
مقال نشر بالعدد الثالث من مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية للدكتور علاء محمد شدوح / أستاذ مساعد في جامعة الجوف – القريات بالمملكة العربية السعودية
للاطلاع على كل العدد يرجى الضغط على غلاف المجلة:
الملخص
يتناول هذا البحث كيفية تجلي القضايا النقدية التي وردت في فن الوصايا بالمناقشة والتحليل، حيث اتخذ البحث من هذه القضايا وسيلة للولوج إلى عالم الوصايا النقدية وإثبات أنها ركن أساسي من أركان هذا الفن النثري.
وقد تناول البحث هذه المنهجية النقدية في ثلاثة أبواب: الأول كان باباً نظرياً للوصايا على العموم والوصايا النقدية على الخصوص. والثاني تمت فيه دراسة القضايا النقدية التي وردت في وصيتين نقديتين من أصل سبع وهما: وصية بشر بن المعتمر ووصية ابن أبي الأصبع المصري. أما الباب الثالث فقد كان دراسة تحليلية تطبيقية لوصية نقدية ثالثة هي وصية أبي تمام للبحتري، وقد تجلّى فيها ما إذا كان أبو تمام قد التزم في شعره بما أوصاه للبحتري أم لم يلتزم، وذلك من خلال أمثلة متفرقة ومتنوعة من شعره.
Abstract
This research deals with the revelation of criticism issues that mentioned in the art of commandments by discussions and analysis in which the research took from this issue a way to enter to the world of criticism commandments, and prove that it is a basic element in the art of prose
This research discusses also the criticism approach in three chapters: the first was theoretically to the commandments in general and criticism commandments in particular. The second was completed in which studying the criticism issues which mentioned in two criticism commandments of seven which they are: Bisher bin Almotamer commandment and Ibn Abi Ilisba’ Almasri commandment
The third chapter was a practical analytical studying to third criticism commandment; Abi Tamam to Albuhturi commandment, in which revealed if Abo Tamam followed in his poetry what Albuhturi commanded. And that is through different separated examples of his poetry
الكلمات المفتاحية: نقد، نثر، وصايا.
المقدمة
يحتل الأدب العربي مكانة كبيرة بين آداب العالم كله، ويتفرع عن هذا الأدب لونان أساسيان ألا وهما: الشعر والنثر، وبالحديث عن النثر فإن له ما له من الخصوصية والأهمية التي تكسبه سمات كثيرة تتنوع على جميع أنواعه. والوصايا هي من الفنون النثرية القديمة والمهمة، تضاهي في أهميتها فن الخطابة والرسائل والمقامات، حيث تمتلك مزايا متعددة تفرقها عن غيرها من الفنون رغم وجود شيء من التشابه بينها وبين بعض الأنواع النثرية القديمة.
فهي _على العموم_ كلمات بليغة، شفوية أو مكتوبة، يقولها الشخص على هيئة نصيحة لمن يهمه أمرهم كالأبناء والأصدقاء والتلاميذ وغيرهم. وهي خلاصة تجارب الموصي في حياته وخلاصة خبرته التي جمعها طوال حياته، وهدفها الحض على أمور كثيرة دينية كانت أو دنيوية ابتغاء الالتزام ببعضها أو النهي عن بعضها الآخر.
وللوصايا أنواع كثيرة من بينها “الوصايا النقدية” وهي التي يقصد منها أصحابها التنبّه على قضايا النقد والبلاغة في فنون الأدب العربي، حيث يوصي صاحبُها من يريد بالالتزام بالقواعد التي تشتمل عليها بعض قضايا النقد الأدبي، والنهي عن الأخذ ببعضها الآخر. وفي حدود علم الباحث فإنه لم يعثر إلا على سبع وصايا نقدية، فقد ندرت الدراسات في النقد العربي التي تناولت النقد داخل الوصايا، ونكاد لا نجد دراسة متكاملة وجادة عن هذا الفن، بل هي شروحات وإشارات بسيطة في بعض كتب الأدب ونقده.
وهذه الوصايا هي: وصية بشر بن المعتمر (ت 210 هـ)، وصية الجاحظ (ت 255 هـ) في رياضة الصبي، وصية أبي حيان التوحيدي (ت 414 هـ)، وصية أسامة بن منقذ (ت 584 هـ)، وصية ابن أبي الأصبع المصري (ت 654 هـ)، وصية النواجي (ت 859هـ).
ولهذا ارتأى الباحث أن تُقسَّم هذه الدراسة إلى ثلاثة أقسام: الأول، يتحدث عن الوصايا في الإطار النظري. والثاني، دراسة القضايا النقدية في وصيتين من الوصايا النقدية السابقة الذكر خصصهما الباحث لأن المقام هنا لا يكفي لدراستها كلها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لما لهذه الوصايا من أثر في اللاحقين الذين برزوا في حقلي النقد والبلاغة. وهاتان الوصيتان هما: وصية بشر بن المعتمر ووصية أبن أبي الأصبع المصري.
أما القسم الثالث من هذه الدراسة فهو قسم تطبيقي يتمثل في دراسة القضايا النقدية في وصية أبي تمام للبحتري مع دراسة مدى التزام أبي تمام فيما أوصاه للبحتري في شعره، وسيختار الباحث نماذج معينة من شعر الموصي وسيدرسها وفق ما سبق. علماً أن الباحث قد اختار هذه الوصية تحديداً في هذا القسم التطبيقي من الدراسة، لأنه لا يوجد من بين الموصين السابقي الذكر شاعر إلا أبو تمام، ناهيك عن أن أسامة بن منقذ أديب أكثر من كونه شاعراً.
والله من وراء القصد
الباب الأول
( فن الوصايا_الإطار النظري )
أولاً: مفهوم الوصية:
الوصية لغة: من الجذر (وَصَيَ)، وَصَيَ: أوصى الرجل ووصاه: عهد إليه. قال رؤبة: وصّانى العجّاج فيما وصّني، أراد: فيما وصاني، فحذف اللام للقافية، وأوصيتَ له بشيء وأوصيتَ إليه: إذا جعلته وصيَّك، وأوصيته ووصّيته إيصاءً وتوصيةً بمعنى واحد، وتواصى القوم أي أوصى بعضهم بعضاً. وفي الحديث: “استوصوا بالنساء خيراً” وقوله تعالى: “ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به”( الأنعام، 151 )[1].
الوصية اصطلاحاً: كثير هم من عرّفوا الوصايا في كتبهم وأبحاثهم وأطروحاتهم الجامعية، مع العلم أن توضيحهم لهذا المفهوم لم يكن إلا تكملةً لما بحثوه عن فنون النثر من رسائل وخطب وغيرها، ولم يسبروا أغوار هذا اللون النثري ولم يفردوه في كتب مستقلة، من مثل: محمد حسن عبد الله في كتابه (مقدمة في النقد الأدبي)، ومحمود عبد الرحيم صالح في كتابه (فنون النثر في الأدب العباسي)، وغازي طليمات في كتابه (الأدب الجاهلي)…الخ. لذا يرى الباحث أن يقدم تعريفاً اصطلاحياً شاملاً لفن الوصايا من خلال كل ما قرأه عنه بين ثنايا الكتب عامة. فهي-على ما سبق- لون من ألوان الأدب العربي، وتحديداً هي فن من فنون النثر، عُرفَ في القديم ووصلنا عبر الرواة والحفظة للأشعار والأخبار، وجمعت لنا في كتب الأدب عامة. وهي خلاصة تجارب الموصي في حياته، وخلاصة خبرته التي جمعها طيلة مكوثه في الدنيا، يقدمها إلى من يخصه أو يخصونه عندما يقترب من مفارقة الدار الأولى _وذلك ليس شرطاً_ لتكون بمثابة إرشاد ونصح لهم في أمور كثيرة. والوصية إما أن تكون منطوقة أو مكتوبة، تتضمن كلاماً بليغاً يوجهه الموصي إلى ابنه أو ابنته أو تلميذه أو إلى قبيلته جمعاء. ولا يرى الباحث ما يراه غيره مِن أن الوصايا شفوية فقط، فهناك الوصايا الكتابية التي دوّنها قائلوها بغية نقلها إلى مكان آخر أو حفظها للأجيال القادمة، وتكون على شكل “رسالة” ([2]) يكتبها الموصي مفرغاً فيها ما عنده من تجارب وخبرة وعلوم ويبعثها إلى الموصى إليه، سواء أكانت فرداً أم جماعة لتحصل بهذه الوصية الفائدة الكاملة. إذاً، فالوصايا هي كل ما يُلفظ أو يُكتب أو يوجَّه إلى الآخرين مشافهة أو تدويناً، ويراد منه الحضّ على أمور كثيرة والالتزام بها أو النهي عنها، دينية كانت أو دنيوية.
ثانياً: أنواع الوصايا:
تقوم الوصايا على ثلاث ركائز أساسية هي: الموصي والوصية والموصى له ، وهذه الركائز موجودة في أنواع الوصايا كلها، إذ تتعدد أنواع الوصايا بتعدد الزوايا التي يتم من خلالها النظر إليها، فإذا ما تمّ النظر إلى هذه الزوايا من جهة الموضوع فإن من أنواعها: الوصايا الدينية، الوصايا الشعرية، الوصايا النقدية، وإذا ما تم النظر إليها من جهة الشكل فإن من أنواعها: الوصايا الشفوية، والوصايا الكتابية.
( أ ) الوصايا الدينية: وهي التي تدعو إلى الإيمان بالله وحده، والإحسان إلى الوالدين، وتأمر بإقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر عند المصيبة والتواضع وعدم الفخر([3]).
وهذه الوصايا إما أن تكون من الله تعالى كقوله: “ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً”([4]). وإما من الرسول صلى الله عليه وسلم كوصيته لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن إذ قال: “يسِّر ولا تعسِّر وبشِّر ولا تنفــّـِـر، وإنك ستقدم على قوم من أهل الكتاب، يسألونك ما مفتاح الجنة، فقل شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له”([5]). وإما من أحد الصحابة رضوان الله عليهم كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم، أو من أحد الصالحين العالمين والمتفقهين في الدين من التابعين ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين، كوصية علي بن أبي طالب حيث قال: “أوصيكم بأربع لو ضربتم إليها أباط الإبل لكان لها أهلاً: لا يرجونّ أحدٌ منكم إلا ربه، ولا يخافنّ إلا ذنبه، ولا يستحي أحد إذا سُئل، عما لا يعلم أن يقول: لا أعلم، ولا إذا لم يعلم الشيء أن يتعلمه، وإن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس ذهب الجسد، وكذلك إذا ذهب الإيمان”([6]).
( ب ) الوصايا الشعرية: وهي الوصايا التي يقولها الشعراء في حالة من الإحساس بدنو الأجل على الأغلب، وتقال على شكل أبيات متفرقة أو على شكل قصيدة كاملة، يراد منها الحث على أخذ الحيطة والحذر في هذه الحياة الدنيا من كافة الجوانب، والاستفادة من أخطاء الغير والحذر من الوقوع فيها.
ومنها قول الشاعر “لبيد بن ربيعة” يوصي بناته بعدم تجاوز مدة الحزن على الآباء الميتين والالتزام بآداب هذا الحزن:
تَمنّى ابنتاي أن يعيش أبوهما |
|
وما أنا إلاّ من ربيعةَ أو مُضَرْ |
ونائحتان تندبان بعاقلٍ |
|
أخى ثقةٍ لا عين منه ولا أثرْ |
فقوما فقولا بالذي قد علمتما |
|
فلا تخمشا وجهاً ولا تحلقا شعرْ |
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما |
|
ومَنْ يبكِ حولاً كاملاً فقد اعتذرْ([7]) |
( ج ) الوصايا الشفوية: وهي كل وصية يقولها الموصي مشافهة لمن يريد مباشرة، دون أن يدونها أو يوثقها في رسالة أو كتاب، وهذه الوصايا غالباً ما تكون عندما تحضر الوفاة شخصاً معيناً أو في الساعات الأخيرة من عمره. فهو يريد من خلالها أن يوصل خبراته وتجاربه في الحياة لأبنائه أو طلابه أو عشيرته بأكملها بأسلوب جميل مؤثر يأخذ بالقلوب عند سماعه، فلا حاجة له أن يوثق وصيته أو أن يدونها. ومثل هذا النوع من الوصايا إن وجدناه مدوّناً في رسالة أو كتاب من أمهات الكتب، إنما يكون قد دوّنها الكُتّاب عن الرواة ولم يدوّنها صاحب الوصية نفسه.
