
مشكلات التنظيم في مؤسسات الإدارة المحلية:دراسة ميدانية بمدينة الجلفة
د.غريب حسين/جامعة الجلفة الباحثة لطرش الحاجة إيمان/جامعة الجلفة
مقال نشر في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 43 الصفحة 143.
ملخص :مرت الإدارة العمومية في الجزائر بعدة تجارب ومراحل تنظيمية، اتسمت بالكثير من الخصوصيات والتعقيدات التي تمليها الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمع ككل.
وهذا منذ الاستقلال حتى اليوم ، فكان لزاما على الدولة بالتعجيل ببناء جهاز إداري وطني ، يستجيب لمتطلبات التنمية الوطنية وأبعادها ، وعلى أنقاض هذا ظهر جهاز إداري وطني يتسم بالكثير من الايجابيات وفي المقابل الكثير من السلبيات ، وعلى مستوى هذا الأخير ظهرت مشكلات تنظيمية ترتبط بالبيئة الداخلية والخارجية للمؤسسة ،خصوصا على مستوى المؤسسات الإدارية المحلية، زمن الملاحظ تسارع استمرارية التطور الاجتماعي في شتى الميادين، أدى في الكثير من الأحيان إلى تراجع الفعالية التنظيمية لهذه المؤسسات، فكان يجب عليها أن تطور أساليبها وتبدي مرونة فيما يخص التعامل والتجارب مع معطياتها.
على العكس من ذلك نجدها اتسمت ببعض الجمود والتخلف الذي أساء إلى علاقتها التنظيمية الداخلية قبل الإساءة إلى المحيط الاجتماعي، مما تسبب في تراجع مستوى فعاليتها وكفاءتها في التصدي لمتغيرات الوضع الاجتماعي ولنوعية الخدمات المقدمة للمواطن على المستوى المحلي خاصة.
لقد أجريت عدة إصلاحات دون أن تصل إلى مبتغاها في حل مشكلتها الأساسية الأمر الذي جعلنا نتساءل بطريقه علمية عن طبيعة هذه المشكلات التي استعصت عن الحل.
الكلمات المفتاحية: مشكلات التنظيم، الإدارة المحلية، مدينة الجلفة.
مقدمة :لم تستقر التجربة الإدارية المحلية الجزائرية على نموذج إداري معين يوافق طبيعة العلاقات الاجتماعية السائدة، ويستجيب للتطورات الاجتماعية الحاصلة في المجتمع، سواء كان ذلك على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي الثقافي وليس القصد بالنموذج الإداري السياسي وإنما طبيعة عمله وعلاقته بالمحيط الاجتماعي ومدى استجابته له.
لقد اهتمت الدولة الجزائرية بالبلدية على أساس أنها الوحدة الأساسية لها، لأنها تشكل الاتصال المباشر والأول بين الدولة والمجتمع، ولأجل ذلك فقد قامت بمجموعة من الإصلاحات لتأهيل البلدية حتى تتعامل بطريقة فعاله مع المجتمع، ولعل أهم تلك الإصلاحات ما تم حول التسيير الإداري من أجل خلق فعالية التنظيم الإداري والتجاوب مع متطلبات النسق الاجتماعي، ومن خفض درجات التوتر في المجتمع.
