي العام حول الكمّ الهائل مِن نتائج العلم ومنجزات العلماء في شتّى المجالات العلميّة والتقنيّة. لهذا فلا تعدم هذه العمليّة التحسيسيّة التوعويّة المعتمدة هذه المصادر الثلاثة نوعاً من السلوك التعليمي أو ــ كما يسمِّيها جويل دي روسني (Joël de Rosnay) ــ « بيداغوجيا مكيّفة لمختلف طبقات الجمهور الفسيح، تُستعمَل فيها سجلاتٌ وأعرافٌ مرتبطة بالمفاهيم العلميّة المستهدفة بالتبسيط، وتُشغَّل وسائل متواشجة وتابعة لبعضها البعض، على غرار: وسيط الكتابة والتحرير، والسمعي البصري، والحاسوبيات التفاعليّة، والنقاش والحوار. فالتبسيط بالنسبة إليّ [ يواصل صاحب المقتبَس ] ترويضٌ وشكلٌ مِن التّربية والبيداغوجيا »[13].
ذلك أنّ مكانة البيداغوجيّا المدعَّمة بسنَد التعليميّة هذه تُعزِّزها حقيقة مفادها أنّ لكتابة العلوم بصيغة شارِحة للغتها المتخصّصة تستدعي مِن المتطلّبات ما تتحدّد بها على أنّها عمليات تحويليّة وطرق ملتوية خاصّة في استخدامها للاتّصال والنِّقاش المسخَّر كلاهما مِن أجل توفير أكبر عددٍ ممكِنٍ مِن المعلومات العلمية لفائدة الفرد أيّاً كان[14]، وإحالة هذا الأخير على مصادرها المختلفة إلى أن اقتضى الأمر تدوين موسوعاتٍ في موضوعاتٍ علميّة شتّى وتنصيب متاحف وتشييد مكتبات وفتح مدارس وبناء جامعات؛ غرضها إحداث الاستئناس بين القراء والمفاهيم العلميّة، من غير الإغفال عن حقيقة أخرى مؤدّاها أنّ « المهارات المطلوبة لأداء معظم المهن والأعمال إنّما تُكتسَب في ميادين العمل الفعلي »[15]. لهذا فإنّ ثقافة الشّركاء العاملين في ميدان التّبسيط العلمي تتوقّع رصداً لغويّاً جسيماً وموثوقاً فيه ليدعِّم مسار رصدهم للمعرفة العلميّة بنزعة استقصائية وبجانب من الانتقائيّة التي سنحسمها أدناه، أي بما يتلاءم ومستوى التقدّم العلمي وينسجم وروح العصر ــ من جهة، وبما يؤهَّلون به في سبيل تفكيك شفرات العلماء وتقريب ألغازهم ورطانتهم إلى السواد الأعم من مختلف الطبقات الاجتماعيّة في طبق التناول المستساغ ــ مِن جهة ثانية.
2.2.1 مِن منظور غايات التبسيط العلمي
من المعلوم أنّ معظم الوسائط والمناسبات المشار إليها أعلاه تُسدَى خصِّيصاً إلى عيّنات منتقاة سلفاً[16] على غرار ــ مثلاً ــ فئة الأطفال والشّباب الذين يعزّ التخصّص الدّقيق في مثل أعمارهم، وكذلك يتعذّر عليهم متابعة الدراسات المرتبِطة بالعلومِ الوعرةِ دروبُها في مثل هذه المرحلة الحرجة بدون الابتداء بتلقين الأبجديات الأساسيّة المتعلِّقة بالفنّ المستهدَف: وهو مِن اختصاص التّبسيط العلمي (المستعصي) بامتياز ؛ ولاسيّما في حال انتفاء سبل التّكييف اللّغوي ذي المستوى المطلوب من حيث المرونة والبساطة والعمق في آن. ناهيك عن كون التلقّي العلمي بمثابة عمل جماعي واجتماعي يلعب التّفاعل فيه دوراً لا يقلّ أهميّة، بالإضافة إلى ضرورة نسج العلاقات التي تتقابل وتتفاضل المعرفة المنعكسة في مراياها العاكسة. وهو ما توفِّره هذه الوسائط الطيِّعة، وتكرِّسه المناسبات الترفيهيّة الحيّة والمحيِّنة للنصوص والحوارات العلميّة والمتزامنة مع ما يُستجدّ في باب العلوم[17]. بل بالكاد تتحوّل “ العروض ” العلميّة إلى مقامات الفرجة والاستعراض، ما يدعونا إلى التّأمّل في جلسات المناقشات التي تُعقَد حول الأطروحات الأكاديميّة، وكذا ما يقدَّم من المداخلات العلميّة في الملتقيات تحت أجواء التصفيقات العجيبة علامة على “ الإعجاب ” الانفعالي طبعاً؛ وذلك نظراً أيضاً إلى الفضل الذي يغطّيه استيعاب المفاهيم الجوهريّة للعلوم والفنون والتقانة في إنماء الدّافعيّة نحو التألّق الذي يرنو إلى الحدّ مِن التخلّف والفقر والانزواء والعطالة والبطالة، وعلى سبيل تمكين المواطنين من الإسهام بصورة فعّالة في خلق فرص النّجاح وافتعال عمليات التّنمية الاقتصاديّة. ما حدا إلى تكريس هذا الهدف النّبيل في المناقشات والقرارات المتّخَذة والمتعلِّقة بميدان العلوم.
مع أنّ هذا الاستيعاب مشدود إلى تذليل الصِّعاب التي قد يُتوهَّم أنّ المتسبِّب فيها حشدٌ مِن المصطلحات التي ــ ومع ذلك ــ ليست طبيعتها في آخر المطاف سوى لغويّة: ما يعني أنّها لابدّ كانت ــ ولا تزال ــ مجرّد كلمات أو أدلّة لغويّة لا تزيد عن كونها ذكِّرت فقط بوظيفتيْها المرجعيّة والموجوديّة الزّائدة على باقي معجم اللغة[18]. « وقد انتشرت هذه الكلمات بطبيعة الحال على هذا النطاق الواسع بفضل تقدّم وسائل الإعلام والاتصال التي ساعدت على سهولة التدفّق المعلوماتي. وبعد أن كانت هذه المصطلحات والمعلومات حكرًا على فئة متميِّزة من العلماء والأكاديميين المتخصِّصين في المجتمعات المتقدِّمة علميًّا، وتكنولوجيًا، شاعت حتى في المجتمعات القبلية المتخلِّفة، التي كانت حتى عهدٍ غير بعيد تستمدّ كلَّ معارفها ومعلوماتها من الكبار عن طريق الرواية الشفهية إلى أن عرفت طريقها إلى الراديو ثمّ التليفزيون ومن بعدهما الفيديو. وظهر نتيجة لذلك ما يمكن اعتباره لغة مشتركة بين معظم مجتمعات العالم من ناحية، ومختلف قطاعات وشرائح المجتمع الواحِد من ناحية أخرى »[19]. بحيث يتوسَّم في هذه اللغة المشتركة دور المدخل إلى المفهوم المستقدَم والمرجع الذي نشأت مِن صلبه كلُّ التنويعات والاشتقاقات التابعة. وكذلك من خلال تقدير وضعيّة الوساطة بين العلماء والتقنيّين من جهة والمتطلِّعين إلى المعرفة من المتعلِّمين وعامّة النّاس المستعملين والمستهلكين والفضوليين ــ من جهة أخرى. وخاصّةً إذا عرفنا أنّ هناك مَن لا يزال يعتبر العلميين والعلماء والفنيّين والتقانيّين لا يُتقنون التواصل بمفهومه المغرض أي لا يحسنون إيصال رسائلهم العلميّة إلى الجمهور الواسع، بل يحدث التّضييق التخصّصي في مجال تبادلاتهم اللّفظيّة وغير اللّفظيّة[20]. ولعلّ ذلك يرجع إلى نأيهم القليل أو الكثير عن ممارساتهم الخطابية التي كادت أن تنقطِع عن الجمهور الواسِع. وهذا بحسب التّحديد الذي قدّمه ميشال فوكو (Michel Foucault) لمفهوم الممارسة الخطابية وهو يحصره في مجموعة مِن القواعِد الخفيّة والتّاريخية التي تتحدّد دائما في الزمان والمكان، والتي تعيِّن، في فترة معينة، ولرقعة اجتماعية واقتصادية وجغرافية أو لسانية معيّنة، شروط ممارسة الوظيفة التّواصلية[21]. وهي لا تنأى من هذه الناحية عن مفهوميْ التعاقد التواصل والوضعيّة التواصليّة اللّذيْن سنأتي على عرضهما أدناه.
3.2.1 مِن منظور المستفيدين مِن التبسيط العلمي
هكذا، مع العلم أنّ المستفيدين مِن التّبسيط العلمي ــ كما سبقنا ببعض الإشارات ــ شريحة عريضة من الجمهور الذي يقلّ فيه عدد حاملي الشهادات، غير أنّهم مِن المتوقَّع أن يكونوا قد اكتسبوا في الصفّ ــ أو عصاميّاً ــ بعض المبادئ المفيدة في كيفيّة قراءة نصٍّ بسيطٍ على الأقلّ، وكذا نزرٍ قليلٍ مِن فنيات تناوله وفهمه ولو سطحيّاً.
كما يندرج في خانة المستفيدين جميع الأفراد الذين يغيب عنهم الشيء الموصوف علميّاً بما تتعذّر عليهم مسالك التجريب مما يمكن لهم أن يُعايِنوه منها وما لا يَعنِيهم من شأنها. وفي هذا الإطار يعدّ كلّ من عزّ عليه خوض غمار التجربة والاختبار جزءاً مِن هذا الجمهور العريض ــ على الرّغم مِن إمكان تخرّج بعضهم من الجامعات والمعاهد والمدارس العليا برصيد من معرفة لا بأسَ به وبما حصدوه من قبيل تّكوين علمي قد لا يكفي ليكفل لهم سبل الرقي إلى مصاف الرّاسِخين في العلم.
ويجدر التّنويه هنا بما يكتسبه الأدب ــ هو الآخر ــ مِن حقٍّ في التّبسيط العلمي وفضلٍ في حذقه لفنون نشر العلم ــ كما يأتي أدناه ــ مِن باب تجسيد صور الواقع، وتيسير الولوج إلى عالم المصطلحات والمفاهيم العلميّة. وذلك بفضل السّرد العلمي الذي يتصرّف به كاتب النصوص الأدبية، فتُشرَع عن طريقه أبواب الخصوصيّة أمام فضاءات عموميّة تنتشر فيها المعرفة وتذاع في المشاهد التي يصفها، وبطولِ وعرضِ لوحات البطولات التي يُسندها إلى روادها الفاعلين وذوي الآثار في الحقول العلميّة المتشعّبة. وذلك كلّه في غياب الشّيء والموضوع الواقِعيْن تحت مجهر الفحص العلمي الدقيق وبعيداً عن الرقابة الخبيرة المشهود عليها بالتّقرير المحرَّر والمتناهي في العلميّة والمستفيض في المعطيات[22].
وتمتدّ في النّصوص الأدبية التي تخوض في الموضوعات العلميّة آفاق الاستجلاء العلمي مما يرخَّص للتّأويل من سبل الإفاضة في زخم العلامات والسمات المنتِجة للمعاني والدلالات والمفاهيم الملتفّ بها حول العالم والملفتة إلى الكون بأسره. لهذا التفتت بعض الدراسات إلى البعد السيميائي للنص التبسيطي الذي ينوَّع فيه بين الحرف والشّكل البياني والصورة واللّون ــ مثله في ذلك مثل ما يقوم عليه الخطاب الإشهاري حيث أضحى فيض كأس الإبداع في مساحاته الواسِعة أمراً مشروعاً يؤكِّده الجمهور نفسه. ونجد مثله أيضاً فيما يعنينا هنا من تسخير الأدب في التبسيط العلمي الماثل فيما ينطوي عليه من المجازات والتشبيهات والاستعارات وفنون القول المراد بها تجسيد الظواهر العلميّة وتقريبها إلى العقول باللغة التي تألفها هذه العقول الجماهيرية التي سعة كلّ مفردٍ منها لا يزال العلماء في حيرةٍ مِن أمرهم بسببها. وكلّما أفل رأيٌ حولها لقدمه ظهر آخرٌ في حديث يدهِش أكثر مما يقنع.
ثم ليس يجهل المستمع فضل اللغة الموحية في تدعيم الفكر ولاسيما بما تمليه عليه من الصور وما تتركه في النّفس من الانطباعات. والصور التي يتكرّم بها الأدباء تنبض حياةً بحيث لا يمكن الإعياء من مطالبتها بقدر ما يعترينا الملل من مطالعة الصور النمطيّة الجوفاء. وذلك لكون الأولى مشوِّقة وممتعة بما يُضفى عليها مِن طابع فنّي نغمي جمالي يتوافق مع روحانيّة بني آدم وأشواقه.
بالتالي فمن مساوئ التصرُّف التقصير في النصّ الأدبي وخطابه كقناةٍ أصيلة برهنت نجوعها منذ قرون. بل بجب أن يُقرَّ بطابعهما القانوني كوسيط تبسيطيٍّ علميٍّ مخصّص لهواة الإبداع الأدبي الذين لا تستسيغ ذائقتهم نصوصاً ولا خطابات غيرها ولو في مقام التشبّع العلمي. من هنا يبدو لنا المهرجانات والهدايا التي تمنح بخصوص تشجيع الإنتاج الأدبي أصبح من المألوف أن يخصَّص منها جزءٌ معتبر لما يستحقّ تسمية “ لإبداعات الأدبية العلمية ” من المسرح والرواية وحتى الشعر بدون أيّ خجل بما أنّها ذات أغراض علميّة نبيلة ثمّ نظراً لجمهورها المكون أساساً من فئتيْ الأطفال والشباب. وتستمرّ التظاهرات في هذا الشأن حتى أوشك أن تتحوّل إلى مهرجانات خاوية بفعل الموضة القاتلة التي قد تحوِّلها إلى مهرجانات تترك المرء كمن اطّلع على حديقته خاوية على عروشها[23].
