
قراءة سوسيولوجية حول دور وسائل الإعلام في التعريف بالقضية الفلسطينية، أ. آمال الدريدي، أستاذة مساعدة بقسم علم الإجتماع بالمعهد العالي للعلوم الإنسانية، جامعة المنار تونس.
مداخلة ألقيت خلال المؤتمر الدولي الثالث عشر لمركز جيل البحث العلمي: فلسطين قضية وحق: طرابلس | لبنان 2 و3 ديسمبر 2016. ( حمل من هنا أعمال المؤتمر الدولي الثالث عشر فلسطين قضية وحق لبنان ديسمبر 2016 الصادرة بشهر ديسمبر 2016، ص 93).
الملخّص
نسعى في ورقتنا إلى تقديم قراءة سوسيولوجية، لدور وسائل الإعلام تجاه القضية الفلسطينية، خاصة مع كل ما يشهده العالم العربي من المحيط إلى الخليج، من أحداث وأزمات وتحولات مست كل المجالات. لذلك بات من الضروري التركيز على واقع وسائل الإتصال، خاصة الإعلام العربي وهو ما يدعونا في ورقتنا إلى الإستجابة إلى حاجتين إثنتين، لهما صلة وثيقة بتجديد النظر في الحقل الإعلامي على ضوء مكاسب العلوم الإنسانية والإجتماعية المعاصرة.
تتمثل أولى الحاجتين في إعادة النظر في دور الإعلام، كفاعل ومؤثر في توجيه الرأي العام من خلال مجموعة من الممارسات والسلوكيات التي تطبع المشهد الإعلامي العربي والعالمي تجاه القضية الفلسطينية.
أما ثاني الحاجتين فتتمثل في ضرورة الكفّ عن النظر الأحادي إلى العلاقة بين الإعلام بشقيه التقليدي والرقمي وبيئته الحاضنة له ( أي على مستوى إقليمي ودولي وعالمي)، بحيث نبني تحليلا يراعي الأحداث التي شهدتها دول المنطقة في السنوات الخيرة من الجهة، والقضية الفلسطينية من جهة ثانية.
وعلى ما نقترح، يستجيب تحليلنا لرهانات الإعلام في تحديد الملامح العامة للقضية الفلسطينية من خلال قراءة سوسيولوجية لوسائل الإتصال، خاصة وأننا نلتزم في معالجتنا لها من منظور علم الإجتماع بمراعاة جملة من المحددات النظرية والمفهومية والمنهجية.
الكلمات المفاتيح:
الإعلام – القضية الفلسطينية – الإستخدامات – العولمة الإعلامية.
Abstract:
We seek in the present paper to provide sociological reading, of the role of mass media toward the Palestinian issue, especially with all in the Arab world from the ocean to the Gulf, crises and events and changes have affected all areas. That is why it is now necessary to focus on the reality of the means of communication, especially the Arab media which reason in the present paper to respond to the two, are closely related to the renewal of the consideration of the field of media in light of the gains of the humanities and social sciences.
The first is’ve picked up in the consideration of the role of the media, and influential actor in directing public opinion through a range of practices and attitudes which print media scene the Arab and international levels toward the Palestinian issue.
The second can cater mainly relates to the need to refrain from unilateral consideration to the relationship between the media of both traditional and digital foster environment him, so as to build a gender analysis of the events.
And what we propose, responds to our analysis information in determining the general features of the Palestinian cause through the reading of the sociological media, especially and taking into account the inter determinants of their analytic theory and methodology.
The Key Words: The Media – the Palestinian issue – Uses – Information globalization.
مقدمة
تستجيب قراءتنا للقضية الفلسطينية إستنادا إلى بعض الملاحظات البسيطة التي قمنا بها في إطار عمل أكاديمي، على مجموعة من القنوات الفضائية العربية والعالمية (الأكثر مشاهدة من الجمهور العربي)… ففي ظل المتغيرات التي شهدتها ولازالت دول المنطقة، خاصة بعض البلدان من الربيع العربي، لاحظنا الدور الفاعل للإعلام، في ترسيخ جملة من الممارسات والسلوكيات، وأصبحنا نتحدث عن إعلام جماهيري أو ما يعرف بصحافة المواطن، وأيّا كانت التسمية، ومهما كان الإعلام ملتزما أو مقاوما، فدوره الأساسي هو الإلتصاق بهموم الناس ونقل الحقيقة، خاصة إذا ما تعلق الأمر بالقضية الفلسطينية…
من هنا إرتأينا الإهتمام بالحقل الإعلامي والإتصالي تجاه القضية الفلسطينية، وما شمله من تغيير في ظل التكنولوجيات الرقمية… ولكن وفي سياق ذلك وقفنا على أنه من العسير، منهجيّا، وضع اليد على ما يسمح بتحليل متأنّ، ما لم نلتزم بحصر الملاحظة، والتوصيف والتحليل بأدقّ ما أمكن. هذا إذا ما أشرنا تلميحا أن القضية الفلسطينية والإعلام، موضوع خضع لموازين قوى مجتمعية، إرتبكت في هذه الظرفية التاريخية فإضطربت المعايير وتبدل إدراك الناس للزمان والمكان.
وعلى هذا الأساس، نركز عملنا على التحولات الإجتماعية التي إخترنا منها تلك التي تمسّ وسائط الإتصال لننجز فيها ورقة بحثية، بمقاييس منهجية واضحة. وتزامنا مع ما يشهده العالم العربي في السنوات الأخيرة من تحولات إجتماعية وسياسية، بدت لنا الملامح العامة للمشهد الإتصالي والإعلامي، تزداد وضوحا، من خلال مجموعة من الرموز والممارسات الجديدة داخل أنساق من العلاقات الإجتماعية، خضعت في الآونة الأخيرة إلى نفوذ “الصورة”، كوسيلة فنية للتعبير، وآلية ثقافية وإجتماعية للتواصل… إلى جانب غزارة “المعلومة” التي لعبت دورا هاما في صناعة وإنتاج مجموعة من القيم والرموز الثقافية، داخل نسق تغلب عليه العولمة وتنميط السلوك العام، وهو ما عبّر عنه “دينيس ماكويل” (Denis McQuail ) بـ « الحاجة إلى التكيف مع الأفكار والممارسات والتقنيات الجديدة» [1]، وهو ما يفسر طبيعة مجتمع المعرفة والمعلومات، الذي يقوم على رأس مال رمزي ومعرفي، تلعب فيه تكنولوجيات الإتصال الحديثة دورا فاعلا، في تكريس ثقافة الإتصال والعولمة والشراكة والممارسات الإفتراضية بأنواعها المختلفة… [2] كل هذه الخصائص قد تكون مدخلا مهما لدراسة واقع القضية الفلسطينية وأزمة اللاجئين وما وصفه البعض بالإنتهاكات للشرعية الدولية ولحقوق الإنسان..
