
المكانة الديمقراطية في العلاقات الموريتانية الفرنسية
د. بُتار ولد إسلك باحث واكاديمي
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات السياسية والعلاقات الدولية العدد 14 الصفحة 101.
تعتبر فرنسا إحدى الدول الأوروبية التي لها تأثير كبير على الساحة الدولية، فرغم مكانتها التاريخية والاقتصادية والعسكرية علي المستوي العالمي إلى جانب وجود مقعد دائم لها في مجلس الأمن،حيث ساعدت تلك العوامل من التأثير في قدرتها على توجيه السياسة الإفريقية، وبعد نهاية الحرب الباردة أصبحت فرنسا الداعم الأول والموجه للأنظمة الإفريقية نحو عملية التحول الديمقراطي.
فمنذ خطاب “لابول” الشهير الذي تقدم بهي الرئيس الفرنسي افر انسوا ميتران يوم 20 يونيو 1990 أمام الرؤساء
الأفارقة بقوله “لدي مخطط بسيط يتمثل في انتخابات حرة ونزيهة وحرية صحافة وإشاعة العدالة وإقامة دولة الحق والقانون … ومن البديهي أن تكون المساعدات الفرنسية أكثر فتورا اتجاه الأنظمة التي تتصرف بطريقة تسلطية دون قبول التوجه نحو الديمقراطية، وفي ما أقول الديمقراطية وأرسم طريقها أقول إن هذه المسألة هي الوحيدة للوصول إلى حالة توازن في وقت تتطلب ضرورة المزيد من الحرية … “[1].
وبدأت فرنسا بعد خطاب “لابول” مباشرة الضغوط على العديد من الأنظمة التي لم تتجاوب بشكل كبير مع نداء لابول لدفعها نحو الإصلاح الديمقراطي، وتحديدا النظام في بنين، وساحل العاج، والغابون، وتشاد. فمثلا أزيح الرئيس أتشادي “حسين هبري” الذي عارض خطاب “لابول” وأعلن أنه ذاهب إلى الديمقراطية ولكن بإيقاعه الخاص، فتمت إزاحته في ديسمبر 1990 من طرف رئيس أتشاد الحالي “إدريس دبي” بالتعاون مع المخابرات الفرنسية[2].
وفي ذات الإطار هددت فرنسا أيضا نظام الرئيس معاوية ولد الطايع ملوحة بملف حقوق الإنسان نتيجة أحداث 1987 وما انجر عنها من نتائج سلبية إثر المحاولة الانقلابية الفاشلة التي حدثت من طرف ضباط زنوج حاولوا إسقاط النظام * ، هددت فرنسا بقطع مساعداتها لموريتانيا وشنت وسائل إعلامها حملة إعلامية كبيرة على نظام الرئيس الموريتاني معاوية ولد الطايع ووصفته بالعبثي النازي في إشارة إلى التحالف الموريتاني مع العراق ودعم صدام حسين لموريتانيا على جميع الأصعدة المادية والعسكرية، ومع هزيمة النظام العراقي في حرب الخليج الثانية، قطعت المساعدات الخليجية عن الدول التي ساندت العراق[3] ومن بينها موريتانيا، وكان لهذا الإجراء أثره السلبي على تدفق التمويلات الخارجية الدولية إلى موريتانيا مما كان له أيضا الأثر المباشر في توجه النظام الموريتاني إلى التعددية الديمقراطية[4].
نسبة المساعدات الرسمية للدول الخليجية المقدمة لموريتانيا من بين دول المغرب العربي
النسبة | مليون دولار | النسبة المئوية |
1986 | 74.5 | 1.89 |
1987 | 15.5 | 0.57 |
1988 | 8.6 | 0.42 |
1989 | 2.6- | 0.14- |
المصدر: وزارة الشؤون الاقتصادية والتنمية الموريتانية ، مديرية التخطيط والبرامج 2007
انتهزت فرنسا الفرصة آن ذاك وبدأت تشد الخناق على نظام ولد الطائع، وقطعت جزءا كبيرا من المساعدات الموجهة إلى موريتانيا، وقامت بمحاكمة أحد الضباط الموريتانيين الموفدين إلى فرنسا قصد التدريب، وأعلنت فرنسا أنها لا تدعم القادة الفاشيين[5]، ساءت العلاقات الموريتانية الفرنسية إلى حد كبير، وكردة فعل قام الرئيس الموريتاني السابق ولد الطائع، بطرد البعثة العسكرية الفرنسية من نواكشوط، وفرض التأشيرة على المواطنين الفرنسيين، وأوقف بث إذاعة فرنسا الدولية في نواكشوط الموجهة عبر الموجة الترددية.
بدأ نظام ولد الطائع يعيش عزلة أضعفت نظامه، وتم الحديث عن محاولات انقلابية من تدبير فرنسا، وأمام هذه التهديدات الخطيرة، لم يكن أمام نظام معاوية ولد الطائع من حول إلا أن يطوع نفسه بقبول الأمر الواقع، وكإجراء لاحق حاول هذا الأخير أن يمتص الغضب الفرنسي عبر المشروع الديمقراطي الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، بغية إحياء التعاون من جديد بين البلدين، وبعد فترة من عودته من مؤتمر (لابول) استجاب ولد الطائع للشروط الفرنسية وأعلن في خطابه الشهير الموجه إلى الشعب بمناسبة الذكرى الثلاثين للاستقلال الوطني ، وذلك بقوله: “لقد تعهدت القيادة الوطنية تعهدا لا رجعة فيه بتوفير مناخ ديمقراطي يمكن جميع المواطنين من المساهمة في عملية البناء الوطني، مساهمة مسئولة وواعية… سيقام استفتاء عام من أجل المصادقة على الدستور وستنظم انتخابات حرة ونزيهة لتعيين مجلس النواب، والشيوخ، وتكوين أحزاب سياسية غير محددة من حيث العدد”[6]، أبدى ولد الطائع في البداية تجاوبا كبيراً في تعاطيه مع الإصلاحات الديمقراطية وبدأت المساعدات الفرنسية تتزايد تدريجيا إلى أن وصلت إلى ما مقداره 323 مليون أفرنك فرنسي، لتزداد في سنة 1991 حيث وصلت إلى 387 مليون أفرنك فرنسي أي بزيادة تقدر نسبيا ب: 19.83%[7].
