الأبعاد النظرية للتمثل الاجتماعي : نحو منحى تجسيري لفهم سياق تشكل السلوك الاجتماعي
Theoretical Dimensions of Social Representation: towards a bridging approach to understand the context of social behavior formation
د. سلمى بنسعيد/جامعة محمد الخامس، المغرب
Dr. Selam Bensaid/University Mohammed V , Morocco
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الإنسانية والاجتماعية العدد 91 الصفحة 89.
ملخص:
نسعى من خلال هذه المقالة إلى تقديم لمحة شاملة عن الإطار المنهجي العام في علم النفس الاجتماعي الذي يتناول مفهوم التمثل الاجتماعي بالدراسة، واستعراض ضمن حدوده النظرية موجزا عن نشأة مفهوم التمثل الاجتماعي والتطور النظري الذي خضع له لكي يحقق نزعته كمفهوم في حقل العلوم الاجتماعية والإنسانية. كما تعرض المقالة قراءة تحليلية لأبرز الروافد النظرية التي بحثت في سيرورة تكونه ودوره في استيعاب الواقع والتعامل معه، محاولة رسم منحى توفيقي وتجسيري يربط بين البعد النفسي المعرفي والبعد الاجتماعي للتمثل، ويوضح أهمية التكامل بينهما في تشكل السلوك الاجتماعي، وذلك بغرض تجاوز الفهم السيكولوجي الضيق نحو فهم أكثر شمولية لسلوك الفرد.
الكلمات المفتاحية: التمثل، السلوك الفردي، الممارسات اليومية، الفعل الاجتماعي.
Abstract:
Through this article, we seek to present an overview of the general methodological framework in social psychology that deals with the concept of social representation and review concisely within the limits of theory the emergence of the concept and the theoretical development it underwent to achieve its autonomy as a concept belonging to the field of human and social sciences. The article also undertakes an analytical reading of the key theoretical trends which studied the course of its formation and its role in assimilating and dealing with reality, trying to establish a reconciliatory and bridging approach that links the psychological, cognitive and social dimensions of representation. Moreover, the article shows the importance of complementarity between them in forming social behavior with the aim of going beyond the narrow psychological understanding to a more comprehensive understanding of the individual’s behavior.
Keywords: representation, individual behavior, daily practices, social act.
مقدمة:
إن الحاجة الدائمة إلى معرفة العالم وكيفية التكيف والتفاعل مع موضوعاته ماديا ومعرفيا، تدفع إلى بناء وتكوين تصورات بخصوص مختلف مواضيع هذا العالم وتمثلها ومحاولة التصرف وفقها، وبما أن الإنسان يعيش مع أشخاص ويتفاعل معهم إما في إطار التعاون أو الصراع، فإن التمثلات التي يتم تكوينها حول موضوعات العالم وحول الآخر تأخذ طابعها الاجتماعي[1]، وتأسيسا على الوسم الاجتماعي الذي تتميز به التمثلات، تكتسب أهمية قصوى في الحياة اليومية لأنها توجه السلوك الاجتماعي وتساعد على اختيار الطريقة المناسبة اجتماعيا وثقافيا يتم على أساسها تأويل أحداث الواقع، وعليه يتم اتخاذ موقف والدفاع عنه أو رفضه أو التصرف وفقه،[2]الأمر الذي وحد رأي مجمل الدراسات السيكو- سوسيولوجية في اعتبار التمثلات الاجتماعية موجها ومحركا أساسيا للممارسات الفردية داخل المجتمع، تقارب حياتهم اليومية بكل حيثياتها وتفاصيلها إلى الحد الذي تعمل فيه على تشكيل ونحت وتوجيه وإظهار ممارساتهم الاجتماعية اليومية،[3]وهكذا إن الفعل في هذه التمثلات يعني بالضرورة الفعل في الممارسات اليومية.[4]
ويهتم مجال التمثلات الاجتماعية بالمعنى الذي نعطيه للحوادث وللسلوكات والأفكار، مما يساهم في صنع وبناء بديهيات الحقيقة الاجتماعية المشتركة المتقاسمة بين أفراد الجماعة الواحدة،[5]بيد أن عملية بناء الواقع هذه تتم دائما من خلال تدخل أطراف متعددة، إذ أن المدرسة والعائلة ووسائل الإعلام وغيرها من المؤثرات الأخرى ترسخ في أذهان الفرد؛ وفي محطات عمرية مختلفة يمر منها؛ وجهات نظر حول المواضيع التي تحيط به، كما يعود للجماعات التي ينتمي إليها الفرد في مستوى ثاني دورا مهما في تبادل الأفكار والقيم والأساليب التي تساهم في قولبة إدراك المحيط، وفي برمجة المعارف والمعلومات حول مكونات هذا المحيط.[6]
واسترشادا بهذا المعطى، يمكن أن نخلص إلى الحضور القوي واليومي للتمثلات في حياة الأفراد، ممايستدعي التساؤل عن ماهيتها وأصولها وجذورها، ويستدعي البحث والاستقصاء عن معناها وسر وجودها وأسباب تداولها، ولعل الاستفسارات الإشكالية المبنية حول كنهها هو ما يجعلها تبزغ كمفهوم إشكالي تتوسع حوله بؤر التساؤل والنقاش وتشغل كحقل بحثي حيزا كبيرا من اهتمامات الباحثين وتحظى بمكانة محورية وأساسية في مجال العلوم الإنسانية عامة وعلم النفس الاجتماعي خاصة، الأمر الذي يكسبها شرعية علمية ويبرزها كمفهوم، ويختلف استعمالها المتنوع والمتباين باختلاف الأطر المرجعية والنظرية والمنهجية، وكذا اختلاف المقاربات والمجالات المعرفية التي وظفت فيها، علاوة على ذلك، إن محاولة إعطاء تعريف يشمل مختلف مكونات وعناصر مفهوم التمثلات؛ أو بعبارة أدق إعطائه تعريفا محددا ومضبوطا؛ يعد أمرا تكتنفه الكثير من الصعوبات، والتي يمكن إرجاعها إلى تعدد الزوايا المعرفية التي اهتمت بالتمثل وإلى الطريقة التي تم من خلالها تناوله ومعالجته حيث إنه مفهوم يوظف للدلالة على العملية التمثلية وعلى نتيجتها في الوقت نفسه أي أنه يستعمل للإشارة إلى النشاط الذهني وإلى محتواه الذي هو نتاج لهذا النشاط، وهذا على قدر ما طوق المفهوم بنوع من الالتباس، بقدر ما أعطاه خصوصيته العلمية.
وحتما أن هذا التداخل بين فعل التمثل ومحتواه هو ما يدفعنا في هذه الدراسة النظرية إلى تسليط الضوء على الملامح المفاهيمية الكبرى لنظرية التمثل الاجتماعي [7](TRS)باعتباره المحدد الأساسي المسؤول عن تشكل كل سلوك اجتماعي، مع التركيز على أهم الأسس النظرية التي قاربت المفهوم بدءا من ظهور بوادره الأولى في علم الاجتماع مع إيميل دوركايمEmileDurkheim، مرورا بـسيرج موسكوفيسي Serge Moscoviciالذي أحدث نقلة نوعية في المفهوم في أواخر خمسينيات القرن العشرين وإعطائه صبغة سيكو- اجتماعية، وقد أسهمت دراسته حول تمثل التحليل النفسي على نحو لافت في تحرير مفهوم التمثل من البعد النظري السوسيولوجي الأحادي ونقله إلى مجال تطبيقي قائم بذاته في علم النفس الاجتماعي، وصولا إلى النظريات المعاصرة في علم النفس المعرفي والتي برزت على يد كل من جون كلود أبريك JeanClaudeAbric، كلود فلامان Claude Flament، جون فرنسوا دورتيي Jean François Dortier، جيري فودور Jerry Fodor، ويليام دواز Willem Doise، والتي حاولت أن تخضع التمثل الاجتماعي للدراسة التجريبية وأن تطور من الأدوات والتقنيات المنهجية التي تمكن من تفسير تركيبة التمثل وآليات اشتغاله.
ونأمل من خلال هذه الدراسة النظرية التأسيس لقاعدة نظرية معاصرة بخصوص مفهوم التمثل الاجتماعي وتقديمها كمرجع معرفي للمختصين في علم النفس الاجتماعي باللغة العربية والباحثين في سيرورات تشكل السلوك الاجتماعي، وذلك ملاحظة منا لندرة الكتابات العربية التي اشتغلت على مفهوم التمثل الاجتماعي سواء بالبحث النظري والتطبيقي أو بترجمة المزاعم النظرية والمنهجية لمختلف الدراسات الأجنبية التي شيدت المفهوم وتدارسته بشكل تطبيقي، كما أن التشخيص النظري الذي تحاول هذه الدراسة أن توصله للباحثين في علم النفس الاجتماعي قد يفتح أمامهم آفاقا بحثية ميدانية تتعلق بالتفسير السيكو- اجتماعي والسيكو- معرفي لمجموعة من السلوكيات الفردية والجماعية التي تصاغ حولها العديد من علامات الاستفهام لاسيما في ظل التغيرات السوسيوثقافية الحالية التي تشهدها المجتمعات العربية؛ على اعتبار أن التمثل هو المحدد والموجه والمحرك للسلوك.
أولا: إطار مفاهيمي عام
- في دلالة مصطلح التمثل
يقابل مصطلح التمثل في اللغة الفرنسية كلمة:” Représentation”، وفي اللغة الإنجليزية”Representation”، ويقصد بها إحضار الشيء ومثوله أمام العين أو في الذهن، بمعنى جعله حاضرا وتصوره سواء كان شخصا أو حدثا أو جمادا أو غير ذلك،[8]ويشير نيكوس نيكولياديس NicosNicolaidis في هذا الصدد إلى أن كل فعل تمثلي يشتمل على عنصرين أساسيين، أولهما الغياب الذي يعد عنصرا ضروريا في كل فعل تمثلي، وثانيها الصورة التذكرية”L’imagemnésique” التي تقفز إلى الذهن بواسطة موضوع آخر يشبهه أو يماثله أو بعبارة أخرى عبر موضوع بديل، [9]وبالتالي ما يمكن ملاحظته واستخلاصه من هذين التعريفين اللغويين هو أنهما يجتمعان تقريبا في فكرة أن التمثل يرتكز على استحضار شيء أو مفهوم أو صورة غائبة وتحيينها ذهنيا.