إننا نسعى في هذه الورقة إلى مزيد فهم رهانات الإعلام العربي خاصة، تجاه القضية الفلسطينية، هذا إذا ما إعتبرنا أن الإعلام الكلاسيكي (أي التلفزيون والإذاعة والصحافة)، بمثابة الوسيط للتعبير عن هوية جماعية تصارع لإثبات ذاتها في مواجهة الإستعمار الإسرائيلي، فيبدو أن الإعلام الجديد قد تحوّل إلى وسيط يعبر عن هوية متعددة ومتنوعة، خاصة بعد أن إنفلت الإعلام من سلطة الدولة، بعد ظهور تكنولوجيات الإتصال الحديثة والبث الفضائي وإستثمار الإعلام في القطاع الخاص، جميعها ساهمت في بروز نسق من التمثلات الإجتماعية، تجاه الإستخدامات الإتصالية والإعلامية… وهو ما يحيلنا على مسألة أشمل تتعلق بقضيتي “الإنتماء” و”الهوية”، أي بمعنى آخر، البحث في الأدوار التي يمكن أن يؤديها الإعلام بشقيه الكلاسيكي والرقمي، في ديناميكية تشكيل المجتمعات لذاتها، وهو ما يسمح بطرح إشكالية “النحن” في معناها الإجتماعي والسياسي والثقافي، الإقليمي والدولي: “كيف نتعايش معًا؟ “.
في هذا السياق من الضروري إعادة النظر في أبعاد المعرفة العلمية، من خلال مقاربة “العلم” عبر مفهوم الإستراتيجيات المتعددة، فيتحول من مجال (لحياة الأفراد)، إلى مجال مؤسسي وإجتماعي تتفاعل فيه المصالح، فيصبح بفعلها مجالا تنظمه رأسمالية مخصوصة يسميها “برونو لاتور” (Bruno Latour) “الرأسمالية العالمية” [3]… كما يرى هذا الأخير، أن للبحث العلمي ضوابط تتحدد من خلالها مجموعة من السياقات والأطر، تمثل آفاقا يتحرّك داخلها الباحث [4]، مستعينا بآليات ووسائل منهجية وعلمية يقع توظيفها لمقاربة الواقع (معلومات، أرقام، سجلات…). كما يمثل التنافس بعدا مركزيّا للممارسة البحثية، فالعقلانية العلمية مثلا، تمثل نتيجة طبيعية لتنافس النظريات والفرضيات وللتأثير المتواصل لإخضاع المعرفة للنقد والدحض والنقض… وبالتالي هي ليست آلية ذهنية معرفية فحسب، بل هي نتيجة آليات معقدة لمعالجة المعرفة. [5]
يبدو أننا أمام إيديولوجيا إتصالية تُحاكي مجموعة من الممارسات والتمثلات الإجتماعية، تحمل في طياتها سلوكات وتفاعلات متنوعة، بهدف إعادة هيكلة الروابط الإجتماعية وفق قيم وترتيبات جديدة… أمام هذه الفرضيات توجهنا إلى دراسة القضية الفلسطينية من جانب الإعلام، سعيا إلى خوض هذه الإشكالية: ماهو واقع وسائل الإعلام والتقنيات الحديثة اليوم ؟ وكيف عرّفت بالقضية الفلسطينية؟ كيف تجري الديناميكيات الإعلامية في خلق إيديولوجيا تواصلية بين الأفراد، لتسليط الضوء على الشعب الفلسطيني؟
نسعى في هذه الورقة العلمية إلى محاولة وضع مقاربة إتصالية/ إعلامية، في السياق المجتمعي الفلسطيني، والبحث في أشكال التمثيل الإعلامي للعلم، أي دراسة وسائل الإعلام الكلاسيكية والرقمية من حيث هي ثقافة تحتاج للنقاش ومزيد الفهم… لذلك نهضت هذه الورقة البحثية على جملة من الفرضيات الأساسية مستقاة من أعمال بحثية سابقة… أوّلها تُعنى بالإعلام كنسق قيمي ورمزي، ساهم في تحديد الملامح العامة للقضية الفلسطينية بكل حيادية… وجاءت الثانية، حول دور وسائل الإتصال الحديثة في تكريس أنماط جديدة من الممارسات الإعلامية، للتعريف بالقضية.
وإنطلاقا من علاقة التقاطع بين الرهانات والإستراتيجيات الإتصالية والإعلامية ، داخل نسق رمزي وقيمي، عرفته دول المنطقة في السنوات الأخيرة… نبني الإجابة على ما نورد أوّلا من المناقشات المفهومية والنظرية التي تتعلق بثنائية الحقل الإعلامي والقضية الفلسطينية، من منظور علم الإجتماع، ملتزمين بمتطلبات التحليل العلمي السوسيولوجي، لطبيعة الحقل الإعلامي، في سياق التحولات التاريخية والإجتماعية، التي عرفها الشعب الفلسطيني.
- في أسس بناء الإشكالية:
- المسائلة النظرية لمفهوم “الإعلام“:
إستنادا إلى التعريفات اللغوية، فإن مصطلح “الإعلام ” جاء في معجم ( Petit Robert)، موافقة للفرنسية لكلمة (Information )، ويعني فعل “الإخبار” بمجموعة من المعلومات، بين باث ومتقبل، بالإعتماد على تقنيات متعددة منها الصحافة، والإذاعة والسينما والتلفزيون وهو ما يحيل إلى كلمة (Média ). [6] وفي هذا الإتجاه تحديدا، “إرتبط مصطلح الإعلام بما يسمى “الوسائل الإعلامية”، أي التلفزيون والإذاعة والصحافة، في حين يشير مصطلح “التكنولوجيات الحديثة”، إلى الوسائل التقنية الرقمية، كالهواتف الذكية، ولكمبيوتر… فالإعلام في المخيال العام مرتبط بمؤسسات تتمثل وظيفتها في إنتاج مضامين مخصوصة موجهة إلى الجمهور” [7]…
مفهوميا، هي ممارسات إجتماعية للقيام بإرسال أو إيصال معلومات، سواء كانت مرئية أو مسموعة، أو إشارات أو رموز أو صور أو نصوص أو تعابير… إلخ. من هنا، وإنطلاقا من فكرة كلية النسق وإضطلاع الجزء بوظيفة داخل الكل، فالملاحظ أن وسائل الإعلام هي عبارة عن مجموعة من النظم الإجتماعية، وهي جزء من نسق عام يؤدي وظائف إجتماعية بهدف تحقيق التوازن والإستقرار داخل المجتمع [8]. وبعيدا عن هذا التصور الوظيفي الذي إعتمدته العديد من الدراسات ذات التوجّه الأنتروبولوجي[9] ، يمكننا تصنيف “الإعلام” كحاجة إجتماعية ونفسية “للتحرر من ضغوط الضبط الإجتماعي [10].
