
آليات الشرعة الدولية لحقوق الإنسان
تمَّ العمل بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية الاجتماعية والثقافية اعتبارا من 03 كانون أول 1976. أما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فلقد دخل خيز التنفيذ اعتباراً من 23 آذار 1976 مع بروتوكوله الإضافي.
وتنص المادة 28 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على إنشاء لجنة من أجل مراقبة فعالة لتطبيق مواد هذا العهد وعلى اختصاصها وعلى آليات الرقابة المتبعة من قبله، وتضيف المادة 41 ” لكل دولة طرف في هذا العهد أن تعلن في أي حين، بمقتضى أحكام هذه المادة أنها تعترف باختصاص اللجنة في استلام ودراسة بلاغات تنطوي على ادعاء دولة طرف بأن دولة طرفا أخرى لا تفي بالالتزامات التي يرتبها عليها هذا العهد.
ولقد بدأ نفاذ أحكام هذه المادة في 38 آذار 1970 وفقا لما نصت عليه فقرتها الثانية: “يبدأ نفاذ أحكام هذه المادة متى قامت عشر من الدول الإطراف في هذا العهد بإصدار إعلانات في إطار الفقرة (1) من هذه المادة”.
وبالمقابل بدأ نفاذ البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في آن واحد مع ذلك العهد، بعد أن حصل على الحد الأدنى المطلوب وقدره عشرة صكوك تصديق وانضمام.
أما البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فهو يهدف إلى العمل على إلغاء عقوبة الإعدام، حيث أنه اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 44/128 والمؤرخ بتاريخ 15 كانون الأول 1989. ودخل هذا البروتوكول حيز النفاذ: في 11 تموز 1991.
إن بدء نفاذ العهدين لم ينقص بأي حال من الأحول تأثير الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بل على العكس فان انضمام الدول إلى العهدين وما ينصان عليه من حقوق وضمانات لبني البشر استقاها من الحقوق والحريات المحددة في الإعلان، قد أضفى على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قوّة أكبر، بل أوجد آليات دولية لكفالة احترام حقوق الإنسان، نتوسع فيها كالآتي:
- 1. آليات تطبيق العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية الاجتماعية والثقافية:
تتمثل آليات تطبيق العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية الاجتماعية والثقافية بلجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإجراءات الخاصة والمقررين الخاصين نتوسع فيها كالآتي:
أ- لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية:
تمثل لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي أنشأها عام 1985 المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع لمنظمة الأمم المتحدة، الهيئة المخولة بمراقبة تطبيق العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
تتألف هذه اللجنة من ثمانية عشر خبيراً مستقلاً، يرشحهم وينتخبهم المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ويقومون بدورهم في اللجنة بصفتهم الشخصية.
وتقدم اللجنة تقريرها السنوي الذي يخص نشاطاتها ودراستها للتقارير التي يرفعها لها الدول إلى المجلس الاقتصادي الاجتماعي.
تقتصر آليات المراقبة بحسب العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الوقت الحالي على التقارير الدورية التي ترفعها الدول الأطراف فيه إلى هذه اللجنة. حيث تقوم اللجنة بدراسة تقارير الدول، التي تعكس الإجراءات المتبعة، ومدى التقدم الحاصل، والمشاكل والتحديات التي تواجهها الدولة في جلسة عامة.
ويحق للممثلين عن الدولة المعنية أن يحضروا الجلسة وأن يشاركوا في نقاش بناء، وقد يطلب منهم أن يقدموا بعض المعلومات الإضافية.
كما تأخذ اللجنة في عين الاعتبار المعلومات المتعلقة المقدمة من هيئات الأمم المتحدة الأخرى المختصة في مجالات أو خبرات معينة، وتقوم اللجنة بدعوة المنظمات غير الحكومية لتقديم تقارير خطية أو شفهية.
ومن أجل تشجيع الدول على تطبيق العهد وتنفيذ بنوده، تقوم اللجنة بمساعدة الدول الأعضاء لاسيما لما تكون المعلومات المقدمة من الدولة غير كافية للّجنة، وكانت الحالة تستدعي الاهتمام الفوري، تقوم اللجنة بطلب الإذن بإرسال بعثة لجمع المعلومات إلى الدولة المعنية. ويبقى تقرير هذه البعثة، التي تبني اللجنة عدة ملاحظات على أساسه سرياً.
