
الدولـــة – دراسـة نظريـة_
بلعوجة حسينة : طالبة دكتوراه جامعة ابو بكر بلقايد- تلمسان / الجزائر.
اسماعيل توزالة: طالب باحث، جامعة ابو بكر بلقايد – تلمسان / الجزائر.
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات السياسية والعلاقات الدولية العدد 14 الصفحة 55.
الملخص:لقد ظلت البشرية تعيش عصرا طويلا على شكل تجمعات إنسانية تفتقر إلى سلطة مركزية تنظم شؤونها العامة، و مع تطور العمليات الاقتصادية و الاجتماعية في المجتمع ظهرت مثل هذه السلطة لتقوم بإدارتها ألا و هي الدولة. حيث تعتبر من المواضيع التي لا تزال تلقى اهتماما كبيرا من قبل المفكرين و القادة السياسيين، و شغلت بصفة عامة و أصل نشأتها و تكوينها بصفة خاصة حيزا كبيرا من الفكر الإنساني قديما وحديثا، لأنه يعد من الأمور العسيرة حيث اختلف علماء القانون و الاجتماع و التاريخ و السياسة و الفلسفة و غيرهم حول ذلك، وترتب عن هذا الاختلاف ظهور العديد من الأفكار و النظريات التي وضعت لتفسير هذه النشأة، ذلك أن الدولة ظاهرة اجتماعية يرجع أصلها إلى الحضارات القديمة و هي تتفاعل في تطورها مع الأوضاع السياسية ، الاقتصادية و الاجتماعية السائدة.
و نرمي من خلال هذا المقال إلى تسليط الضوء على موضوع الدولة من الناحية النظرية بالتطرق إلى مفهومها و خصائصها و كيفية تطورها و نشأتها عبر مختلف النظريات التي جاءت في هذا الصدد مع ابراز دورها في مختلف جوانب الحياة.
الكلمات المفتاحية: الدولة – خصائص – نظريات-
المقدمة
احتلت الدولة مكانة هامة في الفكر الإنساني قديما وحديثا، مما يعني حضورها القوي في الحياة الإنسانية الذي تجسده جملة من المفارقات، فهي تبدو كما لو كانت تعبيرا عن حاجة طبيعية في الانسان، وتبدو من جهة أخرى كيانا مصطنعا ، ومجرد وسيلة لغاية أعلى منها. كما تبدو الدولة أعظم إبداع إنساني تتجلى من خلاله القدرة على التنظيم العقلاني والقصدي والإرادي لحياة الإنسانية لتصبح عنوانا للحرية، وهي من جهة أخرى مقيتة إذ تقضي على جميع مظاهر الحياة الإنسانية الفردية تحول الفرد إلى آلة أو عبد يتصرف بمقتضى قوانين لا دخل له فيها .
كما تظهر الدولة أحيانا أمرا واضحا ومعطى مباشرا نقبلها إلى حد البداهة ، وتظهر أحيانا أخرى ملتبسة، غامضة، معقدة، متداخلة حتى أن تعريفها يبدو مهمة شبه مستحيلة. و من هنا نطرح التساؤل التالي:
ما معنى الدولة ؟ و ما أصل نشأتها؟ و ما هي العوامل التي أدت إلى ذلك؟
- ماهية الدولة
لقد ظلت البشرية تعيش عصرا طويلا على شكل تجمعات انسانية تفتقر إلى سلطة مركزية تنظم شؤونها العامة، و مع تطور العمليات الاقتصادية و الاجتماعية في المجتمع ظهرت مثل هذه السلطة لتقوم بإدارتها و” إن أول أشكال الدول ظهرت في وادي الرافدين و وادي النيل و اليونان”[1] ،و بالرغم من أنه كانت بعض الاهتمامات بموضوع الدولة في الحضارات القديمة إلا أن ذلك الاهتمام لم يحدد و يوضح مفهومها كما هو اليوم.
- مفهوم الدولـــة:
1- 1-1 تعريف الدولة:
لقد تعددت تعاريف الدولة نظرا للاهتمامات التي يوليها علماء العلوم الاجتماعية بمختلف تخصصاتهم لموضوع الدولة، حيث اختلفت تبعا لتلك الاهتمامات، فقد عرفها السويسري “بلنتشي” في كتابه النظرية العامة للدولة بأنها “جماعة مستقلة من الأفراد يعيشون بصفة مستمرة على أرض معينة بينهم طبقة حاكمو و أخرى محكومة”[2]. كما عرفها غارنر: ” الدولة كمفهوم في علم السياسة و القانون العام، هي مجموعة من الناس يزيدون أو يقلون عددا، و يشغلون بصفة دائمة قطعة محددة من الأرض و يكونون مستقلين تماما أو تقريبا من السيطرة الخارجية و لهم حكومة منظمة تدين لها هيبة المواطنين بالطاعة المعتادة[3] .أما في نظر ماكس فيبر تعد الدولة تنظيما عقليا، يوفر القيادة الرشيدة التي تسعى إلى استخدام القهر لتحقيق أغراضها، كما يعرفها بانها مشروع سياسي ذو طابع مؤسساتي تطالب قيادته الادارية بالنجاح، و في تطبيقها للأنظمة، باحتكار الاكراه أو القهر البدني المشروع ذو الصفة الشرعية”[4]
و قد عرفها الدكتور عبد الحميد متولي في كتابه الأنظمة السياسية و القانون الدستوري بأنها ذلك الشخص المعنوي الذي يمثل أمة تقطن أرضا معينة و الذي بيده السلطة العامة أو كما يسمونها السيادة[5]
و يعرفها الرئيس الأمريكي الأسبق ويلسن في 1918 بأنها شعب منظم خاضع للقانون يقطن أرضا معينة[6].
و من خلال هذه التعاريف المختلفة نستخلص تعريفا شاملا للدولة على أنها مجموعة من الأفراد تقيم على وجه الاستقرار في إقليم معين، و تخضع لسلطة منظمة تسمى الحكومة تتولى المحافظة على كيان هؤلاء الأفراد و تدير شؤونهم و مصالحهم العامة.
1-1-2- عناصر الدولـــــة ( أركانها):
رغم اختلاف التعاريف لمفهوم الدولة إلا أن هنالك إجماع فيها على أركان تقوم عليها، و هي وجود مجموعة من الأشخاص ( شعب)، ثم الرقعة التي يقطن عليها أولئك الأشخاص ( الإقليم)، و الأخير يتمثل في السلطة أو الهيئة التي تدير و تنظم شؤون الشعب على مستوى ذلك الإقليم، و تسعى الحكومة من خلال تمتعها بالسيادة عليه ممارسة سلطتها و نفوذها على من يقيم عليه.
أولا: الشعـــــــــب ( مجموعة من الأفراد):
يعتبر العنصر الأول الذي يجب أن يتوافر في الدولة هو عنصر الشعب[7]،و يضم أفراد الدولة التي ينتمون إليها و يحملون جنسيتها سواء يقيمون على أراضيها أو لا يقيمون عليها،و لكي يستطيع هؤلاء الأفراد التعايش عادة ما تجمع بينهم صفات عامة مشتركة يحققون من خلالها درجة معينة من الانسجام و هذا يوفر الرغبة عندهم في ذلك، و تلك الرغبة تأتي من عدة عوامل متفرقة كالتجاور، التشابه في العادات و التقاليد، الاشتراك في الطموحات، وحدة الأصل، الدين ، اللغة…إلخ، و هذا لا يعني بتاتا توافر كل هذه العوامل معا، مثلا: ليس حتميا أن ينتمي كل شعب الدولة إلى نفس الجنس فدول كثيرة في العالم تتميزبتعدد أجناس شعوبها،فمن الطبيعي أن يكون انتماؤهم إلى ثقافة واحدة و أصل واحد عاملا فعالا في قوة الدولة، أما من ناحية عدد هؤلاء الأفراد فليس محددا و لا يشترط تعيينه سواء زاد أم نقص حجمهم، لأن هذا مرتبط بالظروف المتاحة لكل دولة. و في هذا الصدد هنالك تداخل بين مفاهيم الأمة و الشعب و السكان حيث أن البعض يستخدمها كمترادفات فأصبحت ذات مدلول واحد بسبب شكلها العام، لذا يجب الإشارة إلى إلى ابراز الاختلافات بينها:
فالأمة هي مجموعة من الأفراد تربط بينهم روابط معنوية كالأصل، الدين، اللغة أي الثقافة المشتركة كما يربط بينهم تاريخ و تراث اجتماعي يتمثل في العادات و التقاليد[8] ،أما الشعب فهو مجموعة من من الأفراد ينتمون إلى الدولة بعلاقة قانونية، حيث يعتبر القانون الدولي الخاص هذه العلاقة هي الجنسية، و منه و بتعبير أوضح: ” كل من يتمتع بجنسية الدولة هو من شعب الدولة[9]“.
