
مقال نشر بالعدد الثاني من مجلة جيل العلوم الإنسانية والاجتماعية ص 145 من اعداد الدكتور بحري نبيل و الأستاذ يزيد شويعل
جامعة الجزائر02.
للإطلاع على العدد كاملا اضغط على الغلاف:

ملخص:
هدفت هذه الدراسة إلى معرفة العلاقة بين التفاؤل والتشاؤم ومركز الضبط وأساليب التعامل مع الضغوط النفسية، لدى طلبة الجامعة، طبق لهذا الغرض مقياس التفاؤل والتشاؤم لـ(1989) Dember ترجمة “مجدي محمد الدسوقي”(2001)، ومقياس مركز الضبط لــRotter ، ترجمة “علاء الدين كفافي”(1982)، ومقياس أساليب التعامل مع الضغوط النفسية لـ (1994)Paulhan et al، ترجمة “شهرزاد بوشدوب”(2009) على عينة مكونة من (162) طالب وطالبة، بواقع (98) طالبة، و(64)طالب، من ثلاث جامعات هي: جامعة الجزائر02، وجامعة سعد دحلب بالبليدة(القطب الجامعي بالعفرون)، وجامعة يحي فارس بالمدية، وقد أشارت نتائج الدراسة إلى أنه هناك علاقة سالبة ودالة بين التفاؤل ومركز الضبط الداخلي، وهناك علاقة موجبة ودالة بين التشاؤم ومركز الضبط الخارجي، كما توصلت الدراسة إلى وجود علاقة دالة وموجبة بين التفاؤل وأساليب التعامل مع الضغوط النفسية المركزة على المشكل ببعديه (حل المشكل، والبحث عن الدعم الاجتماعي)، كما دلت نتائج الدراسة على وجود علاقة موجبة بين التشاؤم وأساليب التعامل مع الضغوط النفسية المركزة على الانفعال بأبعاده (التجنب، إعادة التقييم الايجابي، ولوم الذات).
الكلمات المفتاحية: التفاؤل، التشاؤم، مركز الضبط، أساليب التعامل مع الضغط النفسي.
مقدمة وإشكالية الدراسة :
لقد نمت قضية علم النفس الإيجابي بدرجة كبيرة بسبب الاعتراف بعدم وجود توازن في بحوث علم النفس ،حيث تركز غالبية البحوث في مجالات علم النفس المختلفة ،على المرض النفسي والجوانب السلبية للحياة الإنسانية أكثر بكثير من الجوانب الإيجابية ،رغم أهمية هذه الجوانب ،وقد ظهر ذلك من خلال الموضوعات البحثية التي قام بتغطيتها ستون (60) باحثا من المشاركين في حركة علم النفس الإيجابي من سنة (2000 إلى 2004)، و التي كشفت أن الأبحاث المنشورة قبل (2000)عن الجوانب الإنسانية الإيجابية قليلة للغاية من أمثلة ذلك دراسة موضوع التفاؤل. و الذي يعتبر من المفاهيم الأساسية والهامة في علم نفس الإيجابي لما له من أثار إيجابية عديدة على الفرد،حيث توصلت نتائج لبحوث عديدة أن التفاؤل أمر أساسي لصحة الجسم ،وأنه يؤثر تأثيرا إيجابيا عليها، وعلى العكس من ذلك فإن التشاؤم يزيد من المشكلات الصحية . (1)
وتستحوذ دراسة التفاؤل والتشاؤم على اهتمام بالغ من قبل الباحثين، حيث برز هذين المفهومين في العديد من دراسات علم النفس الإكلينيكي، والصحة النفسية وعلم نفس الشخصية، وعلم النفس الاجتماعي وعلم النفس الإيجابي وحديثا في علم النفس الحضاري المقارن. (2)
وفي هذا السياق تشير منظمة الصحة النفسية (2004) إلى أن التفاؤل هو عملية نفسية إرادية تولد أفكارا ومشاعر للرضا والتحمل والثقة بالنفس، وهو عكس التشاؤم الذي يميز الجوانب السلبية للأحداث فقط مما يستنزف طاقة المرء ويشعره بالضعف والنقص في نشاطه، ويضيف “هشام مخيمر و محمد عبد المعطي” (1999) على أن المتفائلين تكون لديهم مشاعر قوية بالبهجة، و شعور بالرضا عن الذات و عن الحياة بوجه عام، فالتفاؤل يرتبط بالمشاعر الإيجابية أكثر من ارتباطه بالمشاعر السلبية، كما أن المتفائل في إدراكه للأحداث والمواقف ينصب على الجوانب الإيجابية أكثر من السلبية، والعكس صحيح بالنسبة للمتشائم، الذي يغلب عليه المبالغة في إدراك جوانب الضعف و القصور و التهوين من المزايا و الإيجابيات و النجاح، فما يصيبنا من نجاح وما نضطلع به من مهام يعتمد على مدى إحساسنا بالتفاؤل، ويتم ذلك من خلال الاستبشار بالنجاح شرط التوافق والتوازن بين المطالب، والتأكد من القدرة على إنجاز الأعمال المسطرة ، فالمتفائل يأخذ من تفاؤله نقطة انطلاقة إلى مستقبل أكثر نجاحا وإشراقا.(3)
وقد برهنت دراسة “واينشتاين” (1980) Weinsteinعلى أن التفاؤل يؤثر على سلوك الفرد،ويذهب “شاير وكارفر”(1990) Scheier et al إلى اعتبار أن الفرد المتفائل يكون أفضل تكيفا للانتقالات الحياتية المهمة من الفرد المتشائم الذي يكون في وضعية أكثر معاناة وتعاسة ، وتوقع الأسوأ في حياته الحاضرة والمستقبلية، بمعنى آخر أن التوقعات التشاؤمية المبالغ فيه والمفرطة في التعميم تؤدي إلى رؤية المستقبل كامتداد للحاضر، وهذا ما يعبر عنه الفرد بعبارات “لن ينصلح حالي أبدا” و”لا سبيل إلى تغيير هذه الحالة التعيسة” وهو يفترض فوق ذلك أنه في حالة ظهور مشكلة ما مستعصية في الزمن الحاضر تبقى كذلك ولن يكون بمقدوره أن يجد لها حلا. (4)
و يذهب”باترسون” (0002) Peterson إلى اعتبار التفاؤل والتشاؤم سمة كباقي سمات الشخصية يتمايز الأفراد في امتلاكها، لكن الطبيعة البشرية للفرد توفر قدرا كبيرا من التفاؤل القاعدي Base Line Optimisme، وأنه يكون مرتفعا لدى بعض الأفراد ومنخفضا لدى آخرين، وأنه يتأثر بالخبرة،وهذا ما أشار إليه “هاينز”(2006) Haynes من أن التفاؤل والتشاؤم أو الاستعداد للتفاؤل أو التشاؤم Dispotional optimisme and pessimisme يعتمد على الفروق الفردية،فالأفراد يختلفون في طريقة رؤيتهم للحياة فالمتفائلون يرونها من خلال نصف الكوب المملوء، ويغضوا الطرف عن الجزء الفارغ، ويعتبر كل من التفاؤل والتشاؤم من السمات الإستعدادية، وأن التفاؤل يدل على جودة الحياة، ويؤدي إلى تحسين الوجود الأفضل للفرد من الناحية النفسية والبدنية.(5)
و من هذا المنطلق يعرف”شاير وكارفر”(1987) Scheier & carver التفاؤل بأنه :” ميل متزايد إلى الاعتقاد بأن الأشياء الحسنة و ليست السيئة سوف تحدث ” . (6)
فيما يعرف”مارشال”(1992) Marshall et al التشاؤم بأنه:”استعداد شخصي أو سمة كامنة داخل الفرد تؤدي به إلى التوقع السلبي للأحداث”.(7)
ورغم تعدد الآراء في هذا المجال إلا أن سمتي التفاؤل والتشاؤم جديرتان بالفحص و التناول لكن الخلاف كبير بين الباحثين في النظر إلى العلاقة بين هذين المفهومين، ويمكن أن نعدد على الأقل نظريتين إلى هذه العلاقة،فهناك من يرى بأن التفاؤل والتشاؤم سمة واحدة ولكنها ثنائية القطب Bipolar أي أن متصل هذه السمة له قطبان متقابلان متضادان لكل مركز واحد ونقطة واحدة عليه بحيث يقع بين التفاؤل المتطرف والتشاؤم الشديد، وهذا ما يذهب إليه Scheier & Carver، حيث إن له درجة على متصل (وهو الأمر ذاته في بعد الانبساط / العصابية، ثنائي القطب)، واعتمادا على هذا المنحنى، فإن هاتين السمتين يمكن أن يتم لمقياس التفاؤل وحده أو التشاؤم فقط، على اعتبار أن هاتين سمتان متضادتان، وتعد إحداهما مقلوبا للآخر، فدرجة التفاؤل المرتفعة تعني درجة التشاؤم منخفضة والعكس بالعكس.(7)، وهناك من يرى عكس ذلك، أن التفاؤل والتشاؤم سمتان مستقلتان، ولكنهما مترابطتان فلكل سمة متصل مستقل استقلالا نسبيا يجمع بين مختلف الدرجات على السمة الواحدة، فرد موقع متصل التفاؤل، مستقل عن مركزه على متصل التشاؤم، وكل يعد بشكل مستقل أحادي القطب يبدأ من أقل درجة على التفاؤل، وقد تكون درجة الصفر إلى أقصى درجة لكل والأمر ذاته مستقلا بالنسبة للتشاؤم ومما ذكر يتضح مدى أهمية هاتين السمتين والأثر الكبير الذي تخلقه، وهو ما دفع بالباحثين إلى الاهتمام بهما والقيام بعده دراسات، ومحاولة الإلمام بمختلف الجوانب التي ترتبط بهاتين السمتين، التي من بينها متغير الجنس في علاقته بالتفاؤل والتشاؤم.
ومن الدراسات ما اهتم بالتفاؤل والتشاؤم في علاقته بمختلف جوانب الشخصية، ومن بينها مركز الضبط الذي يلقى اهتماما كبيرا من قبل الباحثين في الدراسات النفسية والتربوية، لأنها تؤدي دورا مميزا في تصميم البرامج النفسية والتربوية وتطبيقها، وبشكل خاص في مجالات الشخصية، والصحة النفسية .