ولتشجيع الدول على تقديم تقاريرها في الوقت المحدد، تقوم اللجنة بتحديد تاريخ جلسات لدراسة حالة الحقوق المذكورة بالعهد في الدول المعنية، حتى إذا لم تكن قد رفعت تقريرا. وتعتمد اللجنة في هذه الحالة على المعلومات المقدمة من مصادر مختلفة، كالمنظمات الدولية والإقليمية، والمنظمات غير حكومية.
ويحق للمنظمات الدولية أن تقدم معلومات شفوية أو خطية فيما يخص تمتع مواطني الدول الأعضاء بالحقوق المنصوص عليها في العهد. وقد مكّن هذا اللجنة من الطلب من الدول تفسيراً لما جاء في عدة تقارير قدمت من جهات أخرى بشأن أمور محددة تستدعي الاهتمام المباشر.
كما تنظم اللجنة يوماً لمناقشة الجوانب المتعلقة بحق معين من الحقوق المنصوص عليها في العهد في كل جلسة من جلساتها. ومن أهم المواضيع التي تمت مناقشتها الحق في الغذاء والصحة والتعليم ودور المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية، وحقوق كبار السن والعجزة، وحق المشاركة في الحياة الثقافية، وتأثير العولمة على التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وتعتبر هذه النقاشات مرحلة تحضيرية لوضع “تعليقات عامة”، يجري تلخيصها في تقرير اللجنة السنوي المقدم إلى المجلس الاقتصادي الاجتماعي، وتقدم اللجنة من خلال هذه “التعليقات” تأويلات معيارية للحقوق المنصوص عليها في العهد والقضايا المتعلقة بهذه الحقوق.
وتهدف هذه التعليقات لمساعدة الدول الأعضاء في استكمال التزاماتهم فيما يخص رفع التقارير، وإلى معاونتها في نشر ودعم الإنجاز التدريجي للحقوق المنصوص عليها في العهد.
كما وضحت اللجنة في “تعليقاتها العامة” رقم (3) نصان واردان في العهد يجب على الدول الأعضاء أن تتخذ بشأنهما إجراءات مباشرة، هي النصوص التي تتعلق بعدم التمييز، وتلك التي تتعلق بضرورة الالتزام باتخاذ خطوات جدية ومحسوبة وراسخة تهدف إلى تحقيق الالتزامات المنصوص عليها في العهد.
وتشير اللجنة في هذه التعليقات إلى أن على جميع الدول الأعضاء أن تؤمّن، على أقل تقدير، المستوى الأدنى من الحقوق المنصوص عليها في العهد، إلا إذا كانت الدولة قادرة على أن تبين أن الشح في الموارد يجعل تنفيذ ذلك مستحيلاً.
وقد ركزت “تعليقات عامة” أخرى على قضايا مثل السكن المقبول، والحق في التعليم الابتدائي، والحق في الحصول على الغذاء الكافي، والحق في الحصول على أعلى مستوى ممكن من الخدمات الصحية، والحق في المياه.
كما قامت اللجنة في عدد من “التعليقات العامة” بشرح طبيعة الالتزامات التي تفرض على الدولة بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وثمة ثلاثة أنواع لواجبات الدولة بإحقاق جميع حقوق الإنسان:
- الالتزام بالاحترام:
أي عدم إعاقة ممارسة الحق، كما أن الالتزام باحترام العهد يلزم الدول بالامتناع عن القيام بأي أعمال تتناقض مع نصوص العهد. فمثلاً يطالب البند رقم (14) من “التعليقات العامة” الدول باحترام الحق في الصحة عن طريق توفير الإمكانية المتساوية للجميع في الحصول على الخدمات الصحية وعدم إعاقة حصول الأفراد أو المجموعات على هذه الخدمات، والامتناع عن القيام بأي أعمال قد تؤخر الحالة الصحية للشعب (مثلاً: المستويات العالية من التلوث).
ويطالب البند رقم (7) من “التعليقات” الدول باحترام الحق بالسكن عن طريق الامتناع عن إخراج الأشخاص قصريا من أماكن سكنهم تحت أي ظرف من الظروف.
