A look at the serious violations of international law during the war on Gaza
أ.د. نعيمة كروش (كلية الحقوق – جامعة الجزائر1)
Pr. Naima KEROUCHE (Faculty of Law – University of Algiers 1)
مقال منشور في مجلة جيل حقوق الإنسان العدد 45 الصفحة 11.
ملخص:
يحضر القانون الدولي الإنساني خلال الحروب جملة من الأعمال لحماية الأطراف المدنية والأعيان المدنية والمستشفيات باعتبارها أهدافا غير عسكرية، ومع ذلك شهدت الحرب الأخيرة على غزة انتهاكات جسيمة أجمع الرأي العام العالمي على رفضها.
الكلمات المفتاحية: حرب، قانون دولي إنساني، صكوك، غزة.
Summary:
During wars international humanitarian law includes a number of measures to protect civilian parties, civilian objects, and hospitals, as they are non-military targets. However, the war on Gaza witnessed grave violations that global public opinion unanimously rejected.
key words: War, international humanitarian law, instruments, Gaza.
مقدمة:
لا تعتبر حرب السابع من أكتوبر 2023 على غزة حربا جديدة، وإنما هي استمرار لحروب سابقة يخترق فيها الكيان الصهيوني في كل مرة أهم مقصد من مقاصد الأمم المتحدة بشأن حفظ السلم والأمن الدولي، الذي ميز هذه الحرب الانتهاك الصارخ لقواعد القانون الدولي الإنساني من دون أي تقدير لنتائج ذلك، إذ تميزت بعشوائية لم يسبق لها مثيل لا من حيث ضخامة الخسائر المادية التي فاقت كل تقدير، ولا الأرواح البشرية التي استهدفت النساء والأطفال في أبشع جريمة من الجرائم التي يرفضها القانون الدولي وهي الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني أمام مرأى المجتمع الدولي الذي تميز في خلال هذه الحرب بتوحد الرأي العالمي لمجتمعات فرقتها السياسة الدولية وجمعها الموقف الموحد لفظاعة الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي في الحرب الحالية على غزة .
إن موضوع الانتهاكات الجسيمة من القواعد المهمة التي كرستها الصكوك الدولية للقانون الدولي الإنساني، وأقرت بشأنها المسؤولية الدولية على من ينتهك قواعده وذلك في حروب سابقة وهو ما دفعنا إلى النظر في ماهية هذه الانتهاكات من الجانب المفاهيمي، وإسقاطها على مختلف الانتهاكات التي قام بها الكيان الصهيوني في حربه على غزة؟ وذلك بالتطرق إلى:
أولا- الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني.
ثانيا – مختلف أشكال وصور انتهاك الكيان الصهيوني للقانون الدولي الإنساني في الحرب على غزة.
أولا- الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني:
إن الانتهاكات الجسيمة كتصرفات أو سلوكيات مجرمة من المسائل غير المتفق عليها في القانون الدولي الإنساني، وهذا ما تعكسه الصكوك الدولية للقانون الدولي الإنساني، والقضاء الجنائي الدولي.
1- الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي طبقا للصكوك الدولية للقانون الدولي الإنساني
عملت الصكوك الدولية للقانون الدولي الإنساني لا سيما اتفاقيات جنيف الأربعة وبروتوكوليها الإضافيين، على تعداد جملة من الأفعال التي تشكل انتهاكا جسيما للقانون الدولي الإنساني طبقا للمفهوم الوارد في الصكوك الدولية المذكورة أعلاه، ومن صور هذه الأفعال يمكن ذكر:
* أفعال ترتكب ضد أشخاص محميين وممتلكات محمية بموجب هذه الاتفاقية وهذا وفقا لما ورد في المادة الخمسون من اتفاقية جنيف الأولى، وبغض النظر عن من ارتكبها، وألزمت المادة التسعون من نفس الاتفاقية ا أطراف السامية المتعاقدة بضرورة ملاحقة المتهمين المرتكبين لهذه المخالفات الجسيمة ([1] ).
* عددت المادة خمسون من اتفاقية جنيف الثانية الانتهاكات الجسيمة وعلى أنها تشمل: القتل العمد، التعذيب، الممارسة اللاإنسانية، إحداث آلام شديدة أو الإضرار بالسلامة البدنية أو الصحية أو تدمير الممتلكات و الاستيلاء عليها على نطاق واسع)[2](.
* أشار البروتوكول الإضافي الأول في نص المادة الخامسة والثمانون في فقرتها الخامسة وتشمل الأفعال التالية:
1-الانتهاكات الخاصة باختراق أحكام هذا البروتوكول.
2-الأعمال المقترفة ضد أشخاص هم في قبضة الخصم وتشملهم حماية المواد 44، 45 و73 من هذا البروتوكول.