ومن زاوية دلالية أخرى يقدمها ويليام دواز، التمثل هو عبارة عن عملية معرفية يستوعب فيها الذهن المعطيات الخارجية أي معطيات الواقع بعد أن يحتك بها الفرد ويضفي عليها مستويات شخصيته المختلفة، كما يتميز التمثل بنوع من الثبات النسبي ولا يتغير إلا بتغير عناصر الواقع وتغير إدراك الفرد لهذه العناصر[10]، والتمثل بهذا المعنى هو الكيفية التي ينظم بها الفرد فهمه للواقع وللحقيقة التي يعكسها، أي أنه تنظيم فردي لحقيقة جماعية، ولكن هذا التنظيم الذاتي أو إعادة البناء ذهنيا لحقيقة اجتماعية ما لا يتم اعتباطيا وإنما يستند إلى مرجعية، تجسد رموزها في الأساس تشكيل لصورة ذهنية حول موضوع ما أو حدث غائب يستحضره العقل بشكل آني، وهي في واقع الأمر رموز محددة تاريخيا وثقافيا واجتماعيا[11].
وفي محاولة لبسط تعريف شامل للتمثل، يمكن القول بأنه عبارة عن وجهة نظر متقاسمة محليا بداخل ثقافة ما، أضف إلى ذلك، أنه محدد بمحتوى معلومات وصور وآراء وتصرفات، وهذا المحتوى هو في صلة بموضوع محدد من جهة، ومن جهة أخرى هو تمثل لذات معينة (فرد، عائلة، جماعة، طبقة…إلخ) وفي علاقة مع ذوات أخرى، وبهذا المعنى يعبر التمثل عن موقف يوجه السلوك ويحدد عددا من الاستجابات التي يتعين أن يصدرها الفرد كرد مباشر أو غير مباشر اتجاه مثير داخلي أو خارجي.
ومن هنا، فإذا كان التمثل من خلال ما سلف ذكره يتأرجح بين مثير واستجابة، فإن ذلك دليل قوي على أنه يتم دائما في سياق مجتمعي ويتأثر بالمحيط والبيئة، وبذلك يمكننا أن نضفي عليه صفة” الاجتماعي”، وهو ما يستدعي طرح السؤال الآتي: هل هناك فرق بين مصطلح التمثل ومصطلح التمثل الاجتماعي من الناحية الدلالية؟
- التمثل الاجتماعي كمحدد للسلوك
منذ بداية الاهتمام العلمي بموضوع التمثلات، شهد التمثل الاجتماعي بصفة خاصة، اختلافا في تناوله علميا من طرف مجموعة من الباحثين المعاصرين، ولعل أكثر من تعمقت أبحاثه في هذا الصدد هي دونيسجودلي Denise Jodelet[12]والتي ترى أن التمثل الاجتماعي هو “شكل من أشكال المعرفة، يتم تشاركها اجتماعيا ولها هدف تطبيقي، تساعد على بناء واقع مشترك إلا أنها معرفة تختلف عن المعرفة العلمية وتسمى المعرفة الساذجة”[13].
إن جودلي من خلال تعريفها للتمثل الاجتماعي الوارد في كتابها”Les représentations sociales, un domaine en expansion “تحاول أن توضح أن التمثل عبارة عن معطى أو معلومة أو معرفة مسبقة حول موضوع ما، تأخذ شكل آراء ومعتقدات وصور ومواقف وقيم، وتنبني من خلال التواصل[14]والتنشئة الاجتماعية وآليات التعلم والموروث الثقافي واللغة[15]والتجربة الخاصة، فهي معرفة مشتركة ومكتسبة يتقاسمها أفراد المجتمع الواحد، هدفها ضبط سلوك المجتمع وتوجيهه عمليا، إضافة إلى أنها معرفة جاهزة وعشوائية عكس المعرفة العلمية التي تعتبر معرفة مقننة ترتكز على منهج علمي مضبوط، وهذا تحديدا ما يضفي عليها سمة التلقائية والعفوية حيث أنها لا ترتكز على معطيات علمية بل تنبني انطلاقا من تجارب الأفراد والخبرات التي يكتسبونها، ومن خلال نماذج التفكير التي يتلقونها عن طريق التقاليد والأعراف والتي ينقلونها إلى أجيال لاحقة[16]، وانطلاقا من ذلك تساهم التمثلات الاجتماعية في صنع وبناء بديهيات الحقيقة الاجتماعية المشتركة بين أفراد الجماعة الواحدة[17].
وحسب مقاربة جودلي للمفهوم، يرتبط التمثل دائما بفاعل(sujet) وموضوع (objet)،[18]وامتدادا لطرحها، يمكن للفاعل أن يكون فردا أو جماعة، ويمكن أن يكون الموضوع شخصا كما يمكن أن يكون شيئا أو حدثا ماديا أو نفسيا أو اجتماعيا أو ظاهرة طبيعية أو فكرة أو نظرية، كما يمكن أن يكون واقعيا أو خياليا ولكنه دائما يكون مكتسبا[19]، وهذا ما يوضح بجلاء أن التمثل هو تمثل لشيء مادي أو معنوي، ويلعب بترميزاته دورا تأويليا وهذا ما يعطيه معنى، وهذه الدلالة التأويلية هي تحديدا ما يمنح للتمثل تكوينا وتعبيرا عن موضوعه،[20]
في حين نيكولاس روسيو Nicolas Roussiau، يؤكد في كتاب أصدره سنة 2001 بعنوان:« Représentationssociales » حول أهم المفاهيم التي جاءت في تعريف دونيسجودلي، حيث اعتبر أن التمثلات الاجتماعية تنظيم لمجموعة من الآراء الخاصة بموضوع معين تتكون بفضل التواصل الاجتماعي وتمكن من التحكم في المحيط وتبنيه اعتمادا على عناصر رمزية خاصة بالمجموعة أو المجموعات المشكلة لمجتمع معين[21]، هذا وأن التمثل يعتمد على جهاز نفسي يستمد معطياته من عدة مصادر كالحواس والخبرات التي تجتمع لدى الفرد وتختزنها ذاكرته، وكذا من المعلومات التي يستقيها عن طريق العلاقات التي يربطها بغيره من الأفراد أو الجماعات التي يعمل الفرد على تصنيفها في شكل نسق ذهني عام ومتماسك بكيفية تسمح له بفهم العالم الذي يحيط به أو على الأقل فهم أحد محتوياته مما يسهل عليه عملية التكيف مع هذا المحيط، وانطلاقا من هذا الطرح، يغدو التمثل عملية إعادة إنتاج ذهني لشخص أو شيء أو فكرة ما إلا أنها ليست إعادة بناء صرفة للواقع ولا انعكاسا خالصا للعالم الخارجي، بل إن فعل التمثل يتضمن دوما بداخله قدرا من المتخيل الاجتماعي، وبذلك تكون التمثلات الاجتماعية إرثا اجتماعيا لأن أغلبها متناقلة عن طريق عمليات التوريث المختلفة التي تكون جراء تفاعل مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية وغيرها، الأمر الذي يدل في الغالب على أننا نتعلم البناء القبلي للعالم الذي يحيط بنا وللقيم التي تغمره والفئات التي تنظمه والمبادئ التي تؤدي إلى فهمه، وينبني كل تمثل اجتماعي حسب الميزات الاجتماعية للفرد، ويشارك فيه مجموعة من الأفراد، لكن هذا الاشتراك والتقاسم هو دائما محلي أي خاص بمجموعة من الأفراد المحددين الذين يتقاسمون القيم نفسها والمعايير والإيديولوجيات وحتى التجارب نفسها.
ومن ناحية أخرى، تذهب بعض الدراسات إلى تعريف التمثل الاجتماعي على أنه محتوى عقلي يطابق حالات انتقالية للمعلومات خلال المعالجة، وفي نهاية هذه المعالجة يتم تخزين هذه المحتويات العقلية في الذاكرة بكيفية دائمة على شكل معارف، وما المعارف إلا ذلك الشكل النهائي والثابت للتمثلات التي تنتج عن معالجة المعلومات[22]، كما أن رؤى معرفية أخرى في علم النفس الاجتماعي تؤكد أن من خاصيات التمثل الاجتماعي أنه ينتج ويولد جماعيا، ويستخلص من تفاعل جماعي من حيث هو تعبير لها، ويعين من خلال التغيرات الفردية والمعايير والقوالب الجاهزة(Les stéréotypes) والأحكام المسبقة (Les préjugés) لدى جماعة معينة، أي عندما نتكلم عن التمثل الاجتماعي فإننا نتكلم عن شكل من أشكال المعرفة العامية العادية «connaissance ordinaire » المخصصة لتنظيم التصرفات وتوجيه التواصل داخل سياق اجتماعي معين[23]، مما يجعلها نمطا خاصا من المعارف المكونة حول الواقع، تتقاسمه جماعة من الأفراد ويتم إعداده وبنائه جماعيا.