- الالتزام بالحماية:
ضمان عدم قيام الآخرين بعرقلة إحقاق الحق, وذلك من خلال وضع الأنظمة و الحلول الفعالة. فهو كذلك التزام الدول بحماية الأفراد من أي انتهاكات لحقوقهم الإنسانية يقوم بها طرف ثالث. ففيما يخص الحق بالصحة، يجب على الدولة أن تتخذ جميع الإجراءات التشريعية والإجراءات اللازمة لضمان عدم التمييز وتساوي الإمكانية في الحصول على الخدمات الصحية التي يقدمها القطاع الخاص. كما على الدولة أن تتأكد من أن المجموعات الخاصة لا تؤثر على صحة الآخرين. ووفقاً للبند الرابع من “التعليقات العامة” التي تتناول الحق في السكن، يجب على الدولة أن تحمي الأفراد من أي اضطهاد ممكن أن تقوم به أي جهات غير حكومية، حيث يجب على الدولة أن تتحرك عند حدوث أي انتهاك للتأكد من عدم حصول أي تجريد للحقوق. ولذا فإن عليها تنفيذ إجراءات فعالة لتحمي الأفراد من التحرش أو التمييز أو الحرمان من الخدمات بالإضافة إلى العديد من الأمور الأخرى.
- الالتزام بالوفاء:
ويشمل تعزيز الحقوق وتيسير الحصول عليها، وتلبية حاجات غير القادرين على تلبية حاجاتهم. وهو يفرض على الدولة أن توفر وتسهل خدمات معينة لتطبيق حق معين، فمثلاً يجب على الدولة في مجال الحق في الصحة تبني سياسة قومية للصحة والعمل على تخصيص التمويل اللازم لها، كما عليها أن تعمل على نشر الإجراءات الضرورية لتوفير الظروف اللازمة للصحة.
أما فيما يخص الحق في السكن، تستكمل الدول التزاماتها بوضع موضوع السكن في عين الاعتبار عند وضع أنظمة حكومية والإنفاق والدعم الحكومي وعدد من الأمور المتعلقة الأخرى.
وقد تمنع الأحوال الاقتصادية وبعض القضايا الأخرى من التنفيذ الفوري لبعض الحقوق المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولذلك يقر العهد بمفهوم الإنجاز التدريجي لها. ويعدد العهد وسائلاً مختلفة يجب إتباعها من قبل الدول “لتحقيق جميع الحقوق المنصوص عليها بالعهد بشكل تدريجي وكامل”.
ولقد صرحت اللجنة في “التعليقات العامة” رقم (3) بوجوب وجود “الحد الأدنى من الالتزام لدى الدول لضمان تحقيق أدنى مستوى ممكن على الأقل من الحقوق المنصوص عليها في العهد”.
ولقد عرفت اللجنة الحد الأدنى من الالتزام الذي يهدف إلى تحقيق العناصر الأساسية من كل حق، والتي يفقد العهد من دونها معناه والسبب من وراءه.
فمثلاً، تقر اللجنة فيما يخص الحق في الصحة في البند (14) من “التعليقات العامة”، بأن هذه الحق يجب أن ينجز بشكل تدريجي، ولكنها تضع عتبة في الأسفل يجب على الدول أن لا تتخطاها. فمن الواجب على الدولة أن تقدم الخدمات الصحية الأساسية، بما فيها الرعاية الصحية للأم والطفل، والتي تشمل: التطعيم، والعلاج من الأمراض والإصابات المنتشرة، والأدوية الأساسية، والظروف اللازمة للصحة؛ مثل: التثقيف الصحي، والمعرفة بأسس التغذية، والعادات الصحية الأساسية (بما فيها المياه الصالحة). وبالإضافة إلى ذلك يجب على الدولة أن تعمل على زيادة توفير الغذاء إذا لزم ذلك.
ب- الإجراءات الخاصة ووظيفة المقررين الخاصين:
تم اتخاذ إجراءات خاصة بهدف حماية نشر الحقوق الواردة في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كان من أهمها تعيين عدد من المقررين الخاصين.
