دارفور بين مطرقة التنصير و التبشير (دراسة وصفية تحليلية)
Darfur between the hammer of Christianization and evangelism (descriptive analytical study)
بروفيسور/أبكر عبد البنات آدم- جامعة بحري- السودان
Prof: Abaker Abdelbanat Adam-University of Bahri – Sudan
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الإنسانية والاجتماعية العدد 91 الصفحة 73.
ملخص :
تناولت هذه الدراسة التنصير والتبشير في دارفور، في ظل التعقيدات السياسية التي مرت على الإقليم بعد سقوط سلطنة الفور، ومعرفة دور الحكومات الوطنية في التعامل مع هذه الظاهرة، وكيف تبلورت تلك الثقافة حتى وصلت إلى مرحلة الصراع الديني والسياسي، كما هدفت الدراسة إلى معرفة الوسائل والأساليب التي استخدمها المنصرون في ميادين العمل التنصيري، مما أفضت إلى تعقيد الوضع الاجتماعي، الأمر الذي نتج عن تلك العوامل ظهور العدائيات بين كافة القبائل في دارفور، والذي أدى أخيراً إلى تدويل قضية دارفور، استخدم الباحث المنهج الوصفي التحليلي لدراسة الظاهرة، ومعرفة أوجه الخطر فيها.
الكلمات المفتاحية: التنصير- التبشير- الوسائل والأساليب- المنهج- دارفور- المعسكرات- النزوح واللجوء.
Abstract:
This study dealt with Christianization and evangelization in Darfur, in light of the political complications that passed through the region after the fall of the Fur Sultanate. Knowing the role of national governments in dealing with this phenomenon, and how that culture crystallized until it reached the stage of religious and political conflict. The study also aimed to know the means and methods used by the missionaries in the fields of missionary work, which led to the complexity of the social situation, which resulted in these factors the emergence of hostilities between all tribes in Darfur, which eventually led to the internationalization of the Darfur issue. The researcher used the descriptive analytical method to study the phenomenon, and to know the dangers in it.
Keywords: Christianization – evangelization – Means and methods – method – Camps- displacement and asylum.
مقدمة :
تشابكت الجذور التاريخية للتنصير والتبشير في السودان عامة وفي أقاليم دارفور علي وجه العموم، مما أصبحت تشكل اليوم ظاهرة خطيرة باتت تؤرق العالم بعصرها، وسنحاول في هذه الورقة البحثية استجلاء بعض العوامل المتداخلة التي أدت إلى تفاقم ممارسة العمل التنصيري والتبشيري منها العوامل الجغرافية( الطبيعية والمناخية) والاجتماعية والسياسية، هذا بالإضافة إلى العوامل الخارجية الأخرى، ولم تكن مشكلة التنصير والتبشير في دارفور وليدة العوامل التي ذكرت آنفاً، بل هنالك أبعاد طموحات دولية ساعدت في افتعال هذه الأزمة، ومن أهم سمات هذه الظاهرة ظاهرة اللجوء و النزوح (المعسكرات) التي ما برحت تلعب دورًا هامًا في تفتيت المجتمع الدارفوري، ورغم قناعة المجموعات الدارفورية خاصة الإثنيّة منها بقومية المشاكل في السودان إلا أن الشعور بعدم توفر الإرادة السياسية الرشيدة في حل أزمة دارفور انعكست سلبًا في العلاقة بين الإقليم والمركز، ومما زاد الأمر سوءاً غياب المسئولية الوطنية تجاه قضية دارفور، فأصبحت دارفور صيدً سهلاً للمنظمات التنصيرية التي سعت في تغيير البنية الاجتماعية، لأن الذين يستأثرون بالسلطة من النخبة الدارفورية لم يدركوا خطورة الموقف.
1. الطبيعة الجغرافية والمناخية لدافور
يعتبر إقليم دارفور بولاياته الثلاث من أكبر الأقاليم في السودان حيث تغطي خمس مساحة السودان، يجاوره من الشرق الولاية الشمالية وشمال كردفان وغرب كردفان، ومن الجنوب ولايتي شمال بحر الغزال و غرب بحر الغزال، ومن الشمال الغربي الجماهيرية العربية الليبية ومن الغرب جمهورية تشاد، ومن الجنوب الغربي جمهورية أفريقيا الوسطى، ويمتد بين خطي عرض 9-20 شمالاً وخطي طول 27.3 – 16 شرقاً، ويبلغ مساحته أكثر من نصف مليون كيلو متر مربع، وعدد سكانه أكثر من ستة ملايين ونصف نسمة جميعهم مسلمين، ومن الناحية الايكولوجية يقع جزء من هذا الإقليم في نطاق السافنا الغنية والفقيرة والصحراء، حيث كانت عرضة لموجات الجفاف والتصحر التي ضربت معظم أنحاء القارة الأفريقية، وقد نتج عن تلك الموجات اختلالات عميقة ألغت بآثارها على البيئة الطبيعية والاجتماعية، وقد ذكرت بعض الروايات التاريخية أن دارفور كانت دولة مستقلة ذات سيادة خلال الفترة بين 1650-1917م وكانت تسمي بسلطنة الفور، ومنذ الاستقلال وحتى يومنا هذا لم تشهد دارفور ادني محاولات التنمية مادياً وبشرياً الأمر الذي انعكست سلباً على الواقع الاجتماعي لتأثر المنطقة بالمتغيرات المناخية والأمية والجهل، وما آلت إليه من الأمور يمكن أن يقال بأنها مفتعلة، لذلك لم يكن التخلف التنموي وحدها هي التي لعبت دوراً كبيراً في تهميش المنطقة، فضلاً عن التخلف السياسي والثقافي والفكري والاجتماعي التي ساهمت بدورها في عزلة المنطقة عن المركز، مما شجع بعض المنظمات الكنسية في استغلال الغياب الإداري والسلطة في دارفور، لتأكيد وجودها بذريعة توفير الحماية والاستقرار في ظل التدهور الأمني الذي تعرض له الإقليم جراء النزاعات والحروب التي تفشت، نتيجة لأطماع شخصية ودولية.