لا يمكن الحديث عن التنظيم الإداري المحلي دون الحديث عن طبيعة مستويات التنظيم التي يتميز بها، لأجل تحقيق التكامل والتكيف الكفيل بتحقيق أهداف التنظيم الإداري المحلي، إلا أن ما لوحظ أن الإدارة المحلية عرفت في الكثير من الحالات اضطرابات متعلقة أساسا بالاختلالات في المتطلبات الوظيفية الأساسية لهذا التنظيم الأمر الذي ولد عجزا في إحداث تكامل تام لعناصر التنظيم البلدي ، كما يتفق أغلب المهتمين بالإدارة المحلية مع وجود إغراقات في بعض المبادئ الإدارية الأساسية ، بالإضافة إلى أن علاقات العمل لا تستجيب للمستوى المطلوب، الأمر الذي أدى إلى ضعف فعالية التنظيم الإداري البلدي ، بالإضافة إلى بعض المؤشرات الأخرى، كالتحفيزات وطبيعتها التي لا تخضع إلى معايير إدارية واضحة، ولعل بلدية الجلفة محل الدراسة لا تستثني من هذا التوجه العام للإدارة المحلية في الجزائر ومن ثم جاء تساؤلنا كالآتي:
1- ما هي طبيعة التحفيزات التنظيمية الموجودة في الإدارة المحلية وهل تتلاءم مع خصوصيات هذه الإدارة ومن المستفيد أكثر؟
2- هل لقلة البرامج التكوينية ومحتواها داخل الإدارة التي تساهم في ضعف تحكم العمال في التكنولوجي أثر على التكيف التنظيمي ؟
3- هل لوجود علاقات اجتماعية بين العمال ومرؤوسيهم أثر على الفعالية الإدارية للإدارة المحلية ؟
وللإجابة عن هذه الإشكالية المطروحة تتضح لنا الفرضيات الآتية:
-للتحفيزات التنظيمية أشكال معينه لا تتلاءم مع خصوصيات الإدارة.
-لضعف التحكم في التكنولوجيا وقلة البرامج التكوينية أثر على التكيف التنظيمي.
-للعلاقات الاجتماعية بين العمال ومرؤوسيهم أثر على الفعالية الإدارية للإدارة المحلية.
ومن خلال هذا نتطرق لبعض المفاهيم التي تقوم عليها دراسة، والتي يمكن أن تؤثر بصفة مباشرة أو غير مباشرة في الموضوع وهي كالآتي:
1- البيئة التنظيمية: هناك بيئة اجتماعية تنظيمية لأي تنظيم تمارس من خلالها نشاطاته ويحقق أهدافه قد تكون في مراحل معينه عامل مساعد وقد تكون العكس نتيجة لتأثره بالتغيرات التي يعرفها المجتمع ، ومن الناحية النظرية ميز السوسيولوجيون بين بيئتين على أساس منهجي أكاديمي ألا وهما :
1- البيئة الخارجية : ونستطيع أن نقول ببساطة أنها تلك العوامل والمتغيرات التي تقع خارج حدود التنظيم الرسمي ، ويرى البعض بأنها تعني القوى والمتغيرات الفاعلة المؤثرة على المنظمة ،وهي تقع خارج حدودها .
2- البيئة الداخلية : ويذهب تعريف هذه البيئة التنظيمية إلى أنها عبارة عن الأفراد والجماعات والتقنيات والتشريعات والنظم التي تعمل داخل المنظمة أو تعمل المنظمة بموجبها 1.
2– الإدارة المحلية : في ضوء التعاريف الذي تسوقه طبقة عريضة من المختصين لمفهوم المركزية أو تركيز السلطات، حيث أنها تعني احتكار السلطة الواحدة في الدولة،وأن كثرت فروعها وتعددت صورها وتنوعت هيئاتها الوظيفية الإدارية العامة داخلها ،وهذا مادامت هذه الفروع وتلك الهيئات لا تتمتع بالشخصية المعنوية المستقلة عن شخصية تلك السلطة المهيمنة على شؤون الإدارة ، وما دامت التبعية الرئاسية تربطهم دائما وأعمالهم بها. 2
في ضوء هذا التعريف للمركزية الإدارية تفهم الإدارة المحلية أو اللامركزية ، وهو ما يفيد بأنها طريقة في التنظيم الإداري داخل الدولة تتضمن توزيع الوظيفة الإدارية بين الحكومة المركزية .
من خلال هذه الرؤية يمكن التوصل إلى العناصر الأساسية التي تبرز وجود الإدارة المحلية وتشكل أبرز أهدافها وخصائصها التنظيمية وذلك كالآتي :
– اختلاف المجتمع على المستوى المحلي عن الكل من حيث الاحتياجات والمصالح.
– انتخاب الهيئات المحلية التي يمكن أن تدير هذه المصالح.
