
التناص الديني في شعر أبي القاسم السهيلي: رصد لتفاعلات الخطابين الشعري والديني.
نبيل الهومي، أستاذ مادة اللغة العربية، حاصل على الإجازة في الدراسات العربية.كلية اللغة العربية مراكش/ المغرب.
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 34 الصفحة 111.
ملخص الدراسة:تسعى هذه الدراسة إلى مقاربة أشعار أبي القاسم السهيلي (ت 581 ه)، من خلال البحث في مواطن الجودة، ومكامن الجمال، التي خلدت ذكر قصائده، وضمنت لها الشيوع والذيوع في الأصقع والأمصار، وتتجه سهام الدراسة رأسا إلى التناص على اعتبار أن هذا الأخير حاضر في العملية الإبداعية،.فلا مناص للمبدع من الاستناد إلى النصوص الأخرى الغائبة، من أجل تدبيج عمله، واستيحاء أفكاره، ومسوغ انصراف عنايتنا بالأساس إلى الخطاب الديني (القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف) من أجل بحث التعالقات القائمة بينه وبين شعر السهيلي، راجع إلى أن أبا القاسم كان فقيها، لذلك فطبعي أن يحضر النص الديني في مكتوبات الرجل العلمية وروائعه الأدبية.
وقد مكن البحث في أشعار أبي القاسم من تسجيل جملة من الملاحظات، منها أن تأثر السهيلي بالأساليب اللفظية للنص الديني كان منطلقا لمحاكاتها ومعارضتها، كما أن التأثر بالنص الديني من الناحية المعنوية تجسد في زهد أبي القاسم في زهرة الدنيا وإدباره عنها، وكبح جماح النفس حتى لا تنساق في رعونتها.
ج- الكلمات المفتاحية: أبو القاسم السهيلي- التناص- البائية.
تقديم:
يعتبر البحث في التراث المغربي بكافة تفرعاته وتشعباته ضرورة ملحة، ينبغي أن تكون هاجس كل باحث، وذلك من خلال نفض الغبار عن نصوص هذا التراث وتيسير إخراجها، فضلا عن التعريف بالأعلام الذين تركوا بصماتهم وأسهموا في خدمة هذا التراث، بغية إثبات جدارة هذا الموروث وأصالته وفرادته. وانطلاقا من هذا المبدأ عملنا على مقاربة شعر أبي القاسم السهيلي.
وقد تواشجت اعتبارات ذاتية وموضوعية كوّنت لدينا قناعة بضرورة البحث في شعر عالم فذ من علماء المغرب قصد استجلاء خصائصه ومميزاته. وتعود فكرة هذا العمل إلى الوقوف على مقال للأستاذ الدكتور حسن جلاب في مجلة دراسات سيميائية وأدبية ولسانية حول الإمام السهيلي وسمه بعنوان “هاجس الذنب في شعر السهيلي”، فاطلعنا على شعر أبي القاسم وخاصة قصيدته البائية، ووقفنا على مكامن الجمال التي تفرّدت بها القصيدة ومواطن الإبداع التي خلدت شهرتها، فتملكتنا فكرة البحث في أشعار السهيلي واستبدت بنا، وانثالت على الذهن أسئلة عديدة ملحّة، واستثار البحث في شعر السهيلي فضولنا لمباشرة البحث واستهلال التنقيب في أشعار عالم من علماء مراكش.
وبعدما وقفنا على حقيقة إهمال الدارسين لشعر السهيلي، واعتنائهم بما خلفه الرجل من كتب في النحو والفقه والسيرة، خاصة أننا نعدم دراسات حاولت فك رموز شعر السهيلي والكشف عن خصائصه باستثناء دراسة الأستاذين الزاكي بنيونس وحسن جلاب، ترسخت القناعة، ومضينا مع غربة السؤال الذي ساور مخيالنا، وسألنا ثم سألنا وندبنا كل الجهود بغية استقصاء شعر أبي القاسم أولا ومحاولة تحليله ثانيا.
ومما زكى اهتمامنا بموضوع البحث هو أن قصائد دفين مراكش عرفت طريقها نحو الخلود، ونمت شهرتها خاصة منها البائية والعينية، فشمخ بنا الأمر إلى التساؤل عن حقيقة هذه القصائد وسر ذيوعها واشتهارها بين الناس، كما قادتنا ومضة السؤال إلى الاستفسار عن إعراض الدارسين عن تناول السهيلي وشعره بصفة خاصة بالبحث والدراسة.
على أنه من الجائز أن ننسب هذا الإهمال وذلك الإحجام إلى انصراف الباحثين عن شعر الإمام السهيلي وتركيزهم النظر على تصانيفه في الفقه والنحو والسيرة، كما أن نبوغ السهيلي في النحو والفقه والسيرة كان مدعاة إلى انفضاض الدارسين عن سبر أغوار شعره واستخراج كنهه وماهيته.
ولم نلف سوى دراستين لشعر السهيلي، الأولى قام بها الأستاذ الزاكي بنيونس، وهي مرقونة بجامعة محمّد الأول بوجدة، لم نتمكن من الاطلاع عليها، فاعتمدنا على نسخة مستلة من مجلة معهد المخطوطات، والملاحظ على دراسة الزاكي بنيونس أنها دراسة تاريخية عملت على استقراء حياة السهيلي وعرض أشعاره، ولم تكلف نفسها عناء مقاربة موضوعات هذا الشعر لتوضيح مواطن الجودة فيه. بيد أن عمل الأستاذ الزاكي بنيونس يعد عملا رائدا، لأنه أخرج شعر السهيلي إلى الوجود، وربما لولا الزاكي بنيونس لكادت آثار شعر أبي القاسم أن تزول.
ويتجلى العمل الثاني الذي قارب شعر السهيلي في عمل الأستاذ حسن جلاب في إطار دراسته لأثر العقيدة -أي التصوف- في الأدب وخاصة في مدينة مراكش، ذلك أنه عرض لحياة السهيلي ونماذج من شعره وعمل على تحليل هذه النماذج، إلا أن ما يؤاخذ على هذا التحليل كونه لم يأت على كل خصائص شعر دفين مراكش، وإنما كانت محاولة تناولت شعر السهيلي بشكل عام ولم تفصل في كل خصائصه.
من هذا المنطلق وجد بحثنا لنفسه موطئ قدم، حيث حاول تلافي الهنات والثغرات التي وسمت الأعمال السالفة، وارتاد عوالم شعر السهيلي لاكتشاف آفاق جديدة تكون منطلقا لدراسات وأعمال لاحقة. ويتمثل الجديد الذي أتى به البحث في محاولة توظيف السيميائيات في تحليل شعر السهيلي، وذلك من خلال استخدام الشبكات الدلالية والتراكم الدلالي والرمزية الصوتية.
وقد كانت المقولة التي توجهنا دوما ونحن بصدد إنجاز ركن من أركان هذا البحث هي قولة القاضي أبي بكر بن العربي شيخ السهيلي حين قال عن التأليف: “لا ينبغي لحصيف يتصدى إلى تصنيف أن يعدل عن غرضين: إما أن يخترع معنى، أو يبتدع وضعا ومتنا، وما سوى هذين الوجهين فهو تسويد الورق والتحلي بحلية السرق”[1]، فكان الإتيان بالجديد والمفيد يحكم رؤيتنا لأي مكون من مكونات هذا البحث، كما أن اشتغالنا على شعر السهيلي وحياته ولّد لدينا فضولا معرفيا، ورغبة في استكشاف عوالم الرجل ومداخل شعره، وكنا معجبين بذكائه وحافظته ومكتوباته، وكلما اكتشفنا جديدا يزداد ولعنا بالرجل وإعجابنا به.
المبحث الأول-الإمام السهيلي: إضاءات تعريفية
تعدّ البيئة عنصرا فاعلا في استكناه شخصية المبدع والإحاطة بدقائق نفسه وخباياها، ويعتبر الوسط كذلك معينا ثرا يروم الإفصاح عن عبقرية المبدع وصلة ذلك بأعماله وروائعه، كما أن التسلّح بمعرفة دقيقة وموسعة للعصر الذي عاش فيه المبدع من شأنها أن تكشف عن الظروف التي أسهمت في تكوين عبقريته وتشكيل نبوغه. فضلا على أن معرفة العصر وما يرفل به من ظواهر إنسانية ويرشح به من قضايا علمية، هو السبيل إلى فهم شخصية المبدع وما يكتنفها من ميول وأهواء وعواطف، بحيث يغدو المبدع انعكاسا للعصر الذي نشأ فيه، وصورة للجماعة التي شبَّ وسطها.
ولا ينبغي لكل من يروم مقاربة أي عمل أدبي، أن يَعْزُبَ عن باله صلة ذلك العمل بمؤلفه، بحيث ينقدح لدارس العمل الأدبي ما يبين انعكاس الإبداع على شخصية مبدعه، وما يبين أنّ الإبداع ما هو إلا تجربة صاغها فكر المبدع وترجم عنها تدوينا قلمه، وهذه حقيقة لا مِرْيَة في صدقها وتفرض نفسها بقوة.
