أقام قسم الدراسات الأدبية والفكرية بمركز جيل البحث العلمي وتحت إشراف رئيسته الأستاذة الدكتورة سرور طالبي ندوة علمية افتراضية عشية يوم الخميس 11 فبراير 2021 على تمام الساعة السادسة ونصف بتوقيت الجزائر، احتفاءً برئيس اللجنة العلمية في مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية الناقد الجزائري الأستاذ الدكتور الطاهر رواينية، وبمنجزه النقدي الكبير والموسوم بـ” الخطاب الروائي المغاربي الجديد: دراسة في سردية آليات المحكي”، وذلك بإدارة رئيسة تحريرها الدكتورة غزلان هاشمي وبمساعدة تنظيمية من الباحث الجزائري القاص عدنان لكناوي، و قد أسهمت أسماء نقدية جزائرية في محاورة الكتاب معرفيا ومساءلة إشكالاته، تمثلت في: أ.د.آمنة بلعلي من جامعة تيزي وزو، أ.د.سليمة لوكام من جامعة سوق أهراس وأ.د.اليامين بن تومي من جامعة سطيف .
افتُتِحت الندوة بكلمة ترحيبية من رئيسة المركز الأستاذة سرور بكل الحضور وخاصة بالأستاذ رواينية، حيث ثمنت فيها جهوده في الإشراف على اللجنة العلمية التحكيمية للمجلة وعلى رئيسة تحريريها منذ تاريخ تأسيسها، شاكرة تعاونه المعرفي وسعيه الحثيث في إنجاح أعدادها، مؤكدة على أن هذه الندوة هي تكريما له واحتفاء بمنجزاته العلمية والمعرفية، كما رحبت بالأسماء النقدية الجزائرية الفذة المشاركة في مناقشة كتابه.
بدورها رحبت الدكتورة غزلان بالحضور ،ثم قدمت المحتفى به بقولها:” الحقيقة أن تقديم قامة نقدية مهمة بحجم الأستاذ الدكتور الطاهر رواينية صعب جدا، كونه مرجعا مهما في الدراسات السردية والنقدية على المستوى المغاربي والعربي وكونه أستاذنا قبل كل شيء يجعل الكلام عنه وحوله ..عن كتاباته وحولها مسيجة بالدهشة والتوقير الذي يخالجه الحياء، ولأنني اليوم أمام قامات علمية تحاور كتابه وفق منطق الائتلاف أو الاختلاف يصبح الكلام في حضرتها أصعب فأصعب ، لذلك سأكون ضيفة اليوم مستمتعة بما سيقال مستفيدة مما سيناقش، وعليه أحيل الكلمة مباشرة لأستاذي من أجل تقديم رؤيته النقدية التي بثها في ثنايا كتابه ” الخطاب الروائي المغاربي الجديد: دراسة في سردية آليات المحكي” ، قبل أن أحيل الكلمة إلى المتدخلين” .
أحالت الكلمة بعدها للأستاذ الدكتور الطاهر رواينية الذي قدم ملخصا حاول فيه الإحاطة بمحتويات كتابه، إذ بين أن اهتمامه بالرواية المغاربية المعاصرة نظرا لما تميزت به من تفرد، ولتطرفها بالنزعة الحداثية ومابعد الحداثية، والعمل على خلخلة قيمها وارتكازها على الخرق والإدهاش والحيرة التي تؤسس لتجريبيتها، ناهيك عن ارتباطها بالمناهج النقدية المعاصرة وانفتاحها عليها، والتي تلامس تحولات هذا الجنس الأدبي، وتؤكد فرادته وجدته من خلال خلخلة القيم الجمالية ابتداء من رواية حدث أبو هريرة قال للكاتب التونسي محمود المسعدي، فالتعالي الشكلاني والموضوعاتي سمة هذه النصوص ، والتجاوز والإلغاز أهم ارتكازاتها
وقد بين الأستاذ رواينية أن التجاوز والعدول ما يجمع هذه النصوص الروائية الكثيرة رغم اختلاف المرجعيات والمنطلقات والمنظورات الجمالية، إذ لا تشكل مدرسة واحدة وإنما اتجاها واحدا، فمهنم من يستعير خطوات الرواية الفرنسية الجديدة من ناحية النزوع نحو التعقيد في تقنيات الكتابة كبوجدرة والعروي، ومنهم من يحاول تجاوزها باستثمار رصيدهم المعرفي والجمالي، وإحداث تعالق مع النصوص التراثية العربية مثل واسيني الأعرج وفرج الحوار… منهم من يزاوج بين ما هو سردي وما هو معرفي وجمالي ،كمحمد برادة والحوار، ومنهم من يستثمر الخرافي والعجائبي كالميلودي شغموم …، وقد بين الناقد مرجعياته النقدية من خلال إيراد العديد من الأسماء العلمية التي عول على نتاجاتها في مجال السرديات في قراءة هذه النصوص الروائية التي زاوجت حسب قوله بين ما هو نظري وما هو نصاني تطبيقي في قراءة آليات المحكي الروائي، إذ تنطلق مما هو إجرائي لتكشف عما هو دلالي معولة على التأويل المجاوز للصرامة المنهجية .