وتقودنا هذه المعطيات إلى التأكيد على أن التمثلات الاجتماعية هي في جوهرها بناءات معرفية ذهنية اجتماعية، فكل تمثل هو بناء ذهني يقوم به الفرد حيث يعيد خلاله تصميم المواضيع المكونة لمحيطه ذهنيا وبطريقته الخاصة، لكن خصوصيته تبرز من خلال التأكيد على أن هذه العمليات الذهنية هي محددة مباشرة بالظروف الاجتماعية التي تبنى فيها، إذ أنه أثناء عملية بناء الواقع ذهنيا، تتدخل خصائص ومميزات الموضوع والذات، وغالبا ما تتكون هذه المميزات من الأفكار والقيم و النماذج التي يحملها الفرد بفعل تربيته وانتمائه إلى مختلف الجماعات، وكذلك بسبب الإيديولوجيات المروجة في المجتمع، وبهذا تكون التمثلات الاجتماعية معرضة لمنطقين: المنطق المعرفي والمنطق الاجتماعي، وبعبارة أخرى، إنها بناءات اجتماعية معرفية: Des structures sociocognitives تشكل نسقا يساعد على تأويل وفهم وتحديد معايير تقييم المواضيع الاجتماعية، وهذه المعايير بدورها تمكن الأفراد من تبرير وشرعنة بعض التصرفات.
ثانيا: التطور النظري لمقاربة التمثل الاجتماعي
تعود جذور مفهوم التمثل الاجتماعي إلى أواخر القرن التاسع عشر، إذ يؤرخ لظهوره بنظرية إميل دوركايم سنة 1898في إطار المقاربة السوسيولوجية، ثم جاء سيرج موسكوفيشي ليخرجه من المجال السوسيولوجي إلى مجال علم النفس الاجتماعي، ثم تطور هذا المفهوم في منحى جديد مع الاتجاه المعرفي سواء في إطار الإيبيستمولوجية التكوينية لجان بياجي JeanPiaget أو علم النفس العصبي، وامتد فيما بعد ليصل إلى مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية، وقد شهد مفهوم التمثل الاجتماعي تجددا مستمرا إلى حدود ما بعد النصف الثاني من القرن العشرين بفعل التغيرات الاجتماعية التي كانت تعرفها المجتمعات الأوروبية آنذاك، وبالضبط في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، حيث توسعت الدراسات بخصوصه لتتجاوز حدود الدراسات والأبحاث الأوروبية، وتتمركز بقوة في أمريكا وبريطانيا، إذ اهتم العديد من الباحثين في علم النفس الاجتماعي الأنكلوساكسوني بدراسة مفهوم التمثل الاجتماعي في تعاون مع موسكوفيسي أمثال روبرت فار RobertFarr وميلز هيوستونMiles Hewstone وجيرارد ديفين Gerard Duveen، لكن ليس بشكل نظري محظ وعام وإنما في ارتباط بإشكالات سيكو- اجتماعية مجهرية (socio-microgénitique) ملاحظة واقعيا ومعيشيا كسيرورة التنشئة الاجتماعية ومحددات السلوك الفردي والجماعي، والتفاعلات والأدوار الاجتماعية، ومن ثمامتدت المحاولات التفسيرية والتحليلية للتمثل الاجتماعي حتى مطلع الألفية الثالثة، وغدت مرتبطة بشكل أكبر بنظريات التواصل والحوار والمعرفة الاجتماعية مع طروحات إيفانا ماركوفاIvanaMarkova، ونظريات الهوية مع طروحات كارولين هوارتCaroline Howarth.
إن التطور النظري الذي مر منه مفهوم التمثل الاجتماعي، وإصرار الباحثين في علم النفس الاجتماعي في كل من أوروبا وأمريكا وبريطانيا على تشريح تركيبته وفك أجزاء بنيته، وما خلفت اجتهاداتهم بخصوص ذلك من غنى معرفي هو ما جعل منه متغيرا حاضرا بقوة في تحليل أي سلوك فردي أو جماعي، واقعي أو افتراضي وتصاعدت بموجب ذلك الرغبة العلمية في فهم السبب وراء أي ممارسة اجتماعية.
- ما بين التمثلات الفردية والتمثلات الجمعية: الحدود الفاصلة
يعد إميل دوركايم أول من استخدم مفهوم التمثل الاجتماعي من خلال دراساته للديانات والأساطير، حيث أدخل التمثلات الاجتماعية للحقل العلمي وتناولها من المنظور السوسيولوجي، لقد اعتبر أن أول تمثل يكونه الفرد عن العالم أو عن نفسه يكون أساسه ديني، وحسب دوركايم التمثلات هي مجموعة من التراكمات القيمية والمعيارية المنتجة من طرف المجتمع والخارجة عن الشعور الذاتي للأفراد الاجتماعيين، كما أنها غير قابلة للخضوع لذواتهم الفردانية بحكم طابعها الجمعي المؤثث لفضائها الاجتماعي، والذي ينصهر فيه الأفراد إكراها وبصفة قهرية إن صح القول، [24]وقد تعامل دوركايم مع التمثل كسيرورة جماعية وليس كعملية معرفية فردية، أي انصب اهتمامه بالأساس على دراسة التمثلات الاجتماعية التي تنتج عن ردود الفعل المتبادلة بين أشكال الوعي التي يتألف منها النسج الاجتماعي.[25]
وقد ميز دوركايم بين نوعين من التمثلات: تمثلات فردية (Représentations individuelles) وتمثلات جمعية (Représentations collectives)،[26]حيث تشكل التمثلات الفردية نتاج العوامل سيكولوجية فردية، تتخذ شكل نسق من المعارف المنظمة الذاتية والشخصية، وكذلك تشمل كل الأشياء التي استبطنها الفرد وأدمجها في موقف أو مواقف معينة وأصبحت تعطي معنى لأفعاله، وترتكز على التجربة الخاصة للفرد وتنبني بطريقة شخصية في محيط يصبح بدوره خاصا،[27]أضف إلى ذلك أنها غير قارة وقابلة للتغيير لأنها مبنية على التجارب الشخصية، لذلك أعطى دوركايم أهمية كبرى للتمثلات الجمعية، وفي هذا الصدد، قام دوركايم بدراسة الجماعات القبلية وكان اهتمامه ينصب على الطريقة التي كانت تؤثر بها الديانة والمعتقدات التي تتولد عن هذه الديانة على النظام القبلي، وكيف كانت هذه المعتقدات الدينية تنظم حياة الأفراد داخل القبيلة، لذلك اعتبر الطرح الدوركايمي أن الدين هو أحد الروابط الاجتماعية الأساسية، مؤكدا على أن المجتمع لا يتكون من كتلة الأفراد التي تشكله، أو الأرض التي يشغلها، أو الأشياء التي يخدمها، أو الأجزاء التي تكمله وإنما قبل كل شيء من الفكرة التي يكونها بنفسه[28]، ومن خلال دراسته للقبائل، فقد استنتج دوركايم أن الدين يضمن للجميع نفس المعتقدات والأخلاق ويوحد إلى حد كبير أفكار الأفراد وتوجهاتهم ويوحد مواقفهم اتجاه قضايا معينة، كما أنه يهدف إلى خلق الروابط الاجتماعية، وبهذا المعنى يصبح الدين عاملا مهما في المجتمع لأنه يضمن اندماج الأفراد في المجموعة، وانطلاقا من هذا الاستنتاج، توصل دور كايم إلى أن المعتقدات الدينية والتمثلات الناتجة عنها لا يمكن أن تفسر على أنها نتاج لعوامل سيكولوجية فردية، وإنما هي شكل من أشكال التفكير الجمعي المشترك الذي يتقاسمه الأفراد داخل المجتمع[29].
وفي محاولة تحليلية لفكرة دوركايم، يتبين أن التمثلات الجمعية تنشأ من خلال تفاعل الفرد مع المجموعة أثناء اللقاءات الجماعية أو من خلال ممارسة الطقوس الدينية، وتستعمل المجموعة تمثلات جمعية لتضغط على الفرد وتجعله يستوعب ويستبطن القيم الأخلاقية والدينية للمجتمع، وبهذا تكون هذه التمثلات نتاجا لنشاط جماعي، ووفقا لذلك، يمكننا الوقوف على الخصائص المتناقضة للتمثلات الجمعية، حيث أنها من جهة خارجة عن الفرد بحكم أنها تتكون ليس عن طريق الفرد نفسه وإنما عن طريق الجماعة، ومن جهة أخرى، هي دخيلة على الفرد لأنها تتكون ليس عن طريق الفرد وإنما عن طريق الجماعة باعتبار الفرد يشارك في المجتمع ويستدمج التمثلات ويوظفها في حياته اليومية، وهذا ما يمكنه من التصرف بطريقة مناسبة وموحدة مع جماعاته، وعلى عكس التمثلات الفردية، فإن التمثلات الجمعية لا تتغير، حيث أنها قارة وتابثة ولا ترتبط بوعي أفراد منعزلين عن بعضهم وإنما ترتبط بالوعي الجماعي، وتصدر عن العلاقة القائمة بين أفراد الجماعة.
وحسب الطرح الدوركايمي، تمنح المنظومة المجتمعية؛ بتركيباتها المختلفة على المستوى السياسي والعقائدي؛ التمثلات الجمعية حقيقتها، كما أنه كلما كان هناك نضج سياسي وسوسيو ثقافي داخل المجتمع كلما كانت التمثلات الجمعية انعكاسا لهذا النضج.