وإذا كان الفن نشاطا إنسانيا، يقوم على أن ينقل أحدهم إلى الآخرين عن وعي وبإشارات خارجية مشاعرا أحسها، وأفكارا جالت بفكره، فينفعل بها الآخرون، فـإن من أصول هذا الفن وتفاريعه، ومن اللازم اللاَّزِبِ على الدارس، الرجوع إلى حياة المبدع، حتى يتسنى له تشكيل الصورة الكاملة التي تجمع بين المبدع وأرومة الإبداع، أو بين العمل وصاحبه، وهذا حقيق بأن يجري في كل دراسة تَبْغِي مقاربة مصنف من المصنفات، وتعمل على سبر أغواره. وكل دراسة تُلْجِمُ عن البحث في تفاصيل حياة المبدع لاستجلاب العناصر المساهمة في تحليل الإبداع، تعتبر مجهودا قاصرا يَعْرَى من الدّقة والشمول. لذلك كان لِزَامًا علينا، ونحن بصدد العكوف على تحليل شعر الإمام السهيلي، التنقيب في حياة الرجل، من أجل اقتناص الدرر المساعدة والإرشادات الكفيلة بالتعرف على إسهامات السهيلي الشعرية، كَلَفًا بمقولة الكاتب الفرنسي سانت بوف* (1804-1869م) “معرفة الشجرة قبل معرفة الثمرة”.
تُداهِمُ الباحثَ في سيرة السهيلي، جُملة من العلامات، منها أن السهيلي لم يكتب ترجمة لنفسه، على غرار ما فعل بعض العلماء الذين خلّفوا وراءهم ترجمات تحكي عن آثارهم الخالدة، وتُسهِّل الطريق لمن يَبْغي اقتفاء أثرهم والتنقيب في سِيَرِهِمْ.
1- لـمـحة عـن مـولد الـسهـيـلي وكناه:
يعتبر السهيلي واحدا من الرجال السبعة[2] الذين اشتهرت بهم مدينة مراكش؛ فإلى جانب شهرة المدينة الحمراء بساحة جامع الفنا، فإن صورة الرجال السبعة الذين يحرسون مراكش عالقة في أذهان الكثيرين، وذلك نظرا لصيتهم الذي دوّى في كل صُقع، حتى أمسوا بالنسبة للمدينة، و”كأنهم عيونها الساهرة، وحصنها الحصين الذي يحميها من عاديات الدّهر”[3]، وربما نما فضل مراكش إلى الأمصار بسبب ما احتوته المدينة من مزارات للأولياء وأضرحة للصلحاء[4].
ويعتبر كتاب ابن دِحية “المُطْرِب من أشعار أهل المغرب”[5] أقدم مصدر يُمكّن من استخلاص نسب السهيلي وتاريخ ولادته، وما المصادر التي ترجمت للسهيلي فيما بعد إلا عِيَالٌ على كتاب ابن دِحية في الترجمة لأبي القاسم. وقد حدّد السهيلي تاريخ ميلاده بنفسه كردٍّ وجواب على سؤال تلميذه ابن دِحية؛ حيث يقول أبو الخطاب في نسبه: “أبو القاسم السهيلي، أبو زيدٍ عبدُ الرحمن بن عبد اللّه بن أحمدَ بن أبي الحَسن[6]، واسمه: أصبغُ بن حُسين بن سعدون بن رِضوان بن فَتُّوح، وهو الدّاخل للأندلس. هكذا أملى علَّي نسبه، وقال: إنّه من ولد أبي رُوَيحة الخَثْعمي[7] الذي عَقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم لواء عام الفتح، ذكره أهل السِّير”[8].
وُلد السُّهيلي[9] سنة ثمان وخمسمائة بمدينة مالقة، ولا يكاد يقوم خلاف حول سنة ولادته[10]، ويُجمعُ المؤرخون على أن السهيلي ينتمي إلى سُهيل، ويذكر الحميري سبب تسميتها–سُهَيْل– بذلك عند وصفه “مَرْبَلَّة” بأنّها قرب مرسى سهيل، فيقول: “وهناك جبل منيف عال، يزعم أهل تلك الناحية أن النجم المسمّى سُهيلاً يُرى من أعلاه، ولذلك سُمِّيَ أبو القاسم الأستاذ الحافظ مؤلِّف الرّوض الأنف: السهيلي”[11]. وسُهيل أيضا بلدة أسبانية قديمة يرجع تاريخها إلى عهد الرومان، وكانت تُدعىSelitana ، وقد تفطَّنَ عبد الله عِنان إلى تحريف هذا الاسم الإسلامي عن الاسم الروماني، ولا زالت هذه المدينة قائمة، وتُدعىFuengirola ، وقد وصف الأستاذ عبد الله عنان في كتابه الموسوم بـ “الآثار الأندلسية الباقية في أسبانيا والبرتغال” بلدة سهيل بقوله: “وسهيل أو فُونخورُولاَ: بلد كبير يقع على البحر مباشرة فوق سفح الجبال المجاورة، على قيد ثلاثين كيلومتراً غربي مالقة ويمتدّ من الشاطئ إلى مسافة كبيرة، وإلى شرقها تقع بلدة صغيرة تسمى”بنى المدينة”Beni Almedina[12]، ويضيف عنان أنّ بجانبها حصنا يرجع تاريخ بنائه إلى عهد عبد الرحمن بن الحكم في منتصف القرن التاسع الميلادي؛ ويُردف بقوله: “وفي حصن سُهيل كان مولد العلاّمة عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن أبي الحسن السهيلي”[13]. وربّما يَجْنَحُ بنا التّفكير إلى أن الإمام السهيلي وُلد بسُهيل، لأن ابن خلّكان ذكر في كتابه “وفيات الأعيان” أن السهيلي وُلد بمالقة، وربما كان هذا صحيحا، ولا يُسْتَغْرَبُ مع ذلك انْتِسَابُهُ إلى سهيل، فلعلّه كان من آبائه من ينتسب إليها نسبة ميلاد ومنه انتقلت إلى صاحبنا. أما هو فقد وُلِدَ بمالقة التي كانت تتبعُها سُهيل. أما ما انفرد الذهبي بذكره في تذكرة الحفاظ من أن السهيلي وُلِد بإشبيلية[14] مُعتمِداً على ما وجده مكتوبا على ظهر كتاب “الفرائض”، فهو قول تُعوِزُهُ الحجة ويَعْدَمُ الدّليل على صحّته. أمّا عن نشأة السهيلي بمالقة[15] فهذه حقيقة لا مِرية في صدقها، وقد صرّح بها ابن دحية في المطرب؛ حيث قال: “نشأ بمالَقة، وبها تَعرّف، وفي أكنافها تصرّف، حتى بزغت في البلاغة شَمسُه، ونزعت به إلى مطامح الهمم نفسُه”[16].
اشتهر السهيلي عند من أرّخ له بثلاث كنى، وهي”أبو القاسم وأبو زيد عبد الرحمن، ذكرهما ابن دحية في المطرب وصاحب وفيات الأعيان نقلاً عنه وغيرهما، وذكر الذهبي في تذكرة الحفّاظ أنّه يكنّى أيضا أبا الحسن، ولكن ما اشتهر به السهيلي في كتب النحو وغيرها أبو القاسم”[17]. ولقد اعتُبر تعدّد هذه الكُنى، أمرا مشكلا، بسبب أن بعض المصادر أَحْجَمَتْ عن ذكر حياة السهيلي الخاصّة.
2- ومضات من حياة السهيلي:
شبّ السهيلي في بيت يَلْتزِجُ فيه العلم بالخطابة، وقد أشار الذهبي في تذكرة الحفاظ إلى شيء من ذلك عند ترجمته للسهيلي بقوله: “وَلَدُ الخطيب أبي محمّد بن الإمام الخطيب أبي عمر”[18]. ولم تتعرض المصادر التي ترجمت للسهيلي إلى حياته الخاصة، وكلّ ما نُمِيَ إلينا من أخبار أسرة السهيلي لا يعدو أن يكون خبرين، الأوّل ألمح إليه ابن دِحية – في معرض حديثه عن شيوخ السهيلي-إذ قال: “ورَحل إلى قرطبة، فقرأ القرآن العظيم بالمقَارئ السبعة على المقرئ أبي داودَ سُليمان بن يحيى بمسجده بباب الجوز، وقال لي عنه: كان يجلُّ أبي رحمهما الله”[19]. أما الثاني فقد ساقه السهيلي نفسه في كتابه “الرّوض الأنُف” عند حديثه عن جدّه فقال: “وروي حديث غريب، لعلّه أن يصح، وجدته بخط جدّي أبي عمران أحمد بن أبي القاضي رحمه الله”[20]. فهذه كلها قرائن يتبين منها أن السهيلي نشأ في بيئة كان العلم عمادها، وقد انعكس أثرها على شخصيته فنشأ محبًّا للعلم وأهله.
