
“الأدبيَّة” في لغة الإعلام.. تقاريرُ ماجد عبد الهادي، نموذجاً
د. أسامة عثمان، مشرف أكاديمي غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة ـ فلسطين
مقال نشر بالعدد 17 من مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية الصادر بشهر مارس 2016، ص 109. للاطلاع على المقال وكل العدد يرجى الضغط هنا
لا غنى عن تحديد صفةِ “الأدبيَّة” منطلَقا للبحث، وهي التي لم تعد مقتصرة على المعنى البلاغي القديم، فالأدبيّة تتجاوز مجرد أن تكون حِلْيةً وشكلا؛ لتصلَ إلى بعض السِّماتِ النَّصَانيَّة من تماسكيَّةٍ لفظيَّةٍ وتواصليَّةٍ دلاليَّةٍ وتنضيدٍ لُغويٍّ، وغير ذلك، بالإضافة إلى تفعيل التَّناص بمفهومِهِ الواسع، ووَفقَ خطابٍ إعلاميٍّ مُنزاحٍ ومتحوِّلٍ مع التحوُّلات الاجتماعيَّة، ومسهما في إحداث تحولاتِها كذلك.
ولم يعزب عن كبار البلاغيين العرب وعن تفكيرهم الأسلوبي الأصيل كثير من المعاني النقدية الحديثة، وإن لم يتفقوا مع المحدثين، بالطبع، في درجة التحديد، أو في دقّة المصطلح.
البلاغة و”الأدبيّة”
تَرفِدُنا البلاغةُ بجملةٍ من السمات التي يتطلبها النص الأدبي، كالعناية بالمجاز والكناية من آليات الخيال، والاهتمام بالترابط النصي أو “السَّبك” و”النَّظم” والتجانس الصوتي، والتناسق التركيبي، ولكنها تختلف مع “الأدبية” في عدد من السمات، بل قد تتناقض، كما في سمة الإيضاح ونفي اللَّبْس أو الاحتمال.
فصفة الوضوح كانت طاغية عند الجاحظ، مثلا، إلى درجة عدِّه الإخلالَ بذلك عيبا ينافي البلاغة…ومن أجل ذلك كان ينبغي مراعاة أقدار المستمعين، وانتقاء المفردات الملائمة، وبتأثير من ذلك أيضا تغيَّت البلاغة الإقناع هدفا أوليا وضروريا. في حين أن المفاهيم النقدية الحديثة لا تكتفي بهذه السمة التي كانت محورية عند القدامى، ولا ترى النص يغتني بتوحد الدلالة أو يكتفي من حيث التلقي وأثره في المتلقي بالإقناع، وإن كان لا بد يهدف إلى جذب المتلقي، وإثارة اهتمامه، وحتى إدماجه في النص؛ ليغدو مشاركا إيجابيا في تشكيله أو إعادة إنتاجه. واستحضر نقاد آخرون اللذة أثرا مهما للنص الأدبي.
سمات اللغة الأدبيّة
“الأدبية” وإن كانت مصطلحا حديثا، إلا أن البلاغيين العرب فرّقوا بين الأسلوب العادي والأسلوب البليغ، أو ما صار يسمى بالنثر الفني.
ولا تستغني “الأدبية” عند البلاغيين العرب القدامى عن صفات الوضوح والإبانة. قال الجاحظ في معرض استدلالاته على أهمية الإبانة والإفصاح- بعد إيراده قوله تعالى:” وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم”- :” لأن مدار الأمر على البيان والتبيُّن وعلى الإفهام والتفهُّم. وكلما كان اللسان أبيَن كان أحمد، كما أنه كلما كان القلب أشدَّ استبانة كان أحمد” ([1])
ثم فصل في موضع آخر:” وعلى قدر وضوح الدلالة وصواب الإشارة وحسن الاختصار ودقة المدخل يكون إظهار المعنى, وكلما كانت الدلالة أوضح وأفصح وكانت الإشارة أبْيَنَ وأنوَر كان أنفع وأنجع. والدلالة الظاهرة على المعنى الخفي هو البيان الذي سمعت الله عز وجل يمدحه ويدعو إليه ويحث عليه. بذلك نطق القرآن، وبذلك تفاخرت العرب، وتفاضلت أصناف العجم”([2])
وهو هنا أيضا لا يخرج عن محورية الوضوح والإيضاح، غير أننا نلمح تفصيلات جديدة، كما مثلا عند كلامه عن استخراج المعنى الخفي باللفظ الجلي.
وهنا نقف على فائدة مهمة إذ تشغل القيمة الإيضاحية مكانا أثيرا لدى المرسل والمتلقي، كلٌّ بحسب دوره. وإذا كانت سمة الاحتمالية من السمات التي يقررها محدثون للغة الأدبية فإن الجاحظ ينفي هذه الصفة عن البلاغة في قوله- معلقا على قول الإمام إبراهيم بن محمد ” هو إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، أخو العباس أبي العباس السفاح رأس الدولة العباسية” :” يكفي من حظ البلاغة أن لا يُؤتى السامع من سوء إفهام الناطق، ولا يؤتى الناطق من سوء فهم السامع:” أما أنا فأستحسن هذا القول جدا”( [3] ) وانبنى على هذه القيمة الإيضاحية في البلاغة قيمة غائية، وهي الإقناع.
ولم يقتصر الجاحظ في تفصيله الميزات البلاغية على الوضوح بل أضاف التماسك:
” وأجودُ الشِّعر ما رأيتَه متلاحمَ الأجزاء سهل المخارج، فتعلم بذلك أنه قد أُفرغ إفراغا واحدا وسُبك سبكا واحدا فهو يجري على اللسان كما يجري الدِّهان” ([4] )
وأكد العسكري هذه السمة بقوله:” ينبغي أن تجعل كلامَك مُشبهاً أولُه بآخره، ومطابقا هاديه لعَجُزِه، ولا تتخالف أطرافُه ولا تتنافر أطرارُه، وتكون الكلمة منه موضوعة على أختها ومقرونة بلِفْقِها ” ([5])
وسمةُ السَّبْكِ هذه أكّدها الجرجاني، وطوّرها فيما سُمي بالنّظم . قال: ” واعلم أن مما هو أصل في أن يدِقَّ النظر، ويغمض المسلك في توخِّي المعاني التي عرفتَ أنْ تتحدَ أجزاءُ الكلام، ويدخل بعضُها في بعض، ويشتد ارتباط ثان منها بأول” ([6] )
وكان الجرجانيُّ فسَّر النَّظم بقوله:” واعلم أنْ ليس النظم إلا أنْ تضعَ كلامَك الوضع الذي يقتضيه علمُ النحو، وتعمل على قوانينه وأصوله” ([7])
كما أنه يشير إلى صفة التماسك والتواصل الدلالي في قوله:” واعلم أن من الكلام ما أنت ترى المَزيَّة في نظمه والحسن كالأجزاء من الصبغ تتلاحق، وينضمُّ بعضُها إلى بعض، حتى تكثر في العين” ([8])
الإقناع في البلاغة
ولا نغادر السمات الأسلوبية للأدب قديما قبل أن نتناول الغايةَ التي ترمي إليها بعض الأنواع الأدبية، كالخطابة وسواها، وهي الإقناع، وقد ربطوا البلاغة بموافقة الكلام لمقتضى الحال، ومراعاة أقدار المستمعين، ومخاطبة الناس على قدر عقولهم؛ ما يُشعر بأهمية الإقناعية بصفة عامة.
وهذا أمر تشترك فيه اللغات والآداب عموما جاء في كتاب “الأسلوبية” لبيير جيرو: “تحتوي البلاغة على أقسام أربعة، وذلك ما ظهر في الكتابات الرائعية لأرسطو وشيشرون وكافتيليان:
-الابتداع، أو البحث عن البراهين والحجج لتطويرها.
– الترتيب أو البحث عن النظام الذي يجب أن تكون هذه الحجج منتظمة فيه.
– التعبير أو طريقة العرض، وذلك بالشكل الأكثر وضوحا والأكثر إدهاشا، على أن تكون هذه الحجج والبراهين منفصلة في إنشائها.
الفعل الذي يعالج القصد في سرعة النطق والحركات وتغييرات الملامح نستنتج من هذا أن المقصود هو فن الإقناع، وأن البلاغة تشعر دائما بأصولها..” ([9])
غاية الأدب
تطرقت الدراسات الحديثة إلى الأدب من حيث الغائية، ولم يتوقف تفسير الدافع الإبداعي، شعرا، أو نثرا جماليا، على المحاكاة أو الالتذاذ بها، كما كان أرسطو يقول، وإنما تجاوزها ليصل إلى أهداف أكثر إنسانية وروحية، متعدّيا المحاكاة إلى الخلق والإبداع. يقول هيجل: ” إن مقصد الفن أن يوقظ فينا إحساساتٍ ممتعةً عن طريق خلق أشكال لها ظاهر الحياة” ([10]) مع أنه يعلق عليه بأنه ” ليس ثمة شيء أكثر إبهاما من هذا التعريف” ([11]) إلا أن هذا المقياس يلحظ الأثر الإنساني.
وينفذ هيجل إلى منطقة الإبداع من ملاحظة مقصده ومنبعه:” إن أسمى مقصدٍ للفن هو ذاك المشترَك بينه وبين الدين والفلسفة. فهو كهذين الأخيرين نمط تعبير عن الإلهي، عن أرفع درجات الروح وأسمى مطالبه… لكنه يختلف عن الدين والفلسفة بكونه يمتلك المقدرة على إعطاء تلك الأفكار الرفيعة تمثيلا حسيا يضعها في متناولنا” ([12])
والأدب من حيث الغاية يعطي للعالم والحياة معناها، فهو ألصق إلى الإنسان:” بينما الأدب مع الاحتفاظ بوظيفته الدائمة والتي تتجلى في إعطاء العالم معناه فقد نقل منظوره ليحدد لنفسه من الآن فصاعد مهمة التعبير عن تجربة البشر” ([13])
وأما مصدر الأدب والفن بحسب هيجل فهو الروح فـ “الجمال الفني…أسمى من الجمال الطبيعي؛ لأنه نتاج الروح فما دام الروح أسمى من الطبيعة فإن سموَّه ينتقل بالضرورة إلى نتاجاته، وبالتالي إلى الفن… والحال أن الفارق بين الجمال الفني والجمال الطبيعي ليس محض فارق كمّي، فالجمال الفني يستمد تفوقه من كونه يصدر عن الروح” ([14])
وكون الأدب والفن عموما نتاج الروح لا يعني افتقاره إلى البعد العقلي، سواء للتنظيم الفني والتصنيع، أو لإكساب النص مضامين عقلية، كما هو الشعر الرؤيوي، حديثا، الذي يطمح عبر جهد مهول ومُعقلَن إلى محاولة النفاذ إلى المستقبل، أو الحدس به، وتوقعه، كما كان شعراء عرب يغلب على شعرهم الطابع الحِكْمي، قديما، كما أبو تمام والمتنبي، وغيرهما.
وهذه الروح التي تتوسل الفن والأدب لإظهار مكنوناتها، تتطلب الخيال، ومع أن أهمية الخيال لم تكن غائبة عن البلاغيين العرب، إلا أنه في العصر الحديث بات أكثر محورية، يقول العقاد:” الصور الخيالية والمعاني الذهنية (أي الأفكار الأدبية) هي الأصل في جمال الأساليب” ([15])
وليست العلاقة بين الروح والخيال من جهة والعقل والواقع من جهة أخرى علاقة ضدية تعاقبية، بل إنهما يجتمعان فيما يسمى بالواقعية السحرية التي عرف بها الأدب اللاتيني، واشتهر به راوئيون أمثال أليخو كاربنتير و بورخيس وخوان رولف وغابرييل غارسيا ماركيز، وهي “تعني في أبسط تعريفاتها الجمع بين عنصرين مهمين هما: الواقع والفانتازيا حيث يتشكل من هذا المزج عالم ثري يتجاوز المألوف، فالواقعية السحرية ليست نقيضا للواقعية، أو انقطاعا عن الواقع، بل هي إثراء له، وذلك بالسماح بإدخال عنصر جدلي في بنيتها؛ سعيا إلى تكوين واقع جديد تتشابك فيه عدة عاصر معقولة ولا معقولة، منطقية ولا منطقية، بحيث تندمج عناصر الواقع مع العناصر الخيالية المتمثلة في السحر والخوارق والأساطير والحلم والفانتيازيا” ([16])
والفن من الناحية النفسية والاجتماعية يطهِّر ويلطّف، كما قال هيجل فإن:” تلك الوحشية قوة الإنسان الذي تسيطر عليه أهواؤه من الممكن تلطيفها بالفن، وذلك بمقدار ما يمثِّل الفن للإنسان الأهواء ذاتها ، الغرائز وبوجه عام، الإنسان كما هو . وإذ يكتفي الفن بعرض مشهد الأهواء، حتى لو داهنها وتملقها، فإنما يفعل ذلك؛ كي يظهر للإنسان ما هو كائن عليه، وكي يجعله يعي كينونته تلك. وفي ذلك تحديدا يكمن تأثيره الملطِّف؛ لأنه يضع الإنسان على هذا النحو في حضرة غرائزه، كما لو أنها موجودة خارجا عنه، ويمحِّضه بحكم ذلك بعضَ الحرية حيالها” ([17])
فالفن والأدب ينقِّي دواخلنا وعوالمنا الخارجية بأسلوب جمالي إنساني، لعل المشاعر المتولدة من ذلك تخفف من القبح الداخلي، ومن الشر الخارجي.