2. التكوين الإثني في دارفور
يقطن دارفور مجموعات أثنية وقبلية متعددة تمتاز بصفات وعادات وتقاليد فريدة قل أن نجدها في كثير من المجتمعات السودانية الأخرى، تأسست سلطنة الفور عام 1650م، بعد سقوط مملكة كانم وسلطنة وداي والتنجر، هذا بالإضافة إلى المجموعة العربية التي كانت تحكمها نخب مختلفة، وفى ظل تلك السلطنة كانت المجموعات مستقرة وآمنة بشتى أبعادها المدنية والرعوية والزراعية وذلك بحكم قوة ونفوذ السلطة الحاكمة(السلطان)، وأول الحكام هو السلطان(سليمان سولونق) وآخر الحكام هو السلطان علي دينار والذي حكم من 1898م إلى أن قتل على يد الإنجليز في العام 1916م[1]، وعندها لم يستطع الإدارة البريطانية والتي تمثل السلطة الحاكمة في الخرطوم من إدارة السلطة في دارفور؛ اكتشف أنه لا بديل لحكم الإقليم سوى المحافظة على الإدارات الأهلية، وبناءً على ذلك تحالف مع عدد من الزعمات الأهلية في إدارة الإقليم، ويمثل الفور السكان الأصليين في دارفور، وينتمون إلى المجموعة الزنجية الأفريقية، ويسكنون حول جبل مرة، وفي معظم أنحاء الإقليم، وهم الذين أسسوا السلطنة، وخرج من هؤلاء كل ملوك وسلاطين الفور[2]، ويرجع تاريخ هذه العائلة إلى منتصف القرن الخامس عشر الميلادي، وقد شكلت وجودهم حضوراً سياسياً واجتماعياً ودينياً وعرقياً وإقليميا ومحلياً لمدة خمسة قرون، فكانت السلطنة بمثابة بؤرة وبوتقة وانصهار عرقي منقطع النظير حيث ضمت في طياتها مجموعات أثنية مثلت نموذج لحضارات وثقافات وأعراق مختلفة، ويشير نعوم شقير أن بداية تاريخ دارفور بدأ بقصة الشقيقين على وأحمد اللذان تنافسا في امرأة فعقر على أخاه أحمد، وسار أحمد في طريقه إلى أن بلغ جبل مرة، حيث وجد أمه من السود عرفت بالفور عليهم ملك يسمى(شاودورشيت) فأكرمه الملك وزوجه من بنته (خيرة)(1640م-1660م) وحكم حوالي 130-150 سنة، فولدت له ولداً سماه سليمان (سولونق)[3]، بينما يرى سلاطين باشا أنهم ينتمون إلى الملك كورو، ومنهم السلطان دالي فرع من الكنجارة الذي اشتهر بوضع كتاب (دالي) وهو قانون ينظم إدارة شئون البلاد وقواعد اعتلاء العرش ثم توالى سلاطين الفور الذين يمثلون حلقة من حلقات تطور السلطنة في دارفور إلى أن جاءت القوات التركية المصرية عام 1821م التي غزت السودان فهزموا الفونج واستعادوا كردفان من سيطرة الفور، وفى عام 1874م تمكنت هذه القوات بقيادة الزبير رحمة من دخول سلطنة الفور وقتل السلطان إبراهيم قرض في منواشي[4]، ويرى سلاطين باشا أنهم ينتمون إلى الملك كورو، ومنهم السلطان دالي فرع من الكنجارة الذي اشتهر بوضع كتاب (دالي) وهو قانون ينظم إدارة شئون البلاد وقواعد اعتلاء العرش، ثم توالى سلاطين الفور الذين يمثلون حلقة من حلقات تطور السلطنة في دارفور إلى أن جاءت القوات التركية المصرية عام 1821م التي غزت السودان فهزموا الفونج واستعادوا كردفان من سيطرة الفور، وفى عام 1874م تمكنت هذه القوات بقيادة الزبير رحمة من دخول سلطنة الفور، وقتل السلطان إبراهيم قرض في منواشي[5]، وبالرغم من الخلافات الإثنيّة في معظم أنحاء السودان إلا أن القبائل الدارفورية كمجموعة أثنية عاشت في إقليم واحد يخضع للسلطة المركزية، لهم علاقات متبادلة ومصالح مشتركة، الأمر الذي سهل من عملية الحل والترحال والتعاون حول استغلال الموارد، وفى ظل الحكم البريطاني كانت الأحوال في دارفور مستقرة والشعور بالطمأنينة والسلام والاعتراف بالإدارات الأهلية كانت السمة الغالبة، وللمحافظة على تلك الدور سعى البريطانيون على إلغاء دور التهميش بالإقليم كما جاء في التقرير عام 1922م:”… نظام لامركزية شريطة إبقاء هيمنة الإدارة الأهلية في الشئون العامة)، وبناءً على هذا التقرير تصور الحكم الثنائي أن مجتمع دارفور مجتمعاً مستقراً يجب أن يحافظ عليه، وبالتالي يتمتعون بسلطات مطلقة[6].
وقد ظلت دارفور طوال 1916-1956م جزءًا لا يتجزأ من السلطة المركزية في الخرطوم، غير أنه خضع لمشروع العمل التنصيري والتبشيري؛ الذي عم البلاد بعد الاستقلال، وعندما تفاقمت مشكلة إقليم دارفور ممثلة في قلة الموارد الإنتاجية (المياه المراعي)، بدأ الغرب الأوروبي في توجيه أنظار المنصرين والمبشرين نحو دارفور، ذلك الإقليم الذي يحتل موقعاً استراتيجياً في الجزء الغربي من السودان، وكان الغرض منها السيطرة على الأوضاع هنالك، مما شجع بعض النخب الدارفورية في تدويل قضية النزاعات والصراعات، ومن هنا ظهرت بعض الجماعات والحركات التي تنادي بضرورة تسوية واحتواء ظاهرة الحروب المتفشية في أرجاء الإقليم، وبحلول عام 2003م تحولت تلك النزاعات إلى صراعات خرجت عن مسارها الطبيعي وتغيّر الحال عندما بدأت الأطماع الشخصية تدب أوزارها، ومن هنا بدأت شرارة العمل التنصيري بدخول عدد من المنظمات التنصيرية في الإقليم الذي لا يعرف أهله التمييز بين الأجناس، وعلى منوالها ظهرت بوادر التحالفات السياسية، ولاح في الأفق فكرة التجمع العربي الذى أعلن عن نفسه لأول مرة أنهم مرتكزون في دارفور وسط القبائل العربية، وأشار هؤلاء في مذكرتهم إلى أنهم يمثلون حضارة هذا الإقليم…وذلك في مجالات الحكم والدين واللغة، وأنهم يشكلون حوالى 70% من سكان دارفور ويعيشون في 55% من إجمالي المساحة، ويساعدون في الدخل القومي السوداني بحوالي 15% وأن المتعلمين منهم يشكلون حوالي 40% و 14% عضوًا في البرلمان، ومع ذكر هذه التقديرات، وفي ظل غياب السلطة المركزية في بسط هيبة الدولة اشتدت حدة الصراع في دارفور، وظهرت ثقافة توسيع الاستقطاب الإثني وسط المجموعات غير العربية خوفاً من تطور الخطط الاستراتيجية المنسوبة للتجمع العربي، هذا بالإضافة إلى الحملات العسكرية الحكومية التي لا تميز بين المتمردين والمدنيين العزل، كل هذه المواقف أثارت حفيظة المجتمع في دارفور، في الوقت الذي شعر النظم الغربية بأن هنالك فراغاً أمنياً قد حدث في هذه البقعة مما دفع بعض الدول الأوروبية للتعامل مع الحدث بعدة جوانب منها إنسانية وأخرى سياسية[7].
ومن خلال تلك المعطيات شهد الإقليم نوع من التنصير الخفي، حيث استخدمت الإدارة البريطانية إرساليات الكنيسة الإنجليزية لدراسة الوضع في دارفور، وتم من خلالها تأسيس عدد من المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية في كثير من أنحاء الإقليم، وبالرغم من أن الأهالي لا يريدون التعليم المدرسي على اعتبار أنه عمل المستعمر، فهم يذهبون بأبنائهم إلى الخلاوي بدلاً عن المدرسة، فالذين يذهبون إلى المدارس هم أبناء الملوك والشراطي؛ والعمد والشيوخ بحكم مناصبهم الإدارية، وبمرور الزمن تعود الأهالي في إرسال أبنائهم إلى المدارس خاصة في فترة النزاعات والصراعات الأخيرة، حيث دخل عدد كبير من المنظمات التنصيرية تحت غطاء المساعدات الإنسانية، وبدأت تركز جهودها في مخيمات اللاجئين والنازحين الذين شردتهم الحرب حتى قيل إن عدد منظمات التنصير وصل إلى ما يقارب حوالي 300 منظمة تعمل تحت ستار المنظمات الإنسانية، حيث أعلنت منظمة “كاريناس” العالمية الكاثولوليكية أنها تستهدف 25 ألف مسلم في دارفور، وأعلن أمين عام المنظمة أن هناك مليون شخص في دارفور، معرضين للموت وفي حاجة إلى الحماية من الهجرة غير الشرعية، وهذا العدد الضخم يعد صيداً سهلاً لمنظمات التنصير المختلفة.
3. مفهوم التنصير والتبشير
يعتبر التنصير من المصطلحات الغربية الأكثر خطورة حيث بات يهدد المسلمين منذ قرون خلت حتى اليوم، لذلك من الضرورة بمكان معرفة أخطاره، خاصة إذا علمنا أنه يزداد نشاطه يوماً بعد يوم، فاقترب من كل بيت في العالم الإسلامي للتأثير على أبنائه عن طريق تقديم الخدمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، هذا بالإضافة إلى تطوير الوسائل والأساليب، في الوقت الذي لم يستشعر المسلمون بخطورته بل يظنون بأن الغرب بحضارته يمكن له أن يصنع حضارات أخري على نظير ما يقدمه من تمويل للدول الأكثر فقراً ومنها السودان.
مفهوم التنصيرConcept of Evangelism
التنصير لغة: هو الدعوة إلى اعتناق النصرانية، أو إدخال غير النصارى في النصرانية[8]، لقول رسول الله صلى الله عليه:” كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه”[9]، والفطرة هنا هي نزعة التدين[10]، ويطلق لفظة النصرانية للنصارى، لذلك أطلق على دينهم النصرانية، ويقال نصراني، وتنصَّر أي دخل في دينهم، ونصره أي جعله نصرانياً”[11].
التنصير اصطلاحاً: هو الجهد الكَنَسِي الهادف إلى إدخال الشعوب في النصرانية، أو دعوة أبناء الديانات الأخرى إلى اعتناق النصرانية[12]، وتقوم تلك الدعوة على أساس نبذ الأديان سواء أكانت سماوية أم غير سماوية، واضعة نصب عينيها هدفًا محددًا: هو ” تنصير المجتمعات”[13]، ونشر المسيحية في كل بقاع الأرض، والاستمرار في ذلك النشاط حتى نهاية الخليقة[14]، إذاً فالتنصيرEvangelism هو نشاط ديني يهدف إلى تنصير غير المسيحيين بغرض الدخول في النصرانية، ومنع النصارى من الدخول في الإسلام[15].