قام ولد الطائع بعد فترة قليلة من إعلانه توجه البلاد إلى نظام التعددية الديمقراطية بالدعوة إلى إنشاء حوار موسع مع المعارضة، إلا أنه أبدى بعد فترة قليلة توجها معاكسا، لم تظهر معالمه إلا في الانتخابات الرئاسية التي جرت 1992، ففي ضوء تقييم نتائج تلك الانتخابات، عمد الحزب الجمهوري الحاكم آنذاك بالتزوير على نطاق واسع، خاصة مع رفض تسليم البطاقات، وتعطيل إجراءات تسجيل الناخبين خصوصا بالمناطق ذات الأغلبية المعارضة، فكان تقييم الدوائر الانتخابية على أساس تقدم الحزب الحاكم، ومنحت الأولوية لمناطق الريف التي تمتاز بتدني الوعي السياسي، واتهم الحزب الجمهوري بالاستغلال المفرط لوسائل الدولة، وحرمان الأحزاب المعارضة من وسائل الإعلام التي تملكها، مما كان له تأثير كبير على نتائج الانتخابات[8]، وهو ما برهن على أن قبول النظام لمبدأ التعددية في تلك الفترة لم يتجاوز مستوى التأثيرات، فالسلطة تقبل بالدخول في مناورات انتخابية مع خصومها السياسيين في مناسبات انتخابية عديدة، إلا أنها تزور النتائج إن لم تكن في صالحها.
لقد كانت فرنسا على علم وثيق بأن ما يحدث في موريتانيا يعد من باب المراوغة دون الوصول إلى الأهداف المطلوبة من الرئيس السابق معاوية ولد الطائع، مما يعني أنه منذ فترة قليلة من خطاب لابول ظهر البعد السلبي للمشروطة الفرنسية أكثر فتورا ومحدودية من حيث التأثير على الأنظمة التي توصف بالشمولية، ولا تقبل التعامل بشكل جدي مع ظاهرة التحول الديمقراطي، بل أن تعاملها مع النظام الموريتاني آنذاك كان حبيسا لمواقفها المزدوجة والمجاملة أحيانا، وأولوية التحول الديمقراطي تم هجرها بعد فترة قليلة من خطاب لابول، والدليل على ذلك التصريح الذي أدلى بهي “تشولي” النائب في البرلمان الفرنسي الذي حضر أول انتخابات رئاسية أجريت – آن ذاك – في26/08/1992 بوصفه كمراقب، حيث تم الإعداد لها بشكل سيئ من طرف النظام وذلك بقوله: “نحن حضرنا بموجب دعوتين من وزارة الداخلية، وممثلي المعارضة، وبصفتي مراقبا يمكنني القول أن أسس الديمقراطية أصبحت حقيقية في موريتانيا”[9].
وبمناسبة تنصيبه رئيسا للجمهورية أعلن معاوية ولد الطائع احترامه للمؤسسات السياسية والمبادئ الديمقراطية التي نص عليها الدستور وذلك بقوله: “الديمقراطية التعددية لا يمكن أن تتحسن إلا بتناغم الاجتهادات في إطار من الوطنية والنزاهة، أعدكم بأنني سأتصرف باعتباري رئيسا لجميع الموريتانيين طبقا للدستور، وعملا بمقتضيات القانون“[10]،ورغم محاسن هذا التوجه والإنجازات التنموية التي تحققت في ظله، فإن عملية التحول الديمقراطي التي أتبعت بعد ثلاث سنوات من الانتخابات الرئاسية لم تؤسس للعوامل البدائية لشروط التحول المطلوبة، بل ظلت تراوح مكانها، فقد خلصت التجربة إلى تبني التعددية المحكومة من الأعلى، إضافة إلى تغليب الخيار الأمني في التعامل مع الفر قاء السياسيين، بتواصل مشكلات المواجهة مع المعارضين، ومصادرة العديد من الحركات السياسية، وهيمنة الاستئثار بالسلطة والتفرد بها على حساب أي مسعى آخر[11].
ورغم ذلك استمر الدعم الفرنسي للنظام الموريتاني، فقد وقعت الحكومة الموريتانية عدة اتفاقيات تنموية مهمة منذ سنة 1991 إلى سنة 2000، جاءت في الغالب على شكل هبات، شملت مجالات مهمة من بينها البنية التحتية، والتنمية الحضرية، ومعالجة الفقر، ودعم الميزانية، والإدارة، والمساعدات الغذائية عن طريق المركز الفرنسي للتنمية، والحكومة الفرنسية.
نموذج حجم الهبات الفرنسية المقدمة لموريتانيا من 1989 إلى 1997.
الممولين | طبيعة القرض | العملة | المبالغ | تاريخ توقيع الاتفاقية | المشاريع المستهدفة |
فرنسا | هبة | فرنك فرنسي | 1500000 | 1989/05/13 | القنال الفرنسي |
المركز الفرنسي للتنمية | هبة | فرنك فرنسي | 118609970 | 1990/07/17 | خفض الدين |
المركز الفرنسي للتنمية | هبة | فرنك فرنسي | 60000000 | 1992/12/22 | الإصلاحات الهيكلية |
المركز الفرنسي للتنمية | قرض | فرنك فرنسي | 56000000 | 1993/01/09 | الشطر الثاني (II) لميناء انواذييو |
المركز الفرنسي للتنمية | قرض | فرنك فرنسي | 64000000 | 1993/11/09 | شبكات الكهرباء نواكشوط |
المركز الفرنسي للتنمية | هبة | فرنك فرنسي | 25000000 | 1994/02/09 | التنمية المندمجة في الضفة (المرحلةII الأولى) |
المركز الفرنسي للتنمية | 5000000 | 1994/02/24 | الروابط المهنية لترقية الصيد التقليدي | ||
المركز الفرنسي للتنمية | هبة | فرنك فرنسي | 35000000 | 1994/08/02 | الإصلاح الهيكلي الفرنسي 1994 |
المركز الفرنسي للتنمية | هبة | فرنك فرنسي | 2056000 | 1995/01/05 | شركة مطارات موريتانيا |
المركز الفرنسي للتنمية | هبة | فرنك فرنسي | 13500000 | 1995/03/16 | تحسين خدمات مصالح شركة المياه |
المركز الفرنسي للتنمية | هبة | فرنك فرنسي | 1003295 | 1995/05/15 | تثمين البرنامج الموريتاني |
المركز الفرنسي للتنمية | هبة | فرنك فرنسي | 3000000 | 1996/03/03 | صناديق التجديد والدراسة والإصلاح |
المركز الفرنسي للتنمية | هبة | فرنك فرنسي | 4407000 | 1996/06/06 | دعم البناء والتسيير وتقديم الإنتاج الوطني |
المركز الفرنسي للتنمية | هبة | فرنك فرنسي | 27100000 | 1996/12/17 | التنمية المندمجة لضفة نهر سنغال المرحلة II |
المركز الفرنسي للتنمية | هبة | فرنك فرنسي | 10000000 | 1997/02/22 | دعم المطارات الثانوية |
المصدر وزارة الشؤون الاقتصادية والتنمية الموريتانية مديرية التخطيط والبرمجة 2007.