ومن هذه الوصايا وصية ذي الأصبع العدواني لأبنه أسيد عندما حضرته الوفاة قائلاً: “يا بنيّ، إنّ أباك قد فني وهو حي، وعاش حتى سئم العيش، وإني موصيك بما إن حفظته بلغتَ في قومك ما بلغتُه، فاحفظ عني: ألن جانبك لقومك يحبوك، وتواضع لهم يرفعوك، وابسط لهم وجهك يطلعوك،ولا تستأثر عليهم بشيء يسودوك، وأكرم صغارهم كما تكرم كبارهم يكرمك كبارهم ..” ([8]).
( ء ) الوصايا الكتابية: وهي التي يكتبها موصيها في رسالة _وليس المقصود هنا الرسالة الأدبية_، أو كتاب ويبعثها إلى الموصى إليه ليقرأها ويستفيد منها ويلتزم بما جاء فيها. ويتميز هذا النوع من الوصايا بفصاحة أكثر وتركيز أكبر وأسلوب أليق، لأن الموصي يكتبها بأناة ورويّة دون حاجته إلى القوْل عفو الخاطر، فيبعثها على شكلها النهائي إلى الموصى إليه مكتوبة بخط يده أو تحبيره. وخير مثال على هذا النوع وصية بشر بن المعتمر التي حبّرها وبعثها إلى إبراهيم بن جبلة وتلاميذه الذين كان يعلمهم الخطابة.
( هـ ) الوصايا النقدية: وهي التي يقصد منها أصحابها التنبيه على قضايا النقد والبلاغة في فنون الأدب العربي، فيوصي صاحبها من يريد، بالالتزام في بعض قضايا النقد الأدبي وعدم الخروج عليها أو النهي عن الخروج عن بعضها الآخر إن قال شعراً أو نثراً، مثل قضايا اللفظ والمعنى والوزن والقافية والسرقات الشعرية وغيرها، وهذا النوع من الوصايا هو محور الحديث في هذا المقام.
ثالثاً: السمات العامة التي تتعلق بمضمون الوصايا:
(أ): أنها ذات فكر هادئ وعميق، وحكمة رزان، ونظرة واقعية إلى مشكلات الحياة([9]).
(ب): توجّه النظر إلى محاسن الأخلاق أو على مسلك من مسالك الحياة أو تقديم تعليمات وتوجيهات تتعلق بعمل من الأعمال([10]).
(ج): التركيز على النصائح الدينية أو الدنيوية.
رابعاً: الخصائص الفنية للوصايا:
(أ): الأسلوب المسجع: لعل من الملاحظ في وصايا الأدب العربي غلبة السجع على جملها، من مبتداها إلى منتهاها، وعلى الأخص الوصايا الجاهلية. فهو سجع غير متكلف ولا مقصود بل هو”سجع منظم وهادئ يشبع الدلالات بإيقاعات تميل إلى نوع من السكينة والهدوء”([11]). وهو سجع غير متعمد وغير مقصود لذاته، بل جاء وكأنّ الفكرة تستدعيه والمعنى يطلبه([12]).
(ب): الجمل القصيرة والمتوازنة: من السهولة على القارئ أن يلمح قصر الجمل في الوصايا مع المحافظة على توازن هذه الجمل دون إخلال في لفظها أو معناها، مما يضفي عليها رونقاً وجمالاً.
(ج): التراوح ما بين الاسترسال والإيجاز: قد تختلف الوصايا في طولها وقصرها، فيمكن للموصي أن يسترسل في لغته أو يوجز، إلا أنه في كلتا الحالتين يعتمد على التركيز في الألفاظ وعدم الإخلال فيها أو في معانيها. فلو نُظِرَ إلى وصية ذي الأصبع العدواني لابنه([13]). لوُجد أنها قصيرة جداً قياساً بوصية عمر بن الخطاب للخليفة من بعده مثلاً([14]).
(ء): السهولة والوضوح في الألفاظ والمعاني: تتسم الوصايا الأدبية بكل أنواعها بخلوها من التعقيد والتكلف، فجاءت سهلة الألفاظ، واضحة المعاني، رصينة وقوية في الوقت نفسه، لها وقع وتأثير في مسمع الموصى له، مما تحثه على الانتباه والتفكّر في مضمون الوصية كاملة.
(هـ): أسلوب الطلب: يحاول الموصي في وصيته أن يعتمد على أسلوب الأمر والنهي، إلا أنه يراعي في ذلك موضوع الوصية ومقامها. فمثلاً وصايا الآباء للأبناء عند الاحتضار، تقتضي من الموصي استخدام صيغ أمرية أو صيغ نهي هادئة اقتضاءً للمقام الذي يعيشه الموصي. وعلى العكس من ذلك نلاحظ الموصي في الوصايا التي تتعلق بتوصية الآباء للأبناء عند الزواج أو وصايا المعلمين لتلاميذهم، أنه يهتم بالأسلوب الطلبي الصارم لما يقتضيه مقام الموصي وموضوع وصيته، “وغالباً ما يقترن هذا الأسلوب بالتعليل، وذلك لبيان الهدف الذي يرمي إليه القائل من الأمر والنهي ثم من الوصية بوجه عام”([15]).
(الباب الثاني)
( مباحث النقد في فن الوصايا )
سبق وأن أشار الباحث إلى أن ما عثر عليه من الوصايا النقدية يكمن في سبع وصايا هي: وصية بشر بن المعتمر، وصية أبي تمام للبحتري، وصية الجاحظ في رياضة الصبي، وصية أبي حيان التوحيدي، وصية أسامة بن منقذ، وصية ابن أبي الأصبع المصري، وصية النواجي. ونظراً لضيق المقام هنا، سيختار الباحث في هذا الباب وصيتين للدراسة والتحليل، وهما: وصية بشر بن المعتمر، ووصية أبن أبي الأصبع المصري.
لقد تعوّد الدارس للنقد العربي القديم، أن يجد ما يبحث عنه من قضاياه ومباحثه في مصادره ومراجعه التي تختصّ به، إلّا أن هذه القضايا والمباحث النقدية يمكن أن يقع عليها الدارس خارج هذه المصادر والمراجع، فيمكن له أن يقع عليها _مثلاً_ في كتب السّير والتراجم وفي كتب اللغة والنحو وفي كتب المعارف والموسوعات وفي كتب الأدب ودواوين الشعر. المهم أنّ من بين فنون الأدب التي يمكن أن يقع فيها الدارس على أنحاء من النقد ” فن الوصايا “، والأهم أنّ مؤلفي هذه الوصايا يقفون فيها موقف الموجّه والناصح والمرشد والمعلم للمبدع والكاتب على السواء. والأهم _أيضاً_ أن هذه الوصايا تشتمل على القواعد والقوانين التي لا بُدّ للمبدع أن يراعيها لحظة الإبداع والتي لا بُدّ للكاتب أن يتقيد فيها عند الكتابة، وبمقدار تقيّده فيها أو بعده عنها بمقدار ما يُكتب لأدبه من الجودة والانتشار أو الاستهجان والرداءة.
وتكمن قضايا النقد في هاتين الوصيتين فيما يلي:
( أ ) اللفظ والمعنى.
أولاً: اللفظ والمعنى عند بشر بن المعتمر:
يُعدّ هذا المبحث من المباحث الأدبية النقدية التي نالت قدراً كبيراً من الدراسة والبحث من الدارسين والنقاد القدماء والمحدثين.
ووردت هذه القضية عند بشر بن المعتمر في الوصية النقدية الني رواها لنا الجاحظ في كتابه البيان والتبيين، والذي هو المصدر الوحيد لها، وقدمها لنا بصورة جيدة يفهمها القارئ، “ولعل بشر هو أول من تحدث في وضوح عن اللفظ والمعنى وتحدث عن طبيعة الصلة التي يجب أن تقوم بينها”([16]) . وطرق لنا بابها في قوله: “ومن أراغ معنىً كريماً فليلتمس له لفظاً كريماً، فإنّ حق المعنى الشريف اللفظ الشريف، ومن حقهما أن تصونهما عما يفسدهما ويهجنهما([17]). وما يقصده بشر في هذا الكلام أن من تولّى عملاً أدبياً من الشعر أو النثر، يجب عليه أن يولي ألفاظه ومعانيه فائق عنايته. فإن كان في ذهنه معنىً كريماً فمن المفروض به أن يكسوه لفظاً كريماً مثله، لتتم بذلك عملية توازٍ بينها. فالمعنى القوي يحتاج إلى لفظ قوي مثله والعكس صحيح. “ويدل كلام بشر هذا على أنه يساوي في المنزلة بين اللفظ و المعنى، ويحفظ لكل منهما حقه في وجوب العناية به، والحكم على الأديب بالفنية بقدر ما يستطيع الإجادة فيهما معاً”([18]).
أي أن بشراً جاء بفكرة المساواة بين الألفاظ والمعاني دون تقديم أحدهما على الآخر، وهذا ما أخذ به بعض النقاد من بعده، كابن المعتز وأضرابه. وقضية اللفظ والمعنى هي المقياس في الحكم على الأديب بالقوة والضعف، فإن أجاد فيهما ووازى بينهما في القوة والرصانة، كان أديباً فذاً يتمتع بمستوى عالٍ من الفنية الأدبية. لذا يجب أن يحرص على المحافظة على ألفاظه ومعانيه من أي شيء يفسدهما، وأن يظهرهما على أتم وجه، ليتصف العمل الأدبي الذي يحويهما بالفنية الجيدة.
من هذه الجهة يمكن أن نفهم ما يورده بشر في وصيته من صفات اللفظ الجيد، وما يورده من صفات المعنى الجيد مما يوجب على الكاتب أو الشاعر أن يتأمل مثل هذه الصفات ويعمل بمقتضاها لحظة الكتابة أو عند النظم. يقول بشر: “وكن في إحدى ثلاث منازل فإن أولى الثلاث أن يكون لفظك رشيقاً عذباً وفخماً سهلاً([19]).
ومن الملاحظ أن بشر بن المعتمر يبدأ بذكر الصفات التي يجب أن يكون عليها اللفظ، فيجب أن يكون خفيفاً لطيفاً حسناً حلواً، “فاللفظ الرشيق هو الذي يرتفع عن الساقط السوقي وينحطّ عند البدوي الوحشي”([20]). وأن يكون عذباً طيباً “فصيحاً، “فالعذوبة أول صفات الكلام الجيد”([21]). وأن يكون اللفظ فخماً وعلى درجة عالية من العلو والسمو والرفعة، “فالكلام الفخم هو الكلام العظيم”([22]). وأن يتصف بالسهولة واللين وقلة الخشونة “وأن يكون خالياً من التكلف والتعقيد والتعسف في السبك”([23]).
فالرشاقة والعذوبة والفخامة والسهولة من صفات اللفظ الجيد عند بشر بن المعتمر، فإذا كان اللفظ يتمتع بمثل هذه الصفات عند بشر، فالمعنى لا يقل أهمية عنه عند هذا الناقد، فله من الميزات الجيدة ما يحق لنا من خلالها أن نطلق معيار الجودة على العمل الأدبي.