أما سياسيا، فإن الشعب كلمة تخص كل أولئك الذين لا يملكون القوة و هم خارج السلطة أي عامة الشعب.
أما بشأن مصطلح السكان فقد شاع استعماله كمرادف لكلمة شعب و لكن في الحقيقة هذان اللفظان غير مترادفان و لا يتفقان في تعريفهما اتفاقا كاملا،حيث لوحظ من طرف البعض أن الأول أوسع في مضمونه من الثاني،حيث يشمل السكان المواطنين و الأجانب الذين يعيشون على أرض الدولة ( إقليم الدولة) سواء كانوا بصفة دائمة أو شبه دائمة و لا يدخل فيها الزوار كالسياح. في حين ينصرف المصطلح الشعب إلى الأفراد الذين يتمتعون بجنسيتها.
إن استخدام هذه المصطلحات أمة، شعب ، سكان، و أيضا دولة من الناحية الشكلية و المفهوماتية بنفس المعنى أو المضمون يؤدي إلى الخلط و الغموض، مما يصعب الوصول إلى الرأي العلمي الذي يتطلب تحديد المفاهيم بدقة و وضوح. و في إطار تجنب هذا الخلط الناجم يحاول العديد من الكتاب الابتعاد عنه مستخدمين كلمة ” مواطنين” باعتباره أسلم المفاهيم التي يمكن أن تعبر عن العنصر الانساني في الدولة، حيث يعطى لهذا المصطلح في مفهومه بعدا سياسيا كبيرا لتعبيره عن مدى عمق علاقة الفرد بوطنه، و هذا ما يعرف بالمواطنة النابعة عن علاقة الانتماء المادي و المعنوي للمواطن بكامل نظمه السياسية و الاجتماعية، مما يجعل الفرد على استعداد لكي يضحي من أجل وطنه بأي شئ.
ثانيا: الإقليــــــــــــــم:
إن كل دولة تقوم على جزء محدد من سطح الكرة الأرضية أين تمارس اختصاصات و سلطات فوق كل الأشخاص و الأشياء التي تقع أو توجد على هذا الجزء من الكرة الأرضية و المسمى عادة بإقليم الدولة. و منه فالإقليم هو تلك المساحة من الأراضي التي يعيش عليها شعب الدولة و يستمر عليها و يمارس نشاطاته فوقها بشكل دائم لكي يمكن قيام الدولة، حيث أن هذه الأخيرة تمارس عليه سلطتها و سيادتها مانحا إياها صفة الثبات و الاستقرار الذي يعد من أهم العوامل التي ساعدت في تكوين الأمم، و ساعدت على بالتالي على تكوين الدول و منه يمنع على الدولة أن تتعدى مجال الإقليم.
و بالتالي نستخلص أنه يجب أن يكون لدى الدولة إقليم معين و ثابت و محدد بحدود واضحة المعالم، و من هنا يجب أن نوضح أن الدولة تمارس سيادتها على إقليمها الذي يشمل العناصر التالية:
- الإقليم الأرضي:
و يقصد به المساحة الأرضية التي تبسط عليه الدولة سلطتها، و يشمل الأجزاء التي تقوم عليها من السطح اليابس في الكرة الأرضية و كل ما يقع تحت هذا السطح إلى ما لا نهاية، و يتضمن سطح الأرض و ما عليه من سهول، وديان، سلاسل جبلية و أنهار، هضاب و بحار …إلخ، و كل ما ينتج عن ذلك من ثروات و كذلك باطن الأرض و ما يحتويه من ثروات معدنية مختلفة، كما أنه ليس هنالك تحديد لمساحة الإقليم الذي تقام عليه الدولة، فقد يكون واسعا أو ضيقا محدود المساحة، و هذا لا يؤثر أبدا على شخصية الدولة.
كما لا يشترط اتصال الإقليم في أجزائه، فيمكن أن يكون منفصل الأجزاء و هذا حسب ظروف كل دولة، فهناك دول تتكون من مجموعة من الجزر و يكون لإقليم كل دولة حدودا فاصلة عن اقليم الدول المجاورة له تبين حدود سيادة الدولة صاحبة الإقليم و هذا في شكل حدود طبيعية كالجبال أو البحار أو الأنهار أو غير طبيعية بالنسبة للدول التي لا تفصلها حدود طبيعية، فتلجأ إلى وضع علامات خاصة كالأعمدة أو الأبنية أو الأسلاك الشائكة…إلخ و إما تكوم حسابية مثل خطوط العرض أو الطول، شرط أن تقوم سلطتا الإقليمين المشتركين في تلك الحدود بتثبيت ذلك في اتفاقية يتم التوقيع عليها من طرفهما.
- الإقليم المـــائي:
و يقصد به المياه الإقليمية للدولة، أي كل المسطحات المائية المرتبطة بالإقليم الأرضي إما داخليا كالأنهار و البحيرات و كذا البحار الداخلية و إما ملامسة لحدود هذا الإقليم كالبحار و المحيطات و الخلجان، و يسمى هذا بالبحر الإقليمي حيث تقوم فكرته على أساس أن سواحل الدولة تمثل الحدود البحرية لها، حيث استقر العرف الدولي على خضوع المياه الإقليمية لسيادة الدولة مانحا إياها القانون الحق في الدفاع عن هذه الحدود المفتوحة و عن شواطئها و تأمينها من أي خطر،كما حدد لها القانون أيضا المساحة التي تدخل ضمن إطار إقليمها معبرا عنها بالميل البحري، إلا أنه لم تتفق الآراء بعد حول تحديدها نظرا للاختلاف الناجم عن فقهاء القانون الدولي حول هذا الأمر،” و لكن المستقر عليه عرفا الآن أن عرض البحر الإقليمي يجب أن لا يزيد عن اثني عشر (12) ميلا بحريا”[10]
جـ- الإقليم الجـــــــوي:
و يشمل ذلك الجزء الذي يعلو إقليمي الدولة البري و البحري من هواء و فضاء، و حسب النظرية التقليدية في سيادة الدولة على إقليمها الجوي و الفضائي فإنه يمتد من أعلى إلى ما لا نهاية، إلا أنه بعد تقدم العلم و ظهور الاكتشافات الفضائية تقلصت بشدة هذه النظرية، حيث أصبحت السفن تقوم باجتياز الفضائيات العليا لعدد كبير من الدول دون الحاجة إلى الحصول على إذن أو تصريح من هذه الدول التي تم اجتياز الأعلى فوق إقليمها، إضافة إلى غزو الفضاء بأقمار صناعية لا حصر لها لأغراض متعددة، و البث الإذاعي و التلفزيوني الذي أصبح يخترق طبقات الهواء و الفضاء التابعة لكل دول العالم دون إذنها و موافقتها.
إلا أنه يحق لكل دولة بممارسة سلطتها على ما يفع فوق إقليمها من طبقات الجو و تنظيم المرور فيها وفقا لمصالحها و متطلبات سلامتها و أمنها و في إطار تبادل المصالح، و هذا بعد ابرام اتفاقيات بين هذه الدول.
و منه يظهر أن مبدأ السيادة الكاملة و الانفرادية للدولة على طبقات الهواء و الفضاء أصبح نظرا بما لا يوائم أبدا أوضاع التقدم العلمي الحديث.
و في الأخير نستخلص أن حق سيادة الدولة على إقليمها يرتبط بحقها بالانتفاع من كل الثروات و المعادن المتواجدة على مستواه، سواء على سطح الأرض ( اليابس) أو في باطنها أو في مياهها الإقليمية بموجب أنها ضمن إطار حدودها.