في هذا الإطار يمكن ترتيب المهام المعرفية للخطاب النظري حول “الإعلام” وفق مستويات عديدة… كما أن تحليل السياقات التاريخية والتحولات الإجتماعية التي تُخوّل لنا الحديث عن ما يعرف بمجتمع المعلومات، كحالة تاريخية للمجتمعات الحديثة، يُعدّ أحد أهم هذه المستويات. وتمثل مقاربات الأمريكي “دنيال بال” ( Daniel Bell )، والإسباني “مانوال كاستلاس” ( Manuel Castells )، والفرنسي “جون فرنسوا ليوتارد” (Jean François Lyotard )، أهم النماذج المفسرة لهذه المقاربة.
كما تتعلق المساءلة النظرية، بالتفكير في التمثلات السياسية والثقافية والإجتماعية السائدة لمفهوم “الإعلام”، والتي يراها البعض بمثابة الإيديولوجيا… ويفضي تحليل التمثلات السائدة، إلى الكشف عن التناقضات الداخلية للخطاب الإعلامي. وتمثل كتابات “دومينيك فولتون” ( Dominique Wolton )، نموذجا لمقاربة نقدية، تنظر إلى “الإعلام” بشكل عام، والتقنيات الحديثة بإعتبارها إيديولوجيا… وقد أعلن في كتابه “الإعلام ليس تواصلا“، أن هدفه هو التفكير في مسألة التواصل، بعد الإنتصار النصفي الذي حققه الإعلام في القرنين الماضيين. مشيرا إلى إختلاف الإعلام عن الإتصال، فالأول يهتمّ بالرسالة أو المعلومة ومضمونها، والثاني (أي الإتصال) إعتبره مسألة علائقية أكثر تعقيدا، نظرا لطبيعة “التواصل العلائقي” الذي يطرح تساؤلا عن الآخر والصلة التي تجمعه بالذات التواصلية… [11]
في نفس الإتجاه إعتبر “دومينيك فولتون” ( Dominique Wolton )، أن كل الجهود الحداثوية تدعم التواصل بين الأفراد، بل إن الإستهانة والتقليل من قيمة التواصل، فيه أيضا إستهانة بقيمة الذوات البشرية. كما يرى أن الإعلام الجيّد، يحمل في جوهره مشروعا تواصليا، لكن هذا لا يعني أن كثرة الوسائل الإعلامية ستؤدي إلى تمتين التواصل… بل يمكن لغزارة “المعلومة” أن تجعل التواصل أمرا صعبا[12]… من هذا المنظور فإن النقاش العقلاني، يمثل الآلية المثلى للحسم في الطابع العلمي لنظرية ما، أي قدرتها على الإقتراب من الحقيقة. ودون تجاوز قابيلية المعارف العلمية، للمراجعة لأنها ظرفية وغير مكتملة.
وتكمن أهمية هذه الدراسة، أولا المساهمة في إثراء النقاش النظري والمفاهيمي حول موضوع الإعلام بشقيه التقليدي والرقمي، تجاه القضية الفلسطينية. هذا إذا ما أخذنا في الإعتبار أن الإشتغال على المفاهيم من المهام الأساسية للبحث العلمي. أماّ عمليا فيمكن لبحثنا أن يساهم في إقتراح أدوات منهجية وإجرائية لمقاربة الواقع الإعلامي اليوم بهدف تسليط الضوء على ما يعانيه الشعب الفلسطيني من إنتهاكات لحقوق الإنسان.
- مقاربة الواقع الإعلامي تجاه القضية الفلسطينية:
لمقاربة أبعاد القضية الفلسطينية وتداعياتها على كل شعوب المنطقة، تستعين الورقة بمدخل نظري يؤطر هدفها في التعرف على الأسباب التي تجعل معاناة الشعب الفلسطيني، محاور صراع تُخطّط لإختراق المضمون الإعلامي الذي يتم رفعه في الفضائيات العربية والعالمية. ويتمثل هذا المدخل في نظرية الحتمية القيمية في الإعلام التي تقدم إطارا تفسيريا للتفاعل الجدلي بين الإعلام والجمهور المتقبل للرسالة الإعلامية، بإعتبارها أساس عملية الإتصال وتُشكل المرجع في ضبط العلاقة بين المؤسسات الإعلامية على إختلاف توجهاتها وبين القضية الفلسطينية… وهنا تمثل وسائل الإتصال على إختلافها عالما رمزيّا، يتفاعل فيه الفرد مع محتويات الرسالة الإعلامية من خلال رمزية اللغة أو الصورة أو الفيديو… تعزز ذلك مع شبكة الأنترنت ومواقع التواصل الإجتماعية على تنوعها، كمساحة حرة لإبداء الآراء والمواقف والتعليقات وحتى نشر معلومات أو أحداث أو صور، في بعض الأحيان تعجز كاميرات الإعلام “التقليدي”، عن بلوغها من موقع الحدث… وهو ما نعبّر عنه اليوم بـ ” صحافة المواطن”…
أ – فهم الجمهور المتقبل للمادة الإعلامية:
إن التحولات التكنولوجية والسوسيوثقافية المتعلقة بأنماط الإستهلاك لوسائل الإعلام على إختلافها، (الكلاسيكية والرقمية)، لها تأثيرات شاملة على المنظومة الإعلامية برمّتها، وذلك بتعدّد البرامج على الفضائيات والتسابق نحو إمتلاك المعلومة، وتنوع وظائف وسائل الإعلام، وقدرتها على التأقلم مع المتغيرات، وإرضاء إنتظارات الجمهور المتقبل للمادة الإعلامية، على إختلاف توجهاتهم وخلفياتهم الثقافية والإيديولوجية [13]، خلق نوعا من “تشتت الإنتباه” [14] لدى الجمهور، بعبارة أخرى وإنطلاقا من التحليل السابق للتقرير الذي أصدرته اللجنة الفرنسية من أجل تلفزيون عمومي جديد، وحسب ما إعتبره البعض، فهي معضلة حقيقية تهدّد الإعلام الكلاسيكي (خاصة الصناعة التلفزيونية)، لأنه خاضع لبرمجة تنظم الشبكة التلفزيونية أو الإذاعية وهذه الشبكة تضبطها مواعيد زمنية، تُعرض للجمهور تلبية لحاجياته من المعلومات… هذا إذا ما أشرنا تلميحا أنه “لا معنى لتلفزيون يموّله المجتمع، ولا يتابعه سوى جمهور ضئيل” [15]… وفي إتجاه آخر فإن “تشتت الإنتباه” هذا بإمكانه أن يهدد القطاع الخاص للفضائيات التي يرتكز تمويلها على الإعلانات… وبالتالي فإن دراسة الجمهور وإستخداماته الإعلامية معقدة نوعا ما، ومن الصعب قيس درجة “الإنتباه” أو نسب الإقبال على المشاهدة، نظرا لتعدد الفضائيات وتنوع برامجها، من جهة ومن جهة أخرى إذا ما تعلق الأمر بجمهور عريض… لذلك تمّ إعتماد منظومة رقمية لقيس نسب أو معدلات المشاهدة لدى الجمهور، كآلية إحصائية وهي محاولة لدعم الصناعة الإعلامية بهدف إندماج الجمهور بين التقنيات التكنولوجية الحديثة والممارسات الإعلامية على تنوعها.