ولقد طورت نظرية مركز الضبط من قبل”روتر”(1954) Rotter ومنذ ذلك الحين أصبحت بعدا مهما في دراسات الشخصية لأنها تعد من متغيراتها التي تهتم بالمعتقدات التي يحملها الأفراد بخصوص أي العوامل التي تتحكم بالنتائج المهمة في حياته، وقد اشتق (1954) Rotter هذه النظرية من نظرية التعلم الاجتماعي Social Learning وهي النظرية التي تحاول أن تجمع بين نظريتين مختلفتين هما: النظرية السلوكية من ناحية والنظرية المعرفية من الناحية الأخرى، من هذا المنطلق يعرف (1966) Rotter مركز الضبط Locus of control بأنه: “الدرجة التي يدرك عندها الفرد أن المكافأة أو التدعيم يعتمد على سلوكه هو وخصائصه،في مقابل الدرجة التي يدرك عندها الفرد أن المكافأة أو التدعيم محكومة بقوى خارجية، أو ربما تحدث مستقلة عن سلوكه وبين ما ينتج عن هذا السلوك من مكافأة أو تدعيم”، وبناء على ما سبق، يمكن القول بأن مركز الضبط يشير إلى معتقدات الشخص واتجاهاته حول أسباب النتائج الجيدة أو السيئة في حياته، في مجالات الحياة المختلفة مثل الصحة فالأفراد الذين لديهم ضبط داخلي عال يعتقدون بأن الأحداث تكون نتيجة سلوكهم وأعمالهم الخاصة، ومن ثم يمكن الافتراض أن مدى إدراك أو اعتقاد الأفراد بأن لديهم ضبطا على البيئة يؤثر في دوافعهم للإنجاز أو العمل، وبما أن أصحاب الضبط الداخلي مدركون أن لديهم سيطرة أكبر على البيئة من أصحاب الضبط الخارجي فمن المتوقع أن يظهروا دافعية أكبر للإنجاز.(8)،أما أصحاب الضبط الخارجي فيعتقدون أنهم تحت رحمة الظروف وغير قادرين على السيطرة أو التحكم بالأحداث التي تمر بهم.(9) لذلك فهم يعزون الأخطاء إلى العمل الشاق للغاية لأنه ليس بإمكانهم أن يفعلوا شيئا لذلك يميلون إلى اختيار التحديات الأسهل ويستسلمون سريعا ويصبح لديهم إحساس بالعجز، وعدم القدرة على تبادل العواطف مع الآخرين، مما يجعلهم أكثر شعورا بالضعف والعجز وأكثر يأسا، وأقل ثقة بالنفس ولا يشعرون بتحمل المسؤولية.(10)
وعلى الرغم من تعدد الدراسات التي اهتمت بدراسة كل من التفاؤل والتشاؤم، وكذلك مركز الضبط، إلا أن الدراسات التي حاولت الربط بينهما قليلة على حد علم الباحث، وهذا ما قد يفسره حداثة مفهومي التفاؤل والتشاؤم، ومن الدراسات التي ربطت بينهما، والتي توصلت إلى وجود علاقة بين التفاؤل و مركز الضبط الداخلي، والتشاؤم ومركز الضبط الخارجي نجد: مجدي محمد الدسوقي” (2007)(11)، “أحمد عبد الخالق” (2000)(7)، “هشام مخيمر وحسن عبد المعطي” (2000)(3)، في حين توصلت دراسة”إسماعيل أحمد السيد” (2001)(12)، إلى عدم وجود علاقة بين التفاؤل ومركز الضبط الداخلي، كما دلت على وجود علاقة بين التشاؤم ومركز الضبط الخارجي، أما دراسة”ديمبر وآخرون”(1989) Dember et al أظهرت النتائج، أن التفاؤل يرتبط سلبيا بمركز الضبط، وأن التشاؤم يرتبط إيجابيا بمركز الضبط.(13)
ومما لا شك فيه أن الفرد المتفائل والمتشائم يعيش في بيئة اجتماعية تتعارض فيها طموحات والمواقف، وهذا ما يشكل ضغطا نفسيا والذي يعتبر ظاهرة من الظواهر الحياتية الموجودة في كل مجالات الحياة، وتمس كل الشرائح الاجتماعية،حيث أن الطلبة الجامعيين ليسوا بمنأى عن هذه الضغوط والتي تتمثل في مواجهة الامتحانات تسيير العلاقة مع الزملاء والأساتذة، والمنافسة من أجل النجاح والمشكلات العاطفية، بالإضافة إلى البيئة الجامعية وما يحكمها من قوانين تنظمها والتطلعات المستقبلية كلها تشكل ضغوط نفسية للمتفائل أو للمتشائم، وعليه يمكن القول أن ظاهرة الضغوط النفسية أصبحت جزءا من حياتنا اليومية، وأن قدرا من الضغط، قد يكون مطلوبا لأداء مهامنا بنجاح شرط ألا يفوق قدراتنا في الاستجابة لأنه يساعدنا على توظيف أفضل لجميع إمكانياتنا لتحقيق التكيف اللازم، ويذكر “آلان”(1983) Allen إلى أن تعرض الفرد للمواقف الضاغطة قد يكون له تأثير إيجابي في تحقيق أهدافه، وقد يكون له تأثير سلبي يعجز الفرد عن تحقيق أهدافه.(14) لكن المشكل لا يمكن في الضغوط النفسية أو المواقف الضاغطة في حد ذاتها وإنما يكمن في كيفية التعامل معها، فلكل فرد أسلوبه في التعامل مع الضغوط النفسية والتغلب عليها، وهذا ما يعرف بأساليب التعامل مع الضغوط النفسية، والتي يصفها كل من “كارفر ووانتورب”(1989) Carver & Wentraub بأنها:” ما يبدله الفرد من جهود في التعامل مع المواقف والأحداث الضاغطة، والتي يعبر عنها بمجموعة من الأنشطة التي يسعى من خلالها تحمل أو التقليل من آثار الضغط”.(15)
ويرى”سيوارد”(1999) Seaward أن أساليب التعامل مع الضغط النفسي هي الطرائق التي يستخدمها الفرد عندما يعاني من الضغط النفسي في المواقف التي يعتقد أنها تفوق طاقاته و قدراته،بهدف التعايش مع الضغط النفسي الذي يتعرض له.(15)
وقد قام كل من”لازروس وفولكمان”(1980) Lazarus & Folkman بالتميز بين نوعين من أساليب التعامل هما: أساليب التعامل التي ترتكز على المشكلة، و أساليب التعامل التي ترتكز على الانفعال، وتشير الأولى إلى محاولة الفرد للحصول على معلومات إضافية لحل المشكلة واتخاذ القرار بشكل معرفي فعال وتغيير الحدث الذي يؤدي إلى الضغط، أما الثانية فتركز على الأساليب السلوكية والمعرفية التي تهدف إلى التحكم في الضغط أو التوتر الانفعالي، الذي ينجم عن الموقف الضاغط باستخدام أساليب دفاعية مثل الإنكار والابتعاد عن الحدث وتجنب مسببات الضغط. (16)
وتختلف أساليب التعامل من فرد لآخر ومن موقف لآخر، وهذا يعتمد على الطاقة الشخصية للفرد والمهارات التي يمتلكها والتي تمكنه من إصدار الاستجابة الملائمة للموقف الذي يشكل ضغطا، حيث يشير كل من ” ويتنغتون وكسلر”(1991) Wethington & Kassler إلى أن الأفراد يختلفون في الاستجابات للمواقف الضاغطة من حيث أساليب التعامل المستخدمة فهي تتضمن عوامل تتعلق بخصائص وسمات الشخصية المختلفة.(17)
أما فيما يخص العلاقة بين التفاؤل والتشاؤم و أساليب التعامل مع الضغوط النفسية فقد أشار”روثمان وإزينكو” (1998) Rothmann& Essenko، إلى أن كل من التفاؤل والتشاؤم يؤثر على خبرات الأفراد عندما يواجهون المشكلات، وكذلك على أساليب التعامل معها، فعندما يكون الفرد متفائلا في مواجهته للمشكلة، فإن توقعه يكون إيجابيا، وذلك على العكس من المتشائم، كما أن التفاؤل يؤدي بالفرد إلى المواجهة الفعالة بعد تعرضه لتغيرات الحياة الرئيسية(18)، وهذا ما تأكد في دراسة”أرمات وبلدوين”(2008) Armat & Baladwin على أن الفرد المتفائل له القدرة على التعامل مع الضغوط النفسية ، وهذا ما أكدته “دراسة محمد رجب” (2001)(19) وتوافق مع دراسة كل من “مايسة شكري” (1999) (20) ودراسة”فونتين وآخرون” (1993) Fontaine,K et al (21)،وتؤكد الأدلة من الدراسات الميدانية فكرة أن المتفائلين والمتشائمين يتعاملون مع الضغوط بطرق مختلفة،حيث أن المتفائلين في تعاملهم مع الضغوط النفسية يكثرون من استخدام الأساليب التي تعد تكيفية ،وفعالة كتلك التي تركز على المشكلة ،و أنهم يبحثون عن الدعم و السند الاجتماعي،وذلك بخلاف المتشائمين الذين يستخدمون أساليب غير تكيفية مثل التجنب و لوم الذات، والملاحظ مما استعرضناه من دراسات هو أننا لم نعثر على دراسة تناولت المتغيرات الثلاثة معا ، كما أن جل الدراسات ، التي درست العلاقة بين التفاؤل و التشاؤم و علاقتهما بكل من مركز الضبط و إستراتيجيات مواجهة الضغوط النفسية تمت في مجتمعات غير مجتمعنا، وعليه نطرح التساؤلات التالية:
01- هل هناك علاقة بين التفاؤل و مركز الضبط الداخلي ؟
02- هل هناك علاقة بين التشاؤم و مركز الضبط الخارجي؟
03- هل توجد علاقة بين التفاؤل وأساليب التعامل مع الضغوط المركزة على المشكل؟
04-هل توجد علاقة بين التشاؤم وأساليب التعامل مع الضغوط المركزة على الانفعال؟
فرضيات الدراسة :
01- توجد علاقة إرتباطية دالة بين التفاؤل و مركز الضبط الداخلي .
02- توجد علاقة إرتباطية دالة بين التشاؤم و مركز الضبط الخارجي .
03- توجد علاقة إرتباطية دالة بين التفاؤل وأساليب التعامل مع الضغوط المركزة على المشكل ،و التي تشمل ، حل المشكل ، والدعم الاجتماعي .
04- توجد علاقة إرتباطية دالة بين التشاؤم وأساليب التعامل مع الضغوط المركزة على الانفعال ،و التي تشمل ، التجنب ،وإعادة التقييم الإيجابي،ولوم الذات.
أهداف الدراسة : تهدف الدراسة الحالية إلى تحقيق مجموعة من الأهداف التي افترضها الباحث، وهي كما يلي:
01- التعرف على علاقة التفاؤل بمركز الضبط الداخلي.
02-التأكد من علاقة التشاؤم بمركز الضبط الخارجي.
03- التأكد من أن التفاؤل يرتبط بأساليب التعامل مع الضغوط النفسية المركزة على المشكل بأبعاده (حل المشكل، والبحث عن الدعم الاجتماعي).
04-التأكد من أن التشاؤم يرتبط بأساليب التعامل مع الضغوط النفسية المركزة على الانفعال بأبعاده ( التجنب، إعادة التقييم المعرفي، لوم الذات).
أهمية الدراسة : تكمن أهمية الدراسة الحالية في تناولها موضوعا علميا له أهميته في حياتنا الاجتماعية و النفسية، وهو: التفاؤل و التشاؤم وعلاقتهما بمركز الضبط وأساليب التعامل مع الضغوط النفسية من خلال ما يلي:
01- كونه أحد البحوث القليلة على حد علم الباحث التي تناولت دراسة متغير التفاؤل و التشاؤم في مجتمعنا, فضلا عن دراسته لشريحة مهمة من شرائح المجتمع ألا و هي شريحة الطلبة .
02- تنبع أهمية الدراسة الحالية من كون أن الميول التشاؤمية يمكن أن تعيق تحقيق الرضا و السعادة في الحياة و تدفع للاستسلام، ومن هنا فإن دراسة التفاؤل و التشاؤم يشكل إحدى الخطوات الأساسية في تحديد الأفراد الدين يمكن أن تقدم لهم المساعدة , مما قد يفيد المرشدين و الأخصائيين العاملين في مجال الصحة النفسية .