1-1-3 -السلطــــــــــــــــــــــــــــة:
لكي تقوم الدولة لا بد من وجود سلطة سياسية ذات سيادة أو ما يعرف بالحكومــــــــة،و بدون هذا الركن لا يمكن اعتيار وجود الدولة، فالسلطة هي هيئة حاكمة تتولى تنظيم شؤون الأفراد و حفظ الأمن في الدولة و حمايتها من الأخطار، كما تعمل على تحقيق الأهداف المشتركة عن طريق التوجيه و الإشراف و وضع السياسات ، كما تعمل على إقامة مؤسسات و تنظيمات و تشريعات و قوانين و تنظيم العلاقات بين الأفراد في إطار الدولة، و استغلال مواردها لمصلحة كل المواطنين و حمايتهم من كل عدوان خارجي، و هذا كله بهدف ضمان استمرارية الدولة.
تعتبر السلطة العنصر الهام الذي يميز الدولة كتجمع بشري عن سائر التجمعات البشرية الأخرى، “إلا أن ما لا نتفق معه هو الخلط الواضح بين مفهومي السلطة و الهيئة الحاكمة أو الحكومة، حيث يذهب أولئك الكتاب إلى أن الهيئة الحاكمة هي التي تمارس السلطة على أفراد الشعب في الدولة المستقلة ذات السيادة، و الأمر الصحيح هو أن السلطة للشعب، كل الشعب لا لهيئة حاكمة تكون نائبة عنه و تمارس السلطة باسمه”[11]
أما بخصوص خضوع أفراد الشعب للسلطة و طاعة أوامرها فلا يمكن أن يكون دائما مصدر الخوف من القوة المادية، “فحقيقة السلطة أنها تكمن في رضا المحكومين أكثر من كونها تكمن في إرادة الحاكمين”[12]، أي بمفهوم أوضح و أحدث هو أن السلطة ملك للدولة و ليست ملكا للحاكمين، فهؤلاء يقومون فقط بتمثيلها و ممارستها و تظل مستمرة هكذا إلى آن زوالهم، و بالتالي لا زوال للسلطة في هذه الحالة،فسلطة الدولة تسود و تسيطر دون خضوعها لأية سلطة أخرى تعلوها سواء في داخل السلطة أو خارجها. و من هنا يبرز أن لسيادة الدولة مظهران داخلي و خارجي، فالداخلي يتمثل في امكن الجهاز القائم على أمور السلطة في الدولة على إصدار الأوامر على كل من يقيم على مستوى إقليمها و هذا يتطلب توفر قوة مادية لتنفيذ تلك الأوامر و التي لا تتوفر داخل الدولة لأي فرد أو جماعة.
أما المظهر الخارجي للسيادة يتجسد من خلال تبادل العلاقات مع الدول الأخرى و القيام بمجمل الأنشطة المتعارف عليها على الصعيد الدولي، و ذلك دون التأثير على على خضوع الدولة لتوجيهات منظمة دولية أو إقليمية تنتسب إليها الدولة كعضو طالما أن هذه التوجيهات متفق عليها.
كما أن وجود السلطة و تنظيم حرية الأفراد لا يتعارضان، لأن التمتع بالحرية و ممارستها بحق لا يتم إلا في مجتمع منظم لكي لا يحدث تجاوز في ممارستها يحول دون ممارسة باقي أفراد المجتمع لحرياتهم.
1-2-خصائص الدولة:
للدولة خاصيتان أساسيتان هما:
1-2-1- السيادة:
و تعني سلطان الدولة على الإقلیم الذي تقوم علیه ، بكل ما یحویه من أشخاص وأموال ، یجعلها هذا السلطان تواجه الدول الأخرى ، وتعد كل دولة ، من الناحیة النظریة ذات سیادة مساویة لأیة دولة أخرى من وجهة نظر القانون الدولي، و يصف بعض المتخصصون المعاصرون بأن سيادة الدولة مقيدة و ليست مطلقة، حيث أنها مقيدة باحترام الحقوق والحریات العامة وسیادة القانون في الداخل ، ومراعاة حقوق ومصالح الدول الأخرى والتقید بالالتزامات والمعاهدات الدولیة في الخارج. و باعتبار سيادة الدولة السلطة العليا فيها، فإن لها عدة مظاهر أبرزها[13] :
أولا: السیادة القانونیة :
صاحب السیادة القانونیة هو الشخص أو الهیئة التي یخولها القانون سلطة ممارسة السیادة، أي سلطة إصدار الأوامر النهائیة في الدولة ، بمعنى الجهة التي لها الحق في اتخاذ القرارات وإ صدار القوانین ، في حین أن هناك جهاز أو أجهزة تختص بتنفیذ تلك القوانین ، والدستور في الدولة یحدد ذلك.
ثانيا: السیادة السیاسیة :
وتعني مجموعة القوى التي تكفل تنفیذ القانون ، وهي الشعب حسب ما یجري في الدول التي تتبع الدیمقراطیة التقلیدية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن العلاقة بین السیادة القانونیة والسیادة السیاسیة ، في ظل النظام الجماهیري ، هي علاقة تطابق ، حیث أن السلطة للشعب والسیادة للشعب ، أي أن الشعب هو الذي یسن القوانین والتشریعات
من خلال اتخاذ القرارات في مؤتمراته الشعبیة ، والشعب هو الذي یكلف عن طریق التصعید الحر المباشر، الهیئات التي تختص بالتنفیذ ، وبذلك تكون السیادة واحدة ، حیث أن سیادة الشعب لا تتجزأ.
ثالثا:السیادة الداخلیة :
وتعني أن سلطة الدولة على كل سكان إقلیمها وكل الهیئات و المنظمات التي ینشئونها ، سلطة علیا ، لا تعلو علیها ولا توازیها ولا تنافسها أیة سلطة أخرى ، في تنظیم شئون إقلیمها.
رابعا: السیادة الخارجیة :
ویقصد بها عدم خضوع الدولة لأیة دولة أو سلطة أجنبیة ، بمعني إنها تتمتع بالاستقلال التام عن أیة تبعیة ، أي أن الدول ذوات السیادة تكون متساویة أمام القانون الدولي والهیئات والمنظمات الدولیة ، ویكو ن التعامل بین الدول على قدم المساواة من حیث التمتع بالحقوق والقیام بالالتزامات الدولیة ،و إ ذا ما تمتعت الدولة بهذه السمات ، فإنها تكون دولة كاملة السیادة ، أما إذا فقدت سمة أو أكثر منها ، فإنها توصف بأنها دولة ناقصة السیادة ، مثل خضوعها لعلاقة تبعیة مع دولة أخر ى ، كالدول المحمیة أو الدول الواقعة تحت الانتداب أو الوصایة.
1-2-2- الشخصية القانونية:
إن تمتع الدولة بالشخصیة القانونیة يعني القدرة على اكتساب الحقوق والالتزام بالواجبات من خلال التعامل مع الدولة كشخص معنوي ، أي أنها تلزم وتلتزم كالشخص الطبیعي تماما. كما أن الاعتراف بالشخصیة المعنویة أو الاعتباریة للدولة ، یعني أنها وحدة قانونیة مستقلة عن الأشخاص حكامها الذین یمارسون السلطة فیها مهما تعددوا ، ویترتب على ذلك أن الدولة تعمل على تحقیق الأهداف والمصالح العامة ولیس مصلحة الحكام ، كما أنها تخضع للقانون في كل ما یصدر عنها باعتبارها شخصیة قانونیة دائمة، و هذا ينتج عنه ما يلي[14]:
1- تعد الدولة وحدة قانونیة مستقلة عن أشخاص الحكام ، وبذلك فإن الحكام یمارسون السلطة باسم الجماعة ومن أجل مصلحتهم ، ولیس من أجل المصالح الشخصیة لهم.
2- لا تتأثر المعاهد والاتفاقیات التي تبرمها الدولة ، بتغیر أشخاص الحكام الذین قاموا بذلك باسم الدولة ، حتى و إن تغیر شكل الدولة أو نظام الحكم فیها ، فما دامت الدولة باقیة ، فإن حقوقها و التزاماتها تستمر إلى حین انتهائها.
3- إن تغییر نظام الحكم أو أشخاص الحكام أو تغیر شكل الدولة ، لا یمنع من استمرار نفاذ القوانین التي أصدرتها الدولة ، إلى أن تلغى تلك القوانین أو تعدل بشكل قانوني صحیح.