قدم الأستاذ رواينية ملخصا حول فصول الكتاب ،فالفصل الأول كان نظريا اختص بموضوع السرديات، لينهيه بالحديث عن تلقي النقد الروائي المغاربي للسرديات ،بينما الفصل الثاني فخصصه للشخصية وتحولات المحكي الروائي الجديد، وتناول انطلاقا من ذلك روايات عدة مثل :رواية الفريق للعروي ورواية نصيبي من الأفق لعبد القادر بن الشيخ والتفكك لرشيد بوجدرة … وأما الفصل الثالث فدرس فيه الفضاء الروائي وتحولاته المفهومية ،وعلاقته بالوصف سيميائيا، بينما الفصل الرابع فتناول فيه الزمن الروائي وآلية السرد ،ليورد في خاتمة الكتاب حديثا عن آفاق تلقي النقد الروائي المغاربي للسرديات وتطبيقاتها على النصوص السردية استيعابا وتجاوزا وتعديلا .
أحالت الدكتورة غزلان الكلمة للمحاضرة الأولى : أ.د. آمنة بلعلي والتي قدمت مداخلة موسومة بـ”إكراهات المنهج وسؤال التنظير” ، قالت فيها أنها كانت تتمثله كرولان بارط نظرا لتمثله للمناهج النقدية وعيا وتطبيقا، وإلمامه بمختلف النماذج الروائية العربية والمغاربية خاصة، إذ يعد كتابه “منعطفا من منعطفات النقد المغاربي والجزائري، لا نجد له مثالا منذ تمثلنا النماذج وحاولنا تطبيقها ،فقد واكب الثورة المنهجية في الجزائر والمغرب العربي، والكتاب يختلف عن كتب العامة التي تؤرخ للرواية المغاربية ومدارسها واتجاهاتها … وكذا عن الكتب التجزيئية التي تعول على منهج واحد أو جزئية واحدة أو رواية واحدة ..، فقد جمع بين التنظير والتطبيق ،واعتمد على الكليات وأعطى وجهة نظره في التراث السردي العظيم ليس بطريقة إسقاطية تعسفية على النصوص ـ في تطبيق المنهج ـ
وحسب قولها ، فقد برر الأستاذ رواينية اختياره للروايات كونها تلامس الحداثة وتطور المناهج عند الغرب، لكن يهشم هذه الرؤية حينما يحدثنا عن الدهشة في رواية حدث أبو هريرة قال..، وكأنه يبشر بمركزية جديدة مقابل مركزيتين الغربية والمشرقية .. والتي ظلت تغذي وعينا النظري لعقود ..، حيث برر اختياره لبداية مركزية مغاربية تختلف عن مثيلاتها المشرقية …، ورغم أن الكتاب ارتبط بإكراهات المناهج الغربية ، لكن لا يعني أنه عبارة عن إسقاطات للمنظومة النقدية الاصطلاحية على التحليل المقدم، بل أنه يقوض الكثير من المفاهيم التي استثمرها ويتتبعه ويفككه ..ليستثمر مايراه مناسبا للرواية ، وكأنه يحاول الإجابة عن سؤال معرفي مضمر : هل نملك نقدا مغاربيا ؟وماهويته ؟ “
هذا وبينت الأستاذة بلعلي أن الناقد يؤكد على التأويل ويمارسه مع كل رواية تفاديا السقوط في الآليات الإجرائية، التي تنتج نسخا متشابهة في نقودنا المختلفة، وكثيرا ما يستقي بدائل مفاهيمية من المدونة في حد ذاتها وليست من الدراسات السردية، وينحو منحى حجاجيا، وقد تمنت لو عنون خطته بمنظومة مصطلحية تدل على الدراسات المحايثة .