وخلال السنوات العشر الأخيرة من نظام معاوية ولد الطايع بقيت فرنسا محافظة علي مكانتها كشريك اقتصادي أول لموريتانيا فمثلا بلغ عدد الصادرات الفرنسية 162 مليون أورو ، ومعدل الواردات الموريتانية إلى فرنسا 100 مليون أورو أي بفارغ رصيد فائق بلغ في المتوسط 62 مليون أورو .وقد سمحت تلك المؤشرات بتحريك كتلة تجارية أعلي من المعتاد.
مما طرح مشكلة كبيرة للمعارضة، التي أعلن رئيس منسقية أحزابها ومرشحها في الانتخابات الرئاسية أحمد ولد داداه بقوله: “إن مشكلتنا أولا موريتانية وفرنسا بلد مهم، ولنا معها علاقات متميزة، نحن المعارضة ندفع الثمن، مع أننا نتطلع إلى علاقات جيدة مع فرنسا، إلا أنني أعتقد أن الحكومة الاشتراكية الفرنسية تساند حكم ولد الطائع بالقول والعمل أأسف لذلك، فقد فتحت له باب الاتحاد الأوربي، والمنظمات الدولية، وساندته دبلوماسيا على المسرح العالمي… إن للمعارضة الحق أن تنتظر من فرنسا أشياء غير مساندة ولدالطايع”[12]،واصل نظام ولد الطائع التضييق على الأحزاب المعارضة له وزج بقادتهم في السجون، كما قرر مجلس الوزراء في أكتوبر 2000م حل حزب اتحاد القوى الديمقراطية،المعارض جناح السيد أحمد ولد داداه بدعوى أنه يعمل ضد مصالح البلاد ويهدد أمنها ، وتم اعتقال مجموعة من رموز الحزب، وطالت الاعتقالات أحمد ولد داداه نفسه يوم 9 ديسمبر 2000 إثر عودته من زيارته إلى فرنسا لاتهامه بالعمل على تخريب مصالح البلاد[13].
ولا كن نتيجة للوضع السياسي المسدود الذي أصبح يعيشه حراك التحول الديمقراطي، الناتج عن ظاهرة الاحتقان السياسي، زيادة على ذلك تفشي ظاهرة الفساد في البلاد تكررت المحاولات الانقلابية والتي كان أخطرها على الإطلاق المحاولة الانقلابية الفاشلة التي تزعمها في أيار مايو 2003 الرائد صالح ولد حنن[14]، ومع تنامي هذا الوضع الخطير، ظلت فرنسا تتعامل مع نظام ولد الطائع بنوع من الحذر، ولم تعلن له صراحة بالمواجهة إلا عند ما حاول التقرب أكثر إلى الولايات المتحدة.
وفي الثالث من أغسطس 2005 حدث انقلاب عسكري على نظام ولد الطايع ، وبعد نجاح الانقلاب تم تشكيل مجلس عسكري – يدعى المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية – من أبرز العناصر التي كان يعتمد عليها حكم ولد الطائع، وأعلن المجلس في بيانه رقم واحد عن وضع حد للنظام القائم في موريتانيا أثناء غياب هذا الأخير في زيارة عزاء للمملكة العربية السعودية، وبذالك يكون الجيش أنهى مسيرة 21 عاما من حكم ولد الطايع، وشكل منعطفا جديدا في السياسة الموريتانية بشكل عام*.
وهنا يندرج وصول الرئيس الموريتاني السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله ، الذي أعلن يوم تنصيبه تمسكه بروح الديمقراطية وذلك بقوله: “فيما يخصني سأبقى متشبثا بالروح الديمقراطية التي تأسست بالعمل الديمقراطي وحريصا على استلهام من معين هذه التجربة… وذلك بترسيخ الثقافة الديمقراطية القائمة على التسامح واحترام دور المعارضة السياسية“[15]، وبعد مباشرته زمام الأمور في البلاد أقام ولد الشيخ عبد الله العمل على حل المشاكل العالقة والثقيلة من إرث سلفه، والتي كانت مصدر تهديد في السابق من طرف فرنسا، ففي خطاب موجه إلى الشعب اعتذر عن أحداث 8719 ووصفها بالمؤلمة، وأشرف على عودة وتعويض للاجئين الموريتانيين الذين أبعدوا إلى السنغال في فترة الحكم السابق، وتم لهذا الغرض رصد ملياري أوقية من ميزانية الدولة لسنة2008 في برنامج دمج المبعدين من الزنوج إلى مالي والسنغال، وسن قانون يجرم العبودية، وفتح حوار مع المعارضة في القضايا الوطنية ومع رئيسها أحمد ولد داداه، ومع التحولات السياسية الكبيرة التي عاشتها موريتانيا في تلك الفترة والتي لاقت استحسانا كبيرا من طرف الدارسين، حسب التقرير الاستراتيجي العربي 2008 الذي اعتبرها تجربة متميزة في الوطن العربي[16].
لم تسفر تلك الخطوات عن دعم اقتصادي كبير لموريتانيا،وعلى العكس من ذلك بدأت العلاقة الفرنسية الموريتانية تسوء مع نظام ولد الشيخ عبد الله، خصوصا عندما قام بإطلاق مجموعة من الحركة السلفية كانت في السجون الموريتانية، متهمة بعمليات إرهابية ضد المصالح الفرنسية، وتدشين مسجد في القصر الجمهوري، وتغيير يوم العطلة من يوم الأحد إلى الجمعة، ونتيجة لتلك الإجراءات وكبداية لسوء العلاقة بين البلدين شنت فرنسا عبر وسائل إعلامها حملة كبيرة على نظام الرئيس الموريتاني السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله ،واعتبرت أن الديمقراطية في موريتانيا كانت في مصلحة الإرهاب، وساءت العلاقة أكثر إثر مقتل ثلاثة فرنسيين في ولاية ألاك وسط البلاد واتهمت الحكومة الفرنسية النظام الموريتاني بالإهمال اتجاه رعاياها في موريتانيا البالغين 1200 فرنسي، كما أن زيارة الرئيس الفرنسي ساركوزي إلى دول المغرب العربي 2008 مستثنيا موريتانيا من تلك الزيارة دليل واضح على فتور تلك العلاقة بين البلدين، ومنع سباق رالي داكار من المرور على الأراضي الموريتانية[17].