سمات “الأدبيَّة” حديثا
يستجمع مصطلح “الأدبية” مجموعةً من السمات، مع العلم أنها ليست من الصرامة والإِحكام بما ينفي عنها الخلاف، يقول طودوروف :” وكوننا نرجع دائما من أجل تبيان هذه المفاهيم إلى نفس الأعمال كالإلياذة والكتاب المقدَّس، فإن ذلك لا يغيِّر من الأمر شيئا، فنفس الموضوع له عدد لا متناهٍ من الخصائص، وكل مُنظّر يمكنه – على مستوى النظرية- اختيار تلك التي تناسبه، تاركا الخصائص الأخرى جانبا” ([18])
إلا أنه بإماكننا التمييز بين النص الأدبي والنص العلميِّ الأسلوب، ليس من حيث غائية كل منهما ومنبعه، ولكن أيضا من جهة السمات الغالبة، فنحن واجدون في ” الأدبية” الاهتمامَ بالمُطلقيّة، وليس الآنيّة، وَفقا للرومانسيين، كما نجد فيها الاحتمالية، واستعصاءَها على الترجمة، كما ينماز النص الأدبي بـ”الانزياح” الأسلوبي، ولا غنى في الأدب كما في الشعر عن التناص والتحاور مع نصوص سابقة، إضافة إلى تطلبها مزيدا من الصنعة ما يقرِّبها من الخلود، وهذا عطفا على اهتمامها بالمطلق من خير وحق وجمال، وقريب من هذا تأتي القصدية والانتقاء الواعي للمفردات التي لا تخلو من إيحاءٍ ومجازية، وقصدية النَّظْم والأنساق كذلك، وصولا إلى الجمالية واللذة أثرا، في المتلقي، كذلك يتسم النص الأدبي، كما الشعري، بالتغريب، فالشعر كما الأدب يعمل على التغريب: “وهذه الفروق في (الشعر) مثلاً، هي الفروق التي يتضمنها التعارض الذي بين اللغة العادية، واللغة الشعرية، سيما وأن (الشعر) من طبيعته يعمل على (التغريب)، أي رفع الألفة التي بيننا وبين الأشياء..” ([19]) وهذا يشبه “التَّلطُّف” عند البلاغيين العرب القدامى، وهو كما عرَّفه أبو هلال العسكري:” أن تتلطف للمعنى الحسن حتى تهجَّنه، والمعنى الهجين حتى تحسنه” ([20]) ” وأما (التغريب)، فهو مفهوم يقصد منه، كما يقول (شكلوفسكي): نزاع الألفة مع الأشياء التي أصبحت معتادة، أي هو(2) مضاد لما هو معتاد” ([21])
وهذا التغريب يستعين بأدوات لغوية وإيقاعية حتى يتحقق، إذ ” وجد الشكلانيون الروس أنفسهم مضطرين إلى العناية بالخصائص الشكلية، وخاصة (الأدوات)، كالقافية، والإيقاع، والجرس، والمفردات، والبنيات، واللغة عامة، وهي في نظرهم الوسيلة الأساسية لتحقيق (التغريب)..” ([22])
وقريبٌ من التغريب “الانزياح” او “الانحراف المعياري” القائم على استخدامات خارجة عن مألوف الكلام؛ “فلا بدَّ للشاعر من أن يصدمنا مرة بعد مرة بأشكال من اللغة غير متوقعة، حتى نعي ما يريد أن يقول. ولكي ننتبه إلى هذه الأشكال غير المتوقعة يجب أن نكون مطمئنين –ابتداء- إلى أن هذا الرجل يتكلم لغتنا. بعبارة أخرى: لا يمكننا أن نكتشف “الانحرافات” التي يرتكبها الشاعر، إن لم نستطع أن نقيس هذه الانحرافات بمقياس اللغة العادية المشتركة بيننا وبينه” ([23] )
و الكلام حتى يصبح “نصا” يتطلب معايير معينة، ومن أهمِّ التعريفات التي استوفت تلك المعايير تعريف (ودي بوجراند ودريسلر) اللذين يقولان ” إن النص حدثٌ تواصلي تتحقق نصيَّتُه إذا اجتمعت له سبعة معايير هي: الربط والتماسك والقصدية والمقبولية والإخبارية والموقفية والتناص” ([24])
ولعل من أهم مقومات النص التواصلية الترابط والتماسك، وهي المصطلحات التي تتقاطع مع “النَّظم” كما فصَّلها عبد القاهر الجرجاني، كما تقدم أعلاه.
و”التماسك في علم اللغة الحديث يعني التلاحم بين أجزاء النص الواحد، بحيث توجد علاقة بين كل مكوّن من مكوّنات النص وبقية أجزائه، فيصبح نسيجا واحدا، تتحقق فيه علاقات القصد والخلفية المعرفية بالمبدع والمتلقي” ([25])
وإذا انتبهنا إلى النصوص المتداخلة في النص الأخير فإن عملية التشكُّل النصي لا تغفل المكونات النصية التي تحاورت واندمجت في النص” فالتحليل النصي يدعو إلى تصور النص باعتباره نسيجا …وجديلة من أصوات مختلفة وأنساق متعددة، هي في آن واحد متشابكة، ولا مكتملة” ([26])
ولا يخفى أن التناص يقتضي ذكاء ونفاذا إلى تلك النصوص التي تناسب عصر الخطاب الجيد، ولا تزال قادرة على استثارة فكره ووجدانه، ولا تزال تحتفظ بموقعها الأثير في الذاكرة الجماعية
” ويمكننا أن نسمِّي هذا الخطاب الذي لا يستحضر “أساليب في القول” سابقة، خطابا أحاديَّ القيمة. (وهو بدوره لا يمكن إعمال الفكر فيه إلا باعتباره حدّا) أما الخطاب الذي يقوم بهذا الاستحضار بشكل صريح نسبيا فنسمّيه خطابا متعدد القيم…فكلمات الخطاب المتعدد القيم تحيل على وجهتين اثنتين، وتجريده من هذه القيمة، أو تلك يعني أننا لم نفهمه” ([27])
فالتناص يغني النص، ويكسبه حوارية وجدلية فكرية متعددة الاتجاهات، ويستحضر أزمنة ماضية تتفاعل مع معطيات الزمن الحاضر، كما تتفاعل المواد في التفاعل الكيماوي.
فباختين ” يجزم بأن “عنصرا مما نسمّيه رد فعل على الأسلوب الأدبي السابق يوجَد في كل أسلوب جديد. إنه يمثل كذلك سجالا داخليا وأسلبَة مضادة مخفية، إن صح التعبير لأسلوب الآخرين. وهو عادة ما يصاحب المحاكاة الساخرة الصريحة(…) والفنان الناثر ينمو في عالم مليء بكلمات الآخرين، فيبحث في خضمها عن طريقه … إن كل عضو من أعضاء المجموعة الناطقة لا يجد كلمات “لسانية” محايدة ومتحررة من تقويمات الآخرين وتوجيهاتهم، بل يجد كلمات تسكنها أصوات أخرى” ([28])
فهنا يصبح التناص في اللغة الأدبية سلطةً قاهرة سواء وعى المبدع ذلك، أم لم يعِ. وبعد ذلك يمكن التلاعب من خلال التناص بوجهة النص، بل يمكن قلبُه من النقيض إلى النقيض؛ ذلك ” إنه لفي منتهى السهولة عن طريق التلاعب بالنص أن نزيد من درجة موضوعية كلام الآخر، محدثين بذلك ردود فعلٍ مرتبطة بالموضوع. على هذه الشاكلة يسهل أن نصيِّر الملفوظ الأكثر جِدِّية ملفوظا مضحكا. فكلام الآخر، وقد أدرج ضمن سياق خطاب ما، يقيم مع السياق الذي يتضمنه، لا صلة آلية، بل مزيجا كيماويا ( على صعيد المعنى والتعبير)” ([29])
وربما لم يبالغ بارت حين جعل التناص هو الذي يكوّن النصوص، نافيا عن النص الأدبي صفةَ الانغلاق، حين قال: ” ما يقوم في أساس النص، ليس بنية داخلية مغلقة، قابلة للحساب، بل مَنْفَذ نص على نصوص أخرى، وأنساق أخرى، وعلامات أخرى؛ ما يكوّن النص هو التناص” ([30]) وهذا يصعّب على المبدع الاحتفاظ بالأصالة والتفرد، كما تفطَّن إلى ذلك عنترة قديما، حين قال: “هل غادر الشعراء من متردّم؟
ملامحُ كليَّةٌ لـ “الأدبيّة”
لِكونِ الأدبِ يندرج في الفن فإنه يشترك معه في ملامحَ كليةٍ كالخلود واللذة، من حيث الأثر، والصناعة، من جهة الإبداع، والجمال والشعرية، بمعناها الرحب.
شُغل الأدب، ولا سيما الرومانسي بالخلود، إذ سلَّط الضَّوْء على قضايا مطلقة، كالحق والخير والجمال. يقول باختين:” لكن التصورات النظرية لهذه الحركة الرومانسية تظل محدودة ” وتابعة” لفكرتهم الأساسية عن المطلق الأدبي: فهم لا يقبلون الرواية إلا بوصفها “جنسا” للحرية الذاتية وللتعبير عن النزوات في أشكال زخرفية. لذلك فإن نظريتهم عن الرواية كانت متجهة أكثر نحو ذلك “اللامنتهي” اللامُحدَّد، الذي يتخايل لهم في أفق تطلعاتهم الأدبية لتجاوز القائم وتحقيق المطلق ليس في الأدب وحده، وإنما في “إنتاج” الإنسان لنفسه كذلك. ” ([31])
ولا يخفى أن خلود الفن والأدب علامة كبرى على انطوائه على مضامين إنسانية باقية صادفت خصائص أسلوبية ملائمة.
وهذه الصفة التي نالها الأدب الرفيع، وهي الخلود، وثيقة الصلة بالأثر الذي يُحدِثه لدى المتلقي، وهو أثر إيجابي، بالطبع، يُشرك المتلقي في إنتاج النص، كما يبعث فيه اللذة. يقول طودروف: ” فمن المؤكد أن هذا الاسم [الأدب] أو ما يجري مجراه استعمل دائما للدلالة على كلام يبعث اللذة أو يثير الاهتمام لدى سامعه او قارئه ويكون الخلود مصيره، وبناء على ذلك فهو قول أكثر صناعة من الكلام العادي. “([32])
والأدب من قبلُ داخلٌ في مفهوم “الشعرية” عندما يتسع هذا المفهوم لدى بعض الأسلوبيين والألسنيين، ويشمل كلَّ ما هو جماليٌّ، كما يقول جون كوين:” لكن اليوم وعلى الأقل عند جمهور المثقفين أخذت الكلمة [الشعرية] معنى أكثر اتساعا على أثر تطور يبدو أنه بدأ مع الرومانتيكية، ويمكن تحليله بصفة عامة على الطريقة الآتية..هكذا أصبحت كلمة” الشعر” تعني التأثير الجمالي الخاص الذي تحدثه “القصيدة”. ومن هنا اصبح شائعا أن نتحدث عن “المشاعر” أو “الانفعالات الشعرية” بعد هذا، ومن خلال تردد استخدام هذه المصطلحات أصبحت كلمة “الشعر” تطلق على كل موضوع يعالج بطريقة قنية راقية، ويمكن أن يثير هذا اللون من المشاعر، أطلق أولا في الفنون (شعر الموسيقى، وشعر الرسم..إلخ) ثم
على الأشياء الطبيعية كتب فاليرى Valery : نحن نقول عن مشهد طبيعي : إنه شعري، ونقول ذلك أيضا عن بعض مواقف الحياة، وأحيانا نقول عن شخص ما: إنه شعري، ولم يتوقف المصطلح عن الاتساع منذ تلك اللحظة، وهو يغطي اليوم لونا خاصا من ألوان المعرفة، بل بعدا من أبعاد الوجود” ([33])
وبالإضافة إلى الأدب يمكن أن يستظل بهذه المظلة الكبرى كلُّ ما هو جميل، أو ما يمكنه أن يتحلى بمسحة من جمال.
