
المغاربة في مواجهة الاحتلال البرتغالي:”منطقة دكالة أنموذجًا”
د.أنس الصنهاجي/كلية الآداب والعلوم الانسانية ظهر المهراز فاس،المغرب
مقال نشر في مجلة جيل العلوم الإنسانية والإجتماعية العدد 37 الصفحة 39.
ملخص:تستمد هذه الدراسة شرعيتها من كون أن التاريخ المحلي في سياقه الوطني والكوني مسألة ضرورية من الوجهة المعرفية، خاصة وأن فترة البحث تمثل مرحلة في تطور موازين القوة بين ضفتي المتوسط، بعد امتلاك أوروبا وسائل وآليات الغلبة والتغلب على باقي العالم، والدراسة لا تتطلع للوقوف على رصد ما حدث، وكيف حدث فقط، وإنما تروم خدمة بعد توضيح حقبة مهمة من تاريخ منطقة دكالة، ورصد ردود أفعال أهلها تجاه الغزو البرتغالي، ومحاولة ربط السمات الأبرز لروح المقاومة وبطولاتها، سعيا لحماية الذاكرة الجماعية وملاحمها، وإثبات أن المحلي لا ينعزل عن الكوني في علاقة التأثر الناتج عن الخضوع لمنظومة الغزو والاستعمار، وما تتركه مدفونا في البنيات الاقتصادية والاجتماعية التي يستمر فعلها حيا في الوجود باديا للعيان.
الكلمات المفتاحية: دكالة، الاحتلال، البرتغال، المقاومة.
مقدمة:
حرص البرتغال منذ إخضاع منطقة دكالة لسطوتهم ونفوذهم، على استنزاف مقدراتها دون إلجائهم إلى استعمارها وضبطها لحكمهم المباشر، فضعف كتلتهم الديمغرافية مقارنة مع شساعة امبراطوريتهم المترامية الأطراف، وتشتت مجهودهم على المستعمرات القائمة، خاصة الموجودة جنوب القارة الأمريكية، كانت تطرهم لنهج إستراتيجية الحكم غير المباشر عن طريق تجنيد أعيان المنطقة المنتفعين من العلائق البرتغالية وتجارتها أو الطامعين في السلطة أو الطامحين للمحافظة عليها، فلم تتدخل ملوكهم عسكريا في المنطقة، إلا حينما يتوجسون من انسياب المنطقة من تحتهم، أو انفراطها عن قبضتهم، ولما فشلوا في صناعة عملاء محليين ولاؤهم خالص للتاج البرتغالي، تيقنوا أن لا مندوحة من اكتساح المنطقة وإلحاقها بالإمبراطورية.
1-ردود فعل قبائل دكالة إزاء الاستعمار البرتغالي للمنطقة:
ما إن احتُلت منطقة دكالة، حتى أعلنت قبائلها الجهاد ضد المستعمر، وأباح فقهاؤها وشيوخها هدر دم كل من يتعامل مع المحتل، أو حتى من يطيب له القطون في الثغور المغتصبة. فما إن تم استعمار مدينة آسفي سنة 1508م حتى نادت قبائل دكالة و الشياظمة والحوز بالجهاد لتحريرها، وبالفعل قام فرسان هذه القبائل بضرب حصار على المدينة بأعداد قوامها 200 ألف مجاهد، يوم الخامس من دجنبر سنة 1510م، ولما أدركوا أن الأيبيريين يمدونهم بما يمنعوهم، وأن الحصار بات غير ذي جدوى في ظل هذا المعطى، قرروا الهجوم على الثغر لحسم المعركة وطرد المحتل، تأسيا بما تم بمنطقة المغدور حين تم افتكاكها دون عون رسمي على يد قبائل جنوب التانسيفت، وبعد هجومين متتاليين يومي 29و30 دجنبر من السنة نفسها، اقتنع المحاصرون أن السور يجعل مهمتهم مستحيلة، خاصة حين وصلوا إليه، وبدا لهم أن نقبه يتطلب عتادا ثقيلا لا يملكونه، ما اضطرهم إلى نقض الحصار يوم 31 دجنبر من السنة نفسها[1].
واتسمت العمليات الجهادية بدكالة بوسائلها البسيطة، لكنها كانت مفعمة بالفورة والفعالية، تسري في سرعة خاطفة تحت جنح المفاجأة لضرب أهدافها، في سرايا أو مجموعات منظمة نهجها شبيه بنهج حروب العصابات[2].
وقد تمكن البرتغال في ظروف عرف فيه المغرب ضعف الدولة المركزية، وتوزعه في شتات بين قوى ضعيفة متناحرة حول السلطة والنفوذ، وتنافسها في مخاطبة ود المحتل عندما يشتد الصراع بينها، من القضاء السريع على صمود المقاومة الدكالية، وإرغام القبائل على الخضوع قهرا لسلطة الغزاة، والشاهد، تأكيد “كويش” أن قبائل دكالة عن بكرة أبيها رضخت بالترهيب والتنكيل، بعد أن أخفقت مجابهاتها اليومية في صد غارات البرتغال.[3]
وكانت الغربية من المناطق الأولى التي قاومت المحتل، ودعت إلى حصار آسفي لتحريرها سنة 1510م، فكان جزاؤها بعد تسريح المحاصرين، تعرضها لعدة غارات أفنت الكثير من أهلها، وظلت صامدة حتى سنة 1512، إثر انصياع جزء منها إلى إرادة المستعمر، وتسليمها لأبناء شيوخها وأعيانها رهائن لديه[4]. والشاهد ما وصفه “كويش” في مشهد تضرع عيسى بن أبي بكر شيخ قبيلة الغربية وهو خارّ تحت قدمي القبطان “نونو فرناند دي أتايد” ( Nuno Fernandes de Ataide ) مع سبعة من أعيان القبيلة، يستعطفونه أملا في ثنيه عن استباحة مضاربهم[5]. والحالة نفسها أوردها الوزان مثيرا مسألة الشيوخ الذين كانوا يرغمون على الامتثال والرضوخ لدرأ الغارات البرتغالية الوحشية.[6]لكن ما إن تنام إلى مسامعهم بالجيش الوطاسي القادم لطرد الاحتلال وردّه على أعقابه سنة 1514م، حتى نفروا إليه والأمل يحدوهم في الخلاص من عسف المحتل وأزلامه، وفي المعركة(معركة الجمعة) استشهد سبعة من شيوخها، ولم يكترث الشيخ كريمات الذي شارك في المعركة، لمصير أنجاله الذي سلمهم رهائن في ثغر أسفي، وآثر العصيان والالتحاق بالجيش الوطاسي، والفعل نفسه قامت به قبيلة أولاد عمران الجنوبية التي أعلنت عصيانها بعد أن تعهدت لقبطان أزمور بالسكون والامتثال، فقتلت الشيخ الذي فُرض على قبيلتها وأسرت ثلاثة عشر برتغاليا كانوا يعززون سلطته[7]، بل يمكن القول إن القبائل الدكالية قاطبة التي قارعت الاحتلال البرتغالي واضطرت للرضوخ، انضمت للجيش الوطاسي، والشاهد، الرسالة التي بعثها الملك إيمنويل إلى قبطان آسفي سنة 1514م، يأمره بتعيين الشيوخ المعادين للوطاسيين في مناصب قيادية، فكان جوابه ينفي وجود أيّا