
أثر التنشئة الدينية في تقويم المسار العلمي للمتمدرس في ظل التحديات التي يواجهها الوسط التعليمي الجزائري
The effect of Islamic education in correcting the student’s scientific path in light of the challenges that the Algerian educational milieu faces
د.سليم عمري/ الجامعة الإسلامية العالمية، ماليزيا
D.Salim Amri / International Islamic University, Malaysia
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 69 الصفحة 99.
Abstract :
This research is an answer to some questions about the role of religious upbringing in educating and modifying the scientific path of the Algerian student in his various educational stages from primary to intermediate to secondary, even university level, by shedding light on the aspects that education is a light for it to reveal its symbols and remove the darkness from it through Its multiple fields, for all ages, starting from the family to the mosque, public libraries and Quranic schools, and the extent of the effectiveness of these methods in containing everything that would control the student’s culture and straighten the learner’s religious path by providing him the foundations for correct behavior and sober morals that stem from the Sharia of the Chosen One, and providing him with the scientific weapon The true and correct legal increase in the face of any Western cultural invasion whose purpose is to corrupt morals or throw arrows of sedition and the openness claim that has no purpose other than raising a student on a morally decadent Western template saturated with the insolubility of the decadent culture, where all the mechanisms on which the various religious media depend at the level of Around the Algerian country in facing the challenges that the school community faces, and to clarify how religious upbringing monitors individual behavior in its dealings. it continues with him an inexhaustible resource, as well as mentioning some of the living examples that were pioneered in winning the good purpose and successes in all fields due to this sober building, with some recommendations mentioned.
key words: The educational milieu, Islamic education, challenges, and means of religious education.
ملخص:
هذا البحث عبارة عن إجابة لبعض التساؤلات حول دور التنشئة الدينية في تثقيف وتعديل المسار العلمي للطالب الجزائري في شتى أطواره التعليمية من الابتدائي إلى المتوسط إلى الثانوي، حتى المرحلة الجامعية من خلال تسليط الضوء على الجوانب التي تكون التربية نورا لها لكشف رموزها وإزاحة الظلمة عنها من خلال الوسائط المتعددة، لكل الاعمار بداية من الأسرة إلى المسجد والمكتبات العمومية والمدارس القرآنية، ومدى نجاعة هذه الوسائل في احتواء كل ما من شأنه أن يضبط ثقافة الطالب، ويقوِّم المسار الديني للمتعلّم، بإمداده مقومات السلوك الصحيح والخلق الرّصين الذي منبعه شريعة المصطفى r، وتزويده بالسلاح العلمي الحقيقي والزاد الشرعي الصحيح في مواجهة أيّ غزو ثقافي غربية مفاده إفساد الأخلاق أو إلقاء سهام الفتنة ودعوى الانفتاح الذي ليس له غرض إلا تنشئة طالب على قالب غربي منحط خلقيّاً مشبعاً بالغث من الثقافة الانحلالية، حيث تمّ عرض كل الآليات التي تعتمد عليها الوسائط الدينية بمختلفها على مستوى ربوع القطر الجزائري في مواجهة التحديات التي يواجهها الوسط المدرسي، وتوضيح كيف تكون التنشئة الدينة مراقبا للسلوك الفردي في تصرفاته ومعاملاته، إذ تستمر معه موردا لا ينفد، وكذلك ذكر بعض النماذج الحية التي نالت قصب السبق في الفوز بالغاية الحميدة والنجاحات في كل الميادين بسبب هذه اللبنة الرصينة، مع ذكر بعض الاقتراحات و التوصيات.
الكلمات المفتاحية: الوسط التعليمي، التربية الاسلامية، التحديات، وسائط التعليم الديني،
مقدمة:
يعتبر العلم السبيل الأوحد للوصول إلى الغاية المحمودة والهدف المنشود، به تعرف الحقائق وتستنار دروب الحياة، وهو صمّام أمان للأمم و درب ريادتها وأساس بناء مجدها، وسلاحها على أعدائها، وأمة الإسلام هي أول الأمم التي رفع الله بالعلم شأنها وجعل رايتها تعلو كل الرايات، فبالعلم أمر نبيها رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم، وبه علم العالمين، فكان أول الكلمات نزولا على قلبه قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: 1]، فكان منها أن شيّد مدرسة تخرّج منها عظماء عجز رحم التاريخ أن يلد أمثالهم، صحابته وأتباعهم ومن سار على دربهم، فرفعوا للحق رايته، ونشروا السلم والسلام واخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، تلك هي المدرسة المحمدية ومن تخرج منها.
وعلى سبيلها سارت الأمة عصورا من الزمن فأصبحت المدارس الإسلامية بمختلف تسمياتها من جامعات ومعاهد وكتاتيب منائر للحق ومصدرا للعلم والمعرفة، إلى أن حطّت رحالها في هذا الزمن الذي ترامت فيه الفتن وانزوى أهل الحق بمعزل حيث حلّ أهل الباطل محلهم، فأصبحت مدارس التعليم ملاذً لكل ما هو سيئ ورديء، فظهرت في الأمة العربية والإسلامية عامة، والجزائر خاصة نماذج من المدارس والجامعات تعتبر في الكثير من الأحيان وكراً لأهل الفساد، وموطنا لكل الآفات الاجتماعية المذمومة، فنشأ في العديد منها أجيالا طغت عليهم مظاهر التربية الفاسدة، وعشعش في وسطها عِللٌ أعْيت أهل العقل أن يجدوا لها حلا وطريقا إلى للخلاص منها، إذ وجدوا أن الأمر متجذّر ومتغلغل، والمؤسسة التربوية ليست رهينة لما يحدث داخلها، وليست معزولة عن محيطها، وان الجو الذي تعيشه هو إعادة إنتاج لما هو خارجي، فالمدرسة والجامعة ما هي إلا احتواء لتلك الأخلاق والمبادئ التي تربى عليها التلميذ وطالب، فهناك محطات أخرى يتدرج فيها التلميذ يتحلى فيها بأفكارها وغرسها، كالأسرة والمجتمع، وكذا اللبنات التي بنيت بها شخصيته.
فالتربية الخلقية والدينية التي يترعرع فيها الطفل هي كالماء الذي يتروى منه ليينع ثمره ويستوي عوده، والمتقلب في صفحات التاريخ يجد أن التربية الإسلامية هي النواة الأساسية لتكوين الشخصية المتّزنة التي تبتعد عن طرق الظلال والغواية، ولك في مدرسة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم خير مثال، ونموذج الصحابة الذين درسوا فيها وتخرجوا منها، وكذا المدارس الجزائرية التي نشأ فيها رعيل الثورة وجيش المجاهدين الذين تغذّوا بمبادئ الدّين والأخلاق والإيمان والعقيدة الصحيحة، جعلهم يضربون لنا أمثلة في الشخصية الإسلامية المتّزنة، رغم ظلام المستدمر المستبدّ الذي ضرب عليهم بسيفه، وقيّد حريتهم، فانشق من ذلك الظلام، ابن باديس وجمعية العلماء المسلمين والزوايا، وكذا جميع محطات التعليم، إلى أن نالت الجزائر استقلالها، وسلكت مدارس التعليم فيها مسلكا عقلانيا صحيحا بعيدا عن الآفات السيئة، حتى تداعت فيها بعض المظاهر السلبية أفرزت وسطا علميا أغلب ما يقال عليه أنه متعفن بأنواع من الظواهر الاجتماعية السلبية، كالمخدرات وسوء الأدب مع المعلم، والعنف الجسدي، والتسيب المدرسي، والطيش وبعض الأفكار الهدامة، المظلة، وطبيعة المعلم فيها والمتمدرس.