مفهوم التبشير Concept of Missiology
التبشير لغة: مأخوذة من مادة (بشّر)، ويقال بشره أي أخبره بما يؤثر في البشرى[16]، وبشر بفكرة أو بدين ونحوها، أي عرّف به ودعا إليه، وهنالك من يرى أنه الدعوة بالخير أو بالشر إذا قيدت به[17]. كأفعال الأحبار والرهبان، لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }[18]، وهو من الكلمات التي أطلقت على المنظمات والجمعيات التنصيرية التي تستهدف نشر النصرانية في المجتمعات غير المسيحية.
التبشير اصطلاحاً: هو الدعوة إلى النصرانية، أو محاولة دفع الناس إلى الدخول فيها بشتى الوسائل المشروعة وغير المشروعة[19]، كما هو تعبير أطلقه رجال الكنيسة على الأعمال التي يقومون بها؛ لتنصير الشعوب غير النصرانية لا سيما المسلمين، ثم يتحوَّل هدف التبشير داخل الشعوب المسلمة خدمة للعقيدة النصرانية، وتطوير أساليب نشرها بين الشعوب، وإخراج المسلمين عن دينهم، ولو أدى ذلك إلى الإلحاد والكفر بكل قواعد الدين الحنيف[20]، ويزعم بعض النصارى أن هذا الأمر صدر لهم من المسيح عليه السلام حين قال في إنجيل متى: “فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعَمِّدوهم باسم الأب والابن والروح القدس وعلِّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به، وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر”[21]، وجاء في إنجيل مرقس على لسان المسيح قوله: “اذهبوا إلى العالم، واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها، فمَن آمن واعتمد خلص، ومن لم يؤمن يدن”[22].
فالتبشير كمصطلح يقصد به نشر الإنجيل بين مجموعة من البشر في محاولة لتنصيرهم، وتعرف الكنيسة الكاثوليكية التبشير بأنه: “عمل دعوي موجه إلى الذين لا يعرفون رسالة المسيح طبقاً لوصايا العهد الجديد، فالمسيح عليه السلام قد أوصى تلاميذه أن ينشروا الديانة النصرانية إلى كافة أصقاع الأرض، وهو بمثابة كلمة المسيح الأخير مما جعله يكتسب أهمية كبيرة في نفوس النصارى، وتعتبر بعض الكنائس التبشير بأنه حق إلهي من واجب كل مسيحي أن يبشر العالم بالإنجيل باستقلالية تامة بعيدة عن أي سلطة بشرية، فالمبشر هو الشخص الذي يجمل بشارة المسيح بين الناس، أي الذي يجمل الخير المفرح، وتطلق هذه الكلمة على كل من يعظ ببشارة الخلاص متنقلاً من كل إلى آخر، ويستقر في مكان مخصوص يعظ بالإنجيل، وتسمى هذه الدعوة” التبشير” باعتبارها دعوة إلى الإنجيل، والإنجيل معناه باليونانية “البشارة “.
4. الإرساليات والجمعيات التنصيرية في دارفور
* الإرسالية المشيخية الأمريكية The American Mission of the united Presbyteryan Church : وهي إرسالية بروتستانتية Perotestant Mission ذات أهداف تبشيرية، قام بتأسيسها الدكتور( لانسنج (lansing أستاذ اللغة العربية في معهد اللاهوت في نيوبرونسوِك NewBrunswick، الخاص بتدريب المبشرين، والتابع لكنيسة الإصلاح الديني بأمريكا، ولقد ساعد لانسنج في تأسيس هذه الإرسالية ثلاثةٌ من تلامذته، وهم: جيمس كانتين، وصموئيل زويمر، وفيليب فيلبس، وكان والد لانسنج يعمل مبشراً في بلاد الشام وخاصة سوريا، وفي عام1889م أطلق على هذه الإرسالية” الإرسالية العربية Arabian Mission”؛ استجابة لطلب رسمي مقدم من هيئة الإرساليات الأجنبية؛ للسماح بالقيام بعمل تبشيري في البلاد الناطقة العربية.
* منظمة الصليب الأحمر الدوليةInternational Red Cross : منظمة إغاثية عالمية كبرى، تهدف إلى تقديم إعانات مختلفة في أنحاء العالم عند حدوث الكوارث الطبيعية والصراعات والنزاعات والحروب، فتقوم منظمة الصليب الأحمر بتوزيع بعض المساعدات العينية للمتضررين ليس لأجل الإعانة بل لأجل الاعتقاد بالنصرانية.
* إرسالية السودان الرائدةThe Sudan Pioner Mission : وهي إرسالية ألمانية بدأت نشاطها في مصر عام1901م، وتهدف إلى التنصير في الإقليم السوداني[23].
* إرسالية الكنيسة الاسكتلندية: قام بتأسيسها القس لون كيثLon Keith، بدعوة من الجنرال هيجHaig .
* إرسالية الكنيسة الإنجليكانية The Angelicin Church Mission: بدأت الإرسالية نشاطها من القسطنطينية ومالطا بقيادة كوله koelle وفاندرFander الألمانيين[24].
7- إرسالية شمال أفريقيا البريطانية North African Mission: بدأت هذه الإرسالية نشاطها في مصر عام1892م، ومنها إلى السودان.
8- الجمعيات التنصير المساعدة :Superordinate Evangelistic Missions وهي جمعيات متخصصة في العمل التنصيري تضم رجالاً وًنساء تابعين للطوائف الكاثوليكية المنتشرة في أنحاء العالم، ويتم تمويلهم بواسطة التبرعات الاختيارية، هذا بالإضافة إلى منح الحكومات الغربية، ومساهمة البابا، ومن مصادر أخرى الغرض منها إنشاء الكنائس والمدارس والمراكز الخدمية الأخرى في ميادين العمل التنصيرMissiogrohpy [25].
5. أهداف الإرساليات التنصيرية والتبشيرية: يهدف العمل التنصيري والتبشيري في جميع الميادين إلى تحقيق جملة من الأهداف، منها:
* الهدف الدينيReligious Objective: عندما فشل المستعمر الأوروبي في استهداف المسلمين من خلال الحملات الصليبية بدأ الاهتمام بالجانب الديني لما للدين من قوة تأثير على الأنفس، وقد سعى المنصرون إلى تحقيق الهدف الديني من خلال الآتي:
1. الحيلولة دون دخول النصارى الوطنيين في الإسلام: يعاني النصارى الوطنيين جملة من التحديات في بلدانهم، منها العمل على حمايتهم من دخولهم الإسلام، فقد أفزعهم انتشار الإسلام في بلادهم؛ لذلك حاولوا الوقوف أمام المدّ الإسلامي؛ في محاولة لتشويه صورة الإسلام في نظرة الشعوب الأوروبية، ومع أن دارفور يمثل منبع الثقافة الإسلامية، لذلك فإن أتباع الكنائس النصرانية ملزمون كالمسلمين بمقتضى عقيدتهم أن يوضحوا للناس دينهم الذي يعتقدونه، وبمقتضى الواجب الإجباري فإن العمل التنصيري لا يقتصر على المجمعات غير النصرانية، بل تسعى كل كنيسة على تنصير اتباع الكنائس الأخرى[26]، فيعتقد رجال اللاهوت والمنصرون أن التوسع في العمل التنصيري يشكل جزءاً من قانون الحياة الروحية باعتبارها العقيدة المطلقة والنشطة التي تستطيع إقناع الآخرين بطريقة أكثر سهولة[27].
2. إدخال النصرانية إلى قلوب عدد كبير من المواطنين في دارفور، وفي هذا يقول روبرت ماكس أحد المنصّرين الأمريكيين:” لن تتوقف جهودنا وسعينا في تنصير المسلمين حتى يرتفع الصليب في سماء مكة المكرمة، ويقام قدّاس الأحد في المدينة المنورة”[28].
3. محاولة هدم آثار الحضارة الإسلامية في جبل مرة والفاشر وكتم وكبكابية وغيرها من المدن، لأنهم يرون أن هناك صراعاً بين الحضارتين الغربية والإسلامية قد بدأت تظهر في دارفور.