منهم[8]. لكن إعلان الوطاسيين والهنتاتيين الانسحاب من مواجهة البرتغال حينا، و جنوحهم إلى عقد هدنة طويلة الأمد مع قوادهم أحايين أخرى، لم تكن تترك للدكاليين أي خيار في ظل واقع ضعف الإمكانيات غير خيار العودة من جديد وبشروط أكثر قسوة لربقة الاحتلال، فحين أزمع الناصر الكديد سنة 1514م العودة إلى فاس دون أن تحقق الحملة الأهداف المرجوة، عادت بعض القبائل تلتمس العفو من المحتل للسلم من انتقامه، فاشترط عليها مهاجمة جيش بني وطاس للتدليل على الندم والولاء[9]. أما التي أنفت الاستسلام للعدو فقد آثرت هجرة أراضيها وترك محاصلها وأرزاقها، وللالتجاء إلى قبائل حليفة أو إلى مناطق تحت السلطة الوطاسية أو الهنتاتية طلبا للنجاة، غير أن التشرد والجوع وشح الأقوات في القبائل المستضيفة، كانت ترغم بعضها على العودة إلى مضاربها والقبول على مضض بالأمر الواقع[10]. وعقب مقتل العميل يحي أوتعفوفت ثارت دكالة من جديد على سلطة الاحتلال، وفر بعضها إلى منطقة أنماي ينتظر العون الوطاسي بعد أسرها عددا من البرتغاليين، ولما تيقنت من خذلان الوطاسيين لها، لم يسعها سوى طلب الصلح من جديد، والمفاوضة بما لديها من الأسرى لاتقاء شر التنكيل والانتقام، وأما القبائل الأخرى فقد فضّلت الانصراف عن النفوذ البرتغالي والعيش في كنف السلطة الوطاسية بسهل سايس[11]. وهذا ما يحيل إلى فهم أن خضوع قبائل دكالة، جاء نتيجة الفراغ السياسي وغياب كيان قادر على تأطيرها وتنظيمها ورص صفوفها في جبهة واحدة ضد الغازي، لكن ما إن دخل السعديون إلى مراكش وأظهروا قوة في مجابهة البرتغال، حتى بادرت القبائل الدكالية إلى الانقلاب على المحتل وإبداء استعدادها في مناجزته تحت قيادة وتوجيهات الشرفاء السعديين[12]. وكان شيوخ القبائل الدكالية البعيدة أو الواقعة على حواف مدينتي أزمور ومازيغن، من أكثر القبائل تمردا وعصيانا على الاحتلال البرتغالي، ومن أمثالهم الشيخ علي مومن والشيخ أويشو[13]، الأمر الذي كان يعرّض مثل هذه القبائل لحملات تأديبية غاية في البربرية، كما سرى على أولاد مطاوع وقريتي “بنكير” و”تافوف”، لدرجة أن الدكاليين كانوا يفضلون التردي من أعالي الصروح والشواهق، من السقوط في يد البرتغال الذين اشتهروا بالتفنن في تعذيب الأسرى قبل قتلهم[14]، وقد تغيا المحتل من الإثخان في معاقبة القبائل الآبقة، ترويع صِنْوتها الباخِعة وترهيبها من الخروج عن سلطتها أو التفكير في الانفساق عن طوعها وإرادتها، ولم يكن العنف والترويع الأداة الإستراتيجية الوحيدة التي وظفتها الطغمة المحتلة لتطويع القبائل، بل جدّت في تجنيد الجواسيس والعملاء من مختلف شرائح المجتمع الدكالي وإجزال العطاء لها، لإخطارها بتحركات المجاهدين وتدجينها للقبائل، فالرشاوى أدت أدورا وازنة في مخطط الاحتلال، فبذلها بسخاء مثلا حافظ بها قبطان أزمور على ولاء بعض القبائل له، حالما دخل الجيش الوطاسي لدكالة سنة 1514م، ومقابل 50 أوقية لكل شيخ من شيوخ أولاد عمران تم إغراءهم للعدول عن تمردهم والدخول في طاعته. في حين قدم القبطان “أتايد” لواشٍ دكالي 8000 ريال جزاء إبلاغه بمواقع فسطاط الناصر الهنتاتي المبثوثة على المجال الدكالي سنة 1541م، وتسلم شيخ الغربية ميمون ثلاثة أمتار من الكتان أي ما يساوي 900 ريال، بينما توصل أحد أعيان السور القديم بنصف رطل من القرنفل، في الوقت الذي تسلم فيه شيخ عبدة حسون 2420 ريال وأرطال من التين المجفف، لمعلومات قدموها للبرتغال سنة 1509م[15].
2-مظاهر من المقاومة الدكالية للاحتلال البرتغالي:
استطاع البرتغال بفضل تفوقهم المادي وتباين الإمكانيات العسكرية بينهم وبين الدكاليين، من إخضاع حواضر المنطقة وقبائلها لواقع الاستعمار، ففي الوقت الذي كانت فيه الساكنة تدافع بوسائل قتالية بسيطة من قبيل الفؤوس والسيوف والنبال والرماح والحجارة بأجساد عارية، وأوزاع في الغالب غير مدربة أو منظمة، كان المحتل يملك جيشا نظاميا مدربا مُدججا بدروع حديدية واقية، وأسلحة نارية فتاكة وأصناف متطورة من البنادق والمدافع والمصدات. والحق أن قبائل دكالة لم تأل جهدا في مواجهة المحتل رغم الفوارق الصارخة بينهما في موازين القوة، حيث ألجؤوا المحتل غير ما مرة إلى الاندحار عن ساحة المواجهة بقصفه بأكوام من الأكياس المحشوة بالعقارب[16] وخلايا النحل.[17]
وكان غالبا ما يتصيد الدكاليون غرماؤهم البرتغال في مراتع الصيد، على طول نهر أم الربيع، حيث كانوا يجدونها وسيلة ليقايضوا أسراهم، أو للانتقام وإشفاء الغليل عما اقترفت أيديهم من تقتيل وتذبيح وتعذيب لكل من رفض الخنوع لهم، كما كانوا يتفننون في نصب الكمائن والمشارك لمواكبهم وقوافلهم، قصد نهبها وأسر من فيها، وحصر الإمدادات الغذائية عنهم، وإسكان الرهبة في نفوسهم وتضييق العيش عليهم، وكلما آنسوا ضعف الحراسة على المراكب البرتغالية الراسية فوق نهر أم الربيع، مالوا عليها ينهبونها ويخربونها، والشيء نفسه سحبوه على محاصيلهم الزراعية، إذ كانوا يأتون عليها حرقا وتدميرا، أو يسرقوها عنوة إذا كانت اللحظة سانحة. هذه الغارات المترادفة جعلت الحاكم العسكري لأزمور يطلب العون من قائد سلا أملا في كبح تنامي وبال الأنشطة الجهادية المترادفة، وكبت حماسها[18]. وقد اشتهرت قبيلة أولاد يعقوب وشيخها ناصر بودومة بهذا النوع من الجهاد، فعمليات الاختطاف الغفيرة التي تحدث قرب نهر أم الربيع في صفوف البرتغال وأعوانهم، كانت باعتراف قبطان ثغر أزمور، تتركه في حالة استنفار قصوى[19].