ويستأنف بشر وصيته قائلاً: “ويكون معناك ظاهراً ومكشوفاً، وقريباً ومعروفاً، إما عند الخاصة إن كنت للخاصة قصدت، وإما عند العامة إن كنت للعامة أردت”([24]). ينتقل بشر للحديث عن صفات المعنى، فيشترط أن يكون ظاهراً بيناً لا خفية فيه ولا صعوبة فهم، فيكون مكشوفاً واضحاً، “فإن من كشف الأمر إظهاره”([25]). وأن يكون المعنى قريباً من ذهن القارئ أو المتلقي وغير بعيد عنه، وأن يكون معروفاً معلوماً عند من يُكتب لهم العمل الأدبي من الطبقة الخاصة ومن الطبقة العامة من الناس، فإن كانت المعاني للعامة عرفوها، وإن كانت للخاصة علموها، دون أن تكون مجهولة يصعب إيجادها.
ويقول أيضاً: “والمعنى ليس يشرف بأن يكون من معاني الخاصة وكذلك ليس يّتضعُ بأن يكون من معاني العامة، وإنما الشرف على الصواب وإحراز المنفعة، مع موافقة الحال، وما يجب لكل مقام من المقال. وكذلك اللفظ العامّي والخاصّي. فإنْ أمكنك أنْ تبلغ من بيان لسانك، وبلاغة قلمك، ولطف مداخلك واقتدارك على نفسك إلى أنْ تُفهم العامة معاني خاصة وتكسوها الألفاظ الواسعة التي لا تلطف عن الدّهماء ولا تجفو عن الإكْفاء، فأنت البليغ التام”([26]). ومن خلال هذه العبارة يستكمل لنا بشر حديثه عن المعنى فيقول إنّ المعنى لا يكون شريفاً جيداً جميلاً لأنه من معاني الخاصة، ولا يكون وضيعاً قبيحاً رديئاً لأنه من معاني العامة، وغنما مقياس شرف المعنى صمته ومدى تحقيقه للمنفعة الأدبية ومدى مطابقته لمقتضي الحال. ومقتضى الحال هو: “أن يكون الكلام مطابقاً للحالة التي يتحدث عنها، ومناسبة للموقف الذي يتحدث فيه. وربط البلاغيون حُسْن الكلام وقبحه بانطباقه على مقتضى وغيره، وعرّفوا البلاغة بأنها مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع خصائصه”([27]).
وقال الجاحظ عن هذه المطابقة: “ينبغي للمتكلم أن يعرف أقدار المعاني ويوازن بينها وبين أقدار المستمعين وبين أقدار الحالات، فيجعل لكل طبقة من ذلك كلاماً، ولكل حالة من ذلك مقاماً، حتى يقسم أقدار الكلام على أقدار المعاني، ويقسم أقدار المعاني على أقدار المقامات، وأقدار المستمعين على أقدار تلك الحالات”([28]).
فهذا ما يقال له “لكل مقام مقال” فإذا كان الكلام موجّهاً للخاصة، وجّهت إليهم معانٍ تناسبهم. وإذا كان موجّهاً للعامة خوطبوا بما يناسبهم من المعاني أيضاً. ويعاود بشر الحديث عن اللفظ في معنى قوله: إنه إنْ أراد الأديب إفهام الطبقة العامة معاني الخاصة أو إفهام الطبقة الخاصة معاني العامة، من المفروض عليه أن يكسو هذه المعاني ألفاظاً متوسطة تفهمهما الطبقتان. معنى ذلك أن على الأديب أن يكون حذقاً في انتقائه لألفاظه ومعانيه، وأنْ يتنبّه جيداً إلى الفئة من الناس التي يوجه إليها كلامه، فللطبقة العامة منهم لغة يفهمونها، وللخاصة أيضاً كلام يخصهم. أمّا ما يجب عليه أن يكون الأديب فيه أشد حذقاً هو أن ينتقي كلاماً ليُفهم فيه الطبقتين، فاللغة هي المفتاح لذلك، من خلال الألفاظ والمعاني المتوسطة والمناسبة. “تلك إذن وحدة التجربة الفنية، يقف فيها المبدع في مكان وسط بين الموضوع الذي يعرض له والجمهور الذي يوجهه إليه. ومراعاة الجانبين هي التي ستحدد أداة التوصيل، وهي اللغة، التي يجب أنْ تكون وسطاً تليق بالكاتب والموضوع ولا تستغلق على الجمهور فتصرفه عن المتابعة، ومن ثم يفقد العمل الأدبي الفني دواعي وجوده من أساسها”([29]).
إذا، من استخدام هذه الألفاظ المتوسطة ببراعة، كان أديباً فصيح اللسان، بليغ القلم، ينتج أدباً فذّاً متميزاً يتمتع بالفنية العالية، وبذلك تصل المعاني بألفاظها المتوسطة إلى كلتا الطبقتين دون عناء أو تعب.
ثانياً: اللفظ والمعنى عند ابن أبي الأصبع المصري([30]).
لقد ألّف المصري كتاباً يدعى “تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر وبيان إعجاز القرآن”، واحتوى هذا الكتاب على عدّة أبواب ومنها باب التهذيب والتأديب الذي أدرج فيه وصيته النقدية التي نحا فيها ما نحاه الأسبقون، وقد اعتمد في تأليفها على كثير من الكتب البلاغية فحررّها ونقّحها وحذف منها ما لا يريده وزاد عليها ما تستحقه.
ومن بين القضايا النقدية التي أهتم بها ابن أبي الأصبع في وصيته، قضية اللفظ والمعنى فقال: “ينبغي لك أيها الراغب في العمل، السائل فيه عن أوضح السبل، أن تُحصّل المعنى عند الشروع في تحبير الشعر وتحرير النثر قبل اللفظ … وتوخّ الكلام الجزْل، دون الرّذْل، والسهل دون الصعب، والعذب دون المستكره، والمستحسن دون المستهجن”([31]).
الذي يبدو من خلال هذا الكلام أنّ المصري يسير على خطى من سبقوه في قضايا النقد الأدبي، وفيها قضية اللفظ والمعنى، ولكنه يصوغها لنا بأسلوب جميل منقّح، فهو يوجّه خطابه للأديب الذي يعمل في مجال الشعر والنثر، ويرشده إلى أنْ يأتي بالمعنى قبل أنْ يأتي باللفظ، وهذا الكلام ليس بجديد علينا، فقد أشار إليه الكثير ممن تقدموا على ابن أبي الأصبع، فقضية تحصيل المعنى قبل اللفظ مهمة عند أغلب النقاد القدماء، إذ يجب على الأديب استحضار المعنى في ذهنه أولاً، ومن ثم الإتيان بلفظ مناسب له ليكوّنا معاً عبارة رصينة.
ويحذر الناقد أيضاً من الاقتراب إلى الألفاظ الرذيلة الرديئة التي لا يُستفاد منها، والألفاظ الصعبة التي يستعصي على الأذهان فهمها وعلى اللسان نطقها، ويحذر من الألفاظ القبيحة المستكرهة والغريبة المستهجنة. ولكنه يأمر في الالتزام بالألفاظ الجزْلة والقوية المتينة، والتي تشنّف الآذان وتطاوع الأذهان، والتي تتصف بالجودة والفصاحة وقلة الغرابة.
ويتابع المصري حديثه فيقول: “وإيّاك وتعقيد المعاني، وتقعير الألفاظ… واعلم أن الألفاظ أجساد والمعاني أرواح، فإذا قوّيت الألفاظ فقوّ المعاني، وإذا أضعفتها فأضعفها لتتوازى قوى الكلام وتتناسب في الأفهام”([32]). معنى ذلك أن على الأديب – ناظماً أو ناثراً- أنْ يتوخى الحذر في استخدام المعاني المعقدة والصعبة الفهم، وأن يكون حذراً من استخدام الألفاظ المتقعر فيها والتي تدلّ على تشدّق مبالغ فيه من الأديب. فهذا يشين الأديب ويشين عمله.
ويسمي ابن أبي الأصبع الألفاظ أجساداً والمعاني أرواحاً، دلالة على عدم الانفصال بينهما وعلى أنّ أحدهما لا يقوم إلاّ بالآخر. وهذا أشار إليه النقاد المتقدمون عليه، إضافة إلى تسميات أخرى أطلقها القدماء على اللفظ والمعنى، فجميعها تشير إلى مفهوم واحد وهو استحالة الانفصال بينهما.
ويشير المصري أيضاً إلى التوازي بين الطرفين كما أشار إليه من سبقه من النقاد. فإشارته هذه تتمثل في أنه إنْ كانت الألفاظ المستخدمة قوية جيدة متينة سهلة، يجب أن تكون المعاني كذلك. وإنْ كانت ضعيفة فلتكن المعاني ضعيفة مثلها. وبذلك يكون الكلام متناسباً لا هدر فيه، ولا يستعصي على الأفهام.
ويختتم حديثه عن قضية اللفظ والمعنى بقوله: “وقدّر اللفظ على قدْر المعنى لا زائداً عليه، ولا ناقصاً عنه، كما قيل في مدح بعض البلغاء: كانت ألفاظه قوالبَ لمعانيه”([33]). يؤكد من خلال هذه العبارة على عملية التوازن والتوازي بين المعاني والألفاظ، فيجب أن يكون اللفظ على قدْر المعنى من حيث الجودة الفنية، لا يزيد احدهما على الآخر أو ينقص عنه. ويمثل على ذلك بمدح أحد البلغاء، فقيل في ألفاظه إنها مطابقة مع معانيه وكأنها قالب لها، وذلك دلالة على الفنية العالية التي تتمتع بها العبارة أو الكلام إنْ التزم الأديب بهذا التساوي.
( ب ) الأوزان والقوافي:
أولاً: الأوزان والقوافي عند بشر بن المعتمر:
لقد أشار بشر في وصيته إلى قضية الوزن والقافية إشارة متواضعة من حيث عدد الكلمات، ألا أنها تحمل معنىً كبيراً يسترعي الانتباه، فقال: ” … فإنْ كانت المنزلة الأولى لا تواتيك ولا تعتريك ولا تسمح لك عند أوّل نظرك وفي أول تكلفك، وتجد اللفظة لم تقع موقعها ولم تصره إلى قرارها وإلى حقّها من أماكنها المقسومة لها، والقافية لم تَحُلّ في مركزها وفي نصابها، ولم تتصل بشكلها، وكانت قلقة في مكانها، نافرة من موضعها، فلا تُكرهها على اغتصاب الأماكن، والنزول في غير أوطانها، فإنك إذا لم تتعاطَ قرض الشعر الموزون، ولم تتكلف اختيار الكلام المنثور، لم يُعْبك بترك ذلك أحد. فإنْ أنت تكلفتهما ولم تكن حاذقاً مطبوعاً ولا مُحْكما لشأنك، بصيراً بما عليك وما لك، عاتبك من أنت أقلُّ عيباً منه، ورأى من هو دونك أنه فوقك”([34]).
ما يريده بشر هنا متعدد، فهو ينبّه الأديب الذي ينظم الشعر إلى ضرورة اختيار القافية المناسبة لكل قصيدة من قصائده، بما فيها من حروف ورويّ. فالواجب على الشاعر الالتزام بقافية واحدة من أول القصيدة إلى آخرها، دون أنْ يُغيّر ببعض حروفها وحركاتها في أحد الأبيات، حتى وإنْ التزم بنفس الروي، لأن في ذلك إخلالاً بها وبما تنتجه من موسيقى رائعة تطرب الأسماع. ومن جهة أخرى يوصي بشر بحسن اختيار القوافي والأوزان، وذلك تبعاً لموضوع القصيدة، فمن المستقبح أن يأتي الشاعر “بوزن قصير قليل المقاطع في حالة من اليأس والجزع في القصيدة، بل يحتاج إلى وزن طويل كثير المقاطع ليصُبّ فيه أشجانه لينفس عن أحزانه وجزعه، ومن المستهجن أن يأتي الشاعر ببحر طويل التفعيلات في حالة المصيبة والهلع والانفعال النفسي، بل يجب في هذا المقام الإتيان ببحر قصير التفعيلات ليتلاءم مع سرعة التنفس وازدياد النبضات القلبية وهكذا ..” ([35]).