وبعد هذه الصفة الجمالية العامة، فإن الأدب يشترك مع الشعرية في سمة أكثر خصوصية تتعلق بآلية الاختيار والتأليف، فـ “الوظيفة الشعرية تسقط مبدأ التعادل المحوري للانتخاب على محور التأليف” ([34]) فهنا انتقائية في المفردات وقصدية في التأليف وفق النسق المعتمد. فـ”اللغة الأدبية خاصة محملة بقصدية دائما. والمقصود ليس أن نقول الأشياء فقط، ولكن لكي ننتج انطباعا جماليا وشعريا وجذابا” ([35])
وتخضع لهذا الاختيار والتأليف عناصر لغوية صوتية وتركيبية تراعي الدلالة وتقصد إلى الجمال.
وكاد الأدب، أو كان بهذا الاحتفال الجمالي يترفع عن كل ما هو خارجي مكتفيا بذاته ونظامه المتسق، يقول طودروف: ” لقد توقفت مفاهيم التمثيل والتقليد عن دورها المهيمن لتعوّض في قمة الهرم بالجميل، وكل ما ارتبط به من غياب الغائية الخارجية والانسجام المتناغم بين أجزاء الكل وعدم قابلية العمل للترجمة كل هذه المفاهيم اتجهت نحو استقلالية الأدب وأفضت إلى تساؤل حول مميزاته الخاصة..” ([36])
وهنا نتوقف عند ملمح مهم في الأدبية، وهو عدم القابليّة للترجمة، ليس بمعنى أن الأعمال الأدبية لا يجوز أن تُترجم، ولكن بمعنى أنها تفقد قليلا أو كثيرا من أدبيتها حين تُترجم، لا محالة.
وهذا المعيار، وهو استعصاء الأدبيّة على الترجمة من المعايير الفَرقية، قريبا مما اعتمده الشكلانيون الروس الذين استبعدوا جميع التعاريف التي تصف الأدب بأنه (تعبير)، أو (محاكاة) أو مزيج بينهما، وعرّفوا الأدب تعريفاً فرْقياً، وأنه: – يتكوّن من الفروق التي بينه، وبين نظم الواقع- ؛ وأن علمه، أو دراسته هي مجموعة من (الفروق)، هي كما يقول ايخنباوم (الخاصيات) التي تميز الأدب عن أية مادة
أخرى” ([37])
وفيما عدا هذه الفروقات فإن الأدب وَفقا للشكلانيين الروس يمكن أن يتصالح مع عناصر غير أدبية، فهم” كما ظلوا يتجنبون مواقف (الفن للفن)، والتي كانوا يرونها متصلبة، مؤكدين دائماً على (الأدبية)، وأنها تسمح بمصافحة عناصر غير أدبية، دون أن يؤدي ذلك إلى نبذ الخصوصية التي لهذه الأدبية، المهم هو استقلال الوظيفة الأدبية، هذا الاستقلال الذي يسوّغ قيام علم أدبي”.([38])
وفي هذا الجزئية التي تتوخى الوصل بين الأدب وغيره ” يُدرج [طودوروف] الشعرية ضمن العلوم التي تهتم بالخطابات، وتتخذ الدليل في مختلف تجلياته موضوعا لدراساتها. ثم يؤكد على صلة الأدب من حيث هو خطاب متميز بالخطابات والممارسات الرمزية الأخرى مثل الخطابات الفلسفية والسياسية والدينية والمنطوق اليومي والسينما والمسرح، إلخ .. ويصهر كلَّ ذلك في إطار المشروع الشعري العام: إنتاج علم الخطابات مهما تعددت، وعلم شروط إنتاج المعنى مهما بدت متغيرة” ([39])
وحصيلةً لهذه العناصر التعبيرية الأدبية تتربع “الاحتمالية” أو” التعددية” سمةً مهمة، ونتيجةً مقصودة للمبدع، “حيث ينهض النص إلى أبعد من مستويات تركيبه اللغوي والبلاغي إلى تعدد قابليّات تأويله، أو انفتاحه على مرجعياته ومفرداته الغائبة.”([40])
وبهذه الاحتمالية يكتسب النص – مع عوامل أخرى- صفةَ الخلود، و “تصبح مسألة التعددية بالمقابل واردة مع سمَّاه القدماء بالتفسير المجازي( وما نسميه ببساطة:النقد) …فكل عمل تعاد كتابته من طرف قارىء يفرض عليه منظورا تأويليا … هذا التأويل من حيث هو ترجمة وفهم هو شرط لبقاء النص القديم على قيد الحياة، ولكنه أيضا شرط لبقاء الخطاب الحالي، ومن ثم لا يكون التأويل صحيحا أو خاطئا، لكن يكون غنيا أو فقيرا خصبا أو عقيما فاتنا أو لا ) ([41])
وبهذا نميِّز بين الدَّال الهادف إلى المدلول والدَّال الذي يتوخى مدلولا أولا يفضي بدوره إلى مدلول ثان، وذلك عن طريق ” قضايا الإيحاء والاستعمال اللعبي للغة واعتماد الاستعارة” ([42]) وعن طريق الكناية، وإيحاءات الألفاظ.
ولهذه الأسباب التي هي إمّا في النص متعمدة كالمجاز، وإمّا خارجه كالسياقات المختلفة والنصوص السابقة المختلفة التي تتدخل على نحو أو آخر في فهمه وتأويله، تتعدد دلالات النص الأدبي واحتمالاتُه. إن النص الأدبي إذن، يتيح لقارئه أن تكون قراءته فاعلة، وأن يكون قارئا فاعلا، مشتركا في خلق الدلالة، لا سلبيا، مِرآويا. وصفا محضا للأعمال.
وينماز النص الأدبي بوصفه فنّا من الفنون بالعناية بالنَّسق الذي لا يقتصر دورُه على الناحية الجمالية بل يندغم في بناء النص الدلالي الكلي والجزئي، “وقد قام رومان ياكبسون بالدراسة الأدق للنظام المكاني فبيَّن في تحاليله للشعر أن كل طبقات الملفوظ بدءاً من الفونيم وسماته التمييزية ووصولا إلى المقولات النحوية والمجازات يمكن أن تندرج في انتظام مركب حسب تناظر أو تدرج أو تناقض أو توازٍ إلخ…مشكَّلة بمجموعها بنية فضائية حقيقية. ” ([43])
ومن التقنيات الشكلية المهمة الجديرة بالتحليل افتتاحية النص، وتقابلها الخاتمة، و “إن قضية افتتاح الخطاب قضية هامة، كشفت عنها وعالجتها جيدا على المستوى التداولي البلاغةُ القديمة والكلاسيكية: لقد قدمت قواعد غاية في الدقة لافتتاح الخطاب. وفي رأيي أن هذه القواعد مرتبطة بالإحساس بوجود حُبْسة متأصلة في الإنسان، وأن الكلام صعب، وأنه ربما ليس هناك ما يُقال، ونتيجة لذلك يلزم مجموع من الترتيبات والقواعد عما ينبغي قوله. إن الافتتاح منطقة خطرة في الخطاب: ابتداء الخطاب فعل عسير؛ إنه الخروج من الصمت” (([44]
وأما الخاتمة فإنها تكتسب أهميتها من كونها آخر ما يتركه المبدع، فهو يرتضي بعده الصمت، دلاليا وجماليا، وهو من جانب المتلقي آخر ما يطرق سمعَه، أو يقرُّ في ذهنه.
أهمية اللغة الإعلامية في تكريس الذائقة اللغوية والكلامية
قد يكون من التزيُّد التفصيلُ في أهمية الإعلام للكلام المنطوق والمكتوب؛ نظرا لشيوع تأثير هذه الخطابات الإعلامية، على حساب القراءات الأخرى من علمية وأدبية، ومن بين تلك الأشكال الإعلامية يطغى “التلفزيون” على مِساحة واسعة لدى المتلقين، بحكم طبيعة الوسيلة التي يعتمدها أولا، وهي الصورة، ثم الكلمة المرافقة للصورة. يقول الغذامي:” ولقد جاءت الصورة لتكسر ذلك الحاجز الثقافي والتمييز الطبقي بين الفئات، فوسّعت من دوائر الاستقبال وشمل ذلك كلَّ البشر، لأن استقبال الصورة لا يحتاج إلى إجادة القراءة، وهو في الغالب لا يحتاج إلى الكلمات أصلا” ([45])
و”ذهب قسم من اللغويين المعاصرين إلى أن وسائل الإعلام بصفة عامة، والصحافة بصفة خاصة كان لها دور في تجديد اللغة العربية، ” ومن هؤلاء عضو مجمع اللغة العربية عبد الله كنون الذي ألف كتابا عنوانه ” الصحافة وتجديد اللغة” أشار فيه إلى أن أكبر تطور عرفته لغتنا العربية في عصرنا الحاضر كان على يد الصحفيين ومحرري الصحف، وهذا التجديد في اللغة الذي نجده في عمل الصحافة، كما يشير إلى ذلك كنون، هو تطوير لها باحتضان ما جدَّ من المعاني والأفكار من غير تبديل ولا تغيير في القواعد والأحكام.. وتلك هي البراعة في الأداء والمقدرة في التعبير اللتين أوجدتهما الصحافة ولغة الصحفيين” ([46])
وفي المقابل تُنذر لغةُ العصر الحديث، وفي القلب منها لغةُ الإعلام، باضمحلال مفردات اللغة وغياب سحرها، والاقتصار على مفردات مستهلكة ومبتذلة.
يقول أنسي الحاج :” بين الأميّة الجديدة المقنَّعة بحجج السرعة والتكنولوجيا والمدنيَّة السمعية البصرية والانحطاط العضوي الذي يفترس اللغة تصل هذه إلى حافة الاضمحلال. الاضمحلال الكمِّي- إذ كثير من اللغات إن لم يكن كلها يشهد تضاؤلا مطَّردا في مفرداتها المستعملة- والاضمحلال النوعي، حيث فقدت الكلمة ما كان لها من حيوية وفعل ناهيك بالسحر. ويخشى إذا لم يعالج مد الأمية الجديدة أن يجيء يوم لا تعود فيه أذن الإنسان تسمع من كلام “شعريّ” غير ذلك المقدم في الإعلانات التلفزيوني منها بنوع خاص” ([47])
فمع هذا الاتساع في نفوذ وسائل الإعلام، ولا سيما الإعلام الحديث والمرئي، وازدياد الخطورة على جماليات اللغة وثرائها الدلالي والإيحائي، تزداد الحاجة بالمقابل إلى استنقاذ اللغة من البرمجة الإلكترونية التي تأتي على شعريتها بمعنى الشعرية الواسع؛ حتى لا تنتقل العدوى إلى الدماغ البشري فيتبرمج ويفقد طاقته الإبداعية المتجددة والمدهشة. “يقول البروفسور “هوريكاوا” :” إن التلفزيون قد حلَّ محل الأدب والتفكير، وبالتالي استطاع أن يقلص النشاط الفكري، إنه يقدم حلولا جاهزة لجميع مشكلات الحياة” ([48])
نحن بحاجة، إذن، إلى تأديب الخطاب الإعلامي، بما لا يمسُّ غائيّةَ هذا الخطاب وخصوصياته.