ومن أهم العمليات الجهادية في دكالة التي رجّت الكيان الغاصب في المنطقة، مقتل القائد العسكري وحاكم دكالة الحمراء المدعو “نونو فرناندش دي أتايد” -الذي طبق صيته آفاق المغرب برمته، بما اشتهر به من ممارسات وحشية ضد ساكنة دكالة وأحوازها- على يد شيخ قبيلة أولاد عمران الجنوبية رحو بن شحموط سنة 1516م، فبعد أن رفضت قبيلته الخنوع للقائد البرتغالي، قام هذا الأخير في تجريدة كبيرة بالإغارة عليها ونهبها، وسَوْق من قدر عليهم من الرجال والنساء والأطفال أسرى مكبلين، وضمن هؤلاء كانت زوجة الشيخ رحو الذي عزم على تحريرها مع الباقي، وما إن كفكف صفوفه حتى ركب ظهورهم، وطفق يتحين المناسبة لفك أسرى القبيلة، دون أن يفكر في الإقدام على مناجزتهم في مواجهة مباشرة، ولما أحسوا باقتفائه أثرهم، دبروا للإيقاع به بدفعه للمواجهة، عن طريق استشاطة غضبه وإفلات أعصابه، وذلك بالسماح لزوجته مجاذبته الحديث، وهي تجأر تضرعا في الفكاك والتخليص، لكن حصافة الشيخ ووعيه بتباين مستوى القدرات العسكرية بينه وبين المُغير، جعلته يتمالك وجدانه، ويكتفي بمناوشة التجريدة البرتغالية ومشاغلتها، وفي الوقت نفسه يترصد اللحظة الموائمة لهجوم مثمر، وما إن رمق خلع القائد “دي أتايد” لأزرار سترته من جهة الجِيدِ، حتى وجه صوبه في لمح البصر نصل رمحه في دقة متناهية، أرداه في توّها صريعا، ما أدى في ذهول مقتل “دي أتايد” ورهابهم من المشهد، إلى ارتباك شديد في تجريدة الغزاة، وقد زادهم خبالا تنازع بعض القادة على من يخلف “دي أتايد” في القيادة العامة للجيش، وانقلاب جنود القبائل الدكالية (الغربية والشرقية وعبده) المشاركة في الحملة، حيث قادوا هجوما مشتركا على الكتائب البرتغالية، أسفرت عن مقتل أعداد جمّة من البرتغال، وأسر 35 منهم، بينهم قائدان، وتحرير كل أسرى القبيلة واستعادت الغنائم، واغتنام الأسلحة والعتاد الذي كان بحوزة البرتغال[20]، فقلب الشيخ الهزيمة نصرا، بعدما أبان عن عزم وجلد وذكاء، خطّ بهم صرح ملحمة جهادية ركينة، ما فتئت الذاكرة المحلية تجترها بفخر واعتزاز. كما تجتر بالشعور نفسه مشهد إرداء يحي أو تعفوفت غيلة، جزاء تفانيه في خدمة المصالح البرتغالية في المنطقة، وقيادته لأكثر الحملات الإرهابية المُسيّرة لتطويع القبائل وانبطاحها للمحتل، فلما أزمع احتلال مراكش سنة 1519م، أرسل يطلب من قبيلة أولاد عمران تعزيزات عسكرية بعد أن رفض الحاكم “نون دي ماسكاريناس” تزويده بالخمسمائة رمح والمدفعين الذي طلبهم لإنجاح الغزوة، واكتفى بمنحه خمسين فارسا، بيد أن القبيلة امتنعت عن تلبية طلبه،[21] وقررت تصفيته وشلّ شره عن مراكش، وعقب وصوله “للملاحات” الواقعة على مقربة من مضارب قبائل عبدة، بلغه مقتل بَرْوان أحد قواده بأولاد مْطاع، ونهب القبيلة وسلبها على يد فرسان الأمير إدريس (أمير قسم من جبال الأطلس المتوسط) المنحدرين من قبائل سكورة وتادلا، فقرر أن يذهب في وفد بصحبة ثلاثة شيوخ من القبائل المتحالفة (هم: محمد موزاند و يعقوب الغربي وبونهيرة) لتقديم التعازي لأخيه عزّو شيخ قبائل عبدة وتقديم هدايا المودة والمواساة. وفي الوضيمة وأثناء تحلقه حول مائدة العشاء، دخل عليه شخصان يدعيان عسو وغانم ادعيا أنهما شيخان من قبيلة أولاد عمران جاءا لتعزيته وتقديم العون لحملته، وما إن آنسوا غفلة منه حتى وجهوا إليه طعنات قاتلة أسقطته يلفظ أنفاسه الأخيرة، وبمجرد علم أولاد عمران باغتياله، قاموا بالإغارة على جنود المعسكر قتلا ونهبا[22]، ما اضطر فلول الحملة إلى الفرار صوب آسفي، وفي الطريق انقلب جنود الغربية على البرتغاليين وراغوا يقتّلون فيهم[23]، ثم يمم الجمعان (أولاد عمران وفلول الغربية) وجههما شطر أعراب الغربية لرص الصفوف ضد النفوذ البرتغالي في المنطقة والتخطيط لثورة جديدة[24]، غير أن عامل أسفي استطاع إجهاض تدبيرهم في حملة تمكن خلالها من قتل خمسمائة دكالي وأسر ستمائة وخمسين آخرين[25].
وقد عد مقتل يحي أوتعفوفت في هذه الظرفية خسارة كبيرة للبرتغال، إذ رزئوا في عميل حارب في سبيل بسط نفوذهم على مناطق دكالة والحوز والشياظمة، وامتلك من الجرأة والغلظة والدهاء ما طوّع بهم القبائل لإرادة المحتل، وما أوقع هزائم مريرة بالحملات المغربية المُسْتنفَرة لتحرير دكالة، ففي سنة 1514م رد الجيش الوطاسي على أعقابه خائبا إلى عاصمة فاس، وبعد ثلاث سنوات (1517)، أوقع هزيمة بالناصر الهنتاتي صاحب مملكة مراكش، وبصنوه أمير الجبل في السنة نفسها، كما نجح في قطع دابر سلطة الناصر الهنتاتي في المنطقة، وتعثير جهود السعديين في بسط سلطانهم شمال تانسيفت والتحالف مع قبائل دكالة[26].