3- دلائل ذكاء أبي القاسم ونبوغه:
توحّدت كلمة المترجمين للسهيلي في أنّه كان بحرا متفجّرا من العلم، وشِهَابًا وارِيًا من الذكاء[21]، وقد كان القرن السادس الذي شهد نبوغ السهيلي، حافلا بالعلم والثقافة على حد سواء؛ والآية في ذلك أن هذا القرن عرف علماء نالوا الحُظوة في العلم وأفانين القول؛ فاختمرت معارفهم وامتلكوا زمام العلم وناصية اللغة. فكان هذا القرن بذلك مسرحا لنَفَرٍ من العلماء، الذين تحدثنا كتب السير عن تراجمهم الضّافية وتفننهم في طلب العلم وتوسل السبل المؤدية إليه.
فاق السُّهيلي أقرانه في العلم، واشتهر بسعة الاطلاع، وشبق الذكاء، وتصيّد المعرفة من المصادر والمظان. وتَأَتَّى هذا النبوغ للإمام السهيلي من خلال حياة الطلب التي أفناها في الترداد على العلماء والنهل من حياض العلم؛ ذلك أنّه “حفظ القرآن وتعلّم مبادئ العربية على يد والده، وأخذ باقي العلوم المتداولة في عصره على يد مجموعة من كبار الفقهاء والعُلماء من مالقة وغيرها من الحواضر الأندلسية الشهيرة؛ إذ كانت له رحلات علمية إلى قرطبة وإشبيلية وغرناطة”[22]. وكانت مالقة مسقط رأس السّهيلي مركزا علميا رائدا في الأندلس؛حيث عرفت المدينة رواج الفقه وشيوع القراءات وتنامي الإقبال على تعلّم النحو.
ومن أبرز الشيوخ الذين تتلمذ لهم السهيلي بمالقة أبو الحسن بن الطراوة[23]، وكان من أكبر حفاظ كتاب سيبويه بالأندلس. أخذ عنه السهيلي النحو ولزمه طويلا، وأثّر في منهجه في التأليف، وتَنَاوُل القضايا، وكان يحترمه ويقدرّ علمه؛ إذ لم يذكره في مؤلفاته إلا بلفظ “شيخنا“.
وفي وجهته إلى قرطبة التقى السهيلي كذلك بشيوخ القراءات والنحو والحديث، ويبدو أن إقامته فيها لم تكن طويلة. وكانت رحلته الثانية إلى إشبيلية؛ وفيها لازم أبا بكر بن العربي وأخذ عليه في الأصول، بَيْدَ أنه أخذ أيضا عن جماعة من أعلام إشبيلية بين محدثين وقراء ونحاة، ومن نحاتها ابن الرَّمَّاك، وهو من تلاميذ ابن الطراوة، وقد لازمه السهيلي، ولقن عنه فوائد في النحو، وغيرهم من الشيوخ، حتى أحصى له بعض مترجميه أزيد من ثلاثين شيخا.
ومن المرجح أنّ السهيلي قد فرغ من الطلب قبل “سنة 542هـ وعمره حينئذ أربع وثلاثون سنة، وقد حَسَبْنَا ذلك بوفاة شيوخه في إشبيلية، وكان أبو بكر بن العربي آخرهم وفاة؛ فقد وافاه الأجل بفاس سنة 543، وكان قد غادر إشبيلية قبل هذا التاريخ، وذلك في أوائل سنة 542 مع وفد من أهلها لمبايعة الموحدين”[24].
وبعد حياة العلم الشاقة التي قضاها السهيلي، والتي دأب فيها على ارتياد مجالس العلم في كلّ من قرطبة وإشبيلية وغرناطة، علاوة على بلدته الأم مالقة، أضحى أبو القاسم عالما ذا شأو؛ إذ “برع في العربية واللغة، والأخبار، والأثر”[25]، مما جعله موئل الطلاّب وملاذ العلماء الراغبين في النهل من علمه والغَرْفِ من معين مناقبه وشيمه. وقد تصدّر السهيلي للتدريس بمالقة وكان “يُدرّس السيرة والحديث واللغة، وأملى بعض كتبه على طلبته، ويشهد على مستوى هذه الدروس وأهميتها العدد الكبير من الطلبة والعلماء الذين أخذوا عنه، وتخرّجوا على يده، ومنهم:
الأزدي: أبو الحسن سهل بن الحاج أبي عبد الله محمّد بن سهل الغرناطي (ت639/1241) أخذ عنه الموطأ والسيرة والقراءات، وسمع عليه كتابه “الروض الأنف” وغيره من كتب اللغة والأدب؛ والأموي[26]: أبو القاسم أحمد بن زيد بن عبد الرحمن بن بقي بن مخلد (ت625/1227) سمع عنه تأليفه “الروض الأنف”؛ والبكري: أبو جعفر أحمد بن عبد الله بن محمد المالقي (ت616/1219) روى عن السهيلي واختص به، وتأدّب عنده في العربية، وكان الشيخ معجبا بذكائه وفهمه. وابن حوط الله: أبو محمّد الحجاج بن سليمان بن داود الأنصاري (ت607/1210)، أشار الذهبي في تذكرة الحفّاظ إلى أخذه عن السهيلي وهو محدّث الأندلس وحافظها الكبير. وابن دحية: أبو الخطاب بن دِحية الكلبي[27] (ت633/1235) أكبر طلبة السهيلي ترجمة وافية، أخذ عنه الحديث والسيرة واللغة، وسمع عنه كتابه “الروض الأنف” وغيره”[28].إلى جملة من التلاميذ لا يحصرها العد، وقد كان لتلمذتهم على يد أبي القاسم أثر كبير في ذيوع خبرهم واشتهار مواهبهم؛ إذ بات لبعضهم فيما بعد شأو كبير في اللغة والأدب.
وقد أُعجب العلماء بذكاء السهيلي المتوقّد وبديهته الفيّاضة، فحلّوه بغُرَرٍ من العبارات المؤنّقة، كقول الزرقاني: “واسع المعرفة، غزير العلم، النحوي اللغوي، الإمام في لسان العرب، العالم بالتفسير وصناعة الحديث ورجاله وأنسابه وبالتاريخ وعلم الكلام وأصول اللغة”[29]. ووصفه تلميذه ابن دِحية فأبدع وأجاد في تعداد مناقب شيخه؛ حيث قال: “وكان رحمه الله أقام للتصريف وعِلَلِ النحو بُرهانا، وتَيَّم ألبابا وأذهانا؛ فترشّف من ماء العربية أتِيَّ مُزْنه، وتوطّأ من أكنافها كُل سَهله وحَزْنه؛ وأفاض على الطلبة من سَجْله، وجلب على النّحاة بخَيْله ورجْله؛ وتلقّى الرّاية باليَمين، وحَوَى الغَايَةَ بالهزيل والسَّمين”[30].
المبحث الثاني- التناص في شعر السهيلي:
1- قبسات من شعر أبي القاسم:
إلى جانب نبوغه في النحو واللغة، اشتهر السهيلي بالبديهة الفياضة في صناعة الشعر ونظمه، فقد كانت له موهبة قلما تتهيأ لشاعر، جعلته يحسن النظم. وقد أجمع كل من ترجم للسهيلي أنه كان على منزلة رفيعة من حسن تأليف الكلام، ونظم القريض، كما أكد كل من تعرّض لترجمة السهيلي أنه كان”شاعرا أديبا”[31]. ولم يكن أبو القاسم الوحيد الذي انفرد بنظم الشعر عن باقي الرجال السبعة الذين عرفتهم مدينة مراكش، فقد اشتهر أيضا بالشعر عياض[32]والغزواني[33]. وهؤلاء الثلاثة يختلفون من “حيث موضوعات شعرهم ومعجمها، ومستواها… وهذا طبعي لاختلاف شروطهم وتكوينهم، إلا أنهم يلتقون جميعا في العاطفة المتأججة والنفس التوّاقة إلى السمو والصفاء، والابتعاد عن الذنب والتماس العفو من الخالق، والتوسل بالرسول الأمين الشفيع”[34].
وقد كانت الظروف التي مرّ منها الإمام السهيلي دافعا حدا به إلى نظم الشعر لأجل التعزي به عن المعاناة والإثم الذي كان يراوده، والتخفيف من وطأة الفقر والضنك الذي رسف به واقعه. ولم يكن هذا الصالح الورع كغيره من الشعراء لسان حال السلطة، ولم يمزج شعره بنوع من المَلَقِ السياسي، لأنه كان يرى من الزِّرَايَةِ أن يُسَخِّرَ شعره في سبيل التكسب واستجلاب العطايا والهدايا. وبخلاف ذلك كان السهيلي المؤمن حتى أطراف أنامله، يرنو بشعره إلى مغفرة ربه ونوال رضاه، ويهفو إلى التماس عفوه. والمستقرئ لأشعار السهيلي يجد أن هاجس الذنب يَنْبَجِسُ من أشطر قصائده، ولَوْعَة الألم التي نَكَأَتْ في صدره وخلّفت جروحا غائرة في نفسه، تَتَفَتَّقُ من مقاطع شعره، والرغبة في الانعتاق من براثن الهموم ومطاوي الأوصاب، تتفتّح من المعاني الثاوية التي حملها شعره التوسلي. وبذلك تواشجت هذه العوامل كلها لتدفع السهيلي للإتيان بذلك الدفق الشعري الذي أسر الألباب، وجذب الأسماع، وقرع القلوب.