الإعلام واللغة وشكل العلاقة
ثمة من يرى بأن الإعلام يُخضعُ اللغةَ العربية في الوقت الراهن بأزيد مما يَخضَعُ لها، يقول الدكتور عبد العزيز التويجري:” فإن اللغة في الإعلام تختلف، من وجوه كثيرة، عنها في تلك الحقول من التخصصات جميعاً، فهي في موقف ضعف أمام قوة الإعلام وجبروته، فقلما تفرض اللغة نفسَها على الإعلام، وإنما الإعلام هو الذي يهيمن على اللغة، ويقتحم حرمها، وينال من مكوّناتها ومقوماتها، فتصبح أمام عنفوانه وطغيانه، طيّعة لينة، تسير في ركابه، وتخضع لإرادته، وتخدم أهدافه، ولا تملك إزاءه سلطة ولا نفوذاً.” ([49])
مع أن هذا الرأي لا يعدم الدلائل من تعبيرات لغوية خاطئة كان الإعلام السبب في شيوعها، إلا أن العربية، بما تنطوي عليها من مقومات البقاء والتجدد الذاتي، قادرةٌ على وضع حدٍّ لهذا الخضوع السلبي، بل، إنها قادرة على عكس اتجاهه، إلى تأثيرها هي فيها. وهنا يدعو الباحث نفسُه إلى الانتفاع المتبادل بين اللغة والإعلام. يقول:” ولكن هذه الخطورة لا تمنع من معالجة الخلل وتطهير البيئة اللغوية من التلوث، وإفساح المجال أمام تنمية لغوية يُعاد فيها الاعتبار إلى الفصحى، وتستقيم فيها حال اللغة، بحيث تقوم العلاقة بينها، وبين الإعلام على أساس سليم، فيتبادلان التأثير في اعتدال وفي حدود معقولة، فلا يطغى طرف على آخر، بحيث تبقى اللغة محتفظة بشخصيتها، ويظل الإعلام يؤدي وظيفته في التنوير والتثقيف والترفيه النظيف، فيتكامل الطرفان وينسجمان، فتصبح اللغة في خدمة الإعلام، ويصبح الإعلام داعماً لمركز اللغة.” ([50])
ولكن التويجري كان من الداعين إلى الحفاظ على مسافة بين لغة الأدب والإبداع، من جهة ولغة الإعلام من الجهة الأخرى، فتحدَّث عما سمَّاه “الشروط الموضوعية لتنمية اللغة” ” وكان منها ” أنْ يُحتفظ بمساحات معقولة بين لغة الخطاب اليومي عبر وسائل الإعلام جميعاً، وبين لغة الفكر والأدب والإبداع في مجالاتهما، بحيث يكون هناك دائماً المثل الأعلى في استعمال اللغة، يتطلع إليه المتحدثون والكتّاب على اختلاف طبقاتهم، ويسعون إلى الاقتداء به، ويجتهدون للارتفاع إليه، فإذا عدم هذا المثل الراقي حلَّ محله مثلٌ أدنى قيمة وأحط درجة، لا يربِّي ملكة، ولا يصقل موهبة، ولا يحافظ على اللغة، إن لم يسىء إليها ويفسدها. ” ([51])
ثم هو يشرح النتيجة السلبية الممكنة من انتشار اللغة عن طريق الإعلام، فيقول:” وبيان ذلك أن ثمة نوعاً من الخداع في الظاهرة موضع البحث[ الانتشار المستمر للغة العربية]، لأن لها مستويين؛ أولهما إيجابي، وثانيهما سلبي، فالإيجابي يتمثـّل في انتشار اللغة العربية على أوسع نطاق في هذا العصر، والسلبي يكمن في أن الرضا بمستوى اللغة والركون إلى وضعها الحالي، يورثان حالة من الاطمئنان والقبول والتسليم بالأمر الواقع، مما يتسبَّب في العزوف عن تراث اللغة والزهد في رصيدها على النحو الذي قد يؤدي، إذا ما استمرت الحال على ما هي عليه اليوم، إلى ما يشبه القطيعة مع الثقافة العربية الإسلامية في مصادرها وأصولها.” ([52])
فدعوةُ التويجري هنا إلى أبقاء الحدِّ واضحا بين لغة الأدب ولغة الإعلام مدفوعةٌ بخشية أنْ تحل اللغةُ الإعلامية محلَّ الأدب أو تحجبه، وهي بلا ريب ولا جدل، لا تصلح لهذه المكانة، ولا تسد هذا الخلل؛ فللأدبُ مَظانُّه التي تلبي ذائقة المتأدبين، وتفي باحتياجات الأدباء المبدعين.
ولكننا نحتاج إلى الإقرار، أولا، بحاجة اللغة الإعلامية إلى قدر من “الأدبيّة” وأنَّ هذا المقدار يجب أن ينضبط بما لا يُعطِّل، أو ينتقص من وظيفتها الإعلامية، وحينئذ كذلك لن يُخشى على الوظيفة الإعلامية فقط، بل إنه لن يخشى، كذلك، على الأدب أن تتقمصه اللغةُ الإعلامية، أو تحجبه. ولذلك تمسُّ الحاجة إلى لغة إعلامية متأدبة مترقيّة ومُرقيّة للذوق اللغوي؛ نظرا لهذا الشيوع والتأثير الواسع النطاق.
وفي مرونة العربية وغنى خصائصها الخادمة للإعلام، والحامية للغة نفسها منه، كذلك، يفيد البحثَ إيرادُ ما قاله الدكتور علي عبد الواحد وافي في كتابه “فقه اللغة إلى أن اللغة العربية تتوافر على عاملين، لم يتوافرا لغيرها من اللغات السامية:
فـ”قد احتفظت العربية بأكبر قدر من مقومات اللسان السامي الأول، وبقي فيها من تراث هذا اللسان ما تجرَّدت منه أخواتُها السامية، فتميزت عنها بفضل ذلك بخواص كثيرة، يرجع أهمها إلى الأمور الثلاثة الآتية:1- أنها أكثر أخواتها احتفاظًا بالأصوات السامية..2- أنها أوسع أخواتها جميعًا، وأدقها في قواعد النحو والصرف..3- أنها أوسع أخواتها ثروة في أصول الكلمات والمفردات..” ([53])
فاللغة العربية تتسم بمرونة أساليبها، وغنى مفرداتها؛ ما يتيح للمتكلم بها، خياراتٍ أسلوبيةً عدة، يتمكن بها من التعبير عن مختلف الأفكار والحالات الوجدانية. واللغة كذلك تتوفر على تراث لغوي عالٍ ورفيع، لا يزال أخّاذا وجذابا، وعلى رأسه القرآن الكريم، ثم التراث الشعري والنثري الفني الحي من لدن عصر الأدب الجاهلي مرورا بالعصر الإسلامي والأموي والعباسي، وحتى اليوم.
فإذا توفرت بيئةٌ لغوية فصيحة فإن ذلك يسهم في تعميم هذا المستوى الكلامي لينتفع به غير المتخصصين بها، أيضا . يقول الدكتور إبراهيم مصطفى وزملاؤه:” إن أفضل طريقة لتعليم اللغة وأيسرها وأقربها إلى مسايرة الطبيعة، هي أن نستمع إليها فنطيل الاستماع، ونحاول التحدث بها فنكثر المحاولة، ونكل إلى موهبة المحاكاة أن تؤدي عملها في تطويع اللغة وتملكها، وتيسير التصرف بها، وتلك سنة الحياة في اكتساب الأطفال لغاتهم من غير معاناة ولا إكراه ولا مشقة، فلو استطعنا أن نصنع هذه البيئة التي تنطلق فيها الألسن بلغة فصيحة صحيحة، نستمعها فتنطبع في نفوسنا، ونحاكيها فتجري بها ألسنتنا، إذًا لملكنا اللغة من أيسر طرقها، ولمهَّد لنا كلَّ صعب في طريقها.”([54])
نقاط الافتراق في الخطاب الإعلامي والخصوصية
فما خصوصية الخطاب الإعلامي؟ وما السمات الأدبية التي بعد استثنائها يمكن له التواشج بها والتداخل مع اللغة الأدبية، والإفادة من معطياتها؟
قد يكون الخطاب الإعلامي أقرب إلى بعض السمات المهمة في البلاغة القديمة، وهي الإيضاح والإقناع، متباعدا عن عدد من السمات، كالاحتمالية والتغريب والغموض، وتقصُّد التفاوت في الخطاب إلى أن يصل إلى النُّخبوي، كما يتباعد الأدب والشعر عن لغة الإعلام تباعدا واسعا في انطاق كل منهما فنطاق الأول هو الخيال، ولا حرج عليه مهما أوغل في الخيال، ولكن مجال الثاني هو الواقع، مع درجات محتملة من الخيال أحيانا، يقول طودوروف: ” فليس الأدب كلاما يمكن، أو يجب أن يكون، خاطئا بخلاف كلام العلوم. إنه الكلام الذي يستعصي على امتحان الصدق. لا هو بالحق ولا هو بالباطل. ولا معنى لطرح هذا السؤال. فذلك ما يحدد منزلته أساسا من حيث هو “تخيُّل” ([55])
ورسالة الإعلام بعيدة، من حيث الطبيعة، عن رسالة الشعر، فالإعلام رسالته خارجية، أما الشعر والأدب فقد ينقطع عن الغاية الخارجية، ويكتفي بذاته؛ فيكتسب صفةَ الغموض، يقول رومان ياكبسون:” إن الغموض خاصية داخلية، ولا تستغني عنها كل رسالة تركز على ذاتها، وباختصار فإنه ملمح لازم للشعر” ([56])
لكن مع ذلك، فهذا الحكم ليس باتّاً؛ ذلك أن المواد الإعلامية متنوعة، من الخبر إلى التقرير إلى القصة الصحفية، فما لا يتقبله الخبر قد يتقبله التقرير، أو القصة الصحفية.
وفي البدء يقف الإيضاح لدى الصحفي، والاتضاح عند المتلقي قيمةً أولية في الخطاب الإعلامي فـ” الوضوح- الدقة والرموز مهمان جدا كأدوات تساعد على شرح الأمور، ولكن الشرط الأساسي للقدرة على التوضيح هو أن يفهم المُخبرُ الصحفي نفسُه الأمر الذي يحاول إيضاحه” ([57])
غير أن هذه القيمة الإيضاحية مفتقرة كذلك إلى الجاذبية ” ويقصد بها أن تكون الكلمة قادرة على الحكي والشرح والوصف بطريقة حية ومُسليَّة ومشوِّقة، فلا وجود لجمهور يتوق إلى الاستماع أو المشاهدة أو القراءة لمضمون جاف خالٍ من عوامل الجاذبية والتوشيق” ([58])
وهناك إقرار بأهمية الأدوات المجازية والكنائية للغة الإعلامية، يؤكد هذا المعنى فشتيليوس عند حديثه عن الكناية والمجاز ” على الصحفي أنْ يتعلم كيفية التعامل مع الأدوات الكلاسيكية للبلاغة، حتى عندما يعدُّ فقرات إخبارية قصيرة. الكناية جزء يمثل الكل. لا يمكن عرض كل شيء على شاشة التلفزيون، بل إننا نعرض أجزاء يترجمها المشاهد إلى كل. إننا نحث بواسطة الصوت والصورة على إعادة صياغة الواقع.” ([59])
وهذا يتقاطع مع النظرية الأدبية التي تتعمد تركَ مساحة للمتلقي الواعي؛ كي يشارك في تشكيل المعنى، وإعادة إنتاجه، غير أن الموجِّهات الإعلامية أكثر تحديدا، بطبيعة الحال، بخلاف الأدوات الأدبية والشعرية التي لا تتأثر، مهما تعددت القراءات أو تباعدت، بل إنها تُعنى بذلك.
ومما يفيد في توضيح حاجة الخطاب الإعلامي إلى “الأدبيَّة” التي تتجاوز مجرَّد الإيضاح والإقناع، أن الرسالة الإعلامية معنيَّةٌ بالتواصل، بل معنيَّةٌ بإدامته فـ” صيغة إقامة الاتصال (التي كشف عنها ياكبسون) ووظيفتها هي استرعاء الانتباه والحفاظ على الاتصال”([60]) نسق سردي مهم، وهي في الوقت نفسه في صلب الرسالة الإعلامية، ويتوخاها الخطاب الإعلامي.
وهذه الغاية، وهي الحفاظ على استرعاء الانتباه، وعلى الاتصال تتطلب فوق الخبرة المشتركة والوسط الثقافي المشترك، لغةً جاذبة على مستوياتها كافة.
و” أصبحت اللغة الإعلامية تفضل أن تكون مفرداتها خالية من ازدواج المعنى والغموض” ([61] ) ففنون التورية و الهالات الانفعالية حول الألفاظ وغيرها من فنون الأدب التي تؤدي المعاني وخاصة في الشعر بعيدة تماما عن لغة الإعلام؛ لأنها تقطع تيار الاتصال الذي يجب أن يظل مجراه صافيا نميرا، بحسب الدكتور عبد العزيز شرف.