ولمستبصر أن يعرف أن لهذا سببه، وأن لهذه النتائج سبل إليها، ومن خلال ذلك وبحثا عن مكمن الداء و استقراءً لتاريخ التعليم ومدارسه في العالم الإسلامي عامة والجزائر خاصة، فلابد من تشخيص الداء، ومعرفة الدواء، وتسليط الضوء والتركيز على التربية الإسلامية التي كان لها دور في تقويم وترشيد العقل ورسم الطريق الصحيح، وتربية الأجيال على الآداب الفاضلة، في بيئة تسودها المظاهر الحقيقية للتعلم، في ظل ما هو عليه الوسط التعليمي في زمننا الراهن الذي يستدعي البحث عن آليات وسبل الخلاص من وحل الآفات التي تترنخ في المؤسسات التربوية والتعليمية والتي تعيق ذهنية التلميذ عن الدراسة بل احترام مدرسته أو معلّمه، وعليه فإن الإشكالية التي تفرض نفسها، هي: إلى أي مدى يمكن للتربية الإسلامية والتنشئة الدينية أن تسير بالوسط التعليمي إلى بر الأمان بعيدا عن كل الآفات التي تضره؟ وما مدى تأثير الوسط الديني في عقلية المتمدرس في ظل ما تواجهه البيئة التعليمية الجزائرية من تحديات؟
أولا: الوسط التعليمي الجزائري
الأصل في علاج المشكلة، هو تشخيص الداء وبعدها وصف الدواء، أو النظر إلى الأسباب التي تؤدي إليها، ثم النظر في الحلول المقترحة والآليات التي تصلح حلا حقيقيا، ومنه فمعرفة واقع الوسط التعليمي المتمثل في كل المؤسسات التربوية والتكوينية، والنظر إليه من كل الزوايا والكشف عن التحديات وكل العوائق التي يواجهها، هو السبيل لإيجاد الحلول والبدائل، وعليه يجدر بنا معرفة الوسط التعليمي والواقع الذي عليه المؤسسات التربوية والتعليمية بكل أشكالها حكومية كانت أو خاصة، تربوية أو مهنية، وما هي الآفات الاجتماعية التي تعتريه ومنه النظرة العلاجية والطرق العملية لذلك.
-1تعريف الوسط التعليمي:
الوسط التعليمي متمثل في المدرسة، وكل ما يقاس عليها من الهياكل التعليمية الأخرى، ولقد عرفت على أنها: ” المؤسسة الخطيرة التي أنشاها المجتمع لتتولى تربية نشئه الطالع وهي تلك المؤسسة القيمة على الحضارة الإنسانية هي الأداة التي تعمل مع الأسرة على تربية الطفل “[1]، ويرى أحمد محمد “أن المدرسة بناء اجتماعي يستمد مقوماته المؤسسية من التكوين الاجتماعي العام, تستمد منه هذه المؤسسة فلسفتها وسياساتها وأهدافها وتسعى إلى تحقيقها من خلال الوظائف و الأدوار التي تقوم بها “[2]، ويعرفها عدلي سليمان بأنها “المنشأة أو المنظمة التي تتم من خلالها العملية التعليمية سواء في شكل روضة أطفال أو مدرسة أو معهد أو كلية أو مركز تعليمي، ولكل مدرسة أهداف ومناهج وبرامج وخدمات وكذا أدوات و غيرها”[3].
من المدرسة يتكون الوسط التعليمي المتمثل في المراحل عليها المتمدرس خلال مدة زمنية معينة، وكذا تختلف الوسائط التعليمية من مؤسسات تربوية إلى مهنية، كالمعاهد، ومدارس ذات طابع ديني كالمدارس القرآنية وغيرها، كل هذا في جملته هو وسائط تعليمية تحوي المتمدرس على حسب الرغبة والميول.
2- النظام التربوي في الجزائر
النظام التربوي في الجزائر مر على مراحل كثيرة تنوعت فيها التقسيمات والمناهج، وهذا تبعا للظروف التي مرت عليها من الاستعمار وما تبعه، إن إصلاح المنظومة التربوية أعاد تنظيم التعليم الإلزامي بإقامة كيانين متمايزين بوضوح يتمثلان في: المدرسة الابتدائية ومؤسسة التعليم المتوسط، وهكذا، تم تخفيض مدة طور التعليم الابتدائي من 6 إلى 5 سنوات مع إدخال مرحلة التربية التحضيرية والعمل على تعميمها بالتدرج، وتمديد مدة طور التعليم المتوسط من 3 إلى 4 سنوات. [4]
التربية التحضيرية:
تشكل التربية التحضيرية مقوّما قاعديا في تربية الأطفال وتحضيرهم للالتحاق بالتعليم الابتدائي، بإتاحة الفرصة لهم للتعلم وتطوير قدراتهم البدنية والذهنية والابتكارية والنفسية الاجتماعية، إنها ترمي كذلك إلى تطوير شخصيتهم وإيقاظ حسهم الجمالي وجعلهم يكتسبون المهارات الحسية الحركية وكذا العادات الحميدة التي تعدهم للحياة الجماعية كما ترمي أيضا إلى إكسابهم العناصر الأولى للقراءة والكتابة والحساب.
إن التربية التحضيرية، في مفهوم القانون التوجيهي للتربية، هي المرحلة الأخيرة للتربية ما قبل المدرسية، وهي التي تحضر الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين خمس وست سنوات للالتحاق بالتعليم الابتدائي، يشير القانون التوجيهي إلى التعميم التدريجي للتربية التحضيرية بمشاركة الهيئات الإدارية والمؤسسات العمومية والجمعيات وكذا القطاع الخاص.
التعليم الأساسي:
يشكّل التعليم الأساسي الذي مدته 9 سنوات، التربية القاعدية المشتركة بين كافة التلاميذ، يمنح التعليم الأساسي في المدرسة الابتدائية ذات الخمس سنوات وفي المتوسطة ذات الأربع سنوات.
التعليم الابتدائي/مهامه:
يتمثل الهدف العام للتعليم الابتدائي في تطوير قدرات الطفل بمنحه العناصر والأدوات الأساسية للمعرفة وهي: التعبير الشفوي والكتابي والقراءة والرياضيات. يتيح التعليم الابتدائي للطفل اكتساب تربية ملائمة تمكنه من توسيع إدراكه للزمن والمكان والأشياء ولجسمه كما يسمح له بتطوير ذكائه وحسه واستعداداته اليدوية والبدنية والفنية، وكذلك اكتساب تدريجي للمعرفة المنهجية كما يعده لمتابعة الدراسة بالتعليم المتوسط في أحسن الظروف.
يجري التعليم الابتدائي بالمدرسة الابتدائية التي تشكل مؤسسة قاعدة لكل النظام التربوي الوطني. يتيح القانون الأساسي لهذه المؤسسة لأن تحصل على الوسائل الضرورية لأداء مهمتها وإعداد مشروع للمؤسسة، يحدد مشروع المؤسسة، تحت سلطة المدير، الكيفيات الخاصة لتنفيذ البرامج الوطنية بضبط النشاطات المدرسية وترتيبات التكفل بمختلف فئات التلاميذ.
التعليم المتوسط/مهامه:
يشكل التعليم المتوسط المرحلة الأخيرة من التعليم الأساسي بغاياته الخاصة وبكفاءات محددة جيدا، مما يضمن لكل تلميذ قاعدة من الكفاءات الضرورية، في مجال التربية والثقافة والتأهيل، وهو الأمر الذي يسمح له بمواصلة الدراسة والتكوين في مرحلة ما بعد الإلزامي أو بالاندماج في الحياة العملية.
يجري التعليم المتوسط بمؤسسات التعليم المتوسط/تنظيمه:
تدوم الدراسة في طور التعليم المتوسط 4 سنوات ويدرّس في هذا الطور أساتذة متخصصون في مختلف المواد التعليمية.
الوسائل التعليمية في الابتدائي والمتوسط: يمثل الكتاب المدرسي الأداة الأساسية في التعليم الأساسي.
التعليم الثانوي العام والتكنولوجي: لقد أعيد تنظيم التعليم ما بعد الإلزامي في إطار إصلاح المنظومة التربوية، انطلاقا من السنة الدراسية 2005/2006. تتركب هذه المرحلة من 3 مقاطع:
المقطع الأول: التعليم الثانوي العام والتكنولوجي.
المقطع الثاني: التكوين والتعليم المهنيين، المقطع الثالث: التعليم العالي.
يتبين جليا أن خطاطة التعليم الثانوي العام والتكنولوجي يكتسي ميزة تتمثل في التناسق بين التعليم الإلزامي في المرحلة القبلية وفي انسجام مع إعادة تنظيم التعليم العالي والمسلك المهني في المرحلة البعدية.