03- انطلاقا مما تقدم تكمن أهمية البحث في ظل ما يتميز به المجتمع الجزائري من عادات و تقاليد و ما يتعرض له من مؤثرات عصرية , و التي باتت ظاهرة للعيان و ما تفرضه على الشباب و منهم الطلبة بصفة خاصة من أنماط حياة جديدة و طموحات مستقبلية
04- تكمن أهمية الدراسة الحالية في تناولها لأحد الموضوعات البحثية ذات الأهمية في حياتنا الاجتماعية و النفسية و هو التفاؤل و التشاؤم و علاقته بمركز الضبط (ا لداخلي – الخارجي ) وأساليب التعامل مع الضغوط النفسية و التعرف على دورهما في المجتمع، الاستفادة من هذه الدراسة في تصميم برامج إرشادية نفسية موجهة للطلبة الجامعيين بغرض تنمية سمة التفاؤل لديهم .
تحديد المفاهيم :
التفاؤل Optimisme : يعرف (1985) carver Scheier & التفاؤل بأنه : ” النظرة الإيجابية والإقبال على الحياة، والاعتقاد بإمكانية تحقيق الرغبات في المستقبل، فضلا على الاعتقاد باحتمال حدوث الخير أو الجانب الجيد من الأشياء ، بدلا من حدوث الشر أو الجانب السيئ” .(20)
ويعرف الباحث التفاؤل نظريا بأنه توقع الفرد بأن أمورا إيجابية سوف تحدث له ، و يستبعد الأمور السلبية، أنه بذل قصارى جهده في سبيل تحقيقه،وهذا لاعتقاده بأن الأمور سوف تكون في صالحه، أما إجرائيا فهو الدرجة التي يحصل عليها الطالب على مقياس التفاؤل و التشاؤم المستخدم في الدراسة الحالية .
التشاؤم Pessimisme : يعرفه” بدر محمد الأنصاري” (1998) بأنه : ” توقع سلبي للأحداث القادمة , تجعل الفرد ينتظر حدوث الأسوأ ويتوقع الشر و الفشل و خيبة الأمل و يستبعد ما خلا ذلك إلى حد بعيد .(23)
ويعرفه الباحث نظريا بأنه توقع الفرد العام لوقوع أحداث سلبية في المستقبل بدل حدوث أحداث إيجابية وهو لا يقوم ببذل الجهود في سبيل تحقيق أهدافه لاعتقاده بأن الفشل سيكون حليفه، ويعرفه الباحث إجرائيا بالدرجة التي يحصل عليها الطالب على مقياس التفاؤل و التشاؤم المستخدم في الدراسة الحالية.
مركز الضبط locus of control: يعرفه (1966) Rotterبأنه :”اختلاف الأفراد في تعميم توقعاتهم حول مصادر التعزيز فيعتقد الأفراد ذو الضبط الداخلي أن التدعيمات التي تحدث في حياتهم تعود إلى سلوكهم و قدراتهم بعكس الأفراد ذوي الضبط الخارجي الذين يعتقدون أن التدعيمــات والمكافآت في حياتهم تسيطر عليها قوى خارجية كالحظ و الصدفة و القضاء و القدر .(24)
ويعرفه الباحث نظريا بأن مركز الضبط ( داخلي – خارجي ) بأنه قيام الشخص بنسب إنجازاته و نجاحاته أو فشله و إخفاقاته إلى قدراته و جهوده المبذولة من طرفه و ما يتخذه من قرارات ,في حين أن مركز الضبط الخارجي يقوم بنسب نجاحاته أو فشله و إخفاقاته إلى عوامل خارجية كالصدفة و الحظ و القدر، ويعرفه الباحث إجرائيا بالدرجة التي يحصل عليها الطالب على مقياس مركز الضبط ( داخلي –خارجي ) المستخدم في الدراسة الحالية .
1-5-4- أساليب التعامل مع الضغوط: يعرف كل من”(1984)Lazarus & Folkman بأنها:”ذلك التغيير المستمر في المجهودات المعرفية، والسلوكية من أجل إدارة المطالب الداخلية، والخارجية التي يعتبرها الفرد أنها ترهقه أو تفوق إمكاناته”.(22)
ويعرفها الباحثان بأنها تلك الأساليب التي يتعامل بها الفرد مع الأحداث التي تسبب له ضغوط التي تتوقف مقوماتها الإيجابية و السلبية نحو المشكل أو نحو الانفعال طبقا لقدرات الفرد واعتقاداته ومهاراته في كيفية مواجهة تلك الضغوط، وأما التعريف الإجرائي الذي يقدمه الباحث لأساليب التعامل في الدراسة الحالية فهو الدرجة التي يحصل عليها الطلبة من خلال إجاباتهم على عبارات مقياس أساليب مواجهة الضغوط المستخدم في هذه الدراسة .
المنهج المتبع في الدراسة: يعتبر المنهج المتبع في البحث العلمي من أساسيات أي بحث علمي ، حيث في ضوءه تتحدد مدى مصداقية نتائج البحث، و المنهج هو مجموعة من الإجراءات التي يتبعها الباحث للوصول إلى النتيجة،و قد اتبع الباحث المنهج الوصفي الإرتباطي لأنه الأنسب للدراسة.
حدود الدراسة :
المجال المكاني : تمت الدراسة هذه الدراسة بكل من جامعة الجزائر2، وجامعة بالبليدة (القطب الجامعي العفرون)،و جامعة يحي فارس بالمدية.
المجال الزمني : تم إجراء الدراسة في الموسم الدراسي 2012-2013 .
المجال البشري : تم إجراء الدراسة على عينة من الطلبة في المرحلة الجامعية .
عينة الدراسة: يتكون المجتمع الأصلي من طلبة الجامعات الذي يقدر عددهم على المستوى الوطني بحوالي 1.4 مليون طالب وطالبة، وقد اقتصرت الدراسة الحالية على ثلاث جامعات، وهي جامعة الجزائر2، وجامعة البليدة( القطب الجامعي العفرون)، وجامعة يحي فارس بالمدية، وقد تم اختيار عينة الدراسة بشكل عرضي اختياري ، أي أن أفراد البحث هم من أرادوا أن يكون ضمن عينة البحث، وهذا ما يضفي نوعا من المصداقية على المعطيات المجمعة، وقد بلغ عدد النسخ الموزعة 220، تم استبعاد (56) منها، (32) لاعتبارات قياسية والتي ستوضح فيما بعد، (24) لنقص البيانات أو لنمطية الإجابات المقدمة، وعليه فقد بلغت العينة النهائية (162) طالب وطالبة من الجامعات الثلاث ومن مختلف المستويات الدراسية أي من السنة الأولى إلى طلبة دراسات عليا، بواقع (98) طالبة، و (64) طالب، وقد تم تطبيق الاختيار بصفة جامعية أو فردية، أي أننا كنا نجمع المبحوثين في قسم والنطبق عليهم، وأحيانا أخرى نقوم بالتطبيق الفردي و استغرق التطبيق من 20 إلى 40 دقيقة، والجدول التالي يبين توزيع المبحوثين حسب الجامعات والجنس.
الجدول رقم (01): يبين توزيع أفراد العينة حسب الجامعة والجنس
الرقم | الجامعة الجنس | جامعة الجزائر (02) | جامعة البليدة | جامعة المدية | المجموع العينة | ||||
العدد | النسبة | العدد | النسبة | العدد | النسبة | العدد | النسبة | ||
01 | ذكور | 21 | 12.96% | 24 | 14.82% | 19 | 11.73% | 64 | 39.51% |
02 | الإناث | 37 | 22.84% | 29 | 17.90% | 32 | 19.75% | 98 | 60.49% |
03 | مجموع العينة | 58 | 35.80% | 53 | 32.72% | 51 | 31.48% | 162 | 100% |
04 | مجموع النسب | 100% | 100% | 100% |
نلاحظ من الجدول(01) أن هناك تناسق في العينة من حيث التمثيل،حيث كان عدد المبحوثين (162) طالب وطالبة،بواقع (64) طالب بنسبة تمثيل تقدر بـ(39.51%) من العينة الكلية، في بلغ عدد الإناث المبحوثات (98) بنسبة تمثيل تقدر بـ(60.49%)،وقد كان عدد الطلبة المبحوثين من جامعة الجزائر02 (58) بنسبة تمثيل تقدر بـ(35.80%)، حيث كان عدد الذكور(21) بنسبة (12.96%)، أما عدد الإناث فكان(37) بنسبة تقدر بـ(22.84%)،أما جامعة البليدة فكان عدد المبحوثين (53) طالب وطالبة بنسبة تمثيل تقدر بـ(32.72%) من العينة الكلية، حيث بلغ عدد الذكور(24)طالب بنسبة (14.82%)، أما عدد الإناث فبلغ (29) بنسبة تمثيل (17.90%) من عينة الدراسة الكلية، كما بلغ عدد المبحوثين من جامعة المدية(51) طالب وطالبة بنسبة تمثيل بلغت (31.48%)، وكان عدد الذكور(19) بنسبة تمثيل تقدر بـ(11.73%) من العينة الكلية، وبلغ عدد الإناث(32) بنسبة تمثيل قدرة بـ( 19.75%).
الأدوات المستخدمة في الدراسة : استخدم الباحث ثلاث أدوات تتمثل فيما يلي :
مقياس التفاؤل والتشاؤم : أعده (1989) Dember et al. لقياس التفاؤل والتشاؤم، وقد قام بترجمته و تقنينه على البيئة العربية “مجدي محمد الدسوقي” (2001) ويتكون المقياس من (56) عبارة تشمل (18) عبارة لقياس التفاؤل، ومثلها لقياس التشاؤم إلى جانب (20) عبارة مكررة بصيغ أخرى لكي يتم إخفاء الغرض من المقياس، ولإعداد المقياس في صورته العربية قام “مجدي محمد الدسوقي” (2002) بترجمة عباراته وقد كان حريصا على أن تتم الترجمة إلى اللغة العربية بأكبر درجة من درجات الحياد والموضوعية بحيث لا يتغير المعنى بأي حال من الأحوال، وكما ذكرنا سابقا أن المقياس يحتوي على مقياسين فرعيين لقياس التفاؤل و التشاؤم ولذلك فإن هناك عبارات تدل على التفاؤل وأخرى على التشاؤم و هي :
ـ العبارات التي تمثل المقياس الفرعي للتفاؤل هي :7- 11 – 12 – 15 -17 – 19 – 21 – 23 – 28 – 29 – 33 – 37 – 43 – 46 – 47 – 52 – 56 .
ـ العبارات التي تمثل المقياس الفرعي للتشاؤم هي : 2- 4 – 5 – 8 – 10 – 14 20 – 26 – 31 – 34 – 36 – 39 – 42 – 44 – 49 – 51 – 54 ، ووضعت لهذه الاستجابات أوزان متدرجة كالآتي أوافق تماما (4)، أوافق (3)، لا أوافق (2)، لا أوافق مطلقا (1)، ويستخدم الجمع الجبري في حساب الدرجة الكلية التي يحصل عليها المفحوص على كل مقياس فرعى على حدة، وحيث إن عبارات كل مقياس (18)، والاختيارات هي أربعة اختيارات فتكون الدرجة الدنيا (18)، والدرجة العليا (72).
