
ملخص أطروحة دكتوراه في العلوم القانونية: الخلط بين الإرهاب والمقاومة وأثره على القضية الفلسطينية منذ عام 2001، تخصص: القانون الدولي، كلية الحقوق والعلوم السياسية بن عكنون، جامعة الجزائر 1؛ إعداد الباحثة امحمدي بوزينة آمنة، إشراف أ.د. حمادو الهاشمي. وقد نشر بالعدد الحادي عشر من مجلة جيل حقوق الإنسان ص 145 (إضغط هنا لتحميل العدد).
- معلومات عامة
ناقشت الباحثة: امحمدي بوزينة آمنة، تحت إشراف الأستاذ الدكتور حمادو الهاشمي، أستاذ تعليم عالي بكلية الحقوق جامعة الجزائر 1، أطروحة لنيل شهادة دكتوراه علوم في القانون العام، تخصص القانون الدولي بعنوان: ” الخلط بين الإرهاب والمقاومة وأثره على القضية الفلسطينية منذ عام 2001“، وذلك يوم الإثنين الموافق لـ 8 جوان 2015، بقاعة المناقشات الخاصة بقسم الدكتوراه، كلية الحقوق جامعة الجزائر 1، حيث تكونت لجنة المناقشة من الأساتذة الآتية أسماؤهم:
- الأستاذ الدكتور بوبكر عبد القادر، أستاذ تعليم عالي بكلية الحقوق جامعة الجزائر …..رئيسا.
- الأستاذ الدكتور حمادو الهاشمي، أستاذ تعليم عالي بكلية الحقوق جامعة الجزائر…….مقرراً
- الأستاذ الدكتور سي علي أحمد، أستاذ تعليم عالي بكلية الحقوق جامعة الشلف.……..عضواً
- الأستاذ الدكتور بلقاسم أحمد، أستاذ تعليم عالي بكلية الحقوق جامعة البليدة……..عضواً
- الدكتور ريش محمد، أستاذ محاضر بكلية الحقوق جامعة الجزائر………………..عضواً
- الدكتور عنان عمار، أستاذ محاضر بكلية الحقوق جامعة الجزائر…………………عضواً
- ملخص الرسالة
وبعد المناقشة العلنية والمداولة السرية، قررت اللجنة منح الطالبة الباحثة امحمدي بوزينة آمنة، شهادة دكتوراه علوم في القانون العام، تخصص القانون الدولي، بتقدير مشرف جدا مع تهنئة اللجنة والتوصية بالنشر.
تتناول هذه الرسالة بالدراسة والبحث، إحدى أهم الإشكاليات التي يواجهها المجتمع الدولي وهي مسألة الخلط بين الإرهاب والمقاومة وأثر ذلك على القضية الفلسطينية منذ عام 2001″، والتي حاولت من خلالها الوقوف على تطور إشكالية الخلط بين المقاومة المسلحة والإرهاب الدولي من خلال إبراز أسباب الخلط بينهما وأثر ذلك على المقاومة الفلسطينية.
فبالرّغم من أنّ هناك حدودا لما يعد مباحا وما يدخل في إطار المحظورات، مع ذلك، برزت ظاهرة خطيرة، وهي محاولة وصف بعض حركات المقاومة بالمنظمات الإرهابية، قصد تشويه صورتها والحد من تأييدها على المستوى العالمي والمحلي، انطلاقا من التوظيف السياسي لأعمالها والبحث في نتائج استخدام القوة في إطار المقاومة والإرهاب دون الوقوف على أسبابها ومدى توافقها مع قواعد ومبادئ القانون الدولي، من منطلق تغليب السياسة على القانون عند تكييف الظاهرتين، وقد ترتب عن ذلك تكييف الإرهاب الممارس ضد حركات المقاومة بأنه دفاع شرعي، كما هي الحال بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي، إذ أن المقاومة الفلسطينية لم تقم بتوسيع إستراتيجيتها من خلال وضع إستراتيجية جديدة بعد التطورات التي عرفها المجتمع الدولي بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، الأمر الذي جعلها تقع ضحية للترويج الإعلامي الإسرائيلي والأمريكي، ومن ثم التأثير سلبا على صورة المقاومة الفلسطينية التي وضعت موضع الاستنكار أمام الرأي العام العالمي، فقد عملت إسرائيل على تكييف الأعمال الإرهابية على أنها دفاع شرعي، ووصف أعمال المقاومة بالإرهاب، وقد تطور هذا التوجه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.
من هنا كان لزاما في ظل التحولات الدولية ومحاولة الخلط بين المفاهيم، الوقوف على هذا الواقع، في محاولة لإيجاد السبيل للحيلولة دون تحقيق أهداف هؤلاء الذين يحاولون تقديم صورة مغايرة للواقع الدولي، الذي يشهد على جسامة الأضرار التي تلحق بأفراد المقاومة المسلحة، نتيجة محاولة تشبيهها بالإرهاب وتسخير بعض الدول كل الوسائل للقضاء عليها وتشويه صورتها عن طريق الحرب الإعلامية وغيرها من الأساليب التي درجت على استعمالها، لذا تظهر أهمية وجود إطار قانوني لتغيير هذا الوضع ووضع الحدود الفاصلة بين الإرهاب الدولي من ناحية، والمقاومة المسلحة من ناحية أخرى، لتوضع الأمور في نصابها الفعلي.
- أهمية الدراسة
يمكننا، القول إنّ إشكالية التمييز بين الإرهاب الدولي والمقاومة المسلحة جديرة بالبحث على المستويين النظري والعملي على حد سواء، فمن النّاحية النظرية، سيتم الوقوف على قواعد القانون الدولي التي تعرضت لمفهومي الإرهاب الدولي والمقاومة المسلحة للوصول إلى معيار دقيق يفصل بينهما؛ أما النّاحية العملية: فتتمثل في الوقوف على الأسباب التي أدّت إلى الخلط بين الإرهاب الدولي والمقاومة المسلحة، بغية توظيف هذا الخلط سياسيا لتحقيق مصالح خاصة، وهو ما يبرز بوضوح من خلال البحث في أثر الخلط على القضية الفلسطينية التي أصبحت تقرن أعمال فصائلها وحركاتها بالإرهاب الدولي فصار عضو المقاومة الفلسطينية إرهابياً والإرهاب الإسرائيلي دفاع عن النفس.
- أسباب الدراسة: ما فتح المجال لدراسة هذا الموضوع جملة من الأسباب الموضوعية لعل أهمها: غموض مصطلح الإرهاب وتداخله وتشابهه مع أنواع عنف أخرى، ونتيجة لهذا، تم استخدام هذا الغموض في الخلط بين الإرهاب الدولي والمقاومة المسلحة وهو ما يستوجب أنّ نحدد بدقة الفوارق الأساسية بينهما.