6. تشويه صورة الإسلام عند الدارفوريين، وحجب محاسنه عن الغرب لإقناعهم بعدم صلاحية الإسلام لهم كنظام حياة، وقد لا يدرك قادة الغرب أن الإسلام قوة غالبة، وأنه متى عرض على الناس عرفوا فيه الحق والهدى، فيقبلون عليه ويقبلونه، لذلك فهم يحاربون الإسلام خشية توسعه وانتشاره، ويسلكون لذلك كل السبل فتراهم في الوقت الذي يهدمون فيه الكنائس في الغرب، يسارعون في إنفاق الأموال الطائلة لبنائها في بلاد المسلمين.
7.تنصير المجتمع الدارفوري من خلال فتح المدارس ورياض الأطفال، وتقديم الخدمات الطبية والمساعدات الإنسانية كدرء الكوارث.
8. هدم الهوية الإسلامية والثقافية: من خلال القضاء على اللغة العربية وآدابها، وتربية الزعامات القبلية بعيدًا عن برامج الوحدة الوطنية.
9. ترسيخ فكرة القومية الشعبوية؛ آخذين في الحسبان أن الإنجيل يتضمَّن تعاليم تدعو إلى هذه الفكرة، وأنها أضحت واجبًا مقدَّسًا على النصارى الوطنيين وغير الوطنيين.
10. تعميق فكرة سيطرة الرجل الغربي الأبيض على بقية الأجناس البشرية الأُخرى، وترسيخ مفهوم السلطوية والعبودية، تعضيدًا للاحتلال بأنواعه والمختلفة والتبعية السياسية بين الشعوب والحكومات الإسلامية للرجل الأبيض حتى يستطيعوا إخضاع العالم الإسلامي لسيطرة الغرب الأوروبي واستغلال مقدراته وإمكاناته، والأحداث المتلاحقة في العالم الإسلامي تؤيد ذلك.
وعلى الرغم من تلك المجهودات التي بذلها الإرساليات التنصيرية القضاء على مصدر القوة الأساسية التي يعتمد إليها المسلمون في دارفور وهي العقيدة الإسلامية بما تحمله من قيم وأخلاق إلا أنها فشلت في تحقيق أهدافها، ولقد برهن التاريخ على أن المسلم لا يمكن أن يكون نصرانياً، كما دلت التجارب على استحالة تمكين النصرانية في قلوب المسلمين في دافور.
* الهدف السياسيPolitical Objective: يتجلى الهدف السياسي في تحقيق عدة أمور، منها:
1. القضاء على وحدة الأمة الدارفورية: لقد أدرك الغرب النصراني أن وحدة السودانيين وتماسكهم هي سرّ قوتهم وسيادتهم؛ ولذلك حاولوا عن طريق التنصير إثارة الفتن والاضطرابات والصراعات والحروب في ربوع السودان عامة ودارفور على وجه الخصوص، وقد أبرز لورس براون هذا الهدف حينما قال: “إذا اتحد المسلمون في إمبراطورية عربية أمكن أن يصبحوا لعنة على العالم، وخطراً عليه، أما إذا بقوا متفرقين فإنهم يظلون حينئذٍ بلا وزن ولا تأثير”[29].
2. التمهيد لإخضاع المجتمع الدارفوري سياسياً واقتصادياً وثقافياً لسيطرة النفوذ الغربي، وتهيئة الأجواء بما يسمى (العولمةGolobalizition )، وما يتبع هذا النظام من التغلغل في الأيدولوجيات السياسية، وبث قيم اجتماعية جديدة ليست لها علاقة بالمجتمع في دارفور، ووضع الحواجز بين المجتمعات البشرية، وفرض الهيمنة والتبعية الغربية على الأمة في دارفور.
3. محاولة التجسس بين المكونات القبلية:، وفي هذا نجد أن أقوال المنصّرين أنفسهم أكبر دليل على ذلك حيث يقول أحدهم: “لقد تمت محاولات نشطة لاستعمال المنصّرين ليس لمصلحة النصرانية بل لخدمة الاستعمار والعبودية”[30].
* الهدف الثقافي والاجتماعيSocial and Culture Objective: تعددت ملامح هذا الهدف عندما شعر المنصرون بأن هنالك فجوة كبيرة صاحبت بناء المجتمع في دارفور، كالشعور بالقبلية والجهوية في ظل غياب ثقافة التعايش بين الإثنيات المختلفة، ولعل من أبرز تلك الملامح ما يلي:
1. التغريب: لقد سعي الغرب الأوروبي إلى دراسة قيم المجتمع الدارفوري ونظمه، والخروج من أصالتها الإسلامية، ومقارنتها بالأنماط والنظم الغربية المستمدة من الخلفية اليهودية أو النصرانية، والإيحاء بأن تلك التعاليم والمثل النصرانية أفضل من المبادئ الإسلامية، وبذلك يتحقق للمنصّرين إنشاء جيل من النصارى الوطنيين يحملون أفكار الغرب وحضارته.
2. خلق الهزيمة النفسية بين المسلمين: لقد أدرك المنصّرون عظم الحضارة الإسلامية بعقيدتها وثقافتها التي أعطت المسلمين القوة والعزة، فأيقنوا أن أمة لها هذه الحضارة والثقافة لا يمكن أن تخضع وتذلّ؛ ولهذا كانت مهمتهم تشويه تلك الحضارة والحطّ من شأنها في نفوس أصحابها حتى يخلقوا نوعاً من التخاذل والهزيمة النفسية في وجدان المسلمين من أجل إيجاد شعور بالنقص في أنفسهم فيخضعون بعد ذلك للمدنية الغربية، ويفتحون للمنصرين طريقاً يحاولون من خلالها تحويل بعض ضعاف العقيدة إلى الديانة النصرانية.
3. تحرير المرأة من قيود الأحكام التشريعية: سعى الرجل الأوروبي المريض إلى استغلال المرأة المسلمة وتثقيفها بالثقافة الغربية لهزّ الإيمان في نفسها، فقالوا ضرورة تخلى المرأة المسلمة عن اللباس المحتشم وتمردها على الأسرة وخروجها إلى المراقص والملاهي، ولهذا يقول أحد القساوسة: “بما أن الأثر الذي تحدثه الأمّ في أطفالها من عمرهم بالغ الأهمية، وبما أن النساء هن العنصر المحافظ في الدفاع عن العقيدة، فإننا نعتقد أن الهيئات التنصيرية يجب أن تؤكد جانب العمل بين النساء المسلمات على أنه وسيلة مهمة في التعجيل بتنصير البلاد الإسلامية”[31].
4. الاحتلال والهيمنة والسيطرة: يعتبر الاحتلال الوسيلة الأولى والأقوى للسيطرة على السودان عامة وإقليم دارفور بصفة خاصة، وقد ظهر ذلك جليّاً من خلال التكالب الأوروبي على المنطقة ذات البعد الاستراتيجي ليس للسودان فحسب بل للقارة الأفريقية، فالمنصرون هم الذين يقدمون الجيوش في شكل فرق للحماية تحت مظلة الأمم المتحدة، وبين هذه الفرق عدد من المستشرقين والمنصرين يعملون تحت غطاء الحماية الدولية، يدرسون طبيعة المنطقية من حيث الموارد الطبيعية والبشرية.
5– استغلال تفشي الأمراض والأوبئة: يعد تفشي الأمراض والأوبئة مرتعاً خصباً لممارسة العمل التنصيري، من خلال الوسائل التي تتعلق بالتطبيب والتمريض، فالمنصرون يعرفون كيف يستغلون موقف المحتاجين من الفقراء والمساكين فكثيراً ما يعزون محاولات شفاء المرضى إلى عيسى عليه السلام.
6– استغلال الجهل والأمية: كثيراً ما يستغل المنصرون قلة الوعي الديني، والجهل والأمية، واختلاط الصدق بالخرافة، وانتشار البدع في سبيل كسب ود المسلمين فهم لا يدعون إلى نبذ الدين، ولا يدعون إلى ترك العبادات ولكنهم يدعون الأخذ بأسباب الحضارة والمدنية الغربية، وهذا ما نحن فيه اليوم.
7– استغلال تساهل الحكومة المركزية: أصبح تساهل الحكومات المركزية والإدارات الأهلية ورؤساء القبائل وشيوخها، من الدواعي الأساسية لإقامة مؤسسات تنصيرية في دارفور بواسطة مجلس الكنائس السوداني.