الخصائص السيكومترية للمقياس : قام “مجدي الدسوقي” بحساب صدق المقياس على عينة بلغت (1000) فردا من الجنسين، حيث قام بحساب الصدق التلازمي على ثلاث فئات ( طلاب المرحلة الثانوية، طلاب الجامعة، راشدون)، حيث قدر الصدق التلازمي لدى فئة طلاب الثانوية بـ (0.62) بالنسبة لمقياس التفاؤل، و(0.61) على مقياس التشاؤم، أما فيما يخص طلبة الجامعة فقد أظهرت النتائج على مقياس التفاؤل فيما يخص الصدق التلازمي(0.59)، وعلى مقياس التشاؤم (0.53) وبالنسبة للراشدين فقد دلت النتائج على مقياس التفاؤل حصولهم على صدق تلازمي قدر بـ(0.60) و(0.61) على مقياس التشاؤم، وقد كانت جميع معاملات الارتباط دالة عند مستوى (0.01)، كما قام بحساب صدق المقياس بحساب صدق الاتساق الداخلي للبند مع المقياس ككل مع العينات الثلاثة، وقد تراوح صدق الاتساق الداخلي مابين (0.78) و(0.23)، وكانت كلها دالة عند مستوى (0.01)، أما فيما يخص ثبات المقياس، فقد استخدم طريقة التطبيق وإعادة التطبيق على نفس العينة بفاصل زمني قدره (21) يوما، باستعمال معامل الارتباط بيرسون، وألفا كرونباخ، وقدر الثبات بمعامل الارتباط بيرسون بالنسبة لعينة طلاب الثانوية على مقياس التفاؤل بـ ( 0.76)، وعلى مقياس التشاؤم بـ(0.69)، و بـ(0.69) على مقياس التفاؤل، و(0.71) بالنسبة لفئة طلاب الجامعة، وبالنسبة لعينة الراشدين فقدر الثبات على مقياس التفاؤل بـ(0.72)، وبـ(0.66) على مقياس التشاؤم، وكانت كلها دالة عند مستوى الدلالة (0.01)، وفيما يخص الثبات بحساب معامل الارتباط ألفا كرونباخ، فقد أظهرت النتائج الثبات بلغ (0.92) على مقياس التفاؤل، وعلى (0.90) على مقياس التشاؤم بالنسبة لعينة طلاب الثانوية، أما فيما يخص طلاب الجامعة فقد بلغ الثبات على مقياس التفاؤل (0.88)، و(0.91) على مقياس التشاؤم، أما عينة الراشدين دلت على ثبات قدر بـ( 0.91) على مقياس التفاؤل، و(0.89) على مقياس التشاؤم، كما كانت النتائج كلها دالة عند مستوى الدلالة (0.01).(11)
الخصائص السيكومترية للمقياس في الدراسة الحالية : يرى الباحث، من الضرورة إعادة التحقق من صلاحية المقياس، وخاصة وأن هذا المقياس يطبق لأول مرة في الجزائر على حد علم الباحث وقد قام بعدة خطوات يمكن تلخيصها فيما يلي:
صدق المحتوى عن طريق المحكمين: كان الهدف منه هو معرفة مدى دقة العبارات المقياس، وهل هي تقيس ما وضعت لقياسه وتم ذلك بعرضه على مجموعة من الأساتذة المحكمين(08) والذين أبدو ملاحظاتهم على المقياس، وقد تم في هذه الخطوة حساب نسبة إتفاق المحكمين بالنسبة للمقاييس الفرعية، وعدلت بعض العبارات، وقد بلغت نسبة إتفاق المحكمين بين (62.5%) و (100%)
صدق المقياس: تم حساب صدق المقياس بحساب صدق الاتساق الداخلي، وذلك بحساب صدق البند مع البنود الأخرى، حيث بلغ بالنسبة للمقياس الفرعي للتفاؤل(0.80) كحد أعلى، و(0.29) كحد أدنى، وفيما يخص المقياس الفرعي للتشاؤم، فقد بلغ(0.71) كحد أعلى و(0.31) كحد أدنى، وقد كانت جميع بنود المقياسين دالة عند (0.01)، و(0.05).
ثبات المقياس: قام الباحث بحساب ثبات المقياس عن طريق التطبيق وإعادة التطبيق بفاصل زمني قدره (15) على عينة بلغت (84) طالب و طالبة من جامعة الجزائر 02، و قد بلغ الثبات بالنسبة لمقياس التفاؤل بحساب بطريقة “ألفا كرونباخ (0.97)، أما فيما يخص المقياس الفرعي للتشاؤم فبلغ معامل الثبات (0.95) ، و هو ثبات عالي يدل على صلاحية المقياسين المستعملين، كما تم حساب ثبات المقياس بمعامل بيرسون، حيث قدر الثبات بـ(0.97) بالنسبة لمقياس التفاؤل، وبـ (0.95) بالنسبة لمقياس التشاؤم، وكل النتائج المتوصل إليها دالة عند مستوى الدلالة (0.01).
مقياس مركز الضبط : هو مقياس لـ Rotter، و قام بتعريبه و تقنينه على البيئة العربية “علاء الدين كفافي” (1982)،حيث يتكون المقياس من (29) بندا ذات الاختيار الإجباري، حيث يعرض كل بند حالتين أو حادثتين من الأحداث التي تقع عادة في المجتمع ويطلب من المفحوص اختيار لحادثة (أ) أو (ب) التي يرى أنها تناسب اعتقاده أكثر، وتشير (23) فقرة إلى اتجاهات داخلية – خارجية نحو مصادر التعزيز، أما (06) فقرات الباقية فهي فقرات دخيلة وضعت حتى لا يكتشف المفحوص هدف المقياس، فهي وضعت للتمويه ولتقليل ظهور الاستعدادات للاستجابة بصورة معينة مثل الاستجابة المتطرفة، أو الاستجابة المستحسنة اجتماعيا أو استجابة عدم الاكتراث، وعلى المفحوص أن يقرأ العبارتين معا، ثم يختار منها ما يتفق ووجهة نظره . (26)
وفيما يخص الدرجات يعطي للمبحوث درجة 1 للعبارة (أ) التي تعبر عن الضبط الداخلي،في الفقرات : 2- 6- 7- 9- 16- 17- 18- 20- 21- 23- 25- 29- كما يعط درجة 1 للعبارة (ب) التي تعبر عن الضبط الخارجي الواردة في الفقرات: 3 – 4 – 5 – 10 – 11 – 12 – 13 – 15 – 22 – 23 – 25 29، كما يتم إلغاء البنود الحيادية السنة التي وضعت خصيصا للتمويه، حتى لا يكتشف الهدف من المقياس وتمل الفقرات: 1 – 8 – 14 – 19 – 24 – 27، و يمنح المبحوث درجة واحدة(01) إذا اختار الفقرة التي تعبر عن الاتجاه الخارجي، بينما يمنح صفرا(0) عن الفقرة التي تعبر عن الاتجاه الخارجي، ومدى الدرجات على هذا المقياس هي من 0 إلى 23، ويصنف المبحوثين على هذا المقياس إلى فئتين، الأولى تضم ذوي مركز الضبط الداخلي، وهم الذين يحصلون على درجات تتراوح ما بين (0 إلى 06) درجات، والفئة الثانية تضم ذوي الضبط الخارجي وهم الذين يحصلون على درجات مرتفعة تتراوح، ما بين (10 إلى 23) درجة، أما الذين يحصلون على درجات تتراوح مابين (07 إلى 09) فلا يدخلون في عملية القياس .(27)
الخصائص السيكومترية للمقياس : هو مقياس تم تكييفه من “طرف علاء الدين كفافي” (1982) واعتمدنا على تكييف هذا الأخير باعتباره صالحا للبيئة العربية، وقد قام هذا الأخير بحساب الصدق الذاتي للمقياس على عينة عددها (106) طالب وطالبة ويلغ الصدق الذاتي (0.78)، كما تم حساب معامل ثبات المقياس في البيئة العربية من طرف “سيد عبد الله” (2000) بطريقة تطبيق الاختبار، وإعادة التطبيق على عينيتين الأولى من الذكور، والثانية من الإناث، فوجد معامل الثبات يساوي (0.87) عند الذكور و (0.83) عند الإناث. (26)
الخصائص السيكومترية في الدراسة الحالية :
صدق المقياس: قام البحث بحساب صدق المقياس عن طريق حساب صدق الاتساق الداخلي للبند مع البنود الأخرى المكونة للمقياس، وهذا على نفس العينة المقدرة بـ(84) طالب وطالبة، وباستعمال معامل الارتباط بيرسون، حيث تراوح صدق الاتساق الداخلي للبنود بين (0.28) كحد أعلى، و(0.77) كحد أعلى.
ثبات المقياس : تم حساب ثبات المقياس عن طريق التطبيق و إعادة التطبيق بفاصل زمني قدره (15) يوما على نفس العينة و المقدرة بـ (84) طالب و طالبة، و قد بلغ ثبات المقياس باستعمال معادلة “ألفا كرونباخ ” بـ (0.95)، كما تم حساب ثبات المقياس باستعمال معامل الارتباط “بيرسون” وبلغ (0.95)، وهو دال عند مستوى دلالة(0.01).
مقياس أساليب التعامل مع الضغوط النفسية : قامت”بولهان وآخرون” (1994) Paulhan et al بتكييف نسخة”فيتالينو وآخرون”Vitaliano et al المتكونة من (42) بندا وكانت النتيجة استبقاء (29) بندا وقد تضمنت خطوات التكيف ترجمة السلم من طرف مخبر اللغات بجامعة Bordeaux، ثم تطبيقه على مجموعة تضم (501) راشد بين طلاب وعاملين من الجنسين (172 رجلا، 329 امرأة) تتراوح أعمارهم ما بين 20 و 35 سنة بإتباع نفس التعليمة، وقد كشفت نتائج التحليل العاملي على أنه هناك بنود الاختبار تأخذ بعين الاعتبار محور عام للمواجهة الذي يضم أساليب التعامل المركزة حول المشكل وأخرى حول الانفعال،وهي: (حل المشكل. التجنب. البحث عن السند الاجتماعي. إعادة التقييم الإيجابي.تأنيب الذات).
وينقسم المقياس إلى محوران أساسيان وهما: التعامل المركز على المشكل وتضم: (أساليب حل المشكل: تتكون من (08) بنود وهي: 1 – 4 – 6 – 13– 16 – 18 24 – 27 )، و(أساليب التعامل بالبحث عن الدعم الاجتماعي: تضم (05) بنود وهي: 5 – 10– 15– 21 – 23.)، و أساليب التعامل المركز على الانفعال: (أساليب التجنب: تضم (07) بنود هي: 7 – 8 – 11 – 17 – 19 – 22 – 25.) (أساليب إعادة التقييم الإيجابي، وتضم (05) بنود وهي: 2 –5 -9– 12 – 28.) (أساليب تأنيب الذات: وتضم (04) بنود هي: 4 – 20 – 26 – 29.)، كما أنه يتم تنقيط وفق مسلم متدرج من (1-4)، لا(01)نقطة واحدة، تقريبا لا(02) نقطتين،(03) نقاط على تقريبا نعم، نعم(04)نقاط، وهو تنقيط معتمد في جميع البنود ما عدا البند (15) الذي يكون تنقيطه بعكس البنود الأخرى أي (4) إلى (1). (27)
الخصائص السيكومترية للمقياس:أظهر المقياس في صورته المكيفة على المجتمع الفرنسي حسب (1994) Paulhan et al بواسطة التحليل العاملي للمكونات الأساسية النتائج التالية: عامل عام يضم ضمنه أساليب خاصة بالتعامل المركزة على المشكل والمواجهة المركزة على الانفعال بنسبة تشبع 12 %، و من جهة أخرى أظهر التحليل العاملي بواسطة طريقة فاريمكس وجود خمسة أبعاد نوعية لأساليب التعامل تصل نسبة التشبع إلى 35 % من التباين العام، ويتعلق الأمر بالأبعاد التالية: ـ حل المشكل 9.4 % ـ التجنب 7.5 % ـ البحث عن السند الاجتماعي 6.5 % ـ إعادة التقييم الايجابي 5.9 % ـ لوم الذات 5.7 %.