بالطّبع إنّ هذا الرأي قابل للمناقشة إلى حدّ طغيان الاعتقاد في صرامة المعرفة العلميّة ــ مِن جهة، ومجازيّة اللغة الأدبيّة ــ من جهة ثانية. ولابدَّ أن يشكِّل هذا وجهاً من التعارض الذي لا يمكن مجانبته إلاّ عن عنجهيّة. غير أنّ الردّ على هذه المعارضة المتوقَّعة هو بتذكير كلّ من اختار التقوقع في زاويتها الحادّة بضرورة مراعاة السياق الذي يعتدّ فيه بالأدب في سبيل نشر العلم ــ نكرّر ذلك للفائدة رغم أنف مقولة التكرار فن الحمار. وهو سياق التعلّم والتعليم الذي يتّسع للشّرح وتدقيق التفاصيل ويتمّ عادةً بمعيّة مورد بشري عاقل وعالم قبل تبوئه مكانة الأنبياء بالتشبيه.
وعليه، نكون قد تصفّحنا بعض الأسباب التي يقوم لوجودها واجب الارتكاز على المعلِّمين والأساتذة والمكوِّنين في إمدادهم بمراجع تساعدهم على تكوين ذخيرة علميّة يستمدّون منها مادّتهم العلميّة والمعرفيّة تسخَّر في أداء واجباتهم المهنيّة فيما يخصّ تكوين تلامذتهم وطلبتهم وتوجيهم وتيسِّر عليهم مهام التحقّق من سريان المعلومات وتتبّع تطوّرات العلوم والفنون. وهذا ليس بيسير مقارنةً مع وضعٍ تندر فيها المراجع نظراً لقلّة العناية بفعل التبسيط العلمي الذي نعتبره من هذا المنطلَق فعلاً ثقافيّاً بامتياز وعلامة على التقدّم الحضاري الذي تتحلّى به أيُّ ثقافةٍ تضطلع بشؤونه.
2 التّبسيط العلمي بين التّحقير والتّبرير والوسطيّة والتأديب
1.2 عظمة الرهان العلمي وحقارة التبسيط العلمي
إذن نستنتج من التحليل السابق أنّ الرِّهان ليس بالهيِّن ولا يرضى بإمهال رفعه. لعلّ هذا ـــ وعلى الرّغم ممّا تقدّم مِن الإيحاء ــ ما حدا ببعض الدّارسين إلى التّأكيد على أنّه لا يستقيم التّبسيط ولا يمكن له أن يكون ناجعاً إلاّ إذا أسنِد إلى العلماء ذوي التخصّص الدّقيق بصفة خاصّة وحصريّة وبرهاناً حيّاً على أداءاتهم المنفردة: إمّا بوصف إنجازاتهم بأنفسهم أو بالحديث عن الإنتاجات والكتابات العلميّة لغيرهم من الأقران المعاصِرين، والزملاء الغابِرين من العلماء والأساتذة[24]، سواء في سياقات التكوين أو في مقامات الإعلان عن نتائج بحوثهم المثمرة أو في صدد إجاباتهم عن أسئلة الإعلاميِّين في المقابلات الصِّحافيّة أو في العديد من المناسبات التي يُلتمسون فيها ويُستقدَمون ويُستفتون، وحيث يحقّ لهم أن يطمحوا إلى أسمى التّرقيات بحصولهم على براءات الاختراع وأوسمة التفوّق العلمي الجزيئي والاستثنائي. وإنّما كان ذلك كذلك ــ بحسب رأي أولئك الدّارسين دائماً ــ بسبب خبرات هؤلاء الأخصّائيِّين الأفذاذ ونجاحاتهم في مجالاتهم المختلفة، وتحكّمهم في لغة العلم بشكلٍ أفضل وأعقل مِن غيرهم، وبدافع سعة آفاقهم الخياليّة ورحابة صدورهم الاستكشافيّة ورهافة حسّهم الإبداعي والنّقدي معاً، وباسم الملكيّة الفكريّة في النهاية[25].
والحال أنّ هذا الرّأي ضعيف الحجّة رغم عدم تورّع أصحابه في توزيع هذه الأخيرة توزيعاً لانهائيّاً. وذلك ــ كما سنكشف لاحِقاً ــ فإنّ قضيّة التبسيط العلمي مِن قبيل الشّغل متعدّد ومتداخل التخصّصات، ويقع في ملتقى طرق العديد من الأخصّائيّين الشّركاء والمتعاضِدين (منهم الابستيمولوجيون والإعلاميون والمعلِّمون وعلماء الاجتماع والبيداغوجيون .. الخ، المدعَّمون كلّهم بوصفات وخبرات المتخصّصين في المجال المعني بالتبسيط). وكشأن كلّ ميدان ذي بعدٍ متعدّد التخصّصات والرهانات تنزل في رحابه اتّجاهات عديدة ديدانها التّكامل كما حرص على ذلك أشهر المقعِّدين لنظريّة المعرفة وهما كلٌّ مِن إدغار موران و[26]. [27]. وإلاّ كيف يتسنّى للمتاحف العلمية والمعارض، وما يقام مِن المحافل والمهرجانات، وما يُنظَّم مِن المسابقات (العلميّة الشّعبيّة) أن تضطلع نزاهةً وجدارةً بدور التبسيط العلمي ؟ وكذلك فما شأن كافّة ما يُنصَّب مِن المعسكرات الموضوعاتية ويُعصَر من المقولات والنّظريات التي يُستخلَص منها ما لا نهاية من التطبيقات الميدانيّة العظيمة بمختلف النوازع والاتّجاهات والأذواق، وما يَنصبّ في بوتقة الخيال العلمي المحوَّل إلى إسقاطات واقعيّة، وما يُلفت مِن الملصقات الشيِّقة، ويُنشَر مِن المجلاّت العلميّة التبسيطيّة الهائلة والمريحة، ويُبثّ مِن الحصص العلميّة التلفزيونيّة والإذاعيّة في حلقات مروِّحة، ويخصّص مِن الجوائز في سبيل تحسين المستوى العلمي تحت شعار ومبدأ التثقيف العلمي الممتِع في أوساط جماهيريّة متنوّعة ــ وعلى الرغم من عدم تجانسها بالفعل؟
وذلك إذا اكتفينا بمناقشة هذا الرّأي الذي ليس وحيداً في دائرة الآراء التي تنبذ “ التّبسيط العلمي ” وتضعه في قفص الاتّهام. ذلك أنّ هناك رأياً أكثر تطرّفاً يمكن التّعريج عليه لكونه يتنكّر لمسعى هذا التّبسيط بعللٍ واهية بالمطلق، على غرار ما يُزعَم من تكريس التبسيط العلمي لحرمان عامّة الناس ــ وحتى المتعلِّمين منهم ــ مِن المعرفة التي لا تصلح في صيغتها التبسيطيّة وبالتالي إبقائهم تحت سيطرة ممتلكي المعرفة ومحتكريها مِن الطّبقة الأرستقراطية ذات النّفوذ والمراتب العليا ومحترفيها من الأساتذة أصحاب الأيادي الطولى؛ ذلك أنّ العلم ذو طابع طَبَقي ونخبوي ــ كما سبق لبيار بورديو أن أفاض في هذه المسألة مِن منظور علم الاجتماع ولكن مِن غير أن يستنتج ما يدّعيه رواد فكرة رفض “ التّبسيط العلمي ”، وهم يستشهدون بآرائه حول التفاوت الطبقي الذي تكرّسه المدرسة اجتماعيّاً بمداومة الرصيد الثّقافي المتوارث جيلاً عن جيل. بحيث يستلّون هذه المقولة قسراً مِن سياقها لغرض تزكيّة موقفهم المضلِّل من ظاهرة التّبسيط العلمي فإخضاعها لأهوائهم. وهو موقِفٌ نُلفيه متناثِراً في كتابات عديدة. ذلك أنّه إذا سايرنا بريق هذا المنطق، فحينما يعجز قارئٌ ما عن فهم نصٍّ علميٍّ ما ــ بالتّالي ــ يلجأ إلى الخطاب التبسيطي متوسِّطاً به ومتوسِّلاً، بعد علمه أنّ هذا الأخير يشكّل مفتاح بعض ما استغلق من ذلك النّص، أيعني ذلك ــ إذن ــ أنّه انحطّ إلى أسفل السافلين في مستواه أم تحرّى التدرّج الذي يعدّ مساراً تعلّميّاً سليماً، بل ربّما قد يرجع ذلك الغموض الذي يكون قد اعترى النصّ العلمي إلى أنّ صاحبه لم يأخذ بهذا المبدأ التعليمي الأساس الذي يعتبر من أبجديات التعليميات وبالخصوص تعليميّة العلوم والرياضيات.
2.2 التبسيط العلمي والمبرَّر الابستيمولوجي
وإذا رغبنا في استحضار التبرير الابستيمولوجي نقول إنّه ليس يسلَم مِن الأخطاء مناقشة المضامين المعرفيّة والنظريّات العلميّة والموادّ الفكريّة بنفس اللّغة التي كُتبت بها أوّل مرّة ــ أو بتعبير أصحّ ــ بنفس الخطاب العلمي الذي أنتجها في صفاء وكثافة وتركيز وبروح علميّة وثقة وثبات وبداهةً وبإثباتٍ مبرهن أو نفيٍ معلّل. فكما يقول موريس ميرلو بونتي (Maurice Merleau-Ponty):
« إنّ الطّريقة الوحيدة للتّفكير بالتّفكير هي أوّلاً أن نفكِّر بشيءٍ ما [ وهو ما يحمله الخطاب العلمي كمضمون يختلف عنه ]، ويصبح جوهريّاً لهذا التّفكير أن لا يأخذ ذاته كموضوع [ لهذا فالخطاب التبسيطي لا يستهدف الشيء بقدر ما يستهدف الخطاب العلمي فيبسِّطه وينشره من باب التعريف والتثقيف والإحاطة والإفادة والإنارة في آن ] »[28]. بل هناك من ذهب ــ تدعيماً لضرورة الفصل بين النّمطيْن مِن التّفكير ـ إلى أنّ المعرفة بما أنّها تنتج أنساقاً ومفاهيم في تجدد مستمر، فهي تنطوي على سلطة تقدّرها على إنتاج لغة موازية لهذه الأنساق[29].
وعليه، فبهذا الشّرط فقط يمكن تحاشي تعكير الأفكار الذي يوشك أن يتسبّب فيه اختلاط لبوسها العلمي بزيّها التبسيطي، ولاسيما على إثر التّداخل في الصّلاحيات، وهو ما قد يزيدها غموضاً في الوقت الذي يتوقّع أن يُكسيها سلاسةً ووضوحاً كرونق المياه (Limpides) بتحديد الحالتيْن مع إمكان الجمع بينهما أو التناوب في اعتماد هذه أو تلك. إذ لا يختلف الوجهان المتناظِران نسبيّاً إلاّ من ناحية ما يتطلّبه الخطاب العلمي من استقرار عوده ونمطيّته والإجماع المعقود حولَه، ومن جهة المتلقّي الذي يتوافد على النّمط الثاني من حيث انفتاحه وكونه سديماً لا يمكن تمييزه إلاّ بموجب ما يتوسّمه صاحب الخطاب التبسيطي من آيات الإقبال وعلامات التجاوب، فيقرّر حول طبيعة أسلوبه وعدد تعاريفه ودرجات تعقيد ــ أو تبسيط ــ مصطلحاته وأنواع التدرّج الممكنة في الشّروح والحوصلات والتطابقات والصياغات والترادفات والمجازات والتمثيلات والإحالات التي تستهدف كافّتها المفاهيم العلميّة المراد تقريبها إلى الجماهير بمختلف تنوّعاتها وتوجّهاته ومشاربها[30].
وسيراً دائماً في اتّجاه التّبرير واستناداً أيضاً إلى صحّة قيام لغة خاصّة بالعلم، نستعين بوظيفة من وظائف اللغة وهي ما يمكن تلخيصها في “ تفسير اللغة الطّبيعيّة لغيرها من أنظمة التبليغ ”[31]. إذ ننطلق من اعتبار العلم نظاماً مِن أدلّة مشفَّرة فيها ما يعود الفضل فيه إلى تلكم اللّغة الطبيعيّة في نسبتها الكبيرة، وفيها ما يعدّ من جنس ما يمكن وسمه بالتقابل مع هذه اللّغة الطبيعيّة باللغة الاصطناعيّة. فلا يضطلع بتفسير هذه اللغة وتفكيك شفراتها سوى لغة أخرى تختلف عن هذه الأولى، فلتكن الخطاب التبسيطي[32].
3.2 الحذر والوسطيّة والتعليميّة في رفع تحدّي التبسيط العلمي
ولكن قبل طيّ هذا الموضوع المختلَف فيه نشير إلى أنّه هناك حتّى مِن كبار الفلاسفة مَن شكّك في جدوى التّبسيط العلمي بسبب باب الاستسهال والتسكّع الذي يفتحه أمام المترفين كما يؤثر عن فولتير (Voltaire) نفسه إبطاله للتبسيط المفرط ــ على الرغم من تعاطيه النسبي له. وأخذ يقيّد نفسه بالحذر والتحفّظ حينما تصدّى لمناقشة كلّ من ديكارت (René Dscartes) ونيوتن (Isaac Newton) وباسكال (Blaise Pascal) حول آرائهم العلميّة الفيزيائية والرياضية ــ بل الفلسفيّة ــ في موضوع “ المادّة ” وغيره. فعبّر عن ذلك بأسلوبٍ فيه من السلاسة ما يغري ومن الصرامة ما قد ينفِّر. ومن ثمّ علّل ذلك بإقراره أنّ حدث التبسيط قد يؤدّي إلى وصف نفس الظواهر بفرنسا وإنجلترا ولكن بإطلاق حقائق مختلفة باختلاف الموطنيْن. وهذا بالطّبع تزييف وضلالة ناجميْن عن ابتذال المعرفة بفعل التعميم السّطحي الذي اتّخذ منه موقف التحفّظ وكذلك لابتعادها شيئاً فشيئاً ــ تحت تأثير النقول التبسيطية ــ عن مصدرها وشرعتها السليمة[33].
ويمكن ذكر من المفكِّرين المحدثين جورج ستاينر (Georges Steiner) وما عُرف به مِن موقف الحذر تجاه التبسيط المقيَّد عنده بشروط أوضحها في كتاب مشترك مع سيسيل لاجالي (Cécile Ladjali)، محتفِظاً على موقفه المضاد لابتذال المعرفة بفعل التعميم السطحي ذاك وناقش بإسهابٍ الآثار النّاجمة عن الفنتازية والضلالة المصاحبتيْن ــ لا محالة ــ لحدث التبسيط[34].