6. الوسائل والأساليب التي استخدمت في العمل التنصيري: استخدم المنصرون لتحقيق أهدافهم عدة وسائل وأساليب لمحاربة الإسلام في دارفور، على النحو الآتي:
* وسائل التنصير المباشرةEvangelistic Missions Direct: تعتمد هذه الوسيلة على الاتصال الفردي والوعظ العام في الكنائس( الفاشر والأبيض)، وفي الأماكن العامة لتعريف الناس بالمسيح وتعاليمه وحوارييه لإقناعهم باعتناق الديانة النصرانية[32]، ويقوم بهذه المهمة منصّرون متفرغون من الجنسين رجال ونساء، ويأخذ شكل الوعظ والإرشاد والتوجيه(الفردي والجمعي) داخل الكنيسة أو خارجها نمط من أنماط نقل المعلومة من وإلى مرسل الرسالة إلى المستقبل، سواءً أكان هذا الوعظ والإرشاد في شكل أحاديث مباشرة أو الحوار أو المناقشات والندوات…وغيرها، وأن يكون المبشر جالساً ليكون تأثيره أشد على السامعين، وألا تتخلل خطاباته كلمات أجنبية، وأن يبذل عنايته في اختيار الموضوعات، وأـن يكون على علم بآيات القرآن الكريم والإنجيل، وأن يستعين قبل كل شيء بالروح القدس والحكمة الإلهية، كما ينبغي استخدام الوسائل المحببة لدى المسلمين خاصة التي تجذبهم وتجعلهم محبوبين لديهم، وأهم هذه الوسائل استخدام الموسيقى والأدب والفن، وعرض مناظر الفانوس السحري، حتى لا يثار نزاع بين المسلمين، وإقناعهم بأن النصارى ليسوا أعداء لهم والسماح للمنصرات بزيارة بيوت المسلمين والاجتماع بالنساء، وتوزيع المؤلفات والكتب، فضلاً عن المحاضرات الدينية في تعاليم الإنجيل، وتعرف هذه الإرساليات بـ(إرساليات الإيمانFaith Missions ).
* وسائل التنصير المساعدة Subordinate Evangelistic Mission: منذ فجر الاستعمار في القرن التاسع عشر الميلادي اعتمد المنصرون على وسائل أخرى غير مباشرة تفتح لهم الأبواب المغلقة لكسب الأتباع، لاسيما في البلاد الإسلامية والعربية، وفيه يقدم المنصرون رسالتهم متسترين ومتخفيين وراء تقديم خدماتهم من خلال تعريف المحيطين بهم بالسلوك النصراني وتوزيع الإنجيل والنشرات، والحديث غير المباشر عن المسيح وتعاليم الإنجيل، وقد وردت الإشارة والاهتمام بهذا الأسلوب في المؤتمر السادس لمنظمة مجالس الإرساليات الذي عقد في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1980م عندما أشار أحد رؤساء الجمعيات التنصيرية إلى ذلك قائلاً: “إن الباب أصبح مفتوحاً الآن لدخول النصرانية إلى البلاد الإسلامية، وذلك من خلال الشركات الوطنية المتعددة فهناك فرص لا حدود لها في هذا المجال بالنسبة للمنصرين حيث الحاجة الملحة إلى مهارتهم لتطوير البلاد”[33]، ومن أبرز الوسائل غير المباشرة:
* التنصير عن طريق العلاج Evangelistic MissionMedical: يعتبر العلاج من الخدمات الأساسية عند المنصرين كما جاء في قول الطبيب الأمريكي المنصِّر بول هاريسون في كتابه: الطبيب في بلاد العرب” لقد وُجِدنا في بلاد العرب لنجعل رجالها ونساءها نصارى” وقول المنصر موريسون” نحن متفقون بلا ريب، على أن الغاية الأساسية من أعمال التنصير بين مرضى العيادات الخارجية في المستشفيات أن نجعلهم أعضاء عاملين في الكنيسة”،
* التنصير عن طريق التعليمEducational Evangelistic Mission : يعتبر التعليم من أبرز الوسائل في ممارسة العمل التنصيري، وهذا ما جاء في قول الكاردينال (لافيجري) مؤسس جمعيات التنصير الحديثة:” لا حاجة لنا بالدعوة للدين نفسه، بل الحاجة إلى التعليم”[34]، فالتنصير يضع كل ثقله لاستغلال التعليم وتوجيهه بما يخدم أهدافه، ولذلك فهم ينشئون المدارس والمعاهد ورياض الأطفال ليتم تربيتهم بالصورة التي يريدونها، ويقول زويمر:” إن من أهم الأساليب التي تؤدي إلى تدمير أخلاق المسلم وشخصيته التعليم العلماني”، وبموجب تلك الخطة التنصيرية المحكمة انتشرت بعض المدارس التبشيرية في أنحاء دارفور عامة، ونتيجة لما حدث في دارفور من دمار وخراب وأوضاع مأساوية؛ وما يحتاجون إليه من طعام وكسوة ومسكن بالإضافة إلى التعليم والعلاج مما يجعلهم فريسة سائغة لاستغلال المنصرين الذين يتظاهرون بمواساتهم مادياً ومعنوياً، ويدّعون الاهتمام بهم صحياً وتعليمياً، وصولاً إلى اكتساب قلوب هؤلاء البسطاء، ومن ثم السيطرة على عقولهم وإقناعهم بأن في النصرانية خلاصهم من عذاب الآخرة وفقر الدنيا. وقد أثبتت بعض الدراسات الميدانية أن المدارس الأجنبية أكثر قبولاً من المدارس الحكومية، وأن هنالك انحرافاً واضحاً في مجال العقيدة والأخلاق لدى المنتسبين للمدارس الأجنبية[35]. وأدى ذلك بمرور الزمن إلى ضعف القيم الدينية والاجتماعية في المدارس الأجنبية، وطمس الهوية الإسلامية والدعوة إلى اعتناق النصرانية، وحتى تكون تلك المدارس قوية تم إلحاقها بسفارات الدول الأجنبية لخصوصيتها، كما سمح لهم بفتح مكتبات ونواد ثقافية وإقامة دورات مدرسية تعرض فيها سماحة النصرانية في تقديم الهدايا، واستغلوا رغبة الشباب في مواصلة التعليم العالي ففتحوا مراكز لذلك عن طريق المراسلة البريدية أو المحادثة عن طريق الإنترنت وبرسوم زهيدة، والآن كثرت الكتب والنشرات التي تصل عن طريق البريد الالكتروني التي تدعو إلى النصرانية[36].
* التنصير من خلال الخيامThe Tents Maker : يعود هذا المصطلح إلى أيام القديس بولس[37]، الذي كان يعمل في صنع الخيام لإعاشة نفسه خلال أسفاره للتنصير في القرن الأول للنصرانية، والمفهوم العصري لهذه الوسيلة هو أن يقصد المنصرين البلدان الملتهبة بصفة مهنيين يعملون في ميادين متعددة، هدفهم الاحتكاك بالناس وتوزيع الإنجيل والمطبوعات التنصيرية الأخرى بطريقة خفية(التنصير الخفيSilent Wintnessing)[38]، وقد أصدر مجلس الكنائس البريطاني كتابًا نصح فيه هؤلاء التزام السرية التامة في أداء مهامهم[39]، كما نصح أصحاب الخيَّام بتوخي الحذر الشديد وفق استراتيجية مرسومة وتخطيط دقيق، فكثيراً ما يستغل المنصرون ما تعانيه كثير من المجتمعات في دول العالم الثالث من كوارث، مثل الزلازل والفيضانات والمجاعات والحروب الأهلية والجفاف والتصحُّر والفقر والأمراض الوبائية، فيقدمون للناس المعونات ليتجاوزوا آثار هذه الكوارث، ويقدمون معها الدعوة إلى النصرانية، ومن أهم الأنشطة التنصيرية التي تقوم بها بعض المنظمات العالمية في هذا المجال: جمعية أخوة الإيمان، والمجلس الإنجيلي، وصندوق الأطفال المسيحيين، وجمعية محبة العالم، وترى المؤسسـات التنصيريـة ضرورة التنسيق والتعـاون بـين أصحاب الخيام وبين وكالات ومؤسسات التنصير المختلفة؛ لتنفيذ مهامهم بصورة أكثر فاعلية، كمـا هو الحال في المدرسين العاملين الذين يعملون في الحقل الطبي تحـت وصاية رابطة التنصير لما وراء البحارEvangelistic Overseas كما هو الحال في أندونيسيا، وفي نيجريا تحت توجيه إرسـالية السودان الداخليةSudan Interior Mission.