- التمثل الاجتماعي كتنظيم سيكولوجي
بعد وفاة دوركايم، لم يحظ مفهوم التمثل الاجتماعي باهتمام الباحثين في مجال علم الاجتماع، وباستثناء بعض الدراسات في الأنثربولوجيا التي اهتمت ببعض المواضيع القريبة من التمثلات الجمعية، بقي التمثل الجمعي محصورا في أعمال دوركايم إلى أن جاء سيرج موسكوفيسيو أخرجه إلى الوجود من جديد وأعطاه أبعادا جديدة في مجال علم النفس الاجتماعي.[30]
وقد ارتبط مفهوم التمثل الاجتماعي بأبحاث موسكوفيسي في كتابه :La psychanalyse, son image etsonpublic، ففي سنة 1961 قام هذا الباحث بدراسة ميدانية حول الطريقة التي يتمثل بها الأفراد موضوع التحليل النفسي وذلك بهدف تقييم شمولي للمعارف والآراء التي تمتلكها جماعات مختلفة داخل المجتمع الفرنسي حول موضوع التحليل النفسي، [31]وجراء دراسته الميدانية، لاحظ من خلال إجابات أفراد عينتها؛ والذين أقروا أنهم من ذوي الانتماء الأيديولوجي الماركسي؛ أن تمثلهم بخصوص التحليل النفسي متناقض مع خلفيتهم الفكرية إذ يعتبرونه شبه علم وليس بعلم قائم لأنه يركز على الأنا الفردي والذات ورغباتها دون إعارة اهتمام لمشاكل الشعب، وبالتالي، التحليل النفسي بالنسبة إليهم هو علم يسعى إلى تكريس فكرة التمركز الذاتي، ومن هنا، توصل موسكوفيسي في هذه الدراسة إلى أن أغلب الأفراد لديهم معرفة سطحية بالتحليل النفسي ويختزلونه في بعض مفاهيمه الرئيسة: كالشعور واللاشعور، الصراع مع الذات، الرغبات المكبوتة، وكل مجموعة اجتماعية لها طريقتها الخاصة في تحديد مجال التحليل النفسي، ومن خلال ذلك، توصل موسكوفيسي إلى تعريف التمثلات الاجتماعية بأنها تنظيم سيكولوجي ونموذج لمعارف خاصة وعملية وساطة بين المفهوم والإدراك، وهي أنساق مرجعية تسمح للفرد بتأويل ما يحدث له في الحياة اليومية، والتي هي حبيسة المواقع التي يشغلها الأفراد اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا[32].
وتبعا لهذا السياق التحليلي، يؤكد موسكوفيسي على ضرورة التخلي عن التمييز الكلاسيكي بين الفرد والموضوع، ويرى أن التمثل هو انصهار فعلي بين الفرد والموضوع ولا ينبغي الفصل بينهما، لأنه في نظره ليست هناك قطيعة بين العالم الخارجي والعالم الداخلي أي الإدراك للفرد أو المجموعة، فالفرد والموضوع ليسا في الأساس مفصولين، بمعنى أن الفرد يبني تصوراته حول محيطه ومختلف التغيرات التي تحدث بالنظر إلى ما يعيشه ويعايشه وهو ما سماه موسكوفيسي بسيرورة الإنغراس processus d’ancrage[33].
ثالثا: سيرورة تكون التمثل الاجتماعي: نماذج نظرية
إذا كان التمثل حسب موسكوفيسي عبارة عن بنية فكرية ونظام تفسيري شخصي، ينتج أنساقا من المفاهيم المتجاوبة مع أنساق القيم وأنماط سلوكية معينة، ويرتبط بسمات وموضوعات يحدد معالمها الوسط الاجتماعي، هنا يتبادر إلى الذهن سؤال أساسي: كيف يتكون التمثل الاجتماعي؟
- النموذج السيكو- سوسيولوجي
وكمحاولة للإجابة عن هذا السؤال، لطرح موسكوفيسي رأي في ذلك مفاده أن التمثل خلال عملية تكونه يعتمد على آليتين أساسيتين هما: التوضيع (objectivation)، والإنغراس(Ancrage)، تشير آلية التوضيع إلى العملية التي تتحول بواسطتها المفاهيم المجردة إلى حقائق موضوعية وملموسة تمكن الفرد من تنظيم معارفه المتعلقة بالموضوع المتمثل[34]، ولعل للمجتمع تدخل رئيسي في صياغة معارف وتمثلات الفرد حيث يفرض عليه اللجوء إلى هذه الآلية وذلك ليتمكن من إخضاع الموضوع المتمثل إلى الفهم الاجتماعي وليستطيع تداول المفاهيم التي يتشكل منها الموضوع المتمثل بشكل إجرائي وملموس[35] ، وعلى هذا الأساس يعد التوضيع عملية تقوم فيها الجماعة بإجراء تغييرات على الموضوع الجديد ليصبح سهل التداول، أي أن هذه العملية تمكن من تجميع وتوليف أفكار وصور حول موضوع جديد وبناء معرفة اجتماعية مشتركة بخصوصه وإدماجها في الحقائق الاجتماعية للأفراد والجماعات[36].
وتتم عملية التوضيع هذه بدورها عبر ثلاثة مراحل:
- الانتقاء:la sélection
على مستوى هذه المرحلة، تتم غربلة المعلومات حول موضوع التمثل ومن ثم تحليلها وتفسيرها بشكل بسيط ليسهل تداولها، وقد يحدث تحريف لهذه المعلومات أثناء عملية الانتقاء إما من خلال قلب مضامينها أو من خلال إضافة بعض العناصر أو حذفها، وكل هذه التغيرات التي تطرأ على الموضوع هي نتاج لمجموعة من العوامل من بينها طريقة التفكير والإطار الثقافي والإيديولوجيات التي تحكم المجموعات والمنظومة القيمية، وتؤدي هذه التغيرات إلى إخراج موضوع التمثل من سياقه النظري العلمي إلى بناء معرفة ساذجة اجتماعية قابلة للتداول بين عامة الناس وقابلة للفهم بطرق بسيطة[37].
- بناء النواة التصويرية:la construction du noyau figuratif
بعد انتقاء المعلومات في المرحلة الأولى، تستخدم المعلومات في المرحلة الثانية لبناء النواة التصويرية وتشمل بعض المفاهيم الرئيسة للموضوع ويتم ترتيبها بطريقة معينة، وهذا الترتيب هو الذي يشكل الجزء المهم للتمثل ويعتمد عليه في تفسير موضوع التمثل، فحسب موسكوفيسي، تعكس النواة التصويرية التي يكونها الأفراد مجمل توجهاتهم ومواقفهم.[38]
- التطبيع: la naturalisation
في هذه المرحلة يعمل الأفراد على توحيد معلوماتهم لموضوع التمثل وتداولها بشكل طبيعي وذلك من خلال تفاعلهم وتواصلهم الشفوي، فالتطبيع هو عملية تتحول من خلالها المعلومات التي تم انتقاءها في المرحلة الأولى والنواة التصويرية التي تم بناؤها في المرحلة الثانية إلى وسائل وأدوات يوظفها الأفراد للتواصل بشكل طبيعي[39].
في حين تسعى آلية الإنغراس حسب طرح موسكوفيسي إلى غرس وتثبيت النواة التصويرية والأفكار الجديدة عن موضوع التمثل في العقلية الجماعية، حيث يلجأ الأفراد لتثبيت وغرس الموضوع الجديد في العقلية الجماعية إلى تصنيف الموضوع ووضعه في خانات وفئات قريبة منه وسابقة له، أي أن عملية الإنغراس تتم من خلال تقريب وربط موضوع التمثل بموضوعات أخرى سابقة له، مألوفة ومتجذرة في العقلية الجماعية، وهذا التقريب والربط يساعد على ربط الموضوع الجديد من جهة وعلى استبطانه بسهولة من جهة أخرى[40]وبذلك الإنغراس عند موسكوفيسي هو السيرورة التي تسمح بتجذر التمثل في النظام المتواجد”[41]، وهكذا فإن عملية الإنغراس تعتمد على مرجعيات ومعتقدات وقيم ومعارف سابقة، وهي المرحلة الرئيسة التي تنهي عملية تكون التمثل ويصبح بذلك حقيقة اجتماعية يستند عليها الفرد في كل أفعاله وسلوكاته.
ومن هنا، تعمل آلية الإنغراس كنسق تفسيري تعطي من خلاله الموضوع المتمثل قيمة ذات استعمالات اجتماعية مختلفة. فمثلا واستنادا دائما للدراسة التي قام بها موسكوفيسي بخصوص تمثل التحليل النفسي، تعطي هذه الآلية للتحليل النفسي أبعادا عملية وذلك باعتباره تقنية علاجية أو نسقا نظريا يمكن من خلاله أن نفهم أنفسنا والعالم الذي يحيط بنا.ويتجسد الإنغراس في طبيعة هذه السيرورة الدلالية حيث أن الموضوع المتمثل يحمل دلالات متعددة وذلك وفقا للأنساق القيمية والانتماء الاجتماعي. فالتحليل النفسي يمكن له أن يرمز إلى الحياة الجنسية المتحررة أو الانحراف أو أنه علم يعكس وضعية خاصة ببعض الطبقات البورجوازية. ومن ثم فإن الدلالات المختلفة التي يتخذها موضوع التمثل تعكس مدى انخراط الفرد واندماجه في المجتمع وطبيعة العلاقة التي يربطها الفرد مع ثقافة معينة. كما يرتبط الإنغراس بوظيفة إدماجية، والتي من خلالها يعمل على إدماج المثل داخل الأنساق الفكرية الموجودة سلفا لدى الفرد، وبواسطتها تتبلور العلاقة بين التمثل الذي كان موجودا والتمثل الجديد. وتتم معالجة هذا التداخل من خلال تغيير بعض مكونات التمثلات السابقة لإدماج التمثلات الجديدة، وهذا ما يضفي على التمثلات كما أشار إلى ذلك موسكوفيسي خاصية “التنوع المعرفي”.