لهذا فقد عرف ديدرو[35] (Denis Diderot) بموقفه الميّال إلى تحرّي الكتابة العلميّة المبسِّطة للمفاهيم الأكثر إغراقاً في التعقيد بحذرٍ حصيف، حتى جرى اسمه على الألسنة الشاهدة والدّالة على فضله في نشر المعرفة والبيانات التي جمعها ووثّقها وهو يترأّس تحرير مواد موسوعة أطلق عليها “ موسوعة العلوم والفنون والحرف ”[36]؛ حيث انكبّ على استبقاء مآثر عصره وتحصيل مفاخره بحماس شديد ومهارة نادرة المثال. ونشر من المقالات التبسيطية التي غمرها بتحليل مستفيض وبأسلوبٍ أكاديميٍّ هادئ. وعلى الرّغم من غزارة ما تفرّغ له من التبسيط فهو لم ينفصل ألبتَّةَ عما جمعه من آراء ومعارف وحقائق تنصبّ كلّها في قالب قضايا متفرِّعة من أوّليّات العلم وما انتهى إليه من أسباب ثقته به وممّا هو خليق بأن يوصف بالصحّة على الأقلّ إلى حين عصره الذي استقرّ قراره يومئذٍ من سند أخبار الكتب السالفة ذات النسب وثيق الإسناد.
هكذا وحيثما ورد ذكرٌ لفعل “ نشر المعرفة ” ــ أو بالأحرى حوصلة البحث العلمي ــ تطفو قناة “ الكتابة العلميّة ” بجدارة إنباءً بهَمّ التّعميم المرغَّب فيه دون إسهابٍ ولا تسيُّب. ولكن يبدو أنّ تمركز الكتابة العلميّة هذه في دائرة كمشة مِن الأخصّائيِّين من شأنه أن يحدّ مِن آفاق ذلك النّشر فيُقضى على مجال التّعميم قبل انبساط إمكاناته وتيسير وسائله. وهو ما لا يُلقى له تفسيرٌ سوى الإصرار على الرّغبة في الحصر بدافع أنانيّة الاحتكار ــ من جهة، واستثقال خوض الغمار ــ من جهة ثانية. ومن غير الإيهام بأكثر ما يحتمله هذا الحكم نرى أنّ ما انزاحت إليه تلك الكتابة من أنواع التسميات التي تنمّ ــ من جهة ثالثة ــ عن وعيٍّ في الممارسات الخطابيّة والنصيّة لأسرة العلماء، على غرار: التحرير العلمي والتوثيق العلمي، وحتى الترجمة العلميّة، قد لا يكفي لتبرير قناعة توفّر جوٍّ من التعميم والتبسيط العلميّيْن.
ويتّصل التوثيق العلمي بما يعرف ﺑ “ البحث الوثائقي ” الذي يتناول التحرّي السياقي والتناصي في كتابات ذات طابع تخصّصي أي ترتبِط بمجالات متخصصة ودقيقة. كما يضطلع الباحث الموثّق بمهمّة مراجعة المقالات العلمية والخطاب التبسيطي والوثائق التي يحررها أهل الاختصاص. وهو ما يهدف إلى استيعاب محتوى الموضوع المعالَج والاستئناس بأساليب الأخصّائيّين وخطاباتهم، وبمجرّد الاحتكاك بمقامات تخاطبهم. علماً أنّه من شأن هذا الضرب من البحوث المكتبيّة والميدانيّة التسجيليّة ــ في آنٍ ــ أن يسهّل على المتعلِّم النّاشئ ــ مثلاً ــ اكتساب رطانة التخصّص علاوة على معرفة طرق إيجاد المصطلحات المتداولة في المجال المطروق وكيفيّة استخراجها من مضانها. وكذلك هو حريٌّ بأن يحميه من شراك المعجمات المزدوجة التي يُكتفى فيها بإقامة تقابلات خارج السياق وبعيداً عن مقام التواصل العلمي. كما يظهر فضل التدوين والتوثيق فيما ييسِّره في اعتماد آلية البحث النصي والسياقي والتناصي (نسبةً إلى النص الرابط / Hypertexte). وهو ما يتجلى أيضاً وأكثر عندما يتعلق الأمر بمصطلحات يبدو أنّها غير مدونة في المعجمات المصطلحية والمفهومية والموسوعيّة.
4.2 التبسيط العلمي حَلقة وصل بين الأدب والعلم
إنّ الأدب وعاءً وفكراً وموهبةً وفناً وتصوّراً لا يعدم المعطيات العلميّة حتى اتُّخِذ منه إطاراً للتأمّلات الفكريّة بكلّ منازعها، وقاد دعوات التّحديث والحداثة في أعزّ أمجاده وفي أكحل أزماته، واستعيرت مِن نصوصه ألوانٌ وأشكالٌ من فنون التعبير. فهو منذ الإبداعات الأولى التي خرجت مِن مدرسته أبدى الاستعداد لأن يأخذ على عاتقه مهمّة نشر العلم ومواكبة مسيرته الطّويلة في إرهاصاته وفي جميع أحقابه الخامدة والنّاضِجة. وللتاريخ أن يشهد ولو بنزرٍ قليل على نبوغه في هذا الدور الذي أدّاه بوصفه من سواعد المبتكرين الحقيقيّين من العلماء.
بيد أنّ ما حدث في القرن التّاسع عشر طريف وغريب في آنٍ؛ إذ ذهب بعضهم في أوربا[37] إلى القول إنّ الطفرة العلميّة التي أخذ يشهدها مع بدايته، مِن شأنها أنّ تدفع الأدباء ــ في المستقبل القريب ــ إلى احتراف العلم المنتصِر والتبرّؤ مِن مواهبهم إلى حدّ مغادرة نشاطهم الأدبي. ولكن سرعان ما تبيّن لهم بطلان هذا الادّعاء وسخافته أضغاثَ أحلامٍ عاقرة، بل حدث تطوّر معاكس ــ شيئاً ما ــ لذاك الاتّجاه، بحيث صار الأدب هو الذي يُسخَّر في خدمة العلم بقلمه المهتدى بنور العقل والمتّقى بحكمة من ضلال الخيال المفرط. وليس أدلّ على ذلك من معاينة ما توفّره قرائح الأدباء من الاستعمالات المجازيّة وتولّده من الكلمات ذات الإيحاءات الخاصّة وتنحته أفكارهم من تصوّراتٍ عن الوجود هي مِن أرومة التفكير البشري وتعدّ أدلّة حيّة على عبقريّة أصحابها الذين ليسوا سوى مبدعين عرفوا المجد ثمّ كادوا أن ينزلوا إلى الحضيض تماماً تحت انبهارهم المعنوي الشّديد بإنجازات العلوم التي كادت أن تُسكتهم بينما حالفت روّادها في تحقيق أمجادهم[38]. حتى صار هؤلاء يستعيرون منهم أشكال السرد والشرح العلمي الذي تطوّر إلى شكلٍ كتابيٍّ ما فتئ يحظى بأنواعٍ من التفريع.
ثمّ وقعت المصاهرة بين المجالين المتكاملين ــ مرّةً أخرى ــ في ظلّ ما عرفه النّقد الأدبي من استقطاب المناهج العلميّة في دراسته للأعمال الأدبيّة وتحليلها وتقييمها. فظهر في ضوء هذا التّفاعل أسلوبٌ جديدٌ مَتَحَه خطباء التّبسيط العلمي يهمّ التّعامل معه باستقراء أوجه استعمالاته في ثنايا التّعبير الشفاهي وفي صلب التعبير الكتابي. واليومَ نشهد تحوّل وسائط التبسيط العلمي إلى قِبلة للعلماء أنفسهم يتولّونها لأغراض النشّر فيها والتعريف بأعمالهم حتى عمد البعض إلى تأسيس مواقع إلكترونية يبثّون فيها إنتاجاتهم الفكريّة بذلك الأسلوب العلمي المتأدّب الذي يستأثر به منطق التّبسيط العلمي في كلّ اللغات التي لم تحجم عن التّعاطي معه.
3 خطاب “ التبسيط العلمي ” و(التعاقد[39] التواصلي)
يقول باتريك شارودو[40] (Patrick Charaudeau):
« لا يمكن تمييز خطاب “ التبسيط العلمي ” بهذه الصّفة سوى مِن حيث صلته بما يمكن أن يُحدَّد على أنّه خطابٌ علميُّ (DS). وبالتالي يَنْطرِح ــ ههنا ــ سؤالٌ أوّليٌّ مِن أجل معرفة إذا ما يمكن اعتبار خطاب التّبسيط بمثابة ترجمة، أو إعادة صيّاغة، أو إعادة تشكيل الخطاب القاعدي الذي ليس سوى خطابٍ علميٍّ »[41].
ولمّا قام التّبسيط العلمي ــ وهو يتكفّل بنشر المعارف في وجه جمهورٍ واسعٍ جدّاً ـــ ليظهر خارج جماعة المتخصِّصين التي نعلم أنّ المصطلح العلمي يستعصي على الفهم ــ نوعاً ما ــ إلاّ في دائرتها، فهو بالتالي مِن شأنه أن يتجلّى ــ وفق قيده التعريفي ــ ضمن وضعيّة تواصل متميِّزة عن تلك التي يظهر فيها الخطاب العلمي، وإلاّ فما الغاية من تبسيط هذا الأخير ؟ وهو السّؤال الذي يُصرّ باتريك شارودو على طرحه؛ بحيث يمكن اقتباسه في هذا السياق لمعرفة خاصيات الوضعيات التي تظهر فيها الخطابات العلميّة وخطابات التّبسيط العلمي.
ويمكن الإجابة عليه ــ من جهتنا ــ أوّلاً برفع لبس التعارض بين النّمطيْن (الخطاب العلمي في مقابل الخطاب التبسيطي). وذلك بالتّذكير بداءةً بأنّ فعل الاصطلاح ــ ومع سيطرة الآليات المنوَّه ببعضها أعلاه[42] ــ لا يُستبعد بالكلّ لحساب ما يُعتقَد مِن واجبات التّبسيط العلمي. وهذا يعود إلى ما أشرنا إليه أعلاه[43] وما يمكن الإفصاح عنه بدافع “ حاجة الإنسان إلى المصطلحات لتسمية الأشياء والمفاهيم ”[44]. وقد شرع هذا الأخير في حدث التسمية بدءاً مما وضعه مِن أدواتٍ عمليّة انطلاقاً مِن أبسطها إلى الأجهزة الضّخمة والدّقيقة، والمعقّدة في تركيباتها، والمحكمة في أنظمتها، والمحدّدة وظائفُها، وذلك على إثر ما أملته عليه الظروف الطّبيعيّة القاسيّة التي سخّرها في وجهها معبِّداً لنفسه الطريق نحو التّقدّم العلميّ والتّطوّر التّقنيّ، وقد بدأ يهتدي إليها بينما كان في صراعٍ مع هذه الطّبيعة التي ما انفكّ يحاول التّحكّم فيها، فوضع يدَه على بعضِ سننِها واكتشف مصادر الطّاقة، وتعاقبت الاختراعاتُ العجيبة، فعرف بذلك تحسّنا في معيشته، وتنامت متطلّباته على قدر ذلك التّحسّن أو أزيد، كما تعمّقت تصوّراتُه للحياة والعالم والإنسان ذاتِه، وأصبح يتفلسف في معتقداته وإيمانه بالله وبوجودٍ آخر، فنتج عن ذلك كلّه ضرورة العمل على تكييف لغته مع كثافة الرّصيد المعرفيّ، وتكاثر الموجودات. فأمعن في التخصّص والتفرّع الذي أحدث نوعاً من التعقيد في التواصل بين نخبة تتحكّم في مقاليد التخصّص وفئة أخرى أمرها يحتاج إلى التيسير والتبسيط والتعميم حتى اقتضى الاحتكام إلى ما يدعى التعاقد التواصلي الذي يدعونا باتريك شارودو إلى تسخيره قائلاً:
« فإذا صحّت تبعيّة خطاب التبسيط العلمي، نظراً لخاصياته النّوعيّة، لشروط الوضعيّة التواصليّة التي يندمج فيها، فالسّؤال يُطرح لأجل تبيّن صحّة قيام ضرب واحد من الوضعيّة، أو العديد من الوضعيات، ومن ثمّ لتبيّن ــ إذن ــ مدى قيام نمط واحد أو أكثر من الخطابات الموكول إليها مهمّة التبسيط العلمي. للإجابة على هذه الأسئلة، سنعتمد نموذج “ الّتعاقد التّواصلي ”، الذي يخضع هو بالذّات للكيفيّة التي يمكن للوضعية التواصليّة أن يتمّ تصوّرها بمعيّة كافّة العناصر العضويّة المتّصلة بها »[45].
1.3 عِند مفهوم التعاقُد التَّواصُلي
يعرِّف باتريك شارودو (التّعاقُد التَّواصلي) على أنّه « مجموع الظروف والشّروط التي يتحقّق فيها كلّ حدثٍ تواصليٍّ (مهما يكن شكله: شفاهي أو كتابي أو أحادي التلفّظ “ مناجاة ” أو متبادل التلفّظ “ حوار ”). وهو ما يسمح للشركاء في عملية التخاطب بأن يتحدّدوا ــ كلٌّ في مقابل الآخر ــ باعتماد ملامح شبيهة ببعضها البعض بحيث تحدّدهم على أنّهم فاعلي هذا الحدث التواصلي (الهويّة). كما تخوّل لهم التعرّف على أهداف هذا الحدث الذي يحددهم بدقّة متناهية (الغاية)، ويسعفهم على التفاهم حول ما يشكِّل موضوع التخاطب (الحديث) وعلى اعتبار وجاهة المقتضيات المادية التي تحدد هذا الحدث (الظروف) »[46].
فهكذا يَبرُز الوضعان المتلازِمان المتمثِّلان في الوضعيّة التّواصليّة والتّعاقد التّواصلي على أنّهما شيءٌ واحِد. وذلك بسبب ما يُفهَم مِن تسميّة (التّعاقد التّواصلي) على أنّها تشير إلى جملة العوامل المتواتِرة، والتي تظهر ــ حتماً وعادةً وبالاعتياد ـــ في مظاهرَ تسمّى شروطاً أو ظروفاً هي التي تميِّز أيّ وضعيّة تواصليّة على حدة.