وبعد تأكيد الوظائف الرئيسة للغة الإعلامية، وهي” الإخبار أو الإعلام والتفسير أو الشرح والتوجيه أو الإرشاد والتسلية أو الإمتاع والتسويق أو الإعلان والتعليم أو التنشئة الاجتماعية” ([62]) يمكننا الإفادة من دراسات علم اللغة، كما يفصِّل شرف، قائلا : ” ونخلص مما سبق إلى أن اللغة الإعلامية يمكن أن تفيد من دراسات علم اللغة بفروعه المختلفة، وما تهتدي إليه من ظواهر لغوية، وما تكشفه من بحوث فنية تفيد في دراسة لغة الإعلام وتهذيب ألفاظها وتوسيع نطاقها، وترقية مفرداتها وإدخال مفردات جديدة على مفرداتها، وتدعيم خصائص هذه اللغة الإعلامية من تبسيط وسلامة ووضوح واقتراب شديد من لغة الحديث الواقع الحي المثقف دون إسفاف أو هبوط إلى العامية.. واستخدام اللغة العملية التي تعبر عن الحياة والحركة والعمل والإنجاز هي اللغة الإعلامية المؤثرة حقا” ([63])
بل إنه يتوسع في الإفادة من الفنون بصفة عامة، كون اللغة الإعلامية فن من الفنون، وتتحاور مع خطابات معرفية متنوعة:” وليست اللغة الإعلامية مرتبطة بعلوم اللغة والاتصال بالجماهير، فحسب، بل إن بحوثها متصلة كذلك بشواهد وأدلة متكاملة تقدمها المصادر العديدة في الفلسفة وعلم النفس والفنون والبلاغة والأدب وعلم الاجتماع والسياسة وعلم النفس الطبيعي والنماذج النظرية وآثار الاتصال ونتائجه” ([64])
ويُجمل ببيان نوع العلاقة بين اللغة الإعلامية وعلم اللغة بأنها” علاقة تأثير وتأثُّر..” ([65])
لكن “شرف” يرفض أن تفرِّط الصحافة بملامحها، ولا سيما لصالح ما يمكن أن نسميه شكليات البلاغة، يقول :” ففي الصحافة المصرية الحديثة نلاحظ أنها ورثت عند ظهورها في القرن الثامن عشر عن القرون السابقة أسلوبا عتيقا يميل إلى التكلف ولغة ركيكة تميل إلى البهرجة، ثم أخذ هذا الأسلوب يتخلى شيئا فشيئا عن هذا التكلف… فوجدنا أنفسَنا أمام كتاب يميِّزون بين الأسلوب الأدبي والأسلوب الصحفي، وأخذ الفن الصحفي في التبلور والتطور، حتى وقتنا الحاضر.” ([66])
وهذا لا يعني قطع الصلة بين لغة الصحافة والأدبية بمعناها الجمالي العميق، بل هو يتحاشى السمات السطحية التي تثقل النص الإعلامي كما تثقل حتى النص الأدبي إذا لم تكن مكونا أصيلا من مكونات الصورة، أو رافدا من روافد التأثير والإيحاء.
ومما يؤكد بقاءَ صلةٍ لازمة بين لغة الإعلام والأدبية، أو حتى الشعرية أن الإعلام يخاطب في الإنسان الجانبَ المعرفي الذهني، كما يخاطب الجانب الإنساني الوجداني، وهو في اللغة العربية يخاطبه بلغة لا تنفكُّ عن الشعرية، والمجاز، حتى ذهب ابن جني إلى أن اللغة أكثرُها مجاز، ووصف العقاد العربية بأنها لغة شاعرة، فكل مادة تكتب بها معرَّضة بدرجة أو بأخرى إلى هذه الشاعرية، يقول: ” إن اللغة العربية وُصفت قديما وحديثا بأنها لغة شعرية، ثم قلنا إن الذين يصفونها بهذه الصفة يقصدون بها أنها لغة يكثر فيها الشعر والشعراء، وأنها لغة مقبولة في السمع يستريح إليها السامع، كما يستريح إلى النظم المرتل والكلام الموزون، كما يقصدون أنها لغة يتلاقى فيها تعبير الحقيقة وتعبير المجاز على نحو لا يعهد له نظير في سائر اللغات” ([67])
سمات “الأدبيَّة” في تقارير عبد الهادي
كان الباحث كتب مقالا بعنوان ” اللغة والإعلام بين الوفاق والشقاق” دعا فيه إلى مزيد من التفعيل للغة، بما تنطوي عليه من خصائص التجدد والجاذبية، في الخطابات الإعلامية. ([68])
كما لفت الباحث فخري صالح في مقال له بعنوان:” التقرير الصحفي واتساع حدود الأدب” إلى تطور أسلوب التقرير الصحفي الذي تبثه الفضائيات العربية، وأن بعض الإعلاميين لم يعد يكتفِ بتقديم جرعة من المعلومات والوقائع، بل صار يهتم بالأسلوب واللغة الرمزية والطاقة المجازية التي تضيء الحدث وتوسع أفقه، وتسلط الضوء على المعنى الرمزي الذي يتضمنه الحدث، وضرب أمثلة على ذلك بتقارير ماجد عبد الهادي وزياد بركات. ([69])
واستمرارا لهذه الاتجاه يحاول البحثُ تسليطَ الضَّوْء على سماتٍ أدبية جمالية توفرت في تقارير الصحفي في قناة الجزيرة الفضائية ماجد عبد الهادي.
ويتناول البحث ثلاثة تقارير لعبد الهادي، الأول عن السوريين الذين قُتلوا بالغاز الكيماوي، “كأنهم نيام” ([70])
والثاني عن الأسرى الفلسطينيين، لدى الاحتلال الإسرائيلي، ([71]) والثالث عن أسباب قيام “الثورة السورية” ([72])
يمكن أن نلحظ في تقارير عبد الهادي مجموعةً من السمات الأدبية، آخذين أو جامعين بين السمات القديمة والحديثة.
الإيضاح
ولعلَّ من أبرز تلك السمات الإيضاح، وهي السمة المركزية في لغة الإعلام، هذا الإيضاحُ يتبدّى في نبرة الصوت، وفي اختيار المفردات الواضحة الدلالة والبسيطة المأنوسة التي تصل دلالاتُها إلى عامة المتلقّين، وهذا الإيضاح المنسحب على التراكيب والجمل البسيطة غير المعقدة والجمل القصيرة التي لا يتباعد فيها طرفا الإسناد من فعل وفاعل أو من مبتدأ وخبره، كما في التقرير الأول:” هل قال: يا رب ؟ هل قام فعلا؟ أم تراه مات كما مات مئات سواه؟” والثاني:” العدل هو المطلوب، لا من الدولة المحتلة، بل من العالم، يقول الأسرى الفلسطينيون، ومن يتضامنون معهم في حملةٍ تنهمر فيها دموع مدرارة، وتتسع أيضا لبعض كوميديا” وفي الثالث:” تلفَّت الأب المفجوع حينها؛ بحثا عن طوق نجاة لمستقبل سلطته، وتذكّر أنَّ له ابنا ثانيا يدرس الطب في لندن؛ فأمره بالعودة إلى دمشق؛ ليحل محل شقيقه القديم، هكذا تعرَّف السوريون على بشار الأسد”.
وفي الثالث أيضا:” تدفق الشبان الى الشوارع مطالبين بالإصلاح؛ فواجهتهم السلطة بالرصاص، وقتلت المئات منهم”. فنحن أمام جمل بسيطة، واضحة العلاقات، تتنوع بين اسمية وفعلية يغلب عليها الخبرية، بالطبع، ولا تخلو من بعض جمل إنشائية.
وعلى الرغم من أن قسما من الجمل كانت تطول نسبيا إلا أنها ظلت بعيدةً عن التعقيد، وكانت تتسلسل وَفق علاقات نحوية حالية أو وصفية ما يجعلها شديدة الاتصال، وأحيانا ترفع درجة التوقع والترقب، كما في :” تكتشف الطفلة، وهي تحت وقع هلوسات الغاز الكيماوي الذي تسرّب إلى رئتيها ورأسها، أنها ما زالت على قيد الحياة” فهنا توسطت الجملة الحالية:” وهي تحت وقع هلوسات الغاز الكيماوي الذي تسرَّب إلى رئتيها ورأسها” بين الفعل والفاعل من جهة والمفعول به من الجهة الثانية، ولكن هذه الجملة الحالية التي تفيد الراهنيّة، وتصور هيئة الطفلة المأساوية البالغة التأثير، لا تقطع الجملة إلا لتطيل أمد المفاجأة المتسبِّبة عن تصدير الجملة بالفعل الشائق:” تكتشف”.
وأحيانا كانت تطول الجمل؛ لأنها تنطوي على جمل صغيرة تحمل معنى ضروريا، جدليا، أحيانا، يُسهم في إكساب النص حركية وحيوية:” ويتواطأ معها المجتمع الدولي، أو يتخاذل وفق رأيهم في الأٌقل، عن الانتصار لحقوقهم، بل لقيَمه الإنسانية النظرية ولضميره الغائب عمليا”
وكذلك: ” بل لأن شروط ما يسمّيه الساسة باللعبة الدولية في حاضر العالم الذي يسمي نفسه بالحر، ما زالت تحول، حتى الآن، دون الوصول إلى هنا للتحقيق فيما يحدث” فهنا تتماثل اللغة بجملها المتداخلة مع الواقع المتراكب المعقد.
ولا يخفى الوضوح على صعيد المفردات المختارة، فهي تناسب الفئات المختلفة ثقافيا، وما تضمنته من كنايات أو استعمالات مجازية معروف لعامة الناس، كما في قوله:” تلفَّت الأب المفجوع حينها؛ بحثا عن طوق نجاة لمستقبل سلطته”.
الافتتاحيات
يمكن أن نبدأ بالجمل الافتتاحية؛ لما لها – كما تقدَّم- من أهمية دلالية وجمالية، كذلك يمكن أن نلحظ عناية عبد الهادي بالجملة الاستهلالية التي لها دورٌ مهم في شق الصمت، وجذب السامع والمتلقي، وكما قال بارت عن المقدمة وأهميتها قديما وحديثا وخطورتها وعناية المبدعين والأدباء بها.
ففي التقرير الأول بدأ بقوله:” تكتشف الطفلة، وهي تحت وقع هلوسات الغاز الكيماوي الذي تسرب إلى رئتيها ورأسها أنها ما زالت على قيد الحياة” وفي الجملة الأولى:” تكتشف الطفلة..” تصديرٌ بالفعل المضارع الأقدر على استحضار المعنى والحدث براهنيته وطزاجته، هذا من حيث الشكل، وأما من حيث الدلالة فإن (الاكتشاف) يفتح أفقَ التوقع، ويضفي غموضا وتشويقا، وتأتي المفارقة حين نقع على الأمر الذي تكتشفه: تكتشف أنها “ما زالت على قيد الحياة” بداية تتساوق مع الحدث الجلل، ومع الصورة التي تعرض طفلة بين الحياة والموت، تتساءل، أو تؤكد لنفسها:” أنا عايشة! أنا عايشة!”
ويبدأ التقرير الثاني بـ ” خلف غبار البحث الصاخب عن ثلاثة مستوطنين إسرائيليين مفقودين في الأراضي الفلسطينية تغيِّب إسرائيل معاناةَ نحو خمسة آلاف أسير فلسطيني ينزفون أعمارهم في سجونها” مستهلا بجملة تصويرية حركية تستجمع عنصرَ المكان واللون والصوت، دون أن تفرط بالقيمة الخبرية للحدث، مستحضرة التضاد: الفلسطينييون الأسرى وإسرائيل المحتلة، منتهية بجملة مجازية بالغة الألم :” ينزفون أعمارهم” بالفعل المضارع المستمر ” ينزفون” وبدلالتها الانزياحية حيث الأعمار هي التي تنزف نزفا لا يتوقف.
وأما الثالث:” لا تُروى قصة الثورة في سورية دون أن تُروى قصة سورية ألأسد”.
يبدأ بجملة سردية حكائية تحاول أن تلبِّي القصدَ المعنوي، وهو أسباب الثورة السورية، تلك الأسباب الممتدة بحسب رأي عبد الهادي من لدن الوالد، حافظ الأسد إلى ابنه، بشار، هذه الجملة السردية تجمع من أولها المفارقة في المماهاة بين سورية الوطن، وسورية الأسد؛ لتشي هذه الجدليةُ بمركز الصراع، أو بالسبب المهيمن للثورة، وهو شعور الشعب السوري بالتهميش، ليس بتهميشه هو فقط، بل بتهميش بلده بكل ما ينطوي عليه من أبعاد حضارية ووجدانية يصعب اختزالها في أي أمر؛ فما بالك في اختزالها في شخص معين، أو أسرة، أو نظام؟!
الخواتم
وبعد استعراض البدايات، يتطلب البحث، بالمقابل، استعراض النهايات؛ لأنها هي التي تبقى مدوّيةً في ذاكرة المتلقي تتفاعل فكريا ووجدانيا وزمنيا بقدر فاعليتها اللغوية والإعلامية.