فالاختيار الخطأ للأوزان والقوافي يفضي إلى نفور من القصيدة، وكأنّ الشاعر يقحم القافية والرّوي على القصيدة إقحاما، وينبّه بشر أيضاً إلى الشعر الموزون من حيث التفعيلات والإيقاعات التي يتألف منها البيت. فإن كان الشاعر متمكناً من تفعيلات بحور الشعر جميعها وعارفاً بها، أمكنة قرض الشعر الموزون. أمّا إنْ كان قليل الدربة فيها وعازفاً عنها فلن يُعيبه على تركه لها أحدٌ، من قبيل أنْ “رحم الله امرءاً عرف قدْر نفسه”. ولكنّ محطّ انتقاد الأديب نقداً لاذعاً يكون في قرضه للشعر الموزون، دون أن يكون ذا مِراس أو دربة أو علم بالعروض والأوزان والقوافي، حينها سيعيبه ويعلو عليه من هو أقلّ منه علماً.
وإنْ دققنا في كلام بشر هذا وجدنا أنه لا يسمح بتعدد القوافي في القصيدة الواحدة، وألفيناه يؤكد ضرورة أنْ تحتل القافية مكانها الصحيح من القصيدة تبعاً لموضوعها، وذلك على العكس مما قاله بعض النقاد الذين جاؤوا بعده وسمحوا بتعدد القوافي في القصيدة الواحدة.
ثانياً: الأوزان والقوافي عند ابن أبي الأصبع:
لقد وردت هذه القضية عند ابن أبي الأصبع في معرض حديثه عن الشعر والنثر. أمّا من حيث الشعر قال: “ينبغي لك أيها الراغب في العمل .. أنْ تُحصّل القوافي قبل الأبيات، ولا تُكره الخاطر على وزن مخصوص، وروي مقصود .. والترنّم بالشعر مما يُعين عليه. قال الشاعر:
تَغَنّ بالشعر إمّا كنتَ قائلَهُ |
|
إنّ الغناء لقول الشعر مضمارُ |
… واقصدْ القوافي السهلة المستحسنة، دون المستصعبة المستهجنة، والأوزان الحلوة، دون المهجورة الكزةّ، فإنّ الشعر كالجواد، والقوافي حوافره … والأوزان جملته”([36]).
إنّ على الأديب فيما يقوله أبن أبي الأصبع أن يأتي بالقافية في ذهنه قبل أنْ يأتي بالبيت، لأن هذا يُسهّل عليه الإتيان بالألفاظ والمعاني بسهولة ويُسر، ويسهل انسياب الشعر عند التأليف دون تكلّف أو تصنّع. وينبّه الأديب أيضاً بألاّ يُكره نفسه على قول الشعر في قافية معينة في ذهنه أو يُجريها على أوزان مقصودة أو روي محدد، لأن في ذلك تكلفاً لا محالة وضعفاً في الألفاظ والمعاني وحتى في القافية والوزن والموسيقى للبيت. ويجب عليه أنْ يترنّم بالشعر وهو ينظمه، لأن ذلك يساعد ويُسهّل قوله دون عناء، ولأنّ مثل هذا الترنم يمكِّن من معرفة معايب الوزن. أما عن اختيار القوافي والأوزان في الشعر، فيشترط المصري القوافي المستحسنة واللطيفة والسهلة دون الصعبة والمستهجنة. وكذلك فإنه يشترط فيه الأوزان الجميلة ذات الإيقاع الموسيقي الطرب ويعزو ذلك إلى أنّ القافية بالنسبة للشعر، كالحافر بالنسبة للحصان، إذْ يشتركان في المساعدة على الجريان بسرعة وانسيابية.
أمّا من حيث النثر فقال: “ولا تجعل كلامك مبنياً على السجع كلّه، فتظهر عليه الكُلفة، وتبين فيه أثر المشقة، ويُتكلّف لأجل السجع ارتكاب المعنى الساقط، واللفظ النازل، وربما اشتد عيب كلمة المقطع رغبة في السجع، فجاءت نافرة من أخواتها، قلقة في مكانها … فإنْ جاء الكلام مسجوعاً عفواً من غير قصد، وتشابهت مقاطعة من غير كسْب كان، وإنْ عزّ ذلك فاتركه وإنْ اختلفت أسجاعه، وتباينتْ في التقفية مقاطعة، … فإذا نثرت منظوماً فغيرّ قوافي شعره إلى قوافي سجعه”([37]).
السجع ظاهرة قد تلازم النثر وقد لا تدخل فيه، وهو يحتوي على أوزان تكسبه إيقاعاً وجرْساً موسيقياً جميلاً، لكنه محكوم بضوابط تنظمهُ وتحسنه وتقرّبه من الأسماع.
فابن أبي الأصبع هنا يُبيّن ما حُمد من السجع، وما رُغب في استخدامه. فيوصي الأديب بأنْ لا يكون الكلام أو العمل الأدبي كُلهّ مبنياً على السجع، فإنّ في ذلك كُلفْه، إذْ إنّ همّ الناشر في هذه الحالة إيجاد الألفاظ خبط عشواء لتتناسب مع الوزن والسجع الموحد من أول العمل إلى آخره. وقد يختار المعاني الساقطة والنازلة ابتغاء الالتزام بالسجع. فذلك كله لا يُفضي بالأديب إلا إلى مشقّة وتعب غير مفيدين في الكتابة، وألفاظ ومعان لا تمتُّ إلى الفنيّة بصلة.
وقد يؤثر التمسك بالسجع إلى حدّ كبير في العمل الأدبي على العبارات كلهّا، فقد تأتي العبارة في المكان الخطأ وليس بينها وبين أخواتها نوع من التناسق والتناغم أمّا السجع الذي يَسمحُ به الرجل هنا، السجع الذي يأتي عفو الخاطر دون قصد أو تكلف. فهذا النوع لن يؤثر على الألفاظ والمعاني والعبارات أبدا. ففي هذه الحالة _وإنْ استخدم مثل هذا النوع من السجع دون أن يشعر_ يجب عليه ألاّ يوقفه وأن يستمر فيما هو عليه، حتى وإنْ اختلفتْ بعض قوافيه.
أمّا القضية الأخيرة التي يُشير إليها ابن أبي الأصبع المصري فيما يتعلق بالسجع، ألا وهي حلّ المنظوم إلى المنثور.
فهو يشترط في ذلك أنْ ينقل الناثر القوافي الموجودة في الشعر ليجعلها في النثر المسجوع، في حالة تحويله عملاً شعرياً إلى عمل نثري. وفي ذلك يمكن أن يكون المصري قد وجّه شرطه السابق إلى كل أديب يعزم تحويل قصيدة شعرية من تأليفه إلى نثر مسجوع، مع ضرورة الإبقاء على نفس القافية في الفنين، فيبقى العمل ملكه في كليهما. وبالتالي فإنه يُحصّن قصيدته من السرقة إن أراد أديبٌ آخر القيام بذلك .
( ج ) الطبع والتكلف:
أولاً: الطبع والتكلف عند بشر بن المعتمر:
أشار بشر إلى هذه القضية في وصيته، وإنْ كانت إشارةً بسيطة إلا أنها ذات دلالة ومعنى تفيدان الأديب فيما يؤلف، فقال: ” … واعلم أن ذلك أجدى عليك مما يعطيك يومك إلاّ طول بالكدّ والمطاولة والمجاهدة، وبالتكلف والمعاودة”([38]).
عندما نربط هذه الفقرة بما قبلها في نص الوصية، نجد أنّ بشراً يوصي الأديب بانتقاء أفضل الأوقات للتأليف شعراً أو نثراً، كأوقات النشاط وهي التي يكون فيها البال غير مشغول، فهي تساعد على انتقاء ما حسُن من اللفظ والمعنى. أمّا إنْ اختار الأديب أوقاتاً تسرّب إليها الملل والضجر، أثّر ذلك على سير العمل الأدبي ووجد الأديب نفسه عندئذ مضطراً إلى تكلف الألفاظ والمعاني وحتى القوافي، إذْ إنّ من سمات الألفاظ والمعاني الضعيفة أنْ تكون متكلفّة. ويقول بشر: “فإنْ ابتلت بأنْ تتكلف القول، وتتعاطى الصنعة، ولم تسمح لك الطباع في أول وهلة، وتعاصى عليك بعد إجالة الفكرة، فلا تعجل ولا تضجرْ ودعه بياض يومك وسواد ليلتك، وعاوده عند نشاطك وفراغ بالك”([39]).
يطمئنُ بشرٌ الأديب إنْ تكلّف القول ولم تسمح له طباعته بتأليفه عفو الخاطر، بألاّ يجزع وألاّ يلازمه الاستعجال في التأليف، ولكن يجب عليه أنْ يتركه في جميع أوقات ذلك اليوم ولا يرجع إليه إلا وقت النشاط وفراغ البال. وكأنّ بشر بن المعتمر من خلال ذلك كلّه يُخاطب الأديب المحترف ويوجهه إلى اختيار الأوقات التي تسمح بالتأليف بانسيابية ودون عناء وذلك اجتناباً للتكلف في اختيار الألفاظ والمعاني.
ثانياً: الطبع والتكلف عند أبن أبي الأصبع المصري:
لقد أشار المصري إلى هذه القضية في وصيته إشارة تدل على اهتمامه بها، وتحذيره الأدباء من الوقوع في التكلف فقال: “وقد يتحّيل الشاعر حيناً ويستعصي عليه الشعر زماناً، كما روي عن الفرزدق أنه قال: ( لقد يمرّ عليّ الزمن وإنْ قُلع ضرسٌ من أضراسي لأهونُ عليّ من أن أقول بيتاً واحداً)، فإذا كان كذلك فاتركه حتى يجيئك عفواً، وينقاد إليك طوعاً”([40]).
يُعني المصري في هذا الكلام أنّ الشاعر قد يمرّ بزمن يساعده كُلّ المساعدة على قول الشعر بانسيابية ودون عناء أو تكلف، وقد يمرّ عليه زمن يستعصي عليه قول بيت واحد من الشعر، فهذا يتعلق بصفاء الذهن وخلو البال والخاطر، فإنْ توفرّ ذلك قال الأديب الشعر بسهولة ويُسْر، أمّا إنْ تكدّر الخاطر وشُغل البال، صعُب عليه القول واختار ما قبُح من الألفاظ والمعاني وتكلف فيها.
وفحوى ما يقوله أنّ قوْل الشعر بعيداً عن التكلف مرتبط بالزمن، وليس الزمن بإطلاق إنما ما كان فيه الإنسان بفكره وعقله وقلبه ونفسه على أكمل وجه من الراحة. فيوصي المصري في كلامه هذا، بأنْ يبتعد الشاعر عن قول الشعر في أوقات الملل والهم وأنْ يتركه إلى أنْ تتهيّأ الفرصة المناسبة لقوله، فيجيء عفو الخاطر دون عناء أو تكلف أو تحدّ أو مطاولة.
ويقول أيضاً: “وأعلم أنّ من الناس من شعره في البديهة أبدع منه في الروّية، ومن هو مجيد في رويته وليست له بديهة، وقلما يتساويان … وليكن كلامك سليماً من التكلف”([41]). في هذا الكلام قد نلمح أنّ أبن أبي الأصبع المصري لا يُهملُ ما يضفيه التروّي والتمهّل من جودة وإحكام على الشعر وعناصره، فيقول إنّ من الشعراء من يُبدع إذا قال الشعر عفو الخاطر، ومنهم من يُبدع في حالة التروي والتمهل، ولكن ليس إلى حدّ الإفراط والمبالغة في المحسنات البديعية وغيرها، وإنما المقصود هنا إتقان القول وتحسينه وتهذيبه دون الانحراف إلى حدّ التكلف.