وبينما يُعيِّن اصطلاح (الوضعيّة التّواصليّة) ــ خلاصةً لما بلورَه باتريك شارودو ــ جميع ما تتشكّل منه شروط التبادلات اللّفظية وغير اللّفظيّة التي ستُنتِج لاحِقاً ما يتسمّى “ التّعاقُد التّواصُلي ” المنتوج عن ذلك الاعتياد والتواتر؛ ويتدخّل في تركيبتها كلٌّ مِن الشّركاء المتبادِلين والأمكِنة والأزمِنة عامّةً، وما يرتبط بموضوع التواصل وهدفه وكيفياته اللغويّة وغير اللّغويّة المتنوِّعة على وجه الخصوص، وهي الشّروط التي تستخلص ــ بصورة منتظمة دائماً[47] ـــ مِن عمليات التّواصل المتواترة في مقامات معيّة ثمّ يُعتدّ بها على أساس أنّها تشكِّل ما يمثِّل نوعاً من قواعد ومبادئ تنهض بتأطير ذلك النّمط التواصلي المسمّى نسبةً إليها كأن يقال التواصل العلمي والتّواصل الإعلامي والتواصل التعليمي.
وعليه فليس الأمران سيان على وثاقة الصّلة بينهما. وفي سبيل تزكية التمايز بينهما نتساءل ــ تجنّباً للتكرار: ما هو الدّور الخِطابي التّخاطُبي[48] الذي يضطلع به كلٌّ مِن المعلِّم والإعلامي والعالم (المتوسّط / همزة وصل)[49]، بوصفهم ــ كما سنرى ــ حجرَ زاوية “ التّبسيط العلمي ” والحبل الوريد النّاقل للمعرفة بشتى نواتج قذائفها المتفجّرة بركاناً فوّاراً ونشِطاً ؟
وبعدُ، نجيب بالقول: إنّه يُتحرّى في وصف الثّوابت التي تُشكِّل وضعيّة التّواصُل الخاصّة بمطلب “ التّبسيط العلمي ”، تمييزاً له كإطارٍ مُفعِّلٍ ومُعبِّئٍ للمقتضيات النّفسيّة والاجتماعيّة والمعرفيّة التي تتعالق بتلك الوضعيّة، شريطةَ مداومة هذه الأخيرة بحيث تتطلّع إلى التّعالي حتى تلج باب التّرسُّخ في تقاليد التعامل التي يستجلبها ذلك المطلب من أجل تسويغ مقامه الابستيمولوجي (العلمي الفني العملي)[50]. يجري الحديث هنا عن تلك الوضعيّة التي يجب على شركاء التبادل اللّفظي أن يأخذوها بالاعتبار على أكمل وجهٍ ممكن. وإذا تعطّلت حتميّة الأخذ بها فيُترقَّب استحالة التفاهم المخمَّن فيه على هؤلاء الشّركاء الذين يطالَبون بتحسين الأداء التواصلي في كلِّ مقامٍ يقام لفائدة التبسيط العلمي خصّيصاً، وأن يتحسّسوا تلك المقتضيات القسريّة التي ما هي بقواعد ولا معايير نهائيّة[51]. وإنّما هي مجموع الاصطلاحات الضروريّة التي على الرغم من ذلك فهي غير كافية ولا تقوم بوحدها. لا تتمّ هذه الهَيْكلة والبَنْيَنة (Structuration) المشتركة والمتبادلة بطريقة عشوائيّة. وإنّما يُعمَد إليها ضمن وضعيّات مآلها الاستقرار والتنميط (أي: إلى غاية حدوث قولبتها في أشكالٍ قارّة)، وذلك بفعل التواتر؛ مشكِّلةً عدداً من المقتضيات وكمّاً من المعلمات لصالح الشركاء المندمِجين في نسقها التّبادلي المتحرّى.
فكذلك يُسهِم التّعاقُد التّواصلي في بَنْيَنَة وضعيّة تبادل لفظي تبعاً لشروط تحقّق أفعال الكلام، بحيث تتماشى ومقصديّة الفرد المتكلِّم وإمكانات الفرد المتلقّي والمؤوِّل على أن يؤوِّلها. نتواجد ههنا إزاءَ إشكاليّة التواضع والتعارف: أي حتميّة انطواء الشّركاء على مشترَك من المعطيات المعرفيّة، ليس بالنسبة لأفكار ما فحسب، ولكن بالنّسبة لمقتضيات علائقيّة تمكِّنهم من التعرّف على السياق الذي يلتزمون التبادل في إطاره. إنّ تبيّن التّعاقد هو ما يمنع القدرة على الرّبط بين النصّ والسياق، بين القول القول وسياق القول (المقام)، بحيث يصبح واجب التبيّن لا يشغّل المعطيات المعرفية وفنّ القول فحسب، بل إرادة القول والقدرة على القول.
فالتّعاقد إذن ــ يقول باتريك شارودو: « هو ما يتكلّم قبل أن يكون أحدٌ قد تكلّم، هو ما يتمّ فهمه قبل أن يسبق أحدٌ إلى قراءة شيء. وبتعبير آخر، فإنّ منظومة التعارف المتبادل بين مُنتِج أفعال الكلام ومتلقّيها، تلك التي تنبثق عن التعاقد تجعل النصّ المنتوج يدلّ أولاً بوساطة شروطه التواصليّة: فحينما نلمح لوحة إشهاريّة في الشارع، نكون قد أبصرنا معنى كلّ ما يتعلّق بالخطاب الإشهاري، قبل أن نشرع في قراءة خصوصيات اللوحة المعنيّة؛ وعندما نسمع بيان رجل سياسة في شاشة التلفاز، نكون قد استشرفنا فهم ما يحيل على الخطاب السياسي الخاصّ بمترشِّح للانتخابات، قبل الإمعان في تلقّي ما يكون هذا المترشح في صدد التصريح به على وجه الخصوص؛ وكذلك حال الأستاذ الذي يشرع في إلقاء درسه في المدرَّج ويكون الطلبة قد استبقوا إلى ترسيخ في أذهانهم المعطيات التي يرتبط بها مثل هذا التعاقد التعليمي؛ وفي سياق استلام رسالة ما، فبموجب المؤشِّرات التابعة لهذه الأخيرة والتي ترتسم على صفحات الظَّرف (أو أعلى الصفحة) يتمّ استحضار التعاقد الخاصّ بالرسالة الإداريّة، والضريبيّة والمهنيّة، أو الحميميّة. فقسمٌ من المعنى يكون قد تمّ بناؤه قبل الولوج في خصوصيات النصّ، وهو ما يُنجزه التعاقد التوالي، بحيث يتمّ من خلاله تحديد فاعلي التبادل تحديداً مبالغاً فيه نوعاً ما »[52].
2.3 الوضعيّة والتعاقد التواصلي الخاص بخطاب التواصل التبسيطي
إذا أخذنا في تأمّل مشهد الخطابات العلميّة التبسيطيّة من زاوية مطلب إنتاجها، فيمكن الحكم مسبقاً بأنّ الخاصيات الخطابية المتعلِّقة بالنّصوص التي تنتجها إنّما تخضع، في جانب كبير، لكيفيّة تمثّلها لإكراهات الوضعيّة التواصليّة التي تتواجد فيها. وعليه، أليس من الضروري، قبل تحديد هذا النمط من الخطاب، استعراض الوضعيات التي لها صلة ما بهذا الأخير، تلك التي تتعلّق بالخطاب العلمي والخطاب التعليمي والخطاب الإعلامي ؟
1.2.3 وضعيّة التّواصل الخاصّة بالخطاب العلمي
إنّ غاية الخطاب العلمي تنطبِع بوجهة البرهنة، أي عزيمة إقامة الحجّة الدامغة التي تستلزم نشاطاً حجاجيّاً يؤسِّس لنمطٍ ما من التفكير العقلاني (بناءً على مصادرات وقواعد)، وكفيل بأن ينتقي الحجج التي بالإمكان إحلالها محلَّ الشواهد. من هنا سينبلج خطابٌ وفقَ تنظيمٍ ثلاثي الأطراف: الشّكلنة (جرد جملة من أسئلة)، الموضعة (التزام الفرد بالحجاج حول موقف معتنق)، الإقناع (تحضير استراتيجيات الشواهد)، بمقتضى مقاربة افتراضيّة استنتاجيّة.
هويّة الشركاء هي هويّة الأقران، أي الأفراد الذين يفترَض أن يقوموا على مرجعيّات مماثلة من المعرفة المتخصِّصة، وأن يشتركوا في موقف الحياد الإيديولوجي الواحد. هكذا، حتى يمكن لمطلب إنتاج الخطاب العلمي الاستغناء عن بعض الشروح والامتناع عن استهلاك معجم متخصّص يُفرَض إدراكه من قبل مطلب التلقّي الملحّ. هذا، مع العلم أنّ الفرد العالم، بينما يعبِّر شفاهةً أو كتابةً، يعي بأنّه يتوجّه لمتلقِّين على اختلاف أنواعهم، على الرغم من تموقع هؤلاء ضمن نفس المجموعة العالمة، أو مجتمع المعرفة. بالطّبع، هم أنفسهم صور لمواقف متنوِّعة معزَّزة عن طريق نظريات مختلفة، فبالتالي على الفرد المضطلع بالخطاب العلمي أن يأخذ في الحسبان هذا التنوّع في التموقعات، ما يحمله على الردّ مسبقاً على بعض الاعتراضات التي يمكن أن تواجهه. وهو ما يسفر عن ضرورة إعمال توافق بين الطابع الاستشهادي وهمّ المعارضة.
إنّ فحوى الخطاب العلمي، إذا أمكن القول، يظلّ دوماً ضحيّة الاستهداف، إذ يُسجَّل في إطار تيمة كبرى مكوَّنة من موضوع الدراسة ومن المادة العلمية التي تتصدّى له بالدراسة، والتي تشكِّل تركيبتها ما يمكن تسميته السؤال. فمثال التيمة الكبرى الموسومة « الإنجاب » يمكن دراستها من قبل اختصاص الكيمياء الحيويّة، فيزياء الجزيئات أو من قبل اختصاص تابع للعلوم الإنسانية والاجتماعية (علم النفس، علم الاجتماع .. الخ)؛ في خلال كلّ حالة من هذه الحالات، ستتخصّص تلك التيمة إلى تنوّع موضوعاتي.
أمّا فيما يخصّ الظروف المادية المحيطة بفعل الإنتاج، فهي ذات طابع الحديث الأحادي الطرف حينما تقوم على النّقل (الشفاهي أو الكتابي) بوساطة محاضرة أو مقالات يتمّ نشرها في دوريات متخصّصة (أو عبر النيت)، أو ذات طابع المناقشة الثنائية (ولكن نادرة جدا) لما يقع تبادل النقاش في الملتقيات أو بمناسبة لقاءات الباحثين.
2.2.3 وضعيّة التواصل الخاصّة بالخطاب التّعليمي[53]
تختصّ غاية الوضعيّة التعليميّة، منظوراً إليها من زاوية الفرد الذي يتولّى مهمّة التعليم، بوجهة ثلاثيّة الحدود: فهي إعلاميّة وتنبيهيّة وتقويميّة[54]. تقوم الوجهة الأولى على نقل المعرفة (علماً أنّ هذه الأخيرة يمكن أن تمثِّل معطيات علميّة أو مهارة)، وذلك بهدف جعل المتعلِّم ينتقل من وضع الجاهل (غياب المعرفة) إلى مقام ذي علمٍ. فالمعلِّم يسجِّل حضوره، وفق هذه الغاية، على أنّه وسيط بين المعرفة بما يتوفّر عليه من مرجعياتها، وبين التلميذ، قائماً على دوره موجِّهاً. والمعرفة التي يراد نقلها تأخذ طابع موضوعٍ ممثِّلٍ للحقيقة (مهما يكن تحديدها)، فهي صالحة للإنسان (وإلاّ لم تكن أهلاً للتعليم). تقوم الوجهة الثانية على مواجهة العراقيل التي قد تعترض مسار التعليم والتعلّم التي توشك أن تصدر عن التلميذ الذي لا يرغب في التعلّم (الرفض، النسيان، شرود الذهن، الملل ..الخ)، أو جراء عدم استطاعة هذا الأخير (العجز العقلي والنفسي المشخَّص من قبل الشركاء المنضوين في المنظومة التربويّة). فيجب إذن على المعلِّم أن يحتكم إلى استراتيجيات لغرض إثارة اهتمام المعلِّم بل رغبته في التعلّم. أمّا الوجهة الثّالثة فهي تقوم على مراقبة مكتسبات المتعلِّم فيما يخصّ المعرفة والمهارات، وهي التي يتمّ تجسيدها عن طريق علامات أو ملاحظات تقييميّة. بينما يسجِّل التلميذ حضوره في شكل العمل الذي يؤديه وهو يبادر إلى تطبيق تعليمات المعلِّم (فالتعاقد يسقط في حال تبيّن أنّ التلميذ يرفض الانصياع والعمل).
فهويّه الشركاء، كما تسطِّرها هذه الغاية، هي تدخل في علاقة عدم تناظر. إذ أنّ المعلِّم، من جهة، هو مكرَّسٌ بمقتضى سلطة مؤسّساتيّة، كما يراد منه أن يمتلك ملكة معرفية وأخرى مهاريّة ذات علاقة بغاية التعاقد المعني (أي ينطوي على معرفة كفيلة بالنّقل ويعرف كيف ينقلها). فبالتالي على التلميذ أن يأخذ على الكلام الذي يصدر عن المعلِّم ويعتدّ به على أنّه يمثِّل الحقيقة. ذلك أنّ التلميذ موكَل إلى تلك المكانة من قبل المؤسسة الاجتماعية باعتباره بمنزلة عديم المعرفة، ولكنّه صاحب همّة وعزيمة ورغبة في التعلّم (بحيث يبزغ مشكل كلّما كفّ هذا الأخير عن إظهار علامات الرّغبة، أي لا يعمد إلى تقدير التعاقد التعليمي).
إنّ فحوى الخطاب التعليمي يرضخ لطبيعة المادة التعليمية التي تخضع هي في ذاتها لتمفصُلٍ حتميٍّ عبر المنهاج. وهو ما يمثِّل إلى حدِّ ما « موضوعات الحقيقة » التي يندب تعليمها.
أمّا الظّروف الماديّة فهي متنوِّعة، بما أنّه يمكن التعليم في مختلف الوضعيات وبوساطة مختلف السندات التي ينطوي كلٌّ منها على نوعيّة معيّنة من المطالب ذات الآثار على كيفيّة التعليم: وضعيّة الصف في جوٍّ من التفاعل بين المعلِّم والمتعلِّم، الكتاب المدرسي المرفق أو المعوِّض، الدروس عن طريق المراسلة، السندات التكنولوجية المتنوِّعة ..الخ.