وجاء شعر السهيلي الرّاشح بهاجس الذنب الذي أرّق باله، يشفّ عن ألوان من الانفعالات والأحاسيس، فقد كان الذنب ذكرى هاجعة في أعماق الرجل، وكانت صرخات الألم تنكتم في طويات صدره، وتضطعن ومضات التشوف إلى عفو ربه في قلبه، فاجترح السهيلي لنفسه منهجا في نظم الشعر التوسلي، ومن ثمة نحت لنا قصائد ظلت خالدة متجددة على كرّ السنين وتوالي الأيام. ولربما كادت معالم شعر السهيلي أن تُطمس وأوشكت خطوطه أن تمّحي، لولا أن قيّض الله الأستاذ الزاكي بنيونس لجمع شعر السهيلي، والحفاظ على هاته القصائد التي ذاع صيتها ونمت شهرتها.
2- إنتاج السهيلي الشعري:
المتتبع لديوان السهيلي يلحظ أنه نظم الشعر في موضوعات متعددة، وهذا دليل على حركية الإبداع الشعري عند السهيلي، فأبو القاسم لم يكن ينظم في موضوعات بعينها، وإنما أسعفته بديهته في صوغ الخطابات الشعرية في كل صنوف القول وضروب الموضوعات، فتارة ينظم أبياتا في مَحْمَلِ كتب، فيقول:
لَــــــيْــــسَ يَــــــــــــــــرْجُـو ضَـــرًّا وَلاَ يَتَّقِيـــــــــــــهِ |
وتارة ينظم رثاءً في سُهيل، بعد أن أغار عليه الفرنج، وخرّبوه وقتلوا أهله وأقاربه، وكان غائبًا عنهم فاستأجر من أركبه دابّةً وأتى به إليه، الأمر الذي جعله ينوء بشعور حزين، فأنشد يقول:
يـــــــا دارُ أيـــــــــــــــــــــــــــــنَ الــبـــــــيـــــــــــــــــضُ والآرَامُ | أَمْ أَيْـــــــنَ جِـــــــيــــــــــرانٌ عَـــــــــــــــلَـــــيَّ كـِـــــــــــــــــرَامُ | |
رَابَ[36]المُـــحِــــــبَّ مِنَ الْمَـــنَــــازِلِ أنَّــــــــــــــــــــــــــــهُ | حَـــيَّ فـَلَـمْ يَــرْجِــــــــعْ إِلَــــــيْــــــــــــهِ سَـــــــــــــــــــــلاَمُ | |
لمَّـا أَجَـــــــابَنِي الصَّـدَى عـــــــنهـــــم وَلَـــــــــــــــــــمْ | يَــــــــــــلِجِ الْمَسَامِـــعَ لِلْحَبِيــــبِ كَــــــــــــــــــلاَمُ | |
طَــــارحـــــتُ وُرْقَ حــمـــامها مــتــــــرنِّــــــــــمًــــــا | بـــمقـــالٍ صــبٍّ والدموعُ سِـــــــــــــــــــجـــــــــامُ | |
يـــــــا دارُ مَــــــا فَـــــــعَــــلَـــــــتْ بِــــــــــكِ الأيـــَّـــــامُ | ضــامَـتْـكِ والأيَّـــامُ لَيْسَ تُـــــــــــــــــــــــضَـــامُ[37] |
ومرة ينظم شعرا في تلميذه وضيءُ الوجه الذي كان يحضر لحلقته، فانقطع لعارض، فخرج السهيلي مارًّا في الطريق الذي جرت عادته بالمشي فيه، فوجدَ قَنَاةً تُصلَح، فمنعته من المرور، فرجع وسلك طريقا آخر، فمرَّ على دار تلميذه الوضيء. فقال له بعض أصحابه مُمازحًا بعبوره على منزله، فقال: نعم، وأنشد ارتجالا:
جَـــــــعَــــــلْـــــتُ طَــــرِيـــقِــــــي عَــــــلَــى بَــــــابِــــــــه |
ومن شعر أبي القاسم السهيلي، مُذَيَّلاً ببيت أبي العافية في قطعة لزومية:
وَلَمَّــا رَأَيْتُ الدَّهْرَ تَسْطُو خُــطُـــوبُــــــهُ |
وربما توهّم متوهم أن السهيلي ومن خلال شعر التوسل الذي اشتهر به، انعدم عنده الوعي بالذات الشاعرة، وعلى العكس من ذلك فأبو القاسم أولى الاهتمام بذاته وعبر عن عواطفه الجياشة ومشاعره الفياضة وأحاسيسه المرهفة. ومثال ذلك قول السهيلي، وهو يتغزل:
وذي نَــــــفـــَـــسٍ أَنَــــــــــــــــــــمُّ مـــــن الخُـــزَامـــــى |
وقد اشتهر السهيلي خاصة بشعره التوسلي، وذاع صيت قصائده التي نظمها في هذا الباب؛ حيث لقيت ذيوعا وإقبالا منقطع النظير، وتمثل هذا الإقبال في قراءة الناس لقصائده في المناسبات الدينية على وجه التحديد.
وينشطر شعر السهيلي التوسلي إلى ثلاث قصائد، وهي:
– العينية الكبرى.
– العينية الصغرى.
– البائية.
وسنعرض لكل قصيدة من هذه القصائد على حدة.
2-1-العينية الكبرى- “لك الحمد ياذا الجود والعلا”:
وهي طويلة أوردها الأستاذ الزاكي بنيونس في الديوان الذي حققه، ومطلعها:
لكَ الْحَمْدُ يَاذَا الْمَــــجْدِ وَالْجُـــودِ وَالْــــــــــعُــــــــلاَ تَــبَــــارَكْــــــتَ تُـــــعْـطـِــــــي مَـــا تَـشَــاءُ وَتَمْنَـــــــــــــــعُ
وسنكتفي بإيراد أبيات منها، وفيها يقول الإمام السهيلي:
لَكَ الْحَــمْدُ يَاذَا الْمَجْدِ وَالْــجُودِ وَالْــعُــــــــلاَ |
2-2-العينية الصغرى-“يا من يرى ما في الضمير ويسمع”:
وهي مشهورة ومتداولة بين الناس، وقد شاع في الكتب التي ترجمت للسهيلي”أن العينية ما سأل الله بها أحد إلا استجاب له”، وهو قول أورده ابن دحية في المطرب حين قال: “وأنشدني رحمه الله، وذكر لي أنه ما سأل الله بها حاجةً إلا أعطاه إيّاها، وكذلك من استعمل إنشادها”[42]، ويقول فيها الإمام السهيلي:
يا مَنْ يَرَى مَا فِــــــي الضَّـــــمِيرِ وَيَسْـــــمَـــــعُ أَنْـــــــتَ الـــــمُـــعِــــدُّ لِـــكُـــــلِّ مَـــــــا يُـــــــــتَـــــوَقَّـــــعُ
يَا مَــنْ يُـــرَجَّــى فــــــــي الشَّــدَائِـــــــــدِ كُـــــلِّــــــــــهَا يــــا مَـــــنْ إِلَيْـــــهِ الـــمُـــشْتَـــــكَى والــمَــــفْــــزَعُ
يَا مَــــنْ خَــــــزَائِنُ رِزْقِــــــــهِ فِـي قَـــــــوْلِ كُــــــــــــنْ امْـــــنُــــــــــــنْ فـــــإنَّ الخَـــيْرَ عِنْــدَكَ أَجْــمَــــــعُ
مَــــالِـــي سِــوَى فَــقْــرِي إلــيـــــــكَ وَسِـــــــيــلَــــــــــــةً فــــــــبِـــــالافْـــتِقَـــــارِ إِلَــــيْــــكَ فـَـــــقْــرِيَ أَدْفَــــــــعُ
مَـــــــــالِي سِـــوَى قَــــرْعِي لِبَــــابِكَ حِـــــيـــلَـــــــــــــــــــةً فَــــــلَئِـــــــــنْ رَدَدْتَ فَــــــــأَيُّ بَــــــــــابٍ أَقْـــــــــــرَعُ
وَمَــــــــــــنِ الَّــــــــذِي أَدْعُــــو وَأَهْتِفُ بِـــاسْمِـــــــــــــهِ إِنْ كَــــــــــانَ فَضْلُكَ عَـــــنْ فَقِيرِكَ يُـــمنـــعُ
حَـــــــــاشَــا لِمَـــجْـدِكَ أَنْ يُــــقَنِّـطَ عَـــــــــاصِـــــيّــــا الفَــــضْـــــلُ أَجْـــــــــــــزَلُ وَالْمَوَاهِـبُ أَوْسَــــعُ
ثُـــــــــــمَّ الــصَّـــلاَةُ عَــــــــــلَــــــــــــى الــــــــــنَّــــبِيِّ وآلِـــــــــــــــهِ خَــيْـــــرُ الأَنَـامِ وَمَــــــنْ بِـــــهِ يُـــــسْـــــتَشْفَـــــعُ[43]
وقد استعمل العباس بن إبراهيم هذه الأبيات في نزول الشدائد، وقال عنها: “هذه القصيدة البائية التي أنبأت بمعرفته لربه، وقوّة يقينه، وتستعمل في نزول الشدائد، وقد استعملتُ مرارا لهذا الغرض ففرّج الله بها خصوصا عند ضريحه رضي الله عنه، جرّبتُها فرأيتها ترياقا مجربا”[44].