– تبعية الإدارة المحلية للإدارة المركزية من حيث الرقابة.
– التدرج من حيث الأهمية وسلم المسؤوليات.
– الإدارة المحلية أكثر فهما واستعانا للمشاكل التي يعاني منها المواطن على المستوى المحلي، وأكثر تجاوبا معها بفعل الاحتكاك.
– الخطة التنظيمية العامة لمؤسسات الإدارة المحلية تخضع للتوجهات العامة للدولة، وهي تتبعها كذلك من خلال تحصيلها للموارد الضرورية لعملها.
– وجوب تضافر الجهود بين الإدارة المحلية والإدارة المركزية من أجل تفعيل الإمكانيات المتاحة والتساند وضمان أكبر قدر من الانسجام والتوافق والفعالية التنظيمية.
– تأثر الإدارة المحلية بالمشاكل التي تصيب الدولة والنظام الاجتماعي ككل .
3- المتطلبات الوظيفية: فكرة المتطلبات الوظيفية تشير إلى تحقيق و أنجاز الظروف الأساسية التي تساعد التنظيم والنظام الاجتماعي عموما على البقاء والاستمرار والتطور، من ضمن هذه الظروف نجد إدماج الأفراد اجتماعيا أو وجود لغة مشتركه يستطيعون من خلالها التفاهم فيما بينهم، وكذا وجود طريقة شرعية أو مبررات تساعد على توزيع الأدوار الاجتماعية على أبناء المجتمع .3
4- التحفيز: يقصد به الباعث أو المنبه للسلوك ، ومن الممكن استعمال كلمه لتعني أيضا الدافع أما الحوافز في ميدان العمل والتنظيم فهي الوسائل المختلفة التي تستخدمها الإدارة لحث العمال على التفاني في العمل وزيادة الإنتاج بطريقه أو بأخرى…ولا يمكن للحوافز أن تحقق أهدافها إلا بعد تهيئة الجو الاجتماعي والتنظيمي المناسب للعمل كتوطيد العلاقات الاجتماعية و الإنسانية بين العاملين، ودراسة الظروف المحيطة بالعامل وتحديد الأهداف وتوضيحها.
1-4-محفزات مادية:كالأجور والعلاوات والمكافئات المختلفة، ومطابقة الوسائل للأهداف من هياكل وأدوات وعلاقات وغيرها.
2-4- محفزات معنوية: كجو التنظيمي الهادئ والمتوازن بما يشمله من تعاون وتساند وتفاهم .
– المقاربة النظرية: في دراستنا هذه انطلقنا من مدخلين رئيسيين لنظرية التنظيم كفيلين بأن يجعلا هذه الدراسة تفهم في إطارها النظري، وتصل إلى أهدافها في فهم مشكلة التكامل ووصفها وتحليلها وتفسيرها ، وكذا مشكلة التكيف التنظيمي وفعالية الإدارة كعنصر تنظيمي ودورها في حدوث بعض المشكلات التنظيمية .
نلخص مداخل النظرية في مدخلين هما :المدخل البنائي والمدخل السلوكي،بما يستجيب لطبيعة الدراسة وأهدافها مع عرض مبسط لهما.
1- المدخل البنائي: اخترنا هذا المدخل نظرا لكونه يتناول الجوانب التنظيمية الداخلية للتنظيم وكذا لتصوره للتنظيم كنسق مفتوح يتأثر بمعطيات بيئته الخارجية ،فمن خلال مفاهيمه ومقولاته يمكن فهم الأبعاد المختلفة للواقع التنظيمي لمؤسسات الإدارة المحلية .
فالتنظيمات حسب هذا المدخل هي أبنية متوافقة مع الأهداف من حيث الوحدات والأقسام والفروع وتدرج السلطة والمسؤوليات وشبكة الاتصال والعمل النقابي بالإضافة إلي البناءات غير الرسمية الأخرى . فكل سلوك حسب هذا المدخل ، إنما يعود في طبيعته إلى طبيعة البناء التنظيمي ككل.