* التنصير عن طريق انهيار القيم الأخلاقية: تستغل الكنيسة القيم الأخلاقية لانهيار السلوك العام عن طريق إباحة شرب الخمور، وإقامة الحفلات الليلية، والرقص الماجن للمراهقين والمراهقات من أجل استهواء الشباب المسلم، واتخاذ الممارسات الجنسية كوسيلة لإغراء الشباب بالانضمام إلى النصرانية، وتأتي على رأس هذه الجماعات جماعة أبناء الرب وأسرة الحب التي أنشئت في أمريكا عام 1969م، ولها فروع في كثير من الدول ومنها السودان، حيث يتم إنشاء مراقص وملاهي للشباب في كل معسكر لإشباع رغباتهم، إذن النصارى يحملون معهم جراثيم الانحلال المتوارث حيثما حلوا وحيث رحلوا يقيمون الاحتفالات الراقصة، ويشجعون الاختلاط والتبرج وهذا يعتبر نوع من أنواع المخالفات الشرعية والأخلاقية.
* التنصير بتوزيع المطبوعات: اعتمد المنصرون في توزيع المطبوعات على وسائل وأساليب مختلفة لتشويه صورة الإنسان في دارفور، وقد استخدم الكتب والمقالات والدوريات والمجلات والصحف التي توزع بالمجان، ومن أشهر المؤسسات التي تعمل في مجال الطباعة مؤسسة فرانكلين الذي طبع الإنجيل أكثر من سبعمائة ألف نسخة، فضلاً عن الكتب والكتيبات والنشرات المطويات الصغير المتخلفة، كل الأحجام والمقاسات، وتقول منظمة (آر بي أم) الإفريقية:” يجب أن يتوفر الإنجيل بجميع الترجمات وبكافة اللغات على العالم أجمع”[40].
* التنصير باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام: لم يدخر حاملو راية الصليب جهداً في نشر أفكارهم وبث سمومهم، باستخدام الحرب الشاملة على العقيدة الحقة بل تجاوزوا فيها عتبات الغزو العسكري المسلح إلى غزو الأفكار واستعمار العقول، فاستعملوا وسائل الإعلام بأنواعها المختلفة المرئية والمسموعة والمقروءة فغلفوا بها ادعاءاتهم ومضامينهم المنحرفة لتقدم كمعلومة إلى أعداد كبيرة من البشر في جميع بقاع العالم، وفي ظل التطور الهائل الذي وصلت له وسائل الإعلام وقدرتها على الاستقطاب والتأثير استغل المنصرون في دارفور الوسائط الإعلامية كوسيلة فاعلة ومساندة في الحملات التنصيرية، وقاموا بتفعيل دور الاتصال والتواصل الاجتماعي الذي تلعبه الكلمة المسموعة والمقروءة في إيصال رسالتهم وتبليغ أفكارهم إلى الأفراد والمجتمعات لخدمة أغراض التنصير[41]، ولقد استخدمت الكنيسة ومؤسسات التنصير المختلفة عدة وسائل لتساهم بصورة فعالة في الترويح عن سمات الحضارة الغربية التي تسعى في انتشار ملكوت السموات، كما يزعم بعض النصارى، وعلى هذا الأساس؛ شهدت ساحة التنصير في دارفور طوال السنوات الثلاثين الماضية وحتى الآن عشرات المؤتمرات الإعلامية التي ضمت صحفيين، وإذاعيين، وخبراء إعلام، وأساقفة من كل أنحاء العالم، بحثوا عن مدى فاعلية وسائل الإعلام في إنشاء مؤسساتها وأنشطتها في ميادين العمل التنصيري، وقد جاءت ملامح هذه الاستراتيجية الإعلامية التنصيرية؛ على النحو الآتي :
1- إن استخدام وسائل الإعلام يعد واجباً من واجبات الكنيسة؛ لنشر رسالة الخلاص بين المسلمين وغير المسلمين لتأليب قلوب المؤمنين بالنصرانية أو الذين يودون الدخول فيها.
2- من الضروري أن تستخدم الكنيسة وسائل الاتصال الجماهيري، وأن تمتلكها؛ لأنها ضرورية للتربية المسيحية، ولكافة الأعمال الدعائية الأخرى.
3- يجب استخدام هذه الوسائل استخداماً صحيحاً في ضوء طبيعة الوسيلة والظروف التي تستخدم فيها، والغاية من استخدامها والأشخاص والزمان والمكان الذي تستخدم فيه.
4- على جميع أبناء الكنيسة أن يوحدوا جهودهم، وأن يتعاونوا على استخدام وسائل الاتصال والتواصل بصورة فعالة، ودون إبطاء، وبأعظم قدر من الاهتمام.
5- على الدعاة أن يبادروا في هذا الميدان إلى استخدام هذه الوسائل للقيام بواجب التبشير بالإنجيل الذي هو من صميم ممارسة العمل التنصيري.
6- ينبغي إنشاء محطات إذاعية تنصيرية كلما سنحت الفرصة لذلك، والاهتمام بأن تكون على مستوى عال من الكفاءة والجودة.
7- الإسراع في إعداد الكهنة والرهبان القادرين والمؤهلين لاستخدام هذه الوسائل لتحقيق أهداف الرسالة، وهنا يجب الالتزام بإعدادهم إعداداً فنياً وعقائدياً وأدبياً.
8- يجب الاهتمام بإنشاء العديد من المدارس والمعاهد والكليات التي تتيح للصحفيين ومنتجي الأفلام ومذيعي الراديو والتليفزيون الفرصة للتعامل معها في ضوء الممارسة اليومية.
9- على أبناء الكنيسة القيام بواجبهم في تدعيم النشرات والدوريات، والأفلام السينمائية ومحطات الراديو والتليفزيون.
10- إنشاء مؤسسات محلية لإنتاج الأفلام السينمائية وبرامج الراديو والتليفزيون وتدعيمها وتزويدها بكافة الإمكانات المتاحة(هوليود).
وبناءً على ذلك هنالك العديد من المؤسسات والهيئات والمنظمات التي تعمل في هذا المجال، منها:
1_ الرابطة الكاثوليكية للراديو والتلفزيون: ومقرها سويسرا… وهي الرابطة التي تضم مائة إذاعية كاثوليكية، وينصب نشاطها على خدمة التبشير بالإنجيل، وعقد المؤتمرات وتبادل الخبرات والمعلومات في هذا المجال، فضلاً عن التعاون المنظم مع الروابط والهيئات والمنظمات الإذاعية التنصيرية الأخرى، وإجراء البحوث والدراسات وتقديم التوصيات اللازمة.
2- الرابطة العالمية للإذاعة المسيحية: تعمل هذه الرابطة التي تتخذ من جنيف مقراً لها على خدمة الإذاعات التنصيرية في تطوير برامجها ورفع مستواها، وقد بلغت عدد البرامج الإذاعية التي تم بثها خلال أعوام 1964م – 1965م – 1968م، ولا شك أن أهم ما تقوم به هذه الرابطة إلى جانب نشاطها الإذاعي، بل أنها تقدم منحاً للكنائس والمنظمات المسيحية للتدريب على استخدام البرامج الإذاعية في مجال العمل التنصيري، وإعداد الكوادر البشرية عقائدياً.
3- الاتحاد العالمي للاتصالات المسيحية: أنشئ هذا الاتحاد في لندن عام 1968م، ويمنح حق العضوية للأفراد والكنائس ووكالات الاتصال والهيئات التي لها علاقة بالمسيحية، هذا إلى جانب تزويد محطات الإذاعات التنصيرية بالخبراء والاستشارات الفنية وإعداد الفنيين والكوادر البشرية المدربة، وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن هذا الاتحاد يولي الهيئات والمنظمات التنصيرية التي تعمل في إفريقيا على وجه الخصوص اهتماماً فائقاً ويخصها بالقدر الأكبر من المساعدات والرعاية.
4- الرابطة الدولية للإذاعيين المسيحيين: وهي رابطة خاصة بالإذاعيين العاملين في مجال الإذاعات التنصيرية في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أنشئت بناءً على توصية من المؤتمر العالمي للراديو التنصيري، وقد بذلت الرابطة جهداً مقدراً في متابعة محطات الراديو العاملة في مجال العمل التنصيري، بالإضافة إلى إصدار النشرات التي توزع مجاناً لهذه المحطات وبرامجها وأنشطتها، فضلاً عن إجراء البحوث والدراسات للتعرف على مدى تأثير هذه المحطات لإثراء جمهور المستمعين والمشاهدين.
5- جمعية التنصير العالمية: جمعية بروتستانتية مقرها مدينة نيو جرسي بالولايات المتحدة الأمريكية، وتتولى الإشراف على إدارة عدد من المحطات التنصيرية الدولية، وتأتي في مقدمتها إذاعة حول العالم الناطقة بالعربية من مونت كارلو.