4- تظل الحقوق التي اكتسبتها الدولة باقیة ، كما تظل ملتزمة بكل التزاماتها وارتباطاتها المالیة ، بغض النظر عن كل التغییرات التي تقع في شكل الدولة أو من یمثلها.
- نشأة الدولـــــــة و تطورهـــــــــــا
لقد شغل موضوع الدولة بصفة عامة و أصل نشأتها و تكوينها بصفة خاصة حيزا كبيرا من الفكر الإنساني، لأنه يعد من الأمور العسيرة حيث اختلف علماء القانون و الاجتماع و التاريخ و السياسة و الفلسفة و غيرهم حول ذلك، وترتب عن هذا الاختلاف ظهور العديد من الأفكار و النظريات التي وضعت لتفسير هذه النشأة، ذلك أن الدولة ظاهرة اجتماعية يرجع أصلها إلى الحضارات القديمة و هي تتفاعل في تطورها مع الأوضاع السياسية ، الاقتصادية و الاجتماعية السائدة، ” فقد تطور مفهوم الدولة من أنها تعني الحكومة أو النظام القائم، أو الأسرة الحاكمة ، حيث كان يشار إلى ذلك بقول: الدولة الأموية، الدولة العباسية، الدولة الفاطمية، دولة الأغالبة، دولة الروم ، و ماذا غلى ذلك من شواهد يذكرها لنا التاريخ، إلى أن أصبح مفهوم الدولة يعني أنها الجماعة السياسية التي وصلت إلى درجة من التنظيم الذي يجعل لها وجودا مستقلا عن أشخاص الحكام الذين يمارسون السلطة فيها”[15]. و لقد قسمت هذه النظريات إلى مجموعات فرعية متقاربة حول حسب وجهة نظر كل عالم، و اعتبر أفضل تقسيم هو التقسيم الثنائي إلى نظريات قانونية و نظريات غير قانونية، حيث تتفرع كل واحدة منهما إلى عدة فروع متجهة كلها إلى الإجابة عن المشكل المطروح و هو اصل نشأة الدولة.
2-1- النظريـــــــــات غير القانونيـــــــــــــــــــــــــــــــة:
و تعتبر كاتجاه في أصل نشأة الدولة يعتمد على نظريات مفسرة لذلك، و هي:
2-1-1-النظريات الثيوقراطية:
و هي نظريات ترجع أصل و مصدر السلطة إلى الله أي على أساس أن الدولة هي نظام إلهي، و يطالب أنصار هذه النظرية بتقديسها لكونها من صنع الله الذي هو مصدر السلطة فيها، و بالتالي فالحاكم يستمد سلطته من الله و لا يحق للمحكومين الخروج عن طوعه أو محاسبته، و لكن مع مرور الوقت بدأ الاختلاف حول طريقة اختيار الحاكم بالاجماع طبعا على أن السلطة من الله مما أدى إلى بروز ثلاثة اتجاهات:
أولا: نظرية تأليه الحاكم ( نظرية الطبيعة الإلهية للحكام):
وجدت هذه النظرية في الحضارات القديمة و المجتمعات البدائية أين وجدت مجالا رحبا، و تأثر الانسان بالأساطير فظن أن الحاكم إله يعبد، و يرتكز أساسها على أن الحاكم ذو طبيعة إلهية.
ثانيا: نظرية الحق الإلهي المباشر ( التفويض الإلهــــــــــــــــــي):
لقد ألغت هذه النظرية الطبيعة الإلهية للحاكم، و نددت بأنه بشر يصطفيه الله و يودعه السلطة، متضمنة فكرة أن الدولة هي حق من حقوق الله هو الذي أوجدها و هو الوحيد الذي يختار لها الحاكم بطريقة مباشرة دون تدخ البشر، ” و من الطبيعي أن تلقى هذه النظرية كل دعم و تأييد من قبل الحكام و الملوك، حيث أنها تجعلهم يسيطرون على شعوبهم و تطلق العنان لهم في إدارة الدولة دون أن يحاسبم احد من أفرادها، حيث أن المصدر الإلهي هو أساس الخضوع لهم[16]و لكن مع تطور الشعوب و نمو وعيها لقيت هذه النظرية معارضة و هجوما من طرف أنصار المذاهب الديمقراطية التي كانت منتشرة في أنحاء أوروبا، و هذا نظرا إلى أنها تؤدي إلى دكتاتورية الحاكم و عدم قدرة الشعب على التدخل.
ثالثا: نظرية الحق الإلهي غير المباشر (العناية الإلهــــــــــــــــــية):
لم تنعدم فكرة الحق الإلهي المباشر تماما، بل تطورت في صورة التفويض الإلهي غير المباشر أو العناية الإلهية حيث ” تذهب هذه النظرية إلى أن الحاكم لا يتم اختياره مباشرة من الإله و حتى لو كانت السلطة مصدرها الإله، فإن الشعب هو الذي يقوم باختيار الحاكم عن طريق ارشاده من قبل الاله لاختيار حاكم معين”[17]
و منه فإن هذه النظرية لا تتنافى مع النظم الديمقراطية لأن الشعب هو من يقوم باختيار حاكمه و له القدرة على محاسبته و مراقبته.
أن هذه النظريات الثيوقراطية مهما حاول رجال الدين آنذاك اضفاء الطابع الديني عل حكمهم إلا أنها تبقى في معظم صورها لا تتفق مع أي دين سماوي، فالإسلام يرفضها بل يحاربها تماما و بقوة، إذ نجد في القرآن الكريم أن الله تعالى في كثير من الآيات أرسل الرسل لمحاربة الملوك و الحكام الذين ادعوا الألوهية مثل فرعون مثلا، و بالنسبة للخلفاء الراشدين فإن أبا بكر الصديق – رضي الله عنه- في خطبة توليه الخلافة نجده قائلا: ” إني وليت عليكم و لست بخيركم”[18]، أي أن السلطة و ليت له من طرف الأفراد.
2-1-2- النظريات الطبيعية:
تعتبر هذه النظرية أن الدولة ظاهرة طبيعية نتجت عن رغبة الناس الطبيعية إلى التجمع و العيش في ظل
مجتمع منظم سياسيا، و تتفرع إلى:
أولا: نظرية الوراثة:
ترى أن حق ملكية الأرض هو حق طبيعي في ظل النظام الإقطاعي، و بالتالي فإن للمالك الحق في ملكية كل ما عليها، و حكم الناس الذين يعيشون عليها و إجبارهم على الطاعة و الرضوخ للأوامر، و من هنا ظهرت فكرة الدولة و هذا بخضوع السكان للإقطاعيين.
ثانيا: النظرية العضوية:
ظهرت في القرن 19 و تعد من النظريات الحديثة و لا تنتمي إلى مدارس القانون الطبيعي، إلا أنها تنادي بضرورة تطبيق القوانين الطبيعية على الظواهر الاجتماعية، مثل الدولة التي تشبه بجسم الانسان الذي يتكون من عدة أعضاء حيث أن لكل عضو مهمته،الأمر نفسه بالنسبة للأشخاص في الدولة لكل منهم مهمة معينة و ضرورية لبقاء المجتمع، و من هذا يجب أن تتواجد مجموعة من الناس تحكم مقابل مجموعة من المحكومين تقوم بوظائف متفرقات. إلا أنه وجه انتقاد لهذه النظرية على أنها مجرد افتراض و هي غير علمية نظرا للاختلافات العديدة بين القوانين الطبيعية و الاجتماعية.
ثالثا:النظرية النفسية:
هي نظرية حديثة تقوم على أساس العنصرية، أي اختلاف الأفراد و عدم التساوي بينهم، فهناك فئة تحكم و تسيطر و فئة تخضع لها بطبيعتها، و هذا ناتج عن تحكم العوامل النفسية في ذلك، و لهذه الأسباب نشأت الدولة بخضوع الضعيف للقوي.