فبعد اغتيال القائد يحي أوتعفوفت، سهل على السعديين اختراق التحالف الدكالي البرتغالي الذي كان يرعاه الهالك ويفرضه على القبائل[27]، ونجحوا في إعادة دكالة من جديد إلى صفوف الجهاد ضد المغتصب، ولم يسجل منذ أن بدأ السعديون في دعم الجهاد الدكالي بالسلاح والعتاد، أن انقلبت قبيلة وأعلنت دعمها للطغمة المحتلة، وهذا ما أفادت به إحدى التقارير البرتغالية المبعوثة سنة 1519م إلى العاصمة ليشبونة، تنذر بزوال السيطرة البرتغالية عن قبائل دكالة[28]، بعدما أكدت أن كل قبائل دكالة صارت خارج دائرة الخضوع[29]. وهذا ما يعضد أطروحة أن الدكالي لم يكن ليخضع لغاصب إلا تحت الإكراه وقلة الحيلة[30]. وقد شكل انتصار السعديين بالجنوب على البرتغال، وتحرير أكادير سنة 1541م منعطفا هاما في تاريخ الصراع المغربي البرتغالي، إذ ترادفت على إثره انتصارات السعديين وتحرير بعض الثغور المحتل، فعقب هذا الانتصار، قاد الدكاليون بتنسيق مع الشرفاء تحرير ثغري أزمور وآسفي وأرباضهما مستهل سنة 1542م[31].
وقد أدت الحركة الصوفية دورا وازنا في في تقوية العزائم واستنفار الهمم وجمع الكلمة، بل تصدرت صفوف المجاهدين والشهداء الذين سقطوا في معركة تحرير أزمور، ولعل من بينهم:
- سيدي عبد الله بن مسعود الفكاك، دفين المقبرة المحادية لضريح مولاي بوشعيب
- سيدي غالم المشهور بسيدي غانم، المجاور جدثه لثانوية مولاي بوشعيب
- سيدي الضاوي دفين زنقة دار الصابون بالملاح.
- سيدي علي المشهور بسيدي علامو، دفين طريق القرعة بحي الزاوية الجديدة
- سيدي داود الكائن جدثه على مشارف السور برأس درب العرسة
- سيدي عثمان صاحب الجدث الذي يفرق درب سيدي أحمد الجعيني ودرب الجبلي[32].
أما في مازيغن بالمنطقة الوسطى فقد تزعمت زاوية سيدي سعيد المشترائي ورباطي سيدي بنور واليمس الجهاد ضد محتلي المدينة[33]، واشتهر الشيخ سيدي إسماعيل بن سعيد المشترائي بالحماسة في مقارعة البرتغال، “ذابا عن حوزة الإسلام منافحا عنه ضد من استطال عليه.“[34] حتى إن والده الشيخ سيدي سعيد المذكور، نزل له في حياته عن إدارة الزاوية وقيادة مجاهديها، وما إن وفد المريد محمد بن أحمد المالكي الزياني المشهور بالعياشي على دكالة بتكليف من شيخه سيدي عبد الله بن حسون سنة 1604م.[35] حتى اتصل بالشيخ إسماعيل للتنسيق معه في مجابهة البرتغال، وتشيد المظان التي تناولت المهمة التي أنيطت به في دكالة، بلاءه وقوة بأسه في مهارشة المحتل، وفي هذا الصدد يقول اليفريني: “ولم يزل مثابرا على الجهاد شديد الشكيمة على العدو، عارفا بوجوه المكائد الحربية، مقدما في مواطن الإحجام صمودا وقورا ذا بطش شديد، فطار بذلك صيته وشاع بين الناس ذكره بما هو عليه من التضييق على العدو. وانتهى به الأمر إلى أن عين قائدا لأزمور، فخاض المعارك بجلد لا يقهر وضيق على برتغال الجديدة أشد تضييق، وحاصرهم في المدينة، وغنم ماشيتهم ومنعهم من حرث أراضيهم، ولكنه فر بنفسه إلى سلا في 1614م حينما علم أن السلطان مولاي زيدان أصبح يرتاب في أمره“[36] فلما وجّه المولى زيدان قائده محمدا السنوسي لقتله في أربعمائة ألف فارس، أوفد للعياشي خفية، أن انج بنفسك فإنك مغدور، وبمجرد أن توصل بفحوى الرسالة حتى خرج في أربعين فارسا صوب سلا.”[37] لكنه عاد سنة 1640م بعدما استقل بسلا وأصبح حاكما عليها، حيث أغار على ثغر البريجة وأفنى منهم كتيبة قوامها 139 [38] فلم ينج منها سوى سبعة وعشرين برتغاليا، ثم اقفل عائدا إلى إمارته استعدادا لكرة أخرى، جارا معه ثمانية عشر أسيرا[39] ، بيد أن القدر لم يمهله لمواصلة الجهاد بدكالة، جراء اغتياله في ظروف لم تسعفن المظان في الإلمام بملابساتها، غير أنها أحاطتنا بالأسباب التي دفعته للعودة إلى المنطقة رغم أنها لا تدخل في مجال سلطانه، وفي ذلك يقول اليفريني:”…إن أهل البريجة عقدوا المهادنة مع أهل أزمور مدّة، فكان من عزّة النصارى وذلّة الإسلام في هذه المدة ما تنفطر منه الأكباد وتخرّ له الجبال، فمن ذلك أن زوجة القبطان خرجت ذات يوم في مخفتها ومعها حاشيتها إلى أن وصلت حلّة العرب، فتلقاها أهل الحلّة بالولاول والفرح وصنعوا لها الأطعمة وحملوا لها الهدايا من الدجاج والحليب والبيض، فظلت عندهم في فرح عظيم، ولما كان الليل، أمرت زوجها أن يخرج جيوشه ويبعث لقائد أزمور ليخرج بجيوش المسلمين فيلعبون فيما بينهم، وهي تنظر إليهم وتتنزه فيه، فكان ذلك، فجعلوا يلعبون، فما كان إلى أن حمل كافرا على مسلم فقتله، فكلّم الولي القبطان وأخبره بما وقع، فقال القبطان: “فما يضركم إن مات شهيدا”، يهزأ به ويسخر من المسلمين، وكان سيدي محمد العياشي كلما سمع شيئا من ذلك تغير وبات لا يلتذ بطعام ولا بمنام، وهو ينظر كيف تكون الحيلة في زوال المعرّة عن المسلمين وغسل أعراضهم من وسخ الإهانة، وكان قد أصبح رئيسا لإمارة سلا، فتوجه للبريجة في رابع صفر عام تسعة وأربعين وألف، وهاجم الأعداء وقضى على كتيبة لم ينج منها سوى سبعة وعشرين شخصا، ورجع إلى سلا حيث تم اغتياله[40]. “
وحين أزمع المجاهد العياشي العودة على مضض إلى سلا سنة 1615م، أراد أن يترك دكالة ورباط الجهاد لجِب لازِب فيها، لا يكل المجاهدون ولا يسكنون عن ترويع المحتل ومهاجمته بين الفينة وأخرى، فلم يجد أفضل من الشيخ إسماعيل يعهد إليه بقيادة الحملات الجهادية، وبث روح الحماسة والتبات في نفوس المرابطين وسعر عزائمهم، وفي هذا الصدد يقول الفقيه الكانوني: “كان الزعيم أبي الفداء إسماعيل بن سعيد القاسمي صاحب الزاوية على مقربة من الجديدة ممن انضوى تحت لواء الزعيم أبي عبد الله سيدي محمد العياشي في حرب برتغال ثغر الجديدة، ولما ارتحل أبو عبد الله العياشي من هذه البلاد تركه قائما بأعباء تلك المهمة.[41]“ وحين وافته المنية تسلم قيادة الزاوية والجهاد في المنطقة نجله أحمد المجاهد الملقب بمعبر، وظلت الزاوية منتصبة للجهاد ضد المحتل حتى تم تحريرها على يد السلطان محمد الثالث[42]، بمعية أولياء ومجاهدين من مختلف أرجاء المملكة الشريف، أشهرهم مولاي الطاهر الغنيمي أكبر أولياء سطات، و سيدي محمد الضاوي كبير أولياء البيت الشرقاوي في أبي الجعد وشيخ آل وزان. وقد خلّدت المدينة شهداءها الذين استشهدوا في معارك التحرير، حيث أبت الزوايا والأربطة في دكالة إلا تنصب على بعضهم قببا وأضرحة بيضاء، اعترافا بما قدموا في سبيل تحرير البلاد والعباد من نير الاحتلال البرتغالي، ولعل من أشهرهم:
- سيدي محمد الشهيف الملقب بالشلح، الموجود رمسه على الطريق المؤدية إلى سيدي بوزيد.