وعند وصول الرئيس الموريتاني الحالي محمد ولد عبد العزيز إلى السلطة وذلك ناتج عن الأزمة الكبيرة التي أحدثها الانقلاب الذي أدى في نهاية المطاف إلى تنحية الرئيس الموريتاني السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله عن الحكم في 6 أغسطس 2008*، ساندت فرنسا الانقلاب ولكنها لم تعلن عنه صراحة، فارتباط السياسة الخارجية الفرنسية بالاتحاد الأوربي والذي يعارض بشده الوصول إلى السلطة عن طريق الانقلابات العسكرية في إفريقيا حسب ما نصت عليه اتفاقية كوتونو*، يفرض عليها درجة كبيرة من الانسجام والتوافق، يجعلها غير قادرة على مجاهرتها لتأييد الانقلابات في إفريقيا، هذا التناغم والانسجام عبر عنه الرئيس الفرنسي ساركوزي أمام المؤتمر السادس عشر للسفراء الفرنسيين بقوله: “ينبغي للقارة الإفريقية أن تكون قوية، وأن تتوحد بشكل يسمح لها بالمحافظة على الأمن والحيلولة دون خرق المبادئ الديمقراطية، إن فرنسا ستعمل مع الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة من أجل الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، ورفض كل الانقلابات”[18].
لكن فرنسا أيضا الحريصة على وجود أنظمة في أفريقيا تضمن لها مصالحها وعدم ترك الساحة للاعبين آخرين جدد قد يشكلون تهديدا لها، هذا النوع من التعاون سمح لفرنسا بترك هامش من المناورة مع الأنظمة القائمة في إفريقيا، حسب كل حالة نظام و مدى ارتباطه بمصالحها الحيوية، مما جعل المقاييس التي تتبعها فرنسا في مجال دعم عملية التحول الديمقراطي غير واضحة المعالم، خصوصا عندما يتعلق الأمر بأنظمة صديقة، وأخرى عكس ذلك.
فبعد فترة قليلة من خطاب ساركوزي في المؤتمر السادس عشر للسفراء الفرنسيين جرت عدة انقلابات عسكرية في إفريقيا وتحديدا في الدول بيساو، وكناكري، وكان أولها الانقلاب الذي جرى في موريتانيا وتم بموجبه عزل الرئيس محمد ولد عبد العزيز لسلفه، وكأول بادرة نددت فرنسا بشدة عملية الاستيلاء على السلطة في نواكشوط باسم الناطق الرسمي لوزارة الخارجية الفرنسية رومان نادال وذلك بقوله: “تعلمون مدى تمسكنا باستقرار موريتانيا… نحن نتابع الوضع وتحرص فرنسا على الحفاظ على دولة القانون تحت أي ظروف، ورفض الاستيلاء على السلطة بالقوة”[19].
وكأول إجراء عقابي أعلنت المنظمة الفرانكفونية العالمية تعليق عضوية موريتانيا بسبب الانقلاب الذي شكل في نظرها خرقا خطيرا للقانون و الذي ترجمه قرار مجلسها الدائم الذي انعقد في 27/08/2008 ، وأمام المطالب الدولية القوية بإرجاع السلطة الممثلة في الرئيس المخلوع سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله إلى السلطة، اكتفت فرنسا المطالبة بالعودة إلى المؤسسات الديمقراطية، فكاتب الدولة الفرنسي للتعاون السيد (جوان دي) طالب جهارا بالعودة إلى المؤسسات الدستورية دون رجوع الرئيس المطاح بهي سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، وذلك بقوله: “إن الجميع يقولون اليوم تريثا يجب إيجاد حل للعودة إلى الحياة الدستورية لأن ذلك ضرورة ملحة… لكن لا أحد يقول أن ولد الشيخ عبد الله يجب أن يعود إلي وظائفه”[20].
فهناك من يربط بين الانقلاب الذي حصل في موريتانيا، والاهتمام الفرنسي بمؤشرات ظهور الغاز بكميات معتبرة داخل حدود موريتانيا ، “فلييت داغير” ممثلة المنظمة العربية لحقوق الإنسان ورئيسة هيأتها الرقابية في الانتخابات الرئاسية في موريتانيا 2009 أعتبر أن فرنسا كانت في الكواليس[21]، فبعد فترة قليلة من الانقلاب على الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، وتسلم العسكريين السلطة أعلنت الشركة الفرنسية (أريفا) عن اكتشافها مؤشرات لمحزونات كبيرة من معدن اليورانيوم النفيس في المنطقة الساحلية قرب مدينة ازويرات،وشركة أريفا تعمل منذ سنوات في منجم لمادة اليورانيوم في النيجر، والتي استعانت بالرئيس ساركوزي لحصول شراكة مع موريتانيا، وعندما زار ساركوزي النيجر سنة 2009 تلبية لرغبة الشركة أعلن هذا الأخير من النيجر دعمه الشهير للانقلاب وذلك في جواب على سؤال وجهته إليه الصحافة، هل ستكون فرنسا حازمة مع قادة الانقلاب في نواكشوط؟ أجاب الرئيس الفرنسي ساركوزي بقوله: “لم يكن هذا سؤالا كان سخافات! بخصوص موريتانيا أنتم تعرفون ذلك جيدا، هل رأى أحد في الغالب انقلابا دون مظاهرات، ودون احتجاجات باستثناء احتجاج فرنسا، حين تم اعتقال الرئيس المنتخب ديمقراطيا، أنا شخصيا من طالب بالإفراج عنه، لكن الجدير بالملاحظة هو أن أي نائب ولا أي برلماني لم يحتج، ولم تقم أية مظاهرة”[22].،، وتزامن هذا الإعلان مع توقيع الحكومة المنبثقة عن الانقلاب الاتفاق الاستراتيجي مع شركة توتال الفرنسية للتنقيب عن النفط في القطاعين 7، 8 من حوض تاودني الغني بالغاز·
عملت الخارجية الفرنسية بشكل لا لبس فيه على تجنب الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز العزلة الدولية التي كانت تسعى إليها الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي والاتحاد الإفريقي، ودافعت عنه جهارا في المحافل الدولية ، فوزير الخارجية الفرنسي السابق كوشنير وأمام المؤتمر الإفريقي المنعقد في أديس بابا 2008 أعلن بصريح العبارة أن فرنسا لا تؤيد عقوبات دولية على نظام الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز وذلك بقوله: “ما ينبغي حصوله في موريتانيا هو العودة إلى النظام الدستوري وعدم القبول أن تزعزع الانقلابات استقرار إفريقيا… بالنسبة لي لا أؤيد فرض عقوبات ولا أعتقد أن الشعب الموريتاني قادر على تحملها، ولكن يمكن بحث فرض عقوبات فردية”[23]،”كما أن “بلقاني وبيرجي” المقربان من الرئيس الفرنسي ساركوزي كانا ينشطان بشكل كبير لذات المسعى، ومحاولة توليب الأزمة لشرعنة الانقلاب، -عكس الاتحاد الأوربي-، وكذلك الضغط على المعارضة من أجل المشاركة في الإعداد لانتخابات رئاسية جديدة.