رابعا: نظرية التطور العائلي:
تدور فكرة هذه النظرية حول تكوين الأسر و العلاقات فيما بينها، رائدها هو الفيلسوف اليوناني “أرسطو”، ومن مسمى هذه النظرية نجد أنها تقوم على أساس علاقة أفراد الدولة بحاكمهم مثل العلاقة الرابطة بين رب الاسرة بأفرادها، أي أن الحاكم في الدولة بمثابة الأب في الأسرة يمارس السلطة على الشعب كما يمارسها الأب على أفراد أسرته أين تجب طاعته و الرضوخ إليه. تعد هذه النظرية أول محاولة فكرية لتفسير نشأة الدولة و أنصارها يرون أن هذه الأخيرة صورة مكبرة للأسرة و مرحلة متقدمة و متطورة منها، و أن السلطة السياسية في هذه النظرية ما هي إلا امتداد للسلطة الابوية و هذا أدى إلى انتقادها كونها بررت الاستبداد المطلق على الحكام، و البعض أقروا بأن الدولة سبقت الأسرة حيث أن علماء الاجتماع يؤكدون أن الأسرة لم تكن الخلية الأولى للمجتمع، بل ما جمع الناس هو مصالحهم المشتركة و رغبتهم في التعاون من أجل التصدي لأحداث الطبيعة و مكافحتها، كما لا يمكن التوفيق بين السلطة الأبوية و السلطة السياسية نتيجة لاختلافهما من ناحيتي الأسس و الأهداف*.
2-1-3- النظريات الاجتماعية:
تعتمد على أساس الواقع الاجتماعي، و تتجه نحو فكرة أن مصدر نشأة الدولة هو الصراع البشري عبر مراحل التاريخ، و تنتهي بسيطرة أحد الفئات على الأخرى.
أولا: نظرية التطور التاريخي ( النظرية التطورية المفسرة لنشأة الدولة):
لقد رأينا أن سالف النظريات التي تطرقنا إليها ترجع أصل نشأة الدولة إلى عامل محدد، و منه فإن هذه النظرية خلاف لذلك، فأنصارها يرون أن الدولة نشأت وفقا لتطور تاريخي و تلاحم مجموعة من العوامل التاريخية، السياسية، الاقتصادية، الدينية، المعنوية و العقائدية، و من الطبيعي أن تختلف أهمية هذه العوامل من دولة إلى أخرى حسب مدى مساهمة العامل في نشوء الدولة.
كما يرى بعض المتخصصين المعاصرين أن الدولة ظاهرة طبيعية و نتيجة تفاعل عوامل كثيرة ساهمت عبر تاريخ طويل في نمو شعور لدى الأفراد و الجماعات بحتمية التعايش معا في أماكن محددة، ثم تطورت تنظيميا مما أفرز فئة حاكمة تختص بتنظيم شؤون هذه الجماعات و تفرض عليها سيطرتها عن طريق القوة المادية كما ندد الأنصار القدامى لهذه النظرية، في حين أن المعاصرين لم يعتمدوا القوة في فرض السيطرة بل أدرجوا متغيرات أخرى مثل الكاريزما، قوة التأثير، الدهاء السياسي…إلخ.
و منه نستنتج أن الدولة وفقا لأنصار هذه النظرية عبارة عن ظاهرة اجتماعية جاءت نتيجة لتطور طبيعي، لا تعتبر تدبيرا انسانيا و لا نظاما مقدسا بل نشأت بدافع تحقيق احتياجات الأفراد شأنها شأن الظواهر الأخرى، و رغم عمومية هذه النظرية إلا أنها أقرب النظريات إلى الصـــــــــــواب و أسلمها، لأنها ترجع النشأة إلى عدة عوامل متفرقة من مجتمع إلى آخر حسب ظروفه.
ثانيا:نظرية القــــــــــــــــــــــــــــــــــــوة:
حسب هذه النظرية، يرحع أصل نشأة الدولة إلى واقعة التغلب من خلال اسناد أصحابها في ابريرها إلى الشواهد التاريخية، و التي تشير في موافع عديدة إلى أن الأقوى هو صاحب السلطة سواء كانت القوة بدنية أو مادة أو فكرية، و منه فإن نظرية القوة تندد بأن الدولة هي ناتج القوة كما تنص على أن المجتمع نشأ نتيجة خضوع الضعيف للقوي، سواء في العائلة أو القبيلة، العشائر أو الامبراطوريات…إلخ، و هذا بموجب صراع يفسر دائما بمنتصر و مهزوم و تنتهي بفرض إرادة الأول على الثاني و الجميع، فيتولى بذلك الأمر و النهي و يكون بمثابة السلطة الحاكمة، و منه نستخلص أن الحرب هي التي تلد الدولة حسب هذه النظرية.
كما يعد ابن خلدون من أهم مفكري هذه النظرية،حيث تناول في كتابه الأول و في فصله الثالث موضوع الدول العامة و الملك و الخلافة …إلخ، أين أشار إلى أن الملك و الدولة العامة يحصلان بالعصبية أي القوة و ذلك عندما قال: “إن الملك بضم الميم منصب شريف ملذوذ، يشتمل على جميع الخيرات الدنيوية و الشهوات البدنية و الملاذ النفسانية، فيقع فيه التنافس غالبا، و قل أن يسلمه أحد لصاحبه إلا إذا غلب عليه فتقع المنازعة، و تقضي إلى الحرب و القتال و المغالبة”[19]. ومنه نجد أن ابن خلدون يعتمد في نظرته على العنف من أجل العيش حيث الذي يعتبره ميزة في الانسان، كما يندد بأن هذا الأخير دوما بحاجة أخيه الانسان و التعاون مع غيره، و ذلك من أجل توفير الغذاء و الأمن إلا أن الطباع الحيوانية تخلق الصراع بين الطبقات، و بالتالي يجب أن يتولى حاكم إدارة الجماعة و تنظيمها. و منه فالسلطة في الدولة تعتمد على القوة حيث وجدت طريقها في نشوء بعض الدول مثلما نشأ عن الاستعمار الأوروبي للقارات عدة دول مثل الكونغو، ليبيريا، و.م.أ و اسرائيل…إلخ.
و لكن لا يمكن التسليم بهذه النظرية دون ابداء ملاحظات، فاستخدام القوة لا يكفي وحده لاستقرار الدولة واستمرارها إلا إذا صاحبه رضى و قبول المواطنين بدرجة كبيرة و بشكل طوعي فالسلطة السياسية أو الدولة لا يمكنها الاعتماد على القوة لوحدها، لأنه إذا حدث ذلك فإنها إشارة على بداية انهيار الدولة و سقوطها.
ثالثا: النظرية الماركسيـــــــــــــــــة:
و توجد نظرية أخرى في هذا الصدد و تقترب من نظرية القوة و هي النظرية الماركسية، حيث تعتبر الدولة أداة اكراه و يتوقف استمرارها على امتلاكها لقوة عسكرية كافية للدفاع عن نفسها، رائدها هو “كارل ماركس” حيث يربط ظهور الدولة أو السلطة السياسية باكتشاف الانسان للآلات الزراعية البدائية ( أدوات الانتاج)،فقبل ذلك كان يعيش الناس من الثمار و الأعشاب التي يلتقطونها و كذلك على ما يصطادونه تحت غياب الملكية الخاصة، و لكن بعد اكتشاف الآلات الزراعية ظهر ما يسمى بالغلة، و ابتداء من هذا بدأ النزاع و الصراع بين الأفراد فيما يتعلق بملكية الغلة الزراعية و أدوات الانتاج و كانت الغلبة للطرف الأقوى من الجانب المادي و الفكري أيضا، فالصراع عبر التاريخ كانت أساسه الطبقية و منه فلنظرية الماركسية تنظر للتاريخ من الجانب المادي أكثر، و منه فإن تفسير الدولة حسب هذه النظرية يرتبط ارتباطا وثيقا بالمادية التاريخية و التي تعتبر تطبيقيا للمادية الجدلية ( الأساس الفلسفي للنظرية الماركسية) في مجال التاريخ الانساني. فالدولة هنا ليستجهازا محايدا لأنها تعبر عن الطبقة المسيطرة اقتصاديا في المجتمع الانساني و التي بدورها تسيطر على أجهزة الدولة من أجل تحقيق مصالح بممارسة شتى أنواع القهر على الطبقات المستغلة.
