
صيانة وترميم التراث الأثري من هواية إلى علم قائم بذاته
Maintenance and restoration of archaeological heritage from a hobby to a stand-alone science
د. قاضي محمد/جامعة طاهري محمد بشار، الجزائر
Dr Kadi Mohamed: Tahri Mohamed University – Bechar -Algeria /
مقال نشر في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 65 الصفحة 9.
Abstract:
The field of archeology has experienced a tangible development, in particular in the technical apartment, so that the desired objective of archeology does not only lie in the search and exploration of buried treasures, but goes further. beyond to highlight the material and aesthetic values of the latter, which brought this specialization out of this space. Simple scientist to further expand his objectives and results, and among the most important technical tools on which archeology is based, we refer to the specialty of maintenance and restoration, which in turn has gone from a simple practice not based on controls carried out by some interested in material heritage, to an autonomous science governed by principles and supervised by rich specialists composed In this regard, as for the importance of maintenance and restoration, it may be limited to the importance of the archaeological heritage and its leading role in promoting the economic movement of many countries thanks to the tourist attraction, which has led archaeologists to focus on the field of maintenance and restoration to properly treat the confidentiality of archaeological materials that the person has personified in the past, his art or even his religious beliefs and even his habitations, which he built with simple materials, and techniques which testify of time and space and hide in their details and the conception of their spaces the relation of this person with his environment and his environment.
Keywords : Maintenance and restoration – Restoration theories – Restoration schools -Archaeological heritage.
ملخص:
شهد مجال علم الأثار تطورا ملموسا خاصة في شقه التقني، فأصبحت الغاية المرجوة من علم الأثار لا تكمن فقط في البحث والكشف عن الكنوز المدفونة، بل تتعدى ذلك إلى إبراز ما تحمله هذه الأخيرة من قيم مادية وجمالية، وهو ما جعل هذا التخصص يخرج من هذا الحيز العلمي البسيط ليتوسع أكثر في أهدافه ونتائجه، ومن أهم الأدوات التقنية التي يرتكز عليها علم الأثار، نشير إلى تخصص الصيانة والترميم الذي تطور بدوره من مجرد ممارسة لا تستند لضوابط يقوم بها بعض المهتمين بالتراث المادي، إلى علم قائم بذاته تحكمه مبادى ويشرف عليه أثريون مختصون متكونين في هذا المجال، أما بالنسبة لأهمية الصيانة والترميم فيمكن حصرها في أهمية التراث الأثري ودوره البارز في دفع الحركة الاقتصادية لعديد الدول بفضل الاستقطاب السياحي، وهو ما جعل الأثريين يركزون على مجال الصيانة والترميم للتعامل الصحيح مع خصوصية المواد الأثرية التي جسد عليها الإنسان في الماضي فنونه أو حتى معتقداته الدينية وحتى مساكنه التي شيدها بمواد بسيطة، وبتقنيات تشهد على الزمان والمكان وتخفي في تفاصيلها وتصميم فضاءاتها علاقة ذلك الإنسان ببيئته ومحيطه.
الكلمات المفتاحية: الصيانة والترميم- نظريات الترميم- مدارس الترميم- التراث الأثري.
مقدمة:
يعدَ الاستثمار في التراث الأثري أحد أهم المشاريع المربحة في الاقتصاديات المعاصرة، وهذا ما جعل هذا القطاع يأخذ حيزاً كبيراً من الاهتمامات في دول عديدة، ليس فقط لكونه يعكس هوية الشعوب والحقب التاريخية والحضارية التي مروا بها، وإنَما باعتباره كنز يمكن استخدامه كعجلة لدفع حركة التنمية، وهذا الوجوب الذي تملية أهمية التراث الأثري، ساعد في ظهور شخصيات ومنظمات عالمية تسهر على حفظ هذا التراث من خلال صيانته وترميمه، حيث شهد القرنين 18م و19م حركة ثقافية كبيرة في أوروبا، أين أصبح المثقفون والمهتمون يناشدون ويطالبون بالمحافظة على التراث الإنساني، وذلك باعتماد مناهج علمية وتقنيات وظيفية صحيحة، بعدما كانت أعمال الصيانة والترميم في الماضي لا تخضع لأسس علمية تحفظ هوية وسلامة الأثر، هذا الواقع الحضاري وبتراكم أحداثه شكل كرونولوجية لأهم المحطات التاريخية لتطور أعمال الصيانة والترميم، وبناءً على ما سبق تطرح هذه الورقة البحثية الإشكال التالي: ما هو مفهوم الصيانة والترميم في المنظور الأثري؟ وماهي أهم المراحل التي مر بها للوصول إلى الصورة التي آل إليها اليوم؟ وبغية الإحاطة بجميع التشعبات التي يمكن لها إثراء الورقة البحثية حاولنا التطرق لإشكالية ثانوية مهمة ألا وهي: هل تنوع نظريات الصيانة والترميم هو مؤشر للتطور الذي شهده هذا المجال أم هو نتيجة حتمية لتنشئة الثقافية لمنظري مدارس الترميم والخاضعة بدورها لتأثير البيئة العمرانية ومميزاتها؟
للإجابة على الإشكال المطروح، اعتمدنا منهجين المنهج التاريخي والتحليلي من خلال تعقب أهم المحطات التاريخية والجوهرية التي كان لها أثر في تحديد الصورة التوافقية التي يمكن أن يكون عليها الجانب العملي للصيانة والترميم، كما عمدنا إلى تحليل أهم التوجهات الفكرية التي وضعت حيزا تنظيميا لهذا العلم.
تحديد المفاهيم:
* الصيانة والترميم:
ارتبط مفهوم الصيانة والترميم ببعضهما البعض إلى درجة أنهما أصبحا يؤديان نفس الوظيفة في نظر العديد من الباحثين، حيث أستعمل المصطلحان في اللغة الفرنسية وهي دلالة على مجموعة من التدابير التقنية من حفظ وترميم دقيق بهدف إطالة عمر الأثر، كما أنها إجراءات جمالية من خلال التنظيف وإضافة العناصر المهمة، وهناك من المختصين من رأى أن الصيانة والترميم هما عمليتين مكملتين لبعضهما البعض، وأيضا هما وسيلتان للمعالجة ترتكزان على البحث والفهم والحفاظ على المدى الطويل للمواد المكوّنة للأثر مع إبراز نواحيها المختلفة[1].