3- أشكال التناص في شعر السهيلي:
تتجاذب النص الشعري مجموعة من الثقافات التي تلتقي في فضائه الفسيح، وتصويب سهم الدراسة نحو دراسة التناص الديني في شعر السهيلي، مردّه إلى ما يحدث من تفاعل ومواءمة بين المضامين الشعرية عند أبي القاسم، سيما أنه كان يتسم بحصافة الرأي ورجحان العقل، وقد تأتت هذه الملكة لدفين مرّاكش من خلال التّفقّه في القرآن الكريم الذي كان فرقانا فاصلا في جميع مناحي الحياة، والبصر بمعانيه، فضمن قصائده معاني القرآن الكريم التي حازها شغاف قلبه، واحتوتها حافظته. وقد شكل القرآن الكريم بما تضمنه من بلاغة وفصاحة، تحدّى بها صناديد العرب في البلاغة والبيان، وباعتباره نصا مقدسا ومعجزا، وجهة الراغبين في النهل من معانيه السامقة، والاهتداء بوحيه والاستنارة بهديه.
وقد عملنا على استخراج النصوص القرآنية والحديثية التي تناصت مع قصيدة البائية للإمام السهيلي، والتي يقول فيها:
صَــــرَفـــْــــــتُ إِلَـــــى رَبِّ الأَنَــــــامِ مَـــــــــــــطَـــالِــــبِـــــــــــــــــــــي | وَوَجَّـــــــــهْــــــتُ وَجْـــــــــــهِـــــــي نَحْـــــــــــــــوَهُ وَمَــــــــــآرِبِـــــــــــي |
إِلَـــــى الْمَـــلِكِ الأَعْـــلَى الَّذِي لَيْسَ فَوْقَــــــــــــــــــــــهُ | مَــــــلِــــــيــــــكٌ يُـــــرَجَّـــــــى سَيْبُهُ فِي الْمَسَاغِـــــــــــــــبِ |
هُــــــــوَ الصَّــــمَـــدُ الْــبَـــرُّ الَّــــذِي فَــــاضَ جُــــــــــــــودُهُ | وَعَــــــــمَّ الْـــــــــوَرَى طُــــــــــــــــرًّا بِـــــجَزْلِ الْمَوَاهِــــــــــــــبِ |
مُجـــــِيرِي مِـــــــــنَ الْخَطْبِ الْــــــمُخَوِّفِ وَنَاصِـــرِي | مُغِـــــيـــــثِـــــي إِذَا ضَاقَــــــــــــــــــتْ عَــلَيَّ مَذَاهِـــبِــــــــــــي |
مُـــــقِـــــيـــلِــــــــي إِذَا زَّلَـــــتْ بِــــــــــــيَ الــــنِّعَــلُ عـَـــــاثِـــــــرًا | وَأَسْـــــمَـــــــــــــــــحُ غَـــــــــفَّـــــــــارٍ وَأَكْـــــــــــــــــــرَمُ وَاهِــــــــــــــــبِ |
فـَــــــــــــــــــمَـــــا زَالَ يُــــوَلِّـــــينِي الْجـَــــمِيـــــــــلَ تَــــــفَـــضُّـــــــلاً | وَيَـــــــدْفَـــــــعُ عَـــــــنِّـــــــي فِــــي صُـــــــــــدُورِ النَّــــــوَائِـــــــبِ |
وَيَــــــرْزُقُــــــنِـــــــــــــــي طِــــفْـــــــــــلاً وَكَـــــهْـــــلاً وَقَــــــبْـــــــلَهـَـــــــــا | جَـــــنِــــــينًــــــا وَيَحْـــــمِــــيــنِي دَنِيءَ الْــــــــــــــــمَـــكَــــاسِـــــــبِ |
إِذَا سَـــــــــــــــــــــدَّتِ الأَمْـــــــلاَكُ دُونِــــــــــــي بَـــــــــــابَـــــــهـَـــــــا | وَنَــهْــــــــنَــــــهَ عَـــــــــــــــنْ غَــــــشَيَانِهِمْ زَجْـــرُ حَـــــــاجِـــــــبِ |
فَـــــــزِعـْـــــــــتُ إِلَــــــــــــى بَـــــــــابِ الْمُــــهَيْــــمِنِ ضَـــارِعًـــــا | ذَلِــــــــيـــــلاً أُنَـــــــــــادِي بِــــــــــاسْـــــــمِهِ غَـــــيْرَ هَـــــــائِـــــــــــبِ |
فـَــــــــــلَـــــــمْ أَلْــــــــــــفُ حـِــــــــــجَـــــــابًا وَلَمْ أَخْشَ مِـــنْعَـــــــةً | وَإِنْ كَـــــــانَ سُــــــــؤْلِـــــــــي فَوْقَ هَـــــــامِ الْكَـــــوَاكِبِ |
كَــــــــــــرِيـــــــــمٌ يُـــــــــلَـــــبِّــــــــي عـِــــــنـْــــدَهُ كُــــلَّــمـَـــــــا دَعـَـــــــــــــا | نَهَـــــــارًا وَلَـــــــيْــــلاً فِـــــــــــــــي الدُّجَـــــــــــى وَالْغَــــــــيَـــــاهـِبِ |
يـــَــــــقُـــــولُ لَــــــــــهُ لَـــــــــبَّــــــيْــــــــكَ عـَــــــــبْــــدِي دَاعـِــــــــــيًــــــــــا | وَإِنْ كُــــــــــــنْــــــــــــــــتَ خَطَّـــــــــاءً كثِــيرَ الْمَـــــعَــــــــــائِــــــبِ |
فَمــــــــــــــَا ضَــــاقَ عَفْوِي عَنْ جَرِيــــــــمَـــةِ خَــــاطِــــئٍ | وَمَـــــــــا أَحَــــــــــــــــــدٌ يَــــــــــــــرْجُــــــــــــــــو نَــــــــــــــــــــوَالِيَ بِخَــــــــائِبِ |
فَلاَ تَــخْــــشَ إِقْلاَلاً وَإِنْ كُـــــــنْــــــتَ مُــــــكْـــثِــــــــــــرًا | فَـــــــــــعُــــــــــرْفِـــــــــــي مَـــــــــــبْـــــــــــــــذُولٌ إِلَــــى كُــلِّ طَـــــــــالِبِ |
فَـــســَــائِــــــــلْـــــــــــهُ مـِــــــمَّــــا شـِـــــــــــــئْـــــتَ إِنَّ يَـــــــمِـــيــــنَـــــهُ | تَــــــسِـــــــــحُّ دِفـَـــــــــــــاقًـــــا بِــــالْـــــمُـــــــنَـــــــى وَالـــرَّغـَـــائِــــــــــــــبِ |
فَــــحَــــسْـــبِــــي رَبِّـــــي فـِــي الْهــَـــــــــــزَائِــــــــزِ مَـــــــــــــلْجـَــــــــأً | وَحِـــــــــــــــرْزًا إِذَا خِـــــــــيفـَـــــــــتْ سِــــــهَــــامُ الــــنَّـــــــوَائِــــــــــبِ |
وَحَـــــــسْــــبِــــي رَسُــــــــــــولُ اللهِ فِـــــــي كـُــــــــلِّ أَزْمَـــــــــةٍ | مَـــــــــــلاَذاً وَأَمْـــــــــــــــنًا فـِــــــي اخْـــــتِشَاءِ الْعَــــوَاقِــــــــــــــــــبِ |
وَحـَـــــسْبِـــــــي رَسُــــــــــولُ اللهِ أَوْثَــــــــــــــــــــــقُ شَـــــافِــــــــــعٍ | وَأَكْـــــــــرَمُ مَـــــــــــــــنْ مُــــــــــــدَّتْ لَــــــــــهُ كَــــفُّ رَاغـِــــــــــــبِ |
عَـــــلَـــــــــيْـــهِ كَـــــــــمَـــــا هـَـــــــــــــــبَّ الـــــــنَّسـِــــيمُ تَحِـــــيَّـــــــةً | تَـــــــفـُــــــــوحُ بِـــــــهَــــــا الأَرْجَــــــــــــــاءُ فَــــــيْــحَ السَّبَـــــــاسِــبِ |
وَأَزْكَــــــــــــــى صَـــــلاَةٍ يَــــــنْـــتَـهِي القُطْرُ دُونَـــــهَـــــــــــــا |
يبرز السهيلي في البائية مدى تضرعه واستنجاده بالله تعالى في مواجهة إعراض الملك عن إجزال العطاء له، فشرع السهيلي من خلال قصيدته في عقد مقارنات شكلت الأساس الذي يلحم كل أبيات قصائده، وهي مقارنات تبرز محدودية الكرم البشري، في مقابل ديمومة العطاء الإلهي واستمراريته، وقد وجد السهيلي في الشعر بعض العزاء عن إعراض الملك من جهة وحرقة الفاقة التي كان يصطلي بنارها من جهة أخرى. ونمثل لهذه المقارنة من خلال الخطاطة الآتية:
العطاء
الإلهي البشري
دائم ومستمر محدود وزائل
في البيت الأول هناك تناص في قول السهيلي “رب الأنام” مع قوله تعالى: ﴿والأرض وضعها للأنام﴾[46]، وفي لفظة “مآربي”تناص مع قوله تعالى: ﴿ولي فيها مآرب أخرى﴾[47]، ويمكن أن نُجْمِلَ مآرب ومطالب السهيلي التي دعا الله بها في الترسيمة الآتية:
كان السهيلي لا يأل جهدا في دعوة الله تعالى، فبعدما سدت الملوك أبوابها أمام أبي القاسم الذي عرف بعاهته وضنك عيشه، ناء بشعور حزين، ففزع إلى باب الرحمن الذي لا يسد، حاملا معه التمني المشمول بالرجاء في التغلب على مخاض الحياة العسير، وبعدما تصرّم عمره الذي قضاه في الفقر والفاقة، حاول البحث عن منقذ له من بوار حاله، فاتجه إلى باب الرحمن ليروي عطش فقره. وعلى الرّغم مما مرّ به أبو القاسم من فقر وحاجة، فإن ذلك لم يؤثر على ثبات إيمانه ومضاء عزيمته، فكانت همته تتأبى الخضوع للمعاناة.وفي قول السهيلي: “هو الصّمد البر الذي فاض جوده” تناص مع قوله تعالى: ﴿الله الصمد﴾[48]. وقد عمل السهيلي على إظهار عظمة الخالق وقدرته لتبرير الفزع واللجوء إليه بجملة من الصفات، هي:
وقد اقتبس السهيلي قوله تعالى في سورة النمل:﴿أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السّوء﴾[49]وضمّنه قوله: “كريم يلبي عنده كلما دعا نهارا وليلا في الدّجا والغياهب”، ومن خلال هذا الموقع يمكن أن نعقد مقارنة بين دعوة الملك ودعوة الله تعالى:
دعوة الملك دعوة الله
وقد استنار أبو القاسم أيضا بقوله تعالى: ﴿فقل حسبي الله لا إلاه إلا هو﴾[50] في قوله: “فحسبي ربي في الهزائز ملجأ”. وتوسل السهيلي في نوال عطاء الله تعالى اعتماد على طرق النداء والقرع.