ضف إلى ذلك، فإن حق المقاومة المسلحة وإن كان قد كرس من حيث الناحية النظرية كمبدأ، فإنّه لّم يتمّ تناوله من النّاحية الواقعية من خلال الربط بينه وبين ظاهرة الإرهاب الدولي لبحث العلاقة الجدلية بينهما والتي يكتسي البحث فيها أهمية كبرى، لذلك تم التركيز من خلال هذا البحث على بيان متى يكون استخدام القوة المسلحة عملا مشروعا، ومتى يعدُّ العمل إرهاباً؟، وذلك بالتأكيد على الأبعاد القانونية والسّياسية لعملية الخلط بين الظاهرتين مدار البحث وكيفية التمييز بينهما، مستندين في ذلك لقواعد ومبادئ القانون الدولي وقرارات وأعمال هيئة الأمم المتحدة وغيرها من القواعد التي وضعت حدوداً تفصل بين المفهومين وتوضح مجال ونطاق كل منهما، ولا شك أن هذا يبرز أهمية أن يتم توضيح الفرق بين الإرهابي والمناضل في إطار المقاومة المسلحة.
- حدود الدراسة: سبب تركيز البحث على مدة ما بعد 2001، يرجع إلى أن عام 2001 وهو عام الهجمات الإرهابية الشهيرة بأحداث 11 سبتمبر على الولايات المتحدة الأمريكية، وإن كان الخلط بين الإرهاب والمقاومة المسلحة ليس بالجديد فقد برز بشكل كبير في أواخر السبعينيات وتطور بشكل أكبر بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، إذ منحت هذه الأحداث فرصة لإسرائيل لتقوم بتضييق الحدود الفاصلة بين الإرهاب والمقاومة المسلحة، إذ تم استغلال تلك الأحداث لتشويه صورة المقاومة المسلحة ووصفها بالإرهاب وهو ما أثر بدوره على القضية الفلسطينية، وعلى مشروعية المقاومة التي يمارسها الشعب الفلسطيني في مواجهة المحتل الإسرائيلي.
- أهداف الدراسة: يهدف البحث إلى الوقوف على الأسباب الكامنة وراء عملية الخلط بين الإرهاب الدولي والمقاومة المسلحة، وإيضاح أنّ مسألة الخلط الحاصل بين المفهومين تّم توظيفها سياسيا لتحقيق مصالح خاصة، من هنا تم الوقوف على إشكالية الخلط بين الإرهاب الدولي وأعمال المقاومة المسلحة لنعمل على محاولة التمييز بينهما ومدى تأثير التمييز على القضية الفلسطينية، ومن ثم دحض كل الأقاويل الباطلة التي تحاول إلصاق تهمة الإرهاب بالمقاومة الفلسطينية.
- صعوبات الدراسة: أما عن الصعوبات التي واجهتني أثناء إعداد هذا البحث، فإنها لن تشتمل على الصعوبات المادية والفكرية منذ اختيار الموضوع وحتى إتمام إنجاز هذا البحث، إذْ أنّ كل باحث لابد وأنّ تواجهه مثل هذه الصعوبات؛ بل إنّ واجبه العلمي يحتم عليه مواجهتها وتحملها وتوظيفها خدمة لبحثه العلمي، ولكن سأكتفي بسرد الصعوبات العلمية التي واجهتني أثناء إعداد هذا البحث والتي يتعلق بعضها بطبيعة الموضوع ذاته؛ فقد كنت مدركة منذ البداية أنّي أتعامل مع موضوع متسع، ومتشعب تشوبه كثير من التعقيدات والتطورات التي تحتاج إلى تحليل ومقارنة ودقة في المعالجة، كما أنّ موضوع بحثي محل خلاف بين المختصين لحد الساعة، فلكل منهم توجهاته التي تختلف عن الآخر لاسيما في ظل سياسة خلط الأوراق التي تتبناها بعض الدُّول، ولكن رغبتي في محاولة إزالة الالتباسات التي تحيط بالموضوع أوجبت علي البحث في مختلف جوانبه ومحاولة إماطة الغموض عن المسائل محل الجدل والخلاف.
- إشكالية الدراسة: وتنحصر مشكلة البحث في أنّ محاولات الخلط بين المقاومة المسلحة والإرهاب الدولي أثر بشكل سلبي على المقاومة الفلسطينية؛ لذا نتساءل عن دواعي الخلط بين الإرهاب الدّولي والمقاومة المسلّحة لاسيما منذ عام 2001؟، هل تتشابه أعمال المقاومة مع الإرهاب إلى الحد الذي يبعث على الخلط بينهما أو أن الخلط بينهما مقصود ليس له أساس من الصحة؟ وما هيّ آثار وانعكاسات التمييز بين الإرهاب الدّولي والمقاومة المسلّحة على القضية الفلسطينية؟
لحصر نطاق إشكالية البحث ركزت على فرضية رئيسية، تنطلق من البحث في أسباب ونتائج وآثار الخلط بين الإرهاب الدّولي والمقاومة وما تؤدي إليه عملية التمييز من انعكاسات ايجابية، تؤكد على دعم وتكريس شّرعية المقاومة المسلّحة بما في ذلك المقاومة الفلسطينية.
بالنظر إلى طبيعة الموضوع وتشابكه؛ فقد تمّ الاعتماد على أكثر من منهج للوصول إلى الإجابة عن الإشكاليّة الساّبقة والتحقق من صحة الفرضيات؛ لهذا تمت الاستعانة بالمنهج التاريخي، بوصفه يساعد في دراسة واستيعاب ماضي ظاهرتي الإرهاب الدّولي والمقاومة، كما تمّ الاعتماد على المنهج الوصفي، وذلك لرصد وتشخيص ظاهرتي الإرهاب الدولي والمقاومة المسلحة وبحث جوانبهما القانونية كافة، والمشاكل الّتي تثيرانهما كافة، بما في ذلك عملية الخلط بينهما والنتائج والآثار المترتبة على ذلك بغية اكتشاف العلاقة بينهما.
وتمت الاستعانة بالمنهج التحليلي، ولكن بمقاربة قانونية، لكون البحث قانونياًّ بالدرجة الأولى وإن كان الموضوع قد تم ربطه في كثير من الأحيان بالسياسة؛ من هنا تم تحليل جميع الاتفاقيات الدولية والإقليمية وقرارات الهيئات الدولية وكذا أراء الفقهاء ذات الصلة، ثم إسقاط ذلك التحليل على الممارسات الإسرائيلية في مواجهة الفلسطينيين؛ وبالمقابل تمت مطابقة النصوص الّتي تم تحليلها على تكييف وضع المقاومة الفلسطينية.