وفي نفس الوقت يشير المصري إلى أنّ هذين الحالين للشاعر قلّما يتساويان معاً فيه، ومن وجهة نظر الباحث أنّ هذا التلاحم إنْ حصل بين الطبع والبديهة وبين التروي وحسن الإتقان عند الشاعر، كان شاعراً مجيداً فذّاً ينتج قصائد تحمل درجة عالية من الفنيّة.
وفي الوقت نفسه يحذر الأديب –شاعراً وناثراً- من الوقوع في التكلف والذي هو هنا المبالغة والمغالاة في استعمال المحسنات واختيار ما تعقّد من المعاني وإقحامها على الألفاظ لتكون معقدة مثلها. وقد تحدث المصري عن ذلك في نفس الكتاب ولكن خارج نص الوصية –تأكيداً على هذه القضية- فأشار إلى أهمية الطبع وفي نفس الوقت حذّر من الاتكال عليه فقال: “يجب على من كان له ميل إلى عمل الشعر وإنشاء النثر أنْ يعتبر أولاً نفسه، ويمتحنها بالنظر في المعاني وتدقيق الفكر في استنباط المخترعات، فإذا وجد لها فطرة سليمة، وجبلّة موزونة، وذكاءً وقاداً، وخاطراً سمحاً، وفكراً ثاقباً … كان موصوفاً في هذه الصناعة بأكمل الأوصاف النفسية… ويكون ذلك المكتسب، من وراء أشياء لا تكتسب، ولا تُحصّل بالطلب، بل هي مما يُجبلُ عليه الإنسان، ومن مواهب الرحمن، من عقل راجح، وذهن صاف، ورأي سديد ينتجُ ذلك مزاجٌ معتدل ليحسن اختياره، ويجود انتخابه، فيتخيّر الألفاظ الرقيقة، والمعاني الرشيقة، ويتقن تأليف الكلام وتركيب الألفاظ … ولابُدّ للمجتهد من يوم تُحمد فيه عاقبة اجتهاده، ويحصل فيه على مراده، وإنْ كان قصير الهمّة مهين النفس، قد أوتي طبعاً في العمل سليماً، وذهناً مستقيماً، فظنّ أنه يستغني بذلك عن الاشتغال، ويبعد عن مماثلة الجُهال، إدلالاً بطبعه، واتكالاً على حذقه … فلا يأنف من عرض ما يسمح به خاطره على من يحسن الظن بمعرفته، ويتحقق أن مرتبته في العلم فوق مرتبته، ولا تُهمل ذلك فإنّ خطره عظيم”([42]).
( ء ) الوضوح والغموض:
أولاً: الوضوح والغموض عند بشر بن المعتمر:
لقد أشار بشر إلى هذه القضية في وصيته، ناصحاً الأديب بالالتزام بأحد أطرافها وهو الوضوح، وترك الطرف الآخر وهو الغموض، فقال: “وإيّاك والتوعّر، فإنّ التوعّر يُسْلمك إلى التعقيد، والتعقيد هو الذي يستهلك معانيك ويشين ألفاظك … فإنّ حق المعنى الشريف اللفظ الشريف، ومن حقهما أنْ تصونها عمّا يفسدهما ويهجنهما … فكن في ثلاث منازل، فإنّ أولى الثلاث ان يكون لفظك رشيقاً عذباً، وفخماً سهلاً، ويكون معناك ظاهراً مكشوفاً وقريباً معروفاً، إمّا عند الخاصّة إنْ كُنت للخاصة قصدْت، وإمّا عند العامة إنْ كنت للعامة أردْتْ”([43]).
هنا، يُحذرّ بشر الأديب من الاقتراب من التوعّر والصعوبة في الألفاظ والمعاني، وذلك لأن التوعّر يقود إلى التعقيد، والتعقيد يقود إلى الغموض وبالتالي إلى إخفاء المعنى بنحو لا يفهمه المتلقي إلاّ بعد الكدّ والمطاولة والجهد المبذول لاستنباطه.
ثم يشير بشر إلى أنّ المعنى الشريف يحتاج إلى لفظ شريف مثله ومن حقهما أنْ يصونهما الأديب عمّا يفسدهما، إذ إن من حق المعاني أنْ تُصان من التعقيد والصعوبة ومن المبالغة في استخدام المحسنات البديعية، فإنْ سلم المعنى من كل ذلك وغيره، كان واضحاً لا غموض فيه ولا إخفاء.
وأخيراً يتحدث ابن المعتمر عن المنازل الثلاثة التي يجب على الأديب الالتزام بها، فمن المنزلة الأولى أن يكون المعنى ظاهراً مكشوفاً لا إخفاء فيه يفهمه المتلقي دون عناء أو مكابدة وخاصة في حالة مخاطبة طبقة معينة من المجتمع، فإن كان للخاصة يجب أن تكون المعاني سهلة الفهم عليهم دون غموض، وإنْ كان للعامة يجب ألاّ تقترب من الغموض والخفاء وفقاً لثقافتهم وعلمهم.
ثانياً: الوضوح والغموض عند ابن أبي الأصبع المصري:
لقد أشار المصري إلى هذه القضية إشارة وحيدة في وصيته في قوله: “وإيّاك وتعقيد المعاني بسوء التركيب واستعمال اللفظ الوحشي، فإنّ خير الكلام ما سبق معناه إلى القلب، قبل وصول جملته إلى السمع”([44]). فبهذه الإشارة يكون المصري قد شاكل من سبقه من النقاد في الحديث عن قضية الوضوح والغموض.
في خاتمة هذا الباب، يتضح لنا أنّ بشر بن المعتمر وابن أبي الأصبع المصري قد اشتركا في حديثهما عن أربع قضايا نقدية وهي: اللفظ والمعنى والأوزان والقوافي والطبع والتكلف والوضوح والغموض. هذا وقد تفاوت حديثهما عن بعض القضايا وتشاكل في بعضها الآخر.
(الباب الثالث)
( وصية أبي تمام للبحتري _ بين التنظير والتطبيق )
لقد وردت هذه الوصية في كثير من كتب الأدب القديم وبروايات مختلفة، ولهذه الوصية أهمية في الدراسات النقدية القديمة والحديثة، وقد أفاد منها السابقون واللاحقون في مجال النقد والتأليف، مع العلم أنهّا قد تعرضت للشكوك في نسبتها إلى أبي تمام، فمنهم قد نسبها للبحتري، إلاّ أن الدكتور عبد الكريم محمد حسين أثبت أنها منسوبة إلى أبي تمام لا لغيره، وذلك بتحقيق نص الوصية في نصوص القدماء([45])، حيث وردت الوصية في زهر الآداب لأبي إسحاق الحصري([46])، والعمدة لابن رشيق القيرواني([47])، وشرح مقامات الحريري للشريشي([48])، وتحرير التحبير لابن أبي الأصبع المصري([49])، وخزانة الأدب وغاية الأرب لابن حجة الحموي([50]).
سيحاول الباحث في هذا الباب أنْ يستعرض ما ورد عند أبي تمام في وصيته من قضايا نقدية، والكشف عمّا إذا كان أبو تمام قد التزم في مختارات من شعره بما أوصاه للبحتري أم لا. وبقراءة الباحث الفاحصة لهذه الوصية وجد أنه قد تحدث عن قضايا اللفظ والمعنى، و إتباع الشعراء المحدثين للشعراء القدماء فيما استحُسِن، و مطابقة الكلام لمقتضى الحال والطبع التكلف.
وكل ذلك قد تجلى في قوله: “…فإنْ أردْت النسيب فأجعل اللفظ رقيقاً، والمعنى رشيقاً … وإذا أخذتَ في مدح سيد ذي أيادٍ، تقاضَ ([51])المعاني وأحذر المجهول منها”([52]). يريد الرجل من ذلك أن يرشد البحتري إلى العناية بألفاظه ومعانيه إنْ نظم الشعر وخاصّة في موضوع النسيب، فيجب أن يكون لفظه عذباً بعيداً عن الغلظة والجزالة وقد ذكر ابن الأثير ذلك في كتابه (المثل السائر) حيث قال: “الألفاظ تنقسم في الاستعمال إلى جزْلة ورقيقة، ولكل منها موضع يحسن استعماله فيه، فالجزل منه يستعمل في وصف مواقف الحروب وفي قوارع التهديد والتخويف وأشباه ذلك، وأمّا الرقيق فإنه يستعمل في وصف الأشواق، وذكر أيام البعاد، وفي استجلاب المودّات وملاينات الاستعطاف وأشباه ذلك. ولست أعني بالجزْل من الألفاظ أنْ يكون متيناً وحشياً متوعراً عليه عنجهية البداوة، بل أعني بالجزْل أن يكون سفسفاً متيناً على عذوبته في الفم ولذاذته في السمع، وكذلك لست أعني بالرقيق أنْ يكون ركيكاً سفسفاً وإنما هو اللطيف الرقيق الحاشية الناعم الملمس”([53]). فابن الأثير نحا منحى أبي تمام في ذلك واجتمع وأيهما في أن يختار الشاعر رقيق الألفاظ لرقيق المعاني على ألاّ تُفهم الرقّة على أنها خلاف الجزالة أو المتانة.
ويريد أبو تمام أيضاً أن يكون المعنى رشيقاً ولطيفاً وعذْباً وخفيفاً على الذهن بحيث لا يصعب الوصول إليه بالكدّ والعناء، أمّا في مدح رجل كريم فيجب على الأديب اختيار معانيه لتتناسب مع مقام الممدوح وأنْ يُحذّر من الاقتراب إلى المعاني المجهولة والغريبة والتي يستعصي على القارئ الوصول إليها، فهي تُفسد الشعر ولا تُحسنه.
ويتابع أبو تمام كلامه ويقول: “وإيّاك أنْ تُشين شعرك بالألفاظ الزريّة، وكُن كأنك خياط يقطع الثياب على مقادير الأجسام”([54]). ما زال أبو تمام هنا يوصي البحتري بأنه إنْ أراد مدح أحد فإنّ عليه ألاّ يقترب من الألفاظ الزريّة المعيبة والقبيحة، فهي تفسد الشعر وتعيبه وتحط من منزلته، فيجب عليه في التعامل مع الألفاظ والمعاني أن يكون كالخياط الذي يصنع الثياب عل قدْر الأجسام، فالمعنى القوي يحتاج إلى لفظ قوي مثله ليظهرا معاً بأعلى مستوى من مستويات الفنية العالية.
وربما قصد أبو تمام _أيضاً_ في هذا مطابقة الكلام لمقتضى الحال، فإنّ في هذه المطابقة يتأتّى شرف المعنى وصحته، بل تتأتّى البلاغة كُلهّا، إذ لكل مقام مقال، فالألفاظ الموجهة للخاصة ليست هي نفسها الألفاظ التي تُوجّه للعامة.
ويوصي أبو تمام أيضاً بتخيّر الأوقات في نظم الشعر، فإذا ابتغى الشاعر ذلك ينبغي ألاّ يكون ذهنه وفكره مشغولين بالهموم والغموم، وإلاّ فلن يكون النظم نظماً، وسيكون التكلف رفيق الشاعر في كل لفظ يُكتب وفي كُلّ معنى يُولّد، ولن يكون للطبع مكانٌ عنده.
وينحو أبو تمام ما نحاه بشر بن المعتمر في أنْ يطمئن الشاعر إذا ما أتاه الضجر، عندئذ فليترك الشاعر النظم إلى حين فراغ القلب من الملل والسآمة، وإلى حين استرداده لشهوته في النظم والكتابة. ولعلّ الباحث ليس في حاجة ليقول إنّ أبا تمام لا يوجّه هذه الوصية للبحتري فقط، بل يوجهها أيضاً إلى كل من ينظم الشعر فقط، على العكس من بشر بن المعتمر الذي عمّمَ كلامه على القوْل من المنظوم والمنثور في آن.