ب – الإعلام كمسألة نظرية:
إعتمدت العديد من الدراسات السوسيولوجية في مجال الإتصال على منظومات نظرية ومنهجية متعددة، فيقع إستعمال المفاهيم التقليدية للعلوم الإجتماعية (كمفهوم الرأسمال الثقافي أو الإجتماعي…) أو المقاربات النظرية المتصلة بالوسائط الإعلامية الكلاسيكية (كمقاربة الإستخدامات والإشباعات، للممارسات الإتصالية). وتتسم الأطر المنهجية كذلك بتنوعها: أي كيفية (المقابلات والملاحظات) وكمية (تحليل المضمون…) [16] ، بالإضافة إلى صعوبة دراسة موضوع متحول في سياق متغيّر كمسألة الإعلام والقضية الفلسطينية، لأن مقاربة وسائل الإعلام والإتصال على إختلافها، تطرح إشكاليات منهجية خاصة على مستوى دراسة الخطاب الإعلامي (تحليل الخطاب أو تحليل المضمون)، أو ممارسات التلقي (المقابلات الكمية والكيفية)، هذا إذا ما تعلق الأمر بدراسة أشكال تعبيرية معينة، حيث يتداخل فيها الذاتي بالعام وتمثل إمتدادا لتجارب الأفراد في معيشهم اليومي ونشاطاتهم الإجتماعية.
فالمشهد الإعلامي، في العالم العربي عامة وفلسطين تحديدا، فيه إنعكاس لواقع هذه المجتمعات، وهو ما دعى إليه عالم الإجتماع الفرنسي “بيار بوديو” (Pierre Bourdieu) “بضرورة التأمل والتفكير فيما هو أبعد من ذلك، وتحديدا طبيعة المجتمع، الذي نعيش فيه في الوقت الراهن”. [17] بعبارة أخرى، إستطاع الإعلام، أن يؤسس لمفاهيم جديدة، تقوم على حرية التعبير، والحريات الفردية، ودور التكنولوجيات الرقمية، وصحافة المواطن، و”مجتمع المعلومات” … جميعها تُختزل في معنى “التحرر من القيود” وتذليل الحدود بكل أنواعها، ولعلّنا أمام الوصف الدقيق الذي قدمه “بيار لوفي” (Pierre Lévy) عندما إعتبر أن “الواب” يؤسس “لوجهات نظر متعددة ومنفتحة، ويتخذ هذا التنظيم شكلا شبكياّ شاملا دون رؤية قدسية وبلا وحدة متعالية” [18] ، وهو ما فسح المجال أمام بعض المؤسسات الإعلامية لتسويق ونشر مجموعة من ممارسات السلطة الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني، لتنميط الرأي العام وبث مجموعة من الرسائل الرمزية والقيمية، للجمهور على إختلاف مرجعياته وإنتمائاته… حيث لعبت “الصورة” ومقاطع الفيديو، دورا هاما لنشر هذه الممارسات الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني…
إن التنوع الثقافي وإحترام المحلية وظهور أنماط جديدة من الإنخراط في الحياة السياسية، لدى الجمهور المتقبل للمادة الإعلامية، إلى جانب تعاظم الفردانية والبحث عن تحقيق الذات وفق أنماط جديدة من الممارسات داخل الجماعات الإجتماعية على إختلافها وتنوعها [19]، خلق جانبا من حرية التعبير والتفاعل في فضاءات يمارس فيها المستخدمون مجموعة من الأنشطة الإفتراضية (المكتوبة والمسموعة والمرئية) من خلال التدوين والمراسلة ونشر مقاطع فيديو من مواقع الأحداث، التي تصعب في بعض الأحيان أن تبلغها آلات التصوير لمراسلي بعض الفضائيات… تحيل هذه التطبيقات العديدة [20] إلى ما يُعرف بإنتاجات المستخدمين (User generated content ) وإنتاجات المشاهدين ( Viewer generated content)، وإنتاجات المستهلكين (Consumer generated content )… هذه الممارسات مرتبطة بالهويات الجماعية، ولعلنا هنا أمام مفارقة، ففي حين كان التلفزيون يمثل نافذة يطلّ من خلالها الأفراد على العالم الخارجي، فإن التعبير السمعي البصري للأفراد يمثل نافذة ينظر من خلالها العالم إلى دواخل البيوت [21] وإلى ما هو محلي… ولكن هذه الأشكال من الممارسات رغم طابعها الذاتي، لا تنفلت من سياق مؤسسي تحاول فيه مؤسسات الإعلام الكلاسيكي والجديد إعادة التمركز من جديد أما هذا المُنافس الجديد، وهذا النوع من الإعلام الجديد الذي يُطلق عليه “صحافة المواطن”.
- قراءة تاريخية للقضية الفلسطينية واللاجئين الفلسطينيين:
نشأت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين نتيجة الحرب الإسرائيلية – العربية وقيام “دولة لإسرائيل” سنة 1948، على أكثر من 78 %من أراضي ما كان يعرف بفلسطين الإنتدابية آنذاك، وطرد الأغلبية العظمى من السكان الفلسطينيين وتهجيرهم وتحويلهم إلى لاجئين في الدول العربية المجاورة. وبحسب تقديرات الأمم المتحدة فقد بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين بين 726 ألفا و 810 آلاف لاجئ. وتفاقمت تلك المشكلة مع إستمرار تدفق موجات اللاجئين وتزايد أعدادهم عندما تمكنت إسرائيل لاحقا من الإستلاء بالقوة على ما بقي من أراض فلسطين التاريخية، أي الضفة الغربية وقطاع غزة في حرب 1967. إلاّ أن بعض الفلسطينيين والعرب قد تبنوا هذه المقاربة الغير قانونية للمشاركة في أعقاب توقيع إتفاقيات “أوسلو”، وأصبحت تلك المقاربة جزءا لا يتجزأ من الخطاب السياسي لما يسمى بـ “عملية السلام”… وتكرّست هذه المقاربة وتجسدت لاحقا في نصوص ما يسمى “المبادرة العربية للسلام” سنة 2002.