فمن خلال الإجراءات الخاصة للمفوضية العليا لحقوق الإنسان تم وضع المجموعة الأولى من الإرشادات التي تحمل فكرة محددة عام 1980، وأطلق عليها اسم فريق العمل الخاص بالاختفاء القسري أو الإجباري. ويتمثل الدور الأساسي لهذا الفريق في العمل كوسيط بين عائلات المفقودين والحكومات التي تهدف إلى توضيح مكان الأشخاص المختفين. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، يعمل الفريق على تحليل حالات الاختفاء، واستلام المعلومات من المصادر الحكومية وغير الحكومية، ونقل القضايا إلى الحكومات ذات الصلة، وطلب إجراء تحقيق في هذا الشأن وتوفير الإجابات لعائلة الأشخاص المفقودين. كما يقوم فريق العمل بفحص الادعاءات ذات الطبيعة العامة التي تخص دولاً محددة، وتتدخل عند الحكومات في حالة تعّرض أقارب المفقودين أو الأشخاص الذين تعاونوا مع الفريق إلى أي تهديدات أو محاولات انتقام نتيجة لهذا التعاون. اعتبرت الحصانة أحد أهم أسباب الاختفاء، مؤكدة بذلك على ضرورة محاسبة مرتكبي الجرائم عل أفعالهم. يقدم فريق العمل خلاصات وتوصيات مفصلة في تقريره المقدم إلى المفوضية العليا لحقوق الإنسان.
أسس فريق العمل الخاص بالاعتقال التعسفي عام 1991، ليقوم بمهمة التحري عن حالات الاعتقال التعسفية أو تلك التي لا تنسجم مع المعايير الدولية ذات الصلة، والتي أقرتها الدول المعنية. تم توسيع تفويض فريق العمل عام 1997 ليشمل الأمور الإدارية الخاصة برعاية المهاجرين وطالبي اللجوء السياسي. يستلم فريق العمل القضايا ويدرسها ضمن إطار “آلية الشكاوى”، ومن ثم يتبنى الفريق “آراءً” خاصة بالحالات الفردية وينقلها إلى الحكومات المعنية. عند الحكم على حالة اعتقال بأنها حالة اعتقال تعسفي، يطلب فريق العمل من الحكومة المعنية اتخاذ الإجراءات اللازمة لإصلاح.
ثم تم تأسيس مكتب المقرر الخاص المعني بالأحكام التعسفية عام 1982، ومكتب المقرر الخاص المعني بالتعذيب عام 1985. تمتلك الآليات الأربعة السابقة خطة عمل للطوارئ تستطيع من خلالها أخذ إجراءات سريعة بشأن أي مشكلة عن طريق طلب تحرك فوري من الحكومات لتوضيح أو حل القضية.
وتتضمن “الإجراءات الخاصة” الأخرى الممثلين المعنيين بالمشردين الداخليين، بيع ودعارة الأطفال واستخدامهم في العروض الإباحية، الأطفال في النزاعات المسلحة، استقلال ونزاهة القضاء والمحلفين والمستشارين واستقلال المحامين، القضاء على العنف ضد النساء، الأشكال المعاصرة من العنصرية، والتمييز العنصري، وكراهية الأجانب، والتعصب، التعصب الديني، الحرية الرأي والتعبير، حقوق المدافعين عن حقوق الإنسان … إلى ما هنالك.
كما تحمل التفويضات أفكاراً رئيسية تتعلق بالاقتصاد والحقوق الاجتماعية والثقافية بما فيها الحق في التعليم، والإسكان، والغذاء، والتحرر من الفقر المدقع، بالإضافة إلى أمور أخرى كالحق في التنمية، والتعديلات البنيوية والدين الأجنبي…، وفي كل حالة يتم التعامل مع الفكرتين الأخيرتين بآلية ثنائية تتألف من خبير مستقل وفريق عمل متعدد الجنسيات مفتوح لجميع الدول والمراقبين من المنظمات غير الحكومية.
2- آليات تطبيق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية:
ينص البند 28 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على إنشاء لجنة لحقوق الإنسان تتألف من ثمانية عشر خبيراً مستقلاً، ترشحهم الدول الأعضاء في العهد، ويعمل هؤلاء الأعضاء بصفتهم الشخصية أي أنهم لا يمثلون الدولالتي رشحتهم.