6- الهيئة التنصيرية العالمية: وهي الهيئة التي تقوم بمسؤولية الإشراف والإدارة على عدد من الإذاعات الموجهة إلى دول جنوب شرق آسيا عامة وإندونيسيا خاصة، ومقرها هونج كونج.
7- الاتحاد الفليبيني للإذاعيين الكاثوليك: هو اتحاد يتولى الإشراف على عدد من المحطات التنصيرية العالمية، ومن أهم أهدافه تقديم خدمات التدريب والتخطيط والرقابة، ومقره تايلند.
* التنصير بواسطة العمالة المهاجرة: لعل القارة الأفريقية عامة والسودان على وجه الخصوص من أهم مناطق العالم الذي يمر بكوارث طبيعية وبشرية، ومحطة من محطات لجذب للهجرة إلى الخارج؛ نظراً للظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تمتاز بها المنطقة، وترتيباً لهذا الموقف أعَدَّت العديد من الدراسات لمعرفة الأسباب الموضوعية للهجرة القسرية للسكان، وجدت أن السودان يمثل من الدول الأكثر فقراً ومساعدة في النزوح واللجوء نسبة لعدم توفر الأمن والاستقرار نتيجة للصراعات والحروب المتفشية في كثير من الأحايين، وتنفيذاً للمخطط التنصيري قام بعض المنصرين بتنظيم رحلات إلى بعض مدن السودان ومنها دارفور، لدراسة الواقع هنالك وبناءً على دراسة تلك الوثائق؛ أعلن مؤتمر الكنائس في السودان 2005م، أنه يجب على الكنائس أن تدافع عن حقوق العمال المهاجرين، وتحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
* التنصير بالسحر: منذ تطور مفهوم التنصير الإلكتروني بدأت المنظمات والهيئات التبشيرية تأخذ منحاً آخر، وأصبحت أجهزة الإعلام تتفنن في استضافة الاختصاصيين في المنظمات التي تقوم بالعمل التنصيري، خاصة المنظمات التي بدأت تعمل تحت مظلة العمل الثقافي والاجتماعي والروحي وسط الشباب، وتستهدف بصورة أكثر خصوصية الأسر الأكثر جهلاً وفقراً وبساطةً… وهذا إن دل إنما يدل على أن الإسلام كان مستهدف منذ نزول الوحي إلى يومنا هذا، وعلى الرغم من قناعة بعض المنصرين بفشلهم في تنصير المسلمين إلا إنهم سلكوا طرقاً مغايرة لاختراق المسلمين وخلخلتهم وتشكيكهم حول عقيدتهم التوحيدية، ألا وهي التنصير بالسحر الذي بدأ يتطور بتطور المجتمعات التقليدية ودونكم الاستلاب الثقافي والجنوح نحو الأساطير والخرافات والتصورات الغيبية.
7. أشهر الفئات المستهدفة في التنصير والتبشير: من أشهر الفئات المستهدفة في العمل التنصيري، هم:
* النساء: تشكل المجمعات السكنية أحد بؤر الوجود النصراني لممارسة كل ما يخالف العقيدة الصحيحة كشرب الخمر وتناول المخدرات، وانتهاك الأعراض، فهم يدخلون في كل بيت يدعون بأنهم يريدون أن يبثوا ثقافة التعايش والتآلف غير أنهم يريدون دس السم في العقائد، وهذا ما أكده بعض نشرات الاخبار، مثل برنامج(عالم عافية للسيدات) التي يتم بثها عبر عدد كبير من الفضائيات العالمية المختلفة، والتي من خلالها تمكن المنصرون من تكوين علاقات غير شرعية بين النساء إبتداءً باللقاءات، فالتسريحات، ثم القيام بالرحلات الترفيهية للخارج، وهنا يتم الاستقبال عن طريق المنصرات اللائي يحاولن إفساد ذهنية المرأة المسلمة، وذلك من خلال نشر ثقافة تحديد النسل، والقول بحرية المرأة، وحقها في الميراث وغيرها[42]، هكذا اهتم المنصرون بالمرأة اهتمامـاً كبيراً، لأن المرأة كثيراً ما تتعرض للفقر والفاقـة والـترمل أكـثر من الرجل، هذا بالإضافة إلى انتشار الأمية والتخلف، ولأنها هي التي تترعرع فيها تربية النشء، وبناءً على ذلك المخطط التنصيري تخطت المرأة في دارفور عتبـة دارها وخرجت إلى الهواء حرة طليقة نزعت عنها حجابها، الأمر الذي مكن المنصرين أن يتغلغلوا في جوانح الأسرة المسلمة، ولا يخفي كيدهـم وقـوة تأثيرهم حتى ظهرت أثر التغيير عند الشباب اليوم.
* الشباب: أكدت بعض الدراسات الاجتماعية على أن الشباب اليوم يشكلون الفئة الأكثر استهدافاً من قبل المؤسسات الكنسية التنصيرية، بالرغم من غياب إحصائيات ومعلومات دقيقة تؤكد ذلك[43]، ونظراً لحساسية الموضوع، ترك الباب مشرعاً على مصراعيه أمام مختلف الهيئات التنصيرية لإيراد إحصائيات سمتها الأساسية عدم الدقة والاختلاف، لكنها في النهاية تعد مؤشراً على وجود واقعي للظاهرة، وهذا الوجود تعززه أكثر الآليات والأساليب التنصيرية التي تدل على أن ظاهرة التنصير في تزايد مستمر في كثير من البلدان على حد سواء، ونتيجة لتلك المساعي درجت بعض المنظمات التنصيرية إلى مخاطبة الوجدان الشبابي في دارفور مستغلين عامل المراهقة والفقر كعامل من عوامل تنفيذ مشروعاتهم التبشيرية.
* الأطفال: يعتبر الأطفال من الشرائح المستهدفة في مجال العمل التنصيري، فأخذ المنصرون يدخلون عالم الطفل من خلال مسلسلاتهم التي تحتوي على القصص والروايات التي تحكي عن ألوهية عيسى، وأمه مريم العذراء وأحوال الرسل، فإذا تأملنا فإننا نجد هنالك تأثير مذهل في سلوك وقيم الأطفال، خاصة عندما يشاهدون تلك الأفلام والروايات القصصية وغيرها.
خاتمة :
أكدت الدراسة أن التنصير والتبشير من أكبر الأخطار التي تهدد العالم الإسلامي والعربي والأفريقي عامة، والسودان على وجه العموم، ودارفور على وجه الخصوص نظراً لما يرمي إليه من أهداف تضرب في صميم معالم الأمة، التي تقوم أساساً على الهوية الإسلامية ذات النمط الحضاري، وبالإضافة إلى التنوع الثقافي والعادات والتقاليد الموروثات الثقافية سعت المستعمر إلى تغريب المجتمع الدارفوري، وقد اعتمد المنصرون على عدة مناهج لتحقيق أهدافهم الآنية والمستقبلية من خلال تشكيك المجتمع في دارفور عن دينهم ودفعهم إلى اعتناق النصرانية، وذلك باستخدام الوسائل والأساليب المختلفة التقليدية منها والحديثة، وكثيراً ما اعتمدت الحركة التنصيرية والتبشيرية على مناهج في غاية من الأهمية تجمع بين العلمية والمنهجية والمواكبة للعصر، والملائمة للبيئة المخصصة لها مما جعلتها حركة ذات أبعاد فعالة خاصة إذا أضفنا لها ما آلت إليه أوضاع دارفور من الاضطرابات السياسية والفكرية.
أهم التوصيات :
1. على الحكومات الوطنية أن تلعب دور المراقب للأوضاع في دارفور.
2. ضرورة نشر ثقافة السلم الاجتماعي بين المكونات الإثنيّة في دارفور.
3. على النخبة الدارفورية التصدي لهذه الهجمة الشرسة التي طغت على معالم الأمة.
قائمة المصادر والمراجع :
- إبراهيم عكاشة علي، أساليب العمل التنصيري، منشورات المعهد العالي، المدينة المنورة،1406هـ، ط1.
- إبراهيم عكاشة علي، ملامح عن النشاط التنصيري في الوطن العربي، مطبعة جامعة الإمام، المدينة المنورة،1987م.
- أبكر عبد البنات آدم، التنصير والتبشير، الخرطوم، 2015، ط1.
- ابن حجر العسقلاني، فتح الباري في شرح صحيح البخاري، الحلبي للنشر، القاهرة، 1312هـ، ط2.