كما أن أحد المناهج الأكثر مُلائمَةٌ للوصول إلى أهداف البحث هو المنهج المقارن، وذلك لمّا له من مزية مقارنة الظاهرة محل البحث بظواهر أخرى شبيهة؛ حيث تم الوقوف على أوجه التشابه بين ظاهرتي الإرهاب والمقاومة التي أدت إلى الجمع بينهما، وصولاً إلى تحديد الفوارق الرئيسية بينهما.
- هيكلة الأطروحة: للإجابة عن الإشكالية المطروحة، تم تقسيم البحث إلى بابين وكل باب إلى فصلين:
الباب الأول، تم البحث من خلاله في إشكالية الخلط بين الإرهاب الدولي والمقاومة المسلحة وآثاره، أين تم التعرض لمدلول كل من الإرهاب الدولي والمقاومة المسلحة في الفصل الأول، ليتمّ البحث من خلال المبحث الأول في مفهوم الإرهاب الدولي، بالتعرض للمحاولات الفقهيّة، وقد تم الوقوف من خلال هذا الجزء على أن التعريفات العربية للإرهاب تميل أكثر إلى الموضوعية-رغم قصور بعضها- لأنّ واضعيها يتحررون من التحيز الذي يدمغ التعريفات الغربية؛ وإنّ معظمها يحاول إخراج أعمال المقاومة المشروعة من نطاق تعريف الإرهاب، وقد نال تعريف الإرهاب نصيبا من اهتمام المنظمات الدولية التي ساهمت في محاولة تعريف الإرهاب الدولي، حيث صدر عن أجهزتها عدة قرارات أكدت من خلالها بوضوح على حق الشعوب في استخدام القوة في سبيل تقرير مصيرها وتمييزه عن الإرهاب عند معالجتها لظاهرة الإرهاب.
كما تم التعرض لمحاولة تعريف الإرهاب من خلال الاتفاقيات، فقد تضمنت في معظمها تعدادا للإرهاب دون أن تبحث في مفهومه، إلا أنه عند البحث في الاتفاقيات الإقليمية تأكد بوضوح أن بعض الاتفاقيات الإقليمية حاولت تعريف الإرهاب وخاصة الاتفاقية العربية التي عرفت الإرهاب وميزت بينه والمقاومة المسلحة والتأكيد على مشروعية هذه الأخيرة، وأنه لا يمكن اعتبار المقاومة المسلحة إرهابا بأي حال من الأحوال.
وخصص المبحث الثاني لبحث مفهوم المقاومة المسلحة، تلك العمليات ذات الطابع العسكري، التي تستخدم فيها القوة المسلحة من قبل القوات النظامية أو بواسطة عناصر وطنية من غير أفراد القوات النظامية؛ ولكي تمارس المقاومة المسلحة في إطار شرعي، لابد أن ترتكز على عناصر ومقومات أساسية، فبدون هذه المقومات تفقد عناصر مشروعيتها؛ ولهذا يرى معظم الفقهاء أن النشاط الشعبي والدافع الوطني وعنصر القوى التي تجري ضدها عمليات المقاومة هي العناصر الأساسية والمرتكزات التي تميز المقاومة المسلحة عن أنواع الظواهر الأخرى، وخاصة المقاومة المدنية والحرب الأهلية، الثورة وحرب الانفصال، العصابات المسلحة، وعصابات الارتزاق؛ وتمّ من خلال المطلب الثاني الوقوف على مدى مشروعية المقاومة المسلحة وأساسها القانوني، وخاصة من خلال قواعد القانون الدولي الإنساني والقرارات والتوصيات الصادرة في إطار ميثاق الأمم المتحدة، وكذا من خلال المعاهدات والاتفاقيات الدولية والإقليمية.
وللعمل على التفرقة بين الإرهاب والمقاومة المسلحة، توجّب قبل إبراز الفوارق الأساسية بينهما، البحث والتعرف على إطار الخلط بين المفهومين وأسبابه ومظاهره وهو ما كان محلّ الدراسة في الفصل الثاني، الذي تعرض لبيان أسباب الخلط بين الإرهاب الدولي والمقاومة المسلحة بعد أحداث 11 سبتمبر؛ بإبراز أهم العناصر التي ساعدت على جمعهما في معنى واحد، وبعد أن تأكد بما لا يدع مجالا للشك التباين الواضح بينهما، من حيث عدم مشروعية الأول ومشروعية الثانية، إلا أن إسرائيل وبعض الدول الغربية، قد درجت على الخلط بين الإرهاب الدولي والمقاومة المسلحة، حيث تمت الإشارة في المبحث الأول لدواعي الخلط بين الإرهاب الدولي والمقاومة المسلحة، فمن خلال المطلب الأول تم التأكيد على وجود تداخل بين الإرهاب الدولي والمقاومة المسلحة وهو الذي كان العامل الاساسي أمام محاولة البعض لاستغلاله للتقريب بينهما ومحاولة إيجاد نوع من التداخل المصطنع بينهما، ولإماطة الغموض عن إطار هذا التداخل، تم البحث في حدود العلاقة بين الإرهاب الدولي والمقاومة المسلحة في الفرع الأول، فقد برزت بعض المحاولات للربط بين عنف المقاومة المسلحة وعنف الإرهاب غير المشروع، لمحاولة تشويه صورة المقاومة المسلحة وتصويرها على أنها خطر داهم على الكثير من الدول، حيث تم حظر أعمال المقاومة ونشاطاتها، تحت حجة رفض أعمال الإرهاب، إلا أنه تأكد أنه رغم تشابه عنف حركات المقاومة المسلحة بالإرهاب الدولي، لكنهما في نفس الوقت يفترقان في عناصر أخرى.