و منه وفقا لهذه النظرية، فإن الصراع الطبقي بين الطبقة المسيطرة اقتصاديا و بين العمال هو أساس قيام الدولة و حتميته تفرض وجودها، و بما أنه غير ممكن حل هذا الصراع سلميا فإن وجود الدولة يصبح أمرا ضروريا وفقا للفقه الماركسي.
و بطبيعة الحال و جهت لهذه النظرية عدة انتقادات، حيث أنه ليس من الصواب أن كل أنواع التطور في المجتمع ترتبط بالعامل الاقتصادي فقط، بل هنالك عدة جوانب أخرى متعلقة بالانسان في حد ذاته و التي تؤدي دورها أيضا في تطور المجتمعات كالعوامل النفسية، الفكرية، الدينية و السياسية، و منه فإن قيام الرابطة الطبقية على وحدة المصالح الاقتصادية لا يعتبر العنصر الوحيد لقيام الدولة و تكوين الأمة.
2-2- النظريات القانــــــــــــــــــــــــــــونية:
و تتمثل في اتجاه آخر مفسر لنشأة الدولة و تعرف ايضا بالنظريات الديمقراطية حيث تقوم على أساس أن السلطة مصدرها الشعب،أي أنه بدون تواجد الإرادة الحرة للجماعات المحكومة فإن مشروعية الحكم لا تقوم و لا تبرر أبدا، و من أبرز النظريات النظريات التي جاءت في هذا الصدد لدينا:
2-2-1 نظريــــــة العقــــــــــــــــــــــــــــــــد الاجتماعــــــــــــــــــــــــــــــــي:
تعتبر نظرية العقد الاجتماعي نظرية قديمة تعود جذورها إلى الفكر الكنسي الوسطي و إلى الفكر الاسلامي، تفترض فلسفة قيام الدولة على أساس عقد أو اتفاق حر و اختياري بين مجموعة من الأفراد فضلوا الانتقال من المجتمع البدائي إلى المجتمع المدني المتحضر، حيث أن هذا الأخير يكفل لهم الاستقرار و الأمن و ينظم علاقاتهم و سلوكهم ببعضهم البعض، أي أنهم انتقلوا من حياة الفطرة و الفوضى إلى حالة النظام و القانون نتيجة لاجتماعهم في زمان و مكان معين في فترة تاريخية ما،و هذا بموجب ابرام عقد من أجل حدوث حالة الانتقال هذه لذا يطلق على هذا المفهوم اصطلاح ” العقد الاجتماعي” ، و من أهم المفكرين الذين ذهبوا إلى هذه النظرية خمسة، كلهم اتفقوا على فكرة العقد أي قيام الدولة على أساسه، و لكن اختلفوا حول كيفيته و أطرافه حيث أن كل واحد منهم فسر ذلك في اطار توجهاته الفكرية التي كان يؤمن بها.
أولا: نظرية العقد الاجتماعي عند “توماس هوبز”:
يرى “هوبز” أن حالة الطبيعة الأولى قبل نشوء الدولة كانت في اطار العنف و الصراع بين الأفراد في حالة البؤس الكامل و حرب الكل ضد الكل، و هذا تحت سيطرة القوي على الضعيف و هي بدورها حياة الأفراد في حالة الفطرة، حيث يسعى كل انسان وراء مصلحته الذاتية المعبرة عن أنانيته غير مكترث بمصلحة الآخرين ( المصلحة العامة)، و هذا ما يلغي تصور الانسان كفرد اجتماعي لدى هوبز كما يزعم “أرسطو”، مما أدى إلى ضياع الحريات و انعدام الأمن و الاستقرار. و من أجل الخروج من حالة الطبيعة الفوضوية و وضع حد لها بالانتقال إلى حياة يسودها الأمن و الاستقرار، اتفق الأفراد على ابرام عقد يمكنهم من العيش بسلام.
إن “هوبز” يؤكد على أن العقد ابرم بين أفراد محكومين فيما بينهم أما الحاكم فلم يكن طرفا في ابرامه، و قد تنازل المحكومون بموجب هذا العقد عن جميع حرياتهم الطبيعية مرة واحدة و إلى الأبد إلى الحاكم أو الملك، فأذابوا بذلك شخصياتهم في إرادته، فله بذلك أن يتصرف بحريات المحكومين وفقا لمشيئته و لم يعد هنالك حق للمحكومين في محاسبة الحاكم حتى و إن أساء التصرف بسلطته، فإن لم يكن طرفا في العقد فقد التزم بشئ نحوهم. إن الحاكم في هذا التصور كان قد تلقى حقوقا من دون أن يلتزم بأي واجب نحو المحكومين، فبرر بذلك “هوبز” سلطات الحاكم المطلقة و أعفاه من كل مسؤوليته نحو المحكومين[20] .و هنا تجدر الاشارة إلى أن الظروف الاجتماعية التي عاشها “هوبز” كان لها تأثير حاد في منهجه هذا، ففي عصره كان من المقربين لملوك بريطانيا، و هذا ما جعله يؤيد الحكم المطلق و يرفض الثورة على الحاكم مع عدم مساءلته.
و إذا ما حللنا ما ذهب إليه “هوبز” تحليلا موضوعيا، نرى بأن الفكرة التي جاء بها لتفسير نشأة الدولة هي فكرة ديمقراطية بل هي تغير عن الديكتاتورية بشكل صريح، حيث يرى “هوبز” أن الحاكم لم يكن طرفا في العقد لأنه قبل وجود الدولة توجد الجماعة أو مجموعة من الأفراد دون الحاكم، أما بعد قيام الدولة فلن يكون هنالك إلا الحاكم لأن الجماعة تنحل بمجرد قيام الدولة، و قد اطلق على الحاكم صفة الاله البشري أو اللوفئان الذي يجب أن يكون قويا و أن يكون الوحيد الذي تسمع أوامره و تطاع دون تدخل الأفراد المحكومين”[21]
إن “هوبز” كما أسلفنا كان يرى أن العقد الاجتماعي ما هو إلا اتفاق الأفراد فيما بينهم على إقامة سلطة مطلقة يأتمر الجميع بأوامرها و يلتزم بتنفيذ قراراتها.
ثانيا: نظرية العقد الاجتماعي عند “جون لوك”:
يتفق “جون لوك” مع “هوبز” بشأن وجود عقد اجتماعي انتقل به الأفراد من الحياة البدائية (الفطرة) إلى الحياة الجماعية، إلا أنه يقف مخالفا له من حيث أن حالة الطبيعة التي يعيشها الفرد قبل العقد حياة يسودها السلام و الحرية و تبادل و تعاون بين الأفراد، و هذا تحت ظل القانون الطبيعي المستوحى من العقل البشري و الالهام الالهي الذي هو فوق سائر القوانين الاجتماعية و يعلوها و يلتزم بها سائر الناس، على عكس حالةفوضى و الحرب كما يدعي “هوبز”، و من هنا فرغبة الأفراد و تطلعهم إلى حياة أفضل يمكن من خلالها تنظيم تنظيم حياتهم جعلتهم يلجؤون إلى العقد الاجتماعي كوسيلة لتحقيق ذلك،و في هذا الصدد يقول “لوك” أن: لأفراد لم يتنازلوا للحاكم بمقتضى العقد إلا عن جزء من حقوقهم و في حدود القدر اللازم لاقامة السلطة و المحافظة على حقوقهم الأخرى المتبقية لهم و التي احتفظوا بها، فيكون الحكم واجب الحماية و المحافظة على حقوق الأفراد التي لم يتنازلوا عنها و إقامة العدل بينهم، فإذا أخل الحاكم بالالتزام انفسخ العقد بينهم و بذلك أجاز “لوك” حق مقاومة الحاكم إذا ما جاوز سلطته حسبما يقتضي مضمون العقد[22] ،و بذلك يتم التعاقد بين الطرفين بالرضاء دون إجبار أو اكراه بغية المحافظة على حياتهم و التمتع بحقوقهم.
كما يؤكد “لوك” أنه لا يمكن اخضاع أي انسان للسلطة السياسية بغير الموافقة التامة، و يعتقد في نظريته بوجوب موافقة جميع المواطنين لقيام المجتمع السياسي و أن عدم موافقة مواطن على العقد لا يعتبر غير ملزم به، و يجب على الحكومة الالتزام بالعقد بقدر ما تطلبه من الأفراد و الالزام بهكما يكون للأفراد الحق في اسقاط الحكومة و الثورة عليها إذا لم تلتزم حسب العقد،و منه يعتبر “لوك أن الحكومة ملزمة طبقا للعقد الذي يكون خطا خطوة إلى طريق الديمقراطية.