فقد حاولت فرنسا استمالة المعارضة التي هددت بمقاطعة الانتخابات من أجل أن تشارك في الانتخابات الرئاسية، وذلك عن طريق السفير الفرنسي ميشل فاندربورتير ذلك بقوله: “ما يجب فعله الآن أن تنظم الانتخابات الرئاسية المقبلة من هيئة مستقلة تماما… اعتقد أنه سيكون من المؤسف جدا أن يكون هناك مقاطعون لها لأن ذلك سيكون بمثابة ترسيخ الانقلاب وترك أحد الحكام العسكريين ينتخب بنسبة 90% من الأصوات، يجب أن يعارض المعارضون، ويجب أن تقوم القوى السياسية لما هو الغرض من وجودها وبالتعرف على أفكارها وبرامجها”[24].
ونتيجة للضمانات التي قدمتها فرنسا للمعارضة بنزاهة العملية الانتخابية وافقت المعارضة مبدئيا و بشروط على الدخول في الانتخابات الرئاسية التي أجريت 2009 ولم يترك الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز الفرصة تضيع، فعزز موقفه بتوجيه سياسته نحو مكافحة الفساد ، واتهم رئيس الوزراء الأسبق محمد ولد الواقف باختلاس المال العام، كما عمل على تحسين البنيه التحتية، وتأهيل الأحياء العشوائية، والنزول إلى القاعدة، وحل بعض مشاكل المياه، والكهرباء، معتمدا في ذلك على المصادر الذاتية للدولة.
تلك العوامل أضعفت الخطاب الداخلي للأحزاب المعارضة، وأضعفت من الحمولة الخارجية المؤيدة لها، مما ضيق هامش المناورة على المعارضة من صعوبة لعبها على الجبهتين الداخلية والخارجية، وقد جسدت هذه التفاعلات السبيل إلى قبول أحزاب المعارضة الدخول في انتخابات رئاسية شاركت فيها أطياف المعارضة السياسية، التي جرت في ظل نوع من التوافق الذي كرسته اتفاقية داكار*.
وأدت نتائج تلك الانتخابات التي أفرزتها صناديق الاقتراع يوم 18 يونيو 2009 إلى نجاح الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز، حاولت المعارضة الرهان على النظام الفرنسي من أجل الضغط على الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في ما يتعلق بتطبيق مخرجات الحوار التي تعتبر إحدى الآليات المحركة لروح اتفاق داكار، ولم تتأكد المعارضة أنها دخلت اتفاقا كانت خاسرة فيه إلا عندما رفض ولد عبد العزيز فكرة تمثيل المعارضة في الحكومة التي شكلت بعد الانتخابات الرئاسية وذلك بقوله: “أعتبر أن العودة إلى ما قبل انتخابات 18 يونيو 2009 غير مطروحة، وأن كل القضايا يجب أن تناقش بناءا على ما أفرزته صناديق الاقتراع في هذه الانتخابات، وانطلاقا من الواقع الذي أنتجته… اتفاق داكار ليس قرآنا ولا نصا دستوريا تجب صيانته أو التمسك بهي، بل هو مجرد توافق بين الأطراف السياسية لتجاوز مرحلة بعينها والتهيئة لانتخابات يقول الشعب الموريتاني فيها كلمته من خلال صناديق الاقتراع وهذا ما تحقق في 18 يوليو 2009، ومن ثم فلا معنى للعودة إلى الوراء والتمسك بصيغ لم تكن لها مبررات ولا أهداف”[25].
احتجت المعارضة على فرنسا بحجة دعمها لنظام الرئيس ولد عبد العزيز، واعتبرت أن اتفاق داكار كان خدعة هندستها المخابرات الفرنسية، وشنت المعارضة حملة كبيرة على فرنسا وسياستها الخارجية، فبيجل ولد حميد رئيس حزب الوئام، ومنسق أحزاب المعارضة ورئيسها الدوري سابقا تحامل على فرنسا واتهمها بالانحياز لصالح نظام الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز وذلك بقوله: “إن العلاقات الموريتانية الفرنسية لحد اللحظة هي علاقة استعمار… إن فرنسا جمعت ما بين دعم انقلاب ولد عبد العزيز ودعم ترشحه… واستمرت فرنسا التدخل في الشأن الداخلي لموريتانيا في جميع التغيرات السياسية بشكل مباشر أو غير مباشر”[26]، كما أن رئيس المعارضة ورئيس البرلمان آنذاك مسعود ولد بلخير اتهم ساركوزي بتدبير الانقلاب، وذلك بقوله[27]:”إن موقف فرنسا المؤيد للانقلاب والذي أيده ساركوزي نفسه… هذا يدفعني إلى القول إلا أننا نؤيد فرانكفونية لا تكون حكرا على فرنسا، لأن فرنسا ليس لها ما تقدمه لإفريقيا سوى العودة إلى فترة فوكار البائسة مع ما صحابها من انقلابات وإضرابات”*.