إن إعتراف الأمم المتحدة بتأسيس “وطن” لليهود ضحايا الإضطهاد النازي في أوروبا، ساهم في تشتيت الشعب الفلسطيني، فقد بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين حسب آخر إحصائيات عمليات “الأونروا” (UNRWA )، لسنة 2013 إلى 5,311,555 لاجئا يتوزعون على النحو التالي: الضفة الغربية (901,040 )، غزة ( 1,276,041 )، لبنان (476,566 )، سورية (563,699 )، الأردن (2,121,209 ). علما أن هذه الأرقام لا تشمل أعدادا من اللاجئين الغير مسجلين في سجلات “الأونروا”، أو المواطنين الفلسطينيين من السكان الأصليين في الضفة الغربية وقطاع غزة. [22]
وفي إتجاه آخر فإن السلطة الفلسطينية ومع محدودية قدرتها على ممارسة السلطة الكاملة على مواردها مع تبعية شديدة للمساعدات الخارجية التي تقدر بـ 25 % من الناتج المحلي لسنة 2010، كما ورد في تقرير اللجنة الإقتصادية الإجتماعية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة [23]، أثّر ذلك على الأوضاع المعيشية للشعب الفلسطيني، خاصة اللاجئين الذين تبلغ نسبتهم 50 % من سكان الضفة الغربية و 75 % من سكان قطاع غزة. بينما يعاني الوضع الإقتصادي تراجعا بالإضافة إلى الفقر والبطالة وضعف خدمات البنية التحتية من مياه وصرف صحي وغيرها، حسب التقارير التي ذكرناها. [24]
- دور الإعلام في التعريف بالقضية الفلسطينية:
ما يميّز الإعلام اليوم في عصر الثورة الرقمية ، الذي يتسم بظهور أنماط جديدة من الإستهلاك الإعلامي كتنوع المضامين والبرامج الإخبارية والسياسية عند الطلب (on demand Content ) التي تسمح للأفراد بمتابعة البرامج حينما يشاءون بفضل ما تتيحه من إمكانيات الشخصنة. في هذا الإتجاه، هناك إعادة تشكيل للعلاقة بين الإعلام والجمهور المتلقي للمادة الإعلامية، إذ بإمكان المشاهد أو المتابع، أن يتفاعل مع “الخبر” أو “المعلومة” وأن ينشر ردود فعله وإستفساراته حول “الأخبار العاجلة” مثلا، وبذلك أصبح الإعلام الكلاسيكي (التلفزيون والإذاعة والصحافة…) يعمل في إطار مجتمع متعدّد الخيارات إعلاميا وقائم على التنوع في إستهلاك المعلومة [25].
من بين بنود الصحافة والإعلام، حرية التعبير وحق النفاذ إلى المعلومة، في هذا المستوى سنتطرق على سبيل المثال ما حصل في مطلع سنة 2008 ، فبالرغم من التشريعات القانونية التي تتيح حرية العمل الصحفي، إلا أن “إسرائيل” منعت في تلك الفترة، الصحفيين والحقوقيين من الدخول قطاع غزة، رغم القرار الذي صدر عن المحكمة الإسرائيلية العليا والقاضي بسماح دخول 12 صحفيا أجنبياّ، حتى تحجب حقيقة الممارسات الإستعمارية في حق الشعب الفلسطيني، خاصة مع إندلاع حرب الفرقان. وهو ما خلق صعوبات في التغطية الصحفية للأحداث آنذاك… بل إستهدفت “إسرائيل” الصحفيين والإعلاميين بشكل مقصود، رغم أن القانون الدولي يوفّر لهم حماية خاصة. حيث تنصّ المادة 79 من البروتوكول الأول المضاف إلى إتفاقيات جنيف لسنة 1949 أن الصحفيين الذين يباشرون مهام مهنية خطرة في مناطق النازعات المسلحة، هم أشخاص مدنيون ويجب حمايتهم.
إن ممارسة العمل الصحفي داخل الأراضي المحتلة تكتسي طابع الخطورة والمشقة في بلوغ المعلومة وإرسالها إلى العالم الخارجي ولعلنا هنا أمام مقاربة قيمية معرفية فيها محاولة لإعادة إنتاج رؤية سوسيوثقافية وإيديولوجية للإعلام والجمهور المستهلك لمضامينه على إختلافها وتعددها… كما أن نسق المجتمع الإستهلاكي في العالم العربي عامة، يجد في وسائل الإعلام على تنوعها وإختلافها، نظما إجتماعية، تساند وظيفيا أهداف ومصالح النظم الماسكة بالسلطة أو الثروة… أي أنها وسائل في خدمة الأطراف المهيمنة في الحقل السياسي أو الحقل الإقتصادي… وهو ما يفسّر التقارب بين النظريات النقدية (مدرسة فرانكفورت) والمقاربة الماركسية، في مسألة السيطرة على الثروة وعلى الرموز… أي جدلية البُنى الفوقية والتحتية.
كما أن تنافس المؤسسات الإعلامية والفضائيات (الإخبارية) على إختلافها في الوصول المبكر إلى المعلومة وتقديم تغطية فورية للحدث، بل هناك بعض القنوات التي تنفرد ببث المجريات، وتستعين في بعض الأحيان بمقاطع الفيديو من الأنترنات… حتى وإن كان ذلك في بعض الأحيان، حسب بعض المختصين والمفكرين، فيه تجاوز لأخلاقيات المهنة من حيث التثبت في مصادر صحة الخبر، واحترام أعراض الناس والحرمات الشخصية للأفراد… هذا “المارتون” والتسابق من أجل نشر الخبر، خلق نوعا من الريبة والشك تجاه المادة الإعلامية، وخلفية القناة التي بثت المعلومة… ولعلّ مردّ هذه الشكوك يعود إلى قضية رئيسية التي ندور في فلكها هي فلسطين المحتلة، وكل ما يتعلق بتداعياتها…
ونعتقد أن مقاربة علاقة الأفراد بالإعلام الجديد، من منظور التفاعلية الرمزية (l’interactionnisme Symbolique )، قد يكون أكثر مواكبة للشباب العربي من خلال التفاعل مع كل الممارسات الإستعمارية تجاه الشعب الفلسطيني، وهو ما يحيلنا إلى دراسة مفهوم “التبادل” ( L’échange) للتعريف بالقضية الفلسطينية، بهدف إعادة النظر في التفاعلات الإجتماعية بوصفها صيرورة وليست معطىً جاهزا [26]… وبالفعل من خلال هذه القائمة لأكثر 10 شخصيات فلسطينية متابعة على “تويتر” من شباب العالم العربي لسنة 2013 نجد هذه الأسماء:
- تميم البرغوثي – 348 ألف متابع
- وضاح خنفر – 344 ألف متابع
- عبد الباري عطوان – 204 ألف متابع
- مريد البرغوثي 155 ألف متابع
- ديمة الخطيب 120 ألف متابع
- محمود درويش 111 ألف متابع
- جمال ريان 92 ألف متابع
- د. عدنان إبراهيم 84 ألف متابع
- عزام التميمي 71 ألف متابع
- 10. محمد أبو عبيد 69 ألف [27]
من الواضح أن تأثير الخطاب الصحفي الإلكتروني وما به من إختلاف، من جهة بناءه الداخلي عن الخطاب الصحفي الكلاسيكي، يصبح منظومة مخصوصة لإشتراك المتلقي عبر التعليق على المقال والتدوين الإلكتروني والمشاركة بمنتديات الحوار وغيرها من التقنيات الحديثة، بإمكانها أن تشكل عاملا حاسما في تجديد الممارسة الإعلامية، حول القضية الفلسطينية والتعريف بها عالميا كقضية إنسانية.