ثالثا: نظرية العقد الاجتماعي عند “جان جاك روسو”:
رائد هذه النظرية فيلسوف و مفكر فرنسي كانت رؤيته للحالة الأولى التي يعيشها الانسان قبل قيام الدولة حياة يسودها السلام و الحرية، و لضمان أمن و عدل أكثر كان لابد من وجود عقد بين الأفراد يتم بمقتضاه تنازلهم عن جميع حقوقهم و يكون هذا التنازل ما يسمى بالارادة العامة[23]، و التي تعد أساس مبدأ السيادة و السلطة للأفراد أنفسهم و ليس للحاكم، أما بالنسبة لأطراف العقد الاجتماعي فيرى “روسو” أن هذا العقد قد ابرم بين الأفراد أنفسهم و لكن بصفتين: الأولى باعتبارهم أفراد مستقلين و معزولين عن بعضهم البعض، و الثانية باعتبارهم أعضاء متحدين كشخص واحد فيما بينهم.
لذلك فإن العقد الاجتماعي الذي يعمل على انشاء المجتمع الجديد يتم حينما ينطق كل فرد بالآتي:”يضع كل منا شخصه و جميع قوته وضعا مشتركا تحت السلطة العليا للإرادة العامة، و سنقبل بصفتنا الجماعية كل عضو كجزء لا يتجزأ من الكل[24]. و بذلك فإن “روسو” يرى أن الدولة التي تتأسس بموجب هذا العقد هي أساس للحرية الحقيقية و لا تمارس قهرا على الأفراد، و منه فإنه يكرس نظريته حول “سيادة الإرادة العامة ” التي تفوض السلطة السياسية في التعبير عنها، و عدم ملاءمة التعبير تؤدي إلى احلال سلطة سياسية جديدة و هذا ما يضفي على هذا الحل الطابع الديمقراطي في حل مشكلة النظام الاجتماعي. كما أن “روسو” كان يحلم بجمهورية شعبية أو هيئة سياسية يطلق عليها أعضاؤها اسم “دولة” ، يستطيع كل فرد أن يشعر بأنها جمهوريته و أنه عضو مساهم فيها[25].
رابعا: نظرية العقد الاجتماعي عند “سبينوزا”:
يعتقد الفيلسوف الهولندي “سبينوزا” أن حالة الضعف و عدم الترابط التي مر بها الانسان في حالة الطبيعة أدت إلى فقدان الناس للقوة و القدرة على توجيه حياتهم إلى حال أحسن، أين تسود الراحة و الاطمئنان و يضمن لهم استخدام امكانياتهم الفكرية و الأخلاقية، لذلك سعى الناس في المرحلة الثانية و المسماة “بمرحلة المدينة” و التي تلي مرحلة الطبيعة إلى الاتحاد فيما بينهم قصد تحقيق هذا الهدف.
كما أن “سبينوزا” يعد من الذين تطرقوا إلى دراسة موضوع ” العلاقة بين الحاكم و الرعية”، أين يرى أن النظام الاجتماعي الأمثل هو ذلك الذي يسعى لتحقيق الحياة الفاضلة و الذي يؤمن حياة المواطنين الذين يعيشون و يعملون دون الحاق الضرر بأنفسهم أو بغيرهم. و نظرا لتفاوت محاسن الأفراد من فرد إلى آخر فلابد لهم بالرضوخ إلى طاعة و أوامر أولي الأمر منهم، لذلك فإن “سبينوزا” يؤكد على فهم شروط الحياة الفاضلة من طرف القادة المدنيين و رجال الدين. كما يعتقد أن الهدف من تأسيس النظام السياسي هو التحرر من الخوف و الأمن و ليس القهر و الاضطهاد، مستمرا على الاحتفاظ بداخله على النظام الطبيعي الذي يمكن تجاوزه و التخلي عنه بوجود الديمقراطية[26] و على الرغم من أن “سبينوزا” لم يشر في مؤلفاته إلى عقد رسمي يعالج هذه الحالة، إلا أنه أشار إليه عند الكلام عن وصف الحالة المدنية التي تلت حالة الطبيعة موضحا أن الناس اتحدوا في تلك المرحلة لتحقيق هدف مشترك[27].
خامسا: نظرية العقد الاجتماعي عند ” صموئيل بيفندورف”:
دعا هذا المفكر القانوني الألماني الكبير لاحلال القانون الطبيعي و العقلاني المحض محل القانون الكنسي المقدس أي الشريعة المسيحية في الواقع[28]و ذلك عبر ثورات متتالية. لذا وجهت له عدة انتقادات لتفضيله للقانون الطبيعي على الكنسي و اعتباره أهم من هذا الأخير نظرا لانطباقه على جميع البشر و قيامه على حكم العقل، كما ندد “صموئيل” بأن العقد الاجتماعي بين البشر هو الأساس العقلاني لتشكيل الدولة و تنظيم المجتمع، و قد كانت لنظريات هذا المفكر تأثير كبير على فلاسفة التنوير الذين أتوا بعده خاصة “روسو”.
- وظائف الدولة
تعد مسألة وظائف الدولة من المسائل المهمة التي لازمت قیام المجتمعات البشریة حتى و إن اختلفت تبعا لجملة من المعطیات ، التي من أهمها التوجه الفكري للدولة ، والتوجه الاستراتیجي بناءا على الظروف الخاصة والمعطیات الدولیة والإقلیمیة ، وما إلى ذلك من الظروف والعوامل الموضوعیة والذاتیة.
فمنذ الحضارة الیونانیة ، رأى أفلاطون ” أن المجتمعات ظهرت نتیجة للحاجات البشریة التي لا یمكن إشباعها إلا بتعاون الأفراد مع بعضهم البعض ، حیث لابد من التخصص وتقسیم العمل ، ووفقا لذلك فإن الدولة تتطلب ثلاثة وظائف أو مهام رئیسیة ، أولها وأهمها مهمة الحكم ، التي یعتبرها أهم وظیفة معنویة ، أما المهمة الثانیة فهي الدفاع عن الدولة ، وثالث هذه المهام هي المهمة الإنتاجیة[29].
أما ” توما الاكویني ” فقد أكد على الوظیفة الأمنیة للدولة ، أي حمایة الدولة وتأمین الجماعة من أي خطر داخلي أو خارجي ، لذلك فإن الدولة تتولي التشریع وذلك بإقامة العدالة بین الأفراد وفرض القانون ، كذلك أن تكون الدولة مستعدة للحرب ، مع الإشارة إلى أن الحرب یجب أن تكون عادلة [30].
أما الإمام الغزالي ، فقد أشار في عدة مجالات إلى أن من أهم وظائف الدولة ، أولا: تحقیق الأمن والطمأنینة على أساس أن ذلك ما یؤدي إلى الاستقرار في الدول ، ثانیا: تحقیق العدل أي رفع الظلم عن الأفراد ، أما الوظیفة الثالثة فهي تحقیق حیاة فاضلة وكریمة للأفراد ، وقد تناول الإمام ابن تیمیة وظائف الدولة ، ورأى أن الدولة في الإسلام تقوم بعدة وظائف یتطلبها تحقیق الصالح العام ، ورفع المضار لإقامة العدل في حقوق الله وحقوق العبادة ، أما تلك الوظائف فهي[31]:
1- الوظیفة المالیة: حیث یرى بأن كلا من الولاة والرعیة علیه أن یؤدي للآخر ما یجب علیه ، وعلى ولي الأمر أي الحاكم أن یأخذ المال من حلة ، و یضعه في حقه، ولا یمنعه من مستحقه.
2- وظیفة إقامة العدل ، ویرى أنها أوسع من الوظیفة القضائیة وتشملها.
3- وظیفة الجهاد ،أي الدفاع عن الدین وإعلاء كلمة الله.
- وظیفة إعداد المواطنین وتوزیعهم على الأعمال ، وترتبط بذلك صلاحیة سیر الأمور في الدولة.