- سيدي سالم، دفن في المرة الأولى بالبرج ثم أعيد دفته قرب سيدي الضاوي
- سيدي بوافي، رمسه بجوار المنار
- سيدي الضاوي بوخربة، رمسه موجود بالمويلحة
- سيدي محمد النخل، يوجد رمسه بحي بوشريط على مرمى حجر من مستشفى محمد الخامس[43].
ورغم أن النساء إبان هذه الفترة كن محظور عليهن الكر على المحتل، والمشاركة في اقتحام معاقله ومقارعته في مختلف الأوضاع، فإنهن لم يألِن جهدا في استنفار الهمم ورفع معنويات المجاهدين وحثهم على الثبات والمكابرة والإقدام، وفي هذا الشأن ما انفكت الذاكرة الدكالية تلوك ملابسات قصة الفتاة التي أصرت أن يكون مهرها رأس أحد فرسان برتغاليي البريجة (الجديدة)، فما كان من الخاطب المدعو مولاي حمّو إلا أن استكتب قائد أزمور، ملتمسا منه مراسلة حاكم البرتغال على مدينة البريجة، يدعو فيها أشجع فرسان البرتغال إلى المبارزة حتى الموت، وما إن قرأ الحاكم مضمون الرسالة، حتى أمر بعقد اجتماع عاجل مع وجهاء المدينة وقواد جيشه، لاستشارتهم في الرد المناسب على الرسالة، فنصحوه بقبول التحدي، على الشروط التالية:
أولا: أن يبتعد المناصرون عن فارسهم بخمسين خطوة.
ثانيا: أن لا يبق على حلبة الصراع إلا متبارزان.
ثالثا: أن يحدد حيز المبارزة في خمسين شبرا.
رابعا: أن الشارد عن الحدود المخصصة للمبارزة يصبح عبدا للمنتصر.
خامسا: أن لا يسمح باستعمال غير السيف والرمح في المبارزة، ويتأكد من ذلك عدلين من المسلمين وبرتغاليَيْن.
أما وقت وساعة المبارزة فقد سمح بتحديدهما من لدن والي أزمور. وبعد أن أذاع الخبر بين صفوف جيشه طلبا في مبارز، تقدم إليه شاب برتغالي في الثلاثين من عمره، أسمر اللون، كثيف الشعر، أسود اللحية، برأسه جرح لم يندمل. وبعد يومين من وصول الرد على الرسالة، تقررت المواجهة وبه تم الإعلام، فحشر في ظهيرة اليوم المعلوم، جمهور عرمرم من مدينتي أزمور والبريجة لمتابعة الحدث، بحضور الحاكمين. وأثناء التأكد من الالتزام بالشروط المذكورة للمبارزة، وجد مع الدكالي تميمة معلقة على عنقه، فطالب البرتغاليون بشلحها، لكن الدكالي أصر على الاحتفاظ بها بحجة أنها ليست سلاحا، ولا تدخل ضمن الشروط التي قيّدها البرتغال لقبولهم للمبارزة، وفي غمرة هذه المهاترة، تعالت عقيرة الدكاليين بعبارات الله أكبر فتح ربي ونصر، هذه الهتافات سربت في قلوب البرتغاليين الرعب والارتياب من أن تتملّك المكبّرين الحماسة والاندفاع، فيميلوا عليهم ميلة واحدة، فطلبوا إلغاء المبارزة، وانسحبوا على عجل إلى معاقلهم[44].
3- ملابسات تصفية الاحتلال البرتغالي من دكالة
لم يمنع اندحار الاحتلال البرتغالي من أسفي وأزمور سنة 1542م، الملك إيمنويل من إصدار أوامر صارمة للتشبث بمدينة البريجة وتحصينها بما يحفظ احتلالها، مسوغا هذا الإجراء بالميناء الاستراتيجي الذي تتمتع به، والدور الذي يمكن أن تؤديه المدينة كقاعدة هجوم متقدمة في استعادة مكتسباتها في دكالة، وقد تم تمنيعها أملا في تحقيق هذا الأمل بسور سمكه 11 مترا وعلو 14 مترا، وخندق يسيّج المدينة عمقه 3 أمتار[45].
ومنذ ذلك الحين والثغر محط اقتحام السلاطين، ومجمع جهاد المغاربة الدكاليين وغير الدكاليين المرتجين تطهيرها من الاستعمار. ولمعايشة هذا المرتجى استنفرت كل الجهود الرسمية والشعبية وتضافرت ابتغاء لذلك، فعلى المستوى الشعبي بقيت المدينة محاصرة من قبل المجاهدين، وظلت طوال فترة الاحتلال مركز هجوم قار للمرابطين من مختلف ربوع المغرب، تحت إشراف وقيادة شيوخ الزوايا وبعض المريدين، أما على المستوى الرسمي ففي العهد السعدي، همّ محمد الشيخ السعدي لاقتحامها، واستنفر قواته ابتغاء ذلك، “ففي فجر مارس 954هـ/1547م هاجمت كوكبة من مائة فارس مغربي مدينة البريجة، فواجهها حاكم المدينة « لويز دو لوريرو » ( Louis de Luureiro) مصحوبا بابنه مع مائة وعشرين فارسا وثلاثمائة راجل، فتظاهر المقاومون بالانسحاب لاجتذاب الحاكم ورجاله إلى فخ نصبه القائد حمو بن داود، الذي كان على رأس ستين ألف فارس، فهلك البرتغاليون ومن ضمنهم نجل الحاكم.