أما في الجزائر، فقد قامت الباحثة “شهرزاد بوشدوب” (2009) في إطار إعدادها لرسالة الماجستير بترجمة المقياس وعرض صورة أولية على خمسة محكمين من أستاذة علم النفس وعلوم التربية بجامعة الجزائر 02، بغرض تحديد مدى تكافؤ معنى البند في اللغتين، وقد وافق الأستاذة على أن الترجمة صحيحة وسليمة، أما فيما يخص الاتساق الداخلي فقد قدرت قيمة معامل الارتباط بيرسون بين الدرجة الكلية للمقياس والدرجة في المقياس الفرعي لأساليب التعامل المركزة على المشكل بـ (0.80)، والارتباط بين الدرجة الكلية للمقياس والدرجة في المقياس الفرعي لأساليب التعامل المركزة على الانفعال بـ (0.82) مما يدل على صدق المقياس، كما تم حساب الثبات على عينة قوامها (47) طالب وذلك بطريقة إعادة الاختبار بحيث قدرت قيمة معامل بيرسون بين درجات التطبيق الأول والثاني بـ (0.90) مما يعكس ثبات قوي للمقياس. (27)
الخصائص السيكومترية في الدراسة الحالية :
صدق المقياس : تم حساب صدق المقياس عن طريق الصدق الاتساق الداخلي للمقياس بطريقتين هما : الصدق الداخلي لكل بعد من أبعاد المقياس ، كما تم كذلك حساب صدق الاتساق الداخلي للمقياس ككل، حيث بلغ صدق الاتساق الداخلي لبعد أساليب التعامل عن طريق حل المشكل مابين ( 0.76) كحد أعلى،و(0.54) كحد أدنى .و كانت معظم البنود التي يشملها البعد دالة عند مستوى الدلالة (0.01)، وفيما يخص البحث عن الدعم الاجتماعي فقدر صدق الاتساق الداخلي لبنوده مابين (0.43، و0.67)، وكانت دالة عند مستوى الدلالة (0.01)، أما أساليب التعامل المركزة على الانفعال، فبلغ صدق الاتساق الداخلي للتجنب بين (0.55، و0.76)، و(0.35، و0.70) لإعادة التقييم الإيجابي، وبخصوص لوم الذات فتراوح صدق الاتساق الداخلي للبنود (04) الممثلة لهدا الأسلوب ما بين (0.44, و 0.7)،وهي دال عند مستوى (0.01). كما أظهر صدق الاتساق الداخلي لبنود المقياس الكلي صدق مرتفعا، حيث تراوح مابين (0.31)، و(0.70)، وهو دال عند مستوى الدلالة(0.01).
ثبات المقياس: قام الباحث بحسابه على عينة بلغت (84)طالب وطالبه بفاصل زمني قدره(15)يوما، حيث قدر الثبات للمقياس ككل بـ(0.87)باستعمال معامل بيرسون، و(0.57) باستعمال معامل ألفا كرونباخ، كما تم حساب ثبات كل بعد من الأبعاد، حيث بلغ الثبات لبعد حل المشكل باستعمال بيرسون (0.93)، و(0.83)باستعمال ألفاكرونباخ، أما أسلوب البحث عن الدعم الاجتماعي فقد بلغ الثبات ببيرسون(0.91)، و(0.58)بألفاكرونباخ، وبخصوص بعد التجنب فبلغ معامل الثبات باستعمال بيرسون(0.97)، و(0.78) باستعمال ألفاكرونباخ، كما بلغ الثبات باستعمال بيرسون لبعد إعادة التقييم الإيجابي(0.96)، و(0.44) باستعمال ألفاكرونباخ، أما بعد لوم الذات، فبلغ الثبات (0.94) ببيرسون، و(0.47) باستعمال معامل ألفا كرونباخ، وكانت كلها دالة عند مستوى الدلالة(0.01).
التقنيات الإحصائية المستعملة في الدراسة : تم استعمال في هذه الدراسة عدة تقنيات إحصائية سوف نوردها كما يلي : التكرارات. المتوسطات الحسابية.الانحرافات المعيارية. اختبار T-test. معامل الانحدار الجزئي.
معامل بيرسون . معامل الارتباط المتعدد.
عرض وتحليل و مناقشة النتائج: بعد قيام الباحث بتطبيق المقاييس المستخدمة في الدراسة على عينة من طلبة الجامعة بغية التوصل إلى نتائج تثبت الفرضيات المقترحة أو تدحضها، وعليه فقد توصل الباحث إلى نتائج، و التي سوف نوردها تباعا.
عرض وتحليل ومناقشة الفرضية الأولى:لفحص ودراسة الفرضية الأولى التي مفادها “توجد علاقة بين التفاؤل ومركز الضبط الداخلي”، حيث تم الاعتماد على معامل الارتباط بيرسون، والتي يمكن تمثيلها في الجدول التالي :
جدول رقم (02) : يبين العلاقة بين التفاؤل و مركز الضبط الداخلي
مركز الضبط الداخلي | مستوى الدلالة | القرار | |
التفاؤل | 0.84- | 0.01 | دال |
نلاحظ في الجدول (02) أن هناك علاقة سالبة بين التفاؤل و مركز الضبط الداخلي قدرت بـ (0.84-)، وهي دالة عند مستوى الدلالة (0.01)، وعليه نرفض الفرضية الصفرية، حيث تدل هذه النتيجة على أنه كلما زادت درجات الفرد على التفاؤل ، نقص اعتقاد الفرد في الضبط الداخلي، بمعنى تفسير نتائج سلوكه بعوامل خارجية وبالتالي عدم مسؤوليته عليه.
وتتفق هذه النتيجة مع كل من، “مجدي محمد الدسوقي”(2007)،إسماعيل أحمد (2001)، و هشام مخيمر ومحمد عبد المعطي (2000)، وأحمد عبد الخالق (2000).في شقها الأول بوجود علاقة بين التفاؤل ومركز الضبط الداخلي، في حين تختلف في نوعية العلاقة، باعتبار أن الدراسة الحالية كشفت عن علاقة سلبية، في حين كانت العلاقة موجبة في الدراسات سابقة الذكر، أي أنه كلما ارتفع التفاؤل زاد اعتقاد الفرد في الضبط الداخلي وكلما قل التفاؤل قل الاعتقاد في الضبط الداخلي.
وعليه تعتبر النتيجة المتوصل إليها مخالفة إلى حد كبير، حيث أنه كلما كان الفرد يدرك الأشياء من حوله بطريقة إيجابية ويتوقع النجاح دائما كلما كان يميل إلى تحمل مسؤولية أفعاله.
ويرى الباحث أنه يمكن تفسير هذه العلاقة من خلال ما يراه أن عملية نمو وتطبيق مفهوم الضبط قد خضع على مر السنين إلى تركيز ثقافي اجتماعي غربي،والذي يعتبر فيه الحصول أو الاتصاف بالضبط الشخصي على المواقف والأحداث هو أفضل السيناريوهات ،ويضيف أن الثقافة الغربية والتي ظهر فيها ونما مفهوم الضبط الداخلي، دائما تعطي قيمة مرتفعة للاستقلال الشخصي، وقد أثرت هذه القيم في نمو مفهوم مركز الضبط، وبالتالي فإن التركيز المستمر داخل مجال علم النفس على الضبط الشخصي يوازي انشغال المجتمع الغربي بالاستقلالية.
ويظهر هذا التحيز في تأكيدات “ليفكورت”(1982)Lefcourt الذي يرى أن الإنسان يجب أن يكون أكثر تأثيرا وأكثر قدرة على أن يدرك نفسه بوصفه المحدد لقدره إذا ما أراد أن يعيش في سلام مستريحا مع نفسه.
كما يلاحظ أن مختلف الدراسات النفسية مند أن ظهر مفهوم مركز الضبط الداخلي، توصلت إلى شبه إجماع على أن الاعتقادات في الضبط الداخلي، وهذه الدراسات تدعم الفكر الغربي، وكما هو معلوم على حساب اعتقاد الباحث أن مختلف النظريات تتأثر بالعوامل الثقافي، والقيم والمعتقدات السائدة، وبالتالي فإن ذوي المستوى المرتفع اجتماعيا واقتصاديا هم أصحاب السلطة والقرار وبالتالي فإن الفرد البسيط لا يستطيع أن يسلك اتجاها داخليا ما دام أنه يعاني اقتصاديا وهو بعيد كل البعد عن صنع القرار.
وهذا ما ذهب إليه”ماركس”(1998)Marks باعتبار مركز الضبط الداخلي يعكس ديموغرافية المجتمع الأمريكي بمعنى يتم ظهور الضبط الداخلي، والإعلان عنه بطريقة أكثر لدى الأغلبية، مثل الأمريكيين من أصل أوروبي، وأعضاء المستوى الاجتماعي والاقتصادي المرتفع، عكس ما يحدث لدى جماعات الأقلية، والتي يتصف أفرادها بالضبط الخارجي، وترجع هذه الاختلافات حسب”ليفكورت”(1982)Lefcourt بين هذه الجماعات والجماعة الأميركية من أصل أوروبي إلى مدى توافر الفرص لكل جماعة من هذه الجماعات. (28)
وعليه يرى الباحث أن التأثيرات الثقافية التي يحملها مركز الضبط الداخلي لا تتماشى مع ثقافتنا باعتبار الشرخ الثقافي بين تلك المجتمعات الغربية ومجتمعنا المحلي، رغم أن البعض يقول أن المجتمع الجزائري متشبع بالثقافة الغربية، إلا أن هذا التشبع سطحي، ولا يحمل تشبع فكريا غربيا الذي يمجد الاستقلالية الفردية على غرار مجتمعنا الذي لا يزال الفرد يترنح فيه مابين الأصالة التي لا تشجع الاستقلال الفردي، وبين المعاصرة التي تشجع الاستقلال الفردي، وهذا الاختلاف طبيعي لاعتبارات أن البنية الاجتماعية و الأسرية المشكلة للمجتمع الجزائري تختلف كليا على تلك المشكلة في المجتمع الغربي، باعتبار أن الفرد في مجتمعنا لا يستطيع إتخاد أهداف وتخطيط لها دون أن يرجع إلى الذي يتحكم في الأسرة، وأبسط مثال على ذلك فإن اختيار التخصص الدراسي لا يكون الاختيار نابع من قناعة الفرد بل يكون عادة قرارا مشتركا بينه وبين الأسرة، وبالتالي فإن تفاؤل الفرد وإن كان مؤسسا على أسس منطقية إلا أنه لا يتحكم فيها بشكل مباشر لاعتبارات اجتماعية تحكمها عوامل ثقافية يصعب تجاوزها.