هذا وقدمت بعدها أ.د. سليمة لوكام مداخلة تحت عنوان “الخطاب الروائي المغاربي الجديد للطاهر رواينية بين العرض النظري والإجراء ـ قراءة في التلقي”، قالت فيها أن هذا الكتاب يؤسس أرضية نقدية في الدراسات السردية، حيث قدمت ملخصا حول مضمونه …، وبينت أنه يعلن عن رفضه التموقع في الحدود الشكلية الصيغية، وإيثار الصرامة المنهجية، فقد رام تحديد المنظومة الروائية دون ارتهان لمرجعية سردية غربية أحادية النظرة، مجاوزا الرصد والتحليل …، فهو ينحو منحى تأويليا ، ويحاول رسم حدود المساحة التي يتحرك فيها … تعامل مع جملة مقولات ومفاهيم نظرية … قبل ارتياد عوالم الرواية مساءلة وتطبيقا …، مع التركيز على ما يحقق تفرد هذه الروايات، من خلال استنطاق البنيات الجمالية النصية …، إذ تجد الأستاذة لوكام أن القارئ وجب أن يكون متسع المعارف يملك عدة نقدية وإلا شوش عليه الكتاب بسبب نخبويته، هذا ووجدت أنه يحتفى بالمنجز البارطي ويتفاعل مع مقولاته أكثر ..، ومن خلال التسمية والتشخيص فيها نلمح مرجعيته النقدية وهي كتابات بارط، ونجد طريقة مختلفة في الاستنطاق، فهو لم يرتهن للمقولات والمفاهيم الجاهزة منشغلا بتفجير طاقات النص .
قدم أ.د.اليامين بن تومي مداخلة موسومة بـ”الدراسات السردية المغاربية التقاسيم والتفاصيل”، قال فيها :”أشعر أني أمام قامة نقدية، فهو أبي الروحي الذي نهلت من كتاباته، وهو عقل الجزائر لما يقدمه من أبحاث رصينة ومقالات جديدة، فقد تناول قضايا تأسيسية الاستشكال النظري حول السردية في درسها الغربي: الشخصية الفضاء المكان والممارسات التطبيقية …، فالاحتفاء بقراءة كتاباته وإيجاد مخرجات جديدة لهذه القراءة وأن نذهب بالكتاب بعيدا لا أن ننشغل بالقراءة التوصيفية الوصفية هو الأهم، فقد اكتشفت من الكتاب أن الشخصية الجزائرية مضيافة لأنه لم يحصره في كتابات الجزائريين، بل انشغل بالكتابات الأخرى الغيرية التونسية والمغربية …وهذا ما يؤسس للمخيال الموعود الذي عجزت عنه السياسة، إذ قد قدم بجلال سمات اتحاد مغاربي فشل على الواقع لكن الأستاذ رواينية استطاع تحقيقه نقديا ..، متمثلا قول إدوارد سعيد، الأفكار الكبيرة تصنعها النصوص الكبيرة، فاللحظة المغاربية الأقدر على الانخراط في الأسئلة التي تطرحها الحداثة وما بعد الحداثة، لهذا استوعب المتخيل المغاربي داخل منظومة نقدية سردية غربية “.
وحسب قوله الناقد يعرض النظريات ويستشكلها ويوسعها مع ما يتساوق والنص المغاربي، فالسرديات التوسعية هي التي تخلص الاتحاد المغاربي من الانغلاق …فقد بحث عن الشخصية المغاربية في عدد من الروايات المغاربية ليتولد الشخصية المغاربية التوسعية …، إذ انطلق من النص ليكون رؤية مفهومية جديدة يحاول أن يؤثث من خلالها المسانيد النظرية المغلقة . فهو إذن يقدم وعيا جديدا للتنظيرات، فالقيمة التفكرية موجودة داخل النظرية السردية لذلك لا نجده كعارض أو واصف، بل كمراجع لمقولاته وكمستشكل، هذا وآخذه على التقليل من النماذج الجزائرية، إذ حسب قوله ركز على النصوص المغربية والتونسية.كما طرح تساؤلا مفاده: لماذا لم يحتكم لآراء الفيلسوف بول ريكور في نقده للبنيوية والبنيوية الشكلانية ؟
وضح الناقد بن تومي أن القطيعة المعرفية بين الشخصية المغربية والشخصية المشرقية تحددت ملامحها في العديد من التيمات، الفردانية والشخصانية سقطتا في فخ التشيء، لكن الرواية لم تعد تحتفي بالفرد وإنما بالشخصي، هذا أجاب عنه حسب قوله في اختياراته وتأويلياته وحديثه عن الشخصيات على فضاء الهامش، من خلال انتقاد العقلية الذكورية المتغلغلة عبر التاريخ..، وكذا الفضاء فقد انتصر لفضاء المدينة …، هذا وختم مداخلته بالقول:”وجدت قيما تعبيرية …أوعزت إلي وأحالتني للاعتراف أني بصدد عقل منظر ولست بصدد عقل واصف، إذ نجد في كتابه قوة الاقتراح من خلال تقديم البديل الاصطلاحي والنقدي، فالمرجعيات التي تتوضح من خلال الهوامش توضح أنه أعاد انتاجها ومراجعتها” .