وفي إتجاه آخر، ومن منظور التقدّم التكنولوجي والرقمي، وبرؤية إيديولوجية متطوّرة للتكنولوجيا كعامل للتقدم الإجتماعي، فقد ساعدت “التقنية” أو حسب تعبير المفكر الفرنسي “رجيس دوبري” (Régis Debray)، “الوسيط” أو “الوسائطية”، التي لا يصنفها في ماهو سمعي بصري فحسب، بل يعتبرها عملية بحث في كل أشكال الوساطات التي تتكفل بإرسال وتناقل وتواتر المعلومات والحالات الذهنية والمادية، كما لا يعتبرها تصورا فكريّا، في التواصل اللغوي فحسب، بل نظرية وحقل للتفكير، تتقاطع فيه عدّة مناهج… [28]
وهو ما دفعنا لتسليط الضوء على أشكال الممارسات الإتصالية والإعلامية تجاه القضية الفلسطينية، وأزمة اللاجئين الفلسطينيين، خاصة بالتوازي مع الأحداث التي تعيشها دول المنطقة من المحيط إلى الخليج، وقضية “الإرهاب” وتداعياتها على بلدان ما يعرف بالربيع العربي، كل ذلك زاد من تسابق المؤسسات الإعلامية في الوصول إلى المعلومة، وفي بعض الأحيان إنفراد البعض منها ببث “الأخبار”… خاصة إذا ما أشرنا تلميحا إلى أن “المعلومة”، لم تعد مجرد معطى إعلامي، بل إنها قد تحولت في الوقت الراهن إلى “سلعة” خاضعة لقانون السوق قانون العرض والطلب… فهل أن تخمة الأحداث الدولية والعالمية المتسارعة، ومع ظهور ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية، وماتعيشه الشعوب في سوريا واليمن والعراق… وكل التطورات التي يعيشها عالمنا العربي، أثر على التغطية الإعلامية للشعب الفلسطيني؟ أم هناك أطراف تتعمد تهميش القضية، وتغيير وجهة الرأي العام نحو أحداث أخرى يعانيها العالم العربي؟
خاتمة:
يمثل العلم ممارسة جماعية، أما المعرفة العلمية فتنشأ وتتراكم وتتطور في إطار جماعي من خلال آليات التداول والجدل والنقد والتعديل والإضافة والدحض. وبالتالي فالعلم يُعدّ مجالا من مجالات الثقافة، حيث يخضع لنظام مخصوص من التفاعلات… فيصعب الحديث عن “علم” أو معرفة علمية خارج الجماعة الإجتماعية، وخارج الجدل ( Debate/ Débat)، لأن “التجربة تبيّن أنه لا يمكن للمعرفة أن تتطور خارج المجتمع العلمي. فإذا كان الإنتاج الفكري (خاصة في العلوم الإجتماعية) عملا فرديا في أغلب الأوقات، فإن تلقي الأفكار ونقاشها وتداولها يشترط وجود الجماعة” [29]
من هذه المقاربة العلمية وإنطلاقا من الواقع الإعلامي للقضية الفلسطينية، يتوخى علم اجتماع الاتصال تحليله على أنه رهان مجتمعي وحضاري متجدد، وهذا هو منطلق هذه الورقة البحثية، فقد إرتأينا تسليط الضوء على وسائل الإعلام بإعتبارها، السلطة الرابعة وصوت من لا صوت له ومرآة الوطن والمواطن وهو أحد عوامل النصر أو الهزيمة والبناء والهدم والتقدم والـتأخر، فالإعلام مكوّن أساسي في السياسة والفكر والثقافة…. كما أن الحاجة إلى المعلومات، تُعدّ ضرورة وغاية اجتماعية… وهو ما يفسر انخراط وسائل الإتصال والإعلام في المشروع التحديثي، كفاعل ومؤثر في تشكيل نسق قيمي ورمزي جديد للأفراد والمجتمع ككل… إلا ّ أن المعلومة ليست مجرّد فكرة أو معطى إعلامي فحسب، بل يبدو أنها تحوّلت في الوقت الرّاهن تحولت إلى سلعة خاضعة لقانون السوق، قانون العرض والطلب… وعلى وجه التحديد الفضائيات العربية التي نجحت إلى حدٍ ما في مواكبة الحدث، وفي إقامة علاقة من المشاهدة البصرية بين الجمهور المتلقي وبين الحدث… هذا إذا ما أشرنا تلميحا أننا نعيش في عصر ثورة الإعلام، عصر العولمة وعصر الصورة… لذلك قدمنا محاولة لتحليل مستويات الارتباط بين البنيات الذهنية والاجتماعية والثقافية وبين السلوكيات سواء الفردية أو الجماعية… حيث تحسسنا ملامح القضية الفلسطينية، بالتوازي مع كل التحولات السياسية والاجتماعية التي تعيشها دول المنطقة، وتطورات الحاصلة في تكنولوجيا المعلومات والإتصال، وتأثيراتها على المجتمع… ولئن كان الإعلام التقليدي “واضح” المعالم سوسيولوجيا، فإن تقنيات الإتصال الحديثة وبالرغم من محركها التكنولوجي، تتطلب العديد من الدراسات العلمية المعمقة بوصفها ظاهرة اجتماعية، سياسية، وأمنية في المقام الأول… فكل معلومة تصلنا تحمل في ثناياها رموزا ثقافية وإجتماعية، جعلت من “الصورة” و”المعلومة” المحدد الأساسي للفضاء الاتصالي المعولم… وليس الشعب الفلسطيني بمعزل عن تداخل الأبعاد الإيديولوجية والاجتماعية والسياسية في العملية الاتصالية التي تجري داخله والتي يمكن أن تضعنا أمام ما قال عنه “آرمان وميشال ماتلار” (A. et M. MATTELART (” لم يعد هناك تاريخ، ولا واقع ولا حقيقة، إن عالم الاتصال ينفجر تحت ضغط تعددية العقلانية المحلية والعرقية والدينية“[30]… حيث أصبحنا أمام نموذج اتصالي اجتماعي، فيه الاتصال الجماهيري الذي ” يتمّ بواسطة وسائل تكنولوجية، ومن خلال مؤسسات متخصصة وعبر حرّاس بوابات مكلّفين بتنظيمه“[31]… هذا إذا أخدنا بعين الاعتبار أن “المعلومات ليست اختراعا عصريا، وإنما هي أهمّ سلاح استخدمه الإنسان في مواجهة تحديات الحياة على مرّ العصور”[32]. لذلك “نتقاسم مع الآخرين ماهو مشترك بيننا، لكننا لا نتدبّر جيّدا إختلافاتنا”[33] ، فالنقاش العقلاني يمثل الآلية المثلى للفصل في المجال العلمي بين الحقيقة والمعرفة العلمية.