3-الأعمال المقترفة ضد الجرحى أو المرضى أو المنكوبين في البحار الذين ينتمون إلى الخصم ويحميهم هذا الملحق “البروتوكول”، أو الأعمال المقترفة ضد أفراد الخدمات الطبية، أو الهيئات الدينية، أو ضد الوحدات الطبية، أو وسائط النقل الطبي التي يسيطر عليها الخصم ويحميها هذا اللحق “البروتوكول”.
4- الأعمال المقترفة عن عمد، مخالفة للنصوص الخاصة بها في هذا اللحق “البروتوكول”، والمسببة لوفاة أو أذى بالغاً بالجسد أو بالصحة:
أ – جعل السكان المدنيين أو الأفراد المدنيين هدفاً للهجوم،
ب- شن هجوم عشوائي، يصيب السكان المدنيين أو الأعيان المدنية عن معرفة بأن مثل هذا الهجوم يسبب خسائر بالغة في الأرواح، أو إصابات بالأشخاص المدنيين أو أضراراً للأعيان المدنية وفقا لما ورد في نص المادة السابعة والخمسون الفقرة الثانية.
ج – شن هجوم على الأشغال الهندسية أو المنشآت التي تحوي قوى خطرة عن معرفة بأن مثل هذا الهجوم يسبب خسائر بالغة في الأرواح، أو إصابات بالأشخاص المدنيين، أو أضراراً للأعيان المدنية (وفقا لما ورد في نص المادة السابعة والخمسون الفقرة الثانية.
د- قيام الكيان الصهيوني بنقل بعض سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها أو ترحيل أو نقل كل أو بعض سكان الأراضي المحتلة داخل نطاق تلك الأراضي أو خارجها، مخالفة للمادة 49 من الاتفاقية الرابعة.
و – شن الهجمات على الآثار التاريخية وأماكن العبادة والأعمال الفنية التي يمكن التعرف عليها بوضوح، والتي تمثل التراث الثقافي أو الروحي للشعوب، وتوفرت لها حماية خاصة بمقتضى ترتيبات معينة، وعلى سبيل المثال في إطار منظمة دولية مختصة، مما يسفر عنه تدمير بالغ لهذه الأعيان، وذلك في الوقت الذي لا يتوفر فيه أي دليل على مخالفة الخصم للفقرة “ب ” من المادة 53، وفي الوقت الذي لا تكون فيه هذه الآثار التاريخية وأماكن العبادة والأعمال الفنية في موقع قريب بصورة مباشرة من أهداف عسكرية.
هـ) حرمان شخص تحميه الاتفاقيات، أو مشار إليه في الفقرة الثانية من هذه المادة من حقه في محاكمة عادلة طبقاً للأصول المرعية.
2– تكييف القضاء الدولي لطبيعة الانتهاكات الجسيمة: كان للقضاء الدولي بدوره موقفا من موضوع الانتهاكات الجسيمة في مواقف ومناسبات عدة بخصوص جرائم الحرب المرتكبة منها ما تعلق في السابق بالمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا بخصوص تشكيل محكمة خاصة لمقاضاة الأشخاص المسؤولة عن جرائم ضد الإنسانية والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، وما هو ساري اليوم بخصوص المحكمة الجنائية الدولية. ولقد كيفت المادة الثامنة والعشرون في فقرتها الثانية ألف للانتهاكات الجسيمة على أنها جرائم حرب وذلك إذا ما تعلق الأمر بالأفعال التالية:
* ضد الأشخاص والممتلكات المحمية بموجب اتفاقات جنيف وميزت بين الانتهاكات الجسيمة طبقا للمادة المذكورة والانتهاكات الخطرة وفقا لنفس المادة والفقرة قسم ب ، فيما يخص انتهاك القوانين والأعراف السارية على النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.
ثانيا – مختلف أشكال وصور انتهاك الكيان الصهيوني للقانون الدولي الإنساني في الحرب على غزة:
شملت الهجمات العشوائية لحرب الكيان الصهيوني على غزة صور وأشكال استغرقت وفاقت مختلف صور الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني منها وعلى سبيل الذكر:
1-الاعتداء على الأعيان المدنية: شنت القوات المسلحة للكيان الصهيوني هجمات عشوائية ([3]) وتعسفية استهدفت تدمير واسع النطاق للمنازل السكنية الخاصة الذي طال 200.000 وحدة سكنية وهو ما يعادل طبقا لتقدير السلطات الفلسطينية نصف الوحدات السكنية في القطاع ([4]) ولم تسلم من هذه الهجمات حتى تلك المباني الخاصة بمباني الأمم المتحدة، ولا المدارس أو المستشفيات.
2-استهداف الفرق الطبية الفلسطينية: شملت اعتداءات الكيان الصهيوني أفراد الخدمات الطبية والمسعفين مما أدى إلى استشهاد سبع وخمسون شخصاً من الإطارات الطبية وإصابة مئة آخرين بالإضافة إلى تضرر اثنان وثلاثون مركزا طبياً. على الرغم من أنها ليست أهدافا عسكرية وتسبب ذلك في خروج اثنا عشر مشفى عن الخدمة من هذه المستشفيات منها: مستشفى الأندلسي ومستشفى العيون الدولي، مستشفى مدينة بيت حانون، مستشفى العودة، كما تم قصف المستشفى المعمداني التابع للكنيسة الأسقفية.