التقرير الأول: ” ماذا عن الخطوط الحمر التي رسمها البيت الأمريكي للأسد؟! يسأل ذوو الضحايا أو من تبقّى منهم، ويجيبون بالترحم على أبنائهم، وعلى ضمير الإنسانية في آن معا”
هذه الختامية مفتتحة بالاستفهام الاستنكاري التعجبي الذي يرِد على ألسنة الضحايا، وهي تمتزج بنبرة الحزن والمرارة التي تفضي إلى الترحم على ضمير الإنسانية، مع الترحم على أرواح ابنائهم الذين لا مُنصف لها. وفي أثناء هذه الختامية لا تغيب الجدلية من خلال التردد المقصود بين البقاء والموت، “يسأل ذوو الضحايا أو من تبقى منهم” وفّر ذلك حرف العطف” أو” الذي أفاد التشكيك المتعمد.
الثاني:” وتتسع أيضا لبعض كوميديا، يقول أصحابُها للإسرائيليين : أبناؤكم الثلاثة الذين فقدتُم أخيرا ليسوا مختطفين بل محبسون إداريا. هيّا جرّبوا الاعتقال الإداري.”
هذه النهاية المتهكمة توحي ببعض انتصار وتحدٍّ. وهي تثير جدل التعريفات الذي يرتدُّ الخلاف حولها إلى اختلاف الرؤى الكلية الفكرية والسياسية حول أصل الصراع، بين العرب والمسلمين من جهة وبين “إسرائيل” والدول الغربية التي تنحاز لها من الجهة الأخرى، كما في مثل مفردات ” الشهيد” أم “القتيل” “عملية استشهادية” أم “انتحارية” و”مناضل” أم ” “إرهابي” و”أراضٍ محتلة” أم ” متنازع عليها”، وهنا دور الإعلام بقدر قوته أن يفرض، أو يكرّس التسميات التي يريدها.
والثالث:” تدفق الشبان الى الشوارع مطالبين بالإصلاح فواجهتهم السلطة بالرصاص، وقتلت المئات منهم، كما نظمت مسيرات تهتف بشعارات: الله سورية بشار وبس وهو ما ردَّ عليه هؤلاء قائلين: “الله سورية حرية وبس” قبل أن يرددوا الهتاف العربي الأثير : الشعب يريد إسقاط النظام.”
ويمكن أن نلحظ كيف انتهى التقرير الثالث الذي افتتح بعلاقة جدلية بين سورية الوطن وسورية الرئيس أو النظام، إذ جاءت النهاية مرتدة إلى البداية كما ردُّ الأعجاز على الصدور، أو كما الصدى الذي تردد في آخر التقرير، ولكن هنا مُجسَّدا في حركيّة نامية فاعلة:” تدفق الشبان إلى الشوراع..” وظهر الانقسام العمودي مسببا عن رؤية كل طرف لسورية، مُجسَّداً على المستوى اللفظي بعد الفعلي :” الله سورية بشار وبس” يقابله:”الله سورية حرية وبس”
أسلوبيَّة السرد
يعتمد عبد الهادي على تقنية السرد؛ ما يوفر للنص جوا حكائيّا يغتني بسلطة السرد، ويزيد من تشهِّي النص، يقول بارت:” إن السرد سلعة يكون عرضها مسبوقا بـ “دعاية منمَّقة” وهذه “الدعاية المنمقة” هذا “المُشهِّي” هو عنصر من عناصر النسق السردي (بلاغة السرد). ([73])
ويكثُر في تقاريره عبد الهادي الاعتماد على ضمير الغائب الذي يرى بارت أنه [الغائب] يفوق ضمير المتكلم، وذلك بحكم أن الأول أكثر أدبية وغيابا” ([74])
والفعل الماضي المرتبط بضمير الغائب، وهي الصيغة السردية التقليدية، والأكثر شيوعا في السرد، وهذا الضمير الغائب “أيسرُها استقبالا لدى المتلقين وأدناها إلى الفهم لدى القراء؛ فهو الأشيع” ([75]). وهذا يتناسب مع لغة التقارير الإخبارية الموجهة لعامة المشاهدين.
ومزيَّةُ هذا الضمير الغائب- كما يقول مرتاض- أنه يمكِّن الساردَ من أن يغتدي أجنبيا عن العمل السردي، وكأنه مجرد راوٍ له. ([76]) ومع أن الحديث هنا عن فنِّ الرواية، إلا أن خصائص ضمير الغائب مع الفعل الماضي يبقى منها بقيَّةٌ جوهرية. وفي هذه الطريقة السردية ما فيها من حمل المتلقي على التصديق بحدوث ما يجري، وأنه أدْخَلُ في التاريخ والواقع. ([77])
وهنا تتعاضد هذه الطريقة السردية مع سائر الوسائل الأسلوبية الهادفة إلى الإقناع والتأثير في المتلقي، أو المشاهد.
ابتداء يتسرب الجوُّ الحِكائيُّ، أو يأتي صريحا في غير موضع من تقارير عبد الهادي، كما يقول في التقرير الثاني:” يصعب على أحد أن يعرف أيضا أيَّ شيء ذا أثر فعلي . لا لأن الحكاية الحزينة وقعت في مجاهل قصيَّة ذات حرب كونية غابرة، كما قد يظن المرء خطأ للوهلة الأولى”. وكما في قوله في التقرير الثالث:” “لا تُروى قصة الثورة في سورية دون أن تُروى قصةُ سورية الأسد “.
ويكثُر استخدام الضمير الغائب مع الفعل الماضي كذلك، كما في قوله في التقرير الأول:” لكن آخرين كثُر أكبر منها سنا وأصغر كانوا في اللحظة نفسها يصارعون موتا خانقا باردا قاسيا ولا فكاك منه” غير أنه هنا يلجأ إلى الفعل الماضي المستمر، أو الذي طال زمنُه في الماضي:” كانوا يصارعون” وليس “صارعوا” وهذه الدلالة هي المستفادة من هذه الصيغة في اللغة:فـ” قد يأتي بناء (يفعل) ونحوه مسبوقا بـ (كان) للدلالة على أن الحدث كان مستمرا في زمان ماض. ومجيء (كان) إلى جوار الفعل يؤلف مركَّبا يؤدي هذه الفائدة، وذلك نحو قولنا: كان النبي يوصي بمعاملة الجار بالحسنى” ([78])
لكن التقرير هنا يشير إلى حدث قريب حصل في الماضي القريب الذي لا يزال ساخنا. وعبد الهادي حريص على استبقاء هذه السخونة في الحدث:” في اللحظة نفسها”.
ويقترب السرد في التقرير الأول مما يُسمَّى بـ السرد الدائري اللولبي حيث” تبدأ القصة وتعود في النهاية إلى نقطة بدايتها، ولكن نكون قد انتقلنا إلى مرحلة متقدمة من الشعور .” ([79])
فهو يبدأ في الفقرة الأولى بعرض المشهد الصادم لطفلة لا تصدِّق هي نفسُها أنها لا تزال على قيد الحياة، مفصلا بعد ذلك، بإيراد ردةِ فعل العالَم الغائبة والمُغيِّبة للآمال:” أم تراه مات كما مات مئآت سواه، وكما مات معهم أمل ملايين البشر في هذه البقعة من العالم بإمكانية إنقاذهم ؟” وينهي بقوله:” ماذا عن الخطوط الحمر التي رسمها البيت الأمريكي للأسد؟! يسأل ذوو الضحايا أو من تبقَّى منهم، ويجيبون بالترحم على أبنائهم، وعلى ضمير الإنسانية في آن معا” .
وكذلك يفعل في التقرير الثاني حيث بدأه بتغييب “إسرائيل” نحو خمسة آلاف معتقل فلسطيني، وختمه بقوله:” أبناؤكم الثلاثة الذين فقدتم أخيرا ليسوا مختطفين بل محبسون إداريا. هيا جرّبوا الاعتقال الإداري.”
ولا تخلو أساليبه السردية مما يمكن أن نسمِّيه بتقصُّد الربط المترقِب، بالاعتماد على أدوات لغوية توفر ذلك، كما في قوله في التقرير الثالث:” وما إن ألقى الرئيس الشاب خطاب القسم، وتحدّث عن حاجة البلاد لِمَا وصفه لديمقراطية تنبثق من ثقافتنا، حتى بزغ ربيع دمشق عبر تأسيسي منتديات حوارية.”
التناصّ:
ويمكن تقصِّي نوع التناص الذي يقع في تقاريره، ومدى توفيقه في اختياراته التناصية..من حيث شيوع النصوص التي يجري معها حواره، أو من حيث نوعية مضامينها إن كانت دينية أو أدبية أو شعبية كالأمثال.
فمِن الأول:” حيث تراكمت جثث المئات من الناس رجالا ونساء شيوخا وأطفالا، بلا جروح، ولا نزف؛ حتى بدوا كأنهم نيام:” وهو هنا يتناص مع عنوان رواية الروائي اللبناني إلياس خوري ” كأنها نائمة” التي تحكي سنوات الحرب والصراع التي عاشها الفلسطينيون، خلال الأعوام الأخيرة من الأربعينات، حيث أجبر الملايين منهم على الرحيل من وطنهم، والضمير يعود في الرواية إلى ميليا زوجة منصور الذي تعرفت عليه في بيروت وعاشت معه في الناصرة، وهذه العبارة وصفت حالتها عند موتها، لتدل على تشابه الموت والنوم…وهو تناص ملائم لحالة الأطفال الذين قتلوا بالغاز الكيماوي، بما يوحي بالحياة على وجه الطفولة، والموت الصامت.
ومن الأول كذلك: “وأيا ما كان الأمر، فإن بعثة المفتشين الدوليين المقيمة على بعد بضعة كيلومترات من مسرح الجريمة لم تحاول فعل شيء” حيث يتناص في “مسرح الجريمة” مع اللغة القانونية الجنائية، ما يوحي بحضور فكرة القانون المغيّب فعليا عن المتابعة والتقصي المفضي إلى معاقبة المجرم الجاني.
وفي قوله :” ويتواطأ معها المجتمع الدولي، أو يتخاذل وَفق رأيهم في الأٌقل، عن الانتصار لحقوقهم، بل لِقَيَمِه الإنسانية النظرية ولضميره الغائب عمليا” يتناص مع اللغة النَّحوية، وضمير الغائب؛ ليحضر منه معنى الغياب، ولكنه غياب الضمير الإنساني، لا النحوي، في محاورة تتجاوز علمَ النحو إلى الأفق الإنساني الباهت.
ويلحظ الباحث أن مواضع التناص جاءت محدودة، وكلما قلَّ التناص اقترب النص من أن يصبح نصا أحادي القيمة، ومع أن ذلك لا يخلُّ بجمالية النصوص، وهي نصوص إعلامية تُعنى باللغة الإبلاغية بالمقام الأول، إلا أن تناصا أكثر مع آيات قرآنية، أو أحاديث نبوية شريفة، أو أمثال عربية، أو أبيات شعرية، من شأنه أن يوسع دائرة التلقّي، وأن يكسب النص سلطةً دينية أو أدبية، فضلا عن استثارة مخبوءات الدلالات المركوزة في تلك الأقوال الخالدة؛ لما لها من حضور في الذاكرة الجماعية.
الثنائيات الضدية
تشيع في التقارير الثنائياتُ الضدية والمقابلات؛ ما يضفي عليها جدلية حركية تتطلبها اللغةُ الإعلامية، ولا سيما في هذا النوع، حيث المادة الإعلامية تتجاوز الخبر إلى عرضه محاطا بأجوائه، وبعض خلفياته، وبعض وجهات النظر التي تصل إلى التناقض. ففي التقرير الأول:” اكتفت قيادة جيشها بالنفي، بينما ردد أنصارُها ومتحدثون غير رسميين باسمها اتهامات للمعارضة المسلحة بالمسؤولية عن المذبحة التي زاد عدد ضحاياها على ألف “…في المقابل قال أنصار المعارضة إنها لو كانت تملك الأسلحة الكيماوية فعلا، وأرادت استخدامها لاستخدمتها ضد المناطق الموالية لنظام حكم الرئيس بشار الأسد في ريف اللاذقية لا ضد المناطق الموالية لها هي، والخاضعة لسيطرتها في ريف دمشق”
ولا يخفى أن هذا الأسلوب فوق ما فيه من مفارقة ومن إثارة لروح التقابل بين النقيضين والمحاورة لتفعيل التلقِّي الواعي عند المتلقي، فإنه يضفي على النص بهذه الجدلية حركيةً وفاعلية وحيوية.
وفي التقرير الثاني:” يقول الأسرى الفلسطينيون، ومن يتضامنون معهم في حملةٍ تنهمر فيها دموعٌ مدرارة، وتتسع أيضا لبعض كوميديا…” وهنا التقابل بين الدموع المدرارة و”الكوميديا” تعكس السخرية اللاذعة من موقف الاحتلال الإسرائيلي وتعامله الغريب مع الفلسطينيين بعامة، وقضية الأسرى بخاصة.