*شكل يمثل الإطار الهيكلي للنظام التربوي في الجزائري بكل أطواره
لقد مرّت الجزائر بالكثير من التغييرات في المجال التعليمي من عهد الاستعمار إلى يومنا هذا من خلال التبني لمختلف التقسيمات لمراحل التعليم وكذلك مناهج التدريس وطبيعة التعامل مع المعلم والمتعلم، والذي يهمنا نحن في بحثنا أن رغم هذه الميزات التي يتجلى بها النظام التربوي إلا أنه لا يؤدي إلى النتائج الجيدة من ناحية جودة التعليم وكذا نوعية الطالب والمتمدرس في كل هذه الأطوار، بل تجد من المظاهر السلبية ما يغطي تلك الجهد المبذولة، وهذ كله عائد إلى ما يتغلغل في الوسط التعليمي من بعض المظاهر الاجتماعية السيئة، وبعض السلوكيات الخاطئة والتي هي تحديات تواجه عجلة التعليم للمضي قدما وهي ما نتناولها في هذا العنصر.
ثانيا: التحديات في الوسط التعليمي الجزائري
التحديات المعاصرة يقصد بها تلك العوائق التي تعترض طريق المنظومة التعليمية أو التي تتخلل الوسط التعليمي ونذكر منها ما هو متعلق بموضوع بحثنا وهي، الآفات الاجتماعية، التي غزت كل المؤسسات التربوية والأطوار الدراسية، وهي كثيرة و تختلف باختلاف المكان والزمان واختلاف طبيعة وثقافة المجتمع “فالمدرسة مجتمع تتعدد فيه العلاقات، فهي أكثر تباينا واتساعا من البيئة الأسرية والمجتمع المدرسي يقارن المراهق نفسه وبين الزملاء، من حيث المكانة الاجتماعية والثقافية والخصائص الشخصية ويتأثر بهم ويؤثر فيهم”[5]،ومن بين المظاهر السلبية في الوسط التعليمي الجزائري:
-العنف المدرسي: يعرف أنه :” مجموع السلوك غير المقبول اجتماعيا، بحيث يؤثر على النظام العام للمدرسة ويؤدي إلى نتائج سلبية بخصوص التحصيل الدراسي، ويحدد في العنف المادي كالضرب والمشاجرة والسطو على ممتلكات المدرسة أو الغير، والتخريب داخل المدرسة والكتابة على الجدران والاعتداء الجنسي والقتل والانتحار وحمل السلاح والعنف المعنوي كالسبّ والشتم والسخرية والاستهزاء والعصيان وإثارة الفوضى بأقسام الدراسة”[6]، وقد برزت ظاهرة العنف بقوة في المجتمعات الحديثة نظرا لتفاعل هذه الفئة مع مختلف الوسائل الحديثة وكذلك طبيعة الحالة الاجتماعية، “فإن العنف ظاهرة ارتبطت بالاختلافات والتمايزات ذات الصلة بالثقافة الاجتماعية والتركيب الثقافي والسياسي والاقتصادي لهذا المجتمع أو ذاك”[7]، ولقد أجريت الكثير من الدراسات[8] للبحث عن أسباب العنف المدرسي، توصلوا إلى الكثير منها، كالمشاكل الأسرية، وطبيعة المجتمع والفقر، وبعض الخصائص الوراثية، وكذا طبيعة المدرسة و المعلمين وغيرها.
-المخدرات: إن تعريف المخدرات يختلف باختلاف النظرة إليها فلا يوجد تعريفا يتفق عليه العلماء يوضح معناها نظرا للتداخل في معنى الكلمة، ويعرف المشرع القانوني المخدرات على أنها: “كل مادة مسكّرة أو مفترة طبيعية أو مستحضرة كيميائيا، من شأنها أن تزيل العقل جزئيا أو كليا، وتناولها يؤدي للإدمان بما ينتج عنه تسمم في الجهاز العصبي فتضر الفرد والمجتمع، ويحظر تداولها أو زراعتها، أو صنعها إلا لأغراض يحددها القانون، وبما لا يتعارض مع الشريعة الاسلامية”[9]، وقد تعدد أسباب تعاطي المخدرات في المدرسة نذكر منها على سبيل المثال الأسرة ودرورها في التوجيه الحالة العائلية وطبيعة المجتمع والثقافات الغربية المستوردة وعدم تناغمها مع المجتمع الاسلامي، “فاللّامعيارية نوع من إفرازات العولمة والتقدم التكنولوجي والعلمي والتي بدورها أدت إلى أنماط جديدة للعيش تتماشى مع العصر الجديد، وتتناقض مع قيم المجتمع حيث جعلت المراهق يعيش حالة من التيه والصراع بين ما هو ملوم باتباعه من قوانين وقيم المجتمع بمؤسساته المختلفة سواء داخل الأسرة أو المدرسة، وبين ما هو متطلع إليه من قيم الثقافة الجديدة من خلال ما يشاهده في دنيا الغرب”[10].
وعند النظر للميدان الدراسي فقد كشفت دراسة حديثة عن الإدمان في الجزائر، أن 13% من الطالبات يتعاطين المخدرات، وتناولت الدراسة حالة لطالبات مقيمات في الأحياء الجامعية بالعاصمة، تؤكد فيها أن 22% ممن شملتهن الدراسة يتناولن المخدرات يوميا وبصورة منتظمة وأن 39% منهن يفعلن ذلك داخل الإقامة، فيما ذكرت أن 52% يتناولن المخدرات بصفة فردية، وضبطت الدراسة نسبة الطالبات اللائي لا يعرفن الكثير من المخدرات في الوسط الجامعي وكذا الإدمان بـ20%، هذه كعينة فقط يمكن القياس عليها لكل فئات الشباب وكذا جميع المدار والجامعات.
ومن الآفات التي تتعشش في الوسط المدرسي، التسيب، والاستعمال السيئ للتكنولوجيا، الهواتف النقالة على وجه الخصوص منها، وغيرها مما تعيشها الكثير من الدول العربية والإسلامية في أيامنا هذه، وكذا الترنّخ في أوحال الثقافة الغربية التي تتجلّى مظاهرها في شكل اللباس الذي يرتديه الجنسين سواء كان ساترا أو غيره فهو غالبه تقليد بدون بصيرة لمعتقدات شركيه أو عادات لا تنتمي لمجتمعاتنا، أو تلك التسريحات التي تلمحا بارزة على رؤوس المراهقين بمختلف أنماطها مستوحاة مما يشاهد عبر قنوات التواصل الاجتماعي ومنابر الشاشة والبرامج التي تعرض عبر أروقة الهوائيات المقعرة والتي غالبها دناءة وغث من السلوكيات والأخلاق، كل تلك المظاهر دليل على الثقافة التي يتحلى بها التلاميذ وخاصة المراهقين منهم، تجعل منهم أشكالا ممسوخة وعقولا صماء لمن يعتقدون بعقيدتهم، والتي تبعدهم تماما عن المجال التعليمي والوسط الذي يتمدرسون فيه، واغلبهم يصابون بالازدراء وعدم التقبل للمحيط الذي يتعلمون فيه هذا كله يدعوا لكل أشكال العنف وعدم الرغبة في التحصيل العلمي.
وفي هذا الإطار بدأت الجزائر في التفكير بوضع برنامج وطني لمكافحة العنف وكل الآفات الاجتماعية داخل المدارس منذ الدخول المدرسي 1999/2000م، ولقد شكلت وزارة التربية الوطنية لجنة وطنية لتحضير استراتيجية وطنية للمكافحة والوقاية من العنف داخل المدارس الجزائرية، ونفي هذا الإطار اقترح أعضاء اللجنة الوطنية ثلاثة محاور رئيسية للتفكير، تدور حول ميثاق المدرسي( charte de l’école)، والقوانين واللوائح الداخلية للمدرسة، وجالس الاتصال ودور المجالس المختلفة .
كما وضع القرار رقم 778/وت/أ خ و الذي يحتوي على تسعة مواد خاصة بالتلاميذ وكذلك القرار رقم 2/171/المؤرخ في 10 جوان 1992 الذي يتضمن منع العقاب البدني والعنف تجاه التلاميذ منعا باتا في جميع المؤسسات التعليمية، ورغم هذه التدابير المتخذة في مواجهة انتشار هذه الظاهرة إلا أنها لا تزال منتشرة في مؤسساتنا التربوية.