وعند البحث عن أسباب الخلط بين الإرهاب الدولي والمقاومة المسلحة، تم الوقوف على أن بعضها يعود إلى أسباب قانونية تتعلق بقواعد ومبادئ القانون الدولي، والبعض الآخر يرجع إلى أسباب سياسية تتعلق بتوظيف عملية الخلط بين الإرهاب الدولي والمقاومة المسلحة بهدف انتهاك مبادئ وقواعد القانون الدولي، وأسباب قانونية أدت إلى الخلط بين الإرهاب الدولي والمقاومة المسلحة، والوقوف موقف سلبي تجاه أي محاولة لإزالة الغموض بين المفهومين، وذلك بمعارضة أي محاولة لتعريف الإرهاب الدولي؛ وكذا توظيف النتيجة باعتبارها المعيار الفاصل بين الإرهاب الدولي والمقاومة المسلحة دون مراعاة الأسباب والأهداف التي تقف وراء استخدام القوة، عمل على الخلط بينهما وساهم في إضعاف الدور الذي تمارسه المنظمات في تصديها لمعالجة بعض الظواهر والعمل على تجميد الدور الموكل إليها في تصنيف الأعمال، وهذا ما يظهر جليا من خلال منظمة الأمم المتحدة.كما أن عدم الاتفاق على معيار موحد لتعريف الإرهاب الدولي، أدى إلى التعدد في التعريفات والاختلاف حول معنى الإرهاب الدولي، كما تبرز عملية الخلط بين الإرهاب والمقاومة المسلحة من خلال نفي أو تجاوز مصادر مشروعية المقاومة المسلحة عند تصنيف العمل، ويظهر ذلك من خلال قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة، خاصة تلك التي تم إقرارها بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، فمعظم تلك القرارات عند معالجتها لظاهرة الإرهاب، قصرت في تحديد ظاهرة الإرهاب على أنه ممارسة للقوة المسلحة والعنف دون محاولة وضع حدود لهذه الممارسة.
كما أنه كان لابد من التعرف على مظاهر الخلط بين الإرهاب والمقاومة المسلحة سواء تلك المتعلقة بالخلط المقصود بينهما والذي تم على ثلاث مستويات المحلي والإقليمي والدولي، تتجسد هذه الصورة في اعتبار بعض الدول عدد من حركات المقاومة المسلحة تنظيمات إرهابية من خلال محاولة إسقاط الدوافع المحركة للمقاومة المسلحة كمعيار يميزها عن الإرهاب، مستغلة بذلك، وجود عنصر العنف المشترك بين الإرهاب والمقاومة المسلحة كوسيلة لتنفيذ عملياتها، أما عن الخلط الغير المقصود الذي أسهمت في وجوده المفاهيم الغامضة لظاهرة الإرهاب وبعض الوقائع الدولية التي أوجدت نوعا من التداخل بين الإرهاب والمقاومة المسلحة، كالربط المباشر بين هجمات الحادي عشر من سبتمبر والقضية الفلسطينية، من خلال ترديد مقولة أن الإرهاب لن ينتهي إذا لم يتم التوصل إلى حل نهائي وعادل للقضية الفلسطينية، الأمر الذي أتاح لإسرائيل التلاعب بهذا الخطاب وتفسيره بصورة تبرز أن الإرهاب صنع فلسطيني، ثم إعادة تأويله باتجاه أن المقاومة الفلسطينية تمثل إرهاباً لا مقاومة مشروعة، من هنا فإنه من شأن الخلط بين الإرهاب والمقاومة المسلحة أن يفضي إلى نتائج سلبية على مستوى العلاقات الدولية، خاصة في ظل الأزمات الناتجة عن تشابك المصالح والاتجاهات الإيديولوجية والسياسية المختلفة، ويترتب عن هذا الخلط مخاطر وانعكاسات تؤسس لمرحلة صعبة في عملية معالجة الأزمات والحروب الناجمة عن أعمال العدوان والاحتلال والاستخدام المفرط للقوة في حل النزاعات والخلافات بين الدول، وهذه المخاطر تبرز من خلال النواحي التالية: الفكرية منها أو السياسية والأمنية العسكرية أو الإيديولوجية.
وتم التعرض من خلال المطلب الثاني، للآثار المترتبة عن الخلط بين الإرهاب الدولي والمقاومة المسلحة، ونقصد بذلك الآثار القانونية والسياسية المترتبة عن الخلط بين الإرهاب الدولي والمقاومة المسلحة، القانونية منها المتعلقة بقواعد ومبادئ القانون الدولي والسياسية المتعلقة بتوظيف عملية الخلط بين الإرهاب الدولي والمقاومة المسلحة، بهدف تجاوز وانتهاك مبادئ وقواعد القانون الدولي، فقد رتب الخلط أثار الخلط على الشرعية الدولية حيث استغلت بعض الدول الكبرى هذا الخلط وأعطت لنفسها الحق في مقاومة الإرهاب أو كما تسميه الحرب الدولية على الإرهاب، كذلك قيدت عملية الخلط التعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب، وعملت على تصاعد ظاهرة الإرهاب المدعوم من قبل الدول خاصة إرهاب الدولة، كما تم توظيف مصطلح الإرهاب لحماية المصالح السياسية للدول ووصف الخصوم أو وصف الأعمال التي تتعارض مع مصلحة من يكيف المصطلح، وبرزت على الساحة الدولية العبارة الأشهر في الكتابات الفقهية التي تناولت تعريف الإرهاب: “الإرهابي لدى البعض هو مناضل في نظر البعض الأخر”.
وكان لابد من التعرف من خلال المبحث الثاني، على انعكاسات الخلط على المقاومة الفلسطينية التي ازدادت وتيرتها بعد أحداث 11 سبتمبر عام 2001، فقد أدى الهجوم المروع الذي تعرضت له الولايات المتحدة الأمريكية في 11 سبتمبر 2001 إلى إحداث صدمة كبيرة تركت أثرها على العالم كله، بما في ذلك وضع المقاومة الفلسطينية، ففي غمرة تلك الأحداث، حاولت بعض القـوى استغلالها لمحاولة الربط بين الإرهاب والمقاومة المسلحة ودفع دول العالم إلى التعامل مع حركات المقاومة المسلحة على أنها حركات إرهابية، وصولا إلى تصعيد إسرائيل عدوانها على الشعب الفلسطيني، من هنا تحتم البحث في أثر الخلط على المقاومة الفلسطينية، وهو ما أحال إلى وجوب بحث تداعيات أحداث 11 سبتمبر على المقاومة المسلحة والتي بدورها طرحت تحديات في مواجهة المقاومة الفلسطينية بعد عام 2001، فقد جاءت في وقت تصاعدت فيه وتيرة المقاومة والنضال الفلسطيني ضد المحتل الإسرائيلي، وتعددت وسائل وآليات الانتفاضة، ولهذا كان من أهم الآثار التي رتبها الخلط بين الإرهاب والمقاومة المسلحة الجدل حول منهجية المقاومة المسلحة.