2- المدخل السلوكي: التنظيم حسب هذا المدخل هو بمثابة مناخ أو بيئة تؤثر على سلوكات الأفراد وعلاقاتهم ، مما يترتب عنه أن فهم هذه السلوكات يتم على ضوء هذه البيئة التي يشكلها الأفراد والجماعات والعلاقات التنظيمية والوسائل والأفعال والقوانين والإجراءات والتكنولوجيا وغيرها .
وقد ركز هذا المدخل في دراسته للتنظيم وفهمه للسلوك الإنساني داخله على أبعاد محددة ، كأساليب القيادة المشاركة والخصائص الأساسية لشخصية الإنسان في مقابل خصائص التنظيم الرسمي وكذا الإسهامات في مقابل التحفيز أو المحفزات، فجميع هذه الأبعاد التنظيمية تشكل مجتمعه مناخا تنظيميا أو بيئة تنظيمية تعمل على تحديد اتجاهات الناس ودوافعهم الفردية والجماعية في العمل والأفراد يتفاعلون في إطار مجموع العناصر لبيئية التي تشكل المناخ التنظيمي ويتصرفون وفق هذه العناصر مثل أساليب القيادة.
– مفهوم التنظيم :يرى تالكوت بارسونز بأن التنظيم يعني ذلك النسق الاجتماعي المنظم، الذي أنشئ من أجل تحقيق أهداف محددة .
ويسوق ميشال ريد : للتنظيم على اعتبار انه وحدات اجتماعية يتم توجيهها نحو تحقيق أهداف جمعية أو إشباع حاجات نظامية لأعضاء المجتمع أو البيئة .
– ديناميات التنظيم: أو ديناميات البناء الاجتماعي، لا يعني فقط مجرد عملية التغير في أنماط الجماعات الأولية وتغير القيادة بتغير الموقف، كذلك تغير أنماط الاتصال والمعايير الاجتماعية وتغير الجزاءات غير المقننة مع تغير نوع المعايير المنتهكة … وغيرها.
وأهم موضوعات الدينامية في المواضيع الأساسية الآتية : الصراع ، التوازن ، التكامل.
الصراع : ظاهرة دائمة في التنظيم وانه سوف يظل محترما ما بقي التعارض بين مصالح مختلف الجماعات قائما.
التوازن: أهم ما يميز التنظيمات من خصائص هي التوازن أي الدوام والاستمرارية بفضل توازن الذاتي يعمل كل تنظيم على الاحتفاظ بشكله وانتظام بنيانه .
التكامل : يتكون التنظيم من عدة أجزاء لا يمكن فهمها إلا في إطار الكل في بعض الأحيان ، باعتباره نسقا مفتوحا يمتاز بالديناميكية والتطور ، فانه مطالب بان يحقق الظروف الأزمة والبيئة الملائمة للأداء ولتحقيق الأهداف المرسومة . فتحقيق تكامل كلي داخل التنظيم لا يتحقق إلا بالعمل على عدة مستويات سواء داخلية أو خارجية
– المنهج : إن طبيعة موضوع الدراسة المتمثل في التحقق من مجموع الفرضيات المتعلقة بالتنظيم في مؤسسات الإدارة المحلية ،من خلال إجراء بحث ميداني على مستوى إحدى البلديات التابعة لولاية الجلفة وباستجواب المستخدمين التابعين لهذه البلدية ، هذا فرض علينا استخدام المنهج الكمي لأجل قياس الظاهرة الاجتماعية.
– أدوات البحث: استخدمنا الاستبيان كأداة لجمع البيانات، والتي جرى تنظيم أسئلة الاستبيان بقصد الحصول على البيانات اللازمة على النحو الآتي :
– أسئلة خاصة بالفرضية الأولى، والمتعلقة بمشكلة التكامل التنظيمي.
– أسئلة خاصة بالفرضية الثانية، والمتعلقة بمشكلة التكيف التنظيمي.
– أسئلة خاصة بالفرضية الثالثة، وتتعلق بمشكلة الفعالية التنظيمية للإدارة.