* الصيانة:
تعني مجموع العمليات التي ترمي في تكاملها إلى إطالة وجود الأثر بالحيلولة دون وقوع ضرر به[2]، وتعرف أيضا بأنها عملية يسعى من خلالها الأثري إلى توقيف الضرر والتَلف الذي وقع فعلا أو محتمل وقوعه، أما الهدف الرئيسي من الصيانة هي إطالة عمر اللّقى والمعالم الأثرية على حدَ سواء وذلك بتهيئة وسط الحفظ وجعله مناسب لإطالة واستمرارية عمر الأثر[3]، من خلال العمل الدوري وبصفة مستمرة للحفاظ على التراث المادي والتدخل على محيطه بغية حمايته من التَلف[4].
* الترميم:
حضي مصطلح الترميم باهتمام العديد من الباحثين في ميدان ترميم الآثار، وقد أجمع غالبيتهم على المعنى الذي يدَل عليه مصطلح ترميم بأنَه يطلق على الأعمال التطبيقية والميدانية التي يقوم بها المرممون، من أجل حماية التراث الأثري من التَلف،فالترميم لا يعني التجميل أو تجديد الأثر ولكن إعادته بقدر الإمكان إلى حالته الأصلية من خلال عملية علاج تتضمن التخلص من مظاهر التلف الظاهرة عليه[5]،فهي عملية جراحية وتدخل مباشر على الأثر، وتشمل حذف الإضافات اللاحقة وقد تذهب حتى إلى إعادتها إلى حالتها الأصلية[6]، وهذا ما يؤكده ميثاق البندقية 1964م في مادته 09 حيث عرَف الترميم على أنَه: “عملية متخصصة تعتمد على احترام المواد الأصلية، وكل أعمال إضافية يجب أن تكون مميزة بشكل واضح، وهذا ما يجعل من الترميم عملية تهدف إلى إعادة الأثر بقدر الإمكان إلى حالته الأصلية”[7].
كما جاء في الوثيقة الثامنة لحماية وإحياء المراكز التاريخية التي أصدرتها إيكوموس سنة 1987م وهي وثيقة مكمّلة لميثاق البندقية: “أن عملية الترميم هي عملية متخصصة بدرجة عالية وهدفها حماية وكشف القيمة الجمالية، تستند على احترام المادة الأصلية، ويجب أن تسبق أي عملية ترميم دراسة أثرية وتاريخية للأثر”[8].
والجدير بالذَكر أن مصطلح الصيانة في مدلوله هو أعم وأشمل من مصطلح الترميم، وإن كان مصطلح الترميم يعتبر أقدم استخداماً من مصطلح الصيانة في مجال حماية التراث الأثري[9].
- تطور مصطلح الترميم والصيانة:
اختلف العديد من الباحثين حول المراحل التَاريخية التي تكشف عن التاريخ الفعلي لنشأة مصطلح ترميم وصيانة الآثار لعدم توفر وثائق يمكن الرجوع إليها، أما عن تطور مصطلح الترميم أو Restauration بالفرنسية أو Restaurationبالإنجليزية كلها مصطلحات اشتقت من الكلمة اليونانية Stau-ros والتي تعني إصلاح وتدعيم، ومعناه عند اليونانيين هو حماية الوطن من الأعداء، وبالنسبة للقواميس والمعاجم اللغوية في القرنين السابع والثامن عشر، فقد ورد ذكر مصطلح Restoreومعناه يصلح أو يرمم شيء ذا قيمة تعرض للتَلف، ومن مجموع هذه القواميس نذكر قاموس لتفسير الكلمات الانجليزية “لجونسون سامووال “Samuel.J” والذي أعدّه عام 1855م، جاء فيه أن كلمة Restor تعني أي فعل وتدخل على التحفة الأثرية في حالة تلف وإرجاعها إلى حالتها الأصلية[10].
- المحطات التصحيحية لممارسة الصيانة والترميم:
شهدت المباني التاريخية والأثرية عمليات ترميم عشوائية لا تقوم على أسس علمية تحفظ للأثر طابعه الأصلي ولا قيمته التاريخية والفنية، مما نتج عنها في أغلب الأحيان فقدان التحف الأثرية ومباني تاريخية، إذ تنافس الفنانون والمعماريون في إظهار براعتهم الفنية على حساب الفن الأصلي للأثر، وهذا ما جعل سمات التَغيير في الأثر تغلب في المحافظة على الطابع الأصلي[11]، وفي خضم هذا الصراع ظهرت العديد من المدارس، التي أرادت أن تنظم عمليات الترميم من خلال طرح أفكار جديدة، ويعدَ الباحث الانجليزي “جون راسكين” “J.Ruskin“من أوائل المهتمين بهذا الموضوع، وبالضَبط في سنة 1879م أين قام رفقة “وليام موريس” “W. Morris” بإنشاء جمعية لحماية الأبنية التاريخية القديمة، كما طرح مجموعة من التوجيهات تصَب كلها في الطريقة المثلى للتعامل مع المباني الأثرية، حيث كان يعتبر الآثار كالمخلوقات الحيَة تولد وتنمو وتشيخ وتموت، وأنَه من واجب المجتمع أن يتعامل معها بواقعية، وتركها لمصيرها المحتوم والذي هو الاندثار[12].
وفي نفس التوجه ظهرت حركة جديدة سنة 1900م تزعمها الباحث النمساوي “ألويس ريغل“ الذي انتقد بشدَة الترميمات التي كان يقوم بها المرممون والفنانون على حد سواء في القرن 19م، حيث كان يرى أن المباني التاريخية والمواقع الأثرية أو حتى المدن القديمة تكتسي قيمة تاريخية أو فنية أو معمارية وجب المحافظة عليها وترميمها بطرق علمية، وعليه طرح جملة من التدابير من خلال توجهه الجديد وأهم ما تضمن هذا المنهج الجديد هو استبدال عمليات الترميم بالحفظ النَقي الذي لا يتدخل على المعالم وإنما يحفظها كما هي[13]، وفي نفس التيار ذهب المتخصص في أعمال الترميم “مرييمي” “S. Mérimée“بوضع أعمال الترميم في إطارها الصحيح[14].