واصلت فرنسا دعمها لنظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز فبعد عدة أشهر من تنصيبه استفادت موريتانيا من توقيع اتفاق بين البلدين 4 آذار مارس 2010، باتفاق تمويل بقيمة 17.4 مليون أورو في إطار إستراتيجية تخفيض الديون للتنمية الموجهة إلى موريتانيا، والتزمت فرنسا بان دعمها سوف يكون أبعد من تقليص الديون، كما تعهدت أيضا بأن موريتانيا سوف تستفيد من كامل الدعم الذي تعهدت بهي فرنسا في الطاولة المستديرة للمانحين حول موريتانيا، والبالغ (40 مليون اورو)، وأعلن ميشل فانبورتير السفير الفرنسي في نواكشوط أن فرنسا ستقف بجانب موريتانيا وتنير لها الطريق وذلك بقوله: “لقد استطاعت موريتانيا أن تجتمع بجميع شركائها في التنمية لتحظى لديهم بالدعم المتميز… وفرنسا من جانبها ستأخذ كامل حصتها من هذا الدعم، وستواصل مرافقة موريتانيا مع الاحترام الكامل لسيادتها، والتشبث بالمبادئ التي ما فتأت تنير لها الطريق”[28].
وطال التعاون الفرنسي بشكل كبير الاهتمام بمكافحة الإرهاب، بعد الهجوم الذي استهدف السفارة الفرنسية في نواكشوط بتفجير انتحاري في سبتمبر 2009 ، حيث كانت موريتانيا في الآونة الأخيرة مصدرا كبيرا من المصادر المستهدفة من طرف تنظيم القاعدة، واضطر معها الجيش الموريتاني إلى القيام بعمليات استثنائية ناجحة في أدغال مالي بدعم فرنسي، واعتبرت فرنسا أن موريتانيا تشكل مركزا مهما في مكافحة الإرهاب في الساحل بعد المعارك المتكررة بين الجيش الموريتاني وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
اتهمت المعارضة النظام بالحرب بالوكالة عن فرنسا، وان نظام محمد ولد عبد العزيز أقحم موريتانيا في حرب غير مدروسة، وأن فرنسا أيضا بهمها الجانب الأمني الذي أصبح أولوية بالنسبة لها، فزيارة وزير الخارجية الفرنسي السابق آلين جوبيه لموريتانيا الذي نفى أدعا آت المعارضة وذلك بقوله: “إن ما تقوله المعارضة الموريتانية أن الجيش الموريتاني يخوض حربا بالوكالة عن فرنسا ضد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي غير صحيح، نتمنى أن تسمع المعارضة وأن تتقدم الإصلاحات، وتعزز الديمقراطية، نحن نثق بالسلطات الموريتانية، وقدرتها في السير في هذا التوجه..، وبخصوص الباقي فموريتانيا تدافع عن نفسها[29].
إن العودة إلى تاريخ العلاقات الموريتانية الفرنسية وتتبع مسار ها عبر الأنظمة المتعاقبة منذ استقلال موريتانيا والي اليوم، يمكن أن نسجل أن لفرنسا مصالح دائمة في موريتانيا لا ترتبط بشخص أو بنظام؛ ففرنسا لا تتدخل في موريتانيا إلا عند ما تكون مصالحها مهدده،فمثلا رغم العلاقة المتميزة بين الرئيس الموريتاني السابق المختار ولد داداه وفرنسا التي كانت سندا أساسيا له في حرب الصحراء الغربية آنذاك، ونتيجة لطول الحرب دون حسم جعل فرنسا تبحث عن شريك يكون أقل كلفة، فهيأت الظروف للإطاحة بنظامه يقول الرئيس الموريتاني السابق المختار ولد داداه عن أسباب إزاحته عن السلطة، “لا يمكننني الاقتناع بأن الإعداد للانقلاب وتنفيذه قد تما دون علم فرنسا… لقد استنتجت أنها كانت ضالعة فيه عن طريق الإهمال، إذ لم تحدثني عن شيء بهذا الخصوص، لقد كانت تعلم ولكنها تركت الأمور تسير دون أن تحذرني، إن إقصائي عن الحكم سيتيح لفرنسا فرصة سانحة للتخلي عن الالتزام الصحراوي”[30].
كما أن فرنسا هي التي أزاحت الرئيس السابق محمد خونه ولد هيداله بفعل دخوله ضمن ما تسميه باريس محور (الجزائر، باماكو، نواكشوط) والتي كانت غير راضيه عن هذا التوجه، حيث أشرف شخصيا الجنرال لاكاز الضابط في الاستخبارات الفرنسية مع معاويه ولد الطايع على رسم خيوط الانقلاب للإطاحة بالرئيس الموريتاني السابق محمد خونه ولد هيداله، فالرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران هو الذي أقنع ولد هيداله بحضوره مؤتمر القمة الإفريقية الفرنسية في بوجمبورا عاصمة بوروندي سنة 1984م، وما إن وصلها ولد هيداله حتى انقلب عليه معاوية ولد الطايع[31].
وساهمت أيضا بشكل غير مباشر للإطاحة بنظام الرئيس السابق معاوية ولد الطائع نتيجة التقارب الملحوظ بين الأخير والولايات المتحدة الأمريكية،وتوسيع مجا لات التعاون الاقتصادي وخصوصا في مجال التنقيب عن النفط حيث تم الترخيص للشركات الأمريكية المنقبة عن البترول في السواحل الموريتانية، وحين تم التأكد من وجود البترول في السواحل الموريتانية، كان ذلك هو القشة التي قصمت ظهر البعير، لتلك الأسباب بدأت فرنسا بالتفكير بشكل جدي في إزاحة ولد الطائع والبحث عن شريك جديد يكون أكثر استجابة للأوامر الفرنسية[32]، وعندما أطيح بنظام ولد الطائع في الثالث من أغسطس 2005 على عكس الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي لم تشجب فرنسا الانقلاب ، في رسالة واضحة للحكام الموريتانيين مفادها أن فرنسا لا تقبل سلطة لا تعترف بالمكانة الفرنسية في موريتانيا.