وقد طوق الشريف السعدي عبد الله الغالب بالله البريجة المحتلة من طرف البرتغال بمأتي ألف جندي ( 120000 من المشاة و17000 فارس و13500 من الطلائع مع 24 مدفعا”[46]، لكن خبرا عن تحرك حشود من القوات العثمانية صوب المغرب اضطره إلى إصدار أوامره بالانسحاب، وعقد هدنة مع القوات الإيبيرية للتفرغ لمواجهة القوات العثمانية. وكانت المدينة سنة 1562م قاب قوسين أو أدنى من تحريرها على عهد عبد الله الغالب، بيد أن التحرك العثماني على الحدود الشرقية جعل السلطان السعدي يرتاب من ذلك وينسحب بكل القوات تأهبا لكل طارئ. وفي هذا الصدد يقول الناصري: “وحاصر عبد الله الغالب بالله البريجة سنة 969هـ/1562م، وجهز لذلك جيشا كثيفا واستنفر لها قبائل الحوز، وجعل قيادة الجيش لابنه المعروف بالمسلوخ، فحاصر الجيش المدينة أربعة وستين يوما، وحطم بعض أسوارها، ولم يقض الله بفتحها“[47]
وفي الشأن ذاته، نقل الناصري عن المؤرخ البرتغالي “لويس مارية”، وصفا لحصار البريجة، عدّ فيه “خيل المسلمين بنحو ثلاثين ألفا، والرماة ضعف ذلك، وكان فيهم عسكر الترك المعروف بالبلدروش، وكانوا يومئذ جندا للسعديين، وكان معهم عشرون مدفعا …وتقدموا إلى البريجة فحاصروها حصارا شديدا، وحاربوها حربا هائلة، وأرسل الترك عليهم أنواع الحراقات. وبعد حصار مرير ارتحل المسلمون فعمل النصارى لذلك عيدا، وأحدثوا في كنائسهم صلوات لم تكن قبل، وذلك بإشارة من بابا بروما”.[48]
وفي الحادث عينه، أورد اليفريني “أن القائد علي بن تودة دخل البريجة وأخذ أسوراها، وعزم على أن يستأصل في الغد بقيتها… فكتب إليه السلطان الغالب بالله ينهاه عنها، فتراجع النصارى إليها بعد أن ركبوا البحر عازمين على الجلاء عنها”[49] كما تنبه عبد الملك السعدي للخطر الذي يمكن أن تحدقه الحامية البرتغالية المستوطنة للبريجة بالقوات المغربية المتوجهة إلى محاربة البرتغال وحلفائها، وهذا ما دفعه إلى تشديد الحصار عليها، وكاد المحاصرون أن يستعيدوا المدينة إثر الهزيمة التي مني بها الملك “سبستيان” في معركة واد المخازن، لكن تدخل القوات الاسبانية بحرا نقض جهدهم وأجل تحرير المدينة مرة أخرى[50].
أما على عهد الدولة العلوية فقد انبرى محمد الثالث لتحرير ثغر البريجة، وحين عزم على ذلك جدّ في تحسين علاقاته مع فرنسا، وسعى في ضمان حياد إسبانيا من أي حرب تحريرية ضد البرتغال، كما عقد معاهدة مع الدنمارك سنة 1768م، نص فصلها السابع عشر على التزام الدنمارك بتقديم أسلحة وعتاد حربي، تسلم منها على عجل خمسة وعشرين مدفعا من العيار الثقيل والمتوسط بقذائفها وكل توابعها، وفي السنة نفسها زوده الباب العالي بإمدادات عسكرية[51]، وما إن هيأ أسباب الانتصار العسكرية والدبلوماسية، حتى شرع رسميا في التأهب لاستخلاص المدينة، ولعل من أهم المظان التاريخية التي يمكن أن ترضي الفضول عن هذا الحدث، لعنايتها بتفاصيل معتبرة عن معركة تحرير البريجة، نذكر مؤلف الحلل البهيجة في فتح تغر البريجة[52] حيث أورد من بين ما أوده في هذا الشأن قوله: “…ثم إن الملك أخذ في إصلاح شأنه وأرسل إلى جنوده وعساكره يأتون للجهاد في سبيل الله ويتهيأون للحرب كما أمرهم وأن يركبوا الخيول المسومة ويلبسوا الثياب لقوله تعالى: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم. ثم أرسل الملك إلى قبيلة دكالة أن ينزلوا البريجة المخلية وأن يربطوا عليها حتى يقدم الملك عليهم..”[53]. في حين وصف الضعيف ملابسات المعركة بالقول “ولما أحس – أعزه الله برضاه وأدام نصره وأعلاه – من الكفار المتعمرين بالبريجة البلدة المعروفة بساحل البحر قرب أزمور الأذية لرعيته توجه إليها بعزمه وعنايته وحاصرها بالجيوش التي لا قبل لهم بها، ورماها بالكور والبومب، فلم يلبث إلا أن أخرجهم منها أذلة صاغرين وهدمها، فهي الآن تسمى المهدومة وتسمى اليوم الجديدة على أمره، وهو الذي سماها بذلك – نصره الله وأيده وأعانه ووفق وسدده – فاستولى عليها..”[54]
ففي 1181ه الموافق ل1768م يمّمت من مراكش الحملة المغربية وجهها صوب ثغر البريجة، وأول إجراء قام به قائد الحملة هو تعيين تجريدة عسكرية بحرية لضرب حصار على الميناء، للحيلولة دون بلوغ النجدات والإمدادات البرتغالية لحاميتها بالمدينة، وما إن وصل جيش التحرير ودق فسطاطه على فحص المجاهدين المتاخم للمدينة، حتى نصب مدافعه شطر قواعد المحتل، وبدأ في رجمه بوابل من القاذفات النارية، ولما يئس برتغال البريجة من النصرة والإمداد، أعلن قائد الحامية استسلامه، ورجا السماح له بالرحيل مع من تبقى من أهله وجنوده، صبيحة يوم السبت الثاني من ذي القعدة سنة 1182 ه الموافق للحادي عشر من مارس سنة 1769م[55].فقبل القائد مطلبه على أن لا تتعد مهلة الجلاء ثلاثة أيام، ويروي لنا المؤرخ البرتغالي “أمدور باتريسيو”Amador Patricio) )، أن الحامية البرتغالية قبل مغادرتها المدينة، خربت أسلحتها وفجّرت حصونها ودكت أسوارها وأضرمت النار في منازلها وكل شي ذي فائدة، وقد قتل جراء ذلك ما بين سبعة آلاف وثمانية آلاف مغربي[56].
خلاصة:
حالما أخفقت الإستراتيجية البرتغالية بدكالة في صناعة عملاء يكفونها مؤونة غزو واحتلال المنطقة، وسلّمت أن لا مناص من إدارتها المباشرة، حتى أزمعت لشبونة على استعمار المنطقة وضبطها مباشرة لعمليات الاستغلال والاستحواذ والاحتكار، وفي غمرة الظروف السياسية الصعبة التي كان يعيشها المغرب آنذاك، تمكن البرتغالي من إخضاع دكالة بسرعة إلى ربقة الاستعمار، ثم طفق يتوغل في تخوم الشياظمة والشاوية والحوز وحاحا رغم إمكانياته البشرية المحدودة، فالفراغ السياسي الذي عاشته دكالة ومناطق أخرى من المغرب، وما وازاه من ضعف السلطة الوطاسية والصراع المحموم الذي جمعها مع الشرفاء السعديين، أسباب وبواعث رئيسة أسهمت بقدر وازن في التذليل للاستعمار البرتغالي والتوطيد له في المنطقة، وإذا ما اعتبرنا دكالة استثناء من حيث زَمَاعُ التوسع الاستعماري وقوة انتِداحه في المجال، -إن قورنت بباقي الكور المغربية التي عاشت المصير نفسه-، فان الاستعمار فيها شهد بالمقابل انتكاصا مطردا بعيد دعوة الشيوخ والفقهاء مقاطعة الثغور المحتلة واغتيال العميل يحي اوتعفوفت سنة 1519م، وقد استفحل الأمر وتمطّى بكلكله، عقب نجاح السعديين في النفوذ إلى المنطقة ودعمهم للجهاد في دكالة، الشيء الذي حذا بالملك “إيمنويل” التفكير جديا في الانسحاب من دكالة سنة 1529م، بعدما تأكد له أن مغارم المنطقة باتت أكثر من مغانمها، وأنها بدأت تفقد جاذبيتها ومنافعها التجارية، بعد أن صار الكثير من تجار المنطقة يمنع السلع والبضائع عن البرتغاليين، ويربأ عن التعامل مع المحتل، فانقلب الوضع رأسا على عقب، وأمست المستعمرة عبأ على خزينة المملكة بعدما كانت شريانا يغذي مواردها المالية، لكن قواد الجيش المقربين من الملك أقنعوه بالعدول عن الفكرة.