تراقب اللجنة التي تعقد ثلاث اجتماعات منتظمة كل سنة تنفيذ العهد بعدة طرق. فهي تقوم بدراسة التقاريرالدورية التي تقدمها الدول الأعضاء عن مدى التزامها بالعهد (البند 40). ويجب أن تقدم الدولة هذا التقرير خلال عام من تاريخ انضمامها للعهد، ومن ثم في أي وقت تتطلبه اللجنة.
كما تقوم اللجنة بدراسة التقرير في جلسة عامة وبحضور ممثلين عن الدولة تجري دعوتهم في حال كانت هناك حاجة لتقديم معلومات إضافية. تقوم اللجنة بعد ذلك بوضع ملاحظاتها النهائية في جلسة مغلقة، وتعكس هذه الملاحظات الأمور التي كانت موضع نقاش والاقتراحات والتوصيات بشأن إمكانية تطبيق الدولة العهد بشكل أفضل.
قامت اللجنة بوضع إجراءات جديدة لزيادة فاعلية آلية دراسة تقارير الدول وآليات المتابعة. حيث أصبح يحق للجنة منذ عام 2001 أن تحدد أولويات معينة تستدعي الاهتمام وتتطلب تفسيراً من الدولة المعنية، التي عليها بدورها أن ترد عليها خلال عام.
كما يحق للجنة أن تلجأإلى مصادر أخرى في تجميع التقرير في حالة امتنعت الدولة عن تقديم تقريرها. ولا يشارك أعضاء اللجنة في دراسة تقارير الدولة التي يحملون جنسيتها، أو في وضع الملاحظات الختامية الخاصة بها.
بينما يحق للمنظمات غير الحكومية أن تشارك في اجتماعات مجموعات العمل التي تعقدها اللجنة قبل كل جلسة، بهدف تحضير الأسئلة التي تساعد على توجيه دراسة التقرير. كما يحق لهذه المنظمات أن تقدم تعليقات ومعلومات إضافية عن التقرير قبل أن يجري دراسته في اللجنة.
كما تقوم اللجنة بإرشاد الدول في تحضيرها للتقرير وإيفائها بالتزاماتها المنصوص عليها في العهد، إلى تأويل معنى ومضمون بعض البنود في العهد.
أبعد من ذبك يحق للجنة أن تنظرفي شكوى دولة ضد أخرى، على أن تكون الدولتان وافقتا علنياً على أن تقوم اللجنةبهذا الدور، بموجب الفقرة 41.
ويجب التذكير في الأخير بأن اللجنة تقدم تقارير سنوية عن عملها للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة بواسطة المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
- · مدى فاعليةعملية رفع التقارير في العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسيةوالمدنية:
نظراً لأن لجنة حقوق الإنسان لا تمتلك الصلاحية لاتخاذ أية إجراءات رسمية أخرى بعد إعطاء ملاحظاتها، تعتمد سلطتها في الدفاع عن حقوق الإنسان على التزام الدول بما جاء في العهد.
ولكن تبقى هناك القيمة الاقناعية لدراسة التقارير في جلسة عامة، حيث أن الدول عادة ماتكون حساسة تجاه كشف أدائها في مجال حقوق الإنسان. وبالإضافة إلى ذلك، فإن هدف اللجنة الأساسي هو تحسين الحوار البناء مع الدول، وبالتالي نشر التزام الدول بنصوص العهد.
تتجاوب العديد من الدول مع ملاحظات وتوصيات اللجنة، فقد أبطلت سويسرا قراراً فدرالياً خاص بالخطابات السياسية، كان يحد من حرية الأجانب الذين لا يملكون إقامة دائمة في التعبير.
كما عدلت نيوزلندا بعض القوانين المتعلقة بالأراضي المحلية والحق في المصادر، ووفرت الأموال العاملة لتحقيق هذه الغاية، وبالتالي فإنها قامت بالدفاع عن حقوق شعب الماوري بحسب العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية.
وجرى في المملكة المتحدة باتخاذ عدة خطوات لمكافحة أي نوع من أنواع التمييز القائم على أساس الجنس والعرق في العديد من المناطق غير المستقلة، كما قامت باتخاذ إجراءات تهدف إلى إلغاء الفروق بين حقوق الأطفال المولودين داخل وخارج مؤسسة الزواج.
كما عدلت السويد لضمان توفير التعليم الابتدائي والإعدادي والحضانة والخدمات الصحية للأطفال الذين يطلبون اللجوء، بحيث سوت حقوقهم مع الأطفال الذين يقيمون في السويد.