وسيتبين الآن ما إذا كان أبو تمام قد التزم في شعره بما أوصاه للبحتري أم لا من خلال نماذج منتقاه من شعره.
لقد شاع عن ألفاظ أبي تمام أنها جَزلة وفحلة، ويكفينا دليلٌ على ذلك ما قاله ضياء الدين ابن الأثر عن ألفاظ أبي تمام “وكأنها رجال قد ركبوا خيولهم واستلأموا سلاحهم وتأهبوا للطراد”([55]). لكن هذه الصفة ليست الصفة الدائمة لألفاظه بل كان يهتم بالمعنى على حساب اللفظ في كثير من الأحيان، وهذا هو نفسه ما وصفه به الآمدي في موازنته([56]).
ويكمن ضعف الألفاظ عند أبي تمام في عدة أمور منها: أنّه يستخدم الألفاظ العامية السخيفة في شعره كقوله:
لو كان كلَّفها عُبيْدٌ حاجةً |
|
يوماً لزنّى شدْقماً وجديلا([57]) |
فالشاهد هنا كلمة (زنّى) فهي عامية([58])
وقوله:
جلّيْتَ والموتُ مُبْدٍ حُرّ صفْحتهِ |
|
وقدْ تفرْعَنَ في أوصاله الأَجَلُ([59]) |
والعيبُ هنا في كلمة (تفرْعن) ([60])
وقوله:
ما مُقْرَبٌ يختالُ في أشطانه |
|
ملآنُ مِنْ صَلَفٍ به وتَلَهْوُقِ([61]) |
فالمأخذ هنا كلمة (صلف) وهي التيه والكبر والغرور فهي لفظة عامية([62])
وقوله:
قد فُلْتُ لمّا لجّ في صدّه |
|
اعطف على عبْدك يا قابري([63]) |
فلفظة (يا قابري) غايةٌ في السّخف والعاميّة، فهي من ألفاظ عوام النساء وأشباههن([64]).
ويكمن الضعف –أيضاً- في ألفاظ أبي تمام في أنها توضع في غير مكانها، وهذا هو ما أشار إليه الآمدي([65])، ومن ذلك قوله:
لنا غُررٌ زيْديّةٌ أُدديّةٌ |
|
إذا نجمتْ ذلّتْ لها الأنجمُ الزهرُ([66]) |
فالشاهد في كلمة (نجمتْ) إذْ يجب أنْ يحلّ مكانها (ذُكِرت) ([67]).
وقوله:
وعزائماً في الرّوْع مُعْتصميّةً |
|
ميمونةَ الإدبار والإقبال([68]) |
فالكراهة في لفظة (الإدبار) معناها([69]).
وقوله:
فلأذربيجان اختيالٌ بعدما |
|
كانتْ مُعرّسَ عبْرةٍ ونَكالِ |
سَمُجَتْ ونبّهَنا على استسماجها |
|
ما حولها من نظرةٍ وجمالِ([70]) |
فكلمة (فلأذربيجان) رديئة لطولها ولكثرة حروفها([71]).
وقوله:
مودّةٌ ذهبتْ أثمارها شُبةٌ |
|
وهِمّةٌ جوْهرٌ معروفها عَرَضُ([72]) |
فالشاهد في لفظتي (الجوهر) و(العرض) فهما من ألفاظ أهل الكلام والمتكلمين([73]).
ويكمن الضعف –أيضاً- في ألفاظ أبي تمام في أنها تخالطها الغرابة في بعض الأحيان، وكثر ذلك في مدائحه، كمدحه لأبي المغيث الرافقي البدوي بقصيدته الثائية والتي من أبياتها:
صرْفُ النّوى ليس بالمكيثِ |
|
ينْبِثُ ما ليس بالنبيثِ |
مِن كُلّ رُعبوبة تردّى |
|
بثوْب فيْنانها الأثيثِ |
كالرّشأ العوْهج اطبّاهُ |
|
روْعٌ إلى مُغزِلٍ رَغوثِ |
من كُلّ صُلْبِ القَرا قعوجِ |
|
وكُلِّ عيرانةٍ دلوثِ |
ذي قيْعةٍ مشْيُهُ الدفقّي |
|
وذات لوْث بها مَلُوثِ([74]) |
ولعل القارئ لهذه القصيدة سيعرف لا محالة أنّ ألفاظها غريبة متقعّره، وبالتالي فقد وقع أبو تمام فيما نهى عنه.
ومن خلال ما سبق نستطيع القول إنّ التعقيد والغموض والغرابة في ألفاظ أبي تمام تفضي بالضرورة إلى الغموض والتعقيد في معانيه، ومن الأمثلة على ذلك قوله:
فلا تلكٌ فردُ المواهبِ واللُّهى |
|
يجاوزُ بي عنه ولا رشأ فرْدُ([75]) |
فيبدو أنّ أبا تمام هنا رتّب الألفاظ ترتيباً يضيق به البيت لخضوعه لوزن معين وقافية معينة، فلو سمح الوزنُ لأبي تمام أنْ يضع (لا) قبل (يجاوز) لُفعل ولما وقع في التعقيد، فهذا الترتيب جعل المعنى معقداً كما هي الألفاظ([76]).
ومن مظاهر تعقيد المعنى عند أبي تمام –أيضاً- تحكمّ الوزن باللفظ حتى يستبهم المعنى كقوله:
جارى إليه البْيتُ وصْلَ خريدةٍ |
|
ما شتْ إليه المطْلَ مشي الأكبدِ |
يا يوْم شرّدَ يوم لهوي لهْوُهُ |
|
بصبابتي وأذلَّ عِزّ تجلُّدي |
يومٌ أفاضَ جوىً أغاضَ تعزّياً |
|
خاض الهوى بحري حِجَاهُ المُزْبِدِ([77]) |
قال العسكري في هذه الأبيات: “بلغنا أن إسحاق بن إبراهيم سمعه ينشد هذا وأمثاله عند الحسن بن وهب فقال: يا هذا لقد شدّدت على نفسك، والكلام إذا كان بهذه المثابة كان مذموماً”([78]). فقد عدّ العسكري هذا النوع من طرق التعبير عجزاً عن الإبانة، وقصوراً عن الإفصاح([79]).
يرى بعض الدارسين المحدثين أنّ سرّ التفاوت في شعر أبي تمام هو ظاهرة التصنع في شعره، وعللوا لذلك بأنّ أبا تمام يبحث عن الصنعة ويتكلفها فيظهر هذا التكلف في الأبيات التي يصنعها، وعندما يُرخي لطبعه العنان تأتي أبياته من النوع المطبوع([80]).
ولإثبات هذا الكلام يورد الباحث مجموعة من الأبيات تدلل على أنّ أبا تمام كان متصنعاً ومتكلفاً لكثير من الألفاظ، على الرغم أنه قد أوصى البحتري في وصيته بالابتعاد عن التكلف في قوله: “يا أبا عبادة، تخيّر الأوقات وأنت قليل الهموم، صفرٌ من الغموم، واعلم أنّ العادة في الأوقات أن يقصد الإنسان لتأليف شيء أو حفظه في وقت السحر…” ([81]).
من الأسباب التي دفعت أبا تمام للتكلف في الألفاظ والمعاني البحث عن قافية مناسبة كقوله:
مها الوحْشِ إلاّ أنّ هاتا أوانسٌ |
|
قنا الخطِّ إلاّ أنّ تلك ذوابلُ([82]) |
لقد حرص أبو تمام أن يأتي بقافية لامية بواسطة كلمة (ذوابل) التي تدلّ على اللين والتثنّي، وفي نفس الوقت نفى ذلك عن قدود النساء التي اشتهرت بهذه الصفة([83]).
وقوله:
وصنيعة لك ثيّب أهْديْتها |
|
وهْيَ الكِعابُ لعائذٍ بك مُصرِمِ |
حلّت محلّ البكْر منْ مُعطىً وقدْ |
|
زُفّتْ من المعطي زِفافَ الأيّمِ([84]) |
دعتْ ضرورة القافية أبا تمام هنا إلى ارتكاب التكلف في وضع كلمة (كعاب) مضادة لكلمة (ثيّب) وكلمة (الأيم) مضادة لكلمة (البكر) ([85]).
وفي الحديث عن إتباع الشعراء المحدثين للشعراء القدماء في الأشياء المستحسنة _وهذا ما أوصى به في وصيته_، فإنّ الكلام جُلّه يتلخّص في أنّ أبا تمام يتحلّى بثقافة حديثه تساير عصرها، وثقافة عريقة تستوعب التراث، وتشغف به شغفاً، فلأبي تمام مواقفه الصلبة من إتباع الشعراء القدماء فيما حَسُنْ والابتعاد عنهم فيما سَقِم، كقضية الوقوف على الأطلال والغزل ووصف الخمرة ..الخ. فمن المعروف عن أبي تمام أنه عربيٌّ وفيٌّ لعروبته، “وكان يُفضّل البدء بوقفة الطلل حتى وإنْ كان على حظ كبير من ثقافة عصره وفلسفته، وعلى مقدار عظيم من الفكر يعينه على الذهاب بالمعنى إلى أقصى مداه من الوجودية إلى العدمية أو إلى اللاشيء”([86]).
ومن الأمثلة على وقوفه على الأطلال قوله:
لا والطلولِ الدراساتِ أَليّةً |
|
منْ معُرِقٍ في العاشقينَ صَميمُ([87]) |
وقوله:
طَللٌ عكفت عليه أسأله إلى |
|
أن كاد يُصبحُ ربْعُهُ لي مسجدا |
سعْياً لمعْهَدِكَ الذي لو لم يكن |
|
ما كان قلبي للصبابة معْهدا([88]) |
ولم يمنع هذا أبا تمام أنْ يلتزم بالموروث مع التجديد فيه عن السابقين، فكثيراً _ مثلاً _ ما كان يقدّم لمدائحه بالنسيب وبالغزل والتشبيب مع شيء من التجديد، بحيث يأتي غزله مميزاً أو يحمل طوابعه، “فنجده يمزج غزله بالطبيعة أو يتظاهر برفض النسيب أو التعلق بالحبيب، أو يتكبر ويتطاول في كبريائه، فتبدو شخصيته القوية في غزله أو شخصيته في من يحبها، أو يرمز بغزله لشيء لا يودّ أن يصرّح به”([89]).
فمن الأمثلة على تجديده عن طريق مزج الغزل بالطبيعة قوله في مقدمة مدح عمر بن طوق:
أحْسِنْ بأيّام العقيقِ وأطْيِبِ |
|
والعيشِ في أظلالِهنّ المعُجِبِ |
ومصيْفهنَّ المُسْتظِلّ بظِلّه |
|
سرْبُ المها وربيعهنّ الصّيِّبِ |
أَصُلٌ كبُرْدِ العصْبِ نِيْطَ إلى ضحىً |
|
عَبِقٍ بريحانِ الرّياضِ مُطَيّبِ |
وظلالِهِنَّ المُشرقاِت بِخُرَّدٍ |
|
بيضٍ كواعِبَ غامضاتِ الأكْعُبِ |
ثم يقول:
مَالت وقد أعلقتُ كفي كَفَّها |
|
حِلاًّ وما كُلُّ الحلالِ بِطَيّبِ |
فنعمْتُ من شمسٍ إذا حُجِبَتْ بدتْ |
|
من نورها فكأنها لم تُحجَبِ |
وإذا رنتْ خِلْتَ الظبّاءَ وَلَدْنَها |
|
ربْعيّهَ واستُرضعَتْ في الرّبْرَبِ |
إنسيةٌ إنْ حُصّلَتْ أنسابَها |
|
جِنِيّةُ الأبوين ما لم تُنْسَبِ([90]) |
فمزْجُ الغزل بالطبيعة واضح وجليٌ في الأبيات السابقة.