وسيلة السهيلي في نوال العطاء
قرع الباب نداء الله تعالى
وقد أمر الله تبارك وتعالى بابتغاء الوسيلة إليه، وذلك في قوله: ﴿اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة﴾[51].
3-2- التناص مع الحديث النبوي:
نهل السهيلي في نحت قصيدته البائية من الحديث النبوي الشريف، وذلك استرشادا بالبيان النبوي الساطع، وسنكتفي بإيراد بعض الأمثلة، وإلا فالقصيدة حُبلى بالإشارات التي تلمّح إلى مجموعة من النصوص الحديثية. من ذلك تلميح السهيلي وهو يقول: “كريم يلبي عنده كلما ما دعا”، إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “ينادي كل ليلة ساعة فيها مناد، هل من داع فأستجيب له؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟”[52].
وتناصَّ أبو القاسم في قوله: “وما أحد يرجو نوالي بخائب”، مع قوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: “أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، إن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ، ذكرته في ملإ هم خير منهم، وإن تقرب مني شبرا، تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا، تقربت منه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة”[53].
وتداخل كذلك قول السهيلي:”تسح دفاقا بالمنى والرّغائب”، مع قوله عليه الصلاة والسلام في حديث قدسي: “أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ، وَقَالَ: يَدُ اللَّهِ مَلْأَى لاَ تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، وَبِيَدِهِ المِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ”[54]. وأخيرا تناص السهيلي في قوله: “وإن كنت خطاء كثير المعايب”، مع قوله عليه أفضل الصلاة والسلام في حديث قدسي: “يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة”[55].
يتبين مما سبق أن قصيدة البائية للإمام السهيلي تناصت مع نصوص الدّليل الشرعي، والتي ألمعنا إلى عيّنات منها، وعلى هذا الأساس يبدو أن قوانين التحويل جاءت على الشكل الآتي:
أ- تحويل التطابق:
يتم نقل نص من سياق إلى آخر مع المحافظة على أصوله الدلالية ووحداته المعجمية، إلى درجة أننا لا نتبين الفرق بين النص الأصلي والنص الفرعي؛ مثل ﴿الله الصمد﴾﴿غفار﴾، “وجهت وجهي”، وغيرها.
ب- تحويل التصرّف:
يتم من خلاله التصرف في بنية النص الأصلي، وذلك عن طريق الاستغناء عن بعض الكلمات، أو استبدالها، أو حذفها في بعض الأحايين، وفي هذا السياق يلاحظ:
1- إلحاق تغييرات نوعية بالنص الأم، بحذف بعض الكلمات وتعويضها بأخرى دون أن يفضي ذلك إلى اختلاف بين النصين…
قال السهيلي: “فحسبي ربي”.
قال تعالى: ﴿فقل حسبي الله﴾. (التوبة، الآية: 130).
قال السهيلي: “وأسمح غفار“.
قال تعالى: ﴿إنه كان غفّارا﴾. (نوح، الآية 10).
2- حذف بعض الكلمات من النص الأصلي وتعويضها بكلمات أخرى ليست مطابقة أو مرادفة لها، ومثاله:
قال السهيلي: “فما ضاق عفوي عن جريمة خاطئ”.
قال تعالى: ﴿حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت﴾. (التوبة، الآية: 119).
3- استبدال تركيب النص الأصلي بتركيب آخر مع الحفاظ على نفس المعنى، ومنه:
قال السهيلي: “فحسبي ربي في الهزائز ملجأ“.
قال تعالى: ﴿وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه﴾. (التوبة، الآية: 119).
ج- تحويل الاختزال:
يتم عبر اختزال السهيلي لبعض العبارات القرآنية وبترها، على الرغم من أنها ظلت مرتبطة بالسياقات التي وردت فيها. ومثاله:
قال السهيلي: “وأسمح غفار“.
قال تعالى: ﴿وإني غفار لمن تاب﴾. (طه، الآية: 80).
قال السهيلي: “مليك يرجى”.
قال تعالى: ﴿عند مليك مقتدر﴾ (القمر، الآية: 55).
قال السهيلي: “نحوه ومآربي“.
قال تعالى: ﴿ولي فيها مآرب أخرى﴾(طه، الآية: 17).
وعلى الجملة فهذا النوع من الشعر الذي اختطه يراع السهيلي، يغلب عليه أنه “شعر حافظة يجد فيه صاحب نظرية التناص مجالا للتحليل، ويرجع منه من تشبع بنظريات تحليل الشعر الحديث خائب المسعى”[56].
مراجع البحث:
أ- باللغة العربية:
القرآن الكريم برواية ورش عن نافع.
1- الإمام أبو القاسم السهيلي، حسن جلاب، ط1، المطبعة والوراقة مراكش، 2008، ص: 85.
2- الحركة الصوفية بمراكش ظاهرة سبعة رجال، حسن جلاب، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، ط1، 1994، ص: 162.
3- الرجال السبعة الذين يحرسون مراكش، بوشعيب الضبار، صحيفة الشرق الأوسط، العدد 9546، 16 يناير 2005.
4- عبقريات مغربية أسهمت في نشر الحضارة والثقافة، إبراهيم الهلالي، (د-ط)، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، 2012، ج1/126.
5- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزّمان، ابن خَلِّكان، تح إحسان عباس، (د-ط)، دار صادر بيروت، 1977، مج3/143.
6- المُطرب من أشعار أهل المغرب، ابن دِحية، تح إبراهيم الأبياري وحامد عبد المجيد وأحمد أحمد بدوي، راجعه طه حسين، (د-ط)، دار العِلم للجميع، بيروت-لبنان، 1993، ص: 230.
7- التّكملة لكتاب الصّلة، ابن الأبّار، تح عبد السلام الهراس، (د-ط)، دار المعرفة، (د-ت)، ج3/332.
8- الرّوض المِعْطَار في خَبرِ الأقطار؛ معجم جغرافي، الحِمْيرِي، ط2، تح إحسان عبّاس، مكتبة بيروت-لبنان، 1984، ص: 543.
9- الآثار الأندلسية الباقية في أسبانيا والبرتغال؛ دراسَة تاريخيّة أثريّة، عبد الله عنان، ط2، مكتبة الخانجي القاهرة، 1997، ص: 257.
10- تذكرة الحفّاظ، الذّهبي، (د-ط)، نشر محمد أمين دمج، بيروت، (د-ت)، مج2/1349.
11- نتائج الفِكْر في النحو، السهيلي، حققه وعلق عليه، عادل أحمد عبد المَوجود وعلي محمّد معوّض، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، 1992، ص: 20.