ومنه يمكن القول أن آلية الإنغراس تعمل على التقريب والتوفيق بين العناصر الجديدة والعناصر الموجودة سلفا حيث يعكس النزوع نحو موضوع التمثل مدى قبوله أو رفضه. فلا يمكن القول أنه بالإمكان تمثل موضوع معين دون تحديد الاتجاه نحوه. إن الاتجاه يعمل على تكوين وتشكيل الرأي فهو يقوم بوظيفة ضابطة على مستوى بلورة التمثل. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الفرد عندما يدلي برأيه حول موضوع معين فإن ذلك يفترض أنه قد تمثل شيئا من هذا الأخير. وبالتالي يمكن التأكيد إلى أن العلاقة بين الرأي والاتجاه والتمثل هي علاقة تكاملية. فإذا ما بلور الفرد مثلا اتجاها سلبيا نحو “التحليل النفسي” ونعته بكونه إيديولوجية فإن هذا الاتجاه هو بناء لموقف اتجاه علم معين، ومن ثم يمكن أن نستنتج أن الفرد لم يدرج التحليل النفسي في إطار “الايديولوجيا” إلا لكي يطلق عليه حكما سلبيا. وهكذا فالعلاقة بين الرأي والاتجاه والتمثل هي علاقة تكاملية لا يمكن عزل مفهوم عن الآخر.
ومن جانب آخر، تعتبر المعلومات أحد مكونات التمثل حيث تعمل على تنظيم المعارف التي يمتلكها الأفراد حول موضوع معين وتختلف أهمية هذه المعارف ودرجتها حسب الأفراد والجماعات، ومن ثم فإن طبيعة تلك المعلومات بكميتها ونوعها تؤثر بشكل ملموس على تمثلات الفرد، لقد لاحظ موسكوفيسي أن المعلومات المتوفرة لدى الأشخاص المستجوبين عن التحليل النفسي تضعف عند العمال مقارنة مع الطلبة وأفراد الطبقة الوسطى والمهن الحرة مما يجعل الفئات تختلف فيما بينها في تمثل التحليل النفسي، كما لاحظ أيضا أن العمال وأفراد الطبقات الوسطى يكونون اتجاها واضحا نحو هذه النظرية رغم عدم توفرهم على معلومات كافية حول الموضوع.
ومن خلال تحليل طرح موسكوفيسي، فإن الحديث عن مجال التمثل لا يمكن أن يكون إلا عندما توجد وحدة متراتبة من العناصر ومن خصائص هذه الوحدة، مشحونة بمعلومات مختلفة وغنية، إضافة إلى أن مجال التمثل شأنه شأن المعلومات، يختلف من فرد إلى آخر ومن جماعة أو فئة لأخرى كما يختلف داخل الجماعة نفسها حسب المعايير الشخصية لكل فرد.
- النموذج المعرفي العصبي
وهو توجه مغاير مفسر لسيرورة تكون التمثل ويحاول أن يقاربه كصورة للتفكير الرمزي وأن يفسره على المستوى الذهني، ووفقا لهذا التوجه، التمثل هو نشاط ذهني إدراكي بامتياز يرتبط بالوظيفة الرمزية التي يقوم بها الذهن[42]أي أنه يشكلوحدة معرفية موجهة كسائر الوحدات المعرفية إلى بناء القرارات وإيجاد حلول المشاكل، والعمل على بلورة مشروع ضمني أو ظاهر له مقاصد وتوجهات محددة لا يتحقق إلا بالانخراط العضوي والوظيفي لهذه الوحدات في عملية التخطيط المعرفي[43].
تعود بدايات النموذج المعرفي العصبي للتمثل الاجتماعي إلى اهتمامات جان بياجي بسيرورة تشكل التمثل من خلال دراسة المسار التكويني للتمثل الذهني منذ الطفولة والكيفية التي يساهم بها النمو المعرفي والانفعالي وما يحمله من تفاعلات مع موضوعات العالم الخارجي في بناء نمو تمثلات الطفل[44] ،وانطلاقا من هذه المقاربة، يتضح أن عملية التفاعل مع موضوعات العالم الخارجي تبدأ عند الطفل انطلاقا من بناء خريطة ذهنية لكل ما يحيط به، ويتحقق ذلك ارتباطا بمراحل معينة يعيشها الطفل في مسار نموه، إن التمثل لدى الطفل يساير مراحل نموه وتطوره الحسي والحركي، إلا أن مراحل النمو الحسي الحركي هذه تتزامن مع مفهومين أساسيين في علم النفس يعيشهما الطفل ويكون من خلالهما اللبنات الأولى لمسارات التمثل الاجتماعي وهما[45].
- المفهوم الأول: ديمومة الموضوع
يعني ذلك أنه بالرغم من أن الموضوع غير موجود أمام بصر الطفل إلا أنه يدرك بأنه لا زال موجودا أو حاضرا، ومن هنا يساير التمثل النمو الحسي الحركي للطفل، وفي هذا الإطار، حدد جان بياجي مراحل نمو الطفل، ومن أهمها مرحلة النمو الحسي الحركي الذي قسمه إلى ستة مراحل والتي من خلالها نلمس التكون التدريجي للتمثل[46]، ومن أبرز خصائص هذه المرحلة أن الموضوع في المرحلة الأولى يكون غير حاضرا بالنسبة للطفل في حالة ما إذا تم إخفاؤه عن بصره، غير أن إدراك الطفل لوجود الموضوع في المراحل الموالية؛ رغم أنه ظاهر في مجاله البصري لأنه بلغ نضجا ذهنيا؛ يمكنه من تكوين صورة رمزية عن الموضوع يستحضرها ذهنيا في غيابه، بينما في المرحلة السادسة من نموه، يبحث الطفل عن الموضوع في آخر مكان وجد فيه رغم أنه رأى مسبقا أنه تم تغيير مكان الموضوع وإخفائه[47].
ومن خلال ديمومة الموضوع، يصل الطفل إلى التمثل عند نهاية هذه المرحلة الحسية الحركية ويتحول ذكاؤه من ذكاء حسي حركي؛ حيث يدرك الأمور المحسوسة فقط؛ إلى ذكاء رمزي يسمح له باستحضار الموضوع وربطه بمختلف الأشياء على المستوى الذهني، ومن هنا، يصبح تفكيره تفكيرا مركبا ويصبح قادرا على توظيف الصور الذهنية كبديل للمواضيع الغائبة، كما يصبح قادرا على ربط علاقات بين مختلف الصور الذهنية من أجل بناء المعنى.
- المفهوم الثاني: اللعب الرمزي
تكمن فعالية الوظيفة الرمزية في قدرة الطفل على اللعب الذي يخول له اعتماد صور ذهنية، وهذا النوع من اللعب يسمى اللعب الرمزي، وتبدأ هذه المرحلة في نهاية السنة الثانية وبداية السنة الثالثة، حيث يغدو الطفل قادرا على ولوج عالم التمثلات بشكل تدريجي وقادر على تركيب وتضمين مختلف المخططات على المستوى الذهني، تتطور في هذه المرحلة البنية الذهنية لدى الطفل وتصبح له قدرات ذهنية جديدة تتجلى في ظهور سلوكات لم تكن من قبل مثل التقليد[48]،وأثناء اللعب الرمزي، يحول الطفل الموضوع من وظيفته الأساسية إلى وظيفة رمزية، وهذا النوع من اللعب يبين قدرة الطفل على التمثل وإعادة إنتاج الواقع بشكل رمزي، وعندما يصبح الطفل قادرا على إنتاج صور ذهنية منتجة وتوقعية، فإن هذا يدل على ولوجه مرحلة جديدة في النمو المعرفي، وهنا يمكننا أن نتساءل: ما هو دور التمثلات الذهنية في التفكير؟ وهل يمكن اعتبار التمثلات الذهنية دعائم أساسية للعمليات العقلية المجردة؟
إجابة عن هذا السؤال، نستدل بأبحاث جون فرنسوا دورتيي الذي قام بتجربة علمية وطرح على إثرها سؤالا: هل للضفدعة شفتان؟ وحاول من خلالها معرفة السيرورات الذهنية التي سيلجأ لها الفرد لتمثل وإدراك الموضوع[49]، أي هل سيفكر الفرد في الموضوع باعتماد الصور الذهنية أم سيفكر فيه اعتمادا على الرموز و المفاهيم المجردة، لقد كان ذلك طرحا سائدا في الثمانينات من القرن العشرين، ومن أشهر رواده جيري فودور الذي اعتبر أن التمثلات الذهنية عبارة عن معارف مخزونة في الذاكرة على شكل سلسلة من العناصر والمقترحات، وتوصل إلى نتيجة بحثية مهمة مفادها أن أي موضوع تمثله إلا وهو مكون من رموز مجردة ترتبط فيما بينها بقواعد منطقية هي التي تعطي معنى لهذا الموضوع ويسميها لغة التفكير، وهي عبارة عن نظرية يفترض فيها وجود نوع من اللغة الرمزية تستخدمها العمليات العقلية وتحاول من خلالها خلق وتطوير أفكار معقدة انطلاقا من مفاهيم ورموز بسيطة[50]، إن اللغة الرمزية التي جاء بها جيري فودور هي أساسا لغة تفكير مكونة من عناصر ومقترحات يمكن أن تظهر وتأخذ معاني مختلفة تماما، وقد اعتبر فودور أن لغة التفكير هذه تختلف عن اللغات الأخرى لأنها لا تتم عبر الحواس وإنما عبر ترابطات عصبية في شكل رموز مجردة. كما يعتقد فودور أن أفكار الفرد يتم معالجتها ذهنيا وعصبيا على شكل رموز ومفاهيم. وبذلك فقد شبهها ببرنامج معلوماتي:[51]
وإلى جانب فودور، ذهب ستيفان ميشيل كوسليين Stephen Michael Kosslyn في كتابه”Image and Brain” إلى أن أغلب الأفكار التصورية والتمثلات مكونة من صور داخلية وليس رموزا، وقد حاول إثبات فرضيته من خلال تجارب مخبرية أوصلته إلى استنتاج مفاده أن الأشياء تحدث كما لو أن شخصا يقرأ بصريا خريطة ذهنية، وبالتالي يستغرق تفكيره المدة الزمنية المحددة للمسار، وتتم إثارة المناطق المسؤولة عن البصر وهي نفس المناطق التي تثار عندما نقدم للشخص صورة يبصرها بعينه، وهذا يدل على أن التفكير مكون من الصور الذهنية المخزونة في الذاكرة[52]، الأمر الذي يدعونا مرة أخرى إلى التساؤل عن الكيفية التي نتمثل بها الصور والمفاهيم المجردة.