وفيه أيضا:” ويتواطأ معها المجتمع الدولي، أو يتخاذل- وفق رأيهم في الأٌقل- عن الانتصار لحقوقهم، بل لقِيَمه الإنسانية النظرية ولضميره الغائب عمليا” حيث قابلَ بين “النظرية” والعملية، وهي المفارقة الشديدة الدلالة والتكرار في مواقف الدول الغربية من الصراع الدائر في فلسطين بين طرفين، الفلسطيني المهضوم الحقوق، و”الإسرائيلي” المغضوض عن ممارساته الاحتلالية والعنصرية.
وفي الثالث: “لا تُروى قصة الثورة في سورية، دون أن تُروى قصةُ سورية الأسد ” و” لكن مملكة الصمت عادت بعد نحو عشر سنوات؛ لتخرَج مجدَّدا عن صمتها متأثرة بثورات الربيع العربي” وهنا المقابلة بين ” سورية” على إطلاقها الغني، وبين ” سورية الأسد” بهذا القيد، وكذلك بين ” ممكلة الصمت” وهي كناية عن سورية وشعبها، وبين الخروج عن الصمت:” لتخرج مجددا عن صمتها”.
فكما ورد آنفا فإن دور هذه الآلية الأسلوبية لا يقتصر على الجانب الجمالي الجاذب، بل يتعداه إلى تطوير الفكرة والوعي عن طريق إثارة الجدل، وتمحيص وجهات النظر المختلفة، ومقارنة الحجج والدُّفوع.
التواصلية والترابط
كذلك ثمة سمة مهمة، وهي هذا الدمج بين المعلومات الإعلامية الضرورية واللغة السردية، بحيث يغدو التقرير مستفيدا من خاصية التماسك النصي، أو ما كان يسمى قديما بالسبك أو النظم بمعناه الرحب، أو ما أضحى يسمى بالنسيجية، بحيث أصبح النص أشبه بالجديلة أو الضفيرة، فعلى الرغم مما يبدو من اغتراب بين اللغة الأدبية والبعد الإخباري، إلا أن عبد الهادي نجح في مواضع عدة في الدمج بينهما، كما في قوله في التقرير الأول:” يصعب على أحد أن يعرف ماذا حل بالرضيع الذي كان له أب وأم وأخوة وبيت وزجاجة حليب. يصعب على أحد أن يعرف أيضا أي شيء ذا أثر فعلي . لا لأن الحكاية الحزينة وقعت في مجاهل قصية ذات حرب كونية غابرة، كما قد يظن المرء خطأ للوهلة الأولى. بل لأن شروط ما يسميه الساسة باللعبة الدولية في حاضر العالم الذي يسمِّي نفسه بالحر ما زالت تحول حتى الآن دون الوصول إلى هنا للتحقيق فيما يحدث، وهنا هذه ليست إلا بعضا من ريف العاصمة السورية دمشق، هنا هذه تعني عين كرما وزملكا وجوبر ومعظمية الشام، حيث تراكمت جثثُ المئات من الناس رجالا ونساء شيوخا وأطفالا بلا جروح ولا نزف، حتى بدوا كأنهم نيام:”.
يلحظ الباحث هنا هذه التواصلية بين الجمل المتلاحقة حتى يصعب اجتزاؤها، أو التوقف عند أحدها دون استكمال سائر حلقات السلسلة، وهنا نجد جملة تنسلُّ من سابقتها، يصعب على أحد أن يعرف ماذا حل بالرضيع…” تتلوها:” يصعب على أحد أن يعرف أيضا أي شيء ..” دون حرف عطف، لكن قوة الاتصال تغني عن العطف.
ويلحظ الباحث أيضا القدرة على الدمج بين القيمة الخبرية والقيمة الجمالية عند قوله:” بل لأن شروط ما يسميه الساسة باللعبة الدولية في حاضر العالم الذي يسمِّي نفسَه بالحر ما زالت تحول حتى الآن دون الوصول إلى هنا للتحقيق فيما يحدث، وهنا هذه ليست إلا بعضا من ريف العاصمة السورية دمشق هنا هذه تعني عين كرما وزملكا وجوبر ومعظمية الشام، حيث تراكمت جثثُ المئات من الناس رجالا ونساء شيوخا وأطفالا بلا جروح ولا نزف حتى بدوا كأنهم نيام:”.
ويلحظ الباحث مما له صلة بالظاهرة السابقة ظاهرة التحول في النسق من أسلوب كالسرد إلى آخر كالاستفهام مثلا؟
فمن الثالث:” هكذا تعرَّف السوريون على بشار الأسد الذي سيُعاد تشكيل شخصيته بأيدي خبراء سياسيين وعسكريين، مثلما سيُعاد تشكيل دستور الدولة عقب وفاة والده عام 2000؛ كي يلائم سنه الصغيرة آنئذ على شرط تولي الرئاسة . لماذا لمْ ينتفض السوريون يومها تنويع على تحويل بلادهم إلى جمهوربة وراثية؟ فهنا أسلوب القطع ” لماذا لمْ ينتفض..” بعد العطف. وهذا يلفت الانتباه، أيضا بتحوله من الخبر إلى الاستفهام الذي يثير المتلقي، حين يلقي الكرة في ملعبه فجأة؛ فيمنح المعنى الجديد بالنسق الجديد المتحول قدرا من الاهتمام.
الصورة والانزياح والمجاز: تستعين لغةُ التقارير ببعض الصور معتمدةً على أدواتها من استعارات أو مجازات أو انزياحات ” ففي التقرير الأول:” لكن آخرين كثُر أكبر منها سنا وأصغر كانوا في اللحظة نفسها (يصارعون موتا خانقا باردا قاسيا ولا فكاك)”.
وفي التقرير الثاني:” ينزفون أعمارهم” ، ” غبار البحث الصاخب” ويمكن أن نلحظ التصوير في التقرير الثالث :” كما لم يعد مستغربا (أن يزدهر القمع)، وأن ينتشر في البلاد (جنرالات مال وحيتان فساد) ينحدرون غالبا من عائلة الأسد”
من الثالث: ” وما إن ألقى الرئيس الشاب خطاب القسم، وتحدّث عن حاجة البلاد لما وصفه لديمقراطية تنبثق من ثقافتنا (حتى بزغ ربيع دمشق) عبر تأسيسي منتديات حوارية ونشر رسائل وبيانات من مثقفين ومعارضين تطالب بأن لا تظل (سورية مملكة صمت)”
ومن الثاني:” لا يجد المعتقلون الفلسطينيون ما يردّون به على سجَّانيهم ومحتلي أرضهم سوى الإضراب عن الطعام، إنه سلاحُهم الذي طالما أشهروه؛ لنيل حقوق إنسانية مسلوبة. وها هم يمتشقونه الآن لفترة قاربت الشهرين “
وهنا خيال محدود قريب يتلاءم ولغة الإعلام، ولكنه يخفف من جهامة الحقيقة، واللغة المباشرة.
أسلوب السخرية
ويعتمد على السخرية التي لا تخلو من لذْع، ابتداء من المستوى الصوتي والتنغيم، مرورا بالأساليب اللغوية البلاغية، كالاستفهام الساخر،وغيره.
ومن أوضح مواطن السخرية اللاذعة قولُه في نهاية تقريره عن الأسرى على لسان الخاطفين، أو (الآسرين) بحسب رأيه:” أبناؤكم الثلاثة الذين فقدتم أخيرا ليسوا مختطفين، بل محبسون إداريا. هيا جرّبوا الاعتقال الإداري.” وفي الأول استفهام تهكُّمي ساخر ومندِّد:” ماذا عن الخطوط الحمر التي رسمها البيت الأمريكي للأسد؟!
وفي التقرير الثالث:” تلفَّت الأب المفجوع، حينها؛ بحثا عن طوق نجاة لمستقبل سلطته، وتذكَّر أنه له ابنا ثانيا يدرس الطب في لندن فأمره بالعودة إلى دمشق ليحلَّ محلَّ شقيقه القديم. هكذا تعرف السوريون على بشار الأسد” نلحظ التهكم والاستخفاف في قوله:” وتذكَّر أنه له ابنا ثانيا يدرس الطب في لندن فأمره
بالعودة” ثم في قوله معقبا على طريقة انتقال الحكم في سورية:” هكذا تعرف السوريون على بشار الأسد” فالحاكم الجديد (الولد) مجهول، أو في حكم المجهول والمنسيّ في نظر الحاكم السابق(الوالد)، وهو مجهول، من باب أولى، في نظر الشعب الذي سيحكمه، وطريقة تعرفه عليه مستغربة!
أهم النتائج
تخلص هذه الورقة البحثية إلى مجموعة من النتائج، وهي:
- الشعريةُ بمعناها العام الرحب ، والأدبية جزءٌ منها، متحققةٌ في كلِّ جماليٍّ في الوجود.
- واللغة العربية لغةٌ شاعرة بطبعها، وكثيرةُ المجاز؛ فهي تجنحُ إلى الاستعمالات الأدبيَّة، على تفاوت، بحسب المجال النثري، تأليفي، موضوعي، أم فني جماليٌّ محض.
- وكما يمكن للغة الشعرية والأدبية أنْ تصافح عناصر غير شعرية وأدبية يمكن للغة الإعلامية أن تفيد، بل تعزز ذاتَها ووظيفتَها بسمات لغوية أدبية.
- لا يمكن للغة الإعلامية أن تتقبل السمات الشعرية والأدبية جميعا، وإنما ما لا يتعارض مع طبيعتها الإبلاغية، وطبيعة جمهورها المستهدَف.
- والسمات الأدبية الممكن تعضيد اللغة الإعلامية بها ليست جميعها قابلة للتلاقي مع اللغة الإعلامية. فالوسائل الاحتمالية، أو مسبِّبات الغموض، والتورية والرموز المستغلِقة، أو البعيدة، والزخرفات الشكلية التي تثقل كاهلَ اللغة الإعلامية التي تروم النفاذ المباشر والبساطة، ليست مما يَفيدُ اللغةَ الإعلاميَّة، بل إنه يتعارض معها.
- كما ينبغي التفريق في مقدار الانتفاع الإعلامي بالأدب، بحسب نوع المادة الإعلامية، فالخبرية، أمْيَلُ إلى اللغة العادية، أو ما يُسمَّى بالنثر العملي. ولكن القصة الصحفية، والتقرير أكثر تقبلا للسمات الأدبية.
- نجح ماجد عبد الهادي في تقاريره التلفزيونية في الإفادة من بعض السمات الأدبية كالصور والانزياحات الأسلوبية والسرد والتناص والثنائيات الضدية، واللغة المتواصلة، والسخرية اللاذعة، أو الخفيفة، وبراعة الافتتاح، والختام، موظفا تلك التنقنيات في تعزيز جاذبية التقارير، وتعميق تأثيرها في المتلقي.
- جاء توظيفُه لتلك السمات بأقدارٍ مناسبة غالبا، بحيث لم تطغَ على وظيفة التقرير الإعلامي؛ فجاءت الصور الفنية محدودةَ الخيال، وفي متناول الذائقة العامة.
- وعلى صعيد بعض السمات كان بإمكان عبد الهادي، وَفق المادة التي تتبَّعها الباحث، أن يزيدَ من التناص الناجح؛ لما يوفره من طاقاتٍ دلالية ووجدانية مكثفة.
أهم التوصيات
- تأكيد الدعوة إلى تعزيزاستفادة الخطاب الإعلامي، ولا سيما التلفزيوني- بما له من تأثير نابعٍ من الصورة- من السمات الأدبيَّة الممكنة؛ فذلك مظنَّةُ رفعِ مستوى الذائقة اللغوية والكلاميَّة عند جمهور من الناس قد تتواضعُ طاقاتُهم القرائية.
- النظر في فرص زيادة الجرعات اللغوية والبلاغية والأدبية لطلاب كليّات الإعلام.
- ضرورة الانتباه إلى أنَّ أقلَّ ما يمكن أن تفيدَه الدراساتُ اللغوية والأدبية الوصولُ إلى قدرةٍ لغوية تمنح النصوصَ الإعلاميَّةَ صفاتِ التماسك والبيان، بعيدا عن التعقيد والحشو، والأغلاط التركيبية التي تُفضي إلى اللَّبْس، وقد تدفعُ بالنص الإعلامي نحو الإخفاق.
- تعزيز الدراسات النقدية الإعلامية، ولا سيما فنَّ الكتابة للصورة، بتعانق المعارف الإعلامية، والمعارف اللغوية والبلاغية والأسلوبية.
قائمة المراجع
الكتب:
أرصغلي، علياء: التقارير الوثائقية، منشورات مفتاح، (ط1)،2002.
باختين، ميخائيل: الخطاب الروائي، ترجمة: محمد برادة، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع- القاهرة، (ط1)، 1987.