سلطة لجنةحقوق الإنسان النظر في الشكاوى المقدمة من الأفراد:
تستطيع لجنة حقوق الإنسان بحسب نصوص البروتوكول الاختياري الأول الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، أن تتلقى الشكاوى المعروفة “بالمراسلات” من الأفراد الذين يزعمون أن هناك انتهاكاً لحقوقهم التي ينص عليها العهد، على شرط أن تكون الدولة المعنية قد صادقتعلى هذا البروتوكول.
وتقدم الشكاوى عن طريق تقديم مراسلات مكتوبة للجنة. كما يمكن أن يقدم ممثل عن الضحية عرضاً يشرح فيه الحالة إذا لم يكن الشخص المعني قادراً على مناشدة اللجنة.
تقوم اللجنة بدراسة القضية على أساس إمكانية قبولها ومن ثم خصائصها في جلسات مغلقة، لا يحضرها إلا أعضاء اللجنة. وحتى يتم قبول القضية، يجب أن لا تكون مقدمة من مجهول، وأن لا تنتهكأياً من الإجراءات، وأن لا تكون محل نظر في أي من الهيئات الدولية الأخرى، وأن تكون قد استنفذت جميع وسائل الطعن المحلية.
تتمتع اللجنة بصلاحية لفت نظر الدولة المعنية إلى الشكوى المقدمة، بعد أن تقوم بدراستها بشكلسري. وتتعهد الدولة بدورها بتزويد اللجنة خلال ستة أشهر بتفسير كتابي للمسألة وطريقة حلها إن وجدت.
وتأخذ الدولة في عين الاعتبار جميع المعلومات الكتابية المقدمة من الشخص المتقدم بالشكوى، والضحية المزعومة، والدولة المعنية، ومن ثم تتبنى آراءً معينة بشأن خصائص هذه القضية وترسلها إلى المتقدم بالشكوى والدولة المعنية. تعلن اللجنة قراراتها وآرائها على الملأ، وتتوقع من الدول أن تتصرفبموجبها.
- · التزام الدول بآراء لجنة حقوق الإنسان:
تعبر لجنة حقوق الإنسان عن آرائها بشكل قرارات قانونية، ولكنها في نفس الوقت لا تمتلك آليات قانونية لفرضتنفيذ هذه القرارات، أي أن مسؤولية تنفيذ هذه القرارات تقع على عاتق الدولة نفسها.
وتلتزم الدول بهذه القرارات لعدة أسباب منها رغبتها الحقيقية في استيفاء جميع التزاماتها بموجب العهد، ورغبتها في تحسين صورتها الدولية. وفي حالة عدم تنفيذ قرار اللجنة، تبدي الدول في كثير من الأحيان تردداً في عدم تنفيذه أو يكون عدم تنفيذها له جزئياً.
ففي قضية رفعت ضد هولندا، رأت اللجنة فيها أن هناك انتهاكاً لحقوق الإنسان، قامت هولندا ومن منطلق “احترام اللجنة” بدفع تعويض للمشتكي بالتراضي، مع أنها لم توافقها اللجنة الرأي.
كما أن هناك العديد من الحالات التي التزمت فيها الدول بآراء اللجنة. فقد قامت فنلندا بمراجعة قانون الأجانب لتصبح النصوص الحاكمة لاعتقالهم متوافقة مع العهد وآراء اللجنة، كما قامت بدفع التعويضات للضحية. وهناك أيضاً العديد من الأمثلة على الدول التي استجابت لآراء اللجنة منها كندا وكولومبيا والأكوادور وبيرو وترينيداد وتوباغو.
ومن جهة أخرى قامت اللجنة بتعيين مقرر في نظامها الداخلي، ليقوم بطلب معلومات كتابية من الدول الأعضاء عن أية إجراءات تتخذ لتنفيذ آراء اللجنة، وذلك بهدف تعزيز الالتزام بآراء اللجنة.
3- آليات تطبيق العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية الاجتماعية والثقافية:
اعتمد العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام في 16 ديسمبر 1966، وأصبح ساري المفعول اعتباراً من 3 يناير 1976. ويلزم هذا العهد كل الدول الأطراف فيه كما رأينا بالمحاضرات السابقة، بالعمل على منح الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكافة الأفراد، ومن أبرزها حقوق العمل والصحة والتعليم والمعيشة اللائقة.