في هذا الصدد، حاول آلان بيفيو Allan Paivio الإجابة عن هذا السؤال، واقترح ما يسمى بـ “نظرية الترميز المزدوج”[53]، والتي ترتكز على فكرة أن الفرد يخزن في ذاكرته المعلومة بطريقتين مختلفتين، أولهما بطريقة لفظية تدل على الكلمة، وثانيهما بطريقة صورية تعكس الخصائص والمميزات الشكلية للموضوع، وبموجب ذلك يتم معالجة النصوص المنطوقة في النظام اللفظي بالجهاز العصبي، أما بخصوص الصور، يتم معالجتها في النظام البصري[54].
- النموذج السيكو- باتولوجي
ومن زاوية علم النفس الإكلينيكي، يرتبط التمثل بشكل وثيق باللاشعور، ومن بين الطروحات التحليلية الملفتة في هذا الصدد، طرح ل روني كايس RenéKAIS الذي انطلق من فكرة أن التمثل هو نتاج نشاط البناء الفكري للواقع، إذ يقوم به الجهاز النفسي من أول تجاربه الحسية إلى المعلومات المعقدة التي يتلقاها في محيطه مشكلة بذلك نقاط مرجعية لفهم الواقع والتعامل معه، يعتبر كايس أن تمثلات الفرد ما هي إلا نتاج تاريخه الشخصي والعائلي، تعبر عن مجموعة من القصص والتجارب المخزونة في اللاشعور، وحينما يدرك الفرد حسيا شيئا ما، فإن ذهنه ينجرف وينجر بطريقة أوتوماتيكية إلى صور مخزنة في ذاكرته منذ زمن بعيد، لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بهذا الشيء[55]، لذلك التمثل ما هو إلا تسجيل لأشياء وآراء ومواقف وقصص لها تاريخ في البرنامج الذاكراتي، وهذا الشيء المسجل هو ما سماه فرويد” السند”، وهو عبارة عن نموذج ينجرف إثره الفرد ليتمثل شيئا ما، أي أن هذا الشيء هو في الأصل مفقود وغائب لا يعاد إحياؤه في الحاضر إلا عن طريق تمثله، وعليه يكون التمثل بمثابة إعادة استثمار لشيء ما سواء كان ماديا أو معنويا [56] .
واستقراءا لطرح روني كايس، نخلص لعلاقة التمثل باللاشعور. ووفقا لهذه العلاقة، يتضمن التمثل عملية الإظهار (la figuration)، حيث يكون موضوع التمثل مخزنا في اللاشعور لكن عند التعرض لموقف أو حدث معين يلجأ الفرد لمعالجته معرفيا وذهنيا، وبالتالي يتم استثارة كل مخزونات اللاشعور وإيقاظها مرة أخرى وظهورها على مستوى الخيال، كما يشمل التمثل عملية العرض (la présentation)، والتي على مستواها يتم تقديم ما كان مخزنا ونقله من حقل الخيال إلى حقل الواقع في شكل خطاب أو موقف، في حين أن عملية التعويض (la délégation) كعملية معرفية مؤسسة لفعل التمثل، تتجلى في تعرض الأحداث والمواقف المخزنة في اللاشعور لعملية الكبت في زمان ومكان معينين ومحاولة تناسيها، ومن ثم استرجاعها ذهنيا عند الحاجة، أي أن الفرد عندما يتمثل موضوعا ما فإنه يتصور موضوعا مكبوتا غائبا مدفونا في خزان اللاشعور، بمعنى آخر أنه يتصور موضوعا له علاقة بتجربة معاشة في الماضي، وهذا تحديدا ما يؤشر على أن التمثل هو انعكاس رجعي لمجموعة من دوافع اللذة التي كانت في زمن معين تبحث عن الإشباع، لكنها لم تفلح وتم كبتها وتناسيها، وبذلك يعد التمثل إعادة استثمار لهذه الدوافع والموضوعات، ووسيلة لاسترجاعها وإشباعها من جديد، وهنا تكمن عملية التعويض،
فضلا عن ذلك، يعتبر التمثل عملية تحويلية بمعنى يتنقل الموضوع من العقل الباطن إلى الخارج وذلك بتحويل كمية من الطاقة اللاشعورية إلى قيمة سيكولوجية شعورية قادرة على تفريغ الدوافع الغريزية وتصريفها، وهذا ما دفع رواد هذا التيار إلى تأكيد فكرة مهمة وهي أن التمثل يقوم على قطبين: الأول رمزي عقلي، والثاني جسدي، ويساعد التمثل حسب نفس الرواد على تفريغ رغبات ودوافع غريزية داخلية تكون على شكل أفكار وآراء وتصرف على شكل حركات جسمية خارجية تظهر في المواقف[57].
- النموذج البنيوي
إن نشأة وتشكل وانتظام التمثلات الاجتماعية من أهم المحاور التي درستها نظرية النواة المركزية التي اهتمت بالتنظيم الداخلي للتمثلات الاجتماعية، وهي مقاربة تعرف التمثلات الاجتماعية على أنها جملة من العناصر تخضع إلى تنظيم مشكلة بذلك بنية، ولتحليل التمثلات وفهم طريقة عملها تحتاج إلى تحليل مزدوج من ناحية المحتوى والبنية.
يندرج هذا الطرح في إطار دراسة محتوى التمثلات الاجتماعية، والتي يعتبر جان كلود أبريك من أبرز روادها، وقد قام بتجارب ميدانية عديدة حول مواضيع مختلفة متعلقة بالتمثل، واهتم بمحتوى التمثلات الاجتماعية وكذلك كيفية تنظيم المحتوى في بنيات خاصة، واشتغل على مستويات ترتيب هذا المحتوى وكذلك تفاعل المحتويات مع بعضها داخل البنية، وقد مكنت نتائج هذه الأبحاث الميدانية من صياغة “نظرية النواة المركزية”[58].
انطلق أبريك في دراسته للتمثل من فرضية عامة مفادها أن كل تمثل ينتظم حول نواة مركزية والتي تعتبر العنصر الأساسي للتمثل لأنها تحدد في الوقت نفسه دلالته وتنظيمه، فكل تمثل يحتوي على مجموعة منظمة ومرتبة من العناصر المعرفية التي يحتل بعض منها وضعية مركزية في تمثل الموضوع[59] ويعتبر أبريك أن محتوى التمثلات مكون من عدة عناصر ليستلها نفس الأهمية، بعضها أساسي والآخر ثانوي، فالعناصر الأساسية سماها النواة المركزية:noyeau central وهي عنصر أو مجموعة من العناصر الأساسية الخاصة بموضوع التمثل، تمتاز بالتنظيم والثبات وعناصرها متجانسة ومتناسقة فيما بينها وقارة[60]، وهي العنصر المحرك والمنظم والمثبت للتمثل :Unélément générateur, organisateur etstabilisateur، يؤدي إلى تحديد التوجه العام للتمثل، وتتغير كلما تغير أحد العناصر أو العناصر ككل، فكل تحول أو تغير أو تعديل في النواة المركزية ينتج عنه تحول أو تعديل في طبيعة التمثل[61] كما أوضح أبريك أن النواة المركزية تتضمن وظيفتين، أولهما وظيفة مولدة (Fonction génératrice)، حيث تعطي معنى ومدلول للتمثل أو تغير معنى التمثل بتغير عنصر من عناصر النواة المركزية، بينما الثانية تتجلى في وظيفة منظمة (Fonction organisatrice) على اعتبار أنها هي التي تحدد وتنظم العلاقة بين عناصر التمثل[62].
أما العناصر الأساسية أو التكميلية، فقد سماها أبريك بالعناصر المحيطية أو النظام المحيطي:” le système périphérique “، وهي قابلة للتغيير وأقل مركزية وغير تابثة، وبذلك تغيرها لا يؤثر في التمثللأنها عناصر فردية وغير متناسقة تلعب دورين: فك الشفرة والامتصاص، إلا أنه تجدر الإشارة إلى أنها تتكون من عناصر عبارة عن معلومات مهمة لكنها ثانوية، غير أن هذه العناصر الثانوية هي الجزء الذي يمكن بلوغه بسرعة نظرا لأنها مادية ملموسة[63]، وبذلك تتغير المعلومات التي تشكل العناصر المحيطة دون أن تؤثر على المضمون الشامل للتمثل[64] وتتطور العناصر المحيطية باستمرار وقد تختلف من فرد إلى آخر وهذا ما يجعلها غير قارة، حيث يصبح التمثل قادرا على التكيف مع مواقف وسياقات اجتماعية مختلفة[65] ويقول أبريك في هذا الصدد بأن “العناصر المحيطة للتمثل تنتظم حول النواة المركزية وهي على علاقة مباشرة مع هذه النواة”، إن طبيعة هذه العناصر وقيمتها ووظيفتها تكون أكثر أو أقل اقترابا من النواة المركزية، فكلما اقتربت العناصر المحيطية من النواة تكون أهميتها أكبر في جعل معنى التمثل ملموسا، وكلما ابتعدت عن النواة كلما كانت أهميتها أقل.