– الأدوات الإحصائية: لا يمكن الاستغناء على لغة الأرقام في الميدان السوسيولوجي ويأتي هذا في إطار التزاوج بين منهجين كمي والكيفي فيمكن عرضها في الجداول وتثبيت بياناتها وهي من النوع البسيط.
عينة الدراسة : أخذنا عينة من عمال الإدارة، وتم تقسيم العينة كالآتي :
الإطارات :أولئك الذين يشغلون مناصب إشرافية (الأمين العام ، رؤساء المصالح ، والمكاتب).
الأعوان : وهم فئة تتولى الأعمال الإدارية والتقنية غير الإشرافية كأعوان الإدارات المكاتب التقنيين وأعوان الرقن والأمن.
فئة العمال المهنيين : العمال الأدنى في السلم وهم ينتمون إلى عدة أصناف مهنية.
وبناء على حجم مجتمع الدراسة الذي يبلغ 200 مفردة : – الإطارات. – الأعوان. – العمال المهنيين.
ونظرا لطبيعة الدراسة فقد تم استعمال العينة غير الاحتمالية لأنه يتم اختيار مفرداتها من مجتمع الدراسة بطريقة لا تتبع أي الطرق العشوائية، واعتمدنا على العينة الحصصية، وذلك بالنظر إلى العوامل الموضوعية.
مجال الدراسة:
المجال المكاني: تدور دراسة حول إحدى مؤسسات الإدارة المحلية الأكثر أهمية على المستوى الوطني، من حيث أنها لبنة أساسية من لبنات التنمية والتنظيم وباعتبارها هيئة وسيطة بين المواطن والدولة.
وبما أن تنظيم هذه المؤسسات متماثل ولا توجد فروق جوهرية تذكر فيما بينهم ، وان تناول العينة من مؤسسة واحدة يمكن أن يغنينا نوعا ما عن تناولها كلها، وقد كانت هذه المؤسسة هي بلدية الجلفة.
تعريفها : أنشأت بلدية الجلفة في 24 جانفي 1851 ،تقع في الجهة الوسطى لمنطقة الهضاب العليا ، وتبعد عن العاصمة بحوالي 300 كم جنوبا.
المساحة: تبلغ المساحة الإجمالية على مستوى تراب الولاية 549.30 ها ويقدر عدد سكان بلدية الجلفة 837.132 نسمه
المجال البشري : لقد بلغ عدد موظفي هذه المؤسسة حسب الوثائق الرسمية ،إلى غاية31ّ|03|2009 ، 200 عامل موزعون على مختلف المصالح والمكاتب.
بالإضافة إلى استعمال الملاحظة كأداة بحث لتأكيد بعض المعطيات أو نفيها.
نتائج الدراسة : من خلال كل المعطيات الواردة في الاستمارات، ومن خلال الملاحظات الميدانية والنتائج المتحصل عليها بعد التفريغ :
1- على مستوى الفرضية الأولى هناك فعلا مشكلة التكامل التنظيمي ترتبط بها العديد من المشكلات التنظيمية الأخرى ، وهي تعود إلى العديد من العوامل التنظيمية المتعلقة خاصة بالبيئة التنظيمية الاجتماعية داخل المؤسسة ، من حيث غياب التكامل الاجتماعي بين الأفراد والجماعات وعدم انسجامهم ، وذلك من كل النواحي التكاملية الأساسية للتنظيم ، سواء كان ذلك من ناحية التكامل الوظيفي الذي يلخص تكامل جهود الأفراد والجماعات وتساندها كما هو مطلوب رسميا،أو من ناحية التكامل التفاعلي الذي يلخص الجانب الاجتماعي التنظيمي من حيث العمليات على وجه الخصوص ، أو حتى من ناحية التكامل المعياري لديهم .
أن غياب كل جانب من هذه الجوانب التكاملية السياسية أو أحدهما على الأقل خاصة في بعض الظروف الخاصة ،بطريقه مباشرة أو غير مباشرة ، على المساهمة في التأثير على الجوانب التكاملية الأخرى.