ومن اجل ضمان تنفيذ أحكامه ومتابعة مدى التزام الدول الأطراف بالتزاماتها، تم إنشاء اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية بدلا من المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة والذي كان يمثل – بلا أدنى شك- نقطة ضعف تحول دون إنفاذ الحقوق الواردة فيه.
ولقد أصدرت هذه اللجنة عددا من التعليقات العامة حول تعهدات الدول الأطراف، وآليات التطبيق المحلى للعهد، ومحتوى الحقوق الواردة به، سندرجها كملحق لهذه المحاضرات؛ كما تم إقرار البرتوكول الاختياري الأول الملحق بهذا العهد في عام 2008، والذي يتيح للأفراد والجماعات تقديم شكاوى ضد انتهاكات الدول للحقوق المضمونة فيه[1].
وسنتوسع في هاتين الآليتين الدوليتين كالآتي:
1-اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية:
من أهم الآليات التي تم إقرارها للحرص علي تطبيق ما جاء بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، هو تأسيس “لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية” وهي تتشكل من خبراء مستقلين تتابع تطبيق العهد من قبل الدول الأعضاء فيه.
ولقد تأسست هذه اللجنة بموجب قرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي رقم 1985/17 بتاريخ 28 مايو/أيار 1985 للقيام بمهام المتابعة الموكلة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة بموجب الجزء الرابع من العهد. وجميع الدول الأعضاء في هذا العهد ملزمة بتقديم تقارير منتظمة عن كيفية تطبيق الحقوق الواردة فيه إليها.
كما تم تكليف هذه اللجنة بمساعدة المجلس الاقتصادي والاجتماعي في المهام الموضوعية التي أسندها إليها العهد. ويتمثل دورها بصورة خاصة في فحص تقارير الدول الأطراف وتقديم اقتراحات وتوصيات ذات طبيعة عامة، بما فيها اقتراحات وتوصيات تتعلق بامتثال الدول الأطراف بصورة أكمل للعهد.
وعملا بالمادتين 22 و23 من العهد للجنة أن تستكشف مع أجهزة أخرى تابعة للأمم المتحدة والوكالات المتخصصة وغيرها من المنظمات المعنية، إمكانات اتخاذ تدابير دولية إضافية من المحتمل أن تساهم في التنفيذ التدريجي للعهد.
2-البرتوكول الاختياري الأول الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية:
من أجل إنفاذ وتطبيق العهد بصورة أكثر فاعلية استتبع إقرار بروتوكول اختياري اعتمده مجلس حقوق الإنسان في 18 يونيو 2008.[2]
وتأتي أهمية هذا البروتوكول أنه يوفر نظاما للشكاوى والتظلمات من انتهاكات هذه الحقوق أمام اللجنة المعنية، حيث يكفل للأفراد الذين تنتهك حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية التقدم ببلاغات ضد دولهم أو الدول التي لم تفلح آلياتها الداخلية في رفع هذا الضرر أو كف الانتهاك الذي قد يتعرض له أي شخص سواء كان من مواطني هذه الدولة من عدمه بشرط أن تكون من الدول الموقعة علي هذا البروتوكول.
كما يتيح للدول رفع شكاوى في حقها أمام اللجنة المعنية بشرط أن تكون الدولة الأخرى منضمة للبروتوكول وتسمح بالمثل برفع شكاوى من المواطنين أو الدول الأخرى المنضمة ضدها.
هذا وقد “كُتبت آراء كثيرة تناهض هذا البروتوكول، وتناهض بشكل عام المحاولات المختلفة لإدراج الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ضمن الموضوعات التي يمكن التظلم من انتهاكها أمام المحاكم الوطنية أو الهيئات الدولية شبه القضائية.[3] من أبرز هذه الكتابات في الدوائر الأكاديمية والرسمية تصريحات المندوبين الرسميين للولايات المتحدة الأمريكية[4] في أكثر من مناسبة وخاصة أمام مجموعة العمل المعنية بتبني بروتوكول اختياري للعهد عام 2006.[5]
ومن الجدير بالذكر أن موضوع قابلية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للتقاضي فرض نفسه بقوة خاصة على الساحة الدولية منذ تسعينيات القرن العشرين، وخاصة بعد تقديم اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الأمم المتحدة عام 1997 مشروع لإنشاء هذا البروتوكول الاختياري كآلية شكاوى، وتعتبر الانتقادات الكثيرة التي لاقاها هذا المشروع في جوهرها آراء معادية لاعتبار الحقوق الاقتصادية الاجتماعية مادة قابلة للتقاضي بل واعتبارها حقوقا من الأساس [6].