1.3.3 الخطاب الإعلامي وأهميّته في التبسيط العلمي
لقد شرعت فكرة التبسيط العلمي تقترن بوسائل الاتّصال والإعلام قاطبةً منذ أواسط القرن التّاسِع عشر مع صدور حشد من الجرائد التبسيطيّة وانتشار مجلاّت تعميميّة وظهور سلسلات علميّة ونزول موسوعات علميّة إلى السوق بدءاً من موسوعة ديدرو الشهيرة. فانطلق شعار “ وضع العلم في متناول الجميع ” وأخذ عامّة الناس يقتنون كتباً ومجلاّت تعالج موضوعات ذات صلة بالمفاهيم العلميّة التي راجت قبل القرن وآناءه، بعدما كان العلم حكراً على الخاصّة وخاصّة الخاصّة.
ثمّ لا ننسى أنّ الثورة الصناعية التي عرفتها أوربا خلال هذا القرن قد لعبت دوراً فعّالاً في استقطاب جمهور القرّاء من مختلف الفئات الاجتماعيّة، كما كان لصراع الطبقات دور في إذكاء الاهتمام بالعلم لدى الطبقة المتوسِّطة التي ظلّت ترتقِب فرص سانحة لتولّي مراتب عالية في المجتمعات الأوربية التي ما انفكّت تحاول التخلّص من التبعيّة والنزوع نحو الحريّة وهو المبدأ الذي اتّخذ عدّة مظاهر فتجلّى في الأدب والفلسفة والتاريخ وعلم الاجتماع ولاسيّما في المذهب الرومانسي تياراً جارفاً ترك آثاره على المنحى التبسيطي والتعميمي الذي ناشده العصر حينئذ على جميع المستويات بما فيها العلم.
ومع هذا الولوج الحاشد للتبسيط في عالم الإعلام الذي ما انفكّ يتزايد، فقد لاحظ باتريك شارودو أنّ الغاية تختصّ في الخطاب الإعلامي التبسيطي عموماً بازدواجيّة المنحى: منحى الإخبار ومنحى الإثارة[55]. يقوم منحى الإخبار على حمل المعرفة إلى الغير، أي المواطن الذي يُفرض أنّه لا يمتلك تلك المعرفة سابقاً. بيد أنّ هذا المنحى غير موحى إليه بتمليك المعرفة، كما هي حال وضعيّة التّعليم، بقدر ما هو مسدّدٌ لغرض حيازة المتلقّي على فرصة تكوين فكرة معيّنة. ولتعليل هذا الفعل، وجب اختصاص تلك المعرفة بملامح الصحّة والصّدق. فهمّ الإعلام يُرغِم على « وصف الحقيقة وقول الحقّ»، ليس الحقّ الذي يزعم أنّه الحقيقة الوحيدة، ولكن الحقّ الذي يطابق هذه الحقيقة. وعليه، تعتزم أجهزة الإعلام على مجابهة مشكل المصداقيّة وحلّه. ما يضطرها إلى تسخير استراتيجيات في سبيل تأصيل الأحداث وإثباتها بشهادات ووثائق، ومكاشفات عن طريق مقابلات، وتحريات ومناقشات وسجالات، وتحاليل وتعليقات، تغطّي أسباب الأحداث وكيفياتها.
أمّا همّ الإثارة، فهي من قبيل وضعيّة التنافس الاقتصادي الذي تتعايش معه أجهزة الإعلام: تحت دواعي الضغوط المالية تحاول جاهدةً على بلوغ أرقام قياسيّة من حيث استقطاب القرّاء، والمستمعين والمتفرِّجين. ولحذق هذا المنحى، تتوسّل بإجراءات الإخراج الخطابي التي تميل إلى تضخيم الأحداث ومسرحتها، معتمدةً عامل المعتقد الديني والشعبي وباللّعب على العواطف الجماهيريّة والتغنّي بها[56]. نلاحظ أنّ غاية التواصل الإعلامي، مع منحاه المزدوج (الإخبار والإثارة)، مطموسٌ بمنطق ثلاثي الأوجه: الوجه الديمقراطي، والوجه التجاري، والوجه التحريضي.
4 تفاوت صور التبسيط العلمي وتشكيلاته الخاصّة
نستخلِص مما سبق من العرض المتعلِّق بوضعيات التبسيط العلمي أنّ الصورة التي تصل من هذا التّبسيط عبر الإعلام تختلف عن تلك التي يتولاها المعلِّمون. وتختلف كلتاهما عن نسخة العلماء. ولكن لا يكون الاختلاف شاسعا إلى درجة تمييع المعلومات العلميّة وتشويهها وتضييعها، أو تعقيدها وتحجيرها، أو تضخيمها، أو حتى تحجيمها والاستخفاف منها: وهي أبعد ما تكون من مقاصد تحجيزها. كما أنّ الوضعيات الخطابيّة ــ بحسب باتريك شارودو ــ تلعب أدواراً مختلفة وفق المجموعات الثّلاث، وهي الحاسمة في طرائق التبسيط وأشكاله ودواعيه وأهدافه.
1.4 تشكيلة التبسيط العلمي بحسب التعليم
فالمعلِّمون لكونهم ينقلون صورة المعرفة العلميّة بشكلٍ رسميٍّ فهم مطالَبون بتنفيذ تعليمات المناهج، ويعملون تحت ضغوط أخلاقيات المهنة، ووفق بيداغوجيا تسلِّم بضرورة التدرّج قبل الخلود إلى التكوين العلمي النّهائي، وينتهون بنواهي وزارات التربية ويأتمرون بأوامرها ويعملون في حدود النّقلة التعليميّة (Transposition didactique) التي تكرّسها كلّ تعليميّة لأيّ مادة مدرسية كانت؛ ويُخضعون المتعلِّمين لأنواع التقويم قبل بلوغ مرحلة التّكليل بالتحصيل العلمي الختامي. فينتقل هؤلاء حينئذٍ إلى مستوى طلبة العلم ويتخرّجون مِن الجامعات بعدما كانوا طلبةً للعلم فيشتغل بعضهم في وظائف بحسب التخصّص الذي يتدرّبون في رحابه بالتنويع بين التدقيق والتعميم دائماً. وهم يتلقّون التعاليم مبسّطة مع تطوّر العلم بما يوحي إليهم بأنّهم يخرجون كلّ مرّة من عنق زجاجة الجهل إلى فضاء العلم ولو في صورته المبسّطة، إلى حيث يتمّ اجتياز بعضهم لعقبة التخصّص واعتلاء آخرين مرتبة العلماء. فصناعة هؤلاء وقولبتهم يمرّ حتماً عبر المدرسة على الرغم من توفّرها لعوامل التبسيط هي الأخرى، ويستثنى بعض العصاميّين النّجباء الذي كثيراً ما يحتفل بهم الإعلام ــ كما سنرى. بيد أنّ التعلم ليس وقفاً على نخبة ولا حصراً على سنٍّ. فعلاوة على مبدأ الدمقرطة فقد عرفت البشرية توسيع دائرة التعلّم بتسخير وسائل البثّ العلمي الممكنة كالتعلّم عن بعد.
ومِن العوامل التي تقضي بالسّهر على التّبسيط العلمي حتى في السياق المدرسي نذكر عجز الكِتاب المدرسي عن تغطيّة حاجة المتعلِّمين مِن التلاميذ والطلبة. ثمّ إنّ هؤلاء كثيراً ما يعوِّلون على ذلك الكتاب القاصر شكليّاً فحسب؛ وفي حال حدوث إقدامهم على قراءته فتحت سلطة المعلِّم ـــ والأستاذ ـــ الذي يعي هو الآخر محدوديّته، وبإيعازٍ من ضغوطٍ أخرى كقدَر الاختبارات التقويميّة المحتوم. وكذلك أمام تعقّد بعض المفاهيم واستعصائها ــ وفي ظلِّ كلّ المقاربات التي تخوِّل لهم استقلاليّة التعلّم[57] ــ يحسّ المتعلِّمون أنفسهم ضائعين كأنّ لا أحدَ يهتمّ بهم.
وعليه يبرز الإلحاح على ضرورة تدخّل المورد البشري المساعِد والحريص على إنتاج نصّ مبسِّط كفيلٍ برعايتهم كرفيق لعلّه يولِّد لديهم الرّغبة في القراءة. وهو المورد الذي مع ارتكاسه إلى دورٍ ثانويٍّ فمِن شأنه أن يحرّرهم من بعض القيود والمخاوف التي تعطِّل عادةً ميولهم نحو المطالعة المستمرّة؛ فيزوِّدهم بدعامة محبّة الاطّلاع، ويحفِّز فيهم الرغبة في القراءة، ويستثير عندهم فضول الاستكشاف وحسّ توسيع الآفاق الفكريّة.
وهو الأمر الذي يستدعي منّا العود على فكرةٍ سبق لنا أن ساندناها[58]، وهي ضرورة إسناد وظيفة الإيحاء والإيعاز للكتاب المدرسي علاوةً على وظائفه الأخرى المعروفة عالميّاً. وبتعبير آخر، نطالب من هذا السياق السعي إلى ضرورة جعل من الكتاب المدرسي حاوياً على النصوص التي من شأنها أن تكون إيحائيّة أكثر من كونها مضمونيّة، أي تستوي على معلمات الإيعاز والحثّ وتعبيد الطرق أمام المتعلِّمين تؤدّي إلى عناوين لكتاب وعلماء وسير الأعلام أكثر من استهدافها للمعلومات، وأفضل من اعتبارها مجرّد خزّانٍ تُستَنفد إمكاناتُه بسهولة، ويقرأ برتابة لا معنى لها سوى شهادتها على إمكانية تجاوزها زمانيّاً على الخصوص. كما يليق بالكتاب المدرسي أن يحوي نظرات إلى العالم والكون والإنسان ..الخ، تساوق الثقافة التي تؤطّر المتعلِّم منذ نعومة الأظفُر.
وعلى الرّغم من الوثوق في فكرة أنّ المعلِّم يعمل كلَّ ما في وسعه لاقتسام رصيده المعرفي مع المتعلِّمين الذين ينتظرون منه أقصى ما يمكن من العطاء الفكري والأداء التربوي، فإنّ الخطاب التعليمي الذي يمارسه لا ينزل دائما عند رغبات هؤلاء وعلى قدر إلحاح نزواتهم. فهو يستجيب لنوعٍ من نمطيّة لا تيسِّر عليه مهمّة مراقبة مدى بلوغ المعلومات إلى الأذهان بَلْهَ عن التحقّق من تحوّلها إلى شكلٍّ من المعرفة التي تتميّز عن مجرّد المعلومة؛ « ذلك أنّ المعلومة إن كانت أداة للمعرفة، فهي ليست معرفة بالرّغم من ذلك. المعرفة معطى خام. إنّها المادة الأولية لبناء المعرفة »[59].
وقد سبق لكلٍّ مِن بيار بورديو (P. Bourdieu) وباسيرون (J.-C. Passeron) أن تبنّا هذه الفكرة في مؤلّفهما المشترك (إعادة الإنتاج / La reproduction) حيث وضعا درس المحاضرة الذي يعتمده الأساتذة موضع الشكّ لكونه يستدعي فروقاً وفوارق في الوسط الطلابي وهو الراجع إلى اختلاف المرجعيات بين هؤلاء والحال أنّ الأستاذ يتبنّى خطاباً كثيراً ما يُسقط عليه ثقافته الشخصيّة ما يساعد على توسيع هوة تلك الفروق الشخصيّة والفوارق الاجتماعيّة[60].
2.4 تشكيلة التبسيط العلمي بحسب الإعلام
أمّا الإعلاميّون فهم ليسوا ملزمين بعرض الثقافة العلمية باتّباع حلقات برامج حرفيّاً. بيد أنّ عنصر الإثارة الذي تحتكم إليه أجهزة الإعلام هو ما يعدّ المحرِّك الأساس بدون منازع ولكن ــ أيضاً ــ بدون إعدام روح المبادرة والشفقة وحبّ خدمة المصلحة العامّة. ويتفاوت الإعلام من الصحافة المكتوبة والإعلام المرئي، وما يتمّ في رحاب الورشات والمنتديات والمقاهي العلمية والأدبية والفلسفيّة التي تقام في رحاب المكتبات والحصص التلفزيونية والإذاعيّة، وما يبثّ على الانترنت من الفيديوهات وما يكتب على صفحاته من مواد التبسيط العلمي على غرار اليوتيوب، وبعض المسودات والألواح والكاشفات المسموعات الإعلامية التبسيطية كموسوعة الويكيبيديا. علاوة على ما يقام من عروض مسرحيّة للأطفال غرضها التعليم بالترفيه. وكذلك يُسخَّر فنّ الرواية لهمّ نقل المعرفة. ما يكفل الاتّساع النسبي لحضور الأدب في الخطاب التبسيطي.
والحال أنّه ليس كلّ الإعلاميِّين مؤهَّلين على إيصال الثقافة العلميّة إلى عامة الناس. لذلك يلاحظ إقبال القراء أو عزوفهم بناءً على نوعيّة الخدمات التي يقدّمها الإعلام التبسيطي. وعلى الرغم من ذلك فإنّ المؤشّرات تشير إلى أنّ معدّل القراء المقبلين على التبسيط العلمي الإعلامي أكثر بكثير من ذلك الخاص بالمتعاطين مع التبسيط العلمي الذي يتولاّه العلماء إلى درجة أنّ في الجامعات يعاني المشرفون على المذكِّرات بشتى أنواعها وكذا يشكو المناقشون من إفراط استعمال الإعلام والانترنيت كمصدر المعلومات العلمية وكمرجع يستشهد به. ولا نقصد من ذلك ما يكتبه العلماء الباحثون من مقالات ويتم نشرها في الانترنيت حيث تحجز ولصعوباتها وعلوّ مستواها فإنّ الباحثين الناشئين لا يعرفون حتى كيفيات التوصّل إليها بل لا تجد عند كثيرٍ منهم إلماماً باستخدامات SNDL. في الجزائر. يعانون من مشكلة قوامها صعوبة المصطلحات وعدم توحّدها. لهذا ينصرف الكثير إلى مثل هذا الوسيط بدل ، ويضيّعون الوقت والمال بحثاً على المعلومة بالمقارنة الحصيفة بين المصطلحات.