فإذا تطرقنا مثلا إلى جانب التكامل المعياري، فإننا نجده يعكس في الكثير من الأمور درجة الانسجام الوظيفي الاجتماعي للأفراد والجماعات ودرجة تعاونهم وتساندهم الوظيفي داخل المؤسسة ، لأن معايير العمل الأساسية لا يدخل بها الأفراد في التنظيم وإنا يكتسبونها داخله بقدر كبير ، بالرغم من انه لا يمكن إنكار دور القيم والمعايير التي يدخل بها الفرد في هذا التنظيم ، فالكثير من الأفراد مثلا ،يلاحظ بأنهم يدخلون بقيم ومعايير اجتماعيه غير متوافقة بما يكفي مع قيم التنظيم ومعاييره ، ولكن في النهاية نجدهم يتصرفون بدرجه كبيره وفق هذه المعايير الأخيرة خاصة إذا كانت البيئة التنظيمية تساعد على ذلك وتحث عليه، وهذا كنتيجة للتأثير الكبير الذي تمارسه جماعات العمل على قيم الفرد واتجاهاته كما أثبتته الدراسات الإمبريقية في هذا الميدان.
فكل التفاعلات التي تجري داخل المؤسسة بين أعضائها هي نتيجة كذلك لأنماط من القيم والمعايير المحددة اجتماعيا وتنظيميا.
2- على مستوى الفرضية الثانية المتعلقة بمشكلة التكيف التنظيمي، فتم التوصل إلى أن هناك فعلا مشكلة من هذا القبيل، أسهمت في إضعاف الكفاءة التنظيمية لمؤسسات الإدارة المحلية فيما يخص قدرتها على الوفاء بالتزاماتها الاجتماعية بفعالية، والقيام بوظيفتها في ذلك بالشكل المطلوب والملائم لطبيعة التحديات المفروضة عليها بفعل بيئتها الداخلية والخارجية. أي أن هناك مشكلا فيما يخص ملائمة وسائلها لطبيعة هذه التحديات المستمرة في التغير والتطور، فمن حيث الوسائل البشرية على وجه الخصوص، نجد أن المستوى التأهيلي للأفراد من حيث المستوى التعليمي خاصة والمستوى الثقافي العام، لم يعد يناسب هذه التغيرات ولم يعد يسمح للأفراد بان يقوموا بأدوارهم التنظيمية كما ينبغي وبالكفاءة المطلوبة، وهو ما انعكس على ضعف قدرتهم في استيعاب هذه التحولات والتأقلم معها من حيث حل مشكلاتهم التنظيمية، وكذا معاملاتهم مع المواطن الذي تربطه علاقة مصالح مباشرة مع هذه المؤسسات التي يعمل بها هؤلاء.
3- على مستوى الفرضية الثالثة تم توصل إلى أن هناك مشكلة ضعف الفعالية على مستوى إدارات الإدارة المحلية ، وهي تعود حسب المؤشرات إلى كون المسئولين بهذه المؤسسة لا يقومون بأدوارهم التنظيمية الإدارية كما ينبغي من حيث العمل على حل مشكلات العمل والعمال والاهتمام بهم وتحسس المشكلات التي تعوق أدائهم لمهامهم بطريقة مقبولة. ويكون هذا خاصة من خلال تفعيل عملية الاتصال التي تمكنهم من استطلاع الوضع وتقريب وجهات النظر والتفاهم والانسجام الاجتماعي بين مختلف الأفراد والفئات المهنية الاجتماعية داخل المؤسسة.
كذلك تم تسجيل عدم اهتمام المسؤولين وعدم اكتراثهم لما يجري وهو أمر ناتج في جزء مهم منه عن غياب كبير لروح المسؤولية لدى هؤلاء بحيث أنهم لا يعملوا عن طريق المبادرة التي تعتبر من أهم مسؤوليات المشرفين وتقليل من تبني الاعتبارات الشخصية البحتة على حساب التعامل وفق الاعتبارات الموضوعية الرسمية، وهذا كله لمجابهة ذلك النقص الذي تشهده الجوانب التنظيمية الأخرى والتي تتعلق بنقص الإمكانيات المادية.