أمّا عن وصف الخمرة فإنّ أبا تمام لم يأخذ الخمر مدخلاً لمدائحه أو للأغراض الأصلية من قصائده كما فعل أبو نواس، ولم يترك أبو تمام هذا ضعفاً أو تقصيراً أو عجزاً، فلو أراد لأبدع، فقد جاء ذكر الخمرة في شعره عارضاً كقوله:
وصفراء أحدقنا بها في حدائق تجـــــــــــــــــــــود من الأثمار بالثّعْد والمـــهدِ
بقاعيةٍ تجري علينا كؤوســـــــها فنبدي الذي تخفي ونخفي الذي تبدي([91])
ومن خلال هذه الأمثلة وغيرها ندرك أن أبا تمام التزم بما أوصى البحتري به فيما يتعلّق باتباع الشعراء القدماء فيما استحسن، فقد أخذ عنهم ما أحسّ أنّه جيد وترك ما شعر أنه رديء، وليس ذلك وحسب وإنما طوّر وجدّد على ما أخذ.
يمكن لنا من خلال هذا الباب التطبيقي أنْ نُخلص إلى أنّ أبا تمام لم يلتزم في شعره بأغلب القضايا التي أوصى البحتري بها، والتزم بالقليل منها، فجاءت عنده كثير من الألفاظ العامية السخيفة، وجاءت عنده ألفاظ حلّتْ مكان ألفاظ أخرى، وطغى الغموض والغرابة على كثير من ألفاظه ومعانيه، وشاعت ظاهرة التصنّع والتكلف في شعره شيوعاً واضحاً، وهذا كله يتنافي مع ما أوصى به البحتري في وصيته. ولاحظنا أنه قد التزم بأخذ ما هو حسن عن الشعراء القدماء وترك ما هو رديء مع التجديد والتطوير فيما حَسُن.
أمّا السرّ في عدم التزام أبي تمام في شعره لما أوصى به البحتريَّ في وصيته يبقى قابعاً في مكنونات نفسه لا نستطيع أنْ نجزم فيه، ولا يفوت الباحث الإشارة إلى أنّ أيّ عمل إنساني قد تشوبه السلبيات على قلتها وكثرتها، فلا كمال في عمل إنسان.
الخاتمة
يهدف هذا البحث إلى دراسة لون نثري هو (فن الوصايا)، إذا إنّ هذا الفن قديم في أدبنا العربي القديم، وهو فنٌ تتعدد سماته وتتنوع ضروبه. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن هذا البحث يهدف إلى إظهار نوع من أنواع الوصايا ندُرتْ الدراسات فيه أو حوله، ألا وهو (الوصايا النقدية). ويهدف في الوقت نفسه إلى دراسة المباحث النقدية التي تشتمل عليها ثلاث وصايا نقدية من أصل سبع، ورَصْدِ وجوهِ التباين أو الاختلاف فيما بينها.
ويمكننا القول إنّ البحث توصّل إلى ما يلي:
أولاً: أنّ فن الوصايا ظهر منذ قديم الزمان، وكان أول ظهور له في عهد آدم عليه السلام –إنْ كانت وصيته لأبنائه صحيحة النسبة إليه-، واستمرت عبر العصور مروراً بلقمان الحكيم والعصر الجاهلي، وفترة نزول القرآن الكريم على محمد صلّى الله عليه وسلم، حيث تعّد الوصايا الواردة في الكتاب العزيز أرفع درجات الكلام علوّاً وبلاغة وفصاحة. ثم امتدت إلى عصر النبي صلّى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم، وعصر بني أمية والعصر العباسي والأندلسي.
أما الوصايا النقدية فقد بدأ تاريخها مع وصية بشر بن المعتمر في العصر العباسي الأول مروراً بوصية أبي تمام للبحتري في العصر نفسه، ثم وصية الجاحظ في العصر العباسي الثاني، إلى القرن الرابع الهجري حيث هي وصية أبي حيان التوحيدي، وإلى العصر الأيوبي حيث وجدت وصيتا أسامة بن منقذ وابن أبي الأصبع المصري، حيث انتهت الوصايا النقدية في العصر المملوكي من خلال وصية النواجي.
ثانياً: توصل البحث إلى أن الوصايا على العموم هي: أنْ تعهد شيئاً إلى شخص بعينه وتطلب إليه أن يلتزم به في قول أو ممارسة، وهي لون من ألوان النثر العربي يقدم فيه الموصي خلاصة تجاربه في حياته وخلاصة خبرته التي جمعها طوال مكوثه في الدنيا، فيقدمها إلى من يخصّه أو يخصّونه عندما يقترب من مفارقة الدار الأولى –وهذا ليس شرطاً- لتكون بمثابة إرشاد ونصح لهم في أمور كثيرة دينية كانت أم دنيوية. أما الوصايا النقدية على وجه الخصوص هي: التي يتم من خلالها التنبيه على قضايا النقد والبلاغة في فنون الأدب العربي، ليأخذ الأدب بمقتضاها لحظة النظم أو الكتابة.
ثالثاً: تعددت أنواع الوصايا، فكانت من حيث الشكل الوصايا الشفوية، والوصايا الكتابية. ومن حيث المضمون: الوصايا الدينية، والوصايا الشعرية، والوصايا النقدية.
رابعاً: امتازت الوصايا بسمات فنية لعل أبرزها:
الأسلوب المسجع، الجمل القصيرة المتوازنة، التراوح ما بين الاسترسال والإيجاز، سهولة الألفاظ والمعاني ووضوحها، أسلوب الطلب.
خامساً: المباحث النقدية التي وُجدت داخل الوصايا –موضوع البحث- هي: اللفظ والمعنى، الأوزان والقوافي، الطبع والتكلف، الوضوح والغموض.
سادساً: توصل البحث إلى أنّ بشر بن المعتمر هو أول من تحدث عن قضية اللفظ والمعنى وعن طبيعة الصلة التي يجب أن تقوم بينهما وأنه قد فَصَل بينهما فصلاً متوازياً مبيّناً لكل طرف ما يجب أنْ يتسم به من صفات الجودة والبراعة.
سابعاً: عمّم بشر بن المعتمر كلامه في الوصية ليشمل الناثر والشاعر على السواء، على العكس من أبي تمام الذي وجهّ وصيته إلى الشعراء فقط.
ثامناً: لو استعرضنا الوصايا النقدية الثلاثة استعراضاً عاماً وشاملاً لوجدنا أنّ بعض القضايا النقدية وردت في بعضها ولم تردْ في بعضها الآخر، كقضية حسن الابتداء والتخلص –مثلاً-، حيث وردت عند المصري ولم ترد عند بشر وأبي تمام. وهذا يعود إلى طبيعة العصر الذي عاش فيه كل واحد منهم من الناحية الأدبية.
تاسعاً: يتفق أبو تمام وبشر في أنْ يطْمئنّ الشاعرُ إذا ما أتاه الضجر وقت النظم، حينها فليترك النظم إل حين فراغ القلب من الملل والسآمة.
عاشراً: شاع عن أبي تمام أنه ذو ألفاظ جزلة وفحلة – وهذا صحيح- لكنّه لم يلتزم في هذا على الدوام، حيث كان يهتم بالمعنى على حساب اللفظ في كثير من الأحيان، وكان يضع الألفاظ في غير مكانها، ووقعت مجموعة كبيرة من ألفاظه في الغرابة والتعقيد والتقعّر. وهذا أفضى بالضرورة إلى الغموض والتعقيد في معانيه في كثير من الأحيان.
حادي عشر: سر التفاوت في شعر أبي تمام هو ظاهرة التصنع في شعره، تارة وشعره المطبوع تارةً أخرى.
ثاني عشر: لأبي تمام موقف صلب في إتباع الشعراء القدماء فيما حسُن والابتعاد عنهم فيما سَقِم، وخاصة في قضية الوقوف على الأطلال ووصف الخمرة ..الخ.
ثالث عشر: التزم أبو تمام في كثير من الأحيان في الموروث لكنه جدّد فيه وطوّر عمّن سبقه.
رابع عشر: لم يلتزم أبو تمام في شعره بما أوصاه للبحتري في جُلّ القضايا التي وردت في وصيته، والسرّ في ذلك يبقى في مكونات نفس أبي تمام لا نستطيع الجزم فيه.
ولله الحمد من قبل ومن بعد
مصادر البحث ومراجعه:
– الأمدي، الحسن بن بشر: الموازنة بين أبي تمام والبحتري، تحقيق اليد أحمد صقر، دار المعارف، مصر، ط2، 1972.
– إبراهيم، عبد الله: الوصايا، WWW.AlKalema.Us/adab/htm.
– أبو رحمة، خليل: فنون النثر العربي القديم، منشورات جامعة القدس المفتوحة، عمان، ط1، 1993.
– أبو ليلى، فرج: تاريخ الوصايا، دار الثقافة، الدوحة، ط1، 1997.
– الأصفهاني، أبو الفرج: الأغاني، مؤسسة جمال للطباعة والنشر، بيروت، 1963.
– أنيس، إبراهيم: موسيقى الشعر، مكتبة الأنجلو المصري، مصر، ط4، 1997.
– بلبع، عبد الكريم: أدب المعتزلة إلى نهاية القرن الرابع الهجري، دار نهضة مصر للطباعة والنشر، مصر، ط3، 1979.
– الجاحظ، عمر بن بحر: البيان والتبيين، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الحيل، بيروت، ط1، 1997.
– الجرجاني، أبو الحسن علي بن عبد العزيز: الوساطة بين المثنى وخصومه، تحقيق: محمد أبو الفضل وعلي البجاوي، دار فحياء الكتب العربية، القاهرة، ط3، 1951.
– الجرجاني، عبد القهر: أسرار البلاغة، تحقيق: محمود محمد شاكر، دار المدني، جدة، 1991.
– الجزري، ضياء الدين أبن الأثير: المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، تحقيق: أحمد الجوفي، دار الدفاعي، الرياض، ط2، 1983.
– حسين، عبد الكريم محمد: وصية أبي تمام للبحتري الاستناد والتوثيق، مجلة جامعة دمشق للآداب والعلوم الإنسانية، م(19)، عدد (3+4)، 2003.
– الحصري، أبو إسحاق: زهر الآداب وثمر الألباب، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت، ط4، 1900.
– الحموي، أبن حجة: خزانة الأدب وغاية الأدب، دار القاموس الحديث، بيروت، (د.ت).
– الخفاجي، أبن سنان: سر الفصاحة، تحقيق: عبد المتعال صعيدي، مكتبة علي صبيح، القاهرة، 1969.
– الربداوي، محمود: الفن والصفة في مذهب أبي تمام، والمكتب الإسلامي، دمشق، 1971.
– الشريشي، أبو عباس: شرح مقامات الحريري، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، بيروت، 1998.
– شلبي، سعد إسماعيل: مقدمة الوطنية عن أبي تمام والمنسي، مكتبة غريب، الفجالة، 1979.
– صالح، محمود عبد الرحيم: فنون النثر في الأدب العباسي، وزارة الثقافة، الأردن، ط1، 1994.
– الطائي، أبو تمام: ديوان أبي تمام، تحقيق: محي الدين صبحي، دار صادر، بيروت، ط1، 1997.
– الطائي، أبو تمام: ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي، تحقيق: محمد عبده عزام، دار المعارف، مصر، ط2، 1964.
– طبانة، بدوي: دراسات في النقد الأدبي العربي، دار الثقافة، بيروت، 1960.
– طليمات، غازي: الأدب الجاهلي: قضاياه وأغراضه وأعلامه، دار الفكر، دمشق، ط2، 2000.
– العامري، لبيد بن ربيعة: ديوان لبيد بن ربيعة، تحقيق، عمر فاروق الطباع، دار الأرقم، بيروت، ط1، 1997.