بارت، رولان: التحليل النصي، ترجمة: عبد الكبير الشرقاوي، دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر-دمشق، 2009.
بيجوفيتش، علي عزت: الإسلام بين الشرق والغرب، دار الشروق- القاهرة، (ط3)،2013.
التويجري، عبد العزيز بن عثمان: مستقبل اللغة العربية، منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ـ إيسيسكو ـ 2004.
الجاحظ، عمرو بن بحر: البيان والتببين، تحقيق: عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي- القاهرة، (ط4)، بلا تاريخ.
الجرجاني، عبد القاهر: دلائل الإعجا، صحح أصله: محمد عبده ومحمد محمود التركزي الشنقيطي، دار المعرفة- بيروت ، 1978م.
جيرو، بيير: الأسلوبية، ترجمة: منذر عياشي، مركز الإنماء الحضاري للدراسة والترجمة والنشر- حلب، (ط2)، 1994.
الحاج، أنسي: كتاب خواتم، رياض الريّس للكتب والنشر- لندن، قبرص، (ط1)، 1991.
ابن ذريل، عدنان: النص والأسلوبية بين النظرية والتطبيق- منشورات اتحاد الكتاب العرب- 2000.
السامرائي، إبراهيم: الفعل زمانه وأبنيته، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع- بيروت، (ط3)،1983.
سعد حسن بحيري، علم لغة النص (المفاهيم والاتجاهات) الشركة المصرية العالمية للنشر، لونجمان، القاهرة،ط1، 1995.
شرف، عبد العزيز: المدخل إلى علم لغة الإعلام، المركز الثقافي الجامعي- القاهرة، 1980.
الشريف، سامي، وندا، أيمن منصور: اللغة الإعلامية – المفاهيم الأسس التطبيقات، 2004.
طودوروف، تزيفطان: الشعرية، ترجمة شكري المبخوت ورجاء بن سلامة، دار توبقال- الدار البيضاء، (ط2)، 1990.
العسكري، أبو هلال: الصناعتين، تحقيق: علي محمد البجاوي، ومحمد أبي الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، (ط1)، 1952.
العقاد، عباس محمود: اللغة الشاعرة، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع- القاهرة، 1995.
عياد، شكري محمد: مدخل إلى علم الأسلوب، المشروع للطباعة- القاهرة، (ط2)، 1992.
الغذامي، عبد الله: الثقافة التلفزيونية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء- (ط2)، 2005.
فشتيليوس، أريك: الوصايا العشر للصحافة، تصميم وتنفيذ مؤسسة ناديا للطباعة والنشر والإعلان والتوزيع- رام الله- 2001.
فوزي، عيسى: الواقعية السحرية في الراوية العربية، دار المعرفة الجامعية- القاهرة، 2012.
كوين، جون: النظرية الشعرية، ترجمة: أحمد درويش، دار غريب للنشر والتوزيع- القاهرة، ، (ط4)، 2000.
مرتاض، عبد الملك: في نظرية الرواية، عالم المعرفة- الكويت، 1998.
مصطفى، إبراهيم، وزملاؤه: تحرير النحو العربي، دار المعارف بمصر،1958.
هجيل، جورج: المدخل إلى علم الجمال، ترجمة: جورج طرابيشي، دار الطليعة للطباعة والنشر- بيروت، (3)، 1988.
وافي، علي عبد الواحد: فقه اللغة، دار نهضة مصر للطبع والنشر- القاهرة، ط8.ياكبسون، رومان: قضايا الشعرية،ترجمة: محمد الولي ومبارك حنوز، دار توبقال للنشر- الدار البيضاء، (ط1)1988.
المجلات:
مجلة عود الند، العدد 80، السنة 7: 72- 83:
ابن الدين، بخولة: التماسك النصي بين الدراسات البلاغية القديمة والدراسات اللسانية الحديثة:
http://www.oudnad.net/spip.php?article668
الصحف:
“الدستور” الأردنية: صالح، فخري: التقرير الصحفي واتساع حدود الأدب، 18 أيلول/ سبتمبر 2011م: http://www.addustour.com/16246/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D9%81%D9%8A%20%D9%88%D8%A7%D8%AA%D8%B3%D8%A7%D8%B9%20%D8%AD%D8%AF%D9%88%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AF%D8%A8.html
المواقع الإلكترونية:
-الإسلام اليوم: عثمان، أسامة: اللغة والإعلام بين الوفاق والشقاق، 15- كانون الثاني/ يناير- 2008م :
http://mail.islamtoday.com/albasheer/artshow-56-11386.htm
– يوتيوب:
عبد الهادي، ماجد، قناة الجزيرة الفضائية: http://www.youtube.com/watch?v=Ox18P24sWto
عبد الهادي، قناة الجزيرة الفضائية: http://www.youtube.com/watch?v=QBNosNOIxuk
عبد الهادي: قناة الجزيرة الفضائية: http://www.youtube.com/watch?v=5XdTkEqAa9E
( [1]) الجاحظ، عمرو بن بحر: البيان والتببين، تحقيق: عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي- القاهرة، (ط4)، بلا تاريخ، ج1، ص 11
[2] )) نفسه، ج1، ص 75
( [5])العسكري، أبو هلال: الصناعتين، تحقيق: علي محمد البجاوي، ومحمد أبي الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، (ط1)، 1952، ص 14
( [6]) الجرجاني، عبد القاهر: دلائل الإعجاز، صحح أصله: محمد عبده ومحمد محمود التركزي الشنقيطي، دار المعرفة- بيروت ، 1978م، ص:73
[7]) ) نفسه: 64
[8]) ) نفسه: 70
[9]) ) جيرو، بيير: الأسلوبية، ترجمة: منذر عياشي، مركز الإنماء الحضاري للدراسة والترجمة والنشر- حلب، (ط2)، 1994، ص 19
[10]) ) هجيل، جورج: المدخل إلى علم الجمال، ترجمة: جورج طرابيشي، دار الطليعة للطباعو والنشر- بيروت، (3)، 1988، ص 20
[11])) نفسه، ص20
[13])) جيرو: المرجع السابق، ص36
[14])) هيجل: المرجع السابق، ص8،9
([15])عياد، شكري محمد: مدخل إلى علم الأسلوب، المشروع للطباعة- القاهرة، (ط2)، 1992، ص 18
[16])) فوزي، عيسى: الواقعية السحرية في الراوية العربية، دار المعرفة الجامعية- القاهرة، 2012، ص 3
[17])) هيجل: المرجع السابق، ص50، 51
[18])) طودوروف، تزيفطان: الشعرية، ترجمة شكري المبخوت ورجاء بن سلامة، دار توبقال- الدار البيضاء، (ط2)، 1990، ص11
[19])) نفسه، ص26
[20])) العسكري، أبو هلال: الصناعتين، تحقيق: علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية- بيروت، ص 427
[21])) طودوروف: المرجع السابق، ص 26
[22])) نفسه: 26
([23]) عياد: المرجع السابق، ص67
[24])) سعد حسن بحيري، علم لغة النص (المفاهيم والاتجاهات) الشركة المصرية العالمية للنشر، لونجمان، القاهرة،ط1، 1995، ص: 146
[25])) ابن الدين، بخولة: التماسك النصي بين الدراسات البلاغية القديمة والدراسات اللسانية الحديثة، مجلة عود الند، العدد 80، السنة 7: 72-83:http://www.oudnad.net/spip.php?article668
[26])) بارت، رولان: التحليل النصي، ترجمة: عبد الكبير الشرقاوي، دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر-دمشق، 2009،ص 114- 115
[27])) طودوروف: المرجع السابق، ص 40
[28])) نفسه: ص 42
[29])) باختين، ميخائيل: الخطاب الروائي، ترجمة: محمد برادة، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع- القاهرة، (ط1)، 1987 ص107
([30]) بارت: المرجع السابق، ص 79
[31])) باختين: المرجع السابق، المقدمة للمترجم، ص 8
[32])) طودوروف: المرجع السابق، ص 10
[33])) كوين، جون: النظرية الشعرية، ترجمة: أحمد درويش، دار غريب للنشر والتوزيع- القاهرة، ، (ط4)، 2000، ص29
[34])) جيرو: المرجع السابق، ص 121
[35])) نفسه: ص146
[36])) طودوروف: المرجع السابق، ص 14
[37])) ابن ذريل، عدنان: النص والأسلوبية بين النظرية والتطبيق- منشورات اتحاد الكتاب العرب- 2000- ص 26
[38])) ابن ذريل: المرجع السابق، ص 28
[39])) طودوروف: المرجع السابق، ص6
[40])) ابن ذريل: المرجع السابق، ص 6
[41])) طودوروف: المرجع السابق، ص17-18
[42])) نفسه، ص33
[43])) نفسه،ص64
[44])) بارت: المرجع السابق، ص 36- 37
[45])) الغذامي، عبد الله: الثقافة التلفزيونية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء- (ط2)، 2005، ص10
[46])) الشريف، سامي، وندا، أيمن منصور: اللغة الإعلامية – المفاهيم الأسس التطبيقات، 2004، ص33
[47]))الحاج، أنسي: كتاب خواتم، رياض الريّس للكتب والنشر- لندن، قبرص، (ط1)، 1991، ص11
[48])) بيجوفيتش، علي عزت: الإسلام بين الشرق والغرب، دار الشروق- القاهرة، (ط3)،2013، ص118
([49])التويجري، عبد العزيز بن عثمان: مستقبل اللغة العربية، منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ـ إيسيسكو ـ 2004، ص7
[50])) نفسه: ص10-11
[51])) التويجري: المرجع السابق،ص 12
[52])) نفسه، ص14
[53])) وافي، علي عبد الواحد: فقه اللغة، دار نهضة مصر للطبع والنشر- القاهرة، ط8، ص164- 165
[54])) مصفطى، إبراهيم، وزملاؤه: تحرير النحو العربي، دار المعارف بمصر،1958، ص 3
[55])) طودوروف: المرجع السابق، ص 35
[56])) ياكبسون، رومان: قضايا الشعرية، ترجمة: محمد الولي ومبارك حنوز، دار توبقال للنشر- الدار البيضاء، (ط1)1988،ص51
[57])) فشتيليوس، أريك: الوصايا العشر للصحافة، تصميم وتنفيذ مؤسسة ناديا للطباعة والنشر والإعلان والتوزيع- رام الله- 2001، ص 54
([58])الشريف: المرجع السابق، ص 39
[59])) فشتيليوس: المرجع السابق، ص 53
[60])) بارت: المرجع السابق، ص 89
[61])) شرف، عبد العزيز: المدخل إلى علم لغة الإعلام، المركز الثقافي الجامعي- القاهرة، 1980، ص 100
[62])) نفسه، ص 110
[63])) نفسه، ص 109- 110
[64])) نفسه، ص: 110
[65])) نفسه، ص 110
[66])) نفسه، ص 111
[67])) العقاد، عباس محمود: اللغة الشاعرة، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع- القاهرة، 1995، ص4
[68])) ينظر: عثمان، أسامة: اللغة والإعلام بين الوفاق والشقاق، موقع الإسلام اليوم، 15- كانون الثاني/ يناير- 2008م : http://mail.islamtoday.com/albasheer/artshow-56-11386.htm
[69])) ينظر: صالح، فخري: التقرير الصحفي واتساع حدود الأدب، جريدة الدستور، 18 أيلول/ سبتمبر 2011م:
http://www.addustour.com/16246/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D9%81%D9%8A%20%D9%88%D8%A7%D8%AA%D8%B3%D8%A7%D8%B9%20%D8%AD%D8%AF%D9%88%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AF%D8%A8.html
[70])) ينظر: عبد الهادي، ماجد، قناة الجزيرة الفضائية، يوتيوب: http://www.youtube.com/watch?v=Ox18P24sWto [71])) ينظر: ينظر: عبد الهادي، قناة الجزيرة الفضائية، يوتيوب: http://www.youtube.com/watch?v=QBNosNOIxuk [72])) ينظر: عبد الهادي: قناة الجزيرة الفضائية، يوتيوب: http://www.youtube.com/watch?v=5XdTkEqAa9E [73])) بارت: المرجع السابق، ص83 [74])) ينظر: مرتاض، عبد الملك: في نظرية الرواية، عالم المعرفة- الكويت، 1998، ص186 [75])) نفسه، ص177 [76])) ينظر: نفسه، ص 177 [77])) ينظر: نفسه، ص178 [78])) السامرائي، إبراهيم: الفعل زمانه وأبنيته، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع- بيروت، (ط3)،1983، ص 33- 34 [79])) أرصغلي، علياء: التقارير الوثائقية، منشورات مفتاح، (ط1)،2002، ص 36