الاستنتاج العام :
من خلال كل المعطيات الواردة يمكن القول وكاستنتاج منطقي لوجود مشكلة التكامل هذه، بان هناك توازن كبير إلى حد ما بين الوسائل التي تستعين بها المؤسسة في أدائها لوظيفتها هذه وبين غاياتها التي تنشد الوصول إليها.
ومن خلال مفهوم التكامل ،يمكن أن نتطرق إلى عوامل نقص الوسائل وعدم توازنها مع الأهداف المنشودة، أي عدم وجود الوسائل الكافية والمحيط المشجع على التكامل التنظيمي العام الذي يمكن من خلاله تحقيق هذه الأهداف، كما انه من خلال مفهوم التكيف يمكننا أن نتطرق كذلك إلى عدم تلاءم هذه الوسائل مع الأهداف من الناحية النوعية وعدم قدرتها على مجارات التغيرات السريعة والعميقة الحاصلة على مستوى بيئة هذه المؤسسات سواء كان ذلك من الناحية الثقافية الاجتماعية أو من الناحية التقنية ، ويمكن كذلك تصور بعض المشكلات الجزئية الأخرى في ضوء مشكلة ضعف الفعالية التنظيمية لإدارة التنظيم من حيث انعدام روح المسؤولية الحقيقية، تلك المسؤولية التي تعني أن المسؤول يجب أن يتصف أكثر من الأفراد الآخرين بسلوك تنظيمي أكثر إنظباطا وصرامة وأكثر فعالية ومبادرة.
خاتمة :
إن التنظيم يبنى حقيقة على مجموعة ميكانيزمات علمية متلائمة وموافقة لطبيعة الغايات أي تطابق وسائله مع أهدافه المحددة ، تلك الأهداف التي أنشئت هذا التنظيم من اجل تحقيقها ميدانيا.
وهو كنسق اجتماعي فرعي يعمل ويستمر في عمله من خلال مجموعة وسائل مادية وأخرى بشرية، وقوانين تنظيمية وقواعد وقيم ومعايير ثقافية ولكن كذلك من خلال وضع هذه الوسائل اتجاه بعضها البعض، فهنا تظهر ربما قيمة العنصر البشري داخل المؤسسة أي انه الوحيد الذي بمقدوره تفعيل كل العناصر التنظيمية من وسائل مادية وقانونية وقواعد عمل وما إلى ذلك .
إن المشكلات التنظيمية الأساسية لمؤسسات الإدارة المحلية هي نتيجة الضعف في كل هذه الجوانب وليس نتيجة لجانب معين دو الأخر ،لأن الفعالية التنظيمية لأي مؤسسة في أدائها لوظيفتها في المجتمع، لا ترتبط فقط بالإمكانيات المادية ومدى تطور هذه الإمكانيات أو تخلفها، ولو أن ذلك يشكل جانبا هاما من الجوانب التنظيمية، وإنما ترتبط وبشكل أساسي بفاعلية تنظيم هذه المؤسسات ونوعية وسائلها البشرية وكفاءة هذه الوسائل ميدانيا وانتمائها وتكاملها وانسجامها الاجتماعي التنظيمي ، فالمناخ التنظيمي المحفز يمكن أن يؤدي إلى إعادة بعض التوازن إلى الجوانب الغير متوازنة في التنظيم ويمكن أن يسهم في تفعيل عقلاني للوسائل المتاحة على نقصها خاصة البشرية منها، في اتجاه هذا التكامل التنظيمي والاجتماعي.
وتمحور الاجتهاد حول ثلاثة مشكلات تنظيمية عامة تعرفها هذه المؤسسات ويتعلق الأمر في المقام الأول بمشكلة التكامل التنظيمي أي أن هناك ضعفا على هذا المستوى سواء من الناحية البنائية ، على مستوى الوسائل والإمكانيات والمحيط الفيزيقي المادي للعمل، أو من الناحية الاجتماعية التنظيمية للأفراد والجماعات بالتحديد .