ومما سبق ذكره يتضح أن أغلب البرامج والإجراءات التي تتخذ من طرف بعض الحكومات والمنظمات والمدارس لمواجهة الآفات الاجتماعية ومعالجتها، ما تزال تتعامل مع المشكلة بعد وقوعها، ولا تتطلع إلى منعها قبل الوقوع عن طريق تغيير سلوك الأطفال واهتماماتهم، والعمل على تنشئة أجيال مسالمة محصنة بالأخلاق الإسلامية، تقدر قيمة الفرد والمجتمع والمعلم، وعليه فإن البرنامج المثالي يجب أن يكون قادرا على تغيير تفكير الأطفال واهتماماتهم قبل ارتكاب الجريمة أو الانغماس في وحل الأخلاق الدنيئة، ومن ثم يجب أن يتجه الاهتمام إلى التربية الإسلامية والتنشئة الدينية الصحيحة التي تصون الفرد في كل مراحل دراسته، والاعتناء بوسائط التربية الإسلامية التي منها الأسرة والمدرسة والإعلام، ولا بد من العمل على تقديم ثقافة دينية وأهداف تربوية وأخلاقية جديدة، لتكون مضمون الرسالة التي تقدم للفرد المتعلم (التلميذ) لصنع أجيال مسلمة تحترم القوانين والنظم وتقدر الحياة الإنسانية والبيئة التعليمية،
ثالثا: التنشئة الدينية ومصدرها للمتعلم:
- مفهوم التنشئة الدينية:
للتربية الإسلامية تعاريف كثيرة ومفاهيم كلها تنصب في قالب واحد، أنها التربية الشاملة الكاملة التي تصلح لكل زمان ومكان، فهي صياغة للفرد صياغة حضارية اسلامية، وإعداد شخصيته إعدادا شاملا ومتكاملا من حيث العقيدة والاخلاق والذوق والفكر والعقل، ليتحقق فيه الفرد الذي يكون الامة الوسط والأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس.
عرّفها الغلامي بأنها: “الإعداد الدقيق لتوجيه السلوك الإنساني توجيها صالحا لنمو شخصية الفرد لتزكو مواهبه وليدرك موازين الخير والفضيلة توخيا لحفظ كيانه وتوثيق بنائه ورفع شأنه.[11]“
وفي ضوء ما ذكر نستخلص أن التربية الإسلامية نظام متكامل للحياة يهدف إلى تعزيز الإيمان بالله وبناء السلوك الإنساني، وبالأخص في البيئة التعليمية وضرورة تسليح الطالب بها مما يجعله يسير في السبيل الصحيح، ويبتعد عن كل ما من شأنه أن يفسد الأخلاق كالآفات الاجتماعية والمظاهر السلبية التي تهدد المسار العلمي للطالب في كل أدواره الدراسية، فالتربية الإسلامية “ضرورة اجتماعية ونفسية، إذ الدين الإسلامي في حقيقته جاء لينق الانسان من عبادة الأصنام إلى عبادة الله وحده لا شريك له؟ وهذه العبادة الحقة تحرر عقله وتنور قلبه وتقوم سلوكه وتنقذه من الخرافة، وتحقق مصلحته الفردية”[12]، فهي كالحصن الذي يمنع التأثيرات السلبية أن تعيق أو تفسد المجال والبيئة التعليمية، وللتربية الإسلامية موارد ومحطات يتدرج عليها الإنسان بدءا من الأسرة التي هي اللبنة الأولى لبناء لتشييد الذهنية المستوية إلى كل ما من شانه أن يعين على تعلم السلوك الحسن كالمسجد والمدارس القرآنية والمجتمع وغيرها.
- وسائط التربية الإسلامية:
الحديث عن التربية الإسلامية ومصدرها هو الحديث عن الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم والشرائع التي يتضمنها، والمتمثلة في الوحيين، القرءان والسنة، وبالنسبة لموضوع البحث فإن الأمر متعلق بالوسط التعليمي وكيف له أن يصطبغ بالصبغة الدينية، حيث يجتمع فيه المعلم والمتعلم على نسق واحد من السلوك والأخلاق تنبع من مشكاة واحدة، وبالأخص إذا كان الأمر متعلقا بالتلميذ في مراحل دراسته الأولى إلى أعلى الدرجات من أين يستمد المبادئ والذهنية الصحيحة التي تجعله يسير على نهج صحيح يبعده عن الطيش وسقيم الأخلاق مما يؤثر سلبا على البيئة التعليمية، وأول المنابع لهذه التربية الأسرة.
أ- الأسرة:
وهي الخلية الأولى التي يتكون منها نسيج المجتمع، كما أنها الوسط الطبيعي الذي يتعهد الإنسان بالرعاية والعناية منذ سنوات عمره الأولى، وقد حث الإسلام على تكوينها والاهتمام بها لأثرها البارز في بناء شخصية الإنسان وتحديد معالمها منذ الصغر، وتتكون الأسرة في الغالب من مجموعة أفراد تجمعهم فيها ظروف المعيشة الواحدة ؛ وتربطهم رابطةٌ شرعيةٌ قائمةٌ على المودة والمحبة، فهي “جماعة من الأفراد يتفاعلون مع بعضهم البعض، وهي تعتبر الهيئة الأساسية التي تقوم بعملية التطبيع الاجتماعي للجيل الجديد، أي انها تنقل إلى الطفل خلال نموه جوهر الثقافة لمجتمع معين إذ يقوم الأبوان بغرس العادات والتقاليد والمهارات الفنية والقيم الاخلاقية في نفس الطفل، وكلها ضرورية لمساعدة العضو الجديد للقيام بدوره الاجتماعي والمساهمة في حياة المجتمع”[13]
تُعدُّ الأسرة أهم المؤسسات التربوية الاجتماعية التي لها الكثيـر من الوظائف، وعليها العديد من الواجبات الأساسية حيث تُعتبر بمثابة الحضن الأول الذي يعيش الإنسان فيها أطول فترةٍ من حياته، كما أن الفرد المتمدرس يأخذ عن الأُسرة العقيدة، والأخلاق، والأفكار، والعادات، والتقاليد، وغير ذلك من السلوكيات الإيجابية الدينية التي تحرصه من الزيغ و الضّلال مصداقا لقول صلى الله عليه وسلم:” مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ“.[14]
وتُعدّ الأسرة هي المصدر الأول في تكوين قيم الفرد واتجاهاته، وقد نوه القرآن الكريم بذلك في قوله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم 20 – 21] فحكمة الله أنه جعل يعد خلقه الأسرة مورد الأخلاق والرحمة والمودة، فهي التي تمده بالرصيد الأول من القيم والعادات الاجتماعية، وهي بذلك تمده بالضوء الذي يرشده في سلوكه وتصرفاته، ففي الأسرة يتلقى الطفل أول درس عن الحق والواجب، والسلوكيات الصائبة والخاطئة، والحسنة والقبيحة، وما يجوز عمله وما لا يجوز، والمرغوب فيه وغير المرغوب فيه، وماذا يجب عمله، وماذا يجب تجنبه، ولماذا، وكيف يكسب رضا الجماعة، وكيف يتجنب سخطها؟
للأسرة وظائف كثيرةٌ ومتنوعة لا سيما أنها تُعنى بتنمية ورعاية جميع الجوانب الشخصية للإنسان وخاصة الدينية منها، في مختلف مراحل عمره، وعلى الرغم من اشتراك الأسرة المسلمة مع غيرها من الأسر في أداء بعض الوظائف التربوية ؛إلا أن للأُسرة المسلمة بعضاً من الوظائف التربوية المميزة التي من أبرزها ما يلي :
- تحقيق عوامل السكون النفسي والطمأنينة لجميع أفراد الأسرة حتى تتم عملية تربيتهم في جوٍّ مُفعمٍ بالسعادة بعيداً عن القلق والتوتر والضياع، والتي تجعل من المتمدرس يتمتع بالهدوء والرزانة والبعد عن السلوكيات السلبية، عكس الأسرة غير المتدينة فإن أفرادها حين لا يحسون بالسكينة في جوها فإن ذلك ينعكس عليهم في الوسط التعليمي ومع زملائهم في الصف، ويأتي ذلك تحقيقاً لقوله عزّ وجل: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ٢١﴾ [الروم: 21].