ولتفسير ذلك يجب ذكر ما ذهب إليه”روتر”(1975)Rotter إلى أن بعض النفسيين ينظرون إلى اختيار العبارات التي توضح الضبط الخارجية بطريقة حرفية، ويفترضون أن السلبية هي العائد الوحيد المنطقي للتوجهات الخارجية للضبط، ويعلق”روتر” بقوله ….أن مثل هذه الاتجاهات السلبية الخارجية، ربما تكون هي المعيار أو القاعدة في الثقافات الأكثر جبرية أو قدريةFatalistic مثل الثقافة الإسلامية.(25)، وهذا ما يجعل الباحث يشير إلى نقطة أساسية و هي الجانب الديني، فالإسلام يتبوأ دورا كبيرا في حياة الفرد المسلم، باعتبار أن التفاؤل ضمن الأخلاق التي يجب أن يتصف بها الفرد المسلم، كما أن الإسلام دعا إلى التفاؤل في وقت الرخاء والشدة، كما حذر الله عباده من القنوط واليأس والتشاؤم، وتأكيدا لهذا تؤكد دراسة “أمين القضاة” (2000)على التوجه الإسلامي لزيادة التفاؤل لدى الفرد من خلال الاعتقاد بالله، وكذلك حسن الظن بالله، والاتجاه إلى الله تعالى بالدعاء، كما أن الإيمان بالقضاء والقدر هو جزء من عقيدتنا، ولا تكتمل عقيد المسلم إلا إذا آمن بالقضاء والقدر، و الذي يعتبر عامل خارجي في مركز الضبط هو اعتقاد بالنسبة للفرد المسلم، هذا ما يجعل الباحث يقول أن الاتجاه نحو مركز الضبط الخارجي ونقص الاعتقاد في مركز الضبط الداخلي، تتحكم فيه عوامل دينية بإمتياز.(29)
كما يمكن تبرير هذه العلاقة من زاوية أخرى، وهي من خلال سمة التفاؤل، الذي يعتبر أن له دافعية قوية لتحقيق الأهداف وهذا من خلال التخطيط الجيد لأن تصبح تلك الأهداف واقعية، لكن يمكن لهذا التخطيط الجيد أن يكون ناقصا، أو تتداخل عوامل أخرى لم تكن ضمن هذه المخططات، ما يؤدي إلى فشل تلك الأهداف أو تقلصها، فيحاول نسب ذلك العجز أو الفشل إلى عوامل خارجة عن السيطرة، وهذا ما ذهب إليه “والستون”(1994)Wallston على أنه يوجد ما يطلق عليهم بالأفراد بالمتفائلين الحذرينCautious Optimists الذين ينشغلون على الرغم من توقعاتهم الإيجابية للنتائج بالسلوكيات التي توحي وكأن النتائج غير مؤكدة، وهذا السلوك يماثل ما يقوم به المتشائمين. (30)
عرض وتحليل ومناقشة الفرضية الثانية : لفحص ودراسة الفرضية الثانية التي جاءت على النحو التالي “توجد علاقة بين التشاؤم و مركز الضبط الخارجي”، قمنا بإختبار الفرضية الصفرية بإستخدام معامل الارتباط بيرسون، و التي نعرض النتائج في الجدول التالي:
جدول رقم (03) : يبين العلاقة بين التشاؤم و مركز الضبط الخارجي
مركز الضبط الداخلي | مستوى الدلالة | القرار | |
التشاؤم | 0.88 | 0.01 | دال |
نلاحظ من الجدول (03) أن هناك علاقة موجبة بين التشاؤم و مركز الضبط الخارجي قدرت بـ (0.88)، وهي دالة عند مستوى الدلالة(0.01)،وعليه نرفض الفرضية الصفرية ونقبل فرضية البحث، حيث تدل هذه النتيجة أنه كلما زاد التشاؤم زاد الاعتقاد في الضبط الخارجي، وتتفق هذه النتيجة مع كل من، مجدي محمد الدسوقي(2007)،إسماعيل أحمد (2001)، ومخيمر ومحمد عبد المعطي (2000)، وأحمد عبد الخالق (2000)، وتعبر هذه النتيجة أنه كلما أدرك الفرد الأشياء من حوله بطريقة سلبية وتوقع الفشل ويرى أن الأمور و التطلعات المستقبلية تسير في الاتجاه المعاكس، كلما كان ينسب فشله إلى قوى خارجة عنه ، وينظر إلى ضبط الأحداث على أنه يكمن في مكان آخر خارجا عنه، ويعتقد أن ما يحققه يكون مدفوعا بعوامل خارجية، كالحظ و الصدفة ،أو مساعدة الآخرين، وإذا عدنا إلى تعريف كل من التشاؤم ومركز الضبط نجد هنا بعض القواسم المشتركة التي تجمعهما، حيث يعرف “صلاح مراد ومحمد عامر”(2001) التشاؤم بأنه: “استعداد انفعالي و معرفي معتم ونزعة للاعتقاد، أو استجابة انفعالية اتجاه الآخرين, واتجاه الأحداث بطريق سلبية، وتوقع نتائج مستقبلية سيئة وضار،و يميل المتشائم إلى الاعتقاد بأن الحاضر و المستقبل سلبيان بأحداثهما، وان تلك الأحداث السلبية تفوق الإيجابية، أما “روتر” Rotter فيعرف الضبط الخارجي بقوله : “أنهم يعتبرون أقل جدية واهتماما في بدل الجهد ويحاولون أن يسقطوا فشلهم و عدم إنجازاتهم على غيرهم ، ولا تكون لديهم روح المنافسة و العزيمة و الصبر على الفشل و يستسلم الواحد منهم من أول وهلة.” (31)
وعند تمعننا في كل من التعريفين، يتضح لنا أن هناك بعض القواسم المشتركة بينهما فإذا قلنا أن التشاؤم هو عملية إسقاطيه للأحداث السلبية على الحاضر و المستقبل نتيجة الخبرات الماضية الفاشلة،و أن الفشل يولد الفشل،و بالتالي هو مستسلم لا يقاوم لتحسين وضعه، وهذا ما يدفعه إلى الاعتقاد في مركز الضبط الخارجي لاعتقاده باستحالة تغيير الأوضاع إلى الأحسن، و هنا يكون الفرد المتشائم يحمل تصورا عن ذاته بعدم القدرة على ضبط الأمور، فإنه حتما سيحاول تبرئة نفسه من خلال إلصاق الفشل بالآخرين، كما تلعب المعتقدات و الأفكار أو طريقة تفكير الفرد المتشائم حول قدراته وإمكانياته في التعامل مع المواقف و الأحداث التي تعترضه دورا كبيرا في تشاؤمه، وربما تكون لديه معتقدات خاطئة عن إمكانيته وقدراته الشخصية،نتيجة قراءاتهم المستقبلية الخاطئة أو نتيجة التعميم على كل الأحداث، ومن هذا المنطلق فإن المتشائم الذي يكون معتقدات خاطئة عن ذاته وقدراته في تغيير الأوضاع يتلقون تعزيزات إيجابية باستمرار السلوك التشاؤمي، وذلك بنسب تلك السلبيات إلى عوامل خارجية .
عرض وتحليل ومناقشة الفرضية الثالثة: لفحص ودراسة الفرضية الثالثة التي مفادها:” توجد علاقة بين التفاؤل و أساليب التعامل مع الضغوط المركزة على المشكل، و التي تشمل ، حل المشكل ، والدعم الاجتماعي.”، وتم الاعتماد في التأكد من الفرضية الصفرية على معامل الارتباط بيرسون،والانحدار، والتي نمثلها في الجدول التالي:
جدول رقم (04) : يبين العلاقة بين التفاؤل وأساليب التعامل المركزة على المشكل بأبعادها(حل المشكل، والبحث عن الدعم الاجتماعي)
التفاؤل | ||||||
المتغير | الإرتباط | R- deux ajusté | R- deux | Bèta | مستوى الدلالة | القرار |
إستراتيجيات المواجهة المركزة على المشكل | 0.53 | 33.2% | 32.4% | 0.01 | دال | |
إستراتيجية حل المشكل | 0.34 | 47.1% | 0.01 | دال | ||
إستراتيجية البحث عن الدعم الإجتماعي | 0.36 | 43.8% | 0.01 | دال |
من خلال الجدول نلاحظ ارتباط التفاؤل بأساليب التعامل المركزة على المشكل بـ (0.53) و هو دال عند مستوى 0.01، أما فيما يخص ارتباط التفاؤل بأسلوب حل المشكل فقد بلغ (0.34)،وهو دال عند مستوى 0.01،كما ارتبط التفاؤل بأسلوب البحث عن الدعم الاجتماعي بـ: (0.36) وهي علاقة دالة عند مستوى 0.01، على إثر هذه النتيجة نرفض الفرضية الصفرية ونقبل بفرضية البحث، وهذا ما توافق مع دراسة كل من “أيزنك و روزمان ” (1998) Rothmann &Essienko ،و “مايسة شكري” (1999)،”محمد رجب” (2001)،” فونتين و أخرون ” (1993)Fontaine et al
وتعتبر هذه النتيجة منطقية إلى حد ما، فقد أظهرت إجابات عينة الدراسة على بنود مقياس التفاؤل لــ”مجدي محمد الدسوقي ” أن المتفائلين كانوا أكثر ميلا لأساليب التعامل المركزة على المشكل، وهذا ما عبر عنه “شاير وكارفر”(1993) Scheier & Carver بالقول بأن المتفائلين يحتفظون عادة بمستويات مرتفعة من حسن الحال أثناء أوقات الضغط، أكثر مما يفعل الأفراد الأقل تفاؤلا ، حيث نجد أن المتفائلين لهم القدرة على التعامل مع الضغوط النفسية بأساليب أكثر فعالية و نجاعة .(32)
ومن هذا المنطلق نلاحظ أن المتفائلين يواجهون الضغوط بأكثر تكيفا، فهم يتجهون مباشرة نحو حل المشكل، حيث أنهم أكثر تخطيطا في تعاملهم مع التنوع الذي يواجهونه و أكثر تركيز لجهودهم و تحمل المشاق التي تواجههم بواقعية أعلى من المتشائمين، و يبدوا أنهم أكثر عزما على الاستفادة من الخبرات السلبية في نموهم الشخصي،و يحاولون فعل الأفضل في المواقف السيئة، كما أن النظرة التفاؤلية في الحياة تساعد على تحديد الأهداف و تحقيق الذات و لهذا فإن التفاؤل يعتبر أسلوبا و جوديا قويا في التعامل بفعالية مع الضغوط النفسية و إيجاد الأساليب الملائمة، فهو يؤثر على إدراك الفرد و استجاباته نحو معوقات الحياة اليومية ويساهم في خفض أثارهما الجسمية و النفسية ، و لهذا ينظر الباحثون إلى فعالية التفاؤل الذي يمكن تصنيفه ضمن النظريات الخاصة بالتوقعات من زاوية تأثير الاعتقاد الشخصي على سلوك الفرد ،الذي يعتقد أن لديه الثقة بقدراته على تحقيق الهدف فإنه لن يتوانى في بدل الجهد تجاه ذلك الهدف، وعلى نحو مماثل إذا اعتقد بأن الهدف خارج إمكاناته فإنه ربما يتوقف عن بذل الجهد، كما أن التفاؤل يتميز بتقييم أفضل للمواقف التي يتعرض لها، و لهذا يمكن اعتبار التفاؤل أحد السمات الفعالة في التعامل مع الضغوط النفسية، كما يمكن تفسير هذه العلاقة من خلال ماجاء به “كارفر و شاير “Carver & Scheier في تعريفهما للتفاؤل بأنه : “توقع النتائج الجيدة في حل المشكل.”(6)، فمن المنطقي أن يرتبط التفاؤل بأسلوب حل المشكل، وكذلك بأسلوب الدعم الاجتماعي التي تعتبر من الأساليب الوسيلية ،وارتباطها بالتفاؤل يعتبر شيئا منطقيا لأنهما تعبران عن المشاعر و الانفعالات، ويمكن تبيان ذلك من خلال ارتفاعات تقديرات الأبعاد المشكلة للأساليب المركزة على المشكل، و التي تدل على ارتفاع درجة التفاؤل، وتقدر نسبة تفسير التغير في درجات الأبعاد من خلال حساب حجم التأثير، في التفاؤل بــ:33.2%، حيث تساهم أساليب حل المشكل بــ:47.1%، كما تساهم أساليب البحث عن الدعم الاجتماعي بما نسبته 43.8% .