البيبلوغرافيا
باللغة العربية:
- أرمان وميشال ماتلار، تاريخ نظريات الإتصال، ترجمة نصر الدين العياضي والصادق رابح، المنظمة العربية للترجمة، بيروت
- آري كنودسن وساري حنفي، اللاجئون الفلسطينيون في المشرق العربي، الهوية والفضاء والمكان، ترجمة ديما الشريف، عن المركز العربي للأحاث ودراسة السياسات.
- ديلو (فياض)، الإتصال مفاهيمه، نظرياته، وسائله، دار الفجر للنشر والتوزيع، القاهرة
- سامي علي الخولاني، المعلومات وأهميتها، المركز الوطني للمعلومات، مصر مجلة المعلومات، العدد الثاني، مارس
- صادق الحمامي، الميديا الجديدة: الإيبستيمولوجيا والإشكاليات والسياقات، منشورات الجامعية بمنوبة، تونس
- فيليب بريتون، يوتوبيا الإتصال، ترجمة إلياس حسن، دار الينابيع، دمشق
لوكلرك (جيرار)، سوسيولوجيا المثقفين، ترجمة جورج كتورة، دار الكتب الجديدة المتحدة ، بيروت، 2008.
- مخلوف (حميدة)، مجتمع الصورة: بين ثقافة الفراغ وفراغ الثقافة، الشركة التونسية للنشر وتنمية فنون الرسم، تونس
- محمد حمدان، مدخل إلى قانون الإعلام والإتصال في تونس، معهد الصحافة وعلوم الإخبار بتونس، 1996
باللغة الفرنسية:
- Accardo Alain, «Journalistes au quotidien », Ed Le Masacret, Bourdeau, 1995.
- Aurélie Aubert, « Quand le téléspectateur réagit à l’actualité internationale : de la prise de parole critique à la revendication citoyenne», Thèse de Doctorat sous la direction de Michael Palmer, Université Paris 3, 2006.
- Belkacem Mostefaoui, « La télévision française au Maghreb, Structures, Stratégies et Enjeux», Ed. L’Harmattan, Paris, 1995
- Berger Peter et Luckman Thomas, « La Construction sociale de la réalité», Ed :Méridiens Klincksieck, Paris, 1996.
- Boullier Dominique, « La Conversation télé», Ed. Lares, Rennes, 1987.
- Bourdieu Pierre, « Ce que parler veut dire», Ed. Fayard, Paris, 1982
- Bourdieu Pierre, « Sur la télévision», Ed. Liber, Paris, 1996
- Boyer Henri et Lochard Guy, « Scènes de télévision en banlieue», Ed. L’Harmattan, Paris,1998.
- Castells Manuel, « La société en Réseaux», Ed. Fayard, Paris, 1998
- Charaudeau Patrick, « Le discours Médiatique d’information», Ed. Nathan, Paris, 1997
- Charaudeau Patrick, « La Télévision de la guerre : Déformation ou construction de la réalité», Ed. INA/ de Boeck, Paris, Bruxelles, 2001.
- Chauveau Agnés, « L’Audiovisuel en liberté? », Ed. Presse de Science Po, Paris, 1997
- Cluzel Jean, « Presse et Démocratie », Ed. LGDJ, Paris
- Cluzel Jean, « L’audio Visuel à l’heure du numérique», Ed. LGDJ, Paris, 1998 .
- Colomb Dominique, « L’essor de la communication en Chine : Publicité et télévision au service de l’économie sociale de marché», Ed L’Harmattan, Paris, 1997.
- Caron André. H et Letizia Caronia, « Parler de télévision, parler de soi : La mise en discours des pratiques médiatiques au foyer», Ed. Guglielmelli, Paris 2000.
- Dayan Daniel, « Les mystères de la réception», Ed. Le Débat 71, Paris, 1992.
- Dayan Daniel, « Télévision le presque- Public», Ed. Hermès Sciences Publication, Paris , 2000.
- Debray Régis, « Cours de médiologie générale», Ed. Gallimard, Paris, 1987.
- Debray Régis, « Introduction à la médiologie», Ed. PUF, Paris , 2000.
- Esquenazi Jean Pierre, « Télévision et démocratie», Ed. PUF, Paris, 1999
- Esquenazi Jean Pierre, « L’écriture de l’actualité pour une sociologie du discours médiatique», Ed. PUF, Paris, 2001
- Franck Mermier, « Mondialisation et nouveaux medias dans l’espace arabe », Ed. Maisonneuve et Larose, Paris, 2003.
- Gras Alain, Bernward Joerges et Victor Scardigli, « Sociologie des techniques de la vie quotidienne », Ed. L’Harmattan, Paris, 1992.
- Goffman Erving, « Les Rites d’interaction», Ed de Minuit, Paris, 1974
- Goffman Erving, « Les cadres de l’expérience», Ed. de Minuit, Paris, 1991.
- Gonzalez- Quijano. Yves et Guaaybess Touraya, « Les Arabes parlent aux Arabes ; les Nouveaux médias dans le monde arabe », Ed. Actes Sud, Paris, 2010.
- Gonzalez- Quijano Yves et Guaaybess Touraya, « La réforme des télévisions arabes, ou en est- on ? Réflexions à partir du cas marocain», Ed. Horizons Maghrébins, Toulouse, 2010.
- Jost François, «Introduction à l’analyse de la télévision», Ed. Ellipses, Paris, 1999.
- Jean Philippe Bras et Larbi Chouikha, « Introduction du : « Médias et technologies de communication au Maghreb et en Méditerranée», Ed. IRMC, Tunis. 2002
- Karl Popper et J. Condry, « La télévision en danger», Ed. Anatolia,Paris, 1992.
- Kraidy Marwan, « Reality Television and Arabic Politic», Ed. Cambridge University Press, London, 2010.
- Latour Bruno, « Petites Leçons de sociologie des sciences», Ed. La Découverte, Paris, 1994.
- MacLuhan Marshall, « Pour comprendre les Médias», Ed. Seuil, Paris, 1968.