وتتميز العناصر المكونة لهذا النظام بالمرونة عكس العناصر المكونة للنواة المركزية حيث تسمح بإدخال المتغيرات الفردية في التمثل والتي تتحدد من خلال التجارب الخاصة بكل فرد[66]، إلا أن الاختلاف والتفاوت الفردي فيما يخص تمثل اجتماعي ما لا يلغي حسب أبريك فكرة أن هذا التمثل يمكن أن ينتظم حول نواة جماعية مشتركة والتي تسمح لكل واحد بأن يتموضع بطريقة فردية تبعا للعناصر التي يدخلها في تمثله دون أن توضع الدلالة المركزية موضع تساؤل[67]، وفي هذا الصدد، اعتبر كلود فلامان العناصر المحيطية بمثابة خطاطاتdes schémas، ففي حالة ما إذا جاءت بعض العناصر متناقضة مع التمثل المتكون حول موضوع ما، إلا وتحولت الخطاطات الجانبية في الأول وبقيت النواة المركزية سليمة لمدة من الوقت، أما إذا كبرت وتوسعت هذه التناقضات، فإن النواة المركزية في هذه الحالة تتحول وتتغير بنيويا.
رابعا: نحو مقاربة تكاملية في التمثل الاجتماعي
تبعا لتنوع الخلفيات النظرية التي تتناول التمثل الاجتماعي، يبدو جليا مدى تعقد بناء هذا المفهوم لأنه يقوم على تداخل وترابط العديد من الأبعاد، وهذه الأخيرة ونظرا لتفاعلها مع بعضها يصبح من الصعب إهمال بعد أو الاهتمام ببعد معين دون الآخر، وقد يكون ذلك من أسبابافتقار دراسات علم النفس الاجتماعي لتعريف عام وموحد متعلق بمفهوم التمثل الاجتماعي، ذلك أن تموقعه المزدوج بين التفسيرات الاجتماعية والتفسيرات النفسية يلخص صعوبة تحديده على المستوى المفاهيمي، وبناء على ذلك يمكننا أن نتساءل عن البعد الأكثر إسهاما في تنظيم وإنتاج السلوك الاجتماعي.
ارتباطا بالمزاعم النظرية للتمثل الاجتماعي، يتضح أنه كعملية دلالية؛ تصدرها الأفراد أو الجماعات وتوجه وفقها ممارساتهم وسلوكاتهم الاجتماعية؛ ترتكز على تقاطع بعدين رئيسيين يتمثلان في البعد السيكو-المعرفي والبعد الاجتماعي، والتكامل فيما بينهما، إذ أن الفرد عندما يتمثل موضوعا ما لا يكون استحضاره لمكوناته خاضعا للبعد المعرفي فقط، بل يلجأ كذلك الى خبراته الاجتماعية السابقة بخصوص الموضوع المتمثل، وبذلك تكون استجابته التمثلية للموضوع مزيجا بين البعدين معا، فإذا كانت التمثلات في جوهرها تنظيم سيكولوجي يقوم على مجموعة من العمليات المعرفية المتمثلة في التخزين والتنظيم الذهني، فإنها كذلك لا تكتسب طابعا الدلالي إلا من خلال خضوعها للترميز الاجتماعي”Le codage social” عن طريق ربطها بمجمل خبرات وتجارب الفرد في محيطه[68]، وبذلك لا يمكن الجزم بأن التمثل هو نشاط نفسي معرفي خالص أو اجتماعي محظ على اعتبار أن الفرد لا يعيش بمعزل عن المجتمع، وسلوكاته ليست وليدة نشاط عقلي فقط وإنما هي كذلك لا تخل من جانب اجتماعي يلعب دورا مهما في تشكلها وبناءها، ومن هنا يتضح أن البعد المعرفي للتمثل ينظم السلوك ويحدد كيفية ظهوره، بينما البعد الاجتماعي هو النواة التي تشكله[69].
تبرز خصوصية التمثل الاجتماعي من خلال العمليات الذهنية التي تكونه والتي تتحدد مباشرة بالظروف الاجتماعية التي تبنى فيها، وتتداخل أثناء عملية بناء الواقع ذهنيا خصائص ومميزات الموضوع والذات فيما بينها، وهي مميزات تتكون من الأفكار والقيم والنماذج التي يحملها الفرد بفعل تربيته وانتمائه إلى مختلف الجماعات وكذا بسبب الإيديولوجيات المروجة في المجتمع، وهذا ما ذهبت إليه تحديدا دونيسجودلي في بعض جوانب طرحها حيث ركزت على أن التمثل هو في الأصل ظاهرة معرفية لكنها ترتبط باستيعاب التجارب والممارسات وطرق التفكير التي تمرر بواسطة التواصل الاجتماع ومن هنا، يتضح أن التمثل هو نتاج خام لسيرورة الأنشطة الذهنية التي تستوعب الواقع الاجتماعي الخارجي فكريا وتعالجه سيكولوجيا، أي أنه على هذا المستوى يكون الاهتمام منصبا على أسلوب التفكير في النسق الاجتماعي، ويفترض وجود لغة رمزية تستخدمها العمليات العقلية من خلال استقبال وتحليل المعلومات في صيغتها الرمزية والاحتفاظ بها حتى يمكن استثمارها في تصرفات أو عند إنجاز وتنفيذ المهام، الأمر الذي يؤشر على تحول التمثلات الذهنية إلى حقائق اجتماعية تعطي لموضوع التمثل معنى رمزي وتتحول لسلوكات اجتماعية[70].
وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أن اختلاف سلوكات الأفراد اتجاه موضوع ما لا يفسر باختلاف مثيرات السلوكات بل بطبيعة التمثل المصاغ حول الموضوع، ذلك أنه قد يعرض نفس الموضوع على عدة أشخاص، لكن كل واحد منهما يتعامل معه بطريقته الخاصة، ولعل هذا راجع إلى تصور وتخطيط ذهني shématisastion mentale بخصوص مكونات الموضوع تثيره وتغذيه الخبرات التي يعيشها والتي تكون بمثابة المرجع الفكري الذي يستند عليه الفرد في كل تفاعلاته مع الموضوع، وفي كثير من الأحيان يكون الرجوع إليه دون شعور أو وعي بذلك وإنتاج سلوك اتجاه الموضوع، وعملية الرجوع هنا دالة على إعادة بناء للمعرفة المستفادة من المجتمع، وإعادة إحياء السياقات الاجتماعية لتجربة الفرد بخصوص الموضوع المتمثل، بمعنى آخر تصبح المرجعية الفكرية التلقائية المبنية على أحداث وخبرات وتجارب اجتماعية سابقة هي المحددة لسلوك الفرد والمهيكلة لطريقة تعامله مع المواضيع المحيطة به واحتواءه للواقع.
على سبيل الختم :
في ختام هذه المقالة التي نرجو أن تكون مساهمة متواضعة في مسار الدراسات النظرية العربية الهادفة إلى التعريف بمفهوم التمثل الاجتماعي وأبعاده النفسية والاجتماعية، نؤكد على أن التمثل عملية عقلية نفسية يصل الفرد من خلالها الى التعامل مع المواضيع المحيطة به بناء على حوادث ومواقف وخبرات سابقة، أي أن المرجعية التلقائية لسلوك الإنسان؛ وهي انعكاس كلي لوقائع مادية عاشها الفرد، تصبح المحدد الرئيسي لسلوكه، والمورد المركزي المسؤول عن إدماج معارف جديدة في ذهنيته بطريقة سهلة قابلة للإدراك، علاوة على ذلك تشكل الإطار المرجعي المشترك الذي يتيح التواصل والتبادل الاجتماعي، الأمر الذي يسعف تبرير مواقف وتصرفات وسلوكيات الفرد وإعطائها شرعية.
وتأسيسا على هذا الاستنتاج، يبدو أنه لا بديل عن الاهتمام بدراسة التمثل الاجتماعي سواء لفهم دلالة المعاملات اليومية الفردية او فك شفرات سياق تشكل السلوكات الاجتماعية، أما جدلية تداخل أبعاد التمثل وما تسفره من انشطار نظري في تناول مفهوم التمثل بين الجانبين النفسي والاجتماعي فهو راجع إلى البنية المعقدة للإنسان نفسه، والتي تتشكل من مكونات مختلفة ومتضاربة يصعب في ظلها فهم حيثياث السلوك في معزل عن الجانب النفسي أو الاجتماعي لتركيبة الإنسان.
ووعيا منا بأن المعرفة نسبية، وأن الدراسات والبحوث هي سعي متواصل نحو استكمال فهم الظاهرة وتبسيط جوانبها والبحث في حيتياتها المتنوعة، فإن هذه المقالة لا تدعي الكمال والإلمام بكل تفاصيل الإطار النظري لمفهوم التمثل الاجتماعي، ولذلك فإننا نعترف بأن مساهمتنا لا تعدو أن تكون تسليطا للضوء على أبرز الخلفيات الفكرية-الأجنبية على وجه الخصوص- التي أخضعت المفهوم للتناولالعلمي التجريبي وتوصلت لأطر نظرية منظمة للمفهوم ومفسرة له، وبأن هناك جوانب أخرى من المفهوم تحتاج إلى المزيد من الدراسة، وإصدار أعمال بحثية في صددها وعلى رأسها تقنيات قياس تغير التمثلات الاجتماعية، وهو ما نأمل أن ينال حقه من الكتابات العلمية الأكاديمية العربية مستقبلا.
قائمة المراجع :
- أوزي، أحمد. (2013). سيكولوجية الطفل: نظريات النمو النفسي . منشورات مجلة علوم التربية.
- بلحاج، عبد الكريم. (2009). المدخل إلى علم النفس المعرفي. دار أبي رقراق للطباعة والنشر.
- بلحاج عبد الكريم. (2010). التفسير الاجتماعي لسببية السلوك: مدخل إلى المعرفة الاجتماعية . ط 1 . دار أبي رقراق للطباعة والنشر.
- حديدي،محمد.(2021). ” من التصورات الاجتماعية إلى نظرية النواة المركزية لجان كلود أبريك”. مجلة أفكار وآفاق:(1): 27-42.
- ». In Jodelet, D. Les representations sociale. PUF. Paris. France.
- Chombart,M. Feuerhahn. (2003). « Les représentations sociales dans le domaine de l’enfance ». In Jodelet, D. Les représentations sociales. PUF. France.