ولم يشهد أن وهن عزم القبائل الدكالية في الذود عن بيضة موطنها ودينها، أو سكتت عن ضيم لحق بها، إلا حين تعدم الوسيلة ولا تجد غير الصبر والانصياع سبيلا، درأً لإبادتها وتقية للصيانة مقدراتها وأرواح أهلها وعشائرها، لكنها تظل ترقب أنصاف الفرص لكسر قيود الخنوع والامتثال، وتتربص الدوائر للانتقام من عدوها الجائر كما بينا في معرض هذه الدراسة، وفي هذا السياق أكد المؤرخ البرتغالي “دافيد لوبش” أن الخزي والعار الذي شبّه الاستعمار في الشعور الجمعي للمغاربة المستعمَرين، جعلهم في تَربُّضٍ لابِد ضد الاحتلال البرتغالي، ودفعهم إلى كفكفة جمعهم ولملمة صفّهم تحت لواء الجهاد الذي عقده السعديون، وفي السياق نفسه عدّ أن نجاح الشرفاء في قيادة الثورة بحماسة واقتدار، نابع من كون المغاربة أصحاب دين وحضارة ركينة، وفرسان يتمنعون ببسالة وإقدام، ومهارة في الكر والفر وفنون القتال عز نظيرها بين الشعوب التي تم إخضاعها من لدن الاستعمار البرتغالي. وقد توجت هذه الانتفاضة ضد “البرطقيز” بجلائه من الكور الدكالية وقبائلها سنة 1541م، باستثناء مدينة البريجة (الجديدة) التي ظلت تحت نير الاستعمار رغم محاولات الإفتكاك الرسمية والعفوية التي لم تفتر طوال هذه الفترة، حتى تم تحريرها على يد السلطان العلوي محمد الثالت يوم 11 من مارس سنة 1769م.
قائمة المراجع :
المراجع بالعربية:
- ابن القاسم المراكشي(محمد)، الحلل البهيجة في فتح ثغر البريجة، مخطوط الخزانة الملكية الحسنية بالرباط، تحت رقم6977.
- ابن عبد الله (عبد العزيز)،” التطور الحضاري بإقليم الجديدة”، مجلة المناهل، العدد 27، السنة 10، يوليوز 1983.
- بوشرب) أحمد)، دكالة والإستعمار البرتغالي إلى سنة إخلاء أسفي وأزمور وقبل 28 غشت، دار الثقافة، 1989.
- الحاجي السباعي، منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، دار ألي رقراق للطباعة والتشر، الرباط، 2010.
- دييغو دي طوريس، تاريخ الشرفاء، ترجمة محمد حجي وآخرون، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، شركة النشر والتوزيع، الدار البيضاء، 1989.
- التازي(عبد الهادي)، أزمور مولاي بوشعيب من خلال التاريخ المحلي والدولي للمغرب، مجلة المناهل العدد 35، السنة 13.
- عبد الوارث (أحمد)،” التيار الصوفي ومقاومة الاستعمار البرتغالي بدكالة”، ط 2، ندوة علمية بعنوان: دكالة وتاريخ المقاومة بالمغرب، منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط، 2010.
- مارمول، إفريقيا، ج 2، ترجمة محمد حجي، محمد زنيبر، محمد الأخضر، أحمد التوفيق، أحمد بنجلون، مكتبة المعارف الجديدة، 1984.
- ميشوبيلير، مدينة أزمور وضواحيها، ترجمة وتعليق محمد الشياظمي الحاجي السباعي، منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، مطابع سلا ، سلا، 1989.
- ميشوبيلير، تاريخ ناحية دكالة: دراسة جغرافية وتاريخية واجتماعية، الجزء الأول، ترجمة وتعليق محمد الشياظمي، ج 1، منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، الرباط، 2010.
- مجهول، احتلال البرتغاليين للثغور المغربية، مجلة البحث العلمي، العدد 9، السنة 3.
- الكانوني (محمد)، جواهر الكمال في تراجع الرجال، الجزء الاول، الدار البيضاء، 1352هـ،.
- الكانوني(محمد)، آسفي وما إليه قديما وحديثا، مصر، المكتبة التجارية الكبرى، 1353هـ.
- الشادلي (عبد اللطيف)، الحركة العياشية : حلقة من تاريخ المغرب في القرن 17م، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، 1982.
- الناصري(أحمد )، الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، الجزء 5 ، تحقيق: جعفر الناصري ومحمد الناصري ، الدار البيضاء، دار الكتاب، 1955.
- رزوق (محمد)، “الجهاد البحري في عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله“، دعوة الحق، العدد274، أبريل 1989.
- الزياتي (أبو القاسم)، الترجمان المغربي مخطوط الخزانة العامة بالرباط، تحت رقم 658د.
- الزياتي (أبو القاسم)، الترجمان المغربي، م.س، ص. 20.
- الضعيف الرباطي(محمد)، تاريخ الدولة السعيدة، تحقيق أحمد العماري، نشر دار المأثورات، الرباط، 1986.
- الوزان (الحسن)، وصف إفريقيا، ترجمة محمد حجي، محمد الأخضر، ط 2، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1983.
- اليفريني، نزهة الحادي بأخبار ملوك الحادي، مخطوط موجود في الخزانة العامة بالرباط، تحت رقم 7099.
- اليفراني(محمد الصغير)، نزهة الحدي بأخبار القرن الحادي، ط2 ، مكتبة الطالب، الرباط، د.ت.
المراجع بالفرنسية:
- Archive national de Rabat., Carton n°P37, Mazagan Deauville marocaine.
- Bellaire (Michaux), Villes et tribus du Maroc, région des Doukkala, tom 1, Ed Frontis, pice, Casablanca, 1926.
- Bellaire (Michaux ,(Villes et tribus du Maroc, Azemmour et sa Baulieue , tII, ed. Honoré champion, Paris, 1932.
- Damiao de Gois, les Portugais au Maroc1491-1521, traduit et commenté par Robert Ricard, Ed.Frontispice, Casablanca, 2013.
- Goulven )Joseph,( Histoire Economiste du doukkala.N.R Carton n°C 1985.
- Goulven )Joseph ,(« la conquête d’Azemmour par les portugais », les Maroc catholique, n°4,
- Goulven (Jossef), Safi au vieux temp des portugais, 1938.