ويذهب ” لازاروس و فولكمان ” (1984) Lazarus & Folkman أنه يتم التعامل مع الموقف من خلال تقييم الخطر و مواجهته، و يعتمد تقييم الخطر على تقييم الموقف و دراسة المصادر التي يمكن من خلالها مواجهة الموقف، ويرتبط التفاؤل إرتباطا وثيقا بقدرة الفرد على المواجهة، بحيث كلما زاد تفاؤله بالحياة زادت إمكانياته لمواجهة متاعبها.(9)
و في دراسة أجراها ” فونتين و أخرون ” (1993)Fontaine et al حول علاقة التفاؤل بأساليب التعامل مع الضغط النفسي على عينة شملت (420) طالبا، حيث بينت الدراسة أن هناك علاقة إيجابية بين التفاؤل وأساليب التعامل المركزة على المشكل.(34)
ويمكن تفسير لجوء المتفائلين إلى استخدام أساليب التعامل المركزة على المشكل إلى نوع من التريث لما توفره هاته الأساليب من معلومات حول المواقف الضاغطة التي تواجههم في صورة البحث عن الدعم الاجتماعي ، ومن تخطيط لحل المشكلات و القيام بتحليل للوضعيات الضاغطة ،بهدف وضع الحلول المناسبة التي لها تأثير إيجابي على الحل الفعال باعتبار التفاؤل هو توقع إيجابي يتعلق بالمستقبل، ويحفز الفرد على توقع حدوث أشياء إيجابية له،وهو يتعلق بمستويات عالية من الثقة بالنفس و المثابرة وبطريقة تغلب الفرد على السلبيات بشكل واضح .
عرض وتحليل ومناقشة الفرضية الرابعة: لفحص ودراسة الفرضية الرابعة التي مفادها:” توجد علاقة بين التشاؤم و أساليب التعامل مع الضغوط المركزة على الانفعال، و التي تشمل(التجنب ، وإعادة التقييم الايجابي، ولوم الذات)”، وتم الاعتماد في التأكد من الفرضية الصفرية على معامل الارتباط بيرسون، والانحدار، والتي نمثلها في الجدول التالي:
جدول رقم (05) : يبين العلاقة بين التشاؤم و أساليب التعامل المركزة على الانفعال بأبعادها(التجنب، إعادة التقييم الايجابي، لوم الذات).
التشاؤم | ||||||
المتغير | الإرتباط | R- deux ajusté | R- deux | Bèta | مستوى الدلالة | القرار |
أساليب المواجهة المركز على الإنفعال | 0.73 | 57.4% | 58.2% | 0.01 | دال | |
أساليب التجنب | 0.53 | 37.2% | 0.01 | دال | ||
أساليب إعادة التقييم الإيجابي | 0.60 | 42.5% | 0.01 | دال | ||
أساليب لوم الذات | 0.46 | 27.7% | 0.01 | دال |
يتبين من الجدول أن هناك ارتباط بين التشاؤم وأساليب التعامل المركزة على الانفعال ، حيث قدرت بـ(0.73) و هي علاقة دالة عند مستوى (0.01)، كما تم إيجاد علاقة بين التشاؤم وبعد التجنب ،حيث قدر بـ(0.53)وهي كذلك دالة،وتبين كذلك أن التشاؤم يرتبط ببعد إعادة التقييم الإيجابي بـ(0.60)،ووجدت علاقة بـ(0.46) بين التشاؤم و أساليب لوم الذات و كلاهما دال عند مستوى الدلالة (0.01)، وهذا ما يدعوا الباحث إلى رفض الفرضية الصفرية وقبول فرضية البحث، وتتفق النتائج المتوصل إليها مع بعض الدراسات “أيزنك و روزمان” (1998) Eyssienk&Rothmans ، و”مايسة شكري” (1999)،”محمدرجب”(2001)،”فونتين وآخرون” (1993)Fontaine et al.
وعليه فإن ميل الفرد المتشائم إلى أساليب التعامل المركزة على الانفعال هو شيء طبيعي لأن مميزات الفرد المتشائم، أنه لا يستطيع مواجهة المشكلات و الأحداث الحياتية الضاغطة، وبالتالي فإنهم يستعملون أساليب لا تواجه الضغوط باعتبار نظرتهم السوداوية نحو المستقبل،ففي اعتقادهم بأن الأحداث التي مروا بها والتي كانت سلبية سوف تستمر، وبالتالي فإنهم يميلون إلى تلك الأساليب لتجنب زيادة الضغوط النفسية، كما يعتبر كل من “شاير و كارفر ” (1987) Scheier & Carver التشاؤم بأنه توقع سلبي للأحداث المستقبلية ،وهو يجعل الفرد يتوقع حدوث أشياء سلبية، يتعلق بمستويات عدم الثقة و عدم المثابرة بشكل عام،و عدم القدرة على التغلب على السلبيات بشكل خاص.(35)
وعليه يمكن اعتبار التشاؤم كمكون معرفي يتكون من شعور الفرد بعدم الثقة وبحصوله على نتائج سلبية،وعدم الثقة هذه مؤسسة على تقدير نسبي للفرد بعدم شعور بكفاءته الشخصية ،وعليه فإن الفرد الذي ينظم أفعاله لمواجهة الصعوبات و المواقف الضاغطة، فإن توقعاته يمكن أن تكون معممة عبر المواقف وتكون ثابتة في الوقت نفسه ، وهذا ما ينطبق على الأساليب المستعملة في مواجهة الضغوط النفسية،فإن اعتبر الفرد المتشائم أن تلك الأساليب تحقق له ما يريد فإنه يقوم باستعمالها عدة مرات، ويمكن تفسير هذه العلاقة في أنه عندما ترتفع تقديرات الأبعاد الثلاث ترتفع درجة التشاؤم لدى الفرد و تقدر نسبة تفسير التغير في درجات الأبعاد الثلاثة في بعد التشاؤم بـ: 58.2% حيث تساهم أساليب التجنب في هذا التغير بما نسبته 27.2%، و هذا ما ينطبق كذلك على أساليب إعادة التقييم الإيجابي بـ: 42.5% ، وأساليب لوم الذات بـ 37.2%
وقد أشار كل من “شاير و كارفر ” (1989) Scheier & Carver أنه إذا اعتقد الفرد أنه هناك تناقض بين الأهداف والمواقف، فإنه لا يبدل مجهود إضافي للوصول إلى الأهداف المنشودة، فالتشاؤم إذن لا يحفز الفرد على التعامل مع الضغوط، وهو يقلل من قدراته و إمكاناته،ومحاولة تجنب الصعوبات. (29)
ويظهر هذا بشكل واضح من خلال الأبعاد المكونة لأساليب التعامل المركزة على الانفعال، والتي تستهدف عدم دخول الفرد في صعوبات ،وقد أكدت ذلك دراسة كل من ” أسبانل و تايلور”(1992) Aspanal & Taylor على عينة من الطلبة، حيث توصل إلى ميل المتشائمين لاستخدام أساليب التعامل المركزة على الانفعال، كم بينت هذه الطرق بعدم تكيف نفسي بالنسبة للطلبة المتشائمين بعد ثلاث أشهر .(36)
ويضيف “تشانغ و أخرون” (1997) Chang et al بأن التشاؤم يتضمن عدم السرور و الخضوع ،مما يجعل المتشائمين يميلون إلى خفض جهودهم الفعالة وعدم الاهتمام بتحقيق أهدافهم مع الانشغال بالانفعالات المضايقة التي ترتبط بخبرة المواجهة، وهذا ما يذهب إلى تأكيده “شاير و أخرون” (1986) Scheier et al بفحص نوعية أساليب التعامل التي ترتبط في العادة مع التشاؤم بلوم الذات و تجنب الحدث الضاغط، والتركيز المباشر على الشاعر المسببة للضغط و التخلي عن الهدف الذي يرتبط بحدوث الضغط، كما تبين أيضا أن المتشائمين يميلون إلى تضخيم حجم المواقف الضاغطة بطريقة مبالغ فيها. (34)
وعلى ذلك تعتبر النتائج المتوصل إليها في الدراسة الحالية منطقية،فقد أظهرت النتائج أن التشاؤم يرتبط بأساليب التعامل المركزة على الانفعال، والتي تعبر عن تفريغهم الانفعالي, وهذا يدل على عجز وفشل في إيجاد الحلول المناسبة للمواقف الضاغطة.
خاتمة : أسست الدراسة الحالية على دراسة التفاؤل و التشاؤم و علاقتهما بمركز الضبط وأساليب التعامل مع الضغوط النفسية، وعلى ذلك التزمت في هذه الدراسة بكل الخطوات العلمية والمنهجية كسائر البحوث العلمية في مجال علم النفس ،بدءا بالإطار العام للدراسة، حيث يعطي الباحث تصورا عاما حول تلك العلاقة بين المتغيرات الثلاث، بالاستناد إلى الدراسة التي أجريت في هذا الموضوع ،طارحا أسئلة حولها، ومقترحا فرضيات نابعة من تصوره لتلك العلاقة، وصولا إلى أهمية البحث المقدم، وإلى الأهداف التي يرجو تحقيقها، كما قام الباحث باختيار أدوات الدراسة، وبعد تصحيح المقاييس وتحليل المعطيات المجمعة خلصت الدراسة الحالية لمجموعة من النتائج أنه هناك علاقة بين التفاؤل ومركز الضبط الداخلي،وقد جاءت العلاقة سلبية، حيث كلما ارتفع التفاؤل قل الاعتقاد في الضبط الداخلي، بينما ارتبط التشاؤم بمركز الضبط الخارجي، حيث كلما زاد التشاؤم زاد الاعتقاد في مركز الضبط الخارجي،فالتشاؤم يؤدي إلى زيادة الاعتقادات السلبية التي يكونها عن قدراته و إمكانياته،وهذا ما يؤدي بالمتشائم إلى عدم بذل الجهد في التغلب على المواقف و الأحداث التي تعترضهم، كما أكدت الدراسة الحالية، أن التفاؤل يرتبط باستخدام أساليب التعامل المركزة على المشكل ببعديها، حل المشكل و البحث عن الدعم الاجتماعي، وتوصلت الدراسة أيضا إلى أن التشاؤم يرتبط بأساليب التعامل المركزة على الانفعال، حيث أكدت الدراسة أن التشاؤم يرتبط بتلك الأساليب لما تحمله من تنفيس انفعالي،ويتم اللجوء إلى تلك الأساليب عندما يكون توقع الأحداث بشكل سلبي.