والنتيجة المتوصل إليها من خلال هذا كله أن هناك ضعف في مستوى التكامل المادي أولا وضعف في مستوى التكامل الاجتماعي ثانيا وبصفة خاصة، أي ضعف التكامل على المستوى التفاعلي بين الأفراد والجماعات كادوار ونشاطات وضعف تكاملهم الوظيفي بحيث تسود اللامبالاة وانعدام روح المسؤولية.
وفيما يخص مشكلة التكيف التنظيمي أو صعوبة التكييف مع التطورات التي أصبح يعرفها المجتمع بشكل متواصل أي هناك تخلف على مستوى المؤسسات في مواجهة هذه التطورات والتأقلم وفق معطياتها التي أثرت بشكل مباشر وغير مباشر على بيئتها التنظيمية ككل ويظهر هذا من خلال غياب البرامج التكوينية والتأهيلية الملائمة إلي يمكنها تحسين المستوى العلمي والثقافي للموظفين.
دون أن ننسى مشكلة ضعف الفعالية التنظيمية الإدارية هذه المؤسسات، تلك الفعالية التي لا تتعلق بتطبيق القوانين التنظيمية بحذافيرها فقط لأن هذا من شانه أن يؤدي في كثير من الأحيان إلى الإضرار بأداء التنظيم وليس إلى خدمته ، وهذا يرجح لضعف الاتصال بين الإدارة والعمال وضعف العلاقات الاجتماعية التنظيمية بين الرؤساء والمرؤوسين لان مسئولين الإدارة المحلية لا يبذلون الجهد اللازم في اتجاه التعامل مع الوضع الصعب الذي تمر به.
وفي الأخير يمكن القول إن هذه الدراسة تمكنت من تحديد أهم المشكلات في مفاهيم علمية موضوعية ،كمشكلة التكامل ومشكلة التكيف وكذا الفعالية التنظيمية للإدارة بحيث مكننا من خلالها إلى حد ما، أن نفهم فهما موضوعيا واقع التنظيم في هذه المؤسسات.
قائمة المراجع:
- محمد بومخلوف التنظيم الصناعي والبيئة ،دار الأمة ،ط1،الجزائر،2001.
- السيد الحسين علم اجتماع التنظيم، دار المعرفة الجامعية الإسكندرية 1994.
- جعفر قاسم أمن ،أسس التنظيم الإداري والإدارة المحلية بالجزائر ،الجزائر د م ج، 1978.
- دينكن ميتشل معجم علم الاجتماع ت ،إحسان محمد الحسين ،دار الطبيعة،بيروت ط2 ،1986ص105 .
- صلاح ليومي،حوافز الإنتاج الصناعي ،ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر 1982ص 2،1 _ديفيد سيلفرمان ،الإطار السوسيولوجي لنظرية التنظيم وتقديم :هادل مختار الهواري،مكتبة نهضة الشرق،القاهرة ط2، 1980.
- علي عبد الرزاق جلبي علم اجتماع الصناعي ،دار المعرفة الجامعية ط2، 1996، ص173، 174 موريس أنجرس منهجية البحث العلمي في العلوم الإنسانية ،بوزيدي صحراوي وكمال بوشرف وسعيد سبعون لإشراف ومراجعة مصطفى ماضي، دار القصبة، 2004.
- سيد احمد غرين البحث الاجتماعي ،دار المعرفة الجامعية الإسكندرية، 1998.
- عبد الهادي الجوهري،علم الاجتماع الإدارة ، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، 1998.
- قباري إسماعيل،علم اجتماع الإداري ، منشأة المعارف، الإسكندرية.
- عمار بوحوش، نظرية التنظيم ، مكتبة الشعب ، الجزائر.
Amitai atzioni,modern organization,N .j :.Engleuvood Clifffes,prentice hall,1964 ,p .3
Michel Ireed, the sociology of organization : the mes,perpectives andprospects,N,Y :harvester wheatheaf,1992