وحينما يُمعَن النّظر في منجزات الإعلام ولاسيما في باب الصحافة المكتوبة فليس لأحدنا إلاّ أن يقع ضحيّةَ الافتتان بانتصارات الكتابة بكلّ ثرائها وتعقيدها. وقد أوجد هذا التفنّن ــ بما تزخر به اللغة مِن طرائف ضمنيّة وما تتيحه من سبل ومظاهر وظواهر على مستوى التبسيط العلمي ــ أرصدةً أخذت تُستخلَص منها الدّروس ــ مجدَّداً ــ وظلّت وحياً للعديد من الحِكم والفرائد والفوائد، كحال كثيرٍ مِن المواقع الإلكترونيّة التي استُحدِثت لأغراض التّبسيط العلمي والتي ما فتئت تُسخَّر ــ مثلاً ــ مِن أجل حماية الطّبيعة مِن المخاطر المحدقة بها على غرار: الكوارث البشريّة مِن “ التَّلويث ”، واستنزاف ثرواتها باسم الاستثمار، والتمادي في سوء الاستغلال بدون التفكير في البدائل[61].
وكذلك نُلفي منها ما هو مخصّص للحفاظ على سلامة الصحّة البشريّة والتهدئة مِن روع أنصار الحروب المشتعلة نيرانُها ولا تزال غير خامدة في بعض جهات العالم المتوتّرة. وتسخيراً دائماً للبعد التعليمي الذي ما فتئ يلازم التبسيط العلمي فقد تعدّدت مواقع الانترنت وتشعّبت في شأن التّعليم عن بعد وهي تحمل طابع التثقيف والتبسيط أكثر من التخصّص والتبريز بالشّهادات. وقد ابتكرت في هذا الإطار مجلاّت ذات غرض التوعيّة والتحسيس كشأن مجلّة (Distances et savoirs) الصّادِرة بالشّراكة مع المركز الوطني للتعليم عن بعد أي [62](CNED). ولا ننسى ما لعبته مجلّة (العلم والحياة / Science & vie) وتعدّ سلسلة (عالم العرفة) من أجود الكتب التي تعنى بالعلوم والثقافة والفنون والترجمة وكذلك العربي العلمي. في فرنسا هناك إعلام مكتوب ومرئي متخصِّص في التبسيط نذكر على غرار المجلة المذكورة آنفاً متخصصة في بث حصص تحسيسية يطغى عليها طابع التبسيط العلمي على غرار (France Culture, Sciences Humaines, Libération, Médiapart, Le Million, Science et Vie, Toute la science, Tout l’Univers, Vous saurez tout, Je sais tout, Clefs des connaissances, Alpha, Spoutnik, Constellation, Sciences et Avenir, Atomes, etc.)
ذلك أنّ الصحافة ليست مجرّد إخبار ولكنها تقوم بتوجيه الأفراد لالتماس برّ النجاة من الطوفان. وعليه، فلا مانِعَ إن وجدت ضالتها في التّبسيط العلمي، لأنّ الإنسان يقتنع بالعلم أشدَّ اقتناع وبثقة عمياء. بيد أنّ هذا العلم بدون تبسيطه وهو واقع في أيدي نخبة من الناس لا يؤدّي وظيفته العمليّة العميقة. بالتالي، فعلى هذه الصحافة النّيِرة أن تقوم بدور الإعلام والتثقيف في آن، بتكثيف منشوراتها التّبسيطية ومباشرة الاستثمار حتى في الإشهار الذي أطال البعد التبسيطي هو الآخر.
3.4 تشكيلة التبسيط العلمي بحسب العلماء
أما مجموعة العلماء الذين يمارسون التبسيط والتعميم وشيئاً من التوعيّة للصالح العام، فهم أولئك الذين يقفون بالمرصاد إزاء التطوّر العلمي ليصحبوه بمنشورات تبسيطيّة تكييفيّة استجابةً لسياسات واقتصاديات البلاد التي ينتمي إليها كلُّ فريق منهم، لأنّ المعرفة كنز واقتصاد ورصيد وقوّة؛ ودمقرطة الثقافة والعلم والمعرفة من الشرائع التي نصّت عليها القوانين الشرعية التي تسيّر البشريّة وليس اليونيسكو بدعاً في هذا الخصوص. بل لهذا الأمر أنشئ البحث العلمي في الجامعات والمراكز والوحدات العلميّة. وفي سنة 1944 تمّ التنصيص على حريّة التعبير في البحث العلمي منصرِفاً في قواعد حكيمة وإطلاقاً لأعنّة الاكتشاف والاستكشاف وهمم الإبداع والاختراع، وتكسيراً لبعض القيود التي كانت تسلِّم مصير العلوم إلى أقليّة ولضغوط لا يستجيب لها سوى كمشة من العقول، بل كانت تزفّ به في أيدي المترصِّدين مِن المستغلّين له في المصالح الضيّقة جدّاً. وصموداً أمام معاملات الحرمان التي تمارسها نخبة صغيرة من بعض المتواطئين من العلماء والخبراء والعملاء الاقتصاديّين والسياسيّين.
وعليه، فما هناك شكٌّ في بصمات العلماء فيما يخصّ إعادة تشكيلة المعرفة بينما هي في طفرة متزايدة، وبينما هم عاكفون على نشرها مبسَّطة مخفّفة. وبالمقابل هناك مِن الخدمات التي يُسديها التّبسيط العلمي التّعميمي للعلماء أنفسه ما يمكن تلخيصه في عضدهم في عمليّة التخيّل المعبَّأة على المستوى اللّغوي التّواصلي وفي شأن وضع التسميات وتبسيطها. وهي العمليّة التي يفتقر إليها هؤلاء بسبب ضيق أوقاتهم المخصّصة أكثر للعمل الإبداعي الذي لا يعدم التخيّل مهما يكن مِن نوعٍ خاصٍّ سبق لكثير من الابستيمولوجيين أن وصفوه بامتياز. إذ بينما تُشغَل الأوقات لدى العلماء وتُكرَّس للبحث العلمي لا يمكن لهم أن يعنوا بنفس الدّرجة التي يعنى بها من يهب حياتَه كلّها ــ وقد يكون من فئة العلماء[63] ــ لشأن التبسيط. وكنتيجة لهذه الحالة فقد لاحظ محلِّلو خطاب العلماء (الخطاب العلمي) المتأثِّر بنزعة التوعية والتحسيس المستجلَبة عن مطالب خطاب المبسِّطين (تَعِت)[64] لطائف لغويّة تنمّ عن العبقريّة.
ولا يسعنا في هذا المضمار إلاّ أن نذكر إسهاماً عربيّاً ذا فضلٍ كبيرٍ على تشكّل القريحة العلميّة بالعربيّة وهو العالم المصري الجليل علي مصطفى باشا مشرّفة (1898 ــ 1950) الملقَّب بآينشتاين العرب والذي يعدّ أوّل عربي نال درجة دكتوراه في العلوم (Phd)، والسبّاق إلى تأليف كتب في التبسيط العلمي يمكن الإشارة إلى بعض عناوينها، وهي الثلاثة الآتية: مطالعات علمية (1943)، والعلم والحياة (1946)، ونحن والعلم (1945). كما أقنع الإذاعة المصريّة بأن تقدّم برامج (أحاديث علميّة) تخاطب الجماهير العامّة بحيث سجّل بين سنتيْ 1939 إلى غاية 1942 حصصاً إذاعيّةً تناولت شتّى نواحي الحياة مركِّزةً على علاقة العلم بالمجتمع، ونشرت تحت عنوان سلسلة أحاديث كلية العلوم[65].
خاتمة
ومما تقدم يجدر علينا وضع حساب لأهميّة التبسيط العلمي وتعميم الثقافة العلمية في الأقطار العربيّة من قبل مختلف الشركاء: العلماء والمعلِّمين والإعلاميين الذين يعدّون باحثين وناقلين وحاملين لتلكم الثقافة. وذلك بعد تحكّمهم في شؤون المعرفة والابتكار والاستكشاف المتجذِّرة في كافة الممارسات الحياتية والعملية الثقافية الاجتماعية، وعنايتهم بأشكال تقديمها وعرضها وإيصالها إلى النّاس عامّةً عبر إتقان الممارسات الخطابيّة الناجعة لهذا المسعى. ولكن دون أن يؤثر ذلك سلباً على مسار البحث العلمي والاختباري والتجريبي والتخميني ولا يمسّ جوهر الفلسفة التي تتحكّم في تقدمه ولا منطق النقد الميسِّر لاستمراره. مع العلم أنّ تقدم الأمصار لا يرتبط بعدد باحثيها في مجالات العلم المتشعِّبة فحسب، بل يتعدّاه إلى عدد المنشورات من المقالات العلمية الوجيهة والوظيفيّة وما يُذاع تبعاً في صيغة التبسيط العلمي التّعميمي الذي يمهّد الطريق لأجيالٍ من الباحثين الذين يحملون مشعل التقدّم العلمي لاحقاً ومن جديد. وذلك علاوةً على تفعيل التوعية الموجّهة صوب عامّة الناس والمرتكزة على تقديم شروح حول كيفيّة الإفادة من المعرفة تطبيقيّاً بتسخير قاطرة التبسيط العلمي التّعميمي دائماً، وذلك لإثارة الاهتمام بالعلم وتعلّم اللغة المفكِّرة بربطها بالواقع والمجتمع الذي يتلهّف نحو تلقّي العلم من عيونه وينهله من مصدر التبسيط العلمي أيضاً ـــــــــــ
- قائمة المراجع /
- بالعربية (كتب ومقالات)
- أبوزيد (أحمد)، هل تقوم لغة عالميّة واحِدة ؟، ضمن المعرفة وصناعة المستقبل، سلسلة كتاب العربيّ (61)، وزارة الإعلام (مجلّة العربيّ)، الكويت، 15 يوليو 2005، (ص.14 ـ 23).
- بنعبد العالي (عبد السلام)، المعرفة والمدرسة، نزوى، ع.73، مؤسسة عُمان للصحافة والنشر والإعلان، مسقط (سُلطنة عمّان)، يوليو 2012، (ص.256 ــ 258).
- الحاج صالح (عبد الرحمن)، الخطاب والتّخاطُب في نظريّة الوضع والاستعمال العربيّة، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، الجزائر، 2012.
- كيغان (جيروم)، الثّقافات الثّلاث: العلوم الطّبيعيّة والاجتماعيّة والإنسانيّات، ترجمة صديق محمد جوهر، سلسلة عالم المعرفة (408) ــ المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب (الكويت) بالتعاون مع المركز القومي للترجمة (القاهرة)، يناير 2014.
- مازليش (بروس)، الحضارة ومضامينها، ترجمة عبد النور خراقي، سلسلة عالم المعرفة (412)، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، مايو 2014.
- المخزنجي (محمد)، فنون الأدب في مقال الثقافة العلمية: هل يسمر تأثير الدكتور أحمد زكي.
مقران (يوسف)،
- أثر النّقلة التعليمية في إصلاحات التعليم العالي: نظام (ل م د)، ضمن إصلاحات التعليم العالي والتعليم العام: الرّاهن والتوقع (أعمال اليوم الدراسي المنعقد في جامعة البويرة بالشراكة مع مخبر الممارسات اللغوية في الجزائر، يوم 22 أفريل 2013)، مجلة الممارسات اللغوية في الجزائر، جامعة مولود معمري، تيزي ــ وزو، 2013، (ص.37 ــ 52).
- الخطاب اللّساني وتفريعاته المفهومية والمصطلحية، حوليات جامعة الجزائر، ع.30 ــ 2، ديسمبر 2016، (ص.263 ــ 306).
- في تعدُّد أبعاد المُصطلح، مجلَّة اللّغة العربيّة، ع.29، المجلِس الأعلى للّغة العربيّة، الجزائر، 2012، (ص.35 ــ 76).
- في سبيل تكريس الملكة التواصلية، دوريّة الممارسات اللغويّة، ع. 11، مخبر الممارسات اللّغوية، جامعة مولود معمري، تيزي ــ وزو، 2012 .
- كيفيات تكييف الكتاب المدرسي لمستجدَّات العصر، الملتقى المغاربي الأول حول ” تقييم فاعلية الكتاب المدرسي في التحصيل اللغوي لتعليم اللغة العربية بالدول المغاربية “، مخبر علم تعليم العربية، المدرسة العليا للأساتذة ــ بوزريعة (الجزائر) أيام 14/ 15 / 16 ماي 2013.
- النصّ الأدبي سَندٌ ممتازٌ لتعلّم اللغة وتملّك الثقافة، مجلة العربية، ع.4 / ج.1، مخبر علم تعليم العربية، المدرسة العليا للأساتذة ــ بوزريعة، 2011، (ص.107 ــ 131). رقم الإيداع القانوني: 2011-1134 رقم الإيداع الدولي: 9557-1112. نص مداخلة ألقيت في الملتقى الوطني الرابع في موضوع: السندات التعليمية للغة العربية في المنظومة التربوية الجزائرية؛ المدرسة العليا للأساتذة ــ بوزريعة؛ أيام 18 و19 ماي 2011.
- مدخل في اللسانيات التعليمية، كنوز الحكمة، الجزائر، 2013.
- بالفرنسية (كتب ومقالات)
-
Adel (Nicolas), Anthropologie des savoirs, Ed. Armand Colin (Coll. U / Sciences Humaines & Sociales), Paris, 2011.Michel Foucault, Archéologie du savoir, Ed. Gallimard, Paris, 1968.
-
Barthes (Roland), L’effet de réel, Communications, n° 11 (Recherches sémiologiques le vraisemblable), Paris, 1968, (p.84-89).
- Bourdieu (Pierre), Questions de sociologie, Ed.Cérès, Tunis, 1993.
- Caro (Paul), La vulgarisation scientifique est-elle possible ?, Ed. Presses Universitaires de Nancy (Coll. Les Entretiens de Brabois), 1990.
Charaudeau (Patrick),
- Le contrat de communication dans la situation classe, in Inter-Actions, J.F. Halté, Université de Metz, 1993, consulté le 17 mars 2017 sur le site de Patrick Charaudeau – Livres, articles, publications. URL: http://www.patrick-charaudeau.com/Le-contrat-de-communication-dans.html.
- La télévision et la guerre, Louvain-la-Neuve, Ina-De Boeck, 2001.
-
Le contrat de communication dans une perspective langagière: contraintes psychosociales et contraintes discursives, in Psychologie sociale et communication ( M. Bromberg et A. Trognon), Ed. Dunod, Paris, 2004. consulté le 16 mars 2017 sur le site de Patrick Charaudeau – Livres, articles, publications, URL: http://www.patrick-charaudeau.com/Le-contrat-de-communication-dans,89.html.
- Pour une interdisciplinarité “focalisée” dans les sciences humaines et sociales, in Questions de Communication, n°21, 2012.
- Dubuc (Robert), Manuel pratique de terminologie, Linguatech (Montréal Québec, l)/ CILF (Paris), 1980.
- Encarta, Mot-clé : embrayeurs, Section : terminologie, in ® 2006. © 1993-2005 Microsoft Corporation.