وبالرغم أن هناك بالفعل آليات إقليمية مثل اللجنة الأوروبية للحقوق الاجتماعية، واللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان، واللجنة الأمريكية لحقوق الإنسان[7]. كذلك، توجد آليات تحكيم دولية تتناول أحيانا قضايا تمس الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مثل المركز الدولي لتسوية نزاعات الاستثمار لكن هذه الآليات موضوعها الأساسي ليس حقوق الإنسان، وإن كان بعض الحقوقيين يدعونها لأخذ القانون الدولي لحقوق الإنسان في الاعتبار وهي تمارس عملها.[8]
إلا أن قيام لجنة كاللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية في الأمم المتحدة بنظر الشكاوى والبت فيها سيشكل إضافة مهمة لاسيما عن طريق الأحكام التي سيصدرها خبرائها والتي يمكن الاستفادة بها في تطوير الفقه القانوني المحلي بخصوص هذه الحقوق.
[1] للاطلاع على نص البرتوكول: http://www.arabhumanrights.org/publications/cbased/ga/covenant-escr-protocol08a.pdf
[2] تنص المادة 18 من هذا البرتوكول: ١ – يبدأ نفاذ هذا البروتوكول بعد ثلاثة أشهر من تاريخ إيداع صك التصديق أو الانضمام العاشر لدى الأمين العام للأمم المتحدة. ٢ – يبدأ نفاذ هذا البروتوكول بالنسبة لكل دولة تصدق عليه أو تنضم إليه بعد إيداع صك التصديق أو الانضمام العاشر، وذلك بعد م ضي ثلاثة أشهر من تاريخ إيداع صك تصديقها أو انضمامها.
[3] تعتبر اللجان الدولية مثل اللجنتين المعنيتين بمتابعة الالتزام بالعهدين الدوليين أو لجان منظمة العمل الدولية كلجنة الحرية النقابية ولجنة الخبراء هيئات شبه قضائية لأنها تقوم بسماع الشكاوى من مواطن الدول المختلفة والبت فيها وتحديد الحل الأمثل لها، لكن أحكامها (عادة ما يطلق عليها آراء أو توصيات) تفتقر للقابلية للتنفيذ التي تتمتع بها الهيئات القضائية الوطنية.
[4] انظر وثيقة رقم E/CN.4/2006/47 من وثائق الأمم المتحدة، الفقرات 18 و68 و124.
عارضت الولايات المتحدة إنشاء البروتوكول أما مصر فقبلت إنشاء البروتوكول من حيث المبدأ لكنها اشترطت عدم السماح للجنة بإجراء تحقيقات (انظر الفقرة 78).
[5] راجع إلهام عيداروس مقاله بعنوان دعوة للإنضمام للبروتوكول الإختيارى الأول للعهد الدولى للحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية – مجله العدالة والحرية – الصادرة عن المركز المصرى للحقوق الإقتصادية والإجتماعية – العدد الأول .
[6] تقرير اجتماع مجموعة العمل المعنية بالنظر في البدائل المختلفة بخصوص إنشاء بروتوكول اختياري للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في 14 مارس 2006، وثيقة رقم E/CN.4/1997/105 من وثائق الأمم المتحدة.
[7] وإن كان عملها يقتصر على بعض الحقوق الاقتصادية والاجتماعية المنصوص عليها في بروتوكول سان سالفادور وليس نصوصه جميعا.
[8] انظر على سبيل المثال: منظمة العفو الدولية، CONTRACTING OUT OF HUMAN RIGHTS, The Chad–Cameroon pipeline project، 2005.
مبارك هذا الجهد اللهم اجعلة صدقة جارية (علم ينتفع بة )
ومن الله التوفيق والنجاح