اقتراحات الدراسة: إن كل دراسة نفسية يقوم بها أي باحث تتضح له بعض الجوانب في الدراسة التي يقوم بانجازها، فقد تظهر بعض النقاط التي لها دور في تقديم المساعدة الإرشادية لبعض الأفراد الذين يعانون من الناحية النفسية، كما يتبن للباحث بعض الباحث بعض المتغيرات التي تستوجب الدراسة لكن البحث لا يستوعبها ، لذا وجب على الباحث التنويه لها، وعليه يقوم الباحث بإبراز النقاط التالية:
– تصميم برامج إرشادية لتنمية التفاؤل لدى مختلف المراحل عمرية.
– يلاحظ من مراجعة أدبيات هذا الموضوع أنه مازال خصبا للدراسة والبحث، وخاصة في مجتمعنا، لدى يوصي الباحث بإجراء المزيد من الدراسات في قطاعات أخرى حول التفاؤل والتشاؤم وربطه بمتغيرات وعوامل متعددة لزيادة وتعميق هذه النتائج .
– الاهتمام بالمراكز الثقافية والتي تعني بالشباب من كلا الجنسين لتنمي المهارات والقدرات والتي من خلالها تمكنهم من الاتصال بالمجتمع وكسر طوق العزلة المسببة لحالة التشاؤم.
– إقامة ندوات ومحاضرات التي من شأنها تشجيع الشباب وتوعيتهم ووقايتهم من البدع والخرافات والمعتقدات الخاطئة.
– فتح مراكز إرشادية في مختلف الجامعات وتفعيل دورها أكثر، من أجل مرافقة الطالب الجامعي في مساره الجامعي التكويني.
– بناء مقاييس خاصة بالبيئة المحلية لكل من التفاؤل والتشاؤم ومركز الضبط وإستراتيجيات مواجهة الضغوط النفسية.
– بناء مقياس يستهدف التعرف على مختلف أنواع التفاؤل و التشاؤم .
– دراسة دور التنشئة الوالية في إكساب التفاؤل والتشاؤم.
– دراسة التفاؤل و التشاؤم وعلاقته بمواجهة الضغوط عن طريق الدين
قائمة المراجع :
01.أمال جودة وحمدي أبو جراد(2011) التنبؤ بالسعادة في ضوء الأمل والتفاؤل لدى عينة من طلبة جامعة القدس المفتوحة. مجلة جامعة القدس المفتوحة،مجلة جامعة القدس المفتوحة للأبحاث والدراسات.العدد(24)،ص ص 130-158.
02.بدر محمد الأنصاري وعلي مهدي كاظم(2008) قياس التفاؤل والتشاؤم لدى طلبة الجامعة، دراسة ثقافية مقارنة بين الطلبة الكويتيين والعمانيين .مجلة العلوم التربوية والنفسية، المجلد(09)، العدد (04)، ص ص 107 -131.
03.هشام مخيمر و محمد السيد عبد المعطي (2002) التفاؤل والتشاؤم وعلاقتها ببعد من المتغيرات النفسية لدى عينة من طلاب الجامعة. مجلة دراسات تربوية واجتماعية، كلية التربية جامعة حلوان، العدد(03)، ص ص1-41.
04.أحمد حسين الشافعي(2008) التفاؤل والتشاؤم واستخدامات الدعابة، دراسة عبر ثقافية لطلبة الجامعة المصريين والإماراتيين، المجلة المصرية للدراسات النفسية، المجلد(18)، العدد(61)، ص ص 86-192.
05.نشوة كرم عمار أبو بكر دردير(2010). فاعلية برنامج إرشادي عقلاني انفعالي في تنمية أساليب مواجهة الضغوط الناتجة عن الأحداث الحياتية لدى طلبة الجامعة. رسالة دكتوراة غير منشورة، تخصص الإرشاد النفسي،جامعة القاهرة.
06.أحمد عبد الخالق(2005)المقياس العربي للتفاؤل والتشاؤم، مجلة الدراسات النفسية. مجلد(14)، العدد(02)، ص ص307-318.
07.أحمد عبد الخالق (2000) التفاؤل والتشاؤم عرض لدراسات عربية. مجلة علم النفس، تصدر عن الهيئة المصرية للكتاب، العدد (56)، ص ص 6 – 27.
08.صلاح الدين محمد أبو ناهية (1994) إدراك موضع الضبط وعلاقته بالتحصيل الدراسي لدى التلاميذ في مرحلة التعليم الأساسي بقطاع غزة. مجلة علم النفس، العدد(30) ، ص ص 140 – 148.
09.أمل الأحمد (1999) العلاقة الإرتباطية بين دافعية الإنجاز ومركز الضبط، دراسة ميدانية لدى عينة من طلبة جامعة دمشق في كليتي التربية والعلوم. مجلة جامعة دمشق للآداب والعلوم الإنسانية والتربوية، العدد (15)، ص ص 121- 171.
10.شهرزاد محمد شهاب(2010) موقع الضبط وعلاقته بمتغير الجنس وسنوات الخدمة لدى المرشدين التربويين في مركز محافظة نينوى(العراق)، مجلة دراسات نفسية، العدد(10)، ص ص 11-40.
11.مجدي محمد الدسوقي(2007) التفاؤل والتشاؤم وعلاقته ببعض المتغيرات النفسية لدى عينة من طلاب الجامعة من الجنسين. مجلة كلية التربية، جامعة عين شمس، العدد (25)، ص ص341-393.
12.إسماعيل أحمد السيد محمد (2001) التفاؤل والتشاؤم وبعض المتغيرات النفسية لدى عينة من طلبة جامعة أم القوى. المجلة التربوية، العدد(60)، ص ص51 -81.
13.Dember, W.N. (1989) the measurment of optimism and pessimism, current psychology research and review, 8 (2),pp 102-119.
14.رئيفة رجب عوض(2001)ضغوط المراهقين ومهارات المواجهة “التشخيص والعلاج” .مكتبة الأنجلو مصرية، مصر.
15.أمل الأحمد ورجاء محمود مريم(2009) أساليب التعامل مع الضغوط النفسية لدى الشاب الجامعي، دراسة ميدانية على عينة من طلبة جامعة دمشق، المجلد (10)، العدد (01)، ص ص 14 -37.
16.السيد إبراهيم السمادوني(2007)الذكاء الوجداني أسسه وتطبيقاته وتنميته. الطبعة الأولى. دار الفكر، الأردن.
17.حسين طه عبد العظيم، وحسين سلامة عبد العظيم(2006) إستراتيجيات إدارة الضغوط التربوية والنفسية. . دار الفكر للنشر والتوزيع.الأردن.
18.Rothmann,S.& essenko,N.(2007) Job characteristic optimism, burnout and ill health of support staff in a higher education institution in south Africa. African journal of psychology, 37,1, pp,135-152.
19.Aramata P. and Baldwin D. (2008) Stress optimism Resilience and cortisol with relation to digestive symptoms or diagnosis individual differences. Research, 6.2 pp. 123-138.
20.مايسة محمد شكري (1999) التفاؤل والتشاؤم وعلاقتهما بأساليب مواجهة المشقة، مجلة دراسات نفسية، تصدر عن رابطة الأخصائيين النفسيين(رانم) بمصر، العدد(3)، ص ص 24-48.
21.Fantaine,K,R. Manstead, A.S.R, Wagner, H.(1993) optimism perceived control over stress and coping . European journal of personality,7,pp267-281.
22.عفراء خليل إبراهيم(2006) الذكاء العاطفي وعلاقته بالتفاؤل والتشاؤم لدى عينة من طالبات كليتي التربية والعلوم، مجلة البحوث التربوية والنفسية، العدد(20)، ص ص84-112.
23.بدر محمد الأنصاري (1998) التفاؤل والتشاؤم، المفهوم، القياس، المتعلقات. جامعة الكويت، الكويت.
24.فضل إبراهيم عبد الصمد(2006) الشعور بالأمل والرغبة في التحكم لدى عينة من طلاب الدراسات العليا بجامعة المنيا، مجلة البحث في التربية وعلم النفس، كلية التربية جامعة المنيا، العدد(04)، ص ص32-74.
25.محمد مقداد ومحمد حسن المطوع(2004) الإجهاد النفسي وإستراتيجية المواجهة والصحة النفسية لدى عينة من طالبات جامعة البحرين. مجلة العلوم التربوية والنفسية، المجلد (05)، العدد (02)، ص ص 255 . 275.
26.رشيد حساني(2008) إستراتيجية ما وراء المعرفة وعلاقتها بمركز التحكم لدى الطلبة الجامعيين، مذكرة ماجستير في علوم التربية غير منشورة، جامعة الجزائر02.
27.شهرزاد بوشدوب (2009) المساندة الاجتماعية وأثرها على بعض العوامل الشخصية وإستراتيجيات التعامل مع الضغط المدرسي. أطروحة الدكتوراه في علم النفس الاجتماعي،غير منشورة. جامعة الجزائر 02.
28.Marks, L. (1998) deconstructing locus of control implications for plactiolioners. journal of consulting and development, 76, n.03, pp251-260.
29.أمين القضاة(2003) التفاؤل والتشاؤم في الحديث النبوي، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة الكويت، المجلد(18)، العدد(25)، ص ص85-132.
30.Wallston,K.A.(1994) cautious optimism vs. cockeyed optimism psychology and health, vol 9(03),pp201-203.
31.صلاح أحمد مراد ومحمد عامر أحمد (2001) أنماط التعلم والتفكير وعلاقتها بالتفاؤل والتشاؤم لطلبة التخصصات التكنولوجية. المجلة المصرية للدراسات النفسية، العدد (22)، الجزء (14)، ص ص 11 – 41.
32.نجوى اليحوفي(2002) التفاؤل والتشاؤم وعلاقته ببعض المتغيرات الاجتماعية الديمغرافية لدى طلاب الجامعة، مجلة علم النفس.مجلة علم النفس،تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة، العدد (62)، ص ص 132 .156.
33.Bossong,B.(2001) optimism as a moderator of the effect of state orientation on the evaluation of negative life events in efklids, A(eds)trends and prospects in motivation research, Netherlands ,pp349-357.
34.لورانس.أ.برافين(2010)علم الشخصية،(ترجمة:عبد الحليم محمود السيد، أيمن محمد عامر، محمد يحي الرخاوي)، المركز القومي للترجمة، مصر، ط1.
35.عبد الله الحربي (2010) أساليب التنشئة الأسرية وعلاقتهما بكل من التفاؤل والتشاؤم لدى عينة من تلاميذ المرحلة المتوسطة والثانوية بمنطقة جازان، المجلة العربية للعلوم الإنسانية، جامعة الكويت، العدد(69)، ص ص 214-225.
36.Lyon,J.E. & Weinstein, N. D.(1999). Mindsets, optimism bais about personal risk and health-protective behavior .British journal of health psychology 04, pp289-300.