- ابن منظور، لسان العرب، دار الفكر، بيروت، 1373هـ، ط2.
- أكرم كساب، التنصير: مفهومه، جذوره، أهدافه، أنواعه، وسائله، صولاته، مركز التنوير الإسلامي، دمشق، دون تاريخ.
- أوفاهي، الدولة والمجتمع في دارفور. ترجمة عبد الحفيظ سليمان عمر النرويج، جامعة بيرجن، ط2، 1999م.
- التجاني مصطفي محمد صالح، دارفور الحقيقة الغائبة، المركز السوداني للخدمات الصحفية،2004م.
- خالد التميمي، التبشير في منطقة الخليج العربي، شركة كاظمة، الكويت،1999م، ط1.
- خالد نعيم، الجذور التاريخية لإرساليات التنصير، مكتبة المختار الإسلامي، القاهرة،1988م، ط1.
- ساسي سالم الحاج، الظاهرة الإستشراقية وأثرها على الدراسات الإسلامية، مكتبة وهبة، القاهرة،1991م، ط1.
- سعد الله السيد صالح، التبشير الصليبي، دار الأندلس، القاهرة،1989م، ط1.
- شاتليه، الغارة على العالم الإسلامي. ترجمة محب الدين الخطيب ومساعد اليافي، المطبعة السلفية، القاهرة،1385هـ.
- صابر طعيمة، أخطار الغزو الفكري على العالم الإسلامي، عالم الكتب، بيروت،1404هـ، ط1.
- عبد الرحمن الميداني، أجنحة المكر الثلاثة، دار القلم، دمشق،2000م، ط1.
- عفاف صبرة، المستشرقون ومشكلات الحضارة، مكتبة وهبة، القاهرة،1987م، ط1.
- علي إبراهيم النملة، التنصير: مفهومه، أهدافه، ووسائله، دار الصحوة للنشر، القاهرة،1993م، ط1.
- علي مشاعل، التبشير والاستشراق، مكتبة الصديق، الرياض، بدون تاريخ، ط1.
- فيروز أبادي، القاموس المحيط. دار العلم،بيروت،1373هـ، ط3.
- محمد الرازي، مختار الصحاح، دار العلوم، بيروت،1986م، ط2.
- محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري، دار الجيل، بيروت، 1412هـ، ط2.
- محمد بن عمر التونسي، تشحيز الأذهان بسيرة بلاد العرب والسودان، تحقيق خليل محمود عسكر، القاهرة، ط2، 1965م.
- محمد عبد الفتاح عليان، أضواء على الاستشراق، دار البحوث العلمية، القاهرة،1980م، ط3.
- محمد عزت الطهطاوي، التبشير والاستعمار، المطابع الأميرية، القاهرة،1977م، ط2.
- محمد عمارة، معركة المصطلحات بين الغرب والإسلام، دار نهضة مصر، القاهرة، 1997م، ط1.
- محمد عمارة، معركة المصطلحات، دار الشروق، مشق،1997م، ط1.
- محمود عبد الرحمن، التنصير والاستغلال السياسي، دار النفائس، بيروت،2009م، ط1.
- ممدوح حسين، مدخل إلى تاريخ حركة التنصير، دار عمان، عمان،1995م، ط1.
- نعوم شقير، جغرافية وتاريخ السودان، القاهرة، دار العلم، 1903م.
- Arkell ,AHistory of Darfur,1951, Khartoum.
- G,Warneck,Out line of Ahistory of the Protestant Mission, 1906,London.
- Horner,N,A,The Gospel and Islam.
- MacMichel ,M.A,A history of the Arabs in the Sudan .Cambridge,1922, viol 1.
[1]– أوفاهي، الدولة والمجتمع في دارفور. ترجمة عبد الحفيظ سليمان عمر النرويج، جامعة بيرجن، ط2، 1999م، ص 60.
[2] – Arkell, A, History of Darfur,1951,Khartoum,P37-70.
[3] – محمد بن عمر التونسي،تشحيز الأذهان بسيرة بلاد العرب والسودان. تحقيق خليل محمود عسكر، القاهرة،ط2، 1965م، ص76.
[4] – نعوم شقير، جغرافية وتاريخ السودان، القاهرة، دار العلم، 1903م، ص 147.
[5] – المرجع نفسه، ص175.
[6] – Mac Michel,A history of the Arabs in the Sudan. Cambridge,1922, viol 1, P79.
[7] – التجاني مصطفي محمد صالح، دارفور الحقيقة الغائبة، المركز السوداني للخدمات الصحفية،2004م، ص98.
[8] – ابن منظور، لسان العرب، دار الفكر، بيروت، 1373هـ، ط2، ص441
[9] -محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري. دار الجيل، بيروت: باب الطاهرة،1412هـ،حديث رقم:4475.
[10] – ابن حجر العسقلاني، فتح الباري في شرح صحيح البخاري، الحلبي للنشر، القاهرة،ط2، 1312هـ،حديث رقم:4775.
[11] – فيروز أبادي، القاموس المحيط، دار العلم،بيروت،ط3، 1373هـ، ص436.
[12] – ممدوح حسين، مدخل إلى تاريخ حركة التنصير، دار عمان، عمان، ط1، 1995م، ص30.
[13] – محمد عمارة، معركة المصطلحات، دار الشروق،مشق،ط1، 1997م، ص60.
[14] – خالد نعيم، الجذور التاريخية لإرساليات التنصير، مكتبة المختار الإسلامي، القاهرة،ط1، 1988م، ص21.
[15] – ساسي سالم الحاج، الظاهرة الاستشرافية وأثرها على الدراسات الإسلامية، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1991م، ص55.
[16] – محمد الرازي، مختار الصحاح، دار العلوم،بيروت،ط2، 1986م، ص64.
[17] – سعد الله السيد صالح، التبشير الصليبي، دار الأندلس،القاهرة،ط1، 1989م، ص53.
[18] – سورة التوبة:34.
[19] – عفاف صبرة، المستشرقون ومشكلات الحضارة، مكتبة وهبة، القاهرة،ط1، 1987م، ص43.
[20] – عبد الرحمن الميداني، أجنحة المكر الثلاثة، دار القلم،دمشق،ط1، 2000م، ص49.
[21] – متى:الاصحاح28:25.
[22]– مرقس:الاصحاح16.
[23] – أبكر عبد البنات آدم، التنصير والتبشير… وسائل مختلفة لهدف واحد، الخرطوم، جامعة بحري،ط1، ص23.
[24] – مرجع سابق، ص51.
[25] -مرجع سابق، ص34.
[26]-G,Warneck,Out line of A history of the Protestant Mission,London,1906,P104.
[27] -إبراهيم عكاشة علي، أساليب العمل التنصيري، منشورات المعهد العالي، المدينة المنورة،ط1، 1406هـ، ص1.
[28] – محمود عبد الرحمن، التنصير والاستغلال السياسي، دار النفائس، بيروت، ط1، 2009م، ص85.
[29] – محمد عزت الطهطاوي، التبشير والاستعمار، المطابع الأميرية، القاهرة،1977م، ط2ص166.
[30] – مرجع سابق، ص56.
[31] – أكرم كساب التنصير: مفهومه، جذوره، أهدافه، أنواعه، وسائله، صولاته، مركز التنوير الإسلامي، دمشق، بدون تاريخ، ط1، ص56.
[32] – مرجع سابق،ص15.
[33]– محمود عبد الرحمن، التنصير والاستغلال السياسي، دار النفائس، بيروت،2009م، ط1.ص174.
[34] – خالد التميمي، التبشير في منطقة الخليج العربي، شركة كاظمة،الكويت،1999م، ط1،ص184.
[35] – مرجع سابق، ص32.
[36] – محمد عبد الفتاح عليان، أضواء على الاستشراق، دار البحوث العلمية، القاهرة،1980م، ط3، ص12.
[37] – بولس: كان يهوديا مشهورا بحقده على النصارى، وعندما تنصر أول من حرّف الإنجيل، وكان اسمه شاؤل.(ينظر عبدالوهاب1981م:حقيقة التبشير:35).
[38] – مرجع سابق، ص32.
[39] – Horner,N,A,The Gospel and Islam.p273.
[40] – مرجع سابق، ص13.
[41] – علي مشاعل، التبشير والاستشراق، مكتبة الصديق، الرياض، 2000م، ط1، ص205.
[42]– مرجع سابق، ص56.
2- علي إبراهيم النملة، التنصير: مفهومه، أهدافه، ووسائله، دار الصحوة للنشر، القاهرة،1993م، ط1، ص194.