12- شعر أبي القاسم السهيلي؛ مستل من مجلة معهد المخطوطات، الزاكي بنيونس، مج 42، 1998، ج2/111.
13- مرّاكش في زمن الموحّدين جوانب من تاريخ المجال والإنسان، محمّد رابطة الدين، ط1، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، 2008، ص: 221.
14 – معلمة المغرب، إشراف: محمّد حجي، نشر مطابع سلا، 2002، ص: 5145.
15- بُغية الوُعاة في طبقات اللغويين والنحاة، السيوطي، تح محمّد أبو الفضل إبراهيم، ط1، مطبعة عيسى البابلي الحلبي وشركاه، 1964، ج1/602.
16- أمالي السهيلي في النحو واللغة والحديث والفقه، السهيلي، تح محمد إيراهيم البنا، ط1، مطبعة السعادة، 1970،(د-ت)، ص:10.
17- الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، تح وتع محمد الأحمدي أبو النور، (د-ط)، دار التراث للطبع والنشر، القاهرة-مصر، (د-ت)، ص: 481.
18- تاريخ قُضاة الأندلس أو المرقبة العُليا في من يستحق القضاء والفُتْيا، النُّبَاهي، نشر ليفي بروفنصال، ط117، دار الكتاب المصري، القاهرة، 1948، ص:1-118.
19- الدولة الموحدية بالمغرب في عهد عبد المؤمن بن علي، عبد الله عَلي علام، (د-ط)، مكتبة الدراسات التاريخية، دار المعارف مصر، (د-ت)، الصفحات: 301-352.
20- دراسات في الحضارة الإسلامية وثقافة الغرب الإسلامي، محمّد زنيبر، سلسلة أبحاث ودراسات رقم42، ط1، منشورات كليّة الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، جامعة محمّد الخامس- أكدال، مطبعة الأمنية بالرباط، 2010، ص: 332.
21- معجم الحضارة الأندلسية، يوسف فرحات ويوسف عيد، ط1، دار الفكر العربي للطباعة والنشر، بيروت-لبنان، 2000، ص: 162.
22- مذكرات من التراث المغربي، محمّد بنشريفة، إشراف العربي الصقلي، (د-ط)، مطبعة ألتميرا-مدريد، 1985، مج2/271.
23- الرجال السبعة بمراكش: أبو العبّاس السبتي، محمّد المهدي بوزيد، مجلة أنوار التصوف المغربية، ص: 68.
24- زاد المُسافر وغُرّة مُحَيّا الأدب السافر؛ أشعار الأندلسيين من عصر الدولة الموحدية، التجيبي، أعدّه وعلّق عليه: عبد القادر محداد، (د-ط)، دار الرائد العربي، بيروت – لبنان، 1980، ص: 139.
25- المُغرب في حُلى المغرب، ابن سعيد، وضع حواشيه: خليل المنصور، ط1، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، 1997، ج1. ص: 370.
26- موسوعة أعلام العلماء والأدباء العرب والمسلمين، عبد الرحمن الحاج صالح وعبد الرحمن الطيب الأنصاري وهلال ناجي، ص: 444.
27- بلوغ الآمال في تتميم مناقب سبعة رجال، أحمد بوستة، (د-ط)، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، ص: 257.
28- الخطاب الصوفي مقاربة وظيفية، محمّد مفتاح، ط1، مكتبة الرشاد، 1997، ص: 277.
ب- باللغة الأجنبية:
1- Sainte-Beuve de l’imitation a la critique, Ali Massoud Tarmale, university Bulletin, issue
novembre 16, volume 3, July 2014,p: 195-196.
[1]– الإمام أبو القاسم السهيلي، حسن جلاب، ط1، المطبعة والوراقة مراكش، 2008، ص: 85.
*شارل أوغستين سانت بوف (1804-1869)، كاتب وناقد فرنسي، غادر مهنة الطب ليلتحق بالأدب، بدأ حياته الأدبيةكمحرر لمجلة “العَالَمَيْن”، مما جعل منه أحد رواد الرومانسية التحرّرية، عاصر نادي فكتور هيغو الأول، تعرض للانتقاد بعد فشل قصائده “الحياة” “قصائد وأفكار لجوزيف ديلورم” المنشورة سنة 1829، ليكتشف بعد ذلك أنّ مصنفاته الأدبية لم تحقق ما كان يصبو إليه في المستقبل. عمل أستاذا للأدب بباريس ما بين 1837-1838، وقد جمعت محاضراته خلال سنوات تدريسه في كتاب “Port Royal”، وتعدّ أحاديث الاثنين التي كان يكتبها سانت بوف قاعدة نقدية رصينة وأصيلة. وكان بوف أيضا عضوا بارزا في الأكاديمية الفرنسية سنة 1844، فضلا على أن الانشغالات الأدبية لم تبعد سانت بوف عن الحياة السياسية التي كان فاعلا أساسيا فيها.
Sainte-Beuve de l’imitation a la critique, Ali Massoud Tarmale, university Bulletin, issue novembre 16, volume 3, July 2014,p: 195-196.
1- “بعضهم من أبناء المدينة، ولدوا ونشئوا بها مثل يوسف التباع، ومنهم من جاء إليها من مدن تاريخية كسبتة (عياض والسبتي) أو من قرى في الجنوب (الجزولي) أو الشمال (الغزواني). أما السهيلي فهو الوحيد الذي قدم من الأندلس.
وإذا كان بعض هؤلاء الوافدين قد اندمج مع السكان وقضى فترة غير قصيرة بالمدينة كالسبتي والغزواني، فإن البعض الآخر لم يعش إلا فترة قصيرة: السهيلي، عياض، الجزولي”.
الحركة الصوفية بمراكش ظاهرة سبعة رجال، حسن جلاب، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، ط1، 1994، ص: 162.
2- الرجال السبعة الذين يحرسون مراكش، بوشعيب الضبار، صحيفة الشرق الأوسط، العدد 9546، 16 يناير 2005.
3- ينظر: عبقريات مغربية أسهمت في نشر الحضارة والثقافة، إبراهيم الهلالي، (د-ط)، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، 2012، ج1/126.
1- صدّر إبراهيم الأبياري تحقيق هذا الكتاب بقوله: “هذا كتاب يعني أمتين: العرب والأسبان، إذ هو يعرض حِقبة مشتركة من تاريخهما”.
2- في: وفيات الأعيان “أبو القاسم وأبو زيد عبد الرحمن بن الخطيب أبي محمّد عبد الله بن الخطيب أبي عمر أحمد بن أبي الحسن”.
وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزّمان، ابن خَلِّكان، تح إحسان عباس، (د-ط)، دار صادر بيروت، 1977، مج3/143.
3- “الخثعمي: بفتح الخاء الموحدة وسكون الثاء المثلثة وفتح العين المهملة وبعدها ميم، هذه النسبة إلى خَثْعَمْ بن أنمار، وهي قبيلة كبيرة، وفيه اختلاف”.
وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، ابن خلّكان، ص: 144.
4- المُطرب من أشعار أهل المغرب، ابن دِحية، تح إبراهيم الأبياري وحامد عبد المجيد وأحمد أحمد بدوي، راجعه طه حسين، (د-ط)، دار العِلم للجميع، بيروت-لبنان، 1993، ص: 230.
5- “السُّهيلي: بضم السين المهملة وفتح الهاء وسكون الياء المثنّاة من تحتها وبعدها لام، هذه النسبة إلى سُهيل، وهي قرية بالقرب من مالقة، سمّيت باسم الكوكب لأنّه لا يُرى في جميع بلاد الأندلس إلا من جبل مطلٍّ عليها”.
المصدر نفسه. ص:14.
6- “قال ابن مَلْجُومْ: أخبرني أنّه وُلِدَ عام سبعة أو ثمانية وخمسمائة، شكّ فيه، لوُقوع مداد على تاريخه”.
التّكملة لكتاب الصّلة، ابن الأبّار، تح عبد السلام الهراس، (د-ط)، دار المعرفة، (د-ت)، ج3/332.
7- الرّوض المِعْطَار في خَبرِ الأقطار؛ معجم جغرافي، الحِمْيرِي، ط2، تح إحسان عبّاس، مكتبة بيروت-لبنان، 1984، ص: 543.
8- الآثار الأندلسية الباقية في أسبانيا والبرتغال؛ دراسَة تاريخيّة أثريّة، عبد الله عنان، ط2، مكتبة الخانجي القاهرة، 1997، ص: 257.
1- الآثار الأندلسية الباقية في أسبانيا والبرتغال، عبد الله عنان، ص: 257.
2- قال الذهبي: “كذا وجدت على ظهر كتاب فرائضه وأنّه ولد بإشبيلية سنة ثمان وخمس مائة”.
تذكرة الحفّاظ، الذّهبي، (د-ط)، نشر محمد أمين دمج، بيروت، (د-ت)، مج2/1349.
3 ــــــ”ومالقَةُ”ــــ بفتح الميم وبعد الألف لام مفتوحة ثم قاف مفتوحة وبعدها هاء، وهي مدينة كبيرة بالأندلس، وقال السمعاني: بكسر اللام، وهو غلط”.
وفيات الأعيان، ابن خَلِّكان، ص: 144.