تباعا لهذه الأحداث المتسارعة تطور الترميم في السنوات الأخيرة من مهنة بسيطة إلى علم مهم ومكمل لعلم الآثار، ولم يعد يعتمد على المهارة اليدوية التي يمتلكها الفنانون، وأضحى يؤكد على ضرورة فهم علم الآثار ودراسته، والتَطلع لأهم العلوم المساعدة له والإلمام بجميع تقنيات الترميم سواء منها التقليدية أو المعاصرة[15]، هذه الجهود المنصبة في عمليات الترميم اكتسبت شرعية دولية عندما قررت اليونسكو دخول معترك الترميم والمحافظة على الآثار، مما أدى إلى ظهور منظمات وهيئات عالمية تسهر على حفظ الآثار، وتمكنت من وضع أسس متفق عليها تحدد القواعد الأساسية للترميم، إذ نشرت هذه القواعد والأسس في نشرات وبنود لمواثيق دولية على غرار ميثاق البندقية 1964م، والميثاق الدولي لسنة 1972م،وفي وثائق ثانوية أو موسمية كتلك التي صدرت عن جمعيات الترميم من المجلس العالمي للمتاحف ICOM بوثيقة تحت عنوان: “المرمم، تعريف المهنة”[16].
- النظريات التطبيقية في الترميم:
- تمهيد:
شهد القرنين 18م و19م حركة ثقافية كبيرة في أوروبا، حيث أصبح المثقفون والمهتمون يناشدون ويطالبون بالمحافظة على ما هو موجود من شواهد وأوابد على حضارات خلت وانجازات بشرية كانت هي الأعظم، وهو المطلب الذي ساهم في كثرة أعمال الترميم التي كانت لا تخضع لأسس علمية ولا تحكمها ضوابط، فقد تنافس الفنانون المعماريون في إظهار براعتهم الفنية على حساب الفن الأصلي للأثر، وهذا ما جعل سمات التَغيير في الأثر تغلب على الطابع الأصلي[17]، وهوما نتج عنه في غالب الأحيان ضياع تحف فنية ومعمارية لا يمكن استرجاعها، ونتيجة لهذا الوضع اجتهد مجموعة من الباحثين والمهتمين بالتراث، وكذا المعماريين والفنيين في طرح العديد من النظريات والتي تم تفعيلها والعمل بها وتطويرها بوضع أسس علمية وتطبيقية محددة وواضحة الهدف[18]، ولتوسيع نطاق التقيد بما جاءت به هذه النظريات ظهرت مدارس في الترميم يلتزم بمبادئها المرممون في مشاريعهم الأثرية.
- أهم النظريات الترميم
يعد الترميم من أهم العمليات التطبيقية التي شغلت بال الباحثين، وقد برزت أهمية هذا الموضوع في كثرة الأبحاث التي أسست لمجموعة من النظريات، والتي اختلفت في توجهاتها، ولكنها اشتركت في جوهرها بضرورة حماية التراث الأثري.
1.3 نظرية وحدوية الأسلوب لإيفن إيمانويل فيولي لودوك:
بحلول النصف الثاني من القرن 19م ومع تزايد أعمال الترميم العشوائية، التي لم تحكمها أي ضوابط، ظهرت شخصية إيفن إيمانويلفيولي لودوك Viollet-Le-Duc1814)م-1879م(، هو من عائلة بورجوازية، كان تكوينه عصاميا في فن الهندسة المعمارية، وما ساعده في تحقيق الخبرة والمعرفة بهذا الميدان هو تنقله الدائم بين فرنسا وإيطاليا، اشتهر لودوك بمواقفه العملية في ميدان الترميم، التي أهلته لأن يصبح من المختصين في فن العمارة الفرنسية، خاصة المتأثرين بالفن الغوطي، وكانت المصادر القديمة منبع توجهاته، حيث لم يكتفي لودوك بطرح أو تأسيس بعض النظريات في فن العمارة، وإنما كان معروفا بإنجازاته في ترميم العمائر القديمة، ومن أشهر الأوابد التي عمل على ترميمها كاتدرائية “نوتردام” بباريس، كما أشرف لودوك على ترميم تحصينات القرون الوسطى الدفاعية لمدينة “كاركاسون”[19]، هذا الاحتكاك الدائم بالعمائر القديمة واندماجه بالتركيبة البشرية لبعض الدول الأوربية خاصة فرنسا وإيطاليا حفزه للتخصص أكثر في مجال ترميم المعالم القديمة[20]، وتمهيدا لطرح نظريته في اشكالية ترميم المباني الأثرية التي يمكن شرحها من خلال مفهومه عن الترميم” أن ترمم مبنى هو أن تعيد تأسيسه في الوضعية الكاملة، والتي من الجائز أنها لم تكن موجودة أبدا في أي فترة تاريخية سابقة“، وفي فترة لاحقة قام لودوك بطرح مفهوم خاص به حول الترميم، والذي عرف “بالنقاء الطرزي” أو “وحدوية الأسلوب”، ونشره في بعض أعماله، وترتكز نظرية لودوك في الترميم على مصطلح وحدوية الأسلوب، وهو ما يتجلى في مقولته ” عملية ترميم مبنى ليست بالضرورة المحافظة عليه أو إعادة بنائه بصورة كاملة بقدر ما كان موجود عليه”[21]، في هذا الصدد يرى لودوك أن عمليات الترميم التي تحترم أصالة المبنى هو طرح حديث، أما جوهر الترميم الذي كان معروفا منذ القديم هو الترميم وفق ما تتطلبه الفترة التي يوجد فيها الأثر بطرح أخر، هنا فتح لودوك الباب على مصراعيه لعمليات التجديد، وكل الأعمال التي تصبوا لبلوغ القيمة الوظيفية للمبنى وتحقيق قيمة جمالية من شأنها أن تزيد من إعجاب الناس بهذه المباني التي شيدت في العصور القديمة.