– عبد الله، محمد حسن: مقدمة في النقد الأدبي، دار البحوث العلمية، (د.م)، 1975.
– العسكري، أبو هلال: الصناعية، دار الكتب العالمية، بيروت، ط1، 181.
– الفيروز أبادي، مجد الدين: القاموس المحيط، تحقيق: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط6، 1998.
– القيرواني، أبن رشيق: العمدة في نقد الشعر وتمحيصه، تحقيق: عفيف نايف حاطوم، دار صادر، بيروت، ط3، 2000.
– المصري، أبن أبي الأصبع: تحرير التحبير، تحقيق: حفني محمد شرف، وزارة الأوقاف، القاهرة، 1995.
– المصري، جمال الدين أبو الفضل: لسان العرب، تحقيق: عامر أحمد حيدر، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2003.
– مطلوب، أحمد: معجم مصطلحات انقد العربي القديم، مكتبة لبنان ناشرون، لبنان، ط1، 2001.
– مغافري، أبو محمد عبد الملك بن هشام: السيرة النبوية، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، مكتبة العبيكات، الرياض، ط1، 1998.
([1]) المصري، جمال الدين أبي الفضل: لسان العرب، تحقيق: عامر أحمد حيدر، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2003، مادة (وصى). وانظر، الفيروز أبادي، مجد الدين: القاموس المحيط، تحقيق: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة (محمد نعيم عرق سوسي)، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط6، 1998، ص1343، مادة (وصى).
([2]) ليس المقصود بمصطلح الرسالة هنا، الرسالة الأدبية المعروفة في نثرنا العربي، وإنما هي أفكار وتوصيات مكتوبة تُرسل من مكان إلى آخر.
([3]) أبو ليلى، فرج: تاريخ الوصايا، دار الثقافة للطباعة والنشر، الدوحة، ط1، 1997،ص3.
([4]) سورة الأحقاف، آيه 15.
([5]) المغافري، أبو محمد عبد الملك بن هشام: السيرة النبوية، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، مكتبة العبيكان، الرياض، ط1، ج4، 1998، ص 237.
([6]) الجاحظ، عمرو بن بحر: البيان والتبيين، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الجيل، بيروت، ج2، (د.ت)، ص77.
([7]) العامري، لبيد بن ربيعة: ديوان لبيد بن ربيعة، تحقيق: عمر فاروق الطباع، دار الأرقم، بيروت، ط1، 1997، ص73.
([8]) الأصفهاني، أبو الفرج: الأغاني، مؤسسة جمال للطباعة والنشر، بيروت، ج3، 1963، ص98-99.
([9]) طليمات، غازي: الأدب الجاهلي و قضاياه وأغراضه وأعلامه، دار الفكر، دمشق، ط2، 2000، ص 701.
([10]) صالح، محمود عبد الرحيم: فنون النثر في الأدب العباسي، وزارة الثقافة، الأردن، ط1، 1994، ص34.
([11]) إبراهيم، عبد الله: الوصايا، WWW. ALKalema-Vs/adab/htm
([12]) أبو رحمة، خليل: فنون النثر العربي القديم، منشورات جامعة القدس المفتوحة، عمان، ط1، 1993، ص18
([13]) انظرها. الأصفهاني، أبو الفرج: الأغاني، ج3، ص98-99.
([14]) انظرها: الجاحظ، عمرو بن بحر: البيان والتبيين، ج2، ص46.
([15]) صالح، محمود عبد الرحيم: فنون النثر في الأدب العباسي، ص40.
([16]) بلبع، عبد الحكيم: أدب المعتزلة إلى نهاية القرن الرابع الهجري، دار نهضة مصر للطباعة والنشر، مصر، ط3، 1979، ص 182.
([17]) الجاحظ، عمرو بن بحر: البيان والتبيين، ج1، ص136.
([18]) انظر: طبانة، بدوي: دراسات في النقد الأدبي العربي، دار الثقافة، بيروت، 1960، ص143.
([19]) الجاحظ، عمرو بن بحر: البيان والتبيين، ج1، ص136.
([20]) الجرجاني، القاضي: الوساطة بين المتنبي وخصومه، تحقيق: محمد أبو الفضل وعلي البجاوي، دار إحياء
([21]) العسكري، أبو هلال: الصناعتين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، ج1، 1981، ص57.
([22]) المصري، جمال الدين أبي الفضل: لسان العرب، (فخم).
([23]) الخفاجي، ابن سنان: سر الفصاحة، تحقيق: عبد المتعال صعيدي، مكتبة علي صبيح، القاهرة، 1969، ص112.
([24]) الجاحظ، عمرو بن بحر: البيان والتبيين، ج1، ص136.
([25]) المصري، جمال الدين أبي الفضل: لسان العرب، (كشف).
([26]) الجاحظ، عمرو بن بحر: البيان والتبيين، ج1، ص136.
([27]) مطلوب، أحمد: معجم مصطلحات النقد العربي القديم، مكتبة لبنان ناشرون، لبنان، ط1، 2001، ص397-398.
([28]) الجاحظ، عمرو بن بحر: البيان والتبيين، ج1، ص138-139.
([29]) عبد الله، محمد حسن: مقدمة في النقد الأدبي، دار البحوث العلمية، (د.م)، 1975، ص 499.
([30]) هو أبو محمد زكي الدين عبد العظيم بن عبد الواحد بن ظافر بن عبد الله بن محمد المصري المعروف بابن أبي الأصبع، ولد بمصر سنة (585هـ) وتوفي سنة (654هـ)، وعاش معظم حياته في مصر في عهد الدولة الأيوبية وجزء من دولة المماليك البحرية وذلك في النصف الأول من القرن السابع للهجرة.
([31]) المصري، أبن أبي الأصبع: تحرير التحبير، تحقيق: حفني محمد شرف، القاهرة، وزارة الأوقاف، 1995، ص412.
([32]) المصدر نفسه، ص416.
([33]) المصدر نفسه، ص420.
([34]) الجاحظ، عمرو بن بحر: البيان والتبيين، ج1، ص138.
([35]) انظر. أنيس، إبراهيم: موسيقى الشعر، مكتبة الأنجلو المصرية، مصر، ط4، 1997، ص 177-178.
([36]) المصري، ابن أبي الأصبع: تحرير التحبير، ص412-416
([37]) المصدر نفسه، ص415- 416.
([38]) الجاحظ، عمرو بن بحر: البيان والتبيين، ج1، ص136.
([39]) المصدر نفسه،ج1، ص138.
([40]) المصري، أبن أبي الأصبع: تحرير التحبير، ص413.
([41]) المصدر نفسه، ص418- 420.
([42]) المصدر نفسه، ص407- 409.
([43]) الجاحظ، عمرو بن بحر: البيان والتبين، ج1، ص136.
([44]) المصري، أبن أبي الأصبع: تحرير التحبير، ص419.
([45]) انظر. حسين، عبد الكريم محمد: وصية أبي تمام للبحتري الإستاذ والتوثيق، مجلة جامعة دمشق للآداب والعلوم الإنسانية، م(19)، عدد (3+4)، 2003، ص17 وما بعدها.
([46]) الحصري، أبو إسحاق: زهر الآداب وثمر الألباب، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت، ط4، 1900، ص52.
([47]) القيرواني، ابن رشيق: العمدة في نقد الشعر وتمحيصه، تحقيق: عفيف نايف حاطوم، دار صادر، بيروت، ط3، ج1، 2000، ص396.
([48]) الشريشي، أبو عباس: شرح مقامات الحريري، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، بيروت، ج1، 1998، ص97.
([49]) المصري، ابن أبي الأصبع: تحرير التحبير، ص410.
([50]) الحموي، ابن حجة، خزانة الأدب وغاية الأرب، دار القاموس الحديث، بيروت، (د.ت)، ص 236.
([51]) تقاض المعاني: أي توصّ بالمعاني وأعطها حقّها.
([52]) القيرواني، ابن رشيق: العمدة في نقد الشعر وتمحيصه، ص396.
([53]) الجزري، ضياء الدين ابن الأثير: المثل السائر، في أدب الكاتب والشاعر، تحقيق: أحمد الحوفي، دار الرفاعي، الرياض، ط2، 1983، ج1، ص272.
([54]) القيرواني، ابن رشيق: العمدة في نقد الشعر وتمحيصه، ص396.
([55]) الجزري، ضياء الدين أبن الأثير: المثل السائر، ج1، ص252.
([56]) الآمدي، الحسن بن بشر: الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري، تحقيق: السيد احمد صقر، ط2، دار المعارف، مصر، 1972، ج3، ص420.
([57]) الطائي، أبو تمام: ديوان أبي تمام، تحقيق: محي الدين صبيحي، دار صادر، بيروت، ط1، ج3، 1997، ص69.
([58]) الجرجاني، أبو الحسن علي بن عبد العزيز: الوساطة بين المتنبي وخصومه، ص67.
([59]) الطائي، أبو تمام: ديوان أبي تمام، ج2، ص9.
([60]) انظر: سر الفصاحة، ص78.
([61]) الطائي، أبو تمام: ديوان أبي تمام ، ج1، ص439.
([62]) الطائي، أبو تمام: ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي، تحقيق: محمد عبده عزام، ج2، ط2، دار المعارف، مصر، 1964، ص 409.
([63]) الطائي، أبو تمام: ديوان أبي تمام، ج2، ص 424.
([64]) سر الفصاحة، ص80.
([65]) انظر. الآمدي، الحسن بن بشر: الموازنة، ج2، ص157.
([66]) الطائي، أبو تمام: ديوان أبي تمام، ج2، ص 70.
([67]) انظر الآمدي، الحسن بن بشر: الموازنة، ج2، ص157.
([68])الطائي، أبو تمام: ديوان أبي تمام، ج2، ص 70.
([69]) الخفاجي، ابن سنان: سر الفصاحة، ص 96.
([70]) الطائي، أبو تمام: ديوان أبي تمام، ج2، ص 61.
([71]) الخفاجي، ابن سنان: سر الفصاحة، ص 96.
([72]) الطائي، أبو تمام: ديوان أبي تمام، ج2، ص 354.
([73]) الخفاجي، أبن سنان: سر الفصاحة، ص 198.
([74]) الطائي، أبو تمام: ديوان أبي تمام، ج1، ص 278.
([75]) المصدر نفسه، ج1، ص278.
([76]) الجرجاني، عبد القاهر، أسرار البلاغة، تحقيق: محمود محمد شاكر، دار المدني، جدة، 1991، ص129-130.
([77]) الطائي، أبو تمام: ديوان أبي تمام، ج1، ص 263-364.
([78]) العسكري، أبو هلال: الصناعتين، ص46.
([79]) الربداوي، محمود: الفن والصنعة في مذهب أبي تمام، المكتب الإسلامي، دمشق، 1971، ص177.
([80]) المرجع نفسه، ص214-215.
([81]) القيرواني، ابن رشيق: العمدة في نقد الشعر وتمحيصه، ص 396.
([82]) الطائي، أبو تمام: ديوان أبي تمام، ج2، ص 53.
([83]) الآمدي، الحسن بن بشر: الموازنة، ج1، ص151.
([84]) الطائي، أبو تمام: ديوان أبي تمام، ج2، ص 132.
([85]) الآمدي، الحسن بن بشر: الموازنة، ج1، ص160.
([86]) شلبي، سعد إسماعيل: مقدمة القصيدة عند أبي تمام والمتنبي، مكتبة غريب، الفجالة، 1979، ص53.
([87]) الطائي، أبو تمام: ديوان أبي تمام، ج2، ص 136.
([88]) المصدر نفسه، ج1، ص284.
([89]) شلبي، سعد إسماعيل: مقدمة القصيدة عن أبي تمام والمتنبي، ص61.
([90]) الطائي، أبو تمام: ديوان أبي تمام، ج1، ص 109-111.
([91]) المصدر نفسه، ج1، ص 269