4- المُطرِب من أشعار أهل المغرب، ابن دِحية، ص: 230.
5- نتائج الفِكْر في النحو، السهيلي، حققه وعلق عليه، عادل أحمد عبد المَوجود وعلي محمّد معوّض، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، 1992، ص: 20.
6- تذكرة الحفاظ، الذهبي، ص: 1348.
7- المُطرب من أشعار أهل المغرب، ابن دِحية، ص:231.
8- شعر أبي القاسم السهيلي؛ مستل من مجلة معهد المخطوطات، الزاكي بنيونس، مج 42، 1998، ج2/111.
1- “كان السهيلي مصنّفا في طبقات العلماء الكبار كابن زهر، والجزولي، والرّعيني”.
ينظر: مرّاكش في زمن الموحّدين جوانب من تاريخ المجال والإنسان، محمّد رابطة الدين، ط1، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، 2008، ص: 221.
2– معلمة المغرب، إشراف: محمّد حجي، نشر مطابع سلا، 2002، ص: 5145.
3- “بفتح الطاء والرّاء المهملتين. قال ابن عبد الملك: كان نحويًّا ماهرا، أديبا بارعا، يقرض الشعر ويُنْشِئُ الرَّسَائِلَ. سمع على الأعلم كتاب سيبويه. وعلى عبد الملك بن سِراج، وروى عن أبي الوليد الباجي وغيره، وروى عنه السهيلي والقاضي عيّاض وخلائق. وله آراء في النّحو تفرّد بها، وخالف فيها جمهور النّحاة. وعلى الجملة كان مبرّزا في علوم اللسان نحوا ولغة وأدبًا.
مات في رمضان ـــ أو شوّال ــــ سنة ثمان وعشرين وخمسمائة عن سنّ عالية.
ومن شعره في فقهاء مالقة:
مَدُّوا إِلَيْهِ جَمِيعًا كَفَّ مُقْتَنِصِ |
ينظر: بُغية الوُعاة في طبقات اللغويين والنحاة، السيوطي، تح محمّد أبو الفضل إبراهيم، ط1، مطبعة عيسى البابلي الحلبي وشركاه، 1964، ج1/602.
.
1– أمالي السهيلي في النحو واللغة والحديث والفقه، السهيلي، تح محمد إيراهيم البنا، ط1، مطبعة السعادة، 1970،(د-ت)، ص:10.
2- الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، تح وتع محمد الأحمدي أبو النور، (د-ط)، دار التراث للطبع والنشر، القاهرة-مصر، (د-ت)، ص: 481.
3- “يُكنّى أبا القاسم، َولِيَ قضاء الجماعة بمراكش، إلى أن تقلّد قضاء بلده؛ فسمع منه الناس وتنافسوا في الأخذ عنه، وكان أهلا لذلك، وانفرد برواية “الموطأ” عن ابن عبد الحق قراءة، وعن ابن الطلاّع سماعا. سَمِعَ من السّهيلي تأليفه “الروض الأنف”. توفي إثر صلاة الجمعة الخامس عشر من رمضان سنة 625، ومن شعره أيضا:
إِرْجِعْ إِلَى اللهِ وَدَعْ غَيْرَهُ | فَكُلُّ شَيْءٍ غَيْرُهُ بَاطِلُ |
وَكُلُّ مَا بُطْلاَنَهُ مُمْــــــــكِنُ | فَلَيْسَ يَغْتَرُّ بِهِ عَاقِـــلُ” |
تاريخ قُضاة الأندلس أو المرقبة العُليا في من يستحق القضاء والفُتْيا، النُّبَاهي، نشر ليفي بروفنصال، ط117، دار الكتاب المصري، القاهرة، 1948، ص:1-118.
1- “هاجر أبو الخطاب بن دِحية إلى مصر واتّصل بعُلماء الأزهر، وكانت له معهم جولات في الحديث قرَّرتْ عُلُوّ كعبه في الرواية والحفظ، تُوفي سنة 633 هـ، وله كتاب “التنوير في مولد السراج المُنير”.
يُنظر: الدولة الموحدية بالمغرب في عهد عبد المؤمن بن علي، عبد الله عَلي علام، (د-ط)، مكتبة الدراسات التاريخية، دار المعارف مصر، (د-ت)، الصفحات: 301-352.
2- معلمة المغرب، إشراف محمّد حجي، ص: 5145.
3- دراسات في الحضارة الإسلامية وثقافة الغرب الإسلامي، محمّد زنيبر، سلسلة أبحاث ودراسات رقم42، ط1، منشورات كليّة الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، جامعة محمّد الخامس- أكدال، مطبعة الأمنية بالرباط، 2010، ص: 332.
4 – المطرب من أشعار أهل المغرب، ابن دِحية، ص: 232.
1- معجم الحضارة الأندلسية، يوسف فرحات ويوسف عيد، ط1، دار الفكر العربي للطباعة والنشر، بيروت-لبنان، 2000، ص: 162.
2- قال محمّد بنشريفة: “ما زلنا في مرّاكش حتى يومنا هذا وكذلك في غيرها من المدن المغربية نسمع هذه العبارة: لولا عيّاض لما ذكر المغرب، وهي عبارة شائعة على ألسنة الناس وخواصهم وعوامهم، ولا نعرف من أين ومتى قيلت ولا من قالها؛ ولكنّها على كل حال قويّة الدلالة على شُهرة عيّاض. وقد طارت هذه الشهرة في عصره وبعد عصره بالمغرب والمشرق على السواء، وكُتبَ الذيوع والانتشار بحق مؤلفاته، ورُزِقَ مثل كتاب “الشفا” بعضها من الحظوة والسر وحسن القَبول ما لم يرزقه فيما كَتَبَ مؤلف مغربي آخر. وآية ذلك هذه النسخ الخطية التي تزخر بها الخزائن في كل مكان، وهذه الطبعات العديدة له منذ ظهرت الطباعة في العالم الإسلامي، وهذه الشروح العديدة للكتاب المذكور، والعناية الفائقة بروايته جيلا بعد جيل. لقد كُتِبَ الكثير حول القاضي عياض، وتوجد ترجمته في مصادر كثيرة. بل إنّ حياته أُفْرِدَتْ بثلاث مؤلفات أحدها من وضع وَلَدِهِ”.
مذكرات من التراث المغربي، محمّد بنشريفة، إشراف العربي الصقلي، (د-ط)، مطبعة ألتميرا-مدريد، 1985، مج2/271.
3- “عبد الله بن عجال الغزواني، توفّي عام 935هــ ويعرف باسم (مول القصور)”.
الرجال السبعة بمراكش: أبو العبّاس السبتي، محمّد المهدي بوزيد، مجلة أنوار التصوف المغربية، ص: 68.
4- الآثار الأدبية لصوفية مرّاكش، حسن جلاب، ص: 9.
1- زاد المُسافر وغُرّة مُحَيّا الأدب السافر؛ أشعار الأندلسيين من عصر الدولة الموحدية، التجيبي، أعدّه وعلّق عليه: عبد القادر محداد، (د-ط)، دار الرائد العربي، بيروت – لبنان، 1980، ص: 139.
3- المُغرب في حُلى المغرب، ابن سعيد، وضع حواشيه: خليل المنصور، ط1، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، 1997، ج1. ص: 370.
1- موسوعة أعلام العلماء والأدباء العرب والمسلمين، عبد الرحمن الحاج صالح وعبد الرحمن الطيب الأنصاري وهلال ناجي، ص: 444.
2- موسوعة أعلام العلماء والأدباء العرب والمسلمين، ص: 444.
3- المرجع نفسه. ص: 444.
[41]– شعر أبي القاسم السهيلي، الزاكي بنيونس، ص: 147.
2- المطرب من أشعار أهل المغرب، ابن دِحية، ص: 235.
[43]– بلوغ الآمال في تتميم مناقب سبعة رجال، أحمد بوستة، (د-ط)، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، ص: 257.
[44]– الإمام السهيلي، حسن جلاب، ص: 70.
–[45]إظهار الكمال، العباس بن إبراهيم، ص: 158.
[46]– سورة الرحمن، الآية: 8.
[47]– سورة طه، الآية: 17.
[48]– سورة الإخلاص، الآية: 2.
[49]– سورة النمل، الآية: 64.
[50]– سورة التوبة، الآية: 130.
[51]– سورة المائدة، الآية: 35.
[52]– أخرجه الشيباني، مسند عثمان بن أبي العاص، (د-ب)، رقم الحديث: 17904، ج29/434.
[53]– أخرجه مسلم، كتاب صحيح مسلم، (باب الحث على ذكر الله تعالى)، رقم الحديث: 2675، ج4/2061.
[54]– أخرجه البخاري، كتاب صحيح البخاري، باب قوله: ﴿وكان عرشه على الماء﴾، رقم الحديث: 4684، ج6/73.
[55]– أخرجه الترمذي، سنن الترمذي، (د-ب)، رقم الحديث: 3540، ج5/548.
[56]– الخطاب الصوفي مقاربة وظيفية، محمّد مفتاح، ط1، مكتبة الرشاد، 1997، ص: 277.