- Fleury(Béatrice ) et Walter (Jacques), « Interdisciplinarité, interdisciplinarités », Questions de communication[En ligne], 18 | 2010, mis en ligne le 01 décembre 2012, consulté le 03 mars 2017. URL : http://questionsdecommunication.revues.org/409.
-
Galisson (Robert), Regards croisés sur l’usage des technologies pour l’éducation : La disciplinarité (partie 1), ELA, n° 134 (Usage des nouvelles technologies dans l’enseignement des langues étrangères : Colloque UNTELE de l’Université de Technologie de Compiègne, les 28-30 mars 2002), Ed. Klincksieck, Paris, Avril-juin 2004, (p.137-150).
21. Le Discours d’information médiatique: la construction du miroir social, Ed. Nathan (Coll. Médias-recherches), Paris, 1997.
Jeanneret (Yves),
- Écrire la science : formes et enjeux de la vulgarisation, Ed. PUF (Coll. Science, histoire & société), Paris, 1994, p.14. Bourdieu et J.-C. Passeron, La Reproduction, Ed. Minuit, 1970.
-
Le choc des mots : pensée métaphorique et vulgarisation scientifique, Communication et langages, n°93, CELSA Paris-Sorbonne, juillet-septembre, 1992.
- Niderst (Alain), Les Lettres anglaises de Voltaire : une vulgarisation méthodique et imprudente, Revue d’histoire des sciences, T.44 / n°3-4, Ed. PUF, Paris, 1991. (p.313-323).
- Le Robert, Le Petit dictionnaire de la Langue Française : dictionnaire alphabétique et analogique de la langue française. Ed. Dictionnaires le Robert, Paris, 2004.
-
Steiner (Georges) et Ladjali (Cécile), Eloge de la transmission : Le maître et l’élève, Ed. Albin Michel (Bibliothèque Idées), Paris, 2003.
- Merleau-Ponty (Maurice), La phénoménologie de la perception, Paris, Ed. Gallimard (Coll. NRF / Bibliothèque des idées), Paris, 1945.
- Burgelin (Olivier), Barthes et le vêtement, Communications, n° 63 (Parcours de Barthes), Paris, 1996, (p.81-100).
- Sauvageot, Du mot, in La structure du langage, Ed. Publications de l’Université de Provence, Aix-en- Provence, 1992, (p. 127-135), p.127.
- Pêcheux (Michel) et Fuchs (Catherine), Mises au point et perspectives à propos de l’analyse automatique du discours, Langages, n° 37, CNL, Ed. Larousse/Armand Colin, Paris, 1975, (p. 7-80).
- http://www.reseau-canope.fr/docsciences/Maitriser-l-energie-informer-et-convaincre.html
-
Accueil> Les numéros Junior> DocSciences Junior n°3 : L’énergie De nouveaux horizons
- http:// webo. refad. ca(cliquer sur : amorcer la recherche. Type de publication : revue)
- https://www.youtube.com/watch?v=5qZnZrbjwcw
- http://www.patrick-charaudeau.com/
29. Lerat (Pierre), Langue de spécialité, Ed. PUF, Paris, 1995.
37. Rosnay (Joël de -), L’écologie et la vulgarisation scientifique : de l’égocitoyen à l’écocitoyen, Ed. Fides / Musée de la civilisation, Montréal, 1994.
[1] يُنظَر: Joël de Rosnay, L’écologie et la vulgarisation scientifique : de l’égocitoyen à l’écocitoyen, Ed. Fides / Musée de la civilisation, Montréal, 1994, p.08.
[2] هو مقابل عربي ﻟ (Savoir savant) المصاغ على مقاس (culture cultivée)أي (الثقافة العارِفة) التي هي الأدب والموسيقى والفنّ التشكيلي، الخ، أي كافّة ما يمكِن أن يُجمَع، منذ التقليد الذي أرساه بيير بورديوPierre Bourdieu، تحت تسمية culture cultivée لكن الثقافة تشمل كذلك طرق المعيشة وأنماط السلوك كلّها، التي تُحشَر في اسم الثقافة الانتروبولوجيةculture anthropologique. كما توحي كلمته الداعِية إلى إسناد لعلم الاجتماع مهمّة التمكين بالعدّة (السلاح) بدل أن يُصدح بدروسه التي قليلاً ما تبلغ الآذان فما بالك بأن يؤتمَر بها أو يُنتَهى؛ P. Bourdieu, Questions de sociologie, Ed.Cérès, Tunis, 1993, p.95.. ويسمِّي (جاليسون) النّوع الثّاني (Culture courante)أيضاً أو (Culture partagée) ويصفها « بالثقافة المشتركة التي طالما ميّزها التستّر، وأخذت اليوم تتبدّى ويُسفَر عنها وتكتسِح حيِّزاً شاسِعاً في أرضيّة التعليميات ». ويطلِق على النوع الأوّل اسم (Culture savante)، التي يصفها بأنّها « أرستقراطية ولا تزال تتفيّأ باللّغة ». نحيل هنا على مداخلةٍ له ألقاها بمناسبة ملتقى حول « استِعمالات التكنولوجيات الحديثة في تعليم اللّغات الأجنبيّة » في 28 ـ30 مارس 2002، حيث يعود إلى هذه المصطلحات: Robert Galisson, Regards croisés sur l’usage des technologies pour l’éducation : La disciplinarité (partie 1), ELA, n° 134 (Usage des nouvelles technologies dans l’enseignement des langues étrangères : Colloque UNTELE de l’Université de Technologie de Compiègne, les 28-30 mars 2002), Ed. Klincksieck, Paris, Avril-juin 2004, (p.137-150), p.143.
[3] ذلك أنّ المعرفة العلميّة السابِقة على المعرفة التعليميّة تُسهِم في بناء المتعلِّم ثقافيّاً وعلميّاً ومع ذلك فهناك قيودٌ لازِمة مهما يكن قصد الاستجلاب التعليمي كوجود فجوة تقتضي تكيّف المتعلِّم مع المعرِفة التعليميّة قبلَ المعرِفة العِلميّة وهو ما تكرِّسه العولمة بطابعها الشّمولي. ما يعني في المقام الأوّل ظهور مفاهيم فوق محليّة وأشكال جديدة من الثقافة تكاد تكون عالمية. فمن وجهة نظر العولمة هذه فلا شيء يمكن أن يكون أكثر تخصيصاً وحميميّة ولاسيما في مجال المعرفة. فبالتالي لا يمكن التغاضي عن السبل التي تعتمدها العولمة في نشر كلّ ما يمكن نشرُه بدءاً من العلامات التجارية التي وعلى الرغم مِن التفاني في عولمتها فلا يمكن حصر العولمة فيها لوحدها، مروراً بمحاولات توحيد الاقتصاد العالمي مع الإقرار بالقدرة التنافسية للمؤسسات، وصولاً إلى ما يُروَّج له من الأنظمة التعليمية العالمية، وكذا عولمة جميع جوانب الحياة الاجتماعية والحركات الاجتماعية، ولكن يظلّ جوهر المسألة التي نتناولها ــ مهما نستطرد في الموضوع ــ ممثَّلاً في اعتبار التعليم قناة من قنوات نشر الأفكار العولميّة ونزيد على ذلك فكرة الاستجلاب المعرفي التعليمي لكي لا يذوب الفرد المتعلِّم ولا يستهلك مجرّد استِهلاك، هذا ليقيننا بأنّ التربية تستهدف في المقام الأوّل بناء الشخصية الصاعدة وتكوين الفرد وتمكينه من مواجهة الصعاب بكلٍّ أشكالها.
[4] ينظر: Yves Jeanneret, Écrire la science : formes et enjeux de la vulgarisation, Ed. PUF (Coll. Science, histoire & société), Paris, 1994, p.14. وهو يرى أنّ هذه الدّلالة لصقت بهذا الخطاب فعزّ اعتباره نمطاً علميّاً خالصاً ولا أدبيّاً خالصاً حتى ظلّ يعاني أنواعاً من الاستهجان ولم يُشرِف على مراتب العرفان ولم يتشرّف ببلوغ منزلة الحكامة.
[5] ويأبى همّ التفصيل إلاّ أن أحيِّن هذا التقابل ضمن السياق الآتي حيث يقول بروس مازليش (Bruce mazlish) مثلاً ــ متحدِّثاً عن الحضارة: « كان يُنظَر إلى الحضارة، حتى ضمن المثقّفين، فضلاً عن “ الجماهير ”، على أنّها كلّها خيرٌ لا يرقى إليه الشكّ وإنجازٌ أوروبي ». يُنظَر: بروس مازليش، الحضارة ومضامينها، ترجمة عبد النور خراقي، سلسلة عالم المعرفة (412)، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، مايو 2014، ص.81. التّسطير من وضعنا.
[6] يُنظَر للاستزادة من الشواهد: يوسف مقران، الخطاب اللّساني وتفريعاته المفهومية والمصطلحية، حوليات جامعة الجزائر، ع.30 ــ 2، ديسمبر 2016، (ص.263 ــ 306)، ص.269 ــ 273.
[7] لاحِظ هذه العيّنة التي اقتبسناها من موسوعة Encarta الإلكترونية:« Outre embrayeurs, on peut rencontrer dans la « littérature » linguistique les termes déictiques, indicateurs, indices, pour désigner les éléments dont il est ici question » يُنظَر: Mot-clé : embrayeurs, Section : terminologie, in Encarta ® 2006. © 1993-2005 Microsoft Corporation. أو كما جاء في تعليلٍ ﻟ أريليا سوفاجو Aurélien Sauvageot, (1897-1988) لضرورة تفاديه الولوج في تعريف مصطلح الكلمة إلاّ في حدود ضيِّقة (وهو لساني):« Toute une littérature a été déjà publiée sur la définition du mot et il ne saurait être question de revenir ici sur ce problème autrement que pour établir quelques constatations de portée générale »: A. Sauvageot, Du mot, in La structure du langage, Ed. Publications de l’Université de Provence, Aix-en- Provence, 1992, (p. 127-135), p.127. أو كما جاء في هذا التعليق حول إلحاح البعض على استبدال مصطلح(Discours) بمصطلح (Parole):« Le discours n’y est pas autre chose qu’un nouvel avatar de la (parole) » : Michel Pêcheux et Catherine Fuchs, Mises au point et perspectives à propos de l’analyse automatique du discours, Langages, n° 37, CNL, Ed. Larousse/Armand Colin, Paris, 1975, (p. 7-80), p.79.
[8] كقضيّة الرّفض الذي نعود إليه والذي مني به التبسيط نظراً لابتذاله وانعكاساته السلبيّة على النموّ الذهني والفكري للمتشبِّثين به بحسب ما سنعرضه من حجج أصحاب هذا الرأي ونناقشه منها.
[9] وهذا من شأنه أن يحيلنا إلى المقاربتيْن اللّفظيّة والمفهوميّة وأثرهما في مقامات التبسيط. كما سنرجع إلى ذلك أدناه.
[10] وذلك تزكيةً لمبدأ أحقية الشيوع على غيره وشرعيّته في باب الاصطلاح وشرعيّته في منطق الذّكر على الألسنة .. ولا أتبنّى المقولة الشّائعة المميِّعة للفكر البشري قاطبة: « خطأٌ شائعٌ أفضل من صواب مهجور » ولا أدعو إليها رغم شيوعها؛ لأنّ الصواب (مع نسبيّته) لا يُهجَر إلاّ إذا لم يعُدْ صواباً. أمّا ما دام داخلاً أو مُدخَلاً في باب الصّواب فليس أصوب من إحيائه ولفت الانتباه إليه وجعله بديلاً لما يبدو أنّه حُكِم عليه بأنّه خطأ شائع (أم أنّ الكلمات تقول ــ وتُقوَّل ــ ما لا يوحي بالحقيقة ولا يعكِس الواقع ولا يدعو إلى “ كلمة ” حقٍّ). ذلك أنّ الأنساق إنّما تُعتمَد في ضوء التسميات التي لا يراد بها باطِلٌ إلاّ وأبطِل، وتتولَّد هذه مع مجاري تيار وضع الأنساق (paradigme) ومجرياته. ثمّ إنّ مقولة “ لا مشاحة في الاصطلاح ” المستنَد إليها أعلاه تتعارض مع ادّعاء تقديم الخطأ على الصواب مهما تكن نسبة شيوعه والتشيُّع به. فالأحرى أن تراجع العبارة بالتصحيح “ ما يبدو أنّه خطأ وهو شائع أفضل مما يبدو أنّه صواب وهو يبدو مهجوراً. فإعمال هذه المتتالية تقدِّم حلولاً ضمنيّة قدرُها عظيم في حال التصوّر في الأقلّ.
[11] ونرى حسنات هذا المقترَح في ما يأتي: 1. يخلِّصنا من وطأة العطف (خطاب التبسيط والتعميمي). 2. يختزل موضوع التبسيط أوّلاً وهو العلم / المفرفة / البيانات / النظريات / التطبيقات = مفعولاً به كمقولة تركيبيّة هامة في مسألة العمل النحوي التي تعتمدها الإضافة أو تلغيها (ظاهرة الإلغاء في النّحو العربي). من أمثلة المشكلات اللغوية التواصلية التركيبية التي يحلّها هذا المقترَح: أ. مشكلة الإضافة مع الاحتفاظ على العطف. في العربية = خطاب التبسيط والتعميم. ب. مشكلة. وعلى الرغم من كلّ ما سبق، فإنّ المقترح لا يخلو من بعض العيوب وعلى رأسها كون التّسمية مركَّباً إضافي نعتي يتكوّن من ثلاثة لفظاتٍ (مونيماتٍ). أمّا التعقيب على هذه السمة السلبيّة، فبالذّكر أنّ المصطلح بسيط ومركَّب في العربية. حسبنا اعتياده لكي نتقبّله. ولا نعدم التراجع عن مقترحنا هذا في حال عثورنا على استعمالٍ أنجع.
[12] Le Petit dictionnaire Le Robert de la Langue Française : dictionnaire alphabétique et analogique de la langue française. Ed. Dictionnaires le Robert, Paris, 2004, p.2812.
[13] Joël de Rosnay, Op. cit. p.08.
[14] يُنظَر: Pierre Lerat, Langue de spécialité, Ed. PUF, Paris, 1995.
[15] جيروم كيغان، الثّقافات الثّلاث: العلوم الطّبيعيّة والاجتماعيّة والإنسانيّات، ترجمة صديق محمد جوهر، سلسلة عالم المعرفة (408) ــ المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب (الكويت) بالتعاون مع المركز القومي للترجمة (القاهرة)، يناير 2014، ص.326.