شكر الأستاذ الدكتور الطاهر رواينية المحاضرين على قراءاتهم الواعية والمستكشفة، عقب على بعض ما ورد في تدخل المحاضرين، مبينا مرتكزاته المنهجية التي عول عليها ،مبررا استخدامه للتأويل رافضا المدرسية، إذ بين أنه لا يركن إلى ما هو ثابت ما هو مقولب وجاهزي، خاصة وأن الخطاب الأدبي متخيل يذهب مذاهب شتى ،ويذهب إلى تجاوز ذاته دائما ..،كينونة النص المعاصر القائمة على تيمة التجاوز تفترض هذا التعدد الإجرائي..، مبررا اختياره حدث أبو هريرة قال كبدء أو كمرجع تأسيسي لجملة مختاراته بناء على حجج موضوعاتية وشكلية أيضا قائمة على الخرق والتجديد …، وقد برر تساؤل الأستاذ بن تومي وقال أنه عاد إلى بول ريكور قبل أن يترجم وسيجد ذلك في الكتاب في محطات مختلفة، هذا وبينت الأستاذة لوكام أن الأستاذ رواينية هو أول من عاد للمناهج النقدية دون مدرستها،كما وسمته بأنه كيليطو الجزائر انطلاقا من دراسات عميقة، هذا وقدمت الأستاذة الدكتورة فطومة لحمادي تدخلا من خلاله قولها عن الكتاب أنه ينفتح على المناهج النقدية وعلى استشكالاته، فهو يمثل فسيفساء عبر تخصصي وعبر نقدي، لتطرح تساؤلها :ما رأيك في النص السردي الرقمي؟ حيث رد عليها الناقد أن لديه موقف من هذا النص، فهو متعدد المؤلفين إذ لا يعده محققا تفردا ما، لكن إذا كان في هذه النصوص ما يحقق المتعة الأدبية فلا بأس من اعتماده حسب قوله، تدخل د. نبيل محمد صغير ، حيث بين أن الكتاب ككل الكتب المغاربية انتشر كثيرا، واستغرب كيف أن الطلبة والأساتذة لم يصلوا لهذا الكتاب ؟ لماذا هذا التغييب لكتب النقد الجزائري وما سبل الخروج من هذا التقوقع والتهميش؟
ختمت الدكتورة غزلان الندوة بشكرها الحاضرين والمحاضرين والمتدخلين قائلة :”في اجتماعنا المعرفي اليوم ناقشنا كتابا لأحد الصروح النقدية الجزائرية والعربية، والذي جاوز فيه القراءات الكلاسيكية من خلال التأويليات العميقة والمزاوجة بين المساءلة للمفاهيم المستعارة والتأسيس، ففي مفهوم التجاوز استنطاق ومساءلة ووقوف على أرضية الاختلاف والمغايرة، ونبذ لثقافة المطابقة في سبيل إنجازية نقدية أو هوية معرفية مغاربية، شكرا لأستاذي الفاضل على صبره وعلى هذه المناقشة الماتعة، شكرا لكل الرائعين الذي حاضروا وحاوروا الكتاب فأمتعونا وأفادونا أساتذتي الأفاضل: د.آمنة، د.سليمة، د.اليامين ، شكرا للحضور الكريم، على أمل لقياكم الأسبوع المقبل بحول الله لمناقشة كتاب آخر لأحد أفراد أسرة مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية والسلام عليكم “.
الرابط المباشر لحضور الندوة: https://youtu.be/TUDf7t_90gY