واستخلص من خلال ما تم التعرض له في الباب الأول، إلى أن الخلط بين الإرهاب الدولي والمقاومة المسلّحة هو خلط مقصود، الغرض من ورائه التأثير على شرعية المقاومة المسلحة بما في ذلك الفلسطينية؛ مع أن هذه الأخيرة ثبتت شرعيتها طبقا لقواعد القانون الدولي، مع ذلك، فإنّ عملية دعم النضال المسلح والاعتراف بشرعيته تضيق في ظل عملية الخلط بين الظاهرتين، وهذا ما ظهر من خلال الوقوف على آثاره السلبية على القضية الفلسطينية.
من هذا المنطلق، كان لزاما بغية إزالة الالتباس الذي رتبه الخلط المتعمد بين الإرهاب الدولي والمقاومة المسلّحة، العمل من خلال الباب الثاني التأكيد على ضرورة التمييز بينهما وانعكاساته وذلك لما تكتسيه عملية التمييز من أهمية بالغة وضرورة عملية، من هنا تم التعرض في الفصل الأول للتمييز بين الإرهاب الدولي والمقاومة المسلحة ونطاق كل منهما، وذلك بالوقوف على جهود المجتمع الدولي للتمييز من أجل تثبيت معايير للتفرقة بينهما، كما يتم الكشف عن لعبة خلط الأوراق التي تلعب على وترها الدول الغربية، وذلك بالتعرف على موقف المجتمع الدولي في التمييز بين الإرهاب والمقاومة المسلحة من خلال المبحث الأول، حيث أكدت الاتفاقيات الدولية والإقليمية والقرارات على مستوى المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية وخاصة منظمة الأمم المتحدة على تدعيم شرعية المقاومة المسلحة والتمييز بينها وبين الإرهاب الدولي.
كذلك عقدت عدة مؤتمرات وندوات، للتأكيد على ضرورة وضع معايير دولية محددة ومتفق عليها تيسر على المجتمع الدولي أن يميز بوضوح بين الإرهاب ونضال الشعوب في سبيل التحرر الوطني، كما أكدت على ضرورة التعاون في سبيل اتخاذ إجراءات عملية لمكافحة الإرهاب ومنعه بشكل فعلي، وأكدت على الحق الأساسي والمشروع لجميع الشعوب التي ترزح تحت نير النظم الاستعمارية والاحتلال الأجنبي في مقاومة الاحتلال وتقرير مصيرها.
كما قام الفقه بوضع عدة معايير للتمييز بينهما ووضع الحدود التي تفصلهما، وذلك من منطلق عدم مشروعية الإرهاب ومشروعية المقاومة المسلحة، لكن مع ذلك اختلف الفقهاء في تحديد عناصر التمييز حسب الإيديولوجية أو الدولة التي ينتمي إليها الفقيه،فلتحليل مختلف الآراء الفقهية التي سعت لتأصيل التمييز بينهما، إننا أشرنا إلى بعض المعايير التي وضعها الفقه لتكريس عملية التمييز والفصل بين الظاهرتين، على أننا توصلنا إلى ترجيح المعيار المستمد من فكرة الشرعية والمشروعية، بمعنى أن كل استخدام للقوة المسلحة، يتم بهدف تحرير الأرض وإنهاء الاحتلال أو مقاومة العدوان، ويوجّه ضد المحتل هو مقاومة مشروعة.
وبغية وضع الحدود بين ما هو مشروع وما هو غير مشروع حتى تتضح الفوارق بصورة موضوعية إزاء ذلك، كان لازما البحث من خلال المبحث الثاني في نطاق كل من الإرهاب الدولي والمقاومة المسلحة بالوقوف على الحدود الفاصلة بين الإرهاب والمقاومة المسلحة، فهناك أوجه اختلاف جوهرية تميز كلّا منهما عن الأخر، إذ تختلف المقاومة المسلحة عن الإرهاب الذي يعتمد على العنف من دون الاعتماد على الشرعية الدولية والقانون الدولي، من هنا حاولنا الاجتهاد لكي نقف على أهم الفوارق الأساسية بينهما، ومن ثم وضع حدود تفصل بين العنف المشروع الذي تمارسه حركات المقاومة المسلحة والعنف الغير مشروع الذي يمارسه الإرهابيون.
وخصص المبحث الثاني، لبحث نطاق كل من الإرهاب الدولي والمقاومة المسلحة، حيث فصل من خلال المطلب الأول في الحدود الفاصلة بين الإرهاب والمقاومة المسلحة، والتي أكدت على أن هناك فوارق أساسية تفصل بينهما، بل هما على النقيض تماما ولا يمكن أن يتم وضعهما في نفس الخانة، ذلك أن نصوص القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية أكدت ولا زالت تؤكد في كل المناسبات على مشروعية عنف المقاومة المسلحة وعدم مشروعية عنف الإرهاب الدولي.
وبإمعان النظر في الحد الفاصل بين الإرهاب والمقاومة المسلحة تتمثل أمامنا القضية الفلسطينية، فإسرائيل هي المنبع الرئيسي للإرهاب وصناعته، والمقاومة الفلسطينية هي مقاومة من أجل تقرير المصير يعترف بشرعيتها القانون الدولي، وهى بالتالي لا تتصف بأية صفة من صفات الإرهاب، فأعمال العنف التي تمارسها المقاومة الفلسطينية ضد الأهداف العسكرية الإسرائيلية وضد المصالح المادية والحيوية لها تعد من قبيل الكفاح المسلح المشروع، ولا يمكن أن تدخل في زمرة أعمال الإرهاب لأنها عمل مشروع.
أما المطلب الثاني، فتم التعرض من خلاله لضرورة عدم الخلط بين الإرهاب والمقاومة المسلحة، فحتى يكون استعمال القوة مقبولا قانونا من قبل حركات المقاومة المسلحة، يجب أن تتقيد بضوابط، إذ أن هناك وسائل لا ينبغي استخدامها في إطار المقاومة المسلحة، وإلا تحولت إلى إرهاب، فمشروعية القضية لا تبرر اللجوء إلى أشكال معينة من العنف خاصة ضد المدنيين، أما عن ضوابط عدم اختلاط أهداف المقاومة المسلحة بالإرهاب، فتبرز من خلال القاعدة المستقرة في القانون الدولي، والتي مفادها أنه يتوجب على الطرفين المتحاربين التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين وبين الأهداف العسكرية وغير العسكرية أثناء سير العمليات العسكرية.