صفوة القول أنه لا يمكن لأي باحث يحترم نفسه أن ينكر أهمية الدعم المالي الفرنسي المقدم لموريتانيا، وأيضا الدور الفرنسي في الضغط على النظام الموريتاني بالتوجه إلى عملية التحول الديمقراطي ، لكنه في جانب آخر يمكن التأكيد على أنه في محطات تاريخية عديدة يكون هذا الضغط تحت لثام مؤيد ومعيق في آن واحد ، ذلك نتيجة لطابع الانتقائية وتغليب خيار المصالح الذاتية في سياسة فرنسا اتجاه الأنظمة الموريتانية المتعاقبة، مما يعني أنه لا ترتبط متانة العلاقة الفرنسية الموريتانية بنظام سياسي معين، ففرنسا تقبل بالانفراج الحميد والممتاز أحيانا في العلاقات الثنائية، لكنها لا تقبل بأن تخرج السلطة الحاكمة في موريتانيا عن قبضتها ، فكلما كان النظام القائم في جانب مصالحها تعمل فرنسا بدعمه، ولو تطلب الأمر التغاضي عن ملف الديمقراطية وحقوق الإنسان، وعندما يكون العمل بالعكس تحد من حجم المساعدات والقروض الموجهة إليه، وقد ينتهي الأمر بتدبير انقلاب على هرم السلطة كما رأينا في الحالات السابقة.
[1]– محمد العربي المساري، المغرب ومحيطه الدولي ، مطبعة المناهل، شركة توب للاستثمار والخدمات – الرباط ، 1989 ، الطبعة الأولى، ص 144
[2]– Roussi llan, Henry les nouvelles constitutions africaines, la transition démocratique- Toulouse, presses de L’Iep de Toulouse, 1993 p p 152
* بعد فشل المحاولة الانقلابية تم اعتقال عشرات الزنوج على خلفية الانقلاب الفاشل ثم أعدم ثلاث منهم على الأقل ، وفي عام 1990 وقعت تصفيات خارج المحاكم لضباط من الزنوج ادعت حركة “أفلام” الزنجية أن عددهم 500 ضابط ، وتم طرد مجموعة من الزنوج قالت الحكومة الموريتانية أنهم من أصول سنغالية ، وأغلبهم من قبيلة “بولار” ، وأصبحت هذه القضية تعرف محليا بقضايا انتهاك حقوق الإنسان . انظر جريدة الأخبار ، صال إبراهيما الزنوج في موريتانيا، صراع الماضي وآمال التسوية، العدد 833، الصادر بتاريخ :11/02/2007، ص:8.
[3]-جهاد عودة، إسرائيل و العلاقات مع العالم الإسلامي، مصر المحروسة، القاهرة، يناير 2005، الطبعة الأولى، ص:47.
[4] – د. بتار ولد إسلك: المشروطية السياسية و أثرها على عملية التحول الديمقراطي في المغرب العربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية، السنة الجامعية:2006-2007، ص:198.
[5] – ذ/ عبد الرزاق (وآخرون) مشكلة الحدود بين موريتانيا والسنغال، دراسة في تاريخ إفريقيا الحديث والمعاصر، معهد البحوث والدراسات الإفريقية، القاهرة 1997، الطبعة الأولى، ص:201.
[6] – أبو بكر ولد دحود: الخطاب السياسي والتربوي للرئيس معاوية ولد الطائع، المطبعة الوطنية،انواكشوط أكتوبر 2001، الطبعة الأولى، ص: 116.
[7] – حميد ولد أحمد طالب، العلاقات الموريتانية الفرنسية، رسالة لنيل دبلوم عالي في العلوم السياسية ، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة ، السنة الجامعية 1993-1994، ص:53.
[8] – انظر المصطفى ولد أحمد ديدة: تجربة الديمقراطية في موريتانيا، بحث لنيل شهادة الماجستير، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، السنة الجامعية 1993-1994، ص:185.
[9] – حميد ولد أحمد طالب، مرجع سابق، ص:57.
[10] – أبو بكر ولد دحود، مرجع سبق ذكره، ص:116.
[11] – ذ/ السيد عوض عثمان وآخرون: تجربة التحول الديمقراطي المقيد في موريتانيا، التحول الديمقراطي في دول المغرب العربي، مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية، الأهرام، القاهرة 2004، الطبعة الأولى، ص: 275.
[12] – jeuneAfrique ، مقابلة أجراها أحمد ولد داداه منسق أحزاب المعارضة 09/6/1993,pp.76, N°109.
[13] – محسن عوض وآخرون: الديمقراطية وحقوق الإنسان، المؤتمر القومي العربي، مايو 2001، بيروت مركز دراسات الوحدة العربية،الطبعة الأولى، ص:118.
[14] – المستقبل العربي ، محمدو ولد محمد: موريتانيا مساعي التأسيس عهد جديد “الأحزاب السياسية في موريتانيا”، العدد: 319، سبتمبر 2005 ، ص:62.
* بعد الإطاحة بنظام معاوية ولد الطايع أعلن المجلس العسكري عن التحضير لمرحلة انتقالية مدتها سنتان ، وقد تم خلال تلك الفترة انطلاقة ما يسمى بالمسلسل الديمقراطي ، ومن أهم مخرجاته مراجعة الدستور ، وإجراء انتخابات رئاسية لا يكون أعضاء المجلس العسكري طرفا فيها ، وفعلا اختتم المسار الديمقراطي بانتخابات رئاسية سنة 2007 تمثلت نتائجها في شوطين ، فاز على إثرها الرئيس السابق سيد محمد ولد الشيخ عبد الله ، وقد أخذت تلك الانتخابات شكلا متميزا من حيث نزاهتها والذي ترجمه الإجماع الذي شمله تقارير المراقبين الدوليين. للمزيد حول هذا الموضوع يمكن الرجوع إلى مجلة المستقبل العربي ، تقرير منصف المرزوقي وعبد الوهاب معطر ، الانتخابات الرئاسية الموريتانية 2007 في تقييم اللجنة العربية لحقوق الإنسان ، العدد 399 الصادرة بتاريخ مايو 2007 ص 77. وما بعدها.
[15] – جريدة العلم، للرجوع إلى النص الكامل لخطاب الرئيس الموريتاني السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله يوم تنصيبه رئيسا للجمهورية، العدد 540، 03 يوليو 2008، ص:4.
[16]– أنظر د. بتار ولد إسلك، دراسة التعاون الدولي في ضوء المساعدات والقروض الدولية وأثرها على عملية التحول الديمقراطي في موريتانيا، أطروحة لنيل الدكتوراه، جامعة محمد الخامس ، الرباط، السنة الجامعية 2013-2014،ص ص306-319.