- Maryvonne Masselot- Girard, « Jeunes et médias : Ethique, socialisation et représentation», Ed. L’Harmattan, Paris, 2004
- Morley David, « Television, Audiences and Cultural Studies», Ed. Rutledge, London, 1992
- Neuveu Erick, « Sociologie du journalisme», Ed. La découverte, Paris, 2001.
- Pascal Boniface, « Les intellectuels Faussaires : Le triomphe médiatique des experts en mensonge», Ed ………, Paris, 2011.
- Patrick Champagne, « Faire l’opinion», Ed. Minuit, Paris, 1990
- Raymond Boudon, « Les méthodes en Sociologie», Ed, PUF, Paris, 2002
- Raymond Boudon, « L’idéologie, ou l’origine des idées reçues», Paris, Ed Seuil, Paris, 1992
- Raymond Boudon, « Le juste et le vrai : études sur l’objectivité des valeurs et de la connaissance», Paris, Ed. Fayard, Paris, 1995
- Récanati François, « La transparence et l’énonciation», Ed. Seuil, Paris, 1979.
- Tarde Gabriel, « L’opinion et la foule», Ed. PUF, Paris, 1989
- Vitalis André, « Média et nouvelles technologies, pour une socio- politique des usages », Ed. Apogée, Paris, 1994
- Wolton Dominique, Penser la communication, Ed Flammarien, Paris, 1997.
- Wolton Dominique, Il faut sauver la communication, Ed Ed Flammarien, Paris, 2005
- Wolton Dominique, Internet et après ? Une théorie critique des nouveaux médians, Ed Flammarion, Paris
[1] Denis McQuail, Communication, London et New york, Longman, 1978, p. 156.
[2] آمال الدريدي، الإعلام الجديد في عصر التكنولوجيا الرقمية، من مقال نشر بمجلة جيل للبحث العلمي، أفريل 2016، ص2.
[3] Latour Bruno, Le métier de chercheur, Le regard d’un Anthropologue, Ed Inria, Paris, 2001, P36.
[4] Latour Bruno, Ibid, P25/35.
[5] الصادق الحمامي، الميديا الجديدة: الإبستيمولوجيا والإشكاليات والسياقات، المنشورات الجامعية بمنوبة، تونس، 2010، ص114 .
[6] Le Nouveau Petit Robert de la langue française, Direction de Josette Rey- Debove et d’Alain Rey, Paris 1993, P382.
[7] الصادق الحمامي، الميديا الجديدة، الإبستيمولوجيا والإشكاليات والسياقات، سلسلة البحوث المنشورات الجامعية بمنوبة، تونس، 2010، ص 13.
[8] أنظر حسني إبراهيم عبد العظيم، النظرية السوسيولوجية وقضايا الإعلام والإتصال، الحوار المتمدن، العدد 3402، جوان 2011.
[9] On peut citer : A.R. Radcliffe- Brown, Structure et fonction dans la société primitive, Edition Minuit, Paris 1969.
Aussi : Bronislaw Malinowski, Une théorie scientifique de la culture et autres essais, Maspero, Paris, 1968.
[10] محمد عبد المجيد، نظريات الإعلام وإتجاهات التأثير، عالم الكتب، القاهرة، 2004، ص 272.
[11] Voir : Wolton Dominique, Penser la communication, Ed Flammarion, Paris, 1997.
[12] Voir : Wolton Dominique, Il faut sauver la communication, Ed Flammarion, Paris, 2005.
[13] Copé.J.F, Commission pour la nouvelle télévision publique, Rapport présenté au président de la république (2008).
[14] Scherer .E. The perfect Storm. Mediawatch n°5, Observatoire Mondial des Médias. (2008 – 2009) http://blogs.afp.com/mediawatch/post/2008/11/13/the-perfect-storn-%3A-un-pont-vers-le-numerique
[15] الصادق الحمامي، الميديا الجديدة: الإبستيمولوجيا والإشكاليات والسياقات، المنشورات الجامعية بمنوبة، تونس، 2010، ص186 .
[16] Ellison.N.B., Steinfield, C. and Lampe C. (2007). The benefits of Facebook “freinfs:” social capital and college students ‘use of online social network sites. Journal of Computer- Mediated Communication, 12 (4), article 1. http:// jcmc. Indiana.edu/vol 12/ issue 4/Ellison.html
[17] بورديو (بيار)، التلفزيون وآليات التلاعب بالعقول، ترجمة درويش الحلوجي، دار كنعان للدراسات والنشر والخدمات الإعلامية، دمشق، ط1، 2004، ص 20.
[18] Voir : Lévy Pierre, L’intelligence collective, pour une anthropologie du cyberspace, Ed La découverte, Paris, 1997 .
[19] BBC (2004), Building public Value Renewing the BBC for a digital world downloads. P49.
Bbc.co.uk/info/policies/pdf/bpv.pdf.
[20] لعلّ أهمها ( CNN I Report, http://ireport.cnn.com ) ومنتدى فيديو العربية والجزيرة توك، (http://www.aljazeeratalk.net ) و(http://observers.france24.com )
[21] Dijck. J.V. Television 2.0 : Youtube and the emetgence of homecasting in media in transition 5 : creativity, ownership and collaboration in the digital age international conference April 27-27, P7.
[22] Voir : United Nations Relief and Works Agency for Palestine Refugees in the Near East (UNRWA), “Registration Statistical Bulletin”, Department of Relief and Social Services, UNRWA HQ (Amman), The First Quarter (1/2103), 2013.
[23] الإسكوا، “تقرير عن الأهداف الإنمائية للألفية في البلدان العربية 2011: الأهداف الإنمائية في زمن التحول: نحو تنمية تضمينية شاملة“، 29 ديسمبر 2011.
[24] التاريخ الشفوي، المجلد الثالث، مقاربات في الحقل السياسي العربي (فلسطين والحركات الإجتماعية)، عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، تونس 2014.
[26] Goffman (Erving), Les rites d’interaction, Edition de Minuit, Paris, 1974, P 21.
[27] http://middle-east-online.com/?id=164719
[28] Voir ; Régis Debray, Vie et Mort de l’image :Une histoire du regard en occident, Edition Gallimard, Paris, 1992.
[29] Wolton Dominique, Internet et après ? Une théorie critique des nouveaux médians, Ed Flammarion, Paris, P80.
[30] Armand et Michèle MATTELART, Histoire des théories de la communication, Ed La Découverte, Paris 2004.
[31] محمد حمدان، مدخل إلى قانون الإعلام والإتصال في تونس، معهد الصحافة وعلوم الإخبار بتونس، 1996
[32] سامي علي الخولاني، “المعلومات وأهميتها“، المركز الوطني للمعلومات، مصر مجلة المعلومات، العدد الثاني، مارس 2001، ص 1
[33] Voir : Wolton Dominique, Informer n’est pas communiquer, Ed CNRS, Paris, 2009, P 145.