على أنه كان يجب في الفصل الثاني، التعرض للآثار المترتبة على التمييز بين الإرهاب الدولي والمقاومة المسلّحة حيث سينعكس التمييز بشكل إيجابي على المقاومة الفلسطينية من خلال التأكيد على وجوب تقديم الدعم والمساعدة لها في مواجهة المحتل الإسرائيلي، تم من خلال المبحث الأول، الوقوف على انعكاسات التمييز على القضية الفلسطينية، إذ تمت الإشارة من خلال المطلب الأول منه للتأييد الدولي للمقاومة الفلسطينية، من خلال التأكيد على تكريس حق الشعب الفلسطيني في المقاومة وعلى مظاهر تأييد المقاومة الفلسطينية، فقد أصبح من المؤكد أنه يوجد إجماع شبه دولي على إدانة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وممارسات قوات الاحتلال التعسفية ضد السكان المدنيين، فالمقاومة الفلسطينية مقاومة مشروعة ومتفقة تماما مع أحكام القانون الدولي باعتبارها تراعي في ذلك القيود التي قررتها قواعد القانون الدولي الإنساني، وإن كان هناك قدر من التجاوز لهذه الأهداف إلى بعض الأهداف المدنية فهو قدر مسموح به ولا يقدح في هذا القول أن المقاومة قد توجه ضرباتها ضد المستوطنين، وبالتالي فهم أهداف مشروعة للمقاومة.
وقد تم التعرض في المطلب الثاني، لتقييم منهجية المقاومة الفلسطينية، من خلال البحث في ضوابط شرعية عمليات المقاومة الفلسطينية باستهداف المدنيين والأهداف المدنية، وبعد الوقوف على تركيبة المجتمع الإسرائيلي الاستيطانية في الأصل، تأسيسا على ما سبق، تحوز ممارسة أعمال المقاومة الفلسطينية في مواجهة المستوطنين الإسرائيليين الشرعية القانونية، خاصة وأن إسرائيل حولت المجتمع الفلسطيني إلى ثكنة عسكرية كبيرة أغلب مواطنيها عسكريون مدربون ومسلحون، فالسلاح موجود لدى كل مواطن إسرائيلي، ولا قيد على استخدامه ضد الفلسطينيين.
وبنظرة فاحصة لوضع المقاومة الفلسطينية، نجد أنها حققت نجاحا كبيرا في ظل انكسار الميزان الاستراتيجي وانعدام توازن القوى بينها وبين الاحتلال الإسرائيلي، إلا أنه ثمة نقاط ضعف ونقائص كثيرة تحتاج إلى استكمال من قبل حركات المقاومة الفلسطينية، ويكفي أن نقف على تنوع أشكال المقاومة الفلسطينية، حتى ندرك أننا أمام حالة يجب أن تقبل كما هي ولا تقارن بغيرها سواء من ناحية استيلاء إسرائيل على فلسطين.
في المقابل، تؤدي عملية التمييز إلى إظهار حقيقة الممارسات الإسرائيلية وتفنيد ادعاءاتها بحقها في الدفاع الشرعي ضد الإرهاب الفلسطيني، فما تمارسه إسرائيل في فلسطين هو إرهاب بأبشع صوره وهذا ما تم بحثه في المبحث الثاني، بحث انعكاسات التمييز السلبية على الاحتلال الإسرائيلي، إذ تؤدي عملية التمييز بين الإرهاب والمقاومة المسلحة إلى إظهار حقيقة الممارسات الإسرائيلية وتفنيد ادعاءات إسرائيل بحقها في الدفاع الشرعي ضد الإرهاب الفلسطيني، ومن ثم التأكيد على طبيعة الممارسات التي تقوم بها في مواجهة الفلسطينيين التي لا تمت بأي صلة للدفاع الشرعي، بل هي إرهاب دولة بكل المقاييس، وهذا ما برز من خلال الوقوف على نماذج من الإرهاب الإسرائيلي ضد المقاومة الفلسطينية.
وقد عبر نظام الإرهاب الإسرائيلي عن طبيعته العدوانية بأكثر من صورة وأسلوب، وتفاوتت هذه الأساليب من حيث الحجم والنطاق والـتأثير والنتائج، فقد لجأت إسرائيل إلى الحروب بمختلف أنماطها وأنواعها، كما لجأت إلى الاعتداءات الحدودية، وهذه الإجراءات قد تعددت ما بين الحصار والتجويع والقتل، إلا أن القتل العمد يعتبر من أشد هذه الإجراءات، ذلك لأنه يستهدف الحق في الحياة بشكل مباشر، كما قامت بتنفيذ عمليات اغتيال على نطاق واسع ضد شخصيات عربية وفلسطينية، وارتكبت العديد من المذابح وتخصصت وتفننت في إيجاد عصابات إرهابية، ارتكبت أبشع المذابح التي عرفتها البشرية، وما هذه إلا بعض مظاهر وأساليب الإرهاب الإسرائيلي.
في هذا الصدد، لابد من ملاحظة هامة، تتمثل في أن الوقائع الإرهابية التي أقدم عليها النظام الإسرائيلي تفوق أي حصر أو عد أو إحصاء، ولا يمكن جمعها في دراسة واحدة، بل حتى المجلدات لن تسعها، ولهذا سنحاول التعرض إلى أبرز أساليب الممارسات الإسرائيلية وأكثرها علاقة بدراستنا.
على أنَّه قبل ختم البحث، تم عرض ما وصل إليه من نتائج وملاحظات التي تم من خلالها الوقوف على عمق الإشكالية ومختلف الأسباب التي أدت إلى قيامها، وذلك سعيا للتأكيد أنها إشكالية تم إحاطتها بعوامل مصطنعة من قبل بعض الدول التي حاولت أن تكرس وجهة نظرها وتفرضها على المجتمع الدولي والشرعية الدولية، وذلك ما يبرز من خلال الوقوف على نتائج الدراسة على النحو التالي:
- إن المشكلة الأساسية التي يواجهها المجتمع الدولي تتعلق بخلو القانون الدولي من تعريف للإرهاب، إذ جاءت معظم الاتفاقيات بمحاولة وصف وتعداد لبعض صور الإرهاب دون محاولة وضع تعريف شامل له، وبذلك يؤخذ على هذه الاتفاقيات قصورها في وضع حد لظاهرة الإرهــاب أو التخفيف من أثاره السلبية، فغياب مثل هذا التعريف ترتب عنه إشكالية تمييز المقاومة المسلحة عن الإرهاب الدولي.