- De Boeck.Bruxelles.
- Delouvee, S. (2016). « La théorie des représentations sociales: quelques repéres socio-historiques ». In Lo Monaco,G. Delouvée,S. Rateay,P. Les représentations sociales: théories,méthodes et applications. Ed supérieur.
- Doise, W. (2003). « Attitudes et représentations sociales ». In Jodelet, D. Les représentations sociales. PUF. France.
- Dortier,J. (Juin, 2002). « Les représentations mentales:L’univers des représentations ou l’imaginaire de la grenouille » .In Sciences humaines (128).
- Flamment, C. (2003). « Structure et dynamique des représentations sociales ». In Jodelet, D. Les représentations sociales. PUF. France.
- Jodelet, D. (2003). Les représentations sociales, un domaine en expansion. Presses Universitaires de France. Paris. France.
- Kais,R. (2003). « Psychanalyse et representation sociale ». In In Jodelet, D. Les représentations sociales. PUF. France.
- Lieury, A. (1995). « Mémoire des images et double codage ». In l’année psychologique .95(4) : 661-673. https://www.persee.fr/doc/psy_0003-5033_1995_num_95_4_28860
- Mauss.M,Durkheim.E. (2017) De quelques formes primatives de classification: Contribution a l’etude des représentations collectives.PUF,Paris.
- Moliner,P.(2015). «Objectivation et ancrage du message iconique:propositions théoriques et pistes de recherche ».In Societés(130)4: 81-94. https://www.cairn.info/revue-societes-2015-4-page-81.htm?contenu=article.
- (2002). «Pensée stigmatique et pensée symbolique: Deux formes élementaire de la pensée sociales ». In Les formes de la pensée sociale.PUF.Paris.
- Moscovici,S. (2003). « Des représentations collectives aux représentations sociales: élément pour une histoire ». In In Jodelet, D. Les représentations sociales. PUF. France.
- Nicoliadis, N. (1993). La force percpective de la représentation de la pulsion. PUF .France
- Ouellet, P. Bouchard, H.Elzaim, A. (1994). « La représentation des actes de perception:le cas de paraitre ». In Cahiers de praxématique :135-156.https://journals.openedition.org/praxematique/2269
- Roussiau, N. Bornardi,C. (2001). Les représentations sociales: Etat des lieux et perspectives. MARDAGA. France.
- Sillamy, N. (2010). Dictionnaire de psychologie. LAROUSSE.France.
- Stich, S. (April,1992). « What is theory of mental representation ». In Mind New Series . 101 (402) :243-261.
- Valence,A. (2010). Les représentations sociales(1ere edition). De boeck. Paris. France.
- Viaud,J. (2000). « L’objectivation et la question de l ancrage dans les representations sociales ».In N.Roussiau (Ed), La psychologie sociale.Paris.
- Wachelke,J. (2016). «Les systémes de représentations sociales ». In Lo Monaco,G. Delouvée,S. Rateay,P. Les représentations sociales: théories,méthodes et applications. Ed supérieur.
[1]-Jodelet, D. (2003). Les représentations sociales, un domaine en expansion. Presses Universitaires de France. Paris. FranceP47.
[2]– Ibid.P48.
[3] -Delouvee, S. (2016). « La théorie des représentations sociales: quelques repéres socio-historiques ». In Lo Monaco,G. Delouvée,S. Rateay,P. Les représentations sociales: théories,méthodes et applications. Ed supérieur. P42.
[4] – ibid. P45.
[5]-Ibid. P43.
[6]-Ibid. P43.
[7]– Théorie de la représentation sociale.
[8]– Sillamy, N. (2010). Dictionnaire de psychologie. LAROUSSE.France.P58.
[9] – Nicoliadis, N. (1993). La force percpective de la représentation de la pulsion. PUF .France.
[10] -Doise, W. (2003). « Attitudes et représentations sociales ». In Jodelet, D. Les représentations sociales. PUF. France.P245.
[11]– Ibid.PP243-249.
[12]-قامت دونيسجودلي بدراسة حول تمثل المرض العقلي وحاولت أن تلاحظ مجمل أفكار أفراد العينة حول هذا الموضوع من خلال المناقشات. توصلت إلى أن أفراد العينة لهم تمثلات اجتماعية مشتركة اتجاه المرض، وأن مجمل هذه التمثلات لها بعد إجرائي في تشكيل سلوكيات معينة في التعامل مع المرضى العقليين. مما يجعل من التمثلات الاجتماعية حسب رأي دونيسجودلي نماذج للتفكير الاجتماعي تتعارض مع التفكير المنطقي العلمي الفرضي.
[13]-Jodelet,Ibid.P53.
[14]– يلعب التواصل دورا مهما في التبادلات والتفاعلات بين الأفراد سعيا إلى خلق ظواهر التأثر والتأثير.
[15]– التمثل الاجتماعي ينبني على جماعة معينة التي تتقاسم نفس اللغة. فاللغة المشتركة التي تنشأ بين الأفراد والجماعات انطلاقا من تمثل اجتماعي مشترك تسمح لهم بالتواصل فيما بينهم.
[16] – Jodelet,Ibid.PP53-76.
[17]–Delouvee,Ibid.PP53-76.
[18]– Jodelet,Ibid.P59.
[19]– Ibid,P57.
[20]– Jodelet,Ibid.P61.
[21]– Roussiau, N. Bornardi,C. (2001). Les représentations sociales: Etat des lieux et perspectives. MARDAGA. France. P16.
[22]– بلحاج عبد الكريم. (2010). التفسير الاجتماعي لسببية السلوك: مدخل إلى المعرفة الاجتماعية، ط 1، دار أبي رقراق للطباعة والنشر.
[23] – المرجع نفسه، ص27-28.
[24]– Delouvée, Ibid.P44.
[25]– Ibid, P44-45.
[26]– Moscovici,S. (2003). « Des représentations collectives aux représentations sociales: élément pour une histoire ». In In Jodelet, D. Les représentations sociales. PUF. France.P81.
[27]– Ibid,P81-82.
[28] – Mauss.M,Durkheim.E. (2017) De quelques formes primatives de classification: Contribution à l’étude des représentations collectives.PUF,Paris.
[29]-Ibid.
[30] – Delouvee,Ibid.P 44.
[31] – Moscovici,Ibid.P79.
[32]-Wachelke,J. (2016). «Les systémes de représentations sociales ». In Lo Monaco,G. Delouvée,S. Rateay,P. Les représentations sociales: théories,méthodes et applications. Ed supérieur.PP132-133.
[33]– Viaud,J. (2000). « L’objectivation et la question de l ancrage dans les representations sociales ».In N.Roussiau (Ed), La psychologie sociale.Paris.PP89-100.
[34]-Moliner,P.(2015). «Objectivation et ancrage du message iconique:propositions théoriques et pistes de recherche ».In Societés(130)4: 81-94. https://www.cairn.info/revue-societes-2015-4-page-81.htm?contenu=article.PP82-83
[35] -Moscovici,Ibid. PP21-53.
[36]-Moliner ,Ibid.P83.
[37]-Roussiau,ibid.P19.
[38]-Ibid,P20.
[39]– Ibid,PP20-22.
[40]– Jodelet,Ibid.PP64-70.
[41]– Bornardi,Ibid.P21.
.بلحاج، مرجع سابق، ص103-104-[42]
[43]-Valence,Ibid.PP 31-35.
[44]– CHambart.Ibid.PP 342.
[45]-Ibid.PP342-352-353.
-[46]اوزي،مرجع سابق، ص45.
[48]– المرجع نفسه، ص114-115.
[49]– Dortier,J. (Juin, 2002). « Les représentations mentales: L’univers des représentations ou l’imaginaire de la grenouille » .In Sciences humaines (128). PP24-31.
[50]-Stich, S. (April,1992). « What is theory of mental representation ». In Mind New Series . 101 (402) :PP243-261.
[51] -Ibid.PP243-261.
[52]Ouellet, P. Bouchard, H.Elzaim, A. (1994). « La représentation des actes de perception:le cas de paraitre ». In Cahiers de praxématique :135-156. https://journals.openedition.org/praxematique/2269 PP135-156
[53]– la théorie de codagedouble.
[54]– Lieury, A. (1995). « Mémoire des images et double codage ». In l’année psychologique .95(4) :PP 661-673. https://www.persee.fr/doc/psy_0003-5033_1995_num_95_4_28860. PP661-673
[55]– Kais,R. (2003). « Psychanalyse et representation sociale ». In In Jodelet, D. Les représentations sociales. PUF. France. PP 112-113.
[56]– Kais,Ibid.PP108-111.
[57]-Ibid,PP110-111.
[58]– Abric, J. C. (2003). « L’etude experimentale des representations sociales ». In Jodelet, D. Les representations sociale. PUF. Paris. France.P215.
[59]– Ibid.PP 215-219.
[61]– Abric,Ibid.PP215-218.
[62]-Ibid.P215
[63]– Roussiau,Ibid.PP88-93.
[64]– Flamment, C. (2003). « Structure et dynamique des représentations sociales ». In Jodelet, D. Les représentations sociales. PUF. France. PP228-229.
[65]– Ibid.P229.
[66]– Roussiau,Ibid.P90.
[67]-Ibid.PP229-230.
[68]– Dany,L.(2016). «Analyse qualitative du contenu des représentations sociales ». In G.LoMonaco,S. Delouvee.P.Rateau(Eds). Les représentations sociales. De Boeck.Bruxelles.PP85-109.
-[69]حديدي، محمد. (2021). ” من التصورات الاجتماعية إلى نظرية النواة المركزية لجان كلود أبريك”. مجلة أفكار وآفاق:(1): 27-42. 40
[70]– بلحاج، عبد الكريم. (2009). المدخل إلى علم النفس المعرفي. دار أبي رقراق للطباعة والنشر.105