- حُسن تربية الأبناء والقيام بواجب التنشئة الاجتماعية الإيجابية ، والعمل على صيانة فطرتهم عن الانحراف والضلال، تحقيقاً لقوله صلى الله عليه وسلم :” كُلُّ مولودٍ يُولدُ على الفطرة فأبواهُ يُهوِّدانِهِ، أو يُنصِّرانِهِ ، أو يُمجِّسانِهِ “[15]، ومعنى ذلك أن الدور الكلي للولدين في غرس المبادئ والمثل في شخصية الولد، فإما أن تكون على غير الإسلام من أخلاق يهودية أو مسيحية، وهذا ما يظهر في الكثير من الأسر في تتبعهم للمناهج الغربية والتأثر بكل ما هو من غير بيئتهم حتى ينطبع ذلك في سلوك الذرية الذين بدورهم يعيشون به كل مراحل دراستهم، عكس التربية الإسلامية التي يتعهد الوالدين بغرس تلك القيم التي تحترم الكبير وتوقر المعلم
- توفير مقومات التربية الإسلامية الصحيحة لأفراد الأسرة عن طريق العناية بمختلف الجوانب الشخصية للإنسان( روحياً، وعقلياً، وجسمياً). والحرص على توازنها وتكاملها لما لذلك كله من الأثر الكبير في تشكيل وتكوين الشخصية المسلمة السوية، والعمل على تفاعلها وتكيفها مع ما حولها من المكونات، ومن حولها من الكائنات بصورةٍ ايجابيةٍ ، ومستمرةٍ طول فترة الحياة.
- وظيفة المراقبة التي تقوم بها الأسرة تجاه أفرادها وخاصة الصغار والمراهقين منهم، في إبعاد كل ما منه أن يفسد فطرتهم والتفريق بينهم وبين أصدقاء السوء وكذا مراقبة التصرفات والسلوكيات وطريقة التعامل مع الآخرين، مصداقا لقوله عزّ وجلّ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6]. وكذا حمايتهم من شتى دواعي الانحراف، “والأصل بأن التربية الأسرية تجمع بين الأصالة والحداثة…فالتربية التقليدية لا تتفق مع مجتمع يتجه نحو الحداثة، والتربية الحديثة لا تتفق أيضا مع مجتمع لم يصل إلى درجة الحداثة تماما…فإن عدم الاتفاق على أسس حياتية واضحة ينشأ عنه تباين وتصادم بين مهو تقليدي وبين ما هو حديث…والنتيجة المتوقعة من ذلك هي الفوضى التربوية”.[16]
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الدور التربوي للأُسرة في عصرنا الحاضر قد تقلص بعض الشيء ولم يعد بنفس المنـزلة التي كان عليها من قبل، والسبب في ذلك أن هناك مؤسساتٍ اجتماعيةٍ أُخرى تمكنت في العصر الحاضر من مُزاحمة الأسرة والسيطرة على معظم الوقت الذي يقضيه الإنسان تحت تأثيرها ومن هذه المؤسسات وسائل الإعلام التي تُعد بحق في عصرنا أهم وأبرز المؤسسات التربوية الاجتماعية المؤثرة تأثيراً فاعلاً في حياة الإنسان صغيراً كان أو كبيراً، جاهلاً أو مُتعلماً، ذكراً أو أُنثى .
ب: المسجد :
يُعد المسجد أبرز وأهم المؤسسات الاجتماعية التربوية التي ارتبطت بالتربية الإسلامية ارتباطاً وثيقاً نظراً لعددٍ من العوامل التي أدت في مجموعها إلى ذلك الارتباط والتلازم، لا سيما وأن المسجد لم يكن في المجتمع المسلم الأول مجرد مكان لأداء العبادات المختلفة فقط بل كان أشمل من ذلك، إذ كان جامعاً لأداء العبادات من الفرائض والسُنن والنوافل، وجامعةً للتعليم وتخريج الأكفاء من الخلفاء والعلماء والفقهاء والأمراء، ومعهداً لطلب العلم ونشر الدعوة في المجتمع، ومركزاً للقضاء والفتوى، وداراً للشورى وتبادل الآراء، ومنبراً إعلامياً لإذاعة الأخبار وتبليغها، ومنـزلاً للضيافة وإيواء الغرباء، ومكاناً لعقد الألوية وانطلاق الجيوش للجهاد في سبيل الله تعالى، ومنتدُى للثقافة ونشر الوعي بين الناس، إلى غير ذلك من الوظائف الاجتماعية المختلفة.
وبذلك يمكن القول إن المسجد في الإسلام يُعد جامعاً وجامعةً، ومركزاً لنشر الوعي في المجتمع، وفي صقل شخصية طالب العلم بالأخلاق الحميدة وتعليقه بخالقه، كما يعتبر مكاناً لاجتماع المسلمين وأفراد المجتمع فتجتمع قلوبهم قبل أجسادهم مما يؤلف بينهم حيث تتشكل أواصر الحبة والاحترام بين الطالب ومعلمه، وهو بحق أفضل مكانٍ، وأطهر بقعةٍ، وأقدس محلِّ يمكن أن تتم فيه تربية وتنشئة الإنسان المسلم والتلميذ والطالب الجامعي على الأخص، ليكون بإذن الله تعالى فرداً صالحاً في مجتمعٍ صالحٍ، “فهو المكان الأساسي والرئيسي في صنع الاجيال المسلمة الواعية، وفي صنع الانسان المتكامل خلقا وسلوكا وعلما، المتكامل في كل ناحية من نواحي شخصيته حيث لا تطغى ناحية على أخرى”[17]. لعل من أهم ما يُميز رسالة المسجد التربوية في المجتمع المسلم أنه يُعطي التربية الإسلامية هويةً مميزةً لها عن غيرها، وأنه مكانٌ للتعليم والتوعية الشاملة، التي يُفيد منها جميع أفراد المجتمع على اختلاف مستوياتهم، وأعمارهم، وثقافاتهم، وأجناسهم؛ “فيمكن للمسجد أن يؤدي دوره الأول في حياة المسلمين وتربية أبنائهم وتوجيههم في النواحي الروحية والأخلاقية والاجتماعية، وذلك بأن نجعل منه مؤسسة تربوية بالمعنى الشامل، ذلك المعنى الذي يكاد يرادف معنى الحياة بكافة جوانبها، السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها من مجالات الحياة العامة للمسلمين”[18] .
إضافةً إلى فضل التعلم في المسجد، وما يترتب على ذلك من عظيم الأجر وجزيل الثواب، كما قال المولى عزّ وجل: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ٣٦﴾ [النور: 36]
وكذا ما يترتب على المسجد من إحداث التعارف والاخوة الاسلامية، وتخريج أصحاب الكفاءات[19] للقيام بأمور الامة ونشر الدعوة، والقضاء على الفواحش، وتعليم النظام ومحاربة الثقافات الغربية وتحصين المسلم بحصن القرآن والسنة من خلال الخطب والدروس التي تقام به، وقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ما اجتَمَعَ قَومٌ في بَيتٍ مِن بُيوتِ اللهِ تَعالى يَتلونَ كِتابَ اللهِ وَيَتَدارسونَه بَينَهم، إلَّا نَزَلتْ عليهمُ السَّكينةُ، وغَشِيَتهمُ الرَّحمةُ، وحَفَّتهمُ المَلائكةُ، وذكَرَهمُ اللهُ فيمَن عندَه”[20].
وعليه فإن المسجد هو الوسيلة التربوية الثانية بعد الأسرة، وخاصة إذا تعلق الأمر للطالب في الدراسة الثانوية أو المرحلة الجامعية، فإنه أدعى لفهم الخطاب الموجه إليه من خالقه، ليجعل من ذلك سلوكا في مجتمعه الدراسي.