- مكافحة الإرهاب يجب أنّ تستند على قواعد القانون الدولي والشرعية الدولية، ومن جهة أخرى يجب أنّ تتم بعيداً عن سياسة إملاء قواعد السلوك على الآخرين بالقوة التي قد تصل في أحيان كثيرة إلى حدّ الإرهاب كما هي الحال بالنسبة لإسرائيل، ولن يتأتى ذلك، إلاّ من خلال وضع اتفاقية دولية تتضمن تعريفاً محددا ودقيقا للإرهاب الدولي بعيداً عن الاعتبارات السياسية للدول، كما يجب أنّ تميز في مضمونها الإرهاب الدولي عن المقاومة المسلحة وفق عناصر موضوعية، فهذا من شأنه أنّ يحد من عملية التوظيف السياسي للخلط بين المفاهيم تحقيقاً لمصالح بعض الدُّول وحماية لمصالح أخرى، مما يؤدي إلى انتهاك الشرعية الدولية.
- لمحاربة ظاهرة الإرهاب والحد من أثارها، يجب القضاء على أسباب الإرهاب من تفرقة وتمييز عنصري بين الشعوب والعدوان، والتدخّل في الشؤون الداخلية للدول واحتلال الأراضي وانتهاك حقوق الإنسان وعدم احترام حق الشعوب في تقرير مصيرها، وقد لخص الأمين العام السابق للأمم المتحدة السيد كورت فالدهايم (Kurt Waldheim)، جوهر هذه القضية بقوله: إنّ هناك أمرين يجب الانتباه لهما: الأول هو أنَّه إذا كانت هناك أعمال إرهابية تستحق العقاب، فإن هناك أعمالا أخرى ترتبط بقضايا سياسية واجتماعية نابعة من المظالم التي تعاني منها الشعوب المقهورة.والثاني: هو أنَّه إذا كان لابد من القضاء على الإرهاب، فإنه يتحتم التعرف إلى مسبباته أولاً، وأن كل محاولة للعلاج تتجاهل الأسباب الجوهرية للإرهاب لن تكون ذات فائدة.
- إن الغموض الّذي مازال يحيط بمسألة تعريف الإرهاب، وتحديد ماهيته مرتبط بشكل أساسي بإشكاليّة وقوف بعض الدُّول في وجه الإقرار بحق حركات المقاومة في الكفاح ضد المحتل، وبوصفها من قبيل الإرهاب ووصف القائمين عليها بالعصابات والمنظمات الإرهابية، لكونها تمثّل تهديداً لنفوذها ومصالحها الدولية، كما أنّ وضع تعريف للإرهاب من شأنه أنّ يفضح أعمال تلك الدُّول ويفقدها أحد أسلحتها الدعائية، وذلك حتّى تضع المجموعات التي تراها تمثّل خطراً على مصالحها في خانة الإرهاب كما هي الحال مع منظمات المقاومة الفلسطينية التي تسارع تلك الدُّول سنويا بإدراجها في قوائم المنظمات الإرهابية.
- تشكل أحداث 11 سبتمبر 2001، عاملاً هاماً في التأكيد على أنّ هناك من يحاول الوقوف ضد التوصل إلى تعريف الإرهاب لاسيما الولايات المتحدة وإسرائيل، وذلك بهدف استمرار الخلط بينه والمقاومة، وكذلك لاستمرار استخدام ذريعة مكافحة الإرهاب في تبرير أعمال العدوان، لأنّ من مصلحتهما ترك المصطلح مبهماً حتّى لا تجرم أفعالهم من جهة، وحتى يتمّ القضاء على المقاومة الفلسطينية من جهة ثانية، وحتى يتمّ التغاضي عن الإرهاب الإسرائيلي في فلسطين من جهة ثالثة.
- أولى خطوات مكافحة الإرهاب الدولي تكمن في تحديد مفهومه تحديداً دقيقاً استنادا إلى قواعد القانون الدولي والشرعية الدولية من جهة، وتفعيل القنوات الشرعية للتعبير عن مطالب وحقوق الشعوب ومنحها عنصر الإلزام من جهة أخرى.
- الخلط بين الإرهاب والمقاومة المسلحة هو عملية مقصودة ومتعمدة، ينبع من موقف سياسي تريد به بعض الدُّول التغطية على أعمالها الإرهابية وغير المشروعة، في المقابل تلصق تهمة الإرهاب بحركات المقاومة التي تخوض نضال مشروع ضد الاحتلال، وهذا ما أثر سلباً على صورة المقاومة الفلسطينية، إذ قامت إسرائيل باستغلال ذلك، لوضع حركاتها في خانة الإرهاب، بهدف التخلص من العمل العسكري الفلسطيني.
- إن عملية التمييز بين المقاومة المسلحة والإرهاب الدولي معقدة وصعبة تبعاً لتناقض العلاقات الدولية وتعقيداتها، وهذا ما يشكل أهم تحدي أمام مصطلح المقاومة، ولا يمكن التخلص من هذا التحدي، إلاّ بالتحديد الدقيق والتعريف القانوني لكل من الإرهاب الدولي والمقاومة المسلحة، وأن يتمّ في الوقت نفسه وضع قواعد تفرق بينهما مبينة على أسس قانونية شاملة بعيداً عن الاعتبارات السّياسية ومصالح الدول، ولهذا فإننا، نعتقد أنَّه يتعين على المختصين التوقّف مليا أمام الخلط بين الإرهاب والمقاومة، بغية إيجاد الحلول الكفيلة بوضع حد له، ومحاولة وضع معايير واضحة للتمييز بينهما، وهي مهمة نعترف أنّها ليست بالسهلة ولا بالبسيطة لوجود عوائق تفرضها بعض الدول.
- تؤدي عملية التمييز بين الإرهاب الدولي والمقاومة المسلحة إلى اعتبار أعمال أفراد المقاومة المسلحة أعمال مشروعة تندرج في إطار تكريس الحق في تقرير المصير والحق في الدفاع الشرعي.
- يعدّ معيار المشروعية من أهمّ المعايير في التمييز والتفرقة بين المقاومة والإرهاب الدولي، فالعنف المستخدم من قبل حركات المقاومة المسلحة عنفاً مشروعاً، له أساس قانوني وهو حق الشعوب غير قابل للتصرف في تقرير المصير، انطلاقاً من أنّ حركات التّحرر الوطنيّ؛ إنَّما هيّ منظّمات شعبية تسعى إلى تّحرير شعوبها وأوطانها من الاحتلال، ومن ثم تعدّ أعمالهم مشروعة تندرج في إطار تكريس الحق في تقرير المصير والحق في الدفاع الشرعي عن النفس وهذا ما أكدّته مبادئ القانون الدولي وبلورته خبرة العمل الدولي، بل أنّ حرمان الشعوب من حقها في تقرير مصيرها من أبشع أنواع الإرهاب..