[17]-بتار ولد اسلك : نفس المرجع السابق.
* بعد سنة من حكم الرئيس السابق سيد محمد ولد الشيخ عبد الله ظهرت في الأفق بوادر أزمة خطيرة نشبت بين الرئيس، والجنرال في لقوات المسلحة آنذاك محمد ولد عبد العزيز بعد الإعلان عن تشكله وزارية لم يرضى عنها هذا الأخير ، وفي إطار تصاعد الأزمة بينهما أعلن الرئيس السابق سيد محمد ولد الشيخ عبد الله عن قرار رئاسي تضمن تجريد أربع جنرالات من مناصبهم وإحالتهم إلى التقاعد ، من بينهم الجنرال محمد ولد عبد العزيز ، وكانت ردت فعل الجنرالات عنيفة ذالك بإعلانهم عن انقلاب عسكري يوم 06 أغسطس 2008 والإطاحة بنظام الحكم القائم.
* اتفاقية كوتونو هي التي حلت محل اتفاقية لومى ابتداء من سنة 2000 وتمتد لمدة 20 عاما من سنة 2000 – 2020 ، وتم التوقيع عليها في 23 يونيو 2000 في كوتونو بين دول الاتحاد الأوروبي ال 15 ، ودول الكاريبي والمحيط الهادي و 14 دولة من الباسفيك إضافة إلى عدد آخر من دول ما يعرف بإقليم ما وراء البحار، أي ما مجموعها 71 دولة. للمزيد حول هذا الموضوع يمكن الرجوع إلى عبد الفتاح فرج : الاتحاد الأوروبي ودعم التنمية الإفريقية في ظل اتفاقية كوتونو، مبادرة (NEPADE) وتنمية إفريقيا ، جامعة القاهرة ، كلية العلوم الاقتصادية والسياسية 2002 الطبعة ( ) ص 18 – 25.
[18] -بتار ولد اسلك ، فقرة من خطاب الرئيس الفرنسي ساركوزي 27/08/2008 أمام المؤتمر السادس عشر للسفراء الفرنسيين، مرجع سبق ذكره.
[19] – انظر الشرق الأوسط، 7 أغسطس 2008، العدد: 10845، ص 9.
[20] – للمزيد عن أزمة انقلاب 2008 يمكن الرجوع إلى جريدة الأمل الجديد، برنار فيسار ديفوكو: أسرار وكواليس اللقاءات الفرنسية الموريتانية خلال أزمة الانقلاب، “موريتانيا من الانقلاب إلى الانتخاب”، سلسلة مقالات من العدد: 695-701، بتاريخ: 03/09/2009، تعريب ( وكالة الطوارئ).
[21] – تقرير اللجنة العربية لحقوق الإنسان موريتانيا رئاسيات 2009، تحرير فيلييت داغير،الصادر بتاريخ 8/8/ 2009 . متوفر على الرابط التالي www.achr.nu/art699.htm. تاريخ زيارة الموقع29/10/2017
[22] – برنار فيسار ديفيكو: المرجع السابق، ص:7.
- – حوض تاودني يمر من عمق الحدود الموريتانية ويمتد من الحدود الجزائرية الموريتانية إلى الحدود الموريتانية المالية هذا الحوض حسب الدراسات يحوي علي وجود مؤشرات لوجود الغاز، كما توصلت الدراسات إلى مؤشرات إيجابية عن وجود البترول، ويحتل حوض تاودني أكثر من نصف مساحة موريتانيا.
[23] – بتار ولد اسلك مرجع سبق ذكره ،ص 326.
[24] – برنار فيسار ديفيكو مرجع سابق
* اتفقت الأقطاب السياسية الموريتانية على تجاوز أزمة الانقلاب الذي وقع في 6 أغسطس 2008 ، و من أهم المحاور التي تم عليها الإنفاق ، مرحلة انتقالية تتم بشكل توافقي ، وكذالك حول الجدول الزمني للانتخابات الرئاسية. وقد تم التوقيع على اتفاق دكار بالأحرف الأولى في دكار يوم 02 يونيو 2009 ، كما تم التوقيع عليه بشكل نهائي في انواكشوط 03 يونيو 2009 تحت رعاية الرئيس السنغالي الأسبق عبد الله واد ، وقد دخل حيز التنفيذ فور التوقيع عليه. أنظر الشرق الأوسط، للرجوع للنص الكامل لاتفاق داكار لحل الأزمة السياسية الموريتانية العدد 11154 ، الصادر بتاريخ يونيو 2009.
[25] – الأمل الجديد، رد رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز على أسئلة المواطنين خلال برنامج مباشر ، العدد: 919 بتاريخ: 08/08/2010، ص:4.
[26] – ندوة نظمتها أحزاب المعارضة الديمقراطية في موريتانيا تحت عنوان: “العلاقات الموريتانية الفرنسية” يوم 12/07/2010.
[27] – نفس المرجع السابق.
* – جاك فوكار عمل أمينا عاما لقصر الأليزية مكلفا بالعلاقات مع إفريقيا ومدغشقر بين الفترة 1960-1974 وكان له أبزر الأثر في نشوء مؤسسة (فرنسا فريك) التي تتهم بدعم الانقلابات في إفريقيا ويرجع لها الفضل في علاقات فرنسا بنخب استبدادية في القارة السمراء.
[28] – جريدة الحرية،للرجوع إلى النص الكامل لكلمة السفير الفرنسي في انواكشوط ميشيل فاندرو بورتير، بمناسبة احتفال فرنسا بذكرى الرابع عشر يوليو ، العدد: 904، بتاريخ: 18/07/2010، ص:5.
[29] -الأمل الجديد، تصريح وزير الخارجية الفرنسي آلين جوبيه يوم 11/07/2011، خلال زيارته لموريتانيا، العدد 903، ص 3.
[30] – Voir, Mokhtar ould Daddah, la Mauritanie contre vents et marées (KARTHAL) France. Edition 1oct, 2003, pp.202.
[31] – انظر: ، مجلة حوار العرب، ميلود أعيش: الانقلاب الأخير ومحدودية التغيير في موريتانيا ، العدد 10/ سبتمبر أيلول 2005 ، ص:81.
[32] – للمزيد حول هذا الموضوع يمكن الرجوع إلى، مجلة النور، سيد محمد ولد سيد باب ،السياسة في موريتانيا بعد آب أغسطس 2006 ، العدد 174، مايو 2006، ص: 80-87.