جـ: المدرسة القرآنية:
والمدرسة القرآنية شأنها شأن المسجد في التربية الدينية إلا أنها تتميز بطابعها التعليمي الذي كثيرا ما يشبه المدارس الأخرى، والملاحظ أن المدارس القرآنية تنعدم فيها كل الآفات الاجتماعية والأخلاق السلبية، وهذا عائد للروح الدينية التي غرست في الناشئين في أحضانها، ولقد شهدت الجزائر نهضة علمية مباركة، بعد أن عمل الاحتلال الفرنسي على تجهيلها وتضييق الخناق على رجالات العلم والتعليم فيه، ” وكانت مدارس التعليم القرآني الحر بمثابة الدعاية لهذه النهضة، حيث ساهمت بقوة كبيرة في بعث الوعي لدى نفوس الشعب وغرس مبدأ الإسلام واللغة العربية في قلوب الناشئة..”[21]، وفي هذا المسعى قال الشيخ الإبراهيمي: “هذه الحركة العلمية الجليلة القائمة بالقطر الجزائري هي الأساس المتين للوظيفة الحقيقية، وهي التوجيه الصحيح للأمة الجزائرية، فغايتها التي ترمي إليها هي تصحيح القواعد المعنوية من عقل وفكر وروح وذهن، وتقوية المقومات الاجتماعية من دين ولغة وفضائل وأخلاق ، هذه حقيقة لا يمار فيها إلا مكابر”[22].
من هذا المنطلق كانت المدارس القرآنية والزوايا منبع إشعاع لكل أفراد الشعب الجزائري وخاصة المتعلمين منهم، فاحتضنت جيلا أرغم أنف فرنسا بمبادئه وأخلاقه التي أخذها في أحضانها، فكيف بها والحال في هذه الأيام لا تقوم بدورها في ظل توفر كل المقومات، وذهاب ظلام المستدمر، بل إن المدارس القرآنية تعتبر كالأساس لبناء شخصية الطالب والمتعلم، إذ هي أول مراحل تمدرسه، التي يتشبع فيها بعلوم القرآن وبركته التي تستمر معه زادا في كل مراحله التعليمية، وهي المنهل الذي يستقي منه كل الأخلاق الإسلامية التي تبعده عن الآفات التي تهدد مساره التعليمي، وتحصنه من الوقوع في الرذائل.
إنّ دور المدارس القرآنية في تربية النشء الصاعد دور مهم للغاية، ولقد أعطيت لهذه المدارس هذا الدور الرفيع لا فقط لأنها تربي وتوسع مدارك الأطفال، وتفتح عيونهم على آفاق جديدة، سيستفيدون منها في مستقبل أيامهم، ولكن أيضا، وعلى الخصوص تجعل منهم زيادة على كونهم متعلمين مواطنين صالحين يعرفون حق الله، ويحترمون حقوق الناس…إن دور المدرسة القرآنية زيادة على كونها تقوم بتربية النشء الصاعد تربية حسنة، تجعل منه– إن شاء الله تعالى- مواطنا صالحا مفيدا له ولعائلته، ولوطنه، ولأمته، وللناس جميعا، يجب أن تقوم أيضا ولكل الوسائل المتاحة لها تربية الذوق السليم، محببة له الطيب في الصوت وفي غيره، مكرهة له الفسوق والعصيان، وإن مما يحب أن تقوم به المدرسة القرآنية الآن في عالمنا الإسلامي، هي أن تحرك الهمم بدر الناس إلى منطلقهم السليم الذي منه انطلقوا فسادوا، تردنا ردا جميلا وبعلم، وعلى أساس علم إلى ثقافة القرآن المجيد، وهدي الرسول الكريم، لابد أن تعيد المدرسة القرآنية هذا النشء الصاعد، الذي نريده صالحا مصلحا.[23]
د: المكتبات العامة:
وهي أماكن خاصة تتوافر فيها الكُتب، والمراجع، والمواد المطبوعة أو غير المطبوعة التي تُقدِّم عدداً من الخدمات التعليمية، والتثقيفية، والإعلامية، والتوعوية خاصة منها الدينية اللازمة للتلميذ والطالب عل حد سواء في كل أطواره التعليمية، ويأتي من أبرز مهام المكتبات تسهيل مهمة الاطلاع والقراءة على القراء وطلاب العلم والدارسين، وتمكينهم من القيام بمهمة البحث والدراسة بأنفسهم من خلال المكتبات بالعودة إلى المصادر والمراجع الإسلامية، وللمكتبات العديد من المناشط التي تُسهم من خلالها في نشر الثقافة والمعرفة، وخدمة القضايا التربوية والتعليمية والاجتماعية ونحوها. ولعل من أبرز هذه المناشط والإسهامات تنظيم المسابقات الثقافية، وعقد الدورات التدريبية، وإقامة المحاضرات والندوات المتنوعة، وتنظيم معارض الكتاب، ونحو ذلك من النشاطات المختلفة، وكذلك تعين البطال على استغلال أوقات الفراغ، لأن النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.
و: الصحبة الصالحة:
وهي نوعٌ من المؤسسات الاجتماعية التربوية التي لها تأثيرٌ كبير في تربية الإنسان انطلاقاً من كونه كائناً حيًّا اجتماعيًّا يميل بفطرته إلى الاجتماع بغيره، ولذلك فإن جماعة الرفاق في أي مجتمع بمثابة جماعةً أوليةً شأنها شأن الأُسرة في الغالب، لأنها صغيرة العدد، وتكون عضوية الفرد فيها تبعاً لروابط الجوار، والشريحة العُمرية، والميول، والدور الذي يؤديه الفرد في الجماعة، “فالصحبة هي تلك الجماعة الرسمية أو غير الرسمية التي تتكون من أعضاء يمكن أن يتعامل أفرادها مع بعض بعضا على أساس المساواة والتكافؤ، ولها بنية اجتماعية متميزة خاصة بها، كما لها وظائفها التي تؤديها لأعضائها”[24].
لجماعات الرفاق أثرٌ فاعلٌ في تربية الإنسان وتكوين شخصية التلميذ، لاسيما في سنوات مرحلتي الطفولة والمراهقة، حيث يكون أكثر تأثراً بأفراد هذه الجماعات الذين يكونون عادةً من الأنداد، سواء كانوا زملاء دراسةٍ، أو رفاق لعبٍ، أو أصدقاء عمر؛ أو غيرهم ممن يُرافقهم الإنسان لفترات طويلةٍ أو قصيرةٍ، كما قال صلى الله عليه وسلم:”المَرْءُ عَلَى دِيْنِ خَلِيلِهِ”[25] ولعل تأثير جماعة الرفاق على الإنسان عائدٌ إلى اختلاف أفرادها، وتنَّوع ثقافاتهم، وميولاتهم وخاصة الدينية منها، كما أن لكل جماعة من جماعات الرفاق ثقافةً خاصةً بهم، وهذه الثقافة تُعد فرعيةً ومتناسبةً مع مستوياتهم العقلية والعُمرية، وخبراتهم الشخصية، وحاجاتهم المختلفة، إلا أنها تختلف من جماعةٍ إلى أخرى، تبعاً للمستويات الثقافية والتعليمية و العُمرية، والأوساط الاجتماعية المتباينة.
وتجد في القرآن الكريم ما يتحدث الله جل جلاله فيه عن تأثير الرفقة في شخصية الفرد حتى انها تكون سببا لكفره وخروجه من الدين كما قال عزّ وجل:﴿يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا٢٨ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا﴾[الفرقان: 28-29]، فكيف بها في التأثير في عقلية المتعلم وبالتالي يتجلى ذلك في سلوكياته مع أقرانه في المدرسة أو الجامعة، أو أي مكان يجمعه بهم، وقد اهتمت التربية الإسلامية بجماعات الرفاق وأدركت أهميتها ودورها الفاعل في التأثير على سلوك الأفراد سواء كان ذلك التأثير سلبيًّا أو ايجابيًّا، ولعل خير دليلٍ على ذلك ما روي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” مثلُ الجليس الصالح و السَّوءِ كَحَامِلِ المسْكِ وَنَافِخِ الكِيرِ، فَحَامِلُ المسْك إمَّا أن يُؤذِيَكَ ، وإمَّا أنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ ، وإمَّا أن تجد منه ريحًا طيِّبَةً، ونافخُ الكِيرِ إمَّا أن يُحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحًا خبيثةً” [26]
وعلى الرغم من تعدد أنواع هذه المؤسّسات الاجتماعية وتعدد وظائفها و واجباتها إلا أن علاقة الإنسان المسلم بالمؤسسات التربوية في المجتمع تنطلق من كون التربية الإسلامية عمليةً تمتاز بخاصية الشمول والاستمرارية والتجدد، إذ إنه لا حد نهائي لتربية الإنسان المسلم، فهو طالب علم ومعرفة منذ أن يولد وحتى يموت، ولذلك فإن تربيته الشاملة ليست محدودةً بزمنٍ ما، أو مرحلةٍ معينةٍ، ولا تقتصر مسؤوليتها على مؤسسةٍ دون أُخرى، ولكنها مسؤولية جميع المؤسسات والأوساط التربوية في المجتمع، لأن الإنسان يمكن أن يكون عضواً في عدة مؤسسات تربوية تعليمية ما دام حيًّا، فمثلاً يكون الولد فرداً في أسرة، وطالباً في مدرس، وعضواً في النادي الرياضي، ومداوماً على الصلاة وحلقات العلوم في المسجد المجاور، وقد يكون الوالد أبـاً في المنـزل، ومدرساً في مدرسة، أو طبيباً في المستشفى، ومساهم في نشاط الإذاعة والتلفزة، وتكون السيدة أُمـًّا في المنـزل، وعضوةً في الجمعية النسائية، وطبيبةً أو مديرة وهكذا فحياة المسلم والتلميذ، كُلها خيـرٌ وإنتاج، تعتمد على مزيدٍ من التربية والتعليم.
وعليه فإن التربية الإسلامية لا تقتصر على مرحلة دون أخرى كي تكون لنا فردا صالحا مصلحا، وطالبا خلوقا مهذبا، بل إنها ترافق طالب العلم في كل فتراته العمرية والتعليمية، لتكون له الحارس الدائم والحصن المنيع من كل الانحرافات، ولذلك أمر الله جلّ جلاله بالتذكير:﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾[الذاريات:55]، ومن حكمته أن جعل تعدد هذه الوسائط من أسرة إلى مسجد إلى مدرسة قرآنية وأوصى بالخليل والصاحب الصالح، ليتناسب ذلك مع كل الفئات العمرية وكل الأوساط التعليمية، ابتدائية كانت أم جامعية.
خاتمة :
إن للمؤسسات التربوية المختلفة في المجتمع المسلم أهميةً بالغةً، وأثراً بارزاً في العملية التربوية بعامة والتعليمية بخاصة، الأمر الذي يفرض على المهتمين في الميدان التربوي والتعليمي مزيداً من العناية والاهتمام بها، والحرص على أن تكون مُتميـزةً في المجتمع المسلم، ومُختلفةً عن مثيلاتها في المجتمعات الأُخرى، وأن تكون التربية الإسلامية كأمر واجب، ومتعين على المعلم والمتعلم، قال الله تعالى ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾[الحشر: 7] نظراً لكون المجتمع المسلم ينفرد عن غيره من المجتمعات الأُخرى بمصادره، وأهدافه، وغاياته، وخصائصه التي تفرض على مؤسساته التربوية المُختلفة في المجتمع المُسلم أن تكون فريدةً هي الأُخرى، ومُتميزةً ، وقادرةً على تحقيق ما هو مرجوٌّ منها، لأنها هي المسؤولة عن تربية الإنسان المسلم، وإعداده لممارسة أدواره ووظائفه الاجتماعية المختلفة في الحياة، وكذا جدير بالذكر أن يكون تعاملنا مع هذه الآفات التي تسود الوسط التعليمي، تعاملا وقائيا، لا تعاملا علاجيا، حيث نبحث عن الأسباب التي تؤدي إلى ذلك فنستأصلها قبل أن يستفحل الأمر فيستعصي علينا علاجه، وقد نوه الله عز وجل إلى ذلك في كتابه العزيز في قوله عزّ وجل: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ﴾[الأعراف: 58]، فالمنشأ الطيب لا يكون منه إلا طيبا، والأسرة والوسط الاجتماعي اللذان يرتكزان على دعائم الأخلاق الإسلامية، لا يكون منهما إلا أجود الطلبة، والمتمدرسين، بل منهم تكون علية القوم من المتفوقين بالدرجات العليا من التعليم، وأما غيره من المجتمعات والأسر التي لا تعتمد على التربية الدينية كأداة للتقويم والتعليم فهي منشأ كل مجرم ومنحرف ومفسد وبهم تتلوث البيئة الدراسية، فالتربية الدينية الإسلامية هي المنهج القويم والأصلح لترشيد المسار التعليمي لطالب العلم، وهو الطريق الأنجع للوصول إلى الغاية المحمودة، في ظل ما تعانيه المدارس العربية والإسلامية على حد سواء، من مظاهر سلبية وآفات اجتماعية تكاد تعصف بالمنظومة التعليمية بكل أطوارها، ولنا في المدرسة المحمّدية خير دليل، والمدرسة الثورية الجزائرية التي كان منطلقها الدين، أصبحت أنموذجًا ومثالا في يحتذي بها في تخريج المفكرين والعلماء والمجاهدين والشهداء.
على ضوء ما سبق، نضع مجموعة من التوصيات المقترحات، يمكن وضعها في الاعتبار عند إعداد أي برنامج متكامل لعلاج مشكلة الآفات الاجتماعية في الوسط التعليمي وهي:
- التركيز على الأسرة ودورها الأساسي في غرس المبادئ الإسلامية للطفل في أول مراحله، من خلال التوعية وتوجيه الرسائل عن طريق الملتقيات وكل المنابر الدعوية.
- تفعيل دور المسجد وعدم الاقتصار على الخطب والمنبر، بل وجوب جلب الشباب وتعليمهم الجوانب الخفية عنهم، كالعمل الخيري والتطوعي وإشراكهم في ذلك.
- توطيد العلاقة بين طالب العلم والمدرسة القرآنية، سائر أيام السنة، ولا يقتصر ذلك على المدرسة الصيفية فقط.
- تفعيل دور الإعلام الديني وتوجيهه للمتعلمين.
- غرس القيم والتقاليد الإسلامية في الشباب: حيث إن التمسك بالقيم والتقاليد الإٍسلامية، وبيان موقف الدين الإسلامي من تعاطي المخدرات والخمور، أو استعمال العنف أو التحرش، يعتبر من أهم الجوانب التي يمكن أن تساعد في تقليص حجم المشكلة، فقد ثبت من خلال الدراسات أن العلاج بالإيحاء الديني له أثر كبير في مساعدة المدمن على التخلص من السلوكيات السلبية، ولعل أهمية التمسك بالفرائض الإسلامية ترجع إلى:
- أن العبادات الإسلامية توفر للشباب الوقت الكافي لكي يتأمل نفسه بالنسبة للكون الكبير والخالق العظيم كما أنها تخفف من الشعور بالذنب وتساعد على توفير الطمأنينة لشعور الشخص بأن الله بجانبه في السراء والضراء
- أنها تعطي للشباب شعوراً بأنه ينتمي لجماعة كبيرة تشترك معه في التفكير والعقيدة، وفي تأدية العبادات بنفس الطريقة، وهذا شعور بالانتماء إلى الجماعة ينمي الشعور بالأمن والاستقرار.
- التحذير من الظلم، وعواقبه، لأن الآفات الاجتماعية تفقد العقل مما يجعل التلميذ في مقام المعتدي.
- التذكير أن الجزاء من جنس العمل، كما تدين تدان.
قائمة المصادر والمراجع:
- الابراهيمي، بشير، آثار محمد البشير الإبراهيمي، جريدة البصائر، ط1، دار الغرب الاسلامي، الجزائر، 1997.
- أحمد حويتي، العنف المدرسي الأسباب والمظاهر، دراسة ميدانية في ثانويات بالجزائر العاصمة؛ فورام للنشر الجزائر، 2004.
- البخاري، صحيح البخاري، كتاب الجنائز ، باب ما قيل في أولاد المشركين، ط1، دار طوق النجاة، دمشق.
- البشيري، عامر بن سابع بن محمد، دور المرشد الطلابي في الحد من العنف في المدارس، رسالة ماجستير، جامعة نايف، السعودية، 2005.
- الترمذي، محمد بن عيسى، الجامع الكبير، كتاب الزهد، باب ما جاء بأخذ المال بحقه، دط، دار الجيل، بيروت، 1998.
- التهامي، الراجحي الهاشمي، دور المدارس القرآنية، مجلة دعوة الحق، العدد330، سبتمبر 1997م.
- جابر، جابر عبد الحميد، وآخران، مهارات التدريس، دط، دار النهضة، القاهرة، 1982.
- حدار، عبد العزيز، حالة اللّامعيارية والمشكلات النفسية والاجتماعية لدى الشباب الجزائري العوامل المسببة وسبل التجاوز، بحث مقدم في الملتقى الوطني حول التحولات الاجتماعية وانعكاساتها النفسية على الشباب في المجتمع الجزائري، جامعة الجزائر، 2013، 02-06ماي.
- حسن، محمد، الأسرة ومشكلاتها، دط، دار النهضة العربية، بيروت (لبنان)، 1981.
- حوري، محي الدين، الجريمة أسبابها وكافحتها، دط، دار الفكر للنشر والتوزيع، دمشق، 2003.
- الحيلة، محمد محمود، التصميم التعليمي نظرية وممارسة، ط1، دار المسيرة، عمان، 1999.
- دحمان، زيرق، دور المدارس القرآنية في تنمية القيم الاجتماعية للتلميذ-دراسة ميدانية بمدينة الجلفة- رسالة ماجستير، جامعة محمد خيضر بسكرة، السنة الجامعية 2011-2012.
- ربيع، حمد الله، الفوضى التربوية في الوسط الغربي، مسؤولية الأسرة والمجتمع، باقة الغربية، أكاديمية القاسمي، 2005.
- الرفاعي، محمد عبد اللطيف، خطبة الجمعة أهميتها، تأثيرها، واقعها، كيفية النهوض بها، دط، مطبعة جروس برس، لبنان، 1995.
- سعيد، اسماعيل علي، معاهد التعليم الاسلامي، دط، دار الثقافة، مصر، 1978.
- سليمان، عدلي، المدرسة والمجتمع من منظور اجتماعي، دط، مكتبة الأنجلو المصرية، مصر، 1994.
- عبد المنصور، محمد فوزي، اتجاهات الفكر التربوي المعاصر في إسرائيل.
- فرج، عبد اللطيف حسين، منهج المدرسة الثانوية في ظل تحديات القرن الواحد والعشرين، دط، دار الثقافة، عمان، 2009.
- كرم سليمان، سميحة عبد الرحمن، توجيه المراهقين نحو والديهم أو أقربائهم وعلاقته ببعض سمات شخصياتهم، مجلة علم النفس-العدد40، الهيئة المصرية العامة لكتاب، القاهرة، 1997.
- محمد, أحمد علي الحاج، أصول التربية ، ط 2 ، دار المناهج ، عمان, 2003.
- مسلم، صحيح مسلم، دط، دار إحياء التراث العربي، بيروت ، 2001.
- مسلم، صحيح مسلم، دط، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 2010.
- موقع وزارة التربية الوطنية، education.gov.dz.
- ناصر، إبراهيم : أسس التربية, ط 2 ، دار عمار ، عمان, 1409.
- وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، رسالة المسجد، عدد خاص بجائزة الجزائر الدولية، نوفمبر 2004م.
[1] ناصر، إبراهيم : أسس التربية, ط 2 ، دار عمار ، عمان, 1409، ص181.
[2] محمد, أحمد علي الحاج، أصول التربية ، ط 2 ، دار المناهج ، عمان, 2003، ص242.
[3] سليمان، عدلي، المدرسة والمجتمع من منظور اجتماعي، دط، مكتبة الأنجلو المصرية، مصر، 1994، ص56.
[4] موقع وزارة التربية الوطنية، www.education.gov.dz.
[5] فرج، عبد اللطيف حسين، منهج المدرسة الثانوية في ظل تحديات القرن الواحد والعشرين، دط، دار الثقافة، عمان، 2009، ص109
[6] البشيري، عامر بن سابع بن محمد، دور المرشد الطلابي في الحد من العنف في المدارس، رسالة ماجستير، جامعة نايف، السعودية، 2005، ص23.
[7] عبد المنصور، محمد فوزي، اتجاهات الفكر التربوي المعاصر في إسرائيل.
[8] مثل دراسة فوزي أحمد بن دريدي سنة 2007، تحت عنوان العنف لدى التلاميذ في المدارس الثانوية الجزائرية، ولقد اختير لهذه الدراسة ثانويتان بولاية سوق أهراس.
[9] حوري، محي الدين، الجريمة أسبابها وكافحتها، دط، دار الفكر للنشر والتوزيع، دمشق، 2003، ص511.
[10] حدار، عبد العزيز، حالة اللّامعيارية والمشكلات النفسية والاجتماعية لدى الشباب الجزائري العوامل المسببة وسبل التجاوز، بحث مقدم في الملتقى الوطني حول التحولات الاجتماعية وانعكاساتها النفسية على الشباب في المجتمع الجزائري، جامعة الجزائر، 2013، 02-06ماي، ص16.
[11] جابر، جابر عبد الحميد، وآخران، مهارات التدريس، دط، دار النهضة، القاهرة، 1982، ص65.
[12] الحيلة، محمد محمود، التصميم التعليمي نظرية وممارسة، ط1، دار المسيرة، عمان، 1999، ص145.
[13] حسن، محمد، الأسرة ومشكلاتها، دط، دار النهضة العربية، بيروت (لبنان)، 1981، ص02.
[14] البخاري، صحيح البخاري، كتاب الجنائز ، باب ما قيل في أولاد المشركين، ط1، دار طوق النجاة، دمشق، رقم1319.”
[15] سبق تخريجه
[16] ربيع، حمد الله، الفوضى التربوية في الوسط الغربي، مسؤولية الأسرة والمجتمع، باقة الغربية، أكاديمية القاسمي، 2005، ص29-32 بتصرف.
[17] الرفاعي، محمد عبد اللطيف، خطبة الجمعة أهميتها، تأثيرها، واقعها، كيفية النهوض بها، دط، مطبعة جروس برس، لبنان، 1995، ص312
[18] أنظر، سعيد، اسماعيل علي، معاهد التعليم الاسلامي، دط، دار الثقافة، مصر، 1978، ص100-102
[19] تجلى أثر المسجد جليا في الطلبة والتلاميذ الذين تخرجوا منه والذين زاولوا حفظ القرآن وسماع الدروس والتفقه في الدين في رحابه من خلال حلق الذكر والدروس والخطب المسموعة، ولذلك تبرز علامات التفوق والارتقاء لهؤلاء الطلبة توفيقا من الله وبركة القرآن الكريم والهدي النبوي، وهذ ما نلاحظه في المتفوقين في كل المستويات التعليمية الابتدائي والمتوسط والثانوي والجامعي، وقد شهدت سنة 1442هـ/2020م زمرة من أوائل الناجين لشهادة الباكالوريا حفظة لكتاب الله كلهم يتمتعون بمعالي الاخلاق التي استمدوها من بيوت الله.
[20] مسلم، صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر، دط، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 2010، رقم:4997
[21] دحمان، زيرق، دور المدارس القرآنية في تنمية القيم الاجتماعية للتلميذ-دراسة ميدانية بمدينة الجلفة- رسالة ماجستير، جامعة محمد خيضر بسكرة، السنة الجامعية 2011-2012، ص120.
[22] الابراهيمي، بشير، آثار محمد البشير الإبراهيمي، جريدة البصائر،ج3، ط1، دار الغرب الاسلامي، الجزائر، 1997، ،ص312.
[23] التهامي، الراجحي الهاشمي، دور المدارس القرآنية، مجلة دعوة الحق، العدد330، سبتمبر 1997م، ص23.
[24] كرم سليمان، سميحة عبد الرحمن، توجيه المراهقين نحو والديهم أو أقربائهم وعلاقته ببعض سمات شخصياتهم، مجلة علم النفس-العدد40، الهيئة المصرية العامة لكتاب، القاهرة، 1997، ص82.
[25] الترمذي، محمد بن عيسى، الجامع الكبير، كتاب الزهد، باب ما جاء بأخذ المال بحقه، دط، دار الجيل، بيروت، 1998، ج4، ص589، رقم: 2378.
[26] مسلم، صحيح مسلم، كتاب البرّ والصلة والآداب، باب استحباب مجالسة الصالحين ومجانبة مقارنة السوء، ، دط، دار إحياء التراث العربي، بيروت ، 2001، رقم4891.