[1] – بوشرب) أحمد)، دكالة والإستعمار البرتغالي إلى سنة إخلاء أسفي وأزمور وقبل 28 غشت، دار الثقافة، 1989، ص.223.
[2] Goulven )Joseph,( Histoire Economiste du doukkala. A.N.R Carton n°C 1985, Carton n°C 1985, p. 16.
[3]-Damiao de Gois, les Portugais au Maroc1491-1521, traduit et commenté par Robert Ricard, Ed.Frontispice, Casablanca, 2013, p.99
[4] – بوشرب(أحمد)، دكالة والاستعمار والبرتغالي…، م.س، ص ص. 364.
[5] – Damiao de Gois, les Portugais…op.cit., p.72
[6] – الوزان (محمد)، وصف إفريقيا، م.س، ص. 124.
[7] – بوشرب(أحمد)، دكالة والاستعمار والبرتغالي…، م.س، ص. 335.
[8] – نفسه، ص. 353.
[9] – Goulven )Joseph ,(la conquête,…op.cit., p14.
[10] – بوشرب(أحمد)، دكالة والاستعمار والبرتغالي…، م.س، ص. 364.
[11] – بوشرب(أحمد)، دكالة والاستعمار والبرتغالي…، م.س، ص.366.
[12] – دييغو دي طوريس، تاريخ الشرفاء، ترجمة محمد حجي وآخرون، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، شركة النشر والتوزيع، الدار البيضاء، 1989، ص. 84.
[13] – بوشرب(أحمد)، دكالة والاستعمار والبرتغالي…، م.س، ص. 354.
[14] – دييغو دي طوريس، تاريخ الشرفاء، م.س، ص. 40.
[15] – بوشرب(أحمد)، دكالة والاستعمار والبرتغالي…، م.س، ص ص. 214-215
[16] – التازي(عبد الهادي)، أزمور مولاي بوشعيب من خلال التاريخ المحلي والدولي للمغرب، مجلة المناهل العدد 35، السنة 13، ص.104.
[17] – Damiao de Gois, les Portugais…, op.cit, p.69
[18] – نفسه، 351.
[19] – نفسه، ص. 355.
[20] -Damiao de Gois, les Portugais…, op.cit., pp.162-164.
[21]– Bellaire (Michaux ,Villes…, op.cit., p.163
[22] – دييغو دي طوريس، تاريخ الشرفاء، م.س، ص ص. 51-52
[23]– Bellaire (Michaux( ,Villes…, op.cit., p.164
[24] – دييغو دي طوريس، تاريخ الشرفاء، م.س، ص. 52
[25] Bellaire (Michaux( ,Villes…, op.cit., p.165
[26] – بوشرب(أحمد)، دكالة والاستعمار والبرتغالي…، م.س، ص ص. 217-219.
[27] -Goulven (Jossef), Safi au vieux temp des portugais, 1938, p. 113.
[28] -نفسه، ص. 235.
[29] -نفسه ص. 253.
[30] -المنصوري (عثمان)، جوانب …، م.س، ص. 85.
[31] – احتلال البرتغاليين للثغور المغربية، مجلة البحث العلمي، العدد 9، السنة 3، ص. 42.
[32] – عبد الوارث (أحمد)،” التيار الصوفي ومقاومة الاستعمار البرتغالي بدكالة”، ط 2، ندوة علمية بعنوان: دكالة وتاريخ المقاومة بالمغرب، منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط، 2010، ص. 94.
[33] – بن عبد الله (عبد العزيز)،” التطور الحضاري بإقليم الجديدة”، مجلة المناهل، العدد 27، السنة 10، يوليوز 1983، ص. 38.
[34] – الكانوني (محمد)، جواهر الكمال في تراجع الرجال، الجزء الاول، الدار البيضاء، 1352هـ، ص.129.
[35] – الشادلي (عبد اللطيف)، الحركة العياشية : حلقة من تاريخ المغرب في القرن 17م، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، 1982، ص.81.
[36] – اليفريني، نزهة الحادي بأخبار ملوك الحادي، مخطوط موجود في الخزانة العامة بالرباط، تحت رقم 7099، ص. 245.
[37] – ميشوبيلير، تاريخ ناحية دكالة: دراسة جغرافية وتاريخية واجتماعية، الجزء الأول، ترجمة وتعليق محمد الشياظمي الحاجي السباعي، منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، دار ألي رقراق للطباعة والتشر، الرباط، 2010، ص.168.
[38] – Bellaire (Michaux) ,Villes…, op.cit., p. .169
[39] – Bellaire (Michaux Villes et tribus du Maroc, Azemmour et sa Baulieue , op.cit., p. .80
[40] – اليفريني، نزهة الحادي بأخبار ملوك الحادي، مخطوط موجود في الخزانة العامة بالرباط، تحت رقم 7099،ص ص.247-248.
[41] -الكانوني(محمد)، آسفي وما إليه قديما وحديثا، مصر، المكتبة التجارية الكبرى، 1353هـ، ص.81.
[42] – عبد الوارث (أحمد)،” التيار…م.س، ص.96.
[43] – نفسه، ص. 97.
[44] – ميشوبيلير، مدينة أزمور وضواحيها، ترجمة وتعليق محمد الشياظمي الحاجي السباعي، منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، مطابع سلا ، سلا، 1989، ص ص.263-264.
[45] – مارمول، إفريقيا، ج 2، ترجمة محمد حجي، محمد زنيبر، محمد الأخضر، أحمد التوفيق، أحمد بنجلون، مكتبة المعارف الجديدة، 1984، ص. 85.
[46] – بن عبد الله (عبد العزيز )،” التطور الحضاري ومظاهره في إقليم الجديدة” ، مجلة المناهل، العدد 27، السنة 10، يوليوز 1983، ص. 88.
[47] – الناصري(أحمد )، الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، الجزء 5 ، تحقيق: جعفر الناصري ومحمد الناصري ، الدار البيضاء، دار الكتاب، 1955، ص. 110
[48] – الناصري(أحمد )، الاستقصا…، م.س، ص.43.
[49]-اليفراني(محمد الصغير)،نزهة الحدي بأخبار القرن الحادي،ط2،مكتبة الطالب،الرباط،د.ت،ص.49
[50] -رزوق (محمد)، “الجهاد البحري في عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله“، دعوة الحق، العدد274، أبريل 1989 ص. 69.
[51] – الزياتي (أبو القاسم)، الترجمان المغربي مخطوط الخزانة العامة بالرباط، تحت رقم 658د.
[52] – بن القاسم المراكشي(محمد)، الحلل البهيجة في فتح ثغر البريجة، مخطوط الخزانة الملكية الحسنية بالرباط، تحت رقم6977.
[53] – الزياتي (أبو القاسم)، الترجمان المغربي، م.س، ص. 20.
[54] -الضعيف الرباطي(محمد)، تاريخ الدولة السعيدة، تحقيق أحمد العماري، نشر دار المأثورات، الرباط، 1986، ص.166
[55] – رزوق (محمد)، “الجهاد…، م.س، ص.70.
[56] – A.N.R, Carton n°P37, Mazagan Deauville marocaine, p. 1