5- وظیفة الدولة من الناحیة الاقتصادیة ، وتشمل علاقة الدولة بتنظیم حریة الأفراد في التملك والعمل.
6- وظیفة الدولة من الناحیة الدینیة والخلقیة ، بحیث تنظم الدولة الحیاة الخلقیة والدینیة ونشر العقیدة وإزالة المنكرات التي تفسد الأخلاق.
الخاتمة:
يعتبر موضوع الدولة من المواضيع التي لا تزال تلقى اهتماما كبيرا من قبل المفكرين و القادة السياسيين، حيث أنها تعد من أهم المنظمات السياسية الموجودة في المجتمع، و التي تمارس سلطتها العليا على الأفراد و المنظمات نظرا للوظائف المهمة التي تقدمها لأبناء المجتمع. فهي تتمتع بما لها من سيادة وسلطان على إقليمها بحق فرض الواجبات وترتيب الالتزامات على الأفراد بصورة إلزامية ووفقًا لما تقتضيه المصلحة العامة.
فهي تبدو كما لو كانت تعبيرا عن حاجة طبيعية في الانسان، وتبدو من جهة أخرى كيانا مصطنعا ومجرد وسيلة الغاية أعلى منها، كما تبدو الدولة أعظم إبداع إنساني تتجلى من خلاله القدرة على التنظيم العقلاني والقصدي والإرادي لحياة الإنسانية من خلال وظائفها التي تعد من المسائل المهمة التي لازمت قیام المجتمعات البشریة.
و بالرغم من أن الدولة تبقى في الواقع شيئا مجردا تستحيل رؤيته فعليا أو حتى التقرب منه، إلا أن هذا التجريد لا يجعل منها فكرة تسبح في مخيلتنا فقط، بل هي ممثلة في موظفيها و مؤسساتها، لأننا حين نمتثل لصفارة الشرطي فهذا لا يعني أننا نخافه شخصيا و إنما نحن نمتثل لسلطة الدولة التي يمثلها، و كذلك عندما ندفع الضرائب المستحقة علينا لعون المصالح الضريبية فأننا كذلك هذه المرة لم نثق فيه كشخص، و إنما نثق في الدولة التي يمثلها و التي لا يمكننا رؤيتها فعليا.
و من هذا يمكن زوال التجريد الذي تكلمنا عنه، عندما نلصق مصطلح الدولة بالذين يمثلونها و ننسبها اليهم سواءا كانوا مؤسسات، هيئات أو موظفيين…..إلخ.
قائمة المراجع:
المراجع العربية:
- ابن خلدون، المقدمة، دار الجبل، بيروت.
- بيير رونوقان، تاريخ العلاقات الدولية، الفرن التاسع عشر(1810-1914)، الجزء الأول،ترجمة جلال يحيا، القاهرة، دار المعارف، 1978.
- ثروة بدوي، النظم السياسية، القاهرة، دار النهضة العربية، 1989
- جميل محمد حسين، دراسات في القانون الدولي العام، الكتاب الثاني، بدون دار النشر، 2008
- حورية توفيق مجاهد، الفكر السياسي ، من أفلاطون إلى محمد عبده، مكتبة الأنجلو المصرية، الطبعة الثالثة، 1999
- صباح كريم رياح الفتلاوي، نظريتا الحق الالهي و العقد الاجتماعي – دراسة مقارنة-،مجلة مركز دراسات الكوفة، العدد العاشر، جامعة الكوفة، 2008
- صالح بن عبد الكريم الشيحة، العامل السكاني و قوة الدولة، رسالة ماجستير في العلاقات الدولية،، معهد العلوم السياسية ، جامعة الجزائر،1997
- محمد أنس قاسم جعفر، النظم السياسية،القاهرة، بدون دار النشر،1994
- محمد راتب النابلسي،سيرة الخلفاء الراشدين،- سيدنا أبو بكر الصديق- الدرس 4-5،ورعه و حكمته في الخلافة، 11/04/1994
- محمد كامل ليلة، النظم السياسية الدولة و الحكومة، دار النهضة العربية، بيروت،1969
- محمد فايز عبد السعيد، قضايا علم السياسة العام،الطبعة الأولى،دار الطلعية، بيروت،1983
- مولود زايد الطيب، علم الاجتماع السياسي، منشورات جامعة السابع من ابريل، الطبعة الأولى،دار الكتب الوطنية، ليبيا،2007
- يحيا الجمل، الأنظمة السياسية المعاصرة،بيروت، دار النهضة العربية،1969
المراجع الأجنبية:
- Bertrand bellon, Guy Caire et Lysiane cartelier, L’état et le marché, Paris, Edition Adis, 1994
- Weber,M, the Economy And Society,N.Y,Mecem,1971
[1] بيير رونوقان، تاريخ العلاقات الدولية، الفرن التاسع عشر(1810-1914)، الجزء الأول،ترجمة جلال يحيا، القاهرة، دار المعارف، 1978،ص 21.
[2] محمد كامل ليلة، النظم السياسية الدولة و الحكومة، دار النهضة العربية، بيروت،1969،ص 25.
[3] مولود زايد الطيب، علم الاجتماع السياسي، منشورات جامعة السابع من ابريل، الطبعة الأولى،دار الكتب الوطنية، ليبيا،2007، ص 113
[4] Weber,M, the Economy And Society,N.Y,Mecem,1971,P57
[5] محمد أنس قاسم جعفر، النظم السياسية،القاهرة، بدون دار النشر،1994، ص 80
[6] محمد كامل ليلة، مرجع سابق، ص 26
[7] جميل محمد حسين، دراسات في القانون الدولي العام، الكتاب الثاني، بدون دار النشر، 2008، ص 08
[8] مولود زايد الطيب، مرجع سابق، ص 116
[9] جميل محمد حسين، مرجع سابق، ص 08
[10] جميل محمد حسين، مرجع سابق، ص 13
[11] مولود زايد الطيب، مرجع سابق، ص120.
[12] يحيا الجمل، الأنظمة السياسية المعاصرة،بيروت، دار النهضة العربية،1969، ص 38
[13] مولود زايد الطيب، مرجع سابق، ص 134.
[14] ثروة بدوي، النظم السياسية، القاهرة، دار النهضة العربية، 1989، ص 54.
[15] مولود زايد الطيب، مرجع سابق،ص 121
[16] محمد فايز عبد السعيد، قضايا علم السياسة العام،الطبعة الأولى،دار الطلعية، بيروت،1983، ص52
[17] مولود زايد الطيب، مرجع سابق، ص 123
[18] محمد راتب النابلسي،سيرة الخلفاء الراشدين،- سيدنا أبو بكر الصديق-ا لدرس 4-5،ورعه و حكمته في الخلافة، 11/04/1994، ص 03 و متوفر على الرابط التالي: http://www.nabulsi.com/brown/ar/print.php?art=1311
[19] ابن خلدون، المقدمة، دار الجبل، بيروت، ص 170
[20] صباح كريم رياح الفتلاوي، نظريتا الحق الالهي و العقد الاجتماعي – دراسة مقارنة-،مجلة مركز دراسات الكوفة، العدد العاشر، جامعة الكوفة، 2008، ص108
[21] مولود زايد الطيب، مرجع سابق، ص 125
[22] صباح كريم رياح الفتلاوي، مرجع سابق، ص 109
[23] صالح بن عبد الكريم الشيحة، العامل السكاني و قوة الدولة، رسالة ماجستير في العلاقات الدولية،، معهد العلوم السياسية ، جامعة الجزائر،1997،ص 18
[24] مولود زايد الطيب، مرجع سابق،ص 126
[25] صباح كريم رياح الفتلاوي، مرجع سابق، ص 112
[26] Bertrand bellon, Guy Caire et Lysiane cartelier, L’état et le marché, Paris, Edition Adis, 1994, p 83
[27] صباح كريم رياح الفتلاوي، مرجع سابق، ص 112
[28] صباح كريم رياح الفتلاوي، مرجع سابق، ص 112
[29] مولود زايد الطيب، مرجع سابق، ص 148
[30] حورية توفيق مجاهد، الفكر السياسي ، من أفلاطون إلى محمد عبده، مكتبة الأنجلو المصرية، الطبعة الثالثة، 1999،ص 151
[31] مولود زايد الطيب، مرجع سابق، ص 149-150