[16] أي تنطلق من فرضيّة مؤدّاها أنّها قد تجد تجاوباً وإقبالاً كما يمكن أن تصادم بعزوف ونفور، ما يحدوها إلى بذل الجهود على مستوى شدّ الانتباه والإعجاب والإمتاع والإثارة ..الخ.
[17] حتّى أنّ في الجزائر هناك مناسبة رائعة اسمها يوم العِلم (16 أفريل)، لولا أنّ الأوصياء والأولياء يعرفون قيمة هذا اليوم ..
[18] وهما وظيفتان عزيزتان على المصطلحيات. يُنظَر: يوسف مقران، في تعدُّد أبعاد المُصطلح، مجلَّة اللّغة العربيّة، ع.29، المجلِس الأعلى للّغة العربيّة، الجزائر، 2012، (ص.35 ــ 76)
[19] أحمد أبوزيد، هل تقوم لغة عالميّة واحِدة ؟، ضمن المعرفة وصناعة المستقبل، سلسلة كتاب العربيّ (61)، وزارة الإعلام (مجلّة العربيّ)، الكويت، 15 يوليو 2005، (ص.14 ـ 23)، ص.14.
[20] يُنظَر: يوسف مقران، في سبيل تكريس الملكة التواصلية، دوريّة الممارسات اللغويّة، ع. 11، مخبر الممارسات اللّغوية، جامعة مولود معمري، تيزي ــ وزو، 2012 .
[21] يُنظَر: Michel Foucault, Archéologie du savoir, Ed. Gallimard, Paris, 1968, p.153.
[22] يُنظَر: Roland Barthes, L’effet de réel, Communications, n° 11 (Recherches sémiologiques le vraisemblable), Paris, 1968, (p.84-89).
[23] ولكن كما يقول رولان بارت فالموضة إذا امتنع تبنِّها بالكامل نظراً لبعض أكاذيبها التي تعتِّمها جماليتها فلا تُدع كلّها لأنّها تحمل آيات صدقها وقد ينتفع الناس بها بل تنح سبل البحث في التاريخ والحفريات المتوغّلة في التراث والثقافة، كشأن البحث في تواريخ ظهور الأطرزة والألبسة. يُنظَر هذا التأكيد: Olivier Burgelin, Barthes et le vêtement, Communications, n° 63 (Parcours de Barthes), Paris, 1996, (p.81-100), p.86.
[24] ومعنا مثال عن هذا الصّنف ما ذكّرنا به أحد الباحثين المصريين من فضلٍ للعالم أحمد زكي في نشره لما أسماه “ الثقافة العلميّة ” عربيّاً. وهو يذهب إلى أنّ فلاحه في هذا الشّأن إنّما تحقّق بفضل تخصّصه ونبوغه علميّاً مع تعاطيه للكتابة الأدبية التي ألهمته كتابة علميّة. يُنظَر: محمد المخزنجي، فنون الأدب في مقال الثقافة العلمية: هل يسمر تأثير الدكتور أحمد زكي، ص.330.
[25] يُنظر مسوِّغات هذا الرّأي: Paul Caro, La vulgarisation scientifique est-elle possible ?, Ed. Presses Universitaires de Nancy (Coll. Les Entretiens de Brabois), 1990, p.29.
[26] يُنظَر: Béatrice Fleury et Jacques Walter, « Interdisciplinarité, interdisciplinarités », Questions de communication [En ligne], 18 | 2010, mis en ligne le 01 décembre 2012, consulté le 03 mars 2017. URL : http://questionsdecommunication.revues.org/409.
[27] يُنظَر: Patrick Charaudeau, Pour une interdisciplinarité “focalisée” dans les sciences humaines et sociales, in Questions de Communication, n°21, 2012,
[28] يُنظَر: Maurice Merleau-Ponty, La phénoménologie de la perception, Paris, Ed. Gallimard (Coll. NRF / Bibliothèque des idées), Paris, 1945, p.453.
[29] يُنظَر: Nicolas Adel, Anthropologie des savoirs, Ed. Armand Colin (Coll. U / Sciences Humaines & Sociales), Paris, 2011, p.193.
[30] وهي ما سنضبطها أدناه.
[31] فهكذا لا يمكن تعليم قانون المرور إلاّ عبر اللغة الطبيعيّة التي هي أمرن وأكثر طواعيّة من قانون المرور نفسه الذي يعدّ لغة يتواصل بها السائقون فيما بينهم وبين هؤلاء والمارِّين، ولكن لا يضطلع بأكثر من التبليغ عن بعد وفق قناة متعدّدة الأبعاد (الحرف / الصّوت اللغوي وغيره / اللّون / الاتّجاه / الأشكال / الضّوء /..الخ. وهو قابل للتطوّر والتعديل (خاصية الثبات أو نقيضها عند دي سوسير)، ولكن العلاقة فيه بين الدال والمدلول معلّلة في أكثر الحالات ولا تعد الاعتباطيّة.
[32] يُنظَر: يوسف مقران، مدخل في اللسانيات التعليمية، كنوز الحكمة، الجزائر، 2013، ص.153.
[33] يُنظَر هذا الموقف الشائك ما عرض جزئيّاً في: Alain Niderst, Les Lettres anglaises de Voltaire : une vulgarisation méthodique et imprudente, Revue d’histoire des sciences, T.44 / n°3-4, Ed. PUF, Paris, 1991. (p.313-323), p.318-320.
[34] يُنظَر: Georges Steiner et Cécile Ladjali, Eloge de la transmission : Le maître et l’élève, Ed. Albin Michel (Bibliothèque Idées), Paris, 2003.
[35] وهو فيلسوف وكاتب وموسوعي فرنسي (1713 ــ 1784). وهو أيضاً مسرحي وكاتب مقالة، من قادة حركة التنوير.
[36] وهي الموسوعة الفرنسيّة المنشورة من 1751 إلى 1772 تحت إدارة ديدرو وألامبير (Alembert) تحت تسمية L’Encyclopédie ou Dictionnaire raisonné des sciences, des arts et des métiers
[37] وهم المدعوون (Les Saint-Simoniens).
[38] يُنظَر: Yves Jeanneret, Le choc des mots : pensée métaphorique et vulgarisation scientifique, Communication et langages, n°93, CELSA Paris-Sorbonne, juillet-septembre, 1992, p. 99-113.
[39] نفضِّل لفظة (التّعاقد) على (العقد) لأنّ في الصّيغة الأولى دلالة على « المشاركة والتبادل » الحادثيْن بين أطرافٍ ما. وينجم ذلك التعاقد ذاته عن ذيْنِك (أي المشاركة والتّبادُل).
[40] وهو باحث وأستاذ جامعي فرنسي؛ متخصِّص في مجال تحليل الخطاب الإعلامي والسيميائيات والتعليميات، واللسانيات قبل كلّ شيء. له منجَزاتٌ علميّة ثريّة في هذا الصدد. نحيل القارئ إلى مرجعيّته المجموعة في صفحات موقع إلكتروني هذا رابطه: http://www.patrick-charaudeau.com/
[41] يُنظر: P. Charaudeau, Le contrat de communication dans une perspective langagière: contraintes psychosociales et contraintes discursives, in Psychologie sociale et communication (dir. M. Bromberg et A. Trognon), Ed. Dunod, Paris, 2004, Consulté le 16 mars 2017 sur le site de Patrick Charaudeau – Livres, articles, publications, URL: http://www.patrick-charaudeau.com/Le-contrat-de-communication-dans,89.html.
[42] أي: ترجمة، أو إعادة صياغة، أو إعادة تشكيل الخطاب القاعدي ..الخ، وسيأتي إيضاحها أدناه.
[43] ينظر : 2.2.1 مِن منظور غايات التبسيط العلمي.
[44] ينظر : Robert Dubuc, Manuel pratique de terminologie, Linguatech (Montréal Québec, l)/ CILF (Paris), 1980, p.13.
[45] P. Charaudeau, Le contrat de communication dans une perspective langagière: contraintes psychosociales et contraintes discursives, Op. cit.
[46] P. Charaudeau, Ibid.,.
[47] وهذا مِن مميِّزات أيّ عُرفٍ تواصليٍّ ومن شأن ما يرشَّ أن يستوي على كرسي النّظاميّة في ملاحق تطوّراته.
[48] إنّ هذا الاستعمال ليس بدعة. فقد ، ويمكن استمدادُه من. يُنظَر: عبد الرحمن الحاج صالح، الخطاب والتّخاطُب في نظريّة الوضع والاستعمال العربيّة، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، الجزائر، 2012.
[49] أسميناه هذه التّسمية نسبةً إلى وظيفة الوساطة التي يضطلع بها العالم بين ما يحمله من العلم ويُنتجه من الفكر والجمهور الواسع الذي يغرف من نبعه. ويمكن أن يتطابق هذا القيد التعريفي مع مفهوم المستوى العلمي الذي نعرف أنّه يتنامى بالاحتكاك بالبحث ويتضاءل بمقتضى التجافي الذي يحدث بين العالم وعالَم البحث.
[50] يُنظَر مفهوم الاستجلاب المعرفي التّعليمي أو النقلة التعليمية (Transposition didactique): يوسف مقران، أثر النّقلة التعليمية في إصلاحات التعليم العالي: نظام (ل م د)، ضمن إصلاحات التعليم العالي والتعليم العام: الرّاهن والتوقع (أعمال اليوم الدراسي المنعقد في جامعة البويرة بالشراكة مع مخبر الممارسات اللغوية في الجزائر، يوم 22 أفريل 2013)، مجلة الممارسات اللغوية في الجزائر، جامعة مولود معمري، تيزي ــ وزو، 2013، (ص.37 ــ 52).
[51] وذلك على الرّغم مِن رميها إلى التقعيد والمَعْيَرة في نهاية المطاف.
[52] P. Charaudeau, Le contrat de communication dans une perspective langagière, Op. cit.
[53] تشمل النّزعة التّعليمية المقصودة ههنا كلاًّ مِن السياق المدرسي وغيره من السياقات التي يُحتكَم فيه إلى هذه النزعة من باب همّ الإخبار والإفهام والتحسيس والتوعية ..الخ؛ فليس من الضّروري أن يكون تعليميّاً (مدرسيّاً) خالِصاً؛ ولكن مِن الأحسن أن يصدر عن مورد بشري يقوم مقام المعلِّم أو المكوِّن أو الأستاذ ..الخ.
[54] يُنظَر: Patrick Charaudeau, Le contrat de communication dans la situation classe, in Inter-Actions, J.F. Halté, Université de Metz, 1993, consulté le 17 mars 2017 sur le site de Patrick Charaudeau – Livres, articles, publications. URL: http://www.patrick-charaudeau.com/Le-contrat-de-communication-dans.html.
[55] يُنظَر: Patrick Charaudeau, Le Discours d’information médiatique: la construction du miroir social, Ed. Nathan (Coll. Médias-recherches), Paris, 1997, p.74.
[56] في هذا الصدد، لنعيد إلى الذّاكِرة الطريقة التي عالجت بها الأوساط الإعلامية كلاًّ من وفاة أميرة الغال (la princesse de Galles) وحروب البوسنة والكوسوفو؛ ينظر: P. Charaudeau, La télévision et la guerre, Louvain-la-Neuve, Ina-De Boeck, 2001.
[57] وذلك على غرار المقاربة بالكفاءات، وكذا نظام (لمد) ..الخ.
[58] يُنظَر: يوسف مقران، النصّ الأدبي سَندٌ ممتازٌ لتعلّم اللغة وتملّك الثقافة، مجلة العربية، ع.4 / ج.1، مخبر علم تعليم العربية، المدرسة العليا للأساتذة ــ بوزريعة، 2011، (ص.107 ــ 131). رقم الإيداع القانوني: 2011-1134 رقم الإيداع الدولي: 9557-1112. نص مداخلة ألقيت في الملتقى الوطني الرابع في موضوع: السندات التعليمية للغة العربية في المنظومة التربوية الجزائرية؛ المدرسة العليا للأساتذة ــ بوزريعة؛ أيام 18 و19 ماي 2011. وكذلك: كيفيات تكييف الكتاب المدرسي لمستجدَّات العصر، الملتقى المغاربي الأول حول ” تقييم فاعلية الكتاب المدرسي في التحصيل اللغوي لتعليم اللغة العربية بالدول المغاربية “، مخبر علم تعليم العربية، المدرسة العليا للأساتذة ــ بوزريعة (الجزائر) أيام 14/ 15 / 16 ماي 2013.
[59] عبد السلام بنعبد العالي، المعرفة والمدرسة، نزوى، ع.73، مؤسسة عُمان للصحافة والنشر والإعلان، مسقط (سُلطنة عمّان)، يوليو 2012، (ص.256 ــ 258)، ص.257.
[60] يُنظَر: P. Bourdieu et J.-C. Passeron, La Reproduction, Ed. Minuit, 1970.
[61] ينزَل مثلاً على: http://www.reseau-canope.fr/docsciences/Maitriser-l-energie-informer-et-convaincre.html وهو موقع تحت عنوان مستعار (DocSciences Junior). ويعنى بكلّ فئات من الصغار حتّى الشيوخ. يتصفّح مثلاً هذه الصفحة الخاصّة بفئة القاصرين: Accueil > Les numéros Junior > DocSciences Junior n°3 : L’énergie De nouveaux horizons
[62] le Centre National d’Enseignement à Distanceحيث تجد هذا الرّابِط معمولاً لتوجيه المتصفِّحين http:// webo. refad. ca (cliquer sur : amorcer la recherche. Type de publication : revue)
[63] هذا، على الرّغم مِن أنّ فئة المبسِّطين المعمِّمين فئة غالباً ما تكتسي بالضبابية إلى درجة اعتبارها مفهوماً فضفاضاً. إنّ هذا المسألة قد سبق لنا أعلاه أن قدّمنا رأينا في شأنها.
[64] إنّ التعبير بتسخير المختصرات كثيراً ما استبعد من الحرف العربي. وهذا خطأ فادح. فكان علينا أن نقتدي بالحروف الأولى التي تبتدئ بها بعض السور القرآنية. فلو اعتمِد هذا لكتِب له الانتشار؛ وذلك كما أفدنا في سياق حديثنا عن التعاقد التواصلي.
[65] اطّلعنا على هذه المعلومات من خلال حصّة بثّت في قناة الجزيرة القطَريّة، يُنصت لفيديو رابطه: https://www.youtube.com/watch?v=5qZnZrbjwcw