- من الصعب تحديد نقطة الفصل بين الحق المشروع في المقاومة ضد الاحتلال وبين العمل الإرهابي؛ فقد يتشابه الإرهاب الدولي والمقاومة المسلّحة في أنّ كل منهما يعتمد على العنف كوسيلة في الوصول إلى غاياته وأهدافه، كما قد يتشابهان في الطابع السياسي الّذي يغلف أنشطة كل منهما، كذلك يتميزان بفاعلية الوسيلة والمفاجأة، ويعملان في الخفاء ويهدفان إلى القضاء على الخصم بكل وسائل القوة؛ إلاّ أنّ للمقاومة المسلّحة كيانها الخاص بها وماهيتها الذاتية التي تميزها عن الإرهاب، فهناك أوجه اختلاف جوهرية تميز كل منهما عن الأخر؛ إذْ تختلف المقاومة المسلّحة عن الإرهاب الّذي يعتمد على العنف من دون الاعتماد على الشرعية الدولية، ومن ثم فإن ما تقوم به حركات المقاومة المسلّحة ضد الاحتلال الإسرائيلي والمصالح المادية له عملا مشروعا وليس إرهاباً، في مقابل ذلك، فإن العنف الّذي تمارسه إسرائيل لا يعدّ دفاعا شرعيا، بل هو يجسد إرهاب دولة بأبشع صوره.
- هناك حدود تفصل بين الإرهاب والمقاومة المسلحة، ولذلك فإنّ محاولة الخلط العمدي بينهما من جانب بعض الدُّول ليس له أساس من الصحة، بل قصد به إلصاق صفة الإرهاب بحركات المقاومة الفلسطينية، وعليه يكون العنف الّذي يمارسه الفلسطينيون بأشكاله ومكوناته كافة هو عنف مباح دولياً وله صبغة شرعية حسب قواعد القانون الدولي، مع ذلك تجب الإشارة أنَّه حتَّى عندما يكون استعمال القوّة مقبولاً قانوناً من قبل حركات المقاومة؛ فإنّه يبقى مقيداً بضوابط؛ إذْ أنّ هناك وسائل لا ينبغي استخدامها في إطار المقاومة المسلّحة وإلاّ تحولت إلى إرهاب.
- هناك فرق كبير بين أعمال العنف الإسرائيلي وأعمال العنف الفلسطيني، فالعنف المستخدم من قبل إسرائيل عنف يجسد إرهاب الدولة بأبشع صوره، بينما العنف الفلسطيني الّذي تمارسه حركات التّحرر الوطنيّة هو مقاومة مشروعة لتّحرير الأرض وتقرير المصير، ومن ثم يتوجب على المجتمع الدولي دعم القائمين به وليس قمعهم بحجة محاربة الإرهاب الدولي، كما هو واقع الحال في فلسطين، كما أنّ وصف المقاومة والكفاح المسلّح بالإرهاب إضفاء للشرعية على الاحتلال والعدوان، وإذَا كان الفدائيون الفلسطينيون يلجئون أحياناً للعمليات الاستشهادية، نظراً لعدم تكافؤ القوّى والتي قد تمتد بآثارها لتصيب المدنيين الإسرائيليين، إلاّ أنّ هذا لا يؤثر على شرعيتها، فالعمليات الاستشهادية تندرج ضمن المقاومة المشروعة التي فرضها واقع انعدام توازن القوّى بين الفدائيّين الفلسطينيين وبين المحتل الإسرائيلي.
- العقبة أمام الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، عقبة سياسية وليست قانونية، وهذا ما يبرز من خلال الوقوف على التحيز الأمريكي لإسرائيل، والغطرسة الإسرائيلية التي تستخدم القوة بأشكالها غير الشرعية كافة، بما في ذلك الإرهاب لمنع الشعب الفلسطيني من التّحرر والحصول على استقلاله.
- لم تبذل القيادة الفلسطينية وجميع فصائل المقاومة جهوداً معتبرة سواء على المستوى الإعلامـــــــــــي أو القانوني وحتى السياسي لتبرز حقيقة المقاومة الفلسطينية ومدى شرعية الأعمال التي تمارسها مختلف حركاتها، ومن ثم تميزها عن المنظّمات الإرهابية لاسيما بعد التطورات التي عرفها المجتمع الدولي على ضوء أحداث 11 سبتمبر 2001، فضلا عن عدم قدرة فصائل المقاومة الفلسطينية بالاتفاق على نهج معين لمقاومة الاحتلال جعلها تقع ضحية للترويج الإعلامي الإسرائيلي الّذي نجح نسبياً في تكريس، وجهة نظره التي تكيف أعمالها بالإرهاب في محاولة منه للخلط بين المقاومة المشروعة والإرهاب وإدخال حركات المقاومة في دائرة الإرهاب غير المشروع، ومن ثم التأثير سلباً على صورة المقاومة الفلسطينية.
- لا يعدّ دفاعاً شرعياً العنف الّذي تمارسه إسرائيل، فهو بلا شك عنف إرهابي، وما يدعو إلى الاستنكار أنّ تقترف إسرائيل وقواتها مثل هذه الجرائم على مرأى ومسمع من العالم أجمع، ودون أنّ يتّخذ المجتمع الدولي أية إجراءات أو خطوات فعالة لوقف تلك الانتهاكات والجرائم أو حتّى مجرد التحقيق فيها، بل أنّ هذا الأخير تقاعس عن النهوض بواجباته الأخلاقية والإنسانية والتزاماته القانونية نحو الشعب الفلسطيني الّذي يتعرض لإبادة منظمة ومستمرة من جانب العدُّو الإسرائيلي.
ختاما نؤكد، أنَّه لا يكفي إعلان مشروعية كفاح حركات المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، بل يجب تأكيد وجوب دعم حق الشّعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال لعدم شرعية الكيانّ الإسرائيلي، وأن وقف الإرهاب الدولي، لن يتحقق إلاّ بوقف أسبابه من عدوان واحتلال، وتفرقة وتمييز عنصري بين الشعوب والتدخل في الشؤون الداخلية للدول وانتهاك حقوق الإنسان وعدم احترام حق الشعوب في تقرير مصيرها، وهذا لن يتحقق بدوره إلاّ بنهوض المجتمع الدّولي بواجباته الإنسانية والتزاماته القانونية نحو القضية الفلسطينية، ووضع حد للممارسات الإرهابية الإسرائيلية، وقد لخصت مقدمة وثيقة اليونيسكو ذلك، بأن جاء فيها: “أنه إذا كانت الحرب حقيقة تخلق في عقول الرجال، ففي نفس العقول يمكن أن تبنى حصون السلام “.