2.3 نظرية جون روسكين ) 1819م–1900م(:
هو كاتب ورسام وناقد فني بريطاني ولد بلندن تلقى تكوينه الجامعي بجامعة اكسفورد[22]، قاد حركة قوية ضد لودوك ومنهجه القائم على الوحدة الأسلوبية، من خلال توجهه المستقى من كتاباته عرف بأب المحافظة، نستشف هذا الموقف في أحد كتاباته:
“LES SEPT LAMPES DE L’ARCHITECTURE “،أين وصف المباني التاريخية بالإنسان وهذا ما يستوجب المحافظة عليها وتركها تموت دون التدخل عليها، إلا أنه لمح إلى إمكانية الترميم في بعض الحالات القليلة، بشرط أن يتوفر مبدأ الحد الأدنى من التدخل، وفي نفس الكتاب لم يكتف روسكين بالإشارة إلى ضرورة المحافظة على المباني الأثرية دون التدخل عليها، وإنما نبه كذلك أن البنايات القديمة تعد مدرسة تخطيطية وجب الاستلهام من تفاصيلها، هذه الملاحظات والمواقف جعلت روسكين يعتبر عملية الترميم عملية كذب وخداع وتبقى أهمية المبنى في قدمه[23]، من أشهر مواقف روسكين اتجاه الترميم يتبين في قوله” لا نملك أي حق بلمس أبنية الزمن الماضي، فهي ليست ملكا لنا، إنها ملك لهؤلاء الذين بنوها، وكل أجيال البشرية التي ستلحق بنا“[24].
من خلال دراسة مواقف جون راسكن نفهم بأنه كان يرفض رفضا قاطعا أعمال الترميم ، خاصة منها التي كانت معتمدة في زمانه، التي كان يغلب عليه التجديد، وقد عرف هذا التوجه بمرحلة الحفاظ على قيم القدم في المبنى.
في سنة 1900م ظهرت شخصية لويس ريغل أحد أهم الشخصيات تأثيرا على المجتمع الأوربي في منهج تفكيره وتصوراته في سبل التعامل مع التراث الأثري، حيث كان من أكبر المعارضين لطبيعة الترميم التي كانت متبعة في القرن 19م، التي لا تحفظ أصالة المبنى وطرح مجموعة من المبادئ تهدف إلى الحفاظ على النسيج التاريخي دون أي تدخلات، أي أن يكون الحفاظ نقيا إلى أقصى الحدود الممكنة، ووضع ريغل معيارا خاصا به لتحديد أهمية الأثر ألا وهي[25]:
- قيمة التقادم: يرتكز هذا المبدأ على احترام الأثر وطبيعته، قوامها عدم التدخل على هذه المعادلة الطبيعية التي تنتهي بحتمية زوال الأثر، وعارض كل أشكال الترميم التي تهدف إلى معالجة التلف الطبيعي بهدف إنقاد الأثر بنتائج تتدخل على أصالة التراث الأثري.
- قيمة التاريخية: تضم تحت مضلتها القيم الفنية والمعمارية والجمالية، والتي يجب الامتناع عن التدخل فيها، باعتبارها وثيقة تاريخية يجب الحفاظ على صحتها ونقائها قدر الإمكان.
3.3النظرية المعاصرة لكاميلو بواتوCamillo Boito:) 1914م– 1863م(
هو كاتب ومؤرخ معماري إيطالي درس في إيطاليا في معهد الفنون الجميلة لمدينة البندقية وفي ألمانيا وبولونيا، عمل مدرسا للعمارة في جامعة ميلان الإيطالية، قام بواتو بدراسة نقدية للنظريتين السابقتين، حيث خرج بنتيجة مفادها أن الترميم هو عملية حتمية يجب القيام بها لإنقاذ الأثار من الاندثار والزوال، إلا أن الترميم القائم على إيجاد الوحدة الأسلوبية يعد خطئا لأنه لا يحفظ الأصل، كما شدد بواتو على ضرورة الفهم أن الترميم الدقيق الذي ينتج عنه انسجام القديم والحديث هو مغالطة يجب تفاديها إلى درجة أن بواتو يفضل الترميم الخاطئ على الناجح كونه يسمح لنا بالتمييز بين ما هو أصلي وما هو مضاف[26]، كما أكد بواتو على مبدأ إلغاء الإضافات التي حدثت مع تعاقب العصور خاصة بالنسبة للمباني، وكان لأبحاث بواتو تأثيرات عميقة في إيطاليا إلى أن درجة أن فكرته تبناها فيما بعد “جوستافوفانونو” 1873-1947م[27]، فكانت بمثابة أساس ميثاق الترميم الذي نشر عام 1941م، اذ ورد في مادته الخامسة إلغاء الاضافات، كما طرح بواتو بعض الحلول العملية عند حتمية الترميم، حيث اكد هذا الأخير على ضرورة الترميم بمواد تسمح للمشاهد أن يميز بسهولة بين الأجزاء المعاد عملها والأجزاء الأصلية القديمة والعمل على رفع مستواها الحسي ووضع كتابات عليها، كل هذه الاقتراحات تم إقرارها فيما بعد في ميثاق أثينا[28]، ومن مبادئ بواتو أن كل الإضافات يجب أن تكون ظاهرة ومميزة عن الأصلية، ويمكن تطبيق هذا المبدأ باستعمال لون مغاير.
4.3 نظرية الترميم لتشيزار براندي:
براندي مؤرخ وفيلسوف إيطالي، ولد بمدينة سينا الإيطالية، التحق بجامعة فلورنسا لمواصلة مشواره الجامعي الذي بدأه بمسقط رأسه، وهو الأمر الذي أكسبه ثقافة عميقة خاصة في مجال الفلسفة والتاريخ والقانون، وهو ما يظهر جليا في جل أعماله، يعد المؤرخ شيزار براندي الأب الروحي للمرممين والمعماريين الإيطاليين[29]، بالرغم من أنه متخصص في تاريخ الفن وليس في مجال ترميم المباني والمعالم التاريخية والأثرية على حد سواء، حيث استطاع أن يضفي روحا فلسفيا من خلال وجهة نظره للتراث الأثري وطرق التعامل معه[30]، من هذه الزاوية يعرف براندي الترميم على أنه: “المرحلة المنهجية التي يتم من خلالها التعرف على هوية العمل الفني من خلال كيانه المادي وقطبيه الرئيسيين الجمالي والتاريخي تمهيدا لنقل تلك القيم للمستقبل”[31]، ينتقد براندي طرق الترميم التقليدية، خاصة ما تعلق منها بمحاولة المرمم لإعادة الأثر إلى حالته الأصلية لأنها تلغي البرهة الزمنية، وهو مصطلح اعتمده براندي ليعبر عن الفترة الزمنية الفعلية التي يعيشها الأثر منذ نشأته وصولا إلى لحظة خضوعه لعمليات الترميم دون إهمال خصائصه، فمن بنى بنيانا في فترة زمنية لا يمكن معاودته أو حتى معرفة أقطاب هذا العمل، وبالتالي لا يمكن إعادة الشيء لأصله، كما يؤكد براندي أنه ليصبح الترميم عملا شرعيا يجب ألا ينتج عنه قابلية الزمن للعودة للوراء، لدى يجب على المرمم ألا يقدم ترميمه كعمل سري خارج الزمن تقريبا، بل يجب أن يسمح بتعريف نفسه بوضوح كحدث تاريخي وهو بالفعل كذلك، لأنه عمل إنساني، وليس إقحاما في مسار نقل العمل إلى المستقبل, كما أكد براندي في هذا الصدد ان الترميم هي عملية منفردة لا يمكن تعميمها على كل البقايا الأثرية[32]، يعتمد شيزار براندي في نظريته التي طرحها في مؤلفه نظرية الترميم على مجموعة من المبادئ والتي هي على النحو الآتي:
- الاسترجاعية أي قابلية الترميم للاسترجاع.
- احترام أصالة العمل الفني.
- الاهتمام بوجود انسجام طبيعي كيميائي بين المواد القديمة المستخدمة في العمل الفني، والمواد المستعملة في الترميم في حالة اللجوء للعمل الميداني.
- تحقيق الوحدة الافتراضية للعمل الفني: من أمثلة تطبيقاتها الميدانية نذكر تقنية ملئ الفجوات بلون مغاير يرى براندي أنه من المستحسن ملئ فجوات المباني بالزجاج لتسمح للناظر بالوصول للوحدة الافتراضية.
- الزمن والعمل الفني للترميم : يلخصه براندي في مبدأ جوهري وهو ان فهم الأثر يتطلب وضعه في إطاره الزمني.
- الترميم والقضية التاريخية الجمالية وهي ازدواجية أو مقاربة يجب على المرمم بلوغها بحفظ أصالة الأثر المرمم برمزيته التاريخية دون إهمال الجانب الجمالي، والذي بدوره يعد أحد أهداف الترميم .
- الفضاء المكاني للعمل الفني : ويقصد به محيط الأثر، حيث يعتبره براندي في نظريته جزء لا يتجزأ من روح المبنى الأثري أو التاريخي.
- الترميم الوقائي: هو الذي يهتم بحفظ الأثر في محيطه الأصلي، ومحاولة تحقيق درجة من الانسجام التاريخي والفني والجمالي.
- مدارس الترميم:
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية شهد العالم العديد من التحولات لا سيما منها الاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية، حيث أولت الدول أهمية كبيرة للتراث الأثري باعتباره تراث إنساني مشترك من شأنه أن يوافق بين الشعوب ويجمعها في حيز واحد، كما أن التَعرف على هذا التراث أصبح أمراً ضرورياً ينمي الشعور بالفخر والاعتزاز[33]، وبغية تجسيد هذا التوجه الحديث للحياة الثقافية في العالم شهد مجال ترميم المباني الأثرية والاعتناء بها وتيرة غير مسبوقة فسارعت العديد من الدول لترميم معالمها والترويج لها، فكان لزاما على الدول اعتماد مبادئ واضحة في الترميم، استجابة لهذا المطلب الثقافي ظهرت مجموعة من المدارس قامت بطرح مجموعة من النظريات المتعارضة في أفكارها، نظرا لاختلاف حيوي جاء نتيجة لرؤية وفلسفة مغايرة بين كل الدول، بيد أن هناك ضوابط عامة ومواثيق دولية تتبع في جميع المدارس العالمية في الترميم لتكون مرجعا لعمليات الترميم المحتملة، وهذه المدارس هي:
1.4المحافظون:
هي مدرسة نشأت وتطورت في إيطاليا، هذه البيئة بخصوصياتها التاريخية والأثرية المتفردة في كثرة المباني التاريخية المحافظة على عناصرها المعمارية والزخرفية، وهذا الزخم الأثري كان له الأثر البالغ في رسم معالم وتوجهات هذا المذهب الذي يعتبره العديد من المهتمين بالتراث الأثري بأنه توجه مثالي في طرحه، تجريدي في مبادئه[34]، نظرا لما يحمله من أفكار ومبادئ، حيث يؤكد المحافظون على ضرورة التعامل مع التراث الأثري بموضوعية وعقلانية، من خلال تفضيل أعمال الصّيانة دون اللجوء إلى أعمال التّرميم، ومن الأسس التي وضعها المحافظون عند التعامل مع التراث الأثري:
- عدم التدخل على التراث الأثري والاكتفاء بصيانته وتوفير بيئة مناسبة لحفظه والعمل على تنظيفه بصفة دورية[35].
- دمج التراث المعماري في الحركة التطورية للمؤسسات الثقافية مع منح المباني الأثرية وظائف تناسب خصوصياتها المعمارية والرمزية، التي تحفظ عناصرها المعمارية.
ان المدرسة الإيطالية أو المحافظون لهم منهجا علميا متميزا، فالأثر عندهم كائن حي يتم التعامل معه على هذا الأساس، وتعد المدرسة الإيطالية من أكثر المدارس في العالم تمسكا بالأمانة الأثرية والفنية عند التعامل مع الأثر، لهذا غالبا ما يستعمل عندهم مصطلح الصيانة الشاملة، حيث تركز فلسفة الإيطاليين في الترميم والمحافظة على تهيئة جميع الظروف الخارجية للمحافظة على التراث الأثري الخاضع لأعمال الترميم، وللمدرسة الإيطالية أسلوبها الخاص عند التعامل مع المباني الأثرية، إذ يركز المحافظون على ضرورة المحافظة على روح الأثر واحترام قدسيته إلى أبعد حد ممكن، حيث يقول البروفيسور “جوزيبي فانفوني” بصفته خبير الترميم العالمي ورئيس المركز المصري- الإيطالي للترميم والأثار، وخريج المعهد الوطني للفن والترميم في إيطاليا يقول عن الترميم في المدرسة الإيطالية[36] ” نحن نحرص على المراحل التي تسبق الترميم بشكل لا يقل عن مراحل الترميم الفعلية، فنقوم بدراسة الأثر من الناحية التاريخية والمعمارية بالرجوع إلى الكتب والمصادر الخاصة، ثم نقوم بالتسجيل والتوثيق والتصوير الفوتوغرافي لأدق التفاصيل…أما بالنسبة للأسلوب الخاص و الخامات المستخدمة في الترميم لا أحد يتدخل فيها، ولا أصرح بها، ولكن هناك أسسا وثوابت نتعامل من خلالها في ترميم الأثار ومن أهمها الحفاظ على الشكل القديم والأصلي للأثر ، ولا يمكن استكمال أي جزء في الأثر، إلا إذا كان هناك ما يدل عليه، ونحن نتبع أسلوبا خاصا في الترميم باعتماد ترميم بشكل دقيق جدا بنفس الدرجات اللونية القديمة فتبدو من بعيد وكأنها أصلية، لكن عند الاقتراب منه يتضح الفرق بين القديم والحديث، ولعلنا ابتدعنا هذا الأسلوب حتى يتسنى للمرممين اللاحقين معرفة الفرق بين القديم والجديد والتعامل على هذا الأساس” هي مجموعة ثوابت تؤكد أن توجه المحافظين في الحماية يرفض الترميم بكل أشكاله، مع تركيز الحماية على الفضاء المكاني للأثر بخصوصياته الطبيعية والبشرية.
2.4 المجددون:
تزايد عدد المهتمين بالتراث الأثري وباختلاف مراتبهم الاجتماعية وتخصصاتهم العلمية والعملية، هذا العامل كان له أثره على واقع التراث الأثري في العديد من المجالات، ومن المقاربات التي أسالت الكثير من الحبر هو تأسيس منهج يمكن الارتكاز عليه حين التدخل على الأثر في حال عرضه على عمليات الترميم ومن الفئات الفاعلة في رسم معالم توجه حديث كفيل بتحقيق الأهداف المرجوة من الترميم نجد الفنانين الذين حاولوا توظيف أسس فنية في التعامل مع التراث الأثري، وهو الدافع الذي ساهم في ترسيخ طابع التجديد في أعمال الترميم، حيث يرتكز مفهومهم للترميم على مجموعة من المبادئ، ومن أهمها، أن هذه المدرسة ترى بإجازة تجديد المباني التاريخية والأثرية، وبالتالي يصبح الترميم عملية منفردة لا تخضع لضوابط، يرى منظرو مدرسة المجددين أن غاية الترميم هو تحقيق القيمة الجمالية للتراث الخاضع للترميم حتى ولو كان ذلك على حساب القيمة التاريخية والأثرية، لأن المرمم مطالب بالحفاظ على “الطراز لا على الأطلال”، للإشارة تتزعم الولايات المتحدة الأمريكية هذا التيار التّي أقدمت على تجديد منتزه أروقة “أتال”(ATTALES)، الواقعة “بأغورة أثينا”، وبطابقيه من الأعمدة المتطابقة فوق بعضها بعضا، ناهيك عن دكاكينه التّجارية، حيث يعتبر الترميم عند المجددين مجرّد لون من الألوان الفنّية الاستعراضية ليس إلاّ، أما موقفهم من النظرية السابقة أو العقلانيون، فيرى رواد هذا التوجه أن الأثر المدمر المعرض للترميم يرافقه وصف كاذب للشيء المدمر باعتبار إنه لمن المستحيل إحياء الموتى، وعلى هذا الأساس أن يرمم شيء كانت له عظمة وجمال منتشي بالروح التي تهبها يدا وعينا العامل لا يمكن استعادتها، كما لا يمكن إعطاء روح أخرى في وقت أخر ليصبح المبنى عندها مبنى جديدا[37] ، ومن الإرهاصات التي ارتكزت عليها مدرسة المجددين مواقف بعض المهندسين، ومن بينهم المعماري الإنجليزي” جيمس وايت“1813-1746″الذي تزعم مبدأ تغيير التصميم أو ما أصطلح عليه” تغيير الطراز” وهو مبدأ يسمح للمعماري بإحداث تغييرات جوهرية على المبنى، وإضافة عناصر إنشائية أو زخرفية من شأنها أن تحقق الهدف المرجو من التدخل على المبنى ،وفي نفس السياق ذهب المعماري الإنجليزي “سكوت” W.Skoot منتقدا أعمال الترميم في أحد كتاباته حيث ذكر “إنني أجد نفسي دائم الرغبة في حذف كلمة ترميم من قواميس اللغة وكتب العمارة وتاريخ الفنون”[38]
3.4العقلانيون
شكل مجال الترميم هاجسا كبيرا للعديد من دول العالم نظرا للاختلاف الكبير الذي كان قائما بين المدرستين الرائدتين في الترميم سواء المحافظين أو المجددون وهو نفسه السبب الذي ساهم في ظهور تصور جديد للترميم، حيث يرى أصحاب هذا الاتجاه الفكري، المطبّق في بادئ الأمر على نطاقِ محدود جدّا، وتحدّيدا بالمدرستين الغربيتين الفرنسية وجارتها البريطانية، قبل أن يمتدّ تأثيره الإيجابي إلى معظم المدارس الحديثة عبر العالم. وذلك في أعقاب اختتام أشغال النّدوة الدّولية بأثينا لعام)1931(، حيث تحقّق الإجماع الدّولي بشأنه[39]، وهو مذهب عقلاني وسيط يوافق بين المدارس السابقة ومبدأه التوفيق بين حفظ أصالة الأثر وتأهيله لمسايرة المعاصرة بكل معانيها، أما بخصوص الترميم يرى العقلانيون أن الترميم هي عملية مسموحة في بعض الحالات لكن بشرط أن تتسم بالاتزان، ولا يرفض أي عملية تخدم مصلحة الأثر شريطة أن يكون التدخل موضوعي في طرحه عقلاني في تطبيقه[40]، يسعى إلى تحقيق أهداف هذه المدرسة الذي يرتكز أساسا على تحقيق مقاربة الوفاء لأصالة الأثر، وحسن تسيير التراث الأثري من خلال دمجه، دمجا إيجابيا في الحياة العامّة المعاصرة، باستخلاص أهم القيم التي يتضمنها الموروث الأثري والتي سوف تعود بالإيجاب على المجتمع، ومن المبادئ الأساسية التي طرحها العقلانيون عند ضرورة الترميم وجوب الابتعاد عن تزوير الحقائق بتجنب الابداع وكثرة الاضافات، والاكتفاء بالحد الأدنى من التدخل، الذي يسمح بإمكانية التمييز بين ما هو أصلي وما هو مضاف في عمليات الترميم، وضرورة استعمال المواد الأصلية في عمليات الترميم من خلال العمل بمبدأ “الأثر يقترح العلاج” فيشترط أن تكون المواد المستعملة في الترميم مواد مدروسة لتتفاعل إيجابا مع المواد الأصلية للأثر وتمنحه أكثر صلابة واتزان، ومن خلال مضمون هذا البند تم التأكيد على ضرورة العمل بمبادئ الترميم الإيحائي[41]، وفيه يتم الاكتفاء بإصلاح العيب الظاهر دون التمادي في الترميم ومس الجوانب السليمة أو المساس بأصالة الأثر، ويبقى الترميم حتمية لا نقوم بها إلا في حالة استنفاذ كل الحلول، مع الحرص على الدراسة الأولية لتفادي نتائج عكسية على العينات الاثرية التي خضعت لعمليات الترميم[42]، وكحوصلة لمجموع المبادئ التي طرحها العقلانيون عند التعامل مع التراث الأثري الظاهر عليه مظاهر التلف يصبح مفهوم الترميم هو إطالة عمر الأثر إلى أطول عمر افتراضي يمكن الوصول إليه، ومسؤولية المرمم في هذه الوضعية تكمن في إيصال هذا التراث للأبناء والأحفاد بدون حذف أو إضافات إلا بالقدر الضروري للحفاظ على سلامة الأثر في شكله ونمطه، علينا أن نعتبر أنفسنا كحامل رسالة ليس له أن ينقص أو يضيف حرفا، هذه المبادئ باجتماعها جاءت متكاملة بتوفيقها بين أقطاب المحافظة الترميم والصيانة مستجيبة لمشهد أثري متنوع في قيمه وحالة حفظه وأماكن تواجده.
خاتمة:
شكل موضوع الترميم جدلا كبيرا في أوساط المهندسين المعماريين والفنانين والمرممين تمخض عنه ميلاد مجموعة من المدارس متبنيه جملة من النظريات تنوعت في طرحها وفي زاوية تحديد أهدافها، كان للوسط العمراني الأثر البالغ في تحديد أقطاب الحماية والحفظ، وكذا في تحديد الطريقة المثلى لتجسيد مشاريع الحفظ تلبية للحاجة الاجتماعية المرجوة من استغلال التراث ،وأيضا استجابة للضرورة الاقتصادية المتمثلة أساسا في بلوغ الجذب السياحي الأثري، هذا النقاش الحاد والجدل الكبير الذي دار بين هذه المدارس أسس لميلاد مهنة الترميم ترعاها الدول، أبرمت لأجلها مواثيق واتفاقيات بغية تحديد مفهوم الصيانة والترميم وتحديد أهدافها وتقنين الطريقة العملية الصحيحة التي يجب أن تكون عليها، ولتطبيق مخرجات هذه المواثيق والاتفاقيات تم إنشاء معاهد متخصصة لحماية التراث الأثري وفق ما طرحته مدارس الترميم من مبادئ وغايات.
قائمة المراجع:
المراجع العربية:
- الطيب جقلول، الترميم الإيحائي منهجا لترميم بقايا المواقع الأثرية،مجلة دراسات وأبحاث، عدد 08 ، الجزائر.
- تشيزارى براندي، نظرية الترميم، ترجمة: حسن رفعت فرغل، الطبعة الأولى، المجلس الأعلى للأثار مصر،2009م.
- توفيق سيد، معالم تاريخ وحضارة مصر الفرعونية، مطبعة جامعة القاهرة، مصر، 1983.
- ف. فينياس و ر. فينياس، تقنيات الترميم التقليدية، اليونسكو، باريس، 1977.
- كرونين. ج.أم و روبنسون. و. س، أساسيات الترميم الآثار، ترجمة: عبد الناصر بن عبد الرحمن الزهراني، النشر العلمي والمطابع جامعة الملك سعود، المملكة العربية السعودية، 2005.
- ماري برديكو، الحفظ في علم الآثار الطرق والأساليب العلمية لحفظ وترميم المقتنيات الأثرية، ترجمة: محمد أحمد الشاعر، المجلد 22، المعهد الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة، المكتبة العامة، مصر، 2002.
- محمد عبد الهادي، دراسات علمية في ترميم وصيانة الآثار غير العضوية، مكتبة زهراء الشرق، القاهرة، 1997.
- هزار عمران وجورج دبورة، المباني الأثرية ترميمها صيانتها والحفاظ عليها، المديرية العامة للآثار والمتاحف، سوريا، 1998.
قائمة الدوريات والمجلات:
- شرقي الرزقي، مبادئ أساسية لإرساء دعائم مدرسة وطنية في الترميم الأثري، مجلة دراسات تراثية، العدد الأول، الجزائر،2007.
- عبد الله حلاوة، تطور مفهوم الترميم، مهد الحضارات، العدد الثاني، مركز الباسلل للبحث والتدريب الأثري، سوريا، 2007 .
- عمار زهير حيدر، مقدمة في علم الترميم الأثري، “صفحات الترميم الأثري في سورية”، العدد الأول، المديرية العامة للأثار والمتاحف، سورية.
قائمة الرسائل الجامعية:
- ايزيس محي الدين عبده فهد، تجربة الترميم والحفاظ على التراث في ايطاليا أورفتوحا دراسة وإمكانية تطبيقها في فلسطين عراق بورين -حالة دراسية-، مذكرة لنيل شهادة الماجستير، جامعة نابلس، فلسطين، 2010.
قائمة المراجع باللَغة الأجنبية
قائمة الدوريات والمجلات:
- Bouabaould Mohammed (N.) et autre, L’Archéologie Préventive en Afrique (Enjeux et Perspective), Acte du colloque de Nouakchott 01 – 02 Février, SÉPIA, France, 2008.
- ICOM, “Résolution à soumettre à l’Approbation des membres de l’ICOM-CC“, l’Occasion de la Conservation de la XVème Conférence Terminologie de la Conservation Restauration de Patrimoine Culturel Matériel, Triennal, New Delhi, 22- 26 Septembre 2008.
قائمة التقارير:
- Laurent Antoine, Aspect théorique de la restauration du patrimoine, rapport de recherche bibliographique, école nationale supérieure des sciences de l’information et des bibliothèques.
قائمة المواثيق:
- Charte de Venise, 1964.
قائمة الرسائل الجامعية:
- Ludovic Roudet, l’intervention minimale en conservation-restauration des bien culturel, mémoire de master en conservation-restauration des bien culturel, Université paris1 ; 2006-2007.
[1]-ماري برديكو، الحفظ في علم الآثار الطرق والأساليب العلمية لحفظ وترميم المقتنيات الأثرية، ترجمة: محمد أحمد الشاعر، المجلد 22، المعهد الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة، المكتبة العامة، مصر، 2002، ص. 07.
[2]– ف. فينياس و ر. فينياس، تقنيات الترميم التقليدية، اليونسكو، باريس، 1977 ،ص. 03.
[3]-ICOM, “Résolution à soumettre à l’Approbation des membres de l’ICOM-CC“, l’Occasion de la Conservation de la XVème Conférence Terminologie de la ConservationRestauration de Patrimoine Culturel Matériel, Triennal,New Delhi, 22- 26 Septembre 2008, S.P.
[4]– ايزيس محي الدين عبده فهد، تجربة الترميم والحفاظ على التراث في ايطاليا أورفتوحا دراسة وإمكانية تطبيقها في فلسطين عراق بورين -حالة دراسية-، مذكرة لنيل شهادة الماجستير، جامعة نابلس، فلسطين، 2010، ص. 55.
[5]– عمار زهير حيدر، مقدمة في علم الترميم الأثري، “صفحات الترميم الأثري في سورية”، العدد الأول، المديرية العامة للأثار والمتاحف، سورية، 2013م،ص09.
[6]– ماري برديكو، المرجع السابق، ص. 06.
[7]– Charte de Venise, 1964, Article 09.
[8]– هزار عمران وجورج دبورة، المباني الأثرية ترميمها صيانتها والحفاظ عليها، المديرية العامة للآثار والمتاحف، سوريا، 1998، ص. 146.
[9]– محمد عبد الهادي، دراسات علمية في ترميم وصيانة الآثار غير العضوية، مكتبة زهراء الشرق، القاهرة، 1997، ص. 22.
[10]–نفسه، صص. 22- 24.
[11]-محمد عبد الهادي، المرجع السابق، ص. 23.
[12]– توفيق سيد، معالم تاريخ وحضارة مصر الفرعونية، مطبعة جامعة القاهرة، مصر، 1983، د.ص.
[13]– ايزيس محي الدين، المرجع السابق، ص. 44.
[14]– محمد عبد الهادي، المرجع السابق، ص. 24.
[15]– كرونين. ج.أم و روبنسون. و. س، أساسيات الترميم الآثار، ترجمة: عبد الناصر بن عبد الرحمن الزهراني، النشر العلمي والمطابع جامعة الملك سعود، المملكة العربية السعودية، 2005، ص. 10.
[16]– كرونين. ج.أم و روبنسون. و. س،المرجع السابق، ص. 10.
[17]– محمد عبد الهادي، المرجع السابق، ص. 23.
[18]– نفسه، ص. 21.
[19]– عبد الله حلاوة، تطور مفهوم الترميم، مهد الحضارات، العدد الثاني، مركز الباسلل للبحث والتدريب الأثري، سوريا، 2007 . ص.69.
[20]-Laurent Antoine, Aspect théorique de la restauration du patrimoine, rapport de recherche bibliographique, école nationale supérieure des sciences de l’information et des bibliothèques , p.21.
[21]–Ibid.
[22]– عبد الله حلاوة، المرجع السابق. ص.68.
[23]– Laurent (A)” Op, Cit, p.21 .
[24]– عبد الله حلاوة، المرجع السابق. ص71..
[25]– ايزيس محي الدين عبده فهد، المرجع السابق ص .44.
[26]– Laurent (A)” Op, Cit, p.21 .
[27]– تشيزارى براندي، نظرية الترميم، ترجمة: حسن رفعت فرغل، الطبعة الأولى، المجلس الأعلى للأثار، مصر،2009 م، ص36 .
[28]– Ludovic Roudet, l’intervention minimale en conservation-restauration des bien culturel, mémoire de master en conservation-restauration des bien culturel, Université paris1 ; 2006-2007,p. 45.
[29]– ايزيس محي الدين عبده فهد، المرجع السابق، ص. 63.
[30]– نفسه.
[31]– تشيزارى براندي المرجع السابق ، ص، 43.
-[32]تشيزارى براندي المرجع السابق ، ص، 43..
[33] -Bouabaould Mohammed (N.) et autre, L’Archéologie Préventive en Afrique (Enjeux et Perspective), Acte du colloque de Nouakchott 01 – 02 Février, SÉPIA, France, 2008, p.28.
[34]– شرقي الرزقي، مبادئ أساسية لإرساء دعائم مدرسة وطنية في الترميم الأثري، مجلة دراسات تراثية، العدد الأول، الجزائر،2007، د ص
[35]– ابراهيم محمد عبد الله، مبادئ ترميم وحماية الأثار، دار المعرفة الجامعية،جامعة الاسكندرية مصر، 2014،ص.63
[36]– ايزيس محي الدين عبده فهد، المرجع السابق، ص.ص .63-64 .
[37]– عبد الله حلاوة، المرجع السابق. ص70.
[38]– محمد عبد الهادي، المرجع السابق،ص. 24.
– شرقي رزقي، المرجع السابق، د ص[39]
– شرقي رزقي، المرجع السابق، د ص[40]
[41]– الطيب جقلول،الترميم الإيحائي منهجا لترميم بقايا المواقع الأثرية،مجلة دراسات وأبحاث، عدد 08 ، الجزائر، د ص
[42]– ابراهيم محمد عبد الله، دراسات علمية في علاج وصيانة الأثار المعدنية، دار المعرفة الجامعية، جامعة الاسكندرية مصر، 2014،ص.78.