وهذا ما أدى إلى منع الجرحى من الفلسطينيين من الحصول على الإسعافات الأولية.
3-استخدام الأسلحة المحظورة دوليا: استخدام الكيان الصهيوني أسلحة محظورة دوليا كالقذائف المسمارية، الفوسفور الأبيض، والأسلحة المعدنية الثقيلة. كما استخدم السكان الفلسطينيين كدروع بشرية.([5])
4- الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني: وفقا لتقارير صادرة من عدد من خبراء الأمم المتحدة، شكلت الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها الكيان الصهيوني بحقّ الفلسطينيين في حرب السابع من شهر أكتوبر إبادة جماعية بكل أركانها، فلقد أدت هذه الحرب إلى مقتل أكثر من 11,000 شخص، وإصابة أكثر من 27,000 آخرين، وتشريد 1.6 مليون شخص منذ 7 من أكتوبر 2023، ناهيك عن الأفراد المفقودين وأولئك الذين مازالوا تحت الأنقاض. ([6])
5-حرمان الشعب الفلسطيني من حقه الأساسي في الغذاء بسبب انعدام الأمن الغذائي: أعلنت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة في تصريحها عقب الحرب على غزة عن الوضع المأساوي بخصوص انعدام الأمن الغذائي، وذلك بسبب الحصار المفروض على الفلسطينيين، ومنع دخول شاحنات المساعدات الإنسانية، وعليه دعا المدير العام للمنظمة إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة والسماح بدخول المساعدات الإنسانية للقطاع وتسهيل إيصالها إلى السكان.
6-التهجير القسري للمدنيين: قام الكيان الصهيوني بإصدار أوامر بالنزوح القسري للسكان المدنيين الفلسطينيين لأسباب تتعلق بالنزاع” كما قام بإطلاق صواريخ ثقيلة على منطقة شمال غزة مما أدى إلى نزوح أكثر من مليون شخص من منازلهم إلى مدارس الأونروا وساحات المستشفيات وأي مكان آمن.
الخاتمة:
إن الانتهاكات التي طالت الشعب الفلسطيني في غزة جسيمة بمفهوم وتفصيل اتفاقيات جنيف الأربعة وبروتوكوليها الخاصة بقواعد معاملة وحماية الأطراف المدنية والأعيان المدنية والفرق الطبية تقتضي ضرورة التدخل الاستعجالي للقضاء الدولي حماية للإنسانية من مخاطر الإصرار على الاستمرار في هذا النوع من اللامبالاة للانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي. وذلك لضمان حفظ أمن وسلامة الشعب الفلسطيني.
[1] ) تنص المادة خمسون من اتفاقية جنيف الأولى :” المخالفات الجسيمة التي تشير إليها المادة السابقة هي التي تتضمن أحد الأفعال التالية إذا اقترفت ضد أشخاص محميين أو ممتلكات محمية بالاتفاقية : القتل العمد, التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية, بما في ذلك التجارب الخاصة بعلم الحياة, تعمد إحداث آلام شديدة أو الإضرار الخطير بالسلامة البدنية أو بالصحة, تدمير الممتلكات أو الاستيلاء عليها على نطاق واسع لا تبرره الضرورات الحربية, وبطريقة غير مشروعة وتعسفية.”
[2] ) تنص المادة خمسون من اتفاقية جنيف الثانية لتحسين حال جرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة في البحار المؤرخة في 12 آب / أغسطس 1949 تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بأن تتخذ أي إجراء تشريعي يلزم لفرض عقوبات جزائية فعالة على الأشخاص الذين يقترفون أو يأمرون باقتراف إحدى المخالفات الجسيمة لهذه الاتفاقية، المبينة في المادة التالية. يلتزم كل طرف متعاقد بملاحقة المتهمين باقتراف مثل هذه المخالفات الجسيمة أو بالأمر باقترافها، وبتقديمهم إلى محاكمه، أياً كانت جنسيتهم. وله أيضاً، إذا فضل ذلك، ووفقاً لأحكام تشريعه، أن يسلمهم إلى طرف متعاقد معني آخر لمحاكمتهم مادامت تتوفر لدى الطرف المذكور أدلة اتهام كافية ضد هؤلاء الأشخاص. ينظر الموقع: https://www.icrc.org/ar/doc/resources/documents/mis
3) ينظر الموقع : https://www.icrc.org/ar/doc/resources/documents/misc/7umf63.htm
[4] ) حرب غزة بالأرقام ، ينظر في ذلك https://www.bbc.com/arabic/articles/c2l2xjv0zqlo
[5] ) ملخص وسائل الإعلام: تقرير بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن النزاع في غزة
[6] ) ينظر